قال علي عليهالسلام وأما قوله عز وجل : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً ) وقوله ( وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وقوله عز وجل ( يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) وقوله عز وجل يوم القيامة ( إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ) وقوله ( لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ) وقوله ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) فإن ذلك في مواطن غير واحد ـ من مواطن ذلك اليوم الذي ( كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) المراد ( يَكْفُرُ ) أهل المعاصي بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا والكفر في هذه الآية البراءة يقول فيبرأ بعضهم من بعض ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان : ( إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) وقول إبراهيم خليل الرحمن ( كَفَرْنا بِكُمْ ) يعني تبرأنا منكم.
ثم يجتمعون في مواطن أخر يبكون فيها فلو أن تلك الأصوات فيها بدت لأهل الدنيا لأزالت جميع الخلق عن معايشهم وانصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ولا يزالون يبكون حتى يستنفدوا الدموع ويفضوا إلى الدماء.
ثم يجتمعون في مواطن أخر فيستنطقون فيه فيقولون ( وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وهؤلاء خاصة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد فلا ينفعهم إيمانهم بالله لمخالفتهم رسله وشكهم فيما أتوا به عن ربهم ونقضهم عهودهم في أوصيائهم واستبدالهم ( الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) ـ فكذبهم الله فيما انتحلوه من الإيمان بقوله : ( انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) فيختم الله على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت منهم ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون ( لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ).
ثم يجتمعون في موطن آخر فيفر بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر وعظم البلاء فذلك قوله عز وجل : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) الآية.
ثم يجتمعون في موطن آخر يستنطق فيه أولياء الله وأصفياؤه فلا يتكلم أحد ( إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً ) فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالة التي حملوها إلى أممهم وتسأل الأمم فتجحد كما قال الله تعالى ( فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) فيقولون ( ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ ) فتستشهد الرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله فيشهد بصدق الرسل وتكذيب من جحدها من الأمم فيقول لكل أمة منهم بلى ( فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم ـ بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم كذلك قال الله لنبيه ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) فلا يستطيعون رد شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون ويشهد على منافقي قومه وأمته وكفارهم بإلحادهم وعنادهم ونقضهم عهده وتغييرهم سنته واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على أعقابهم وارتدادهم على أدبارهم واحتذائهم في ذلك سنة من تقدمهم من الأمم الظالمة الخائنة لأنبيائها فيقولون بأجمعهم : ( رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالمينَ ).