الكعبة لا محاريبكم وقصدتم بالكعبة إلى الله عز وجل لا إليها.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله أخطأتم الطريق وضللتم أما أنتم ( وهو صلىاللهعليهوآله يخاطب الذين قالوا إن الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا ) فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات ـ أويحل ربكم في شيء حتى يحيط به ذاك الشيء فأي فرق بينه إذا وبين سائر ما يحل فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته ولم صار هذا المحلول فيه محدثا وذلك قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال وهو عز وجل كان لم يزل وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال وما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء لأن ذلك أجمع من صفات الحال والمحلول فيه وجميع ذلك متغير الذات فإن كان لم يتغير ذات الباري تعالى بحلوله في شيء جاز أن لا يتغير بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر ويصفر وتحله الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين ويكون محدثا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله فإذا بطل ما ظننتموه من أن الله يحل في شيء فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم.
قال فسكت القوم وقالوا سننظر في أمورنا.
ثم أقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله على الفريق الثاني فقال أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها وصليتم فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذي أبقيتم لرب العالمين؟ ـ
أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي به عبده أرأيتم ملكا أو عظيما إذا سويتموه بعبده في التعظيم والخضوع والخشوع أيكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير؟ فقالوا نعم.
قال أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون (١) على رب العالمين؟
قال فسكت القوم بعد أن قالوا سننظر في أمرنا.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله للفريق الثالث لقد ضربتم لنا مثلا وشبهتمونا بأنفسكم ولسنا سواء وذلك أنا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا وننزجر عما زجرنا ونعبده من حيث يريده منا فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد إلى غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا لأنا لا ندري لعله إن أراد منا الأول فهو يكره الثاني وقد نهانا أن نتقدم بين يديه فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعناه ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها فأطعناه ولم نخرج في شيء من ذلك من اتباع أمره.
والله حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره ـ فليس لكم أن تقيسوا ذلك
__________________
ـ اصله في المسجد ، وهو اسم خص به صدر المجلس فسمي صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد ، وكأن هذا أصح قال تعالى ( يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ ).
(١) تزرون : تعيبون وتعاتبون.