ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض (١) ـ وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض وخلوتم بالدعة (٢) ونجوتم بالضيق من السعة فمججتم ما وعيتم ودسعتم الذي تسوغتم (٣) فإِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ.
ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم (٤) والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ولكنها فيضة النفس ونفثة الغيظ وخور القناة (٥) وبثة الصدر وتقدمة الحجة فدونكموها فاحتقبوها دبرة (٦) الظهر نقبة الخف (٧) باقية العار موسومة بغضب الجبار وشنار الأبد موصولة بنار ( اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) فبعين الله ما تفعلون و ( سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) وأنا ابنة نذير ( لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ) فاعملوا ( إِنَّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ).
فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان وقال يا بنت رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما رءوفا رحيما وعلى الكافرين عذابا أليما وعقابا عظيما إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء وأخا إلفك دون الأخلاء (٨) آثره على كل حميم وساعده في كل أمر جسيم لا يحبكم إلا سعيد ولا يبغضكم إلا شقي (٩) بعيد فأنتم عترة رسول الله الطيبون الخيرة المنتجبون على الخير أدلتنا وإلى الجنة مسالكنا وأنت يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك سابقة في وفور عقلك غير مردودة عن حقك ولا مصدودة عن صدقك والله ما عدوت رأي رسول الله ولا عملت إلا بإذنه والرائد لا يكذب أهله ـ وإني أشهد الله وكفى به شهيدا أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه (١٠) وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون
__________________
(١) أخلدتم : ملتم. والخفض : السعة والخصب واللين.
(٢) الدعة : الراحة والسكون.
(٣) الدسع : القيء ، وتسوغ الشراب : شربه بسهولة.
(٤) الجذلة : ترك النصر ، خامتكم : خالطتكم.
(٥) الخور : الضعف ، والقناة : الرمح. والمراد من ضعف القناة هنا : ضعف النفس عن الصبر على الشدة.
(٦) فاحتقبوها : أي احملوها على ظهوركم ، ودبر البعير : أصابته الدبرة بالتحريك وهي جراحة تحدث من الرحل.
(٧) نقب خف البعير : رق وتثقب.
(٨) الإلف : هو الأليف بمعنى المألوف ، والمراد هنا ، الزوج لأنه إلف الزوجة وفي بعض النسخ « ابن عمك ».
(٩) في ذخائر العقبى ، ـ لمحب الدين الطبري ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله « لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي ، ولا يبغضنا إلا منافق شقي » أخرجه الملا.
(١٠) نقل الإمام المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين « قدسسره » في كتابه الجليل « النص والاجتهاد » عن الأستاذ المصري المعاصر محمود أبو رية ما يلي :
« قال » : بقي أمر لا بد أن نقول فيه كلمة صريحة ، ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وما فعل معها في ميراث أبيها ، لأنا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي ، وأنه قد ثبت أن النبي ـ