قال يا ابن عباس اربع على نفسك وكف لسانك وإن كنت لا بد فاعلا فليكن ذلك سرا لا يسمعه أحد علانية ـ.
ثم رجع إلى بيته فبعث إليه بمائة ألف درهم ونادى منادي معاوية أن قد برئت الذمة ممن يروي حديثا من مناقب علي وفضل أهل بيته وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة فاستعمل زياد ابن أبيه وضم إليه العراقين الكوفة والبصرة فجعل يتتبع الشيعة وهو بهم عارف يقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وصلبهم في جذوع النخل وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى نفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور ـ فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس أو طريد أو شريد.
وكتب معاوية إلى جميع عماله في جميع الأمصار أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة وانظروا قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه ومحبي أهل بيته وأهل ولايته والذين يروون فضله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا بمن يروي من مناقبه واسم أبيه وقبيلته ففعلوا حتى كثرت الرواية في عثمان وافتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصلات والخلع والقطائع من العرب والموالي وكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في الأموال والدنيا فليس أحد يجيء من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلا كتب اسمه وأجيز فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية وفضله وسوابقه فإن ذلك أحب إلينا وأقر لأعيننا وأدحض لحجة أهل البيت وأشد عليهم ـ فقرأ كل أمير وقاض كتابه على الناس فأخذ الرواة في فضائل معاوية على المنبر في كل كورة وكل مسجد زورا وألقوا ذلك إلى معلمي الكتاتيب فعلموا ذلك صبيانهم كما يعلمونهم القرآن حتى علموه بناتهم ونساءهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله.
وكتب زياد ابن أبيه إليه في حق الحضرميين أنهم على دين علي وعلى رأيه فكتب إليه معاوية اقتل كل من كان على دين علي ورأيه فقتلهم ومثل بهم.
وكتب كتابا آخر انظروا من قبلكم من شيعة علي واتهمتموه بحبه فاقتلوه وإن لم تقم عليه البينة فاقتلوه على التهمة والظنة والشبهة تحت كل حجر حتى لو كان الرجل تسقط منه كلمة ضربت عنقه حتى لو كان الرجل يرمى بالزندقة والكفر كان يكرم ويعظم ولا يتعرض له بمكروه والرجل من الشيعة لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان لا سيما الكوفة والبصرة حتى لو أن أحدا منهم أراد أن يلقي سرا إلى من يثق به لأتاه في بيته فيخاف خادمه ومملوكه فلا يحدثه إلا بعد أن يأخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمن عليه ثم لا يزداد الأمر إلا شدة ـ حتى كثر وظهر أحاديثهم الكاذبة ونشأ عليه الصبيان يتعلمون ذلك.
وكان أشد الناس في ذلك القراء المراءون المتصنعون الذين يظهرون الخشوع والورع فكذبوا وانتحلوا الأحاديث وولدوها فيحظون بذلك عند الولاة والقضاة ويدنون مجالسهم ويصيبون بذلك