.................................................................................................
______________________________________________________
الثانية : نية من غلب عليه الشوق إلى ما أعد الله للمحسنين في الجنة من نعيمها وحورها وقصورها فهو يعبد الله لتحصيل تلك الأمور.
وهاتان نيتان صحيحتان على الأظهر وإن توهم الأكثر بطلان العبادة بهما ، لغفلتهم عن معنى النية كما عرفت.
والعجب أن العلامة (ره) ادعى اتفاق العدلية على أن من فعل فعلا لطلب الثواب أو خوف العقاب فإنه لا يستحق بذلك ثوابا.
وأقول : لهاتين النيتين أيضا مراتب شتى بحسب اختلاف أحوال الناس ، فإن من الناس من يطلب الجنة لحصول مشتهياته الجسمانية فيه ، ومنهم من يطلبها لكونها دار كرامة الله ومحل قرب الله ، وكذا منهم من يهرب من النار لألمها ، ومنهم من يهرب منها لكونها دار البعد والهجران والحرمان ، ومحل سخط الله كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام في الدعاء الذي علمه كميل بن زياد النخعي : فلئن صيرتني في العقوبات مع أعدائك ، وجمعت بيني وبين أهل بلائك ، وفرقت بيني وبين أحبائك وأوليائك فهبني يا إلهي وسيدي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك ، وهبني صبرت على حر نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك ، إلى آخر ما ذكر في هذا الدعاء المشتمل على جميع منازل المحبين ودرجات العارفين.
فظهر أن هاتين الغايتين وطلبهما لا تنافيان درجات المقربين.
الثالثة : نية من يعبد الله تعالى شكرا له فإنه يتفكر في نعم الله التي لا تحصى عليه ، فيحكم عقله بأن شكر المنعم واجب فيعبده لذلك ، كما هو طريقة المتكلمين ، وقد قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : أن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.