يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ) (١) قال ومن يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه ومن يرد أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا ( يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ) حتى يشك في كفره ويضطرب في اعتقاد قلبه حتى يصير ( كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ) و ( كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ).
أبو الصلت الهروي قال : سأل المأمون الرضا عليهالسلام عن قول الله عز وجل : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٢).
فقال إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فنعلم ( أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع ثم ( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) وهو مستول على عرشه وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء فنستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى مرة بعد مرة ولم يخلق العرش لحاجة به إليه لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس بجسم تعالى الله عن صفة خلقه علوا كبيرا.
وأما قوله ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الامتحان والتجربة لأنه لم يزل عليما بكل شيء.
فقال المأمون فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.
ثم قال له يا ابن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل : ( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (٣) ( وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ) (٤).
فقال الرضا عليهالسلام حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهالسلام قال إن المسلمين قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ما كنت لألقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا ( وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) فأنزل الله تعالى عليه يا محمد ( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ) على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمن عند المعاينة ورؤية البأس من الآخرة ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا ولكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد ( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )
__________________
(١) الأنعام : ١٢٥.
(٢) يونس ـ ٩٩.
(٣) هود ـ ٧.
(٤) يونس ـ ١٠٠.