ولن يشاءوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى ثم قال يا محمد هذه الديانة التي من تقدمها مرق ومن تخلف عنها محق ومن لزمها لحق خذها إليك يا محمد
______________________________________________________
ظاهره تفويض تدبيرها إليهم من الحركات والسكنات والأرزاق والأعمار وأشباهها ، ولا ريب في أن كل ذلك يحصل بدعائهم واستدعائهم ، وأما كون جميع ذلك منهم يشكل الحكم فيه نفيا وإثباتا وقد مر الكلام فيه في باب التفويض ، ومن يسلك مسلك الحكماء ويمكنه تصحيح ذلك بأنه لما كان العقل الفعال عندهم مدبرا للكائنات ويجعلونه مرتبطا بنفس النبي وأوصيائه صلوات الله عليهم ارتباط النفس بالبدن فالمراد بخلقهم خلق ذلك النور المتعلق بهم المشرق عليهم ، وشهوده خلق الأشياء وتفويض الأمور إليه بزعمهم ظاهر ، لكن تلك المقدمات موقوفة على أمور مخالفة للشريعة والأصول المقررة فيها كما أومأنا إليه مرارا « فهم يحلون ما يشاءون » مبني على التفويض في الأحكام الذي مرت الإشارة إليه في بابه ، وقيل : فوض أمورها إليهم ، ( إلخ ) لبيان علمهم بجميع الأمور بحيث لا يتوقفون في شيء منها نظير قوله تعالى : « وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ » (١) وقوله : « إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ » (٢) مع علمنا بأنه لا يجوز عليه أن يشاء أو يريد خلاف مقتضى المصلحة فإحلالهم وتحريمهم يستحيل أن يتعلق بشيء إلا بعد علمهم بإحلال الله وتحريمه ، وهذا معنى قوله : « وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ » (٣) والاستثناء مفرغ ، وأن مصدرية والمصدر نائب ظرف الزمان ، والديانة الاعتقاد المتعلق بأصول الدين « تقدمها » أي تجاوزها بالغلو « مرق » كنصر أي خرج من الإسلام ، في الصحاح مرق إليهم من الرمية مروقا أي خرج من الجانب الآخر « محق » على المعلوم أي أبطل دينه ، أو على المجهول أي بطل ، في القاموس محقة كمنعه أبطله ومحاه ، انتهى.
« لحق » كعلم أي كان مع أئمة الهدى عليهمالسلام أو أدرك الحق « خذها إليك » أي احفظ تلك الديانة لنفسك.
__________________
(١) سورة إبراهيم : ٢٧.
(٢) سورة المائدة : ١.
(٣) وفي المتن « ولن يشاؤوا إلاّ أن يشاء الله ».