وروي عن الحسن بن محمد النوفلي (١) أنه كان يقول : قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله ثم قال له إن ابن عمي علي بن موسى الرضا قدم علي من الحجاز يحب الكلام وأصحابه فعليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته.
فقال سليمان يا أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند القوم إذا كلمني ولا يجوز الاستقصاء عليه.
قال المأمون إنما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط.
فقال سليمان حسبك يا أمير المؤمنين اجمع بيني وبينه وخلني وإياه.
فوجه المأمون إلى الرضا عليهالسلام فقال له إنه قدم علينا رجل من أهل مرو وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت.
فنهض عليهالسلام للوضوء ثم حضر مجلس المأمون وجرى بينه وبين سليمان المروزي كلام في البداء ـ بمعنى الظهور لتغير المصلحة واستشهد عليهالسلام بآي كثيرة من القرآن على صحة ذلك مثل قول الله ( يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) (٢) و ( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ ) (٣) و ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) (٤) و ( ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ) (٥) و ( آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ) (٦) وأمثال ذلك.
فقال سليمان يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء ولا أكذب به إن شاء الله (٧).
__________________
(١) قال العلامة الحلي رحمهالله في القسم الثاني من الخلاصة ص ٢١٣ : « الحسن بن محمد بن سهل النوفلي ضعيف ».
(٢) الروم ـ ١١.
(٣) فاطر ـ ١.
(٤) الرعد ـ ٤١.
(٥) فاطر ـ ١١.
(٦) التوبة ـ ١٠٧.
(٧) عقيدتنا نحن الإمامية في البداء تتلخص فيما يلي؟
لقد ثبت من الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت سلام الله عليهم أن الله سبحانه وتعالى خلق لو حين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات :
الأول : اللوح المحفوظ :
وهو اللوح المطابق لعلمه تعالى لا يحدث فيه أي تبدل أو تغيير.
الثاني ـ لوح المحو والإثبات :
وهو الذي يتغير ويتبدل ما فيه حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية قبل وقوعه وتحققه في الخارج.
وهذا اللوح ـ أعني ـ لوح المحو والإثبات تطلع عليه الرسل والأنبياء والأوصياء والملائكة ، وقد روي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنه قال : إن الله علمين : علم مكنون مخزون لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء ، وعلم علمه ملائكته وأنبياءه ورسله فنحن نعلمه.
ومعنى البداء ظهور الشيء بعد خفائه ، وهو في عقيدة الإمامية : ظهور الشيء من الله لمن يشاء من خلقه بعد إخفائه عنهم فقولنا : « بدا لله » معناه بدا لله شأن أو حكم وليس معناه ظهر له ما خفي عليه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وورد عن الإمام الصادق عليهالسلام أنه قال : إن الله لم يبدله من جهل ، وقال عليهالسلام : ما بدا لله في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له. إذن فالبداء : هو محو ما كان ظاهرا في لوح المحو والإثبات وتبديله بما سبق في علم الله الثابت في اللوح المحفوظ الذي لا يقبل التغيير والتبديل.