نفسه في مكانه ، وإنّما درس القضية أو قرأها من خارج الظرفين الزماني والمكاني ، وراح يسبح في فضاء هذا الإمام العظيم ولكن كمن يطير بلا جناح ، أو كمن يتعلّم السباحة علىٰ حصير...
فبعضهم يزعم أنّه اعتزل السياسة والتصدّي بعد فجيعته بوالده وإخوته ، وغدر الغادرين من أهل زمانه ، فاكتفىٰ بالتضرّع والدعاء (١).
وبعضهم يحلّل إنّه آثر الدعاء والبكاء علىٰ غيرهما ؛ لأنّهما أيسر مؤونةً وأقلُّ كلفةً من المواجهة والنزال وحزِّ الرؤوس وجزِّ الرقاب.. (٢).
وبعضهم يقول إنّه آثر الدعة والراحة طمعاً بهما بعد أن رأىٰ ما رأىٰ من هول المصائب التي حلّت باخوته وأهل بيته في مجزرة كربلاء...
ويشطح صنف آخر أكثر من هؤلاء جميعاً فيزعم أنّه صالح وساوم السلطة ونأىٰ بنفسه بعيداً عن الثورات الشيعية التي تفجّرت في زمانه ؛ بل تبرأ منها في السرِّ والعلن (٣) ـ حسب زعمهم ـ ومن هنا فإنّه أخذ علىٰ أيدي هؤلاء الثوار وخذلهم وتنصّل من مسؤوليته تجاه ثوراتهم ، وما إلىٰ ذلك من هذه الدراسات المبتورة والتحليلات الشوهاء...
فلنتوقف قليلاً أمام هذه المزاعم وندرسها بموضوعية وتأنٍ بعيداً عن لغة البُعد الواحد والنظرة الأحادية والتحليل الجاهز ، وباختصار شديد طبعاً ، آملين ألّا نكون في هذا البحث الموجز مختزلين أو قافزين علىٰ ظهر التاريخ والمؤرخين..
_______________________
(١) راجع جهاد الشيعة / الدكتورة الليثي : ٢٩.
(٢) حياة علي بن الحسين عليهالسلام / كاظم جواد السبتي : ٣٢٠. ونظرية الإمامة / صبحي الصالح ٣٤٩.
(٣) ثورة زيد / ناجي الحسن : ٣٠ ـ ٣١. وجهاد الشيعة / الدكتورة الليثي.