لمحات في أحكام الشريعة الإسلاميّة

السيد فاضل الموسوي الجابري

لمحات في أحكام الشريعة الإسلاميّة

المؤلف:

السيد فاضل الموسوي الجابري


الموضوع : الفقه
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-31-5
الصفحات: ١٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوقاً في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب ، وهو قول الله عزّوجلّ : ( سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (١). يعني ما بخلو به من الزكاة » (٢) ولبيان علة تشريع الزكاة وردت روايات كثيرة أيضاً كقول الصادق عليه‌السلام : « ان الله عزّوجلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم ، ولو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم ، إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عزّوجلّ ، ولكن اُوتوا من منع من منعهم حقهم لا مما فرض الله لهم ، ولو أن الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير » (٣).

فالزكاة إذن ضريبة مالية فرضها الشارع المقدس على المسلمين من أجل صلاح المجتمع ، وسد حاجات الطبقات الفقيرة.

ثانياً ـ شرائط وجوب الزكاة وما تتعلق به :

المكلف الذي يجب عليه إداء الزكاة لابد أن تتوفر فيه عدة شرائط هي : البلوغ ، والعقل ، والحرية ، والملك ، والتمكّن من التصرف ، والنِصاب.

وتتعلق الزكاة بتسعة أشياء : الأنعام الثلاثة ( الابل والبقر والغنم ) ، والغلات الأربع ( الحنطة والشعير والتمر والزبيب ) ، والنقدين ( الذهب والفضة ) ، ولقد ذكر الفقهاء لتعلق الزكاة بالأنعام الثلاثة عدة شرائط ، هي : النصاب وهو الحد الذي

______________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٨٠.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٢ / ١١٤٢٢ (٣) باب (٣) من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٣) فروع الكافي ٣ : ٤٩٦ / ١ باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق من كتاب الزكاة.

٦١

لابد من توفره في الأنعام من حيث العدد ، وهو مختلف باختلاف الحيوانات. وكذلك السوم طوال الحول بمعنى الرعي دون تغذيتها عن طريق العلف أو ما شابه ، وأن تمضي حولاً كاملاً جامعة للشرائط ، وأن لا تستخدم في العمل. واما الغلات الأربع فلا بد فيها أيضاً من بلوغ النصاب ، والملك وقت تعلق الوجوب. أما النقدين فيشترط فيهما النصاب أيضاً. وأن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة.

ثالثاً ـ المستحقون للزكاة :

الذين يستحقون هذه الضريبة المالية هم : الفقراء الذين لا يملكون مؤنة سنتهم اللائقة بحالهم وعيالهم ، والمساكين ، والعاملون عليها وهم القائمون بجمع الزكاة. والمؤلفة قلوبهم وهم المسلمون الذين يضعف اعتقادهم بالمعارف الدينية فيعطون من الزكاة ليحسن إسلامهم ، و « الرقاب » وهم العبيد المكاتبون العاجزون عن أداء الكتابة مطلقة أو مشروطة فيعطون من الزكاة ليؤدّون ما عليهم من المال ، وسبيل الله تعالى وهو جميع سبل الخير كبناء القناطر والمدارس والمساجد واصلاح ذات البين ورفع الفساد ونحوها من الجهات العامة. وابن السبيل الذي نفدت نفقته بحيث لا يقدر على الذهاب إلى بلده فيدفع له ما يكفيه لذلك.

ولابد من توفر بعض الشرائط العامة في مستحق الزكاة وهي : الإيمان ، وعدم كونهم من أهل المعاصي حتى لا يكون الدفع إليهم إعانة على المعصية ، وأن لا يكون الشخص المدفوع له الزكاة مما تجب نفقته على معطي الزكاة ، وان لا يكون هاشمياً إذا كانت الزكاة من غير الهاشمي. (١)

______________

(١) راجع في ذلك : المبسوط ١ : ١٩٠ ، السرائر ١ : ٤٢٨ ، مصباح الفقيه ٣ : ٢ ،

٦٢

رابعاً ـ زكاة الفطرة :

وهذا نوع جديد من الزكاة يسمونه بزكاة الأبدان في قبال زكاة الأموال السابقة ويتم إخراج زكاة الفطرة بعد الانتهاء من صيام شهر رمضان وتعطىٰ لمستحقها في صبيحة عيد الفطر المبارك وتجب على البالغ العاقل الغني الحر غير المغمى عليه طيلة وقت الوجوب. ومصرفها هو نفس مصرف الزكاة السابقة ومقدارها ثلاثة (كيلوغرامات) من الطعام المتعارف أو قيمته (١).

المبحث الثالث / الخمس

أولاً ـ معنى الخمس وبيان أهميته ومتعلقه :

الخمس ضريبة أخرى من الضرائب المالية التي شرعها الله تعالى لسد حاجات المجتمع الإسلامي ، وهي أكبر من الزكاة وأوسع مصرفاً ، وقد وضعت على أشياء عديدة معينة وتعني هذه الضريبة الشرعية دفع خمس الشيء الذي تتعلق به هذه الضريبة المالية ، أو ثمنه إلى الجهة الشرعية العادلة المسؤولة لأنفاقها في المصالح الاجتماعية وسد عوز الفقراء وشقائهم.

فالهدف من الخمس إذن ، تحقيق نوع من التوازن في المجتمع لكي لا تتخم بعض طبقاته على حساب الأخرى وشقائها ، فضلاً عن دوره الحيوي في تطوير

______________

الحدائق النضرة ١٢ : ١ ـ ٣٢٠ ، جواهر الكلام ١٥ : ٢ ـ ٥٤٣ ، جامع المقاصد ٣ : ٣٠ ، مستند الشيعة ٩ : ٢٥٨.

(١) رياض المسائل ٥ : ٢١١ ، جامع المقاصد ٣ : ٤٢ ، مستند الشيعة ٩ : ٣٧٧.

٦٣

المجتمع وتقدمه من خلال بناء المؤسسات الصحية والثقافية وغيرها.

والخمس يتعلق بعدة أمور : كالغنائم المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم ، والمعادن ، والكنز ، وما أخرج من الماء بالغوص ، والمال المختلط بالحرام إذا لم يتميز ولم يعرف صاحبه ولا مقداره ، والأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ، وما يفضل من مؤونة سنة المكلف.

ثانياً ـ مصرف الخمس :

الخمس كما قلنا من الفرائض الدينية التي فرضها الله عزّوجلّ في القرآن الكريم وبين مصرفها بقوله : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١).

والمشهور تقسيم الخمس إلى ستة أسهم ، ثلاثة منها للإمام عليه‌السلام ، وثلاثة لبني هاشم من السادات لأيتامهم ، ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم. وأما مصرف الإمام عليه‌السلام فيرجع في زمان غيبة الإمام الثاني عشر عليه‌السلام ( زماننا هذا ) إلى الفقيه الجامع للشرائط ليضعه في موضعه (٢).

ثالثاً ـ من المسائل المهمة في الخمس :

من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الإمامية والعامة هي مسألة الخمس

______________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٤١.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٤٣٣ ، الحدائق ١٢ : ٣٢٠ ، جواهر الكلام ١٦ : ١٠٠ ، مستند الشيعة ١٠ : ٥ وما بعدها ، جامع المقاصد ٣ : ٥٠.

٦٤

فالخمس واجب لقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١).

فهذه الآية الوحيدة الدالة على وجوب الخمس وعلى بيان مصرفه. قد وقع الخلاف في كلتا هاتين المسألتين ـ اعني وجوبه ومصرفه ـ فقالت الإمامية : أن المراد من كلمة « ما غنمتم » هو كل ما يظفر به الإنسان في حياته من الأموال سواء في الحرب أو غيرها. وأما مصرفه فينقسم إلى ستة أقسام ثلاثة منها لله وللرسول ولذي القربى ، وأن المراد من ذوي القربى هم عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المعصومين القائمين مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر الإمامة في الأمة. وإن سهم الله وسهم الرسول ينتقل لهم بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. وأما الثلاثة الأخرى فهي لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم. والإمامية بهذا الاتجاه يعتمدون على الروايات الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم‌السلام (٢).

وأما العامة فقد ذهبوا إلى أن المراد من لفظ « ما غنمتم » في الآية المباركة هي الغنائم الحربية فقط ، ولأجل ذلك بحثوا عن الخمس في كتاب الجهاد في مسألة قسمة الفيء والغنائم الحربية ، ولم يعقدوا في كتبهم الفقهية عنواناً باسم الخمس. وأما مصرف الخمس فقد الغى العامة سهم الله في الخمس من الأصل ! وزعموا إنه تعالى ذكر اسمه في الآية تبركاً وتيمناً فحسب. وقالوا كذلك : بأن سهم

______________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٤١.

(٢) تفسير التبيان ٥ : ١٢٣ ، كنز العرفان ١ : ٢٤٨ ، مجمع البيان ٤ : ٥٤٣.

٦٥

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يسقط بوفاته ! وكذا سهم ذوي القربى !. وإن المراد من اليتامى والمساكين وابناء السبيل يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم لا خصوص الهاشمي منهم (١).

ومن هنا يتضح الخلاف الواسع بين الإمامية وبين العامة في هذه المسألة المهمة والحساسة لان الخمس ـ كما أسلفنا ـ له دور كبير في الاقتصاد الإسلامي ، وله مدخلية واضحة في الكيان السياسي والثقافي في المجتمع الإسلامي.

ولكن اللغة والنصوص الدينية هي الحكم والقاضي في حسم هذه المسألة وبيان الحق فيها بين المختلفين الامامية في جهة والعامة من جهة أخرى. وعندما نرجع إلى المصادر اللغوية في مادة « غنم » نجد اللغويين يفسرونها بأنها « الفوز بالشيء ونيله بلا بدل » (٢). ومن هنا لا يبقى أي ريب أو تردد بأن معنى « ما غنمتم » في الآية هو : أصبتم وفزتم بالشيء. فتفسير الآية وحصرها بالغنائم الحربية كما عليه العامة يخالف النصوص اللغوية في حين هي المرجع في تحديد المفهوم مع وجود الشك والاختلاف ، هذا فضلاً عن سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام في مسألة الخمس ، ولكنها ضربت عرض الحائط بغية تحقيق أهداف سياسية معينة. نعم ، ففي السنة النبوية الشريفة عشرات النصوص الدالة على كلا الأمرين ـ ثبوت الخمس في كل فائدة ، وأصناف مستحقيه ـ لا سيما ما جاء في العهود والمواثيق التي كتبها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بعض الوفود. وإليك بعضاً

______________

(١) تفسير الطبري ١٠ : ٢ ، تفسير البيضاوي ٣ : ٥٠ ، تفسير ابن كثير ٢ : ٣١٠.

(٢) المصباح المنير ، القاموس ، لسان العرب.

٦٦

منها :

١ ـ ما كتبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لوفد عبد القيس : « آمركم بالإيمان بالله ، وهل تدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمّدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وتعطوا الخمس من المغنم » (١).

٢ ـ كتابه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى وفد الحارث بن زهير : « أما بعد ، فانكم إن اقمتم الصلاة ، وآتيم الزكاة ، وأعطيتم سهم الله عزّوجلّ ، والصفي ، فأنتم آمنون بأمان الله عزّوجلّ » (٢).

وهناك كتب عديدة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صرّحت بوجوب إخراج الخمس ، كما ذكرت ذلك كتب الحديث وغيرها (٣).

وحينئذٍ لا تبقى للجمهور حجة شرعية في عدم ايجاب الخمس الذي ثبت بالقرآن والسنة. والسبب الوحيد في هذا ، هو أن الأيادي السياسية الطامعة هي التي طمست هذه الفريظة المهمة من أجل أن لا تصل إلى أيدي أهل البيت عليهم‌السلام

______________

(١) صحيح البخاري حديث (٥٣) باب أداء الخمس من الإيمان من كتاب الإيمان ، صحيح مسلم حديث (١٧) باب الأمر بالايمان بالله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه من كتاب الايمان ، سنن النسائي حديث (٥٦٩٢) باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر من كتاب الأشربة.

(٢) أسد الغابة ١ : ٤٨٠ / ٨٨٢ في ترجمة الحارث بن زهير ، والمراد بالصفي : ما كان يأخذه رئيس الجيش ويختاره بنفسه من الغنيمة قبل القسمة.

(٣) راجع : سنن أبي داود ٢ : ٥٥ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠٣ ، مسند أحمد ٥ : ٧٧ ، الطبقات الكبرى ١ : ٢٧٩ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٥٩٥ ، تاريخ ابن كثير ٥ : ٧٦.

٦٧

خوفاً على سلطانهم ، وحفاظاً على قوتهم ، وحرصاً على إضعاف أهل بيت نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ المال من أهم العوامل السيطرة والنفوذ. ومن هنا سلبوا حق فاطمة الزهراء عليها‌السلام في فدك التي كانت تشكل أهمية اقتصادية كبيرة ، وكذّبوا بهذا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة » ، لتبرير جريمتهم في منع حقوق الزهراء البتول صلوات الله عليها.

المبحث الرابع / الحج

أولاً ـ وجوب الحج وشرائطه

وجوب الحج فوري لا يقبل التأخير ، وهو مرة واحدة ، ولكن هذا الوجوب مشروط بعدة شرائط هي : البلوغ ، والعقل ، والحرية ، والاستطاعة المتحققة بوجدان النفقات اللازمة ذهاباً وإياباً ، وسعة الوقت ، والسلامة على النفس والمال والعرض ، والتمكن من استئناف الوضع المعيشي بعد العودة بدون حرج ، وعدم المزاحمة بواجب أهم ، فإذا توفرت هذه الشرائط بشكل طبيعي فحينئذ يتوجب الحج على المكلف ، ومع اختلال بعض هذه الشرائط ينتفي الوجوب. (١)

ثانياً ـ اقسام الحج

الحج على ثلاثة أقسام : تمتع ، وإفراد ، وقِران.

وحجُّ التمتع هو فرض من كان يسكن بعيداً عن مكة ـ أي ليس من أهل ______________

(١) جامع المقاصد ٣ : ١٠٩ و ١١٩ ، رياض المسائل ٦ : ١٣ ، مستند الشيعة ١١ : ١٢.

٦٨

مكة وما حولها ـ وهو بذلك فريضة أغلب المسلمين ، وهو مركب من عمرة وحج حيث تتقدم العمرة فيحرم الحاج من احد المواقيت (١) ثم يطوف حول الكعبة سبعة أشواط وهو طواف العمرة ، ثم يصلي ركعتي الطواف ، ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعاً ، ثم يقصر شيئاً من شعره أو أظفاره. فإذا فعل ذلك يحل من إحرامه ثم ينتظر إلى يوم التاسع من ذي الحجة حيث يحرم من مكة للحج ، ثم يذهب إلى عرفات فيقف هناك من ظهر ذلك اليوم إلى الغروب يوم عرفة ، ثم يفيض إلى المشعر فيقف في المزدلفة من الفجر حتى طلوع الشمس ، ثم يتوجه إلى منى يوم العاشر من ذي الحجة ويقصد جمرة العقبة ، فيرمي جمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيات ، ثم يذبح أو ينحر هديه ، وبعدها يحلق أو يقصر هناك ، ثم يمضي إلى مكة فيطوف للحج ، ثم يصلي ركعتيه ، ثم يسعىٰ بين الصفا والمروة ، ثم يعود للبيت الشريف ليطوف للنساء ويصلي ركعتيه ثم يرجع إلى منى للمبيت بها ليالي التشريق وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، ليرمي فيها الجمرات الثلاث ، وبها يتم الحج.

واما حج القِران والإفراد فهو فرض من كان يسكن مكة وما حولها وهو يختلف عن التمتع في بعض الأمور أمثال تأخير العمرة إلى ما بعد الحج وكذلك في سياق الهدي أو عدمه وتكون تلك العمرة مفردة. (٢)

ثالثاً ـ مواقيت الإحرام

المواقيت هي الأماكن التي لا يجوز لمن يريد الحج أو العمرة من أهل الآفاق

______________

(١) وهي أماكن مخصوصة يتعين الإحرام منها.

(٢) جامع المقاصد ٣ : ١١٠ ، رياض المسائل ٦ : ١٠١ ، مستند الشيعة ١١ : ٢٠٥.

٦٩

أن يتجاوزها إلا محرماً وهي : ذو الحليفة لأهل المدينة ، وذات عرق لأهل العراق ، والجحفة لأهل الشام ، وقرن المنازل لأهل نجد ، ويلملم لأهل اليمن وميقات من هم أدنى من المواقيت من حيث يقيمون ، وميقات أهل الحرم من خارج الحرم للعمرة دون الحج فإنهم يحرمون له من حيث يقيمون. (١)

رابعاً ـ الإحرام ، وما يُحرَم على الحاج في إحرامه

الإحرام هو الدخول في أعمال الحج بلبس ثوبي الإحرام مع التلبية وسمي إحراماً لأنه يحرم على الُمحرِم ما كان مباحاً من مفسدات ومنافيات الحج وهذه الافعال الممنوعة تسمى بتروك الإحرام. وأما كيفية الإحرام ، فهي : أن ينوي الحاج قصد الفعل بداعي امتثال أمر الله سبحانه ويلبس ثوبي الإحرام عند ذلك ولابد أن يكون متطهّراً من الحدث. ويشترط في ثوبي الإحرام أن تجتمع فيهما كل ما يصح الصلاة فيه بالإضافة إلى عدم كونه مَخِيطاً للرجال. ثم التلفظ بالتلبيات الأربع : « لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك » (٢).

وعندما يحرم الحاج تُحرّم عليه جملة من الأشياء التي أن فعل شيئاً منها عوقب بدفع كفارة معينة ، وهذه الأشياء الممنوعة هي : صيد البَرِّ ، والاستمتاع بالنساء بأي شكل من الاستمتاع ، والاستمناء ، وإجراء عقد الزواج لنفسه أو لغيره ، ووضع الطيب ، والتزين ، والنظر إلى المرآة ، والاكتحال ، وإخراج

______________

(١) جامع المقاصد ٣ : ١٥٧ ، رياض المسائل ٦ : ١٥٤ ، مستند الشيعة ١١ : ١٦٦.

(٢) جامع المقاصد ٣ : ١٦٣ ، رياض المسائل ٦ : ١٩٣ ، مستند الشيعة ١١ : ٢٦٣.

٧٠

الدم ، والفسوق وهو الكذب ، والسب ، والمفاخرة ، ويحرم أيضاً الجدال وهو قول لا والله أو بلى والله ، وقتل هوام الجسد كالقمل وغيرها ، والأدهان ، وأزالة الشعر عن البدن ، وتقليم الاظفار ، وحمل السلاح وغيرها (١).

المبحث الخامس

الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أولاً ـ فلسفة الجهاد في الإسلام :

لم ينتشر الإسلام عن طريق القوة كما يدّعيه خصومه ، ولم تكن آيات القتال في القرآن الكريم التي بحثها الفقهاء تحت عنوان الجهاد وسيلة من وسائل الإكراه على العقيدة ، ولهذا فقد رفض القرآن الكريم مبدأ الضغط والإكراه في الدين ، وأبطل كل ما يقوم على هذا المبدأ من عقائد ؛ لأن شرطه في العقيدة أن تبنىٰ على القناعة في الفكر والسلوك ، وأما القوة في أدبياته فهي لدفع العدوان والقضاء على الظلم والفساد ، وإلّا فهي أعجز من أن تنفذ إلى أعماق الإنسان لتكسبه عقيدة.

ومن جهة أخرىٰ نجد الإسلام الذي فرض الجهاد يرفض الحرب التي تثيرها عصبية الدين ، أو المذهب أو اللون ، أو اللغة ، أو بقصد الإكراه على الدخول في

______________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٩٠ ، شرح اللمعة ٢ : ١٥٩ ، مدارك الاحكام ٧ : ٥ ، الحدائق النضرة ١٤ : ١ ، جواهر الكلام ١٧ : ٢١٣ ، جامع المقاصد ٣ : ١٧٥ ، رياض المسائل ٦ : ٢٦٠ ، مستند الشيعة ١١ : ٣٣٨.

٧١

الإسلام ، أو بقصد جر المغانم ، والاستلاب ، وامتصاص ثروات الشعوب ، أو لأجل اكتساب الأمجاد الشخصية للملوك والقواد.

كما رفض ـ بذات الوقت ـ اضطهاد أصحاب المعتقدات الدينية التي ارتضت العيش بسلام في داره ، ونظّم مبادئ العلاقات بينه وبين تلك الأقليات في المجتمع الإسلامي بما يضمن لها حريتها وحقوقها كاملة.

ويجب أن نعي جيداً بأن الإسلام لم يرغب في القتال ، ولم يشجع عليه لذاته ، ولم يشرّعه للسيطرة على الناس ، أو الأراضي ، ولا طلباً للغنيمة كما هو الحال في سائر الحروب الصليبية ، وإنما هدفه الوحيد من القتال هو إعلاء كلمة الله تعالى ، والدفاع عن المفاهيم والقيم النبيلة التي يحاول أعداء الإنسانية تعطيلها وإلغائها ، وردع العدوان الواقعي أو المحتمل الوقوع.

ومن جهة ثالثة فان الاسلام هو دين الرحمة والمسامحة والعفو ، دين التآلف والوئام والتعاون ، دين السلام والأمان ، وهي الأسس الثابتة التي يتعامل بها مع جميع الناس. وعلى هذا فان القتال في أدبياته لا يمكن أن يكون أصلاً ، بل وحتىٰ السلم لا يمكن أن يكون هو القاعدة في جميع الظروف ، والأمر المعقول جداً هو أن يكون كل منهما أصلاً في موضوعه وظروفه ، ففي الظروف التي يمكن للسلم أن يحقق النتائج الايجابية للإسلام والمسلمين يكون هو الأصل في التعامل ، وأما لو انقلب السلم إلى موقف ضعف يمس كرامة الدين الحنيف ، أو حالة خطر على الإسلام والمسلمين كان الجهاد هو السبيل المشروع لرد الكرامة ودفع الخطر.

ولو نظرنا إلى الواقع التاريخي بعمق وواقعية وجدنا أن جميع معارك الاسلام الأولى كانت معارك دفاعية لردّ عدوان واقعي أو محتمل

٧٢

الوقوع. (١)

والإسلام دين الواقع والإنسجام مع الفطرة ، فهو ليس ديناً يتبنى الإرهاب والعنف والقسوة ويجعل الحرب طريقاً لتحقيق اهدافه ، كما أنه ليس بدين الخنوع والخضوع والذلة ، كما نجده في بعض الأديان التي تنتسب إلى الوحي. بل نرى الإسلام شرّع فريضة الجهاد والقتال من أجل الحفاظ على كيان الإسلام والاُمة من المعتدين والمتآمرين عليه ، وهذا أمر يتبناه العقلاء وتدعو إليه الفطرة السليمة ، ولذلك أكد عليه الإسلام بشكل كبير وجعل له تشريعات خاصة وظوابط موضوعية من أجل أن لا يستغل لظلم الناس ، أو يكون هدفه إراقة الدماء ، ومن هنا ارتبط الجهاد بالإسلام وبالله عزّوجلّ ، فيقال الجهاد في سبيل الله ، وسبيل الله هو الطريق الموصل إليه ، وهداية الناس إليه ؛ لأن الظالمين يقفون دائماً حائلاً بين المبادئ الحقة وبين الناس ويمنعوا من وصولها إليهم بشتى السبل ، الأمر الذي يمثل اعتداءهم على الناس جميعاً ، ولذلك يجب أزالة هذه المعوقات ؛ لكي يتسنى للناس رؤية الحق ومعرفته ، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى : ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ) (٢).

______________

(١) راجع : سماحة الإسلام وحقوق الأقليات الدينية في مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام / السيد سعيد كاظم العذاري / إصدار مركز الرسالة برقم (٤٣) ـ الفصل الثاني / السلم والقتال بين الأصالة والاستثناء.

(٢) سورة النساء : ٤ / ٧٤.

٧٣

ثانياً ـ اقسام الجهاد :

ينقسم الجهاد إلى قسمين ابتدائي ودفاعي فأما الدفاعي فهو واجب على كل مسلم بأن يدافع عن الإسلام والمسلمين إذا ما تعرض المسلمون إلى هجوم من قبل الأعداء ، ولا يحتاج إلى إذن من النبي أو الإمام أو الفقيه. وأما الابتدائي فهو الذي يبادر المسلمون إليه من أجل تحقيق الهدف الأسمى المتمثل باعلاء كلمة الله واقامة شعائر الإيمان. وهذا القسم يحتاج إلى إذن من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام المعصوم عليه‌السلام.

ثالثاً ـ شرائط وجوب الجهاد وأهم أحكامه :

يشترط في وجوب الجهاد امور هي : التكليف ، والذكورة ، والحرية ، والقدرة ، فإذا تمت هذه الشرائط وجب على المسلم الجهاد ، ولا بد أن يتقيّد المجاهد بكل تعاليم الإسلام مع الأسرى ، ويجب عليه أيضاً عدم استخدام الأسلحة ذات الطابع التدميري الشامل كالأسلحة البيلوجية والكميائية والنووية أو السُمِّية أو غيرها.

هذا ، ومن الأحكام المهمّة المتعلقة بالجهاد :

١ ـ وجوب الجهاد كفائي بمعنى سقوطه عن الجميع إذا قام به من به الكفاية.

٢ ـ يحرم الجهاد في الأشهر الحرم وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم.

٣ ـ لا يجوز الجهاد في الحرم المكي إلا أن يبدأ العدو بالقتال. (١)

______________

(١) الكافي للحلبي : ٢٤٦ ، النهاية : ٢٨٩ ، السرائر ٢ : ٣ ، مسـالك الأفـهام /

٧٤

رابعاً ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

من طبيعة كل مجتمع مهما كانت العقيدة التي يحملها أو الشريعة التي تنظّم شؤونه أن يكون فيه أفراد خارجين على الضوابط والمقرارات الشرعية ، ومن هنا فلا بد من وجود قانون يردع هؤلاء ، أو قل إن من مسؤولية بقية أفراد المجتمع عدم السماح لهؤلاء بالعبث والفساد في المجتمع ، وهذه مسألة عقلائية تقتضيها الفطرة ويدعو لها النظام الاجتماعي. ولذا نجد الإسلام أقر هذه الفكرة ودعى إليها بشكل كبير. وهو ما يسمى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال تعالى : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١).

وهناك جملة من الشروط إذا توفرت وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإلا فلا يجب ، وهي :

أ : معرفة المعروف والمنكر ولو إجمالاً.

ب : أن يحتمل أنه إذا أمر أو نهى فإن ذلك الشخص يأتمر أو ينتهي.

ج : أن يكون الفاعل للمنكر مصراً عليه.

د : أن يكون المعروف والمنكر منجّزاً في حقّ الفاعل ، فإن كان معذوراً في تركه المعروف أو فعله للمنكر ، لاعتقاده أن ما فعله مباحاً وليس بحرام أو غير ذلك لم يجب شيء.

______________

الشهيد الثاني ٣ : ٥ ، جواهر الكلام ٢١ : ٣ ، رياض المسائل ٨ : ٩.

(١) آل عمران : ٣ / ١٠٤.

٧٥

ه‍ : أن لا يلزم من أداء ذلك الواجب ضرراً على النفس أو العرض أو غير ذلك (١).

* * *

______________

(١) الاقتصاد / الشيخ الطوسي : ١٤٦ ، المهذب / ابن البراج ١ : ٣٤٠ ، السرائر ٢ : ٢١ ، تحرير الاحكام ٢ : ٢٣٨ ، جامع المقاصد ٣ : ٤٨٥.

٧٦

الباب الثاني المعاملات

يهدف فقه المعاملات في الشريعة الإسلامية إلىٰ تنظيم شؤون الناس الاقتصادية والاجتماعية بغية الحفاظ على المجتمع من جميع المخاطر التي تهدّد وجوده وتنال من كيانه واستقراره ، وقد مرّ في هيكلية الفقه الإمامي ، تقسيم المعاملات إلى ثلاثة أقسام وهي : العقود ، والإيقاعات ، والأحكام والفرق بينها أن في العقود إيجاب وقبول ، لأنها معاملة بين طرفين ، وأما الإيقاعات فلا يكون فيها القبول شرطاً ، بل يكفي الإيجاب ، لأنها من طرف واحد كالطلاق مثلاً ، وأما الأحكام فهي خالية من ذلك ، كالميراث والقصاص ونحوهما. وسوف نتناولها في ثلاثة فصول على الترتيب :

الفصل الأول / العقود

أولاً : التجارة

تشكل المعاملات التجارية العمود الفقري للاقتصاد الإسلامي ولا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال ؛ لأن معيشة الناس وحاجاتهم مرتبطة بهذه النوع من المعاملات بشكل كامل ، فضلاً عن تأثيرها المباشر على استقرار

٧٧

المجتمع ونمّوه ، ومن هنا ندب الشرع المقدس المسلمين للعمل بالتجارة في روايات كثيرة (١).

والروايات الواردة في هذا الحقل تدلنا على أهمية التجارة وخطورتها ، وهي بهذا الشكل ذات جانبين متناقضين ، أولهما : إيصال المجتمع إلى أقصى درجات الرفاهية والسعادة من خلال توفير كل المستلزمات للحياة الكريمة إذا كانت مبتنية على الأسس الشرعية والأخلاقية الصحيحة. وثانيهما : عكس الأولى تماماً ، فقد تؤدي إلى تدمير البنية الاقتصادية للمجتمع ، وتسبب الأزمات الأخلاقية والإجتماعية إذا كانت منحرفة عن تعاليم الشرع القويم ومبتنية على أساس الطمع والجشع والطبقية والتسلط. ولذلك نجد الفقهاء يُقَسِّمون التجارة إلى خمسة أقسام تبعا للأحكام التكليفية من الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة والإباحة. وقد تكون واجبة في نفسها أو لغيرها ، أو محرمة في نفسها أو لغيرها كما إذا كانت مقدمة لأمر محرّم. فاما الواجبة فهي كل ما لا يستغني المسلمون عنه مما تتوقف عليه حياتهم كالمأكل والملبس وما شابه ذلك. واما المحرم منها ، فهو :

١ ـ محرمات التجارة :

تحرم المتاجرة بأيّ شكل من الأشكال بالخمر ، أو الحشيشة ، والمواد المخدرة ، وكذلك بالحيوانات الميتة ، أو الكلب ، والخنزير ، وكذلك تحرم بما يكون آلة للحرام بحيث يكون المقصود منها غالباً الحرام كالالات الموسيقية ______________

(١) من لايحضره الفقيه ٣ : ١١٩ باب ٦١ باب التجارة وآدابها وفضلها وفقهها ، الوسائل ج ١٧ ـ كتاب التجارة ـ الباب الأول من أبواب المقدّمات.

٧٨

والاصنام والصلبان وآلات القمار ، بل تحرم التجارة بكل ما له مدخلية في فعل الحرام ، وليست الحرمة مختصة ببيعها ، بل في صناعتها والإعانة على تسويقها وترويجها.

وكذلك تحرم المعاملة بالعملة النقدية المزورة من بيع وشراء أو عوض عن سلعة ما. وكذلك بيع المصحف الشريف على الكفار ، بل يُشكل جعل المصحف مبيعاً. وكما لا يجوز بيع المصحف على الكفار كذلك لا يجوز بيع كتب الضلال على المسلمين ، والمقصود بها كل ما فيه افساد لعقيدة المسلمين أو أخلاقهم.

ويحرم بيع العنب أو التمر أو ما شابه ذلك ليعمل خمراً ، أو بيع الخشب بهدف صنع الأصنام ، والخلاصة أن كل ما هو حرام فلا يجوز بيع شيء يدخل في صنعه لمن يصنعه لا مطلقاً. ويحرم كذلك تصوير ذوات الأرواح من الإنسان أو الحيوانات سواء كانت مجسمة أو لم تكن ، وأما غير ذوات الارواح كالاشجار وغيرها فلا بأس بها ، ولا بأس بالتصوير الفوتغرافي. ومن المحرمات أيضاً الغناء وأخذ الأجرة عليه ، ومعونة الظلمة ، وعمل السحر ، وتعليمه ، وتعلّمه ، والشعبذة كالمهرجين الذين يمارسون عملية خداع البصر. وكذا تحرم الكهانة وهي الأخبار عن المغيبات ، والتنجيم والغش ، والنجش وهو أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها بل لأجل أن يسمعه غيره فيزيد لزيادته.

وكذلك أخذ المال على الفرائض التي شرعها الله كالنيابة في الصلاة أو الصوم عن شخص حي ، بل يحرم أخذ المال على كل واجب كفائي بعنوان المعاوضة ، ولا بأس بالهدية. ويحرم أخذ المال على النوح بالباطل ، أو هجاء المؤمن ، أو الفحش من القول ، أو الرشوة على القضاء بالحق أو الباطل ، وكذلك الكذب ، والولاية من قبل السلطان الجائر الا مع القيام بمصالح المؤمنين ، ويحرم كذلك

٧٩

الاحتكار ، والربا وغيرها من الأمور التي فصلتها الموسوعات الفقهية الإمامية بكل دقّة (١).

٢ ـ شروط العقد : بما أن عملية البيع والشراء متقومة بالعقد الذي يكون بين البائع والمشتري فلابد أن نتعرض لبعض الأحكام الخاصة بذلك. فنقول :

هناك جملة من الأمور التي لابد من توفرها في كل عقد حتى يكون صحيحاً وبه يتحقق البيع الذي هو نقل المال بعوض ، وهي :

أ ـ الإيجاب والقبول بأي لفظ يدل على المقصود ، ولا يشترط فيه العربية ، أو الماضوية أو غيرها.

ب ـ الموالاة بين الإيجاب والقبول ، بمعنى عدم الفاصلة الزمنية المخلة بوحدة الزمان العرفي.

ج ـ التطابق بين الإيجاب والقبول في الثمن والبضاعة وسائر التوابع.

وكما يصح البيع بالإيجاب والقبول ، كذلك يصح بالمعاطاة ، وهو أن ينشأ البائع البيع باعطائه المبيع إلى المشتري وينشأ المشتري القبول باعطاء الثمن إلى البائع كما هو السائد اليوم.

٣ ـ شروط المتعاقدين : يشترط في كل من البائع والمشتري أمور وهي : البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقدرة على التصرف بكونه مالكاً أو وكيلاً عنه أو غير ذلك. ولكن يصح بيع الفضولي ، وهو الذي يبيع مال غيره إذا أجاز المالك بشكل صريح ، وإلّا فالعقد باطل ، ويتحمل البائع والمشتري ما يلحق المبيع من الأضرار على تفصيل في ذلك. ويصح كذلك للأب والجد للأب وإن

______________

(١) مستند الشيعة ١٤ : ٦٣ ، رياض المسائل ٨ : ١٣٠ ، جامع المقاصد ٤ : ١١.

٨٠