.................................................................................................
______________________________________________________
يفهمها فضلا عمن يتعاطاها والناس في نياتهم في العبادات على أقسام أدناهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف فإنه يتقي النار ، ومنهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء فإنه يرغب في الجنة وكل من القصدين وإن كان نازلا بالإضافة إلى قصد طاعة الله وتعظيمه لذاته ولجلالة لا لأمر سواه ، إلا أنه من جملة النيات الصحيحة لأنه ميل إلى الموعود في الآخرة وإن كان من جنس المألوف في الدنيا.
وأما قول القائل إنه ينافي الإخلاص ، فجوابه أنك ما تريد بالإخلاص؟ إن أردت به أن يكون خالصا للآخرة لا يكون مشوبا بشوائب الدنيا والحظوظ العاجلة للنفس كمدح الناس والخلاص من النفقة بعتق العبد ونحو ذلك فظاهر أن إرادة الجنة والخلاص من النار لا ينافيان الإخلاص بهذا المعنى ، وإن أردت بالإخلاص أن لا يراد بالعمل سوى جمال الله وجلاله من غير شوب من حظوظ النفس وإن كان حظا أخرويا فاشتراطه في صحة العبادة متوقف على دليل شرعي وأنى لك به؟ بل الدلائل على ، خلافه أكثر من أن تذكر ، مع أنه تكليف بما لا يطاق بالنسبة إلى أكثر الخلائق لأنهم لا يعرفون الله بجماله وجلاله ، ولا تتأتى منهم العبادة إلا من خوف النار أو للطمع في الجنة.
وأيضا فإن الله سبحانه قد قال « ادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً » (١) « وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً » (٢) فرغب ورهب ووعد وأوعد ، فلو كان مثل هذه النيات مفسدا للعبادات لكان الترغيب والترهيب والوعد والوعيد عبثا بل مخلا بالمقصود.
وأيضا فإن أولياء الله قد يعملون بعض الأعمال للجنة وصرف النار لأن حبيبهم يحب ذلك أو لتعليم الناس إخلاص العمل للآخرة ، إذا كانوا أئمة يقتدى بهم.
هذا أمير المؤمنين سيد الأولياء قد كتب كتابا لبعض ما وقفه من أمواله فصدر
__________________
(١) سورة الأعراف : ٥٦.
(٢) سورة الأنبياء : ٩٠.