ومضمون الآخرى : انّهم سمعوا ابا ذر الغفاري ـ بعد بيعة الغدير ـ يهتف بها في الاذان ، فرفعوا ذلك الى النبي صلىاللهعليهوآله فقال لهم : أما وعيتم خطبتي يوم الغدير لعليّ بالولاية؟
اما سمعتم قولي في ابي ذر « ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة اصدق من ابي ذر الغفاري؟ » انّكم لمنقلبون بعدي على اعقابكم (١).
ولقد اشار النبي صلىاللهعليهوآله الى قول الله تعالى : ( أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم )(٢).
وإنَّ حسان بن ثابت انشد في علي عليهالسلام يوم الغدير هذه الأبيات :
يناديـهم يـوم الغـدير نبـيـهـم |
|
بخم وأسـمع بـالرسـول مـنادياً |
يقـول فـمـن مـوالكـم ونبـيكم |
|
فقالـو ولم يبـدوا هناك التـعـاميـا |
__________________
(١) السياسة الحسينية : ص ١٠.
(٢) آل عمران ، الآية ١٤٤.
الهـك مـولانـا وأنـت وليـنـا |
|
ولـم تـرينـا في الـولاية عاصـيـا |
فـقـال له قم يـاعـلي فـاننـي |
|
رضـيتك من بعـدي امـامـا وهادياً |
عن اسحاق بن غالب قال :
قال أبو عبد الله عليهالسلام :
اذا جمع الله عزّوجلّ الاوّلين والآخرين اذا هم بشخص قد اقبل لم ير قط أحسن صورة منه ، فأذا نظر اليه المؤمنون [ وهو القرآن ] قالو : هذا منّا ،
هذا احسن شيء رأينا ، فأذا انتهى اليهم جازهم ـ الى ان قال عليهالسلام ـ حتى يقف عن يميني العرش فيقول الجبّار عزّوجلّ : وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لاكرمنّ اليوم من أكرمك ، ولأهيننّ من أهانك(١).
وفي وصيّة النبي صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام قال : وعليك بتلاوة القرآن على كلّ حال(٢).
__________________
(١) الكافي : ج ٢ ص ٤٤٠ ح ١٤.
(٢) الكافي : ج ٨ ص ٧٩ ح ٣٣ اورده عن المحاسن في الحديث ٢١.
« وقال صلىاللهعليهوآله :
« ان هذا القرآن هو النور المبين ،
« والحبل المتين ،
« والعروة الوثقى ،
« والدرجة العليا ،
« والشفاء الأشفى ،
« والفضيلة الكبرى ،
« والسعادة العظمى.
« من استضاء به نوّره الله.
« ومن عقد به أموره عصمه الله.
« ومن تمسّك به انقذه الله.
« ومن لم يفارق احكامه رفعه الله.
« ومن استشفى به شفاه الله.
« ومن آثره على ما سواه هداه الله.
« ومن طلب الهدى في غيره اضلّه الله.
« ومن جعله شعاره ودثاره اسعده الله.
« ومن جعله إمامه الذي يقتدي به ومقوله الذي ينتهي اليه
أواه الله « الى جنّات النعيم ،
« والعيش السليم »(١).
وقال الامام علي بن أبي طالب عليهماالسلام :
« ثمّ انزل عليه [ اي انزل الله على نبيه محمد صلىاللهعليهوآله :
« الكتاب نوراً لا تطفا مصابيحه ،
« وسراجا لا يخبو توقده ،
« وبحرا لا يدرك قعره ،
« ومنهاجا لايضل نهجه ،
« وشعاعا لا يظلم ضوؤه ،
« وفرقانا لا يخمد برهانه ،
« وتبيانا لا تهدم اركانه ،
« وشفاءً لا تخشى اسقامه ،
« وعزّاً لا تهزم انصاره ،
« وحقّاً لا تخذل اعوانه
« فهو معدن الايمان وبحبوحته
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٩٢ ص ٣١.
« وينابيع العلم وبحوره
« ورياض العدل وغدرانه
« وأثافي(١) الاسلام وبنيانه
« وآودية الحقّ ، وغيطانه
« وبحر لاينزفه المنتزفون
« وعيون لا ينضبها الماتحون
« ومناهل لا يغصها الواردون
« ومنازل لا يضل نهجها المسافرون
« وأعلام لا يعمى عنها السائرون
« وأكام لا يجوز عنها القاصدون
« جعله الله ريّا لعطش العلماء
« وربيعا لقلوب الفقهاء
« ومحاجا لطرق الصلحاء
« ودواءً ليس بعده دواء
« ونوراً ليس معه ظلمة
__________________
(١) جمع اثفيه ـ : الحجر الذي يوضع عليه القدر والمقصود منه عليه قام الاسلام.
« وحبلاً وثيقا عروته
« ومعقلا منيعا ذروته
« وعزّاً لمن تولاه
« وسلماً لمن دخله
« وهدىً لمن ائتمّ به
« وعذرا لمن انتحله
« ورهاناً لمن خاصم به
« وفلجا لمن حاجّ به
« وحاملا لمن حمله
« ومطيّة لمن اعمله
« وآية لمن توسّم
« وجنّة لمن استلأم
« وعلما لمن وعى
« وحديثا لمن روى
« وحكما لمن قضى »(١).
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١٩٨.
كيف نتلوا
كيف نتلوا؟
وعن عبدالله بن سليمن قال : سألت ابا عبدالله عليهالسلام عن قول الله عزّوجلّ ( ورتِّل القرآن ترتيلا ) (١) قال عليهالسلام قال امير المؤمنين عليهالسلام بيّنه تبيانا ولا تهزّه هزّ الشعر ،
ولا تنثره نثر الرّمل ، ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة (٢).
وعن الامام الصادق عليهالسلام : ( ورتّل القرآن ترتيلا ) قف عند وعده ووعيده وتفكّر في امثاله ومواعظه [ وقوله عليهالسلام : الوقوف عند ذكر الجنة والنار(٣).
وقال سبحانه وتعالى ( الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ
__________________
(١) سورة المزّمّل ، الآية ٤.
(٢) السرائر لابن ادريس : ص ٤٧٦ واورد الكليني (ره) في اصول الكافي : ج ٢ ص ٦١٤.
(٣) تفسير العياشي : ج ١ ص ٥٧.
تلاوته أُلئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون )(١).
ويروى عن النبي صلىاللهعليهوآله : [ قال ] اقرأوا القرآن بالحان العرب وأصواتها ، وإيّاكم ولحون أهل الفسق [ بعض النسخ أهل الفسوق ] [ وأهل الكبائر فأنه سيجيء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء ، والنوح والرّهبانّية. لايجوز تراقيهم [ لا يجوز مدحهم ورفع شأنهم ] ، قلوبهم مقلوبة [ بعض النسخ قاسية ] وقلوب من يعجبه شأنهم(٢).
وعنه صلىاللهعليهوآله : انّ الرّجل الأعجمي [ غير العربي ] من أمّتي ليقرآ القرآن بعجمته فترفعه الملائكة على عربيّته(٣).
وهناك آية شريفة دالة على هذا المطلب قوله تعالى في سورة فاطر آية عشرة [ اليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه ].
المقصود من الكلم الطيّب :
هي الكلمات الحسنة من التعظيم والتقديس وأيّ شيء أحسن من كتاب الله وذكر الله وأحسن الكلام ( لا اله الاّ الله ) سوى
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ١٢١.
(٢) الكافي : ج ٢ ص ٦١٤.
(٣) الكافي : ج ٢ ص ٦١٩ باب ( ان القرآن يرفع كما انزل ).
صدرة من عربيّ أو أعجميّ وهذه الكلمات تصعد الى الله لانّ الملائكة يكتبون اعمال بني آدم ويرفعونها الى حيث شاء الله سبحانه وتعالى وهذا معنى قوله تعالى ( كلاّ انّ كتاب الأبرار لفي علّيين )(١)
و ( كلاّ انّ كتاب الفجّار لفي سجّين )(٢).
وأمّا العمل الصالح فأفضل الأعمال خدمة الناس خير الناس أنفعهم للناس وقد اشارة الآية الشريفة الى ذلك ( أُولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون )(٣).
وعن أبي عبدالله عليهالسلام قال : تعلّموا العربيّة فأنها كلام الله الذي كلّم به خلقه ونطق به للماظين(٤).
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : حسنّوا القرآن بأصواتكم فأن الصّوت الحسن يزيد القرآن حسناً(٥).
وعن الإمام الصادق عليهالسلام في قوله تعالى : ( والذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته ) قال عليهالسلام : حقّ تلاوته هو الوقوف عند
__________________
(١) سورة المطففين ، الآية ١٨.
(٢) سورة المطففين ، الآية ٧.
(٣) سورة المؤمنين ، الآية ٦١.
(٤) الخصال للصدوق : ص ٢٥٨ ح ١٣٤.
(٥) عيون أخبار الرضا : ج ٢ ص ٦٩.
ذكر الجنّة والنار يسأل في الأولى ويستعيذ من الأخرى(١).
سئل النبي صلىاللهعليهوآله : ايّ الناس احسن صوتاً بالقرآن؟ فقال صلىاللهعليهوآله من إذا سمعت قراءته رأيت انه يخشى الله(٢).
وعن محمد بن الفضيل قال : قال أبو عبدالله عليهالسلام : يكره ان يقرأ قل هو الله أحد في نفس واحد(٣).
وعن أم سلمة أنها قالت : كان النبي صلىاللهعليهوآله : يقطع قراءته آية آية(٤).
وعن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ان الله عزّوجلّ اوحى الى موسى بن عمران عليهالسلام : إذا وقفت بين يدي فقف موقف الذّليل الفقير ،
واذا قرأت التوراة فأسمعنيها بصوت حزين(٥).
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : انّ القرآن نزل بالحزن فاذا قرأتموه فابكوا
__________________
(١) مجمع البيان : ج ١ ص ١٩٨.
(٢) بحار الانوار : ج ٩٢ ص ١٩٥.
(٣) الكافي : ج ٢.
(٤) مجمع البيان : ج ٥ ص ٣٧٨.
(٥) مجمع البيان : ج ٥ ص ٣٧٨.
فأن لم تبكوا فتباكوا(١).
وعن الإمام الصادق عليهالسلام قال ان رسول الله صلىاللهعليهوآله ، اتى شابّاً من الأنصار فقال صلىاللهعليهوآله انّي أريد ان اقرأ عليكم ( القرآن ) فمن بكى فله الجنّة فقرأ آخر الزّمر : ( وسيق الّذين كفروا الى جهنَّم زمرا ) الى آخر السورة ، فبكى القوم جميعا الاّ شابّا فقال [ الشاب ] يارسول الله قد تباكيت فما قطرت عيني.
قال صلىاللهعليهوآله أنّي معيد عليكم فمن تباكى فله الجنّة ، فأعاد صلىاللهعليهوآله عليهم فبكى القوم وتباكى الشاب فدخلوا الجنّة جميعاً (٢).
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام في وصف المتّقين قال :
« اما الليل فصافّون اقدامهم ،
« تالين لاجزاء القرآن ،
يرتلونه ترتيلا ،
يحزنون به انفسهم ،
__________________
(١) المستدرك : ج ١ ص ٢٩٤.
(٢) المجالس : ص ٣٢٥ وفي الأمالي للصدوق : ص ٤٣٧ / ١٠ المجلس ١.
يستثيرون به دواء دائهم ،
واذا مرّوا بآية فيها تخويف اصغوا اليها مسامع قلوبهم وابصارهم فاقشعرّت منها جلودهم ووجلت قلوبهم ،
فظّنوا انّ صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول آذانهم ،
واذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعا ،
وتطلّعت أنفسهم اليها شوقا ،
وظنّوا أنّها نصب أعينهم(١).
وعنه عليه افضل الصلاة والسلام قال : أنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء اخفى من الحقّ ولا أظهر من الباطل ....
ليس عند أهل ذلك الزمان سلعه ابور من الكتاب اذا تلي حق تلاوته ، ولا انفق منه اذا حرّف عن مواضعه ،
ولا في البلاد شيء انكر من المعروف ،
ولا اعرف من المنكر ....
فالكتاب يومئذ واهله طريدان منفيّان ... (٢).
__________________
(١) نهج البلاغة خطبة المتقين رقم ١٩٣.
(٢) نهج البلاغة خطبة ١٤٧. وليس بعيدا ان هذا الزمان هو الذي اشار اليه الإمام عليه افضل الصلاة والسلام.
وعن الإمام الصادق عليهالسلام : « في قوله تعالى : يتلونه حقّ تلاوته » :
« يرتلون آياته ويتفهّمون معانيه ،
« ويعملون باحكامه ،
« ويرجعون وعده ويخشون عذابه ،
« ويتمثّلون قصصه ،
« ويعتبرون أمثاله ،
« ويأتون اوامره ،
« ويجتنبون نواهيه ،
« وما هو والله بحفظ آياته وسرد حروفه ،
« وتلاوة سوره ودرس اعشاره واخماسه ،
« حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده ،
« وانّما هو تدبّر آياته.
يقول الله تعالى : ( كتاب انزلناه اليك مبارك ليدّبروا آياته )(١).
__________________
(١) تنبيه الخواطر : ص ٤٦٣ سورة ص الآية ٢٩.
قال العلامة المجلسي (ره) في البحار كان الإمام الرضا عليهالسلام في طريق خراسان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن ، فاذا مرّ بآية فيها ذكر جنّة او نار بكى وسأل الله الجنّة وتعوذّ به من النار(١) وقال المجلسي (ره).
قال سبحانه وتعالى ( الم يان للّذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما انزل من الحق )(٢).
وعن طاووس قال : سئل النبي صلىاللهعليهوآله : من أحسن الناس قراءة؟
قال صلىاللهعليهوآله : اذا سمعت قراءته رأيت أنّه يخشى الله (٣).
وعن الإمام الرضا عليهالسلام عندما سئل عن قرائته القرآن ، فأجاب :
« ما مررت بسورة الاّ فكرت في مكّيها ومدنيها ، وعامها وخاصها ، وناسخها ومنسوخها » الخ.
__________________
(١) بحار الانوار : ج ٩٢ ص ٢١٠.
(٢) سورة الحديد ، الآية ١٦.
(٣) كنز العمال : ج ٣ ص ٤١٤.
قارىءُ القرآن
عن أبي عبدالله عليهالسلام : في حديث : قال : انّ من الناس من يقرأ القرآن ليقال : فلان قارىء ،
ومنهم من يقرأ القرآن ليطلب به الدنيا ولا خير في ذلك ،
ومنهم من يقرأ القرآن لينتفع به في صلاته وليله ونهاره(١).
فأوّلهم مراءي في العمل ولا عمل له
وثانيهم مشرك في العمل والشرك كفر
وأما الثالث فهو المقصود من قارىء القرآن.
وعن أبي جعفر عليهالسلام قال : قرّاء القرآن ثلاثة :
رجل قرأ القرآن
« فاتّخذه بضاعة ،
« واستدرّ به الملوك ،
__________________
(١) الوسائل : ج ٦ ص ١٨١ ـ أصول الكافي : ج ٢ ص ٤٤٤.
« واستطال به على الناس ،
ـ ورجل قرأ القرآن :
فحفظ حروفه ،
وضيّع حدوده ،
وأقامه اقامة القدح ، فلا كثر الله هؤلاء من حملة القرآن.
ورجل قرأ القرآن :
« فوضع دواء القرآن على داء قلبه ،
« فاسهر به ليله ،
« واضمأ به نهاره ،
« وقام به في مساجده ،
« وتجافى به عن فراشه ،
« فبأولئك يدفع الله البلاء ،
« وبأولئك: ينزّل الله الغيث من السماء ،
فوالله هؤلاء في قرّاء القرآن اعزّ من الكبريت الأحمر (١).
__________________
(١) [ المقصود من الكبريت الأحمر هي مادّة كميائية تبدل النحاس ذهبا وهي اغلى من كل شيء يتصوره الانسان.