لمحات في أحكام الشريعة الإسلاميّة

السيد فاضل الموسوي الجابري

لمحات في أحكام الشريعة الإسلاميّة

المؤلف:

السيد فاضل الموسوي الجابري


الموضوع : الفقه
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-31-5
الصفحات: ١٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

علا التصرف في مال الصغير بالبيع والشراء وغيرهما (١).

٤ ـ شروط العوضين : هناك جملة من الشرائط التي ينبغي توفرها في المبيع ـ أي البضاعة ـ والثمن ، وهي : أن يكون عيناً فلا يجوز بيع المنفعة ولا العمل ، وان يكون المبيع مالاً يتنافس عليه العقلاء ، وكذلك الثمن. ولا يصح بيع الحقوق كحق الحضانة وما شابه ذلك. وأن لا يكون البيع غررياً ، فلا بد من تحديد المبيع والثمن بالمقدار أو الوزن أو العدد وما شابه ، وكذلك يشترط معرفة جنس العوضين وصفاتهما التي تختلف القيمة باختلافهما. وأن يكون كل واحد من العوضين ملكاً. ولا يجوز بيع الوقف إلّا في حالات خاصة. ولا بيع الأرض الخراجية وهي الأرض المفتوحة عنوة العامرة حين الفتح ؛ لانها ملك لكل المسلمين. ولا بد من أن يكون المبيع مقدوراً علىٰ تسليمه للمشتري فلا يجوز بيع السمك وهو في البحر أو النهر قبل اصطياده ، ولا الطير الطائر في الهواء ونحوه (٢).

٥ ـ الخيارات : الخيار هو حق يقتضي السلطنة على فسخ العقد برفع مضمونه. ويكون في حالات معينة على حسب نوع الخيار :

أ ـ خيار المجلس : فإذا وقع البيع كان لكل من البائع والمشتري الخيار في فسخ العقد ما داما في مجلس واحد ولم يتفرقا. وهذا الخيار مختص بالبيع ولا يجري في غيره من المعاوضات. ويمكن اسقاطه باشتراط سقوطه بالعقد.

ب ـ خيار الحيوان : فكل من اشترى حيواناً ثبت له الخيار ثلاثة أيام ، ______________

(١) قواعد الأحكام ١ : ١١٩ ـ ١٥٥ ، مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٣ ، مستند الشيعة ١٤ : ٢٦٣ ، رياض المسائل ٨ : ٢١٦ ، جامع المقاصد ٤ : ٦١.

(٢) مستند الشيعة ١٤ : ٣٠٤ ، جامع المقاصد ٤ : ٨٩.

٨١

مبدؤها زمان العقد ، وهو يسقط أيضاً باشتراط سقوطه في متن العقد ، وهو مختص بالبيع كذلك.

ج ـ خيار الشرط : وهو الخيار المجعول باشتراطه في العقد إمّا لكل من المتعاقدين أو لأحدهما بعينه أو لاجنبي ، وهو شرط صحيح في العقود اللازمة بالخصوص عدا عقد النكاح.

د ـ خيار الغبن : فإذا باع بأقل من قيمة المثل ثبت له الخيار ، وكذلك إذا اشترى بأكثر من قيمة المثل ، وينتفي هذا الخيار لمن علم بالحال. ويسقط هذا الخيار في حالات كاسقاطه بعد العقد ، واشتراط سقوطه في متن العقد ، وتصرف المغبون تصرفاً يدل على التزامه بالعقد إذا كان بعد العلم بالغبن.

ه‍ ـ خيار التأخير : وهو تأخير تسليم المبيع أو الثمن مدة غير متعارفة عادة أما بالامتناع أو بغيره وهو شامل لكل معاملة لا بخصوص البيع. وقد حدد الفقهاء ثلاثة أيام لهذا الخيار.

و ـ خيار الرؤية : وهو أن يشتري شيئاً بعد أن يراه ثم يتبين أن الذي عنده غير الذي رآه ، سواء كان بالجوهر او الصفات ، فللمشتري حينئذ الخيار في فسخ العقد. وهذا الخيار يجري في البيع الجزئي لا الكلي ويسقط بالإسقاط.

ح ـ خيار العيب : وهو فيما اشترى شيئاً فوجد فيه عيباً ، فإن له الخيار برد المعيب أو إمضاء البيع ، ويجوز له الإمساك والمطالبة بالأرش وهو قيمة التفاوت بين الصحيح والمعيب. ولا يكون هذا الخيار في كل الحالات وإنما في بعضها ، كما لو تصرف في العين بالبيع أو التلف والتغير والتبدل ، أو حدوث عيب فله حينئذ خصوص الأرش لا الرد.

٨٢

٦ ـ ما يجب معرفته من قبل المتعاقدين :

إن مما ينبغي على المتبايعين معرفته هو أنه كما يجب الوفاء بالعقد اللازم ، يجب الوفاء بالشرط المجعول فيه ، ويجب في الشرط أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنة. ويشترط أيضاً في الخيار أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد. ومنها أن يكون مذكورا في ضمن العقد صريحاً أو ضمناً وأن يكون مقدوراً عليه.

والخيار حق من الحقوق ، فإذا مات من له الخيار انتقل إلى وارثه ويحرم منه ما يحرم من إرث المال بالقتل أو الكفر إلى غير ذلك.

ويجب على المتبايعين تسليم العوضين عند انتهاء العقد إذا لم يشترطا التأخير ، ويتحقق ذلك من خلال التخلية برفع المانع عنه ، والإذن لصاحبه بالتصرف. وكل ما يطرأ على المبيع أو الثمن قبل التسليم من آفات سماوية أو غيرها فليس الطرف الآخر مسئولاً عنه. وعند الاختلاف في أن الثمن حالاً أو نسيئة بالذمة ، فإنْ لم يشترط كون الثمن مؤجلاً فيحكم بكونه حالاً ، ولابد من تسليمه إلى صاحبه وإلا فهو نسيئة لا يجب على المشتري دفعه قبل الأجل (١).

٧ ـ مصطلحات فقهية داخلة في التجارة :

هناك بعض المصطلحات الفقهية الناشئة جراء التعامل بين البائع والمشتري ، وهي كثيراً ما تتردّد في كتب الفقه والرسائل العملية ، ولا بأس بتوضيحها ، فنقول :

إن التعامل بين البائع والمشتري إما أن يكون بملاحظة رأس المال ، أو لا ______________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٢٧٧ ، الدروس ٣ : ٢٥٧ ، جامع المقاصد ٤ : ٢٠٥ ، رياض المسائل ٨ : ٣١٥ ، مستند الشيعة ١٤ : ٣٦٥.

٨٣

يكون.

فإن لم يكن بملاحظة رأس المال فيسمى ( المساومة ) وهو الغالب المتعارف.

وإن كان بملاحظة رأس المال ، فله صور :

فإن كان بزيادة في رأس المال فهو ( المرابحة ).

وإن كان بنقيصة عنه فهو ( المواضعة ).

وإن كان بلا زيادة أو نقصان فهو ( التولية ).

ثانياً ـ الربا :

يحرم الربا في أي معاملة تجاربة ، وهو على قسمين : ما يكون في المعاملة ، وما يكون في القرض ، وسوف يأتي في محله. أما الأول فهو بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة عينية في أحدهما ، كبيع مائة كيلو من الحنطة ، بمائة وعشرين منها ، أو بيع خمسين كيلو من الحنطة بخمسين كيلو حنطة ودينار. أو زيادة حكمية لا عينية كمن يبيع عشرين كيلو من الحنطة نقداً بعشرين كيلو منها نسيئة.

ولكن يشترط في تحقق الربا في المعاملة أمران :

١ ـ اتحاد الجنس والذات عرفاً وإن اختلفت الصفات.

٢ ـ أن يكون كل من العوضين من المكيل أو الموزون ، وأما ما يباع بالعد فانه يجوز بيع شيء بشيئين أو العكس. والمشهور على أنه لا ربا بين الوالد وولده فيجوز لكل منهما ذلك ، وكذلك بين الرجل وزوجته. وغير هذين الموردين فهو محل إشكال.

وليس من الربا بيع الصرف ، وهو بيع الذهب أو الفضة بالذهب أو الفضة ،

٨٤

ولا فرق بين المسكوك منهما وغيره ، ولكن يشترط في صحة بيع الصرف التقابض قبل الافتراق فلو لم يتقابضا حتى افترقا بطل البيع. ولا يجري هذا الحكم في الأوراق النقدية في هذا الزمن كالدولار أو غيرهما من العملات ، بل هو خاص بما ذكرنا.

وليس من الربا أيضاً ما يسمى بيع السَّلَف أو السَّلَم ، وهو ابتياع كلي مؤجل بثمن حال ، فهو بذلك عكس النسئية تماماً ، ولكن يشترط في هذا البيع امور خمسة :

١ ـ أن يكون المبيع مضبوط الأوصاف التي تختلف القيمة باختلافها.

٢ ـ ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة.

٣ ـ قبض الثمن قبل التفرق.

٤ ـ تقدير المبيع وزناً أو كيلاً أو عدداً.

٥ ـ تعيين أجل مضبوط لتسليم البضاعة. فإذا تمت هذه الشروط صح البيع وتترتب عليه كل الآثار المترتبة على الملكية (١).

ثالثاً ـ الشُّفْعَة :

يحرص الإسلام دائماً على الانسجام الاجتماعي والتوافق ، ويحاول بتشريعاته أن يبعد الناس عن كل ما له مدخلية في إيجاد الخصومة والتباغض.

ومن المعلوم أن الشراكة في شيء من الأشياء إذا لم تكن مبنية على انسجام بين الشريكين فسوف تؤدي إلى العديد من النزاعات الفردية ، ولذلك شرّع ______________

(١) مختلف الشيعة ٦ : ١٤٨ ، مجمع الفائدة ٨ : ٤٥١ ، رياض المسائل ٨ : ٤٠٣.

٨٥

الإسلام الشُّفْعَة ، فإذا باع أحد الشريكين حصته على ثالث كان لشريكه أخذ المبيع بالثمن المجعول له في البيع ، ويسمى هذا الحق بالشفعة.

وتثبت الشفعة في بيع مالا ينقل إذا كان يقبل القسمة كالأراضي والدور ، وأما في غير هذه الصورة فهي موضع اختلاف بين الفقهاء. وأما الشفيع فلابد أن يكون مسلماً إذا كان المشتري مسلماً ، فلا شفعة للكافر على المسلم ، وإن اشترى من كافر ثبت للمسلم على الكافر ، وللكافر على مثله. ولابد أن يكون الشفيع قادراً على أداء الثمن وليس عاجزاً وإلا لا تثبت له الشفعة. ولابد حينئذ من إثبات كونه يريد استخدام حق الشفعة أما بالقبول أو بالفعل ، وأن لا يؤخّر الطلب أو يماطل فيه ، والضابط في ذلك المتعارف ، وكما يصح من الشريك يصح من وكيله أو وليّه بلا فرق (١).

رابعاً ـ الإجارة :

الإجارة هي المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره ، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة ، والثاني مثل إجارة الدار. ولابد فيها من الإيجاب والقبول ، أو تكون بالمعاطاة كذلك ، ويشترط فيها أن لا يكون أحد المتعاقدين محجوراً عن التصرف لصغر أو سفه أو تفليس ، وكذلك الاختيار فهو شرط فيها أيضاً. وأما العوضين فلابد أن يكونا معلومين بأي وسيلة كانت ، وأن يُقْدَر على تسليمهما ، وأن تكون العين المستأجرة ذات منفعة محللة بذاتها ، وقابلة للبقاء زماناً يحقّق

______________

(١) الكافي / الحلبي : ٣٦١ ، النهاية : ٤٢٣ ، شرائع الإسلام ٤ : ٧٧٦ ، جامع المقاصد ٦ : ٣٤٢.

٨٦

تلك المنفعة.

والإجارة من العقود اللازمة ، فلا يجوز فسخها إلا بالتراضي بين الطرفين ، وهي ثابتة مهما تصرف أحدهما بالعين المستأجرة أو الثمن أو مات أحدهما أو غير ذلك. ولكن يجري فيها بعض الخيارات كالغبن والشرط والعيب وغيرها. والأجير أمين لا يضمن ما تلف إلّا بالتعدي أو التقصير ، والمؤجِّر ملزم بأعطاء العوض سواء انتفع من العين أولم ينتفع.

ولا تجوز إجارة الأرض للزرع بما يحصل منها ، كما لا تجوز إجارتها بالحصة من زرعها مشاعة ، ولا تجوز إجارة الأرض مدة طويلة لِتُوقَف مسجداً ولا تترتب آثار المسجدية عليها.

والإجارة تجوز في كل عمل أو عين قابل لذلك ، كاستيجار الأشخاص للعمل ، أو المرأة للرضاعة ، أو الشاة للانتفاع من لبنها إلى ما شابه ذلك. ويجوز الاستيجار للنيابة عن الأحياء والأموات في العبادات التي تشرّع فيها النيابة دون ما لا تشرع فيه ، وتجوز عن الأموات (١).

خامساً ـ المزارعة :

المزارعة هي الاتفاق بين مالك الأرض والزارع ، على زراعة الأرض بحصة من حاصلها. ولكن يعتبر فيها اُمور :

١ ـ الإيجاب من المالك ، والقبول من الزارع ، وتصح بالمعاطاة أيضاً.

٢ ـ أن تتوفر في كل من المالك والزارع شرائط التصرف المالي ، كالعقل ،

______________

(١) جواهر الكلام ٢٤ : ٨٨ ، الحدائق النضرة ٢١ : ٥٣٠ ، جامع المقاصد ٧ : ٨٠.

٨٧

والبلوغ ، والاختيار.

٣ ـ أن يكون نصيبهما من تمام حاصل الأرض ، لا من شيء آخر.

٤ ـ تسمية حصة كل منهما وتعينها بالنصف أو الثلث أو الربع وهكذا.

٥ ـ تعيين المدة بالأشهر أو السنين.

٦ ـ أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالاصلاح ، وإلا فلا تصح.

٧ ـ تعيين الأرض وحدودها ، ونوعية الزرع إذا كان يمكن أن يختلف فيه ، وكذلك ما عليهما من المصارف كالبذور والأسمدة والآلات وغيرها. فإذا توفرت هذه الشروط صحت المزارعة ، وإلا فانها تبطل (١).

سادساً ـ المساقاة :

المساقاة هي : اتفاق شخص مع آخر على سقي أشجار مثمرة وإصلاح شؤونها إلى مدة معينة بحصة من ثمارها. ولكن يشترط في صحتها أن تتوفر فيها الأمور التالية :

١ ـ الإيجاب والقبول ، أو المعاطاة.

٢ ـ البلوغ ، والعقل ، والاختيار في كلا المتعاقدين.

٣ ـ ان تكون أصول الأشجار مملوكة عينا أو منفعة ، أو له التصرف فيها بوجه شرعي كالولاية والوكالة.

٤ ـ معلومية الأشجار ومدة العمل والحصة ، وما لكل واحد من المالك ______________

(١) تحرير الاحكام ١ : ٢٥٦ ، جامع المقاصد ٧ : ٣١١ ، شرائع الاسلام ٢ : ٣٩١ ، مسالك الأفهام ٥ : ٥.

٨٨

والمساقي.

٥ ـ أن تكون المساقاة قبل ظهور الثمرة أو بعده قبل البلوغ إذا كان محتاجاً إلى السقي.

٦ ـ أن تكون المعاملة على أصل ثابت ، وأما إذا لم يكن ثابتاً كالبطيخ والباذنجان فلا تقع المساقاة (١).

سابعاً ـ الجُعَالة :

وهي أن يجعل شخص مالاً معيناً في قبال شيء آخر مثل أن يقول : من بنى جدار بيتي فله كذا ، ويشترط في الجعالة الإيجاب والقبول الفعلي ، ولا يشترط القبول اللفظي ، وعلى هذا الأساس اُدخلت في قسم العقود من المعاملات وتصح على كل عمل محلل مقصود عند العقلاء. ولا تصح إذا كان العوض مجهولاً. فإذا حقق الشخص متعلق الجعالة لزم على الجاعل تسليم ما جعله. (٢)

ثامناً ـ السبق والرماية :

اعتنى الدين الإسلامي عناية ملحوظة في تنظيم حياة الناس ونشاطاتهم على جميع الأصعدة ، كما اعتنى أيضاً بنظافة الإنسان وطهارته ، ثم وجه اهتمامه إلى صحته وسلامته ، وذلك عن طريق بعض التشريعات المؤدية لهذا الهدف ، ______________

(١) جواهر الفقه : ١٢٨ ، تحرير الاحكام ١ : ٢٥٦ ، جامع المقاصد ٧ : ٣٤٣ ، مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ١٢٠ ، جواهر الكلام ٢٧ : ٥٠.

(٢) الدروس ٣ : ٩٧ ، اللمعة الدمشقية : ١٥١ ، جامع المقاصد ٦ : ١٨٩.

٨٩

ومنها السبق والرماية ، فهما زيادة على كونهما رياضة بدنية ونفسية فإن فيهما إتصال بجوانب القوة المطلوبة من المسلمين باعتبارهما وسيلة للتدريب العسكري المنظم الذي يمكن من خلاله خلق الكفاءات اللازمة لصدّ أي اعتداء خارجي على الإسلام والمسلمين.

ويشترط فيهما الإيجاب والقبول ، أو ما يقوم مقامهما ويجوز أن يكون العوض عيناً أو ديناً بمعنى ما يتسابقان لأجله من مال أو سيارة أو كأس ذهبي أو جوائز أخرىٰ ، ويجوز أن يبذل ذلك المال أي شخص ، سواء كلا المتسابقين أو غيرهما. وينبغي أن تحدد بهذا السباق المسافة أو الجهة أو نوعية الشيء الذي تتحقق به الغلبة عند الطرف الآخر (١).

تاسعاً ـ الشركة :

ما أكثر الموارد التي لا يستطيع شخص بمفرده توليها ، لحاجتها إلى تظافر الجهود والأموال من أجل تأسيسها أو استثمارها ، ومن هنا تعارف بين الناس ما يسمى بالشركة ، ولكن من الشركة ما هو جائز ومنه ما هو غير جائز فهي تصح في الأموال ولا تصح في الأعمال بأن يتعاقدا على أن تكون أجرة عمل كل منهما مشتركة بينهما ، مثل هذه الشركة باطلة ، بمعنىٰ لا تترتب الآثار الشرعية عليها ، فلكل منهما أجرة عمله بشكل مستقل.

والشركة عقد جائز ليس لازماً فيجوز لكل المتعاقدين فسخه ، فإذا فسخ ______________

(١) الدروس ٣ : ٩٧ ، مسالك الافهام ١١ : ١٤٩ ، كفاية الأحكام : ٢٣٢ ، شرائع الإسلام ٢ : ٤٦٢ ، شرح اللمعة الدمشقية ٤ : ٤١٩.

٩٠

أحدهما لم يجز للآخر التصرف في المال المشترك فيه ، وكذلك ينفسخ عقد الشركة بعروض الموت أو الجنون أو الحجر بفلس أو سفه لأحد الشريكين.

وكما أن الشركة لا تصح في الأعمال ، فكذلك لا تصح في الوجوه ، بمعنى أن يتعاقدا على أن يشتري كل منهما مالاً بثمن في ذمته إلى أجل ثم يبيعانه ويكون ربحه وخسارته بينهما بالسوية. وكذلك لا تصح شركة المفاوضة بأن يتعاقدا على أن يكون ما يحصل لكل منهما من ربح تجارة أو زراعة أو أرث أو غير ذلك بينهما ، وما يرد على كل منهما من غرامة تكون عليهما معاً. نعم يمكن ذلك بعنوان آخر لا بعنوان الشركة ، كأن يتصالحا في ضمن عقد لازم على كل ذلك فيصح حيئنذ بلا أي إشكال.

ومن المسائل المهمة في الشركة ، هي إذا اشترطا المساواة في الربح مع اختلاف في الحصص ، أو العكس ، فلا يصح إلا إذا كان للمشروط له عمل زائد. وكذلك لا يجوز لأحد الشريكين أو الشركاء التصرف في المال المشترك من غير إذنِ الشريك الآخر. ومع الاختلاف في أمور الشركة لابد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي في مجال الخصومة ، والشريك أمين لا يضمن ما يتلف إلا بالتعدي أو التفريط (١).

عاشراً ـ المضاربة :

المضاربة هي أن يدفع الإنسان مالاً إلى غيره ليتّجر فيه على أن يكون ______________

(١) قواعد الاحكام ١ : ٢٤٢ ، جامع المقاصد ٨ : ١٩٧ ، شرائع الاسلام ٢ : ٣٧٤ ، شرح اللمعة ٤ : ١٩٥.

٩١

الربح بينهما بالنصف أو الثلث أو نحو ذلك. ولا تصح المضاربة إلّا بشروط أهمها : الإيجاب والقبول أو ما يقوم مقامهما ، والبلوغ ، والعقل ، والاختيار لكل من المتعاقدين ، وتعيين حصة كل منهما ، وأن يكون الربح بينهما ، فلو شُرِط مقدار منه لأجنبي لم تصح المضاربة ، إلا إذا اشترط عليه عمل متعلق بالتجارة. وكذلك من الشروط : أن يكون العامل قادراً على التجارة إذا كان ذلك قيداً في العقد ، وأما إذا كان شرطاً فيه لم يبطل العقد ، وإنما للمالك الخيار في الفسخ.

ولابد للعامل من التقيّد بالصلاحية التي منحها إيّاه صاحب المال ، فلا يجوز التعدي إلى غير ذلك ، ولا يجوز له خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو غيره إلا مع الإذن من المالك ، وإلا فيضمن كل تلف حاصل.

وعقد المضاربة جائز من الطرفين ، فيجوز لكل منهما فسخه قبل العمل وبعده. وللعامل في حالة إطلاق العقد الصلاحية الكاملة في البيع والشراء وغير ذلك مع الحفاظ على أصول العقد الأساسية (١).

الحادي عشر ـ الوديعة :

والمقصود بذلك أن يودع شخصاً أو أكثر مالاً أو غيره عند شخص أو أكثر من أجل حفظه. وهو من العقود الجائزة أيضاً. ويجب معه على الودعي حفظ الوديعة بمجرى العادة ، وإذا عيّن المالك حرزاً خاصاً تعيّن ذلك. ويضمن الودعي إذا فرّط في الحفاظ عليها أو تصرف فيها بشكل ينافي الاستئمان. ويجب

______________

(١) جامع المقاصد ٨ : ٥٣ ، مجمع الفائدة ١٠ : ٢٢٦ ، شرائع الإسلام ٢ : ٣٨١ ، مسالك الافهام ٤ : ٣٤٣.

٩٢

رد الوديعة إلى المودع أو وارثه بعد موته وإن كان كافراً ، إلّا إذا كان المودع غاصباً فلا يجوز ردها إليه بل إلى مالكها ، وأما إذا ردها إليه فعليه الضمان. والودعي أمين إلا بالتعدي والتفريط ، ومع الخصومة فالقول قوله إلا أن يظهر العكس بالبينة. ولا يصح إيداع الصبي والمجنون ، ولكن لو أودع لهما بشيء وتُلِف فعليه الضمان على تفصيل ذكر في محلّه (١).

الثاني عشر ـ العارية :

ويُقصد بالعارية : التسليط على شيء لأجل الانتفاع به مجاناً ، فكل عين مملوكة يصح الانتفاع بها مع بقائها تصح إعارتها ، وتجوز إعارة ما تملك منفعته وإن لم تملك عينه. فإذا استعار أحد شيئاً فلابد له من الانتفاع به على العادة المتعارفة ، ولا يجوز له التعدي عن ذلك ، وإلّا فهو ضامن. ويمكن للمعير أن يشترط على المستعير الضمان في كل الحالات ، وحينئذ إذا نقصت العين المستعارة بالاستعمال المأذون فيه لم يكن المستعير ضامناً. (٢)

الثالث عشر ـ الضمان :

الضمان هو نقل المال عن ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن للمضمون له ، ويعتبر فيه الإيجاب والقبول من الضامن والمضمون بكل ما يدل على تعهد الأول بالدين ورضا الثاني بذلك. وهو من العقود اللازمة التي لا يجوز فسخها ،

______________

(١) جامع المقاصد ٦ : ٨ ـ ٩ ، جواهر الكلام ٢٦ : ١٥٦ ، شرائع الإسلام ٢ : ٤٠٢.

(٢) شرائع الإسلام ٢ : ٤٠٨ ، شرح اللمعة ٤ : ٢٥٥ ، مسالك الأفهام ٥ : ١٣١.

٩٣

ويعتبر في الضامن والمضمون له : البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، وعدم السفه ، وعدم التفليس في خصوص المضمون له ، وأما المديون فلا يعتبر شيء من ذلك ، فلو ضمن شخص ما على المجنون أو الصغير من الدين صح ذلك.

ويصح ضمان الأعيان الخارجية بمعنى كون العين بعهدة الضامن فعلاً ، وكذلك ضمان شخص لنفقات المرأة الماضية ، وأما ضمان نفقات المرأة القادمة ، أو نفقة الأقارب ، أو ما يُحدِثه المشتري في الأرض المشتراة من بناء أو غرس أو نحو ذلك ، فإذا ظهر أنها مستحقة للغير فهي موضع إشكال (١).

الرابع عشر ـ الحوالة :

وهي تحويل المدين ما في ذمته من الدين إلى ذمة غيره بإحالة الدائن عليه ، ويعتبر في الحوالة الإيجاب والقبول أو ما يقوم مقامهما ، ويشترط في المحيل والمحال إليه : البلوغ ، والعقل ، والرشد ، وعدم التفليس ، إلا في بعض الصور ، وكذلك يشترط الاختيار. ويعتبر في الحوالة أن يكون الدين ثابتاً في ذمة المحيل فلا تصح الحوالة بما سيستقرضه. وكذلك أن يكون المال المحال به معيّناً ، والحوالة عقد لازم فليس للطرفين فسخه ، ولكن يجوز جعل الخيار لكل من المحيل والمحال إليه (٢).

الخامس عشر ـ الكفالة :

الكفالة هي التعهد بإحضار المدين وتسليمه إلى الدائن عند طلبه ذلك. ______________

(١) المهذب البارع ٢ : ٥٢١ ، مسالك الافهام ٤ : ١٧١.

(٢) شرائع الإسلام ٢ : ٣٦١ ، مجمع الفائدة ٩ : ٣٠٥.

٩٤

ويشترط في الكفيل : العقل ، والبلوغ ، والاختيار ، والقدرة على احضار المدين ، وعدم السفه ، ولا يشترط في الدائن كل ذلك. والكفالة عقد لازم لا يجوز فسخه من طرف الكفيل إلّا بالإقالة أو بجعل الخيار له. ويجب على الكفيل إحضار المكفول بأي طريقة ، وإذا كان غائباً ويحتاج إحضاره إلى أموال فهي بعهدة الكفيل.

ومما ينبغي ذكره أن عقد الكفالة ينحل بأمور :

١ ـ أن يُسلَّم المكفول إلى المكفول له.

٢ ـ أن يؤدي دينه.

٣ ـ ما إذا أبرأ المكفول له ذمة المدين.

٤ ـ ما إذا مات المدين.

٥ ـ ما إذا رفع المكفول له يده عن الكفالة (١).

السادس عشر ـ الدَّيْن والقرض :

من الأمور التي دعا إليها الإسلام وحث المسلمين عليها هي القرض والدين ، لما فيها من قضاء حوائج المؤمنين وسد خلّتهم ، ولذلك ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « من أقرض مؤمناً قرضاً ينظر به ميسوره ، كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه » (٢). فلهذا العمل الإنساني فائدة كبيرة تعود بالنفع على الفرد والمجتمع ، ومن تشريعات الإسلام

______________

(١) كشف الرموز ١ : ٥٦٠ ، تحرير الاحكام ١ : ٢٢٤ ، شرائع الاسلام ٢ : ٣٦٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٣٠ / ٣ ، كتاب التجارة باب ٦ استحباب إقراض المؤمن.

٩٥

المتصلة بهذا العمل الإنساني النبيل ، أن لا تعتبر في القرض صيغة لفظية معينة ، فلو دفع شخصٌ مالاً إلى أحد بقصد القرض ، وأخذه المدفوع له بهذا القصد ، صح القرض. مع العلم بأن الدَّين مكروه مع القدرة ، ولكن يعتبر في القرض أن يكون المال عيناً ، فلو كان ديناً ، أو منفعة ، لم يصح القرض ، ويشترط أن يكون المال مما يصح تملكه ، فلا يصح اقراض الخمر أو الخنزير. وكذلك يعتبر فيه القبض ، فلا يملك المُسْتَقْرِض المال المُقْتَرض إلا بعد قبضه.

وليس للدائن الامتناع عن قبض الدين من المدين في أي وقت كان إذا كان الدين حالاً ، ويحرم اشتراط زيادة في القدر أو الصفة على المقترض ، ويحرم أخذها كذلك ؛ لأنها من الربا الذي حرمه الإسلام بكل صراحة وشدّة. وهذه الحرمة عامة للمقرِض أو لأي شخص ، بمعنى أن المقرِض لو شرط الزيادة لأجنبي فيحرم أخذها. أمّا إذا كان الشرط لصالح المقترِض لا المقرض ، كأن يقرضه عشرة دنانير بشرط أن يرجع له تسعة دنانير ، فهذه الصورة جائزة بلا إشكال (١).

ويجب على المدين أداء الدين فوراً عند مطالبة الدائن إن قدر عليه ، ولو ببيع سلعته وعقاره ، أو الاستقراض من شخص آخر ، وفي حالة عدم القدرة يجب السعي لذلك من خلال العمل أو غيره. ولكن في المقابل تحرم على الدائن مطالبة المدين إذا كان معسراً ، بل عليه الصبر والنظرة إلى ميسرة.

ومما ينبغي التنبيه عليه أن يصحّ بيع الدين بمال موجود وإن كان أقلّ منه إذا كان من غير جنسه أو لم يكن ربوياً ، ولا يصح بيعه بدين مثله إذا كان ديناً قبل

______________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٣٢٤ ، قواعد الأحكام ١ : ١٥٥ ، مسالك الأفهام ٣ : ٤٣٩.

٩٦

العقد ، ولا فرق في المنع بين كونهما حالّين ومؤجلين ومختلفين.

السابع عشر ـ الرهن :

تعقيباً على موضوع القرض والدين نذكر هذا الموضوع الذي هو الرهن حيث ان بعض الدائنين ـ من أجل أن يعطي مالاً للاقتراض ، أو يبقي مالاً في الذمة ـ يحتاج إلى وثيقة وضمان برجوع حقه وماله إليه ومن هنا وُجِدَ الرهن لهذا الغرض ، بأن يعطي المدين لصاحب الدين عيناً مملوكة يمكن قبضها ، ويصح بيعها ، كقطعة من ذهب أو بستان أو بيت أو ما شابه ذلك. فإذا عجز الراهن عن أداء الدين في المدة المتفق عليها ، جاز للمُرتَهِن أن يبيع أو يستوفي حقه من خلال الرهن ، وأمّا قبل ذلك فإن المُرتَهِن ممنوع من التصرف بغير إذن الراهن ، ولو تصرف كذلك ضمن الأجرة للراهن. والمُرتَهِن أمين لا يضمن بدون التعدي ، وهو أحق بالعين المرهونة من باقي الغرماء إذا صار الراهن مفلساً. وقد يحدث بين الراهن والمرتهن خلاف في أن هذا رهن أم وديعة ، وحينئذ فالقول قول المالك مع ادّعائه الوديعة ، وادّعاء الآخر الرهن ، ولكن بشرط عدم كون الدين ثابتاً على الراهن للمرتهن ، ومعه فالقول قول مدعي الرهن (١).

الثامن عشر ـ الصلح :

الصلح عقد شرعي للتراضي والتسالم بين شخصين في أمر : من تمليك أو عين أو منفعة أو اسقاط دين أو حق أو غير ذلك مجاناً أو بعوض.

______________

(١) السرائر ٢ : ٤١٦ ، قواعد الاحكام ١ : ١٥٨ ، جامع المقاصد ٥ : ٤٤.

٩٧

والصلح عقد مستقل ولا يرجع إلى سائر العقود وأن أفاد فائدتها ، فهو يُفيد فائدة البيع إذا كان الصلح على عين بعوض ، وفائدة الهبة إذا كان على عين بغير عوض ، وفائدة الإجارة إذا كان على منفعة بعوض ، وفائدة الإبراء إذا كان على إسقاط حق أو دين أو غير ذلك من الأمور.

وإذا تمت المصالحة فإنه يترتب عليها كل ما يترتب على ما قام مقامه أو أفاد فائدته ، ويعتبر في المتصالحين : البلوغ ، والعقل ، والاختيار والقصد ، وعدم الحجر لسفه أو غيره. ولابد أن لا يكون محللاً للحرام أو محرما للحلال ، وهو عقد لازم لا ينفسخ إلا بالتراضي ، ولا يجري فيه خيار الحيوان أو المجلس أو التأخير ، وأما غيرها من الخيارات فهي تجري فيه بلا إشكال (١).

التاسع عشر ـ الوكالة :

الوكالة هي النيابة عن أصيل ، بمعنى تولية الغير والاستنابة في التصرف ، وهي إمّا عامة أو خاصة. ولابد فيها من الإيجاب والقبول أو ما يقوم مقامهما ، وتصح منجزة ومعلقة ، وهي عقد جائز من الطرفين ، وتبطل بالموت والجنون والإغماء ، ولابد في الوكيل والموكِّل من توفر أهلية التصرف ، والوكيل أمين لا يضمن إلّا بالتعدي أو التفريط ، ولو وكّل اثنين لا يحق لاحدهما التصرف منفرداً. وتصح الوكالة في كل شيء إلّا بما يُشْتَرط فيه المباشرة ، فإذا تمّت الوكالة كان تصرف الوكيل نافذاً كأنه الموكِّل تماماً في جميع متعلق الوكالة (٢).

______________

(١) جواهر الكلام ٢٥ : ٢١٠.

(٢) اللمعة الدمشقية : ١٤٤ ، الحدائق النضرة ٢٢ : ٣ ، جامع المقاصد ٨ : ١٧٧.

٩٨

العشرون ـ الهِبَة :

وهي تمليك عين مجاناً من دون عوض ، وهي من العقود التي تحتاج إلى إيجاب وقبول ، ويتحقق ذلك بكل ما أفاد التمليك من قبل الواهب ، والقبول كذلك. ولابد في الواهب أن يكون : عاقلاً ، بالغاً ، قاصداً ، مختاراً ، غير محجور عليه. وأما الهبة فلابد فيها من القبض حقيقة أو حكماً ، ويقوم الوكيل أو الولي أو الوصي مقام الصغير أو الموكِّل في القبض ، وتصح الهبة حينذاك. فإذا وهب الواهب شيئاً وقبض لا يصح الرجوع فيها إذا كانت لذي رحم ، أو بعد تلف الموهوب. ولو مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض بطلت الهبة وانتقل الموهوب إلى ورثة الواهب. وتصح الهبة مع الشرط ولا تتحقق الهبة إلا بعد تحقق الشرط. وتصح أيضاً مع العوض (١).

الحادي والعشرون ـ الوقف :

الوقف هو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة ، ويشترط فيه الإنشاء ، كقوله : وقّفت أو حبّست أو غير ذلك ، بل ربما وقع بما يفيد فائدة الإنشاء كالإعطاء ونحوه. والوقف يتصور على أحد نحوين ، الأول : أن يكون له موقوف عليه يقصد عود المنفعة إليه ، والثاني : عكس الأول كوقف المسجد ، حيث أن الواقف لم يلحظ في الوقف منفعة خاصة ، ومثل هذا النحو لا يكون له موقوف عليه بخلاف الأول ، فأن الواقف إذا لاحظ منفعة خاصة مثل الصلاة أو الذكر أو غير ذلك ، كأن يقول : وقّفت هذا المكان على المصلين ، فلا يصير المكان المذكور بهذا

______________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٤٥٧ ، الدروس ٢ : ٢٨٥ ، ايضاح الفوائد ٢ : ٤١٠.

٩٩

مسجداً ، ولا تترتّب عليه آثار المسجدية.

والوقف لا يحتاج إلى قبول في جميع أنواعه على رأي بعض الفقهاء ، ويحتاج إليه على رأي آخر ، وكذا ليس من شرائط الوقف نية القربى لاسيما في مثل الوقف على الذرية ، ولكن يعتبر في صحة الوقف قبض الموقوف عليه أو ما يقوم مقامه ، ويكفي في تحقق القبض ـ كما لو كان الوقف على الذرية مثلاً ـ قبض الطبقة الأولى.

ويشترط في صحة الوقف التنجيز ، فلو علّقه على أمرٍ مستقبل معلوم الحصول أو متوقع الحصول ، أو على أمرٍ حالٍّ محتمل الحصول بطل العقد. ولا يجوز في الوقف توقيته بمدة ، ويشترط في صحة الوقف إخراج الواقف نفسه عن الوقف ، فإذا وقف على نفسه بطل. فإذا تم الوقف بأستجماع الشرائط كان لازماً لايجوز للواقف الرجوع فيه.

ويشترط في الواقف أمور : منها كونه جائز التصرف كالبلوغ ، والعقل ، والاختيار ، وعدم الحجر ، وأما العين الموقوفة فيشترط فيها : أن تكون موجودة ، فلا يصح وقف الدَّين ، ولا وقف الكلّي ، ولا وقف المنفعة ، ويشترط أن تكون العين مملوكة أو بحكمها ، ومما يمكن الانتفاع بها مع بقائها. أما الموقوف عليه فيشترط فيه جملة أمور : كالتعيين ، وأن يكون الموقوف عليه ـ إذا كان خاصاً ـ موجوداً حال الوقف ، وأن لا يكون الوقف عليه على نحو الصرف في المعصية كالصرف في الزنا وشرب الخمر وغير ذلك. ومما ينبغي ذكره أنه إذا تم الوقف فلا يجوز للواقف ولا لغيره التبديل والتغيير في الموقوف عليه ، وهناك جملة من المسائل في هذا الموضوع لا يسعها هذا المختصر. (١)

______________

(١) الدروس ٢ : ٢٦١ ، جامع المقاصد ٩ : ٧ ، الكافي / الحلبي : ٣٢٤ ، كشف الرموز ٢ : ٤٤.

١٠٠