البراهين القاطعة - ج ٤

محمّد جعفر الأسترآبادي

البراهين القاطعة - ج ٤

المؤلف:

محمّد جعفر الأسترآبادي


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-548-224-0
ISBN الدورة:
964-371-509-4

الصفحات: ٥١١

فصل [٣٦] : في بيان أنّه إذا قيل في الرجل فلم يكن فيه وكان في ولده وولد ولده فإنّه هو الذي قيل فيه

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قلنا في رجل قولا فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك ؛ فإنّ الله تعالى يفعل ما يشاء » (١).

وفي خبر آخر ـ بعد التنظير بحكاية امرأة عمران بقولها : ( إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ) إلى آخره ، هكذا : « فإذا قلنا في الرجل منّا شيئا ، فكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك » (٢).

فصل [٣٧] : في بيان أنّ الأئمّة كلّهم قائمون بأمر الله وهادون إليه

عن الحكم بن أبي نعيم قال : أتيت أبا جعفر عليه‌السلام ـ وهو بالمدينة ـ فقلت له : عليّ نذر بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أم لا؟ فلم يجبني بشيء ، فأقمت ثلاثين يوما ، ثمّ استقبلني في طريق ، فقال : « يا حكم ، وإنّك لهاهنا بعد؟ » فقلت : نعم إنّي أخبرتك بما جعلت لله عليّ فلم تأمرني ولم تنهني عن شيء ولم تجبني بشيء ، فقال : بكّر عليّ غدوة المنزل ، فغدوت عليه فقال عليه‌السلام : « سل عن حاجتك » ، فقلت : إنّي جعلت لله عليّ نذرا وصياما وصدقة بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أم لا ، فإن كنت أنت رابطتك ، وإن لم تكن أنت سرت في الأرض وطلب المعاش ، فقال : « يا حكم ، كلّنا قائم بأمر الله » ، قلت : فأنت المهديّ؟ قال : « كلّنا نهدي إلى الله » ، قلت : فأنت صاحب السيف؟ قال : « كلّنا صاحب السيف ووارث السيف » ، قلت : فأنت الذي يقتل أعداء الله ، ويعزّ بك أولياء الله ، ويظهر بك

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٥٣٥ ، باب أنّه إذا قيل في الرجل شيء ... ، ح ٢.

(٢) « الكافي » ١ : ٥٣٥ ، باب أنّه إذا قيل في الرجل شيء ... ، ح ١ ، والآية في سورة آل عمران (٣) : ٣٦.

٤١

دين الله؟ فقال : « يا حكم ، كيف أكون أنا وقد بلغت خمسا وأربعين سنة ، وإنّ صاحب هذا الأمر أقرب عهدا باللبن منّي وأخفّ على ظهر الدابّة » (١).

المطلب الخامس :

في نبذ من معجزات سائر الأئمّة عليهم السلام

المذكورين عليهم‌السلام في فصول عديدة بعد الإشارة إلى طرق ثلاثة من طرق خمسة ؛ لأنّا أشرنا إلى أنّ كلّ واحد منهم عليه‌السلام معصوم منصوص أعلم ، وقد مرّ أنّ العصمة طريق من طرق إثبات الإمامة ، وأنّ النصّ طريق آخر ، وأنّ الأعلميّة طريق آخر ، فتثبت إمامة كلّ واحد منهم عليهم‌السلام بكلّ طريق من تلك الطرق ، فينبغي الإشارة إلى الطريقين الأخيرين اللذين أحدهما طريق المعجزة ؛ ولهذا نذكر معجزاتهم عليهم‌السلام في فصول عديدة :

فصل [١] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي محمّد الحسن المجتبى صلوات الله عليه وعلى آبائه الأطهار

على وفق ما انتخبت من « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن عبد الله الكناسي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « خرج الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في بعض عمره ومعه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته ـ قال : ـ فنزلوا في منهل من تلك المناهل ـ قال : ـ نزلوا تحت نخل يابس قد يبس من العطش ـ قال : ـ ففرش للحسن عليه‌السلام تحت نخلة ، وللزبيري بحذائه تحت نخلة أخرى ـ قال : ـ فقال الزبيري ـ ورفع رأسه ـ : لو كان في هذا النخل رطبا لأكلنا منه ، ـ قال : ـ فقال له الحسن عليه‌السلام : وإنّك تشتهي الرطب؟ قال : نعم ، فرفع الحسن عليه‌السلام يده إلى

__________________

(١) المصدر السابق : ٥٣٦ ، باب أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كلّهم قائمون بأمر الله تعالى هادون إليه ، ح ١.

٤٢

السماء فدعا بكلام لم يفهمه الزبيري ، فاخضرّت النخلة ، ثمّ صارت إلى حالها فأورقت وحملت رطبا ـ قال : ـ فقال له الجمّال الذي اكتروا منه : سحر والله ـ قال : ـ فقال له الحسن عليه‌السلام : ويلك ليس بسحر ، ولكن دعوة ابن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مستجابة ، ـ قال : ـ فصعدوا إلى النخلة حتّى صرموا ممّا كان فيها ما كفاهم ». (١)

ومنها : ما روي عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام : « أنّ الحسن عليه‌السلام قال يوما لأخيه الحسين عليه‌السلام ولعبد الله بن جعفر : إنّ معاوية بعث إليكم بجوائزكم وهي تصل إليكم يوم كذا لمستهلّ الهلال وقد أضاقا ، فوصلت في الساعة التي ذكرها لمّا كان رأس الهلال فلمّا وافاهم المال كان على الحسن عليه‌السلام دين كثير فقضاه ممّا بعثه إليه ، ففضلت فضلة ففرّقها في أهل بيته ومواليه ، وقضى الحسين عليه‌السلام دينه ، وقسّم ثلث ما بقي في أهل بيته ومواليه ، وحمل الباقي إلى عياله. وأمّا عبد الله فقضى دينه وما فضل دفعه إلى الرسول ليتعرّف معاوية من الرسول ما فعلوا ، فبعث إلى عبد الله أموالا حسنة » (٢).

ومنها : ما روي أنّ عليّا عليه‌السلام كان في الرحبة ، فقام إليه رجل فقال : أنا من رعيّتك وأهل بلادك ، قال عليه‌السلام : « لست من رعيّتي ولا من أهل بلادي وإنّ ابن الأصفر بعث بمسائل إلى معاوية فأقلقته وأرسلك إليّ لأجلها » ، قال : صدقت يا أمير المؤمنين ، إنّ معاوية أرسلني إليك في خفية وأنت قد اطّلعت على ذلك ولا يعلمها غير الله ، فقال عليه‌السلام : « سل أحد ابنيّ هذين » ، قال : أسأل ذا الوفرة يعني الحسن فأتاه.

فقال له الحسن : « جئت تسألني كم بين الحقّ والباطل؟ وكم بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما المؤنّث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟ » قال : نعم ، قال الحسن عليه‌السلام : « بين الحقّ والباطل أربع

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣٢٣ ، ح ١ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٢٥٦ ، باب ١٣ ، ح ١٠.

(٢) المصدر السابق ، ح ٢ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، ح ٣.

٤٣

أصابع : ما رأيته بعينك فهو حق وقد تسمع بأذنيك باطلا ، وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ومدّ البصر ، وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس ، وقزح اسم الشيطان ، وهو قوس الله وعلامة الخصب وأمان لأهل الأرض من الغرق ، وأمّا المؤنّث فهو الذي لا يدرى أذكر أم أنثى ، فإنّه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم وإن كان أنثى حاضت وبدا ثدييها ، وإلاّ قيل له : بل ، فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر ، وإن انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير ، فهو أنثى. وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض : فأشدّ شيء خلق الله الحجر ، وأشدّ منه الحديد يقطع به الحجر ، وأشدّ من الحديد النار تذيب الحديد ، وأشدّ من النار الماء ، وأشدّ من الماء السحاب ، وأشدّ من السحاب الريح تحمل السحاب ، وأشدّ من الريح الملك الذي يردّها ، وأشدّ من الملك ملك الموت الذي يميت الملك ، وأشدّ من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت ، وأشدّ من الموت أمر الله الذي يدفع الموت » (١).

ومنها : ما روي عن الصادق عليه‌السلام : « قال بعضهم للحسن بن عليّ عليهم‌السلام في احتماله الشدائد عن معاوية فقال عليه‌السلام : كلاما معناه : لو دعوت الله تعالى لجعل العراق شاما والشام عراقا ، وجعل المرأة رجلا والرجل امرأة ، فقال رجل من أهل الشام : ومن يقدر على ذلك؟ فقال عليه‌السلام : انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرجال ، فوجد الرجل نفسه امرأة ، ثمّ قال : وصارت عيالك رجلا تقاربك وتحمل عنها وتلد ولدا خنثى ، فكان كما قال عليه‌السلام ، ثمّ إنّهما تابا وجاءا إليه فدعا الله تعالى فعادا إلى الحالة الأولى » (٢).

ومنها : ما روي عن الحسين بن أبي العلاء عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام : « قال الحسن بن عليّ عليهما‌السلام لأهل بيته : يا قوم إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له أهل بيته : ومن الذي يسمّك؟ قال : جاريتي أو امرأتي ، فقالوا له : أخرجها من

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، ح ٥ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ٢ : ٥٧٢ ـ ٥٧٣ ، ح ٢.

(٢) المصدر السابق : ٣٢٧ ، ح ٦.

٤٤

ملكك عليها لعنة الله ، فقال : هيهات من إخراجها ومنيّتي على يدها ، ما لي منها محيص ، ولو أخرجتها ما يقتلني غيرها ، كان قضاء مقضيّا وأمرا واجبا من الله ، فما ذهبت الأيّام حتّى بعث معاوية إلى امرأته ، ـ قال : ـ فقال الحسن عليه‌السلام هل عندك من شربة لبن؟ فقالت : نعم ، وفيه ذلك السمّ الذي بعث به معاوية ، فلمّا شربه وجد مسّ السمّ في جسده ، فقال : يا عدوّة الله قتلتني قاتلك الله ، أما والله لا تصيبين منّي خلفا ولا تنالين من الفاسق عدوّ الله اللعين خيرا أبدا » (١).

ومنها : ما روي أنّه مرّت بالحسن بن عليّ عليه‌السلام بقرة ، فقال : « هذه حبلى بعجلة أنثى لها غرّة في جبينها ورأس ذنبها أبيض » ، فانطلقنا مع القصّاب حتّى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف على صورتها ، فقلنا : أوليس الله عزّ وجلّ يقول : ( وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ ) (٢) فكيف علمت؟ فقال : « ما يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم الذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل غير محمّد وذرّيّته » (٣).

ومنها : ما روي عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « جاء الناس إلى الحسن بن عليّ عليهما‌السلام فقالوا : أرنا من عجائب أبيك التي كان يرينا ، فقال : وتؤمنون بذلك؟ قالوا : نعم ، نؤمن والله بذلك ، قال : أليس تعرفون أبي؟ قالوا جميعا : بل نعرفه ، فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنين عليه‌السلام قاعد ، فقال : تعرفونه؟ قالوا بأجمعهم : هذا أمير المؤمنين عليه‌السلام ونشهد أنّك ابن رسول الله حقّا والإمام من بعده ، ولقد أريتنا أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد موته كما أرى أبوك أبا بكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد قبا بعد موته ، فقال الحسن عليه‌السلام : ويحكم أما سمعتم قول الله عزّ وجلّ : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) (٤)؟ فإذا كان هذا نزل فيمن قتل في

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨.

(٢) لقمان (٣١) : ٣٤.

(٣) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣٢٨ ، ح ٧.

(٤) البقرة (٢) : ١٥٤.

٤٥

سبيل الله ما تقولون فينا؟ قالوا : آمنّا وصدّقنا يا ابن رسول الله » (١).

ومنها : ما روي عن داود بن الكثير الرقّي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لمّا صالح الحسن بن عليّ عليهما‌السلام معاوية جلسا بالنخيلة ، فقال معاوية : يا أبا محمّد ، بلغني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخرص النخل ، فهل عندك من ذلك علم ، فإنّ شيعتكم يزعمون أنّه لا يعزب عنكم علم شيء لا في الأرض ولا في السماء؟ فقال الحسن عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخرص كيلا وأنا أخرص عددا » ، فقال معاوية : كم في هذه النخلة؟ فقال الحسن عليه‌السلام : « أربعة آلاف بسرة وأربع بسرات » ، فأمر معاوية بها فصرمت وعدّت ، فجاءت أربعة آلاف وثلاث بسرات ، فقال : « والله ما كذبت ولا كذبت » ، فنظر فإذا في يد عبد الله بن عامر كويز بسرة » الحديث (٢).

فصل [٢] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي كثيرة :

منها : ما روي أنّه دخل على الحسين عليه‌السلام رجل شابّ يبكي ، فقال له الحسين عليه‌السلام : « ما يبكيك؟ » قال : إنّ والدتي توفّيت في هذه الساعة ولم توص ولها مال ، وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئا حتّى أعلمك خبرها ، فقال الحسين عليه‌السلام : « قوموا حتّى نصير إلى هذه الحرّة » ، فقمنا معه حتّى انتهينا إلى باب البيت الذي توفّيت فيه المرأة مسجّاة ، فأشرف على البيت ودعا الله ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها ، فأحياها الله وإذا المرأة جلست وهي تتشهّد ، ثمّ نظرت إلى الحسين عليه‌السلام فقالت : ادخل البيت يا مولاي ومرني بأمرك ، فدخل وجلس على مخدّة ، ثم قال لها : « وصي رحمك الله » ، فقالت : يا ابن رسول الله ، لي من المال كذا وكذا في

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، ح ٨.

(٢) المصدر السابق : ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، ح ٩.

٤٦

مكان كذا وكذا ، فقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك ، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك وأوليائك ، وإن كان مخالفا فخذه إليك فلا حقّ للمخالفين في أموال المؤمنين ، ثمّ سألته أن يصلّي عليها وأن يتولّى أمرها ، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت » (١).

ومنها ما روي عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « أقبل أعرابيّ إلى المدينة ليختبر الحسين عليه‌السلام لما ذكر من دلائله ، فلمّا صار بقرب المدينة ، [ خضخض ودخل المدينة ] فدخل على الحسين عليه‌السلام ، فقال له أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام : « أما تستحيي يا أعرابيّ ، أن تدخل على إمامك وأنت جنب؟ » : فقال : أنتم معاشر العرب إذا دخلتم خضخضتم ، فقال الأعرابيّ قد بلغت حاجتي ممّا جئت فيه ، فخرج من عنده فاغتسل ورجع إليه فسأله عمّا كان في قلبه » (٢).

ومنها : ما روي عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : « إذا أراد الحسين عليه‌السلام أن ينفذ غلمانه في بعض أموره ، قال لهم : لا تخرجوا يوم كذا اخرجوا يوم كذا ، فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم طريقكم فخالفوه مرّة وخرجوا فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم ، واتّصل الخبر إلى الحسين عليه‌السلام فقال : لقد حذّرتهم فلم يقبلوا منّي ، ثمّ قام من ساعته ودخل على الوالي ، فقال الوالي : بلغني قتل غلمانك فآجرك الله فيهم.

فقال الحسين عليه‌السلام : فإنّي أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك بهم ، وقال الوالي : أو تعرفهم يا بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : نعم ، كما أعرفك وهذا منهم ، فأشار بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي ، فقال الرجل : ومن أين قصدتني بهذا؟ ومن أين تعرف أنّي منهم؟ فقال له الحسين عليه‌السلام : إن أنا صدّقتك تصدّقني؟ قال : نعم ، والله لأصدّقنّك ؛ فقال : خرجت ومعك فلان وفلان ، وذكرهم كلّهم فمنهم أربعة من موالي المدينة

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٤ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، ح ٣ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، ح ١.

(٢) المصدر السابق : ١٨١ ، ح ٤ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٤٦ ، ح ٢.

٤٧

والباقون من حيطان المدينة ، فقال الوالي : وربّ القبر والمنبر لتصدّقني أو لأهرقنّ لحمك بالسياط ، فقال الرجل : والله ما كذب الحسين عليه‌السلام وأصدّق وكأنّه كان معنا ، فجمعهم الوالي جميعا فأقرّوا جميعا فضرب أعناقهم » (١).

ومنها : ما روى زرارة بن أعين قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يحدّث عن آبائه عليهم‌السلام : « إنّ مريضا شديد الحمّى عاده الحسين عليه‌السلام فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمّى عن الرجل ، فقال : رضيت بما أوتيتم به حقّا حقّا والحمّى تهرب عنكم ، فقال له الحسين عليه‌السلام : والله ما خلق الله شيئا إلاّ وقد أمره بالطاعة لنا ، قال : فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبّيك ، قال : أليس أمير المؤمنين عليه‌السلام أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّا أو مذنبا لكي تكوني كفّارة لذنوبه ، فما بال هذا؟ فكان المريض عبد الله بن شدّاد بن الهادي الليثي » (٢).

ومنها : ما روي عن أيّوب بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها ، فقال بيده حتّى وضعها على ذراعها ، فأثبت الله يد الرجل في ذراعها حتّى قطع الطواف وأرسل إلى الأمير واجتمع الناس وأرسل إلى الفقهاء ، فجعلوا يقولون : اقطع يده فهو الذي جنى الجناية ، فقال : هاهنا أحد من ولد محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقالوا : نعم ، الحسين بن عليّ عليه‌السلام قدم الليلة ، فأرسل إليه فدعاه ، فقال : انظر ما لقي ذان؟ فاستقبل الكعبة ورفع يديه فمكث طويلا يدعو ، ثمّ جاء إليهما حتّى خلص يده من يدها ، فقال الأمير : ألا نعاقبه بما صنع؟ قال : لا » (٣).

ومنها : ما روي عن صفوان بن مهران قال سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : « رجلان اختصما في زمن الحسين عليه‌السلام في امرأة وولدها ، فقال : هذا لي ، وقال : هذا لي ، فمرّ بهما الحسين عليه‌السلام فقال لهما : فيما تمرجان؟ قال أحدهما : إنّ الامرأة لي ، وقال الآخر :

__________________

(١) المصدر السابق ، ح ٥ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ١٨١ ـ ١٨٢ و ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، ح ٣.

(٢) المصدر السابق : ١٨٣ ، ح ٨ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٥٨.

(٣) المصدر السابق ، ح ١٠ ، نقلا عن « تهذيب الأحكام » ٥ : ٤٧٠ ، ح ١٦٤٧.

٤٨

إنّ الولد لي ، فقال عليه‌السلام للمدّعي الأوّل : اقعد ، فقعد وكان الغلام رضيعا ، فقال الحسين عليه‌السلام : يا هذه! اصدقي من قبل أن يهتك الله سترك ، فقالت : هذا زوجي والولد له ، ولا أعرف هذا ، فقال عليه‌السلام يا غلام ، ما تقول هذه؟ انطق بإذن الله تعالى ، فقال له : ما أنا لهذا ولا لهذا ، وما أبي إلاّ راعي لآل فلان ، فأمر عليه‌السلام برجمها » ، قال جعفر عليه‌السلام : « فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها » (١).

ومنها : ما روي عن أصبغ بن نباتة قال : سألت الحسين عليه‌السلام ، فقلت : يا سيّدي ، أسألك عن شيء أنا به موقن وإنّه من سرّ الله وأنت المسرور إليه ذلك السرّ ، فقال : « يا أصبغ ، أتريد أن ترى مخاطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي دون يوم مسجد قبا؟ » قال : هذا الذي أردت ، قال : « قم » ، فإذا أنا وهو بالكوفة ، فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إليّ بصري ، فتبسّم في وجهي ، ثمّ قال : « يا أصبغ ، إنّ سليمان بن داود عليه‌السلام أعطي الريح غدوّها شهر ورواحها شهر وأنا قد أعطيت أكثر ممّا أعطي سليمان ».

فقلت : صدقت والله يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « نحن الذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه ، وليس عند أحد من خلقه ما عندنا ؛ لأنّا أهل سرّ الله » ، فتبسّم في وجهي ، ثمّ قال : « نحن آل الله وورثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، فقلت : الحمد لله على ذلك ، ثمّ قال لي : « ادخل » ، فدخلت فإذا أنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محتب بردائه ، فنظرت فإذا أنا بأمير المؤمنين قابض على تلابيب الأعسر ، فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعضّ على الأنامل وهو يقول : « بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك عليكم لعنة الله ولعنتي » (٢).

ومنها : ما روي عن عطاء بن السائب ، عن أخيه قال : شهدت يوم قتل الحسين صلوات الله عليه فأقبل رجل من بني تميم يقال له : عبد الله بن جويرة ، فقال : يا حسين ، فقال صلوات الله عليه : « ما تشاء؟ » فقال : أبشر بالنار ، فقال عليه‌السلام : « كلاّ ، إنّي

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٤ : ١٨٤ ، ح ١١ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٥٩.

(٢) المصدر السابق : ١٨٤ ـ ١٨٥ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٥٩ ـ ٦٠.

٤٩

أقدم على ربّ غفور ، وشفيع مطاع ، وأنا من خير إلى خير ، من أنت؟ » قال : أنا ابن جويرة ، فرفع يده الحسين صلوات الله عليه إلى السماء حتّى رأينا بياض إبطيه ، وقال : « اللهمّ جرّه إلى النار » ، فغضب ابن جويرة ، فحمل عليه فاضطرب فرسه في جدول وتعلّق رجله في الركاب ، ووقع رأسه في الأرض ونفر الفرس فأخذ يعدو به ، ويضرب رأسه بكلّ حجر وشجر ، وانقطعت قدمه وساقه وفخذه ، وبقي جانبه الآخر متعلّقا في الركاب ، فصار ـ لعنه الله ـ إلى نار الجحيم (١).

ومنها : ما روي أنّه لمّا جاءوا برأس الحسين عليه‌السلام ونزلوا منزلا يقال له : قنسرين ، اطّلع راهب من صومعته إلى الرأس ، فرأى نورا ساطعا يخرج من فيه ويصعد إلى السماء ، فأتاهم بعشرة آلاف درهم ، وأخذ الرأس ، وأدخله صومعته ، فسمع صوتا ولم ير شخصا ، قال : طوبى لك ، وطوبى لمن عرف حرمتك ، فرفع الراهب رأسه ، وقال : يا ربّ ، بحقّ عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلّم معي ، فتكلّم الرأس ، وقال : « يا راهب ، أيّ شيء تريد؟ » فقال : من أنت؟ قال : « أنا ابن محمّد المصطفى ، وأنا ابن عليّ المرتضى ، وأنا ابن فاطمة الزهراء ، وأنا المقتول بكربلاء ، أنا المظلوم ، أنا العطشان » ، وسكت ، فوضع الراهب وجهه على وجهه ، فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتّى تقول : أنا شفيعك يوم القيامة ، فتكلّم الرأس وقال : « ارجع إلى دين جدّي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، فقال الراهب : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ، فقبل له الشفاعة ، فلمّا أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم فلمّا بلغوا الوادي نظروا الدراهم وقد صارت حجارة (٢).

ومنها : ما روي عن أبي ثوبان الأسدي ـ وكان من أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام ـ ، عن الصلت بن المنذر ، عن المقداد بن الأسود الكندي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج في طلب

__________________

(١) المصدر السابق : ١٨٧ ، ح ١٦ ، نقلا عن « عيون المعجزات » : ٦٢.

(٢) المصدر السابق ٤٥ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، ح ٣ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٦٧.

٥٠

الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وقد خرجا من البيت وأنا معه فرأيت أفعى على الأرض ، فلمّا أحسّت بوطي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قامت ونظرت وكان أعلى من النخلة وأضخم من البكر يخرج من فيها النار فهالني ذلك ، فلمّا رأت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صارت كأنّها خيط ، فالتفت إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « ألا تدري ما تقول هذه يا أخا كندة؟ » قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : « قالت : الحمد لله الذي لم يميتني حتّى جعلني حارسا لابني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، وجرت في الرمل رمل الشعاب ، فنظرت إلى شجرة لا أعرفها بذلك الموضع ، لأنّي ما رأيت فيه شجرة قطّ قبل يومي ذلك ، ولقد أتيت بعد ذلك اليوم أطلب الشجرة فلم أجدها ، وكانت الشجرة أظلّتهما ... الحديث (١).

ومنها : ما روي عن سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه قال : أهدي إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قطف من العنب في غير أوانه ، فقال : « يا سلمان ، ائتني بولديّ : الحسن والحسين ليأكلا معي من هذا العنب » ، قال سلمان الفارسي : فذهبت إلى منزل أمّهما فلم أرهما ، فأتيت منزل أختهما أمّ كلثوم فلم أرهما ، فجئت فخبّرت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، فاضطرب ووثب قائما وهو يقول : « وا ولداه ، وا قرّة عيناه ، من يرشدني عليهما فله على الله الجنّة » ، فنزل جبرئيل من السماء وقال : يا محمّد ، ما علّة هذا الانزعاج؟ فقال : « على ولديّ الحسن والحسين عليهما‌السلام فإنّي خائف عليهما من كيد اليهود ».

فقال جبرئيل : يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل خفت عليهما من كيد المنافقين ، فإنّ كيدهم أشدّ من كيد اليهود ، واعلم يا محمّد ، إنّ ابنيك الحسن والحسين نائمان في حديقة أبي الدحداح ، فسار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من وقته وساعته إلى الحديقة وأنا معه حتّى دخلنا الحديقة فإذا هما نائمان ، وقد اعتنق أحدهما الآخر وثعبان في فيه طاقة ريحان يروح بها وجههما.

فلمّا رأى الثعبان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ألقى ما كان في فيه ، وقال : السّلام عليك يا رسول الله ،

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٢٧١ ـ ٢٧٣ ، ح ٣٩ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح ٢ : ٨٤١ ـ ٨٤٥ ، ح ٦٠.

٥١

لست أنا ثعبانا ولكنّي ملك من ملائكة الله الكروبيّين غفلت عن ذكر ربّي طرفة عين فغضب عليّ ربّي ومسخني ثعبانا كما ترى وطردني من السماء إلى الأرض ، ولي منذ سنين كثيرة أقصد كريما على الله فأسأله أن يشفع لي عند ربّي عسى أن يرحمني ويعيدني ملكا كما كنت أوّلا إنّه على كلّ شيء قدير.

قال : فجعل النبيّ يقبّلهما حتّى استيقظا فجلسا على ركبتي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لهما النبيّ : « انظروا يا ولديّ ، هذا ملك من ملائكة الله الكروبيّين قد غفل عن ذكر ربّه طرفة عين فجعله الله هكذا ، وأنا مستشفع بكما إلى الله تعالى فاشفعا له » ، فوثب الحسن والحسين عليهما‌السلام فأسبغا الوضوء وصلّيا ركعتين ، وقالا : « اللهمّ بحقّ جدّنا الجليل الحبيب محمّد المصطفى ، وبأبينا عليّ المرتضى ، وبأمّنا فاطمة الزهراء إلاّ ما رددته إلى حالته الأولى » ، فما استتمّ دعاؤهما وإذا بجبرئيل قد نزل من السماء في رهط من الملائكة وبشّر ذلك الملك برضى الله عنه وبردّه إلى سيرته الأولى ، ثمّ ارتفعوا به إلى السماء وهم يسبّحون الله تعالى ، ثمّ رجع جبرئيل عليه‌السلام إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متبسّم وقال : يا رسول الله ، إنّ ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع السماوات ويقول لهم : من مثلي وأنا في شفاعة السيّدين السبطين : الحسن والحسين عليهما‌السلام (١).

ومنها : ما روي أنّ أعرابيّا أتى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا رسول الله ، لقد صدت خشفة غزالة وأتيت بها إليك هديّة لولديك : الحسن والحسين ، فقبلها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ودعا له بالخير ، فإذا الحسن عليه‌السلام واقف عند جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فرغب إليها فأعطاه إيّاها ، فما مضى ساعة إلاّ والحسين عليه‌السلام قد أقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها ، فقال : « يا أخي ، من أين لك هذه الخشفة؟ » فقال الحسن عليه‌السلام : « أعطانيها جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، فسار الحسين عليه‌السلام مسرعا إلى جدّه فقال : « يا جدّاه ، أعطيت أخي خشفة يلعب بها ولم تعطني مثلها » ، وجعل يكرّر القول على جدّه وهو ساكت لكنّه

__________________

(١) المصدر السابق : ٣١٣ ـ ٣١٤ ، ذيل ح ٧٣.

٥٢

يسلّي خاطره ويلاطفه بشيء من الكلام حتّى أفضى من أمر الحسين إلى أن همّ أن يبكي.

فبينما هو كذلك إذ نحن بصياح قد ارتفع عند باب المسجد ، فنظرنا فإذا ظبية ومعها خشفها ومن خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتضربها بأحد أطرافها حتّى أتت بها إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ نطقت الغزالة بلسان فصيح ، وقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد كانت لي خشفتان : إحداهما صادها الصيّاد وأتى بها إليك ، وبقيت لي هذه الاخرى وأنا بها مسرورة ، وإنّي كنت الآن أرضعها فسمعت قائلا يقول : اسرعي اسرعي يا غزالة ، بخشفك إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصليه سريعا ؛ لأنّ الحسين عليه‌السلام واقف بين يدي جدّه وقد همّ أن يبكي والملائكة بأجمعهم قد رفعوا رءوسهم من صوامع العبادة ، ولو بكى الحسين عليه‌السلام لبكت الملائكة المقرّبون لبكائه.

وسمعت أيضا قائلا يقول : أسرعي يا غزالة ، قبل جريان الدموع على خدّ الحسين عليه‌السلام ، فإن لم تفعلي سلّطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفك ، فأتيت بخشفي إليك يا رسول الله ، وقطعت مسافة بعيدة ، لكن طويت لي الأرض حتّى أتيتك سريعة ، وأنا أحمد الله ربّي على أن جئتك قبل جريان دموع الحسين عليه‌السلام على خدّه ، فارتفع التكبير والتهليل من الأصحاب ، ودعا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للغزالة بالخير والبركة ، وأخذ الحسين عليه‌السلام الخشفة وأتى بها إلى أمّه الزهراء عليها‌السلام فسرّت به سرورا عظيما » (١).

فصل [٣] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي محمّد زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما‌السلام

على وفق ما انتخبت من « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن أبي خالد الكابلي قال : دعاني محمّد بن الحنفيّة بعد قتل

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، ح ٧٣.

٥٣

الحسين ورجوع عليّ بن الحسين عليهما‌السلام إلى المدينة وكنّا بمكّة ، فقال : صر إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام وقل له : أنا أكبر أولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد أخويّ الحسن والحسين وأنا أحقّ بهذا الأمر منك فينبغي أن تسلّمه إليّ ، وإن شئت فاختر حكما نتحاكم إليه ، فصرت إليه وأدّيت رسالته ، فقال : « ارجع إليه وقل له : يا عمّ اتّق الله ولا تدّع ما لم يجعل الله لك ، فإن أبيت فبيني وبينك الحجر الأسود ، فمن شهد له الحجر الأسود فهو الإمام ».

فرجعت إليه بهذا الجواب ، فقال له : قد أجبتك قال أبو خالد : فدخلا جميعا وأنا معهما حتّى وافيا الحجر الأسود ، فقال عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : « تقدّم يا عمّ ، فإنّك أسنّ فاسأله الشهادة لك » ، فتقدّم محمّد فصلّى ركعتين ودعا بدعوات ، ثمّ سأل الحجر بالشهادة إن كانت الإمامة له ، فلم يجبه بشيء.

ثمّ قام عليّ بن الحسين عليهما‌السلام فصلّى ركعتين ، ثمّ قال : « يا أيّها الحجر ، الذي جعله الله شاهدا لمن يوافي بيته الحرام من وفود عباده ، إن كنت تعلم أنّي صاحب الأمر وأنّي الإمام المفترض الطاعة على جميع عباده فاشهد لي ، ليعلم عمّي أن لا حقّ له في الإمامة » ، فأنطق الله الحجر بلسان عربيّ مبين ، فقال : يا محمّد بن عليّ ، سلّم الأمر إلى عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ؛ فإنّه الإمام المفترض الطاعة عليك وعلى جميع عباد الله دونك ودون الخلق أجمعين ، فقبّل محمّد بن الحنفيّة رجله وقال : الأمر لك.

وقيل : إنّ ابن الحنفيّة إنّما فعل ذلك إزاحة لشكوك الناس في ذلك.

وفي رواية أخرى : أنّ الله أنطق الحجر : يا محمّد بن عليّ ، إنّ عليّ بن الحسين عليهما‌السلام حجّة الله عليك وعلى جميع من في الأرض ومن في السماء مفترض الطاعة فاسمع له وأطع ، فقال محمّد : سمعا وطاعة يا حجّة الله في أرضه وسمائه (١).

ومنها : ما روي عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر عليه‌السلام قال : « كان

__________________

(١) المصدر السابق ٤٦ : ٢٩ ـ ٣٠ ، ح ٢٠ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح ١ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، ح ٣.

٥٤

عليّ بن الحسين عليهما‌السلام جالسا مع جماعة إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتّى وقفت قدّامه فهمهمت وضربت بيدها الأرض ، فقال بعضهم : يا ابن رسول الله ، ما شأن هذه الظبية قد أتتك مستأنسة؟

قال : « تذكر أنّ ابنا ليزيد طلب عن أبيه خشفا ، فأمر بعض الصيّادين أن يصيد له خشفا ، فصاد بالأمس خشف هذه الظبية ولم تكن قد أرضعته ، فإنّها تسأل أن يحمله إليها لترضعه وتردّه عليه » ، فأرسل عليّ بن الحسين عليهما‌السلام إلى الصيّاد فأحضره وقال : « إنّ هذه الظبية تزعم أنّك أخذت خشفا لها وأنّك لم تسقه لبنا منذ أخذته ، وقد سألتني أن أسألك أن تتصدّق به عليها » ، فقال : يا ابن رسول الله ، لست أستجرئ على هذا.

قال : « إنّي أسألك أن تأتي به إليها لترضعه وتردّه عليك ففعل الصيّاد » ، فلمّا رأته همهمت ودموعها تجري ، فقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام للصيّاد : « بحقّي عليك إلاّ وهبته لها » ، فوهبه لها فانطلقت مع الخشف ، وقال : أشهد أنّك من أهل بيت الرحمة وأنّ بني أميّة من أهل بيت اللعنة (١).

ومنها : ما روي أنّ الحجّاج بن يوسف لمّا خرّب الكعبة بسبب مقاتلة عبد الله بن الزبير ، ثمّ عمروها ، فلما أعيد البيت وأرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود فكلّما نصبه عالم من علمائهم أو قاض من قضاتهم أو زاهد من زهّادهم يتزلزل ويضطرب ولا يستقرّ الحجر في مكانه ، فجاءه عليّ بن الحسين عليه‌السلام وأخذه من أيديهم وسمّى الله ثمّ نصبه فاستقرّ في مكانه وكبّر الناس (٢).

ومنها : ما روي أنّ إبليس تصوّر لعليّ بن الحسين عليه‌السلام ـ وهو قائم يصلّي ـ في صورة أفعى له عشرة رءوس محدّدة الأنياب منقلبة الأعين بحمرة ، فطلع عليه من جوف الأرض من موضع سجوده ، ثمّ تطاول في محرابه فلم يفزعه ذلك ولم يكسر

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٦ : ٣٠ ، ح ٢١ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، ح ٤.

(٢) المصدر السابق : ٣٢ ، ح ٢٥ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٦٨ ، ح ١١.

٥٥

طرفه إليه ، فانقضّ على رءوس أصابعه يكدمها بأنيابه وينفخ عليها من نار جوفه وهو لا يكسر طرفه إليه ولا يحوّل قدميه عن مقامه ولا يختلجه شكّ ولا وهم في صلاته ولا قراءته ، فلم يلبث إبليس حتّى انقضّ إليه شهاب محرق من السماء ، فلمّا أحسّ به صرخ وقام إلى جانب عليّ بن الحسين عليه‌السلام في صورته الأولى ، ثمّ قال : يا عليّ ، أنت سيّد العابدين كما سمّيت وأنا إبليس ، والله لقد رأيت عبادة النبيّين من عهد أبيك آدم عليه‌السلام إليك ، فما رأيت مثلك ولا مثل عبادتك ، ثمّ تركه وولى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتّى قضى صلاته على تمامها (١).

ومنها : ما روي أنّه عليه‌السلام كان قائما يصلّي حتّى وقف ابنه محمّد عليهما‌السلام وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر فسقط فيها ، فنظرت إليه أمّه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول : يا ابن رسول الله ، غرق ولدك محمّد عليه‌السلام وهو لا ينثني عن صلاته وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر ، فلمّا طال عليها ذلك ، قالت حزنا على ولدها : ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلاّ عن كمالها وإتمامها ، ثمّ أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومدّ يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلاّ برشاء (٢) طويل ، فأخرج ابنه محمّدا عليه‌السلام على يديه يناغي ويضحك لم يبتلّ له ثوب ولا جسد بالماء ، فقال : « هاك يا ضعيفة اليقين بالله » ، [ فضحكت لسلامة ولدها ، وبكت لقوله عليه‌السلام : يا ضعيفة اليقين بالله ] (٣) ، فقال : « لا تثريب عليك اليوم لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي ، فمن يرى راحما بعده » (٤).

ومنها : ما روي عن محمّد بن جرير الطبري قال : لمّا حضر عليّ بن الحسين عليه‌السلام

__________________

(١) المصدر السابق ٤٦ : ٥٨ ، ح ١١ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ١٤٦ ـ ١٤٧.

(٢) الرشاء : الحبل الذي يتوصّل به إلى الماء. « مجمع البحرين » ١ : ١٨٤ « ر ش ا ».

(٣) الزيادة أثبتناها من المصدر.

(٤) المصدر السابق : ٣٤ ـ ٣٥ ، ح ٢٩ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ١٤٧ ـ ١٤٨.

٥٦

فقال : « يا محمّد ، أيّ ليلة هذه؟ » قال : ليلة كذا وكذا ، قال : « وكم مضى من الشهر؟ » قال : كذا وكذا ، قال : « إنّها الليلة التي وعدتها » ، ودعا بوضوء ، فقال : « إنّ فيه فأرة » ، فقال بعض القوم : إنّه ليهجر ، فقال : « هاتوا المصباح » ، فجيء به فإذا فيه فأرة ، فأمر بذلك الماء فأهريق وأتوه بماء آخر فتوضّأ وصلّى حتّى إذا كان آخر الليل توفّي عليه‌السلام (١).

ومنها : ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إنّ أبي خرج إلى ماله ومعنا ناس من مواليه وغيرهم ، فوضعت المائدة ليتغذّى وجاء ظبي وكان منه قريبا ، فقال له : « يا ظبي ، أنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وأمّي فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هلمّ إلى هذا الغذاء ، فجاء الظبي حتّى أكل معهم ما شاء الله أن يأكل ، ثمّ تنحّى الظبي ، فقال له بعض غلمانه : ردّه علينا. فقال لهم : لا تخفروا ذمّتي ، فقالوا : لا ، فقال له : يا ظبي ، أنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، وأمّي فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هلمّ إلى هذا الغذاء وأنت آمن في ذمّتي ، فجاء الظبي حتّى قام على المائدة فأكل معهم ، فوضع رجل من جلسائه يده على ظهره فنفر الظبي ، فقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام أخفرت ذمّتي لا كلّمتك كلمة أبدا » (٢).

ومنها : ما روي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : « خرج أبو محمّد عليّ بن الحسين عليه‌السلام إلى مكّة ـ في جماعة من مواليه وناس من سواهم ـ فلمّا بلغ عسفان ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها ، فلمّا دنا عليّ بن الحسين عليهما‌السلام من ذلك الموضع قال لمواليه : « كيف ضربتم في هذا الموضع وهذا موضع قوم من الجنّ هم لنا أولياء ولنا شيعة ، وذلك يضرّ بهم ويضيق عليهم؟ فقلنا : ما علمنا ذلك وعمدوا إلى قلع الفسطاط ، وإذا هاتف نسمع صوته ولا نرى شخصه وهو يقول : يا ابن رسول الله ، لا تحوّل فسطاطك من موضعه فإنّا نحتمل ذلك ، وهذا اللّطف قد أهديناه إليك ،

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٦ : ٤٣ ، ح ٤١ ، نقلا عن « فرج المهموم » : ٢٢٨.

(٢) المصدر السابق ٤٦ : ٤٣ ، ح ٤٢ ، نقلا عن « كشف الغمّة » ٢ : ١٠٩.

٥٧

ونحبّ أن تنال منه لنسرّ بذلك ، فإذا بجانب الفسطاط طبق عظيم وأطباق معه فيها عنب ورمّان وموز وفاكهة كثيرة ، فدعا أبو محمّد عليه‌السلام من كان معه فأكل وأكلوا من تلك الفاكهة » (١).

فصل [٤] : في نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم‌السلام

على وفق ما انتخبت من كتاب « البحار » وهي كثيرة :

منها : ما روي أنّه كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفر عليه‌السلام وكان مركزه بالمدينة يختلف إلى مجلس أبي جعفر عليه‌السلام يقول له : يا محمّد ، ألا ترى أنّي إنّما أجيء مجلسك حياء منّي منك ، ولا أقول : إنّ أحدا في الأرض أبغض إليّ منكم أهل البيت ، وأعلم أنّ طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم ، ولكن أراك رجلا فصيحا لك أدب وحسن لفظ ، فإنّما اختلافي إليك لحسن أدبك. وكان أبو جعفر عليه‌السلام يقول له خيرا ويقول : « لن تخفى على الله خافية » ، فلم يلبث الشامي إلاّ قليلا حتّى مرض واشتدّ وجعه ، فلمّا ثقل دعا وليّه وقال له : إذا أنت مددت عليّ الثوب فائت محمّد بن عليّ عليه‌السلام وسله أن يصلّي عليّ ، وأعلمه أنّي أنا الذي أمرتك بذلك.

قال : فلمّا أن كان في نصف الليل ظنّوا أنّه قد مات وسجّوه ، فلمّا أن أصبح الناس خرج وليّه إلى المسجد ، فلمّا أن صلّى محمّد بن عليّ عليهما‌السلام وتورّك ـ وكان إذا صلّى عقّب في مجلسه ـ قال : يا أبا جعفر ، إنّ فلانا الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلّي عليه ، فقال أبو جعفر : « كلاّ ، إنّ بلاد الشام بلاد صرد والحجاز بلاد حرّ ولهبها شديد فانطلق فلا تعجلنّ على صاحبك حتّى آتيكم » ، ثمّ قام من مجلسه فأخذ وضوء ، ثمّ

__________________

(١) المصدر السابق ٤٦ : ٤٥ ، ح ٤٥ ، نقلا عن « الأمان من أخطار الأسفار والأزمان » : ١٣٥.

٥٨

عاد فصلّى ركعتين ، ثمّ مدّ يده تلقاء وجهه ما شاء الله ، ثمّ خرّ ساجدا حتّى طلعت الشمس ، ثمّ نهض فانتهى إلى منزل الشامي فدخل عليه فدعاه فأجابه ، ثمّ أجلسه وأسنده ودعا له بسويق فسقاه ، وقال لأهله : « املئوا جوفه وبرّدوا صدره بالطعام البارد ».

ثمّ انصرف ، فلم يلبث إلاّ قليلا حتّى عوفي الشامي فأتى أبا جعفر عليه‌السلام ، فقال : أخلني فأخلاه فقال : أشهد أنّك حجّة الله على خلقه ، وبابه الذي يؤتى منه ، فمن أتى من غيرك خاب وضلّ ضلالا بعيدا ، وقال له أبو جعفر عليه‌السلام : « وما بدا لك؟ » قال : أشهد أنّي عهدت بروحي وعاينت بعيني فلم يتفاجأني إلاّ ومناد ينادي أسمعه بأذني ينادي وما أنا بالنائم : ردّوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمّد بن عليّ عليهما‌السلام ، فقال له أبو جعفر : « أما علمت أنّ الله يحبّ العبد ويبغض عمله ، ويبغض العبد ويحبّ عمله؟ » قال : فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام (١).

ومنها : ما روي عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « نزل أبو جعفر عليه‌السلام بواد فضرب خباءه ثمّ خرج أبو جعفر بشيء حتّى انتهى إلى النخلة ، فحمد الله عندها بمحامد لم أسمع بمثلها ، ثمّ قال : يا أيّتها النخلة ، أطعمينا ممّا جعل الله فيك » ؛ قال : فتساقط رطب أحمر وأصفر فأكل عليه‌السلام ومعه أبو أميّة الأنصاري فأكل منه وقال : هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزّت إليها بجذع النخلة فتساقط عليها رطبا جنيّا » (٢).

ومنها : ما روي عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام فقلت لهما : أنتما ورثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : « نعم » ، قلت : فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وارث الأنبياء علم كلّ ما علموا؟ فقال لي : « نعم » ، فقلت : أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرءوا الأكمه والأبرص؟ فقال : « نعم ، بإذن الله » ، ثمّ قال : « ادن منّي

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٦ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، ح ١ ، نقلا عن « الأمالي » للطوسي : ٤١٠ ـ ٤١١ ، ح ٩٢٣ / ٧١.

(٢) المصدر السابق : ٢٣٦ ، ح ١٠ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٢٥٣ ، ح ٢.

٥٩

يا أبا محمّد » ، فمسح يده على عيني ووجهي فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلّ شيء في الدار ، قال : « أتحبّ أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصا؟ » قلت : أعود كما كنت ، قال : فمسح على عيني فعدت كما كنت (١).

ومنها : ما روي عن محمّد بن مسلم قال : كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام بين مكّة والمدينة وأنا أسير على حمار لي وهو على بغلته إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتّى انتهى إلى أبي جعفر عليه‌السلام فحبس البغلة ودنا الذئب حتّى وضع يده على قربوس السرج ومدّ عنقه إلى أذنه وأدنى أبو جعفر عليه‌السلام أذنه منه ساعة.

ثمّ قال : « امض فقد فعلت » ، فرجع مهرولا ، قال : قلت : جعلت فداك لقد رأيت عجبا!؟ قال : « وتدري ما قلت؟ » قال : قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : « إنّه قال لي : يا ابن رسول الله ، إنّ زوجتي في ذلك الجبل قد تعسّر عليها ولادتها فادع الله أن يخلّصها ولا يسلّط أحدا من نسلي على أحد من شيعتكم ، قلت : فقد فعلت » (٢).

ومنها : ما روي عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فشكوت إليه الحاجة ، قال : فقال : « يا جابر ، ما عندنا درهم » ، فلم ألبث أن دخل عليه الكميت فقال له : جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي حتّى أنشدك قصيدة؟ قال : فقال : « أنشد » ، فأنشده قصيدة ، فقال : « يا غلام ، أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت » ، قال : فأخرج بدرة فدفعها إليه ، قال : فقال له : جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك ثانية؟ قال له : « أنشد » ، فأنشد ، فقال له : « يا غلام ، أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه » ، قال : فأخرج بدرة فدفعها إليه ، قال : فقال له : جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك ثالثة؟ قال له : « أنشد » ، فأنشد ، فقال له : « يا غلام ،

__________________

(١) المصدر السابق : ٢٣٧ ، ح ١٣ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٢٦٩ ، باب ٣ ، ح ١.

(٢) المصدر السابق : ٢٣٩ ، ح ٢٠ ، نقلا عن « الاختصاص » : ٣٠٠.

٦٠