دخلت الرقة فذكر لي أن بدير زكن رجلا مجنونا حسن الكلام فأتيته فإذا أنا بشيخ حسن الهيئة جالس على وسادة يسرح رأسه ولحيته فسلمت عليه فرد السلام وقال ممن يكون الرجل؟ قال قلت من أهل العراق قال نعم أهل الظرف والأدب.
قال من أيها أنت؟ قلت من أهل البصرة قال أهل التجارب والعلم.
قال فمن أيهم أنت؟ قلت أبو الهذيل العلاف قال المتكلم؟ قلت بلى.
فوثب عن وسادته وأجلسني عليها ثم قال بعد كلام جرى بيننا ما تقولون في الإمامة؟ قلت أي الإمامة تريد.؟
قال من تقدمون بعد النبي صلىاللهعليهوآله قلت من قدم رسول الله صلىاللهعليهوآله قال ومن هو؟
قلت أبا بكر.
قال لي يا أبا الهذيل ولم قدمتم أبا بكر.؟
قال قلت لأن النبي صلىاللهعليهوآله قال : قدموا خيركم وولوا أفضلكم وتراضى الناس به جميعا قال يا أبا الهذيل هاهنا وقعت.
أما قولك إن النبي صلىاللهعليهوآله قال قدموا خيركم وولوا أفضلكم فإني أوجدك (١) أن أبا بكر صعد المنبر قال وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم فإن كانوا كذبوا عليه فقد خالفوا أمر النبي صلىاللهعليهوآله وإن كان هو الكاذب على نفسه فمنبر رسول الله لا يصعده الكاذبون.
أما قولك إن الناس تراضوا به فإن أكثر الأنصار قالوا منا أمير ومنكم أمير وأما المهاجرون فإن الزبير بن العوام قال لا أبايع إلا عليا فأمر به فكسر سيفه وجاء أبو سفيان بن حرب وقال يا أبا الحسن لو شئت لأملأنها خيلا ورجالا يعني المدينة وخرج سلمان فقال بالفارسي كرديد ونكرديد وندانيد كه چه كرديد (٢) ـ والمقداد وأبو ذر فهؤلاء المهاجرون والأنصار.
أخبرني يا أبا الهذيل عن قيام أبي بكر على المنبر وقوله إن لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني
__________________
فقال له أبو الحسن : قد ثبت أن إبليس يعلم الشر كله والخير كله؟
قال أبو الهذيل : أجل.
قال : فأخبرني عن إمامك الذي تأتم به بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله هل يعلم الخير كله والشر كله؟ قال : لا.
قال له : فابليس أعلم من إمامك إذا فانقطع أبو الهذيل.
توفي أبو الهذيل بسرمن رأى سنة ٢٧٧. الكنى والألقاب ج ١ ص ١٧٠.
(١) في ج ٢ من العقد الفريد ص ٣٤٧ قال : وخطب أيضا ـ يعني : أبا بكر ـ حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فان رأيتموني على حق فأعينوني ، وإن رأيتموني على باطل فسددوني .. الخ.
(٢) أي : فعلتم وما فعلتم ولا تعلمون ما الذي فعلتم.