طاعتهم عليها وفوض أمورها إليهم فهم يحلون ما يشاءون ويحرمون ما يشاءون
______________________________________________________
فإن قيل : كيف يستقيم هذا مع قوله تعالى : « ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ » (١).
قلنا لا ينافي ذلك بل يؤيده لأن الضمير في « ما أَشْهَدْتُهُمْ » راجع إلى الشيطان وذريته أو إلى المشركين بدليل قوله تعالى : « وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً » (٢) فلا ينافي إشهاد الهادين للخلق ، قال تعالى : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً. ما أَشْهَدْتُهُمْ » إلخ.
قال الطبرسي (ره) أي ما أحضرت إبليس وذريته خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم مستعينا بهم على ذلك ، ولا استعنت بعضهم على خلق بعض ، وهذا إخبار عن كمال قدرته واستغنائه عن الأنصار والأعوان ، ويدل عليه قوله : « وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً » أي الشياطين الذين يضلون الناس أعوانا يعضدونني عليه ، وقيل : إن معنى الآية أنكم اتبعتم الشياطين كما يتبع من يكون عنده علم لا ينال إلا من جهته وأنا ما اطلعتهم على خلق السماوات والأرض ولا على خلق أنفسهم ، ولم أعطهم العلم بأنه كيف يخلق الأشياء فمن أين يتبعونهم؟ وقيل : معناه ما أحضرت مشركي العرب وهؤلاء الكفار خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم أي وما أحضرت بعضهم خلق بعض بل لم يكونوا موجودين فخلقتهم ، فمن أين قالوا : إن الملائكة بنات الله؟ ومن أين ادعوا ذلك ، انتهى.
« وأجرى طاعتهم عليها » أي أوجب على جميع الأشياء طاعتهم حتى الجمادات والسماويات والأرضيات كشق القمر وإقبال الشجر وتسبيح الحصى وأمثالها مما لا يحصى كثرة.
« وفوض أمورها إليهم » من التحليل والتحريم والعطاء والمنع وإن كان
__________________
( ١ و٢ ) سورة الكهف : ٥١.