.................................................................................................
______________________________________________________
ظاهر جماعة من الأصحاب البطلان ، ويشكل بأن صلوات الحاجة والاستخارة وتلاوة القرآن والأذكار والدعوات المأثورة للمقاصد الدنيوية عبادات بلا ريب ، مع أن تكليف خلو القصد عنها تكليف بالمحال ، والجمع بين الضدين كان يقول أحد : ائت الموضع الفلاني لرؤية الأسد من غير أن يكون غرضك رؤيته ، أو اذهب إلى السوق واشتر المتاع من غير أن تقصد شراء المتاع ، وقد ورد في الأخبار الكثيرة منافع دنيوية للطاعات ككون صلاة الليل سببا لوسعة الرزق ، وكون الحج موجبا للغناء وأمثال ذلك كثيرة ، فلو كانت هذه مخلة بالقربة لكان ذكرها إغراء بالقبيح ، إذ بعد السماع ربما يمتنع تخلية القصد عنها.
نعم يمكن أن تؤول هذه القصود بالأخرة إلى القربة ، كان يكون غرض طالب الرزق صرفه في وجوه البر والتقوى به على الطاعة ، ومن يكون مقصوده من طول العمر تحصيل رضا الرب تعالى ، لكن هذا القصد لا يتحقق واقعا وحقيقة إلا لآحاد المقربين ولا يتيسر لأكثر الناس هذه النية وهذا الغرض إلا بالانتحال والدعاوي الكاذبة ، وتوهم أن الإخطار بالبال نية واقعية وبينهما بعد المشرقين فالظاهر أنه يكفي لكونه طاعة وقربة كونه بأمره سبحانه ، وموافقا لرضاه ومتضمنا لذكره والتوسل إليه وإن كان المقصود تحصيل بعض الأمور المباحة لنيل اللذات المحللة ، وأما النيات الكاملة والأغراض العرية عن المطالب الدنية الدنيوية فهي تختلف بحسب الأشخاص والأحوال ، ولكل منهم نية تابعة لشاكلته وطريقته وحالته ، بل لكل شخص في كل حالة نية تتبع تلك الحالة ، ولنذكر بعض منازلها ودرجاتها :
فالأولى : نية من تنبه وتفكر في شديد عذاب الله وأليم عقابه ، فصار ذلك موجبا لحط الدنيا ولذاتها عن نظره ، فهو يعمل كلما أراد من الأعمال الحسنة ويترك ما ينتهي عنه من الأعمال السيئة خوفا من عذابه.