البراهين القاطعة - ج ٤

محمّد جعفر الأسترآبادي

البراهين القاطعة - ج ٤

المؤلف:

محمّد جعفر الأسترآبادي


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-548-224-0
ISBN الدورة:
964-371-509-4

الصفحات: ٥١١

ويشترط في الوجوب تجويز التأثير ولو ظنّا ، وانتفاء مظنّة المفسدة ولو بالنسبة إلى بعض إخوانه نفسا أو مالا أو نحوهما.

وينبغي أن لا يتجسّس عن أحوال الناس ؛ للنهي في الآية والسنّة ؛ لقوله تعالى : ( وَلا تَجَسَّسُوا ) ، (١) أو قوله عليه‌السلام : « عورة المؤمن على المؤمن حرام » (٢).

وكذا يجب التوبة ؛ لقوله تعالى : ( تُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً ) (٣). وقوله تعالى : ( تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ) (٤). إلى غير ذلك.

وإلى مثل ذلك أشار المصنّف مع شرح الشارح القوشجي بقوله : ( والإيمان ) في اللغة هو التصديق مطلقا ، قال الله تعالى حكاية عن إخوة يوسف : ( وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ) (٥) ؛ أي بمصدّق فيما حدّثناك به.

وقال عليه‌السلام : « الإيمان أن تؤمن بالله وكتبه ». الحديث (٦) ، أي تصدّق.

وأمّا في الشرع فهو عند الأشاعرة : التصديق للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما علم مجيئه به ضرورة. فتفصيلا فيما [ علم ] مفصّلا ، وإجمالا فيما علم مجملا ، فهو في الشرع تصديق خاصّة.

وقال الكراميّة : هو كلمة الشهادة. وقال قوم : إنّه أعمال الجوارح.

وذهب الخوارج والغلاة وعبد الجبّار إلى أنّه الطاعات بأسرها فرضا كان أو نفلا.

وذهب الجبائي وابنه وأكثر معتزلة البصرة إلى أنّه الطاعات المفترضة من الأفعال والتروك دون النوافل.

وقال المحدّثون وبعض السلف كابن مجاهد : إنّه تصديق بالجنان وإقرار باللسان

__________________

(١) الحجرات (٤٩) : ١٢.

(٢) « الكافي » ٢ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، باب الرواية على المؤمن ، ح ٢ ـ ٣ ؛ « الفقيه » ٤ : ١٠٤ ، ح ٥١٩٢.

(٣) النور (٢٤) : ٣١.

(٤) التحريم (٦٦) : ٨.

(٥) يوسف (١٢) : ١٧.

(٦) « كتاب سليم بن قيس » : ٦١٣ ؛ « مجمع الزوائد » ١ : ١٩٥ ، ح ١١٥.

٣٢١

وعمل بالأركان.

وقال طائفة : هو التصديق مع كلمتي الشهادة. ويروى هذا عن أبي حنيفة (١).

ولعلّ هذا هو مراد المصنّف حيث قال : ( تصديق بالقلب واللسان ، ولا يكفي الأوّل يعني التصديق بالقلب وحده ليس إيمانا ؛ لقوله تعالى : وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ (٢) ). أثبت للكفّار الاستيقان النفسي وهو التصديق القلبي ، فلو كان الإيمان هو التصديق القلبي لزم اجتماع الكفر والإيمان ، ولا شكّ أنّهما يتقابلان. ( ولا يكفي الثاني ) يعني الإقرار باللسان لقوله تعالى : ( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا ) قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (٣). ولقوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) (٤). فقد أثبت في هاتين الآيتين التصديق اللساني ونفى الإيمان. فعلم أنّ الإيمان ليس هو التصديق اللساني فقط.

وللأشاعرة الآيات الدالّة على محلّيّة القلب للإيمان نحو : ( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) (٥) ، ( وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (٦) ، ( وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (٧). ومن ذلك الآيات الدالّة على الختم والطبع على القلوب ، وكونها في أكنّة ؛ فإنّها واردة على سبيل البيان لامتناع الإيمان منه. ويؤيّده دعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهمّ ثبّت قلبي على دينك » (٨).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأسامة وقد قتل من قال : لا إله إلاّ الله : « هلاّ شققت قلبه » (٩).

__________________

(١) انظر « شرح المواقف » ٨ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٢) النمل (٢٧) : ١٤.

(٣) الحجرات (٤٩) : ١٤.

(٤) البقرة (٢) : ٨.

(٥) المجادلة (٥٨) : ٢٢.

(٦) الحجرات (٤٩) : ١٤.

(٧) النحل (١٦) : ١٠٦.

(٨) « بحار الأنوار » ٦٦ : ١٣٩ ؛ « سنن ابن ماجة » ٢ : ١٢٦٠ ، ح ٣٨٣٤.

(٩) « الجمل » : ٩٤ ؛ « بحار الأنوار » ٦٥ : ٢٤٨ ؛ « فتح الباري » ١٢ : ٢٤٠.

٣٢٢

فإذا ثبت أنّه فعل القلب وجب أن يكون عبارة عن التصديق ؛ لأنّ فعل القلب إمّا التصديق وإمّا المعرفة ، والثاني باطل ؛ لأنّه على ذلك التقدير يكون منقولا عن معناه اللغوي ، وكان على الشارع أن يبيّن النقل بالتوقيف كما بيّن نقل الصلاة والزكاة وأمثالهما ، ولو نقل لاشتهر اشتهار نظائره. بل كان هو بذلك أولى ، لكنّ الشارع لم يزد على أن قال : « الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ». الحديث (١) كما نقلنا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله آنفا.

والدليل على أنّ الأعمال خارجة عن الإيمان أنّه جاء الإيمان مقرونا بالعمل الصالح معطوفا هو عليه في غير موضع من الكتاب نحو : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) (٢) ، و ( مَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً ) (٣). وظاهر أنّ الشيء لا يعطف على نفسه.

وأيضا قد قرن الإيمان بضدّ العمل الصالح نحو : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) (٤) فأثبت الإيمان مع وجود القتال ، وظاهر أنّ الشيء لا يمكن اجتماعه مع ضدّه ولا مع ضدّ جزئه.

( والكفر عدم الإيمان ) عمّا من شأنه. وهذا معنى عدم تصديق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض ما علم مجيئه به بالضرورة. والظاهر أنّ هذا أعمّ من تكذيبه صلى‌الله‌عليه‌وآله في شيء ممّا علم مجيئه به ، على ما ذكر الإمام الغزالي ؛ لشموله الكافر الخالي عن التصديق والتكذيب.

وإلى هذا أشار بقوله : ( إمّا مع الضدّ أو بدونه ) يعني أنّ عدم الإيمان أعمّ من أن يكون مقارنا لضدّ الإيمان وهو التكذيب ، أو لا يكون مقارنا لضدّ الإيمان وهو التكذيب ، أو لا يكون مقارنا لضدّ الإيمان ، بأن يخلو عن كلا الضدّين.

واعتذار الإمام الرازي ـ بأنّ من جملة ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ تصديقه واجب في

__________________

(١) تقدّم في ص ٣٢١ ، التعليقة ٦.

(٢) البقرة (٢) : ٢٥ ؛ آل عمران (٣) : ٥٧ ؛ النساء (٤) : ٥٧.

(٣) التغابن (٦٤) : ٩ ؛ الطلاق (٦٥) : ١١.

(٤) الحجرات (٤٩) : ٩.

٣٢٣

كلّ ما جاء به ، فمن لم يصدّقه فقد كذّبه في ذلك ـ ضعيف ؛ لظهور المنع.

فإن قيل : من استخفّ بالشرع أو الشارع أو ألقى المصحف في القاذورات أو شدّ الزنّار (١) بالاختيار كافر بالإجماع وإن كان مصدّقا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع ما جاء به ، وحينئذ لا يكون حدّ الإيمان مانعا ولا حدّ الكفر جامعا. وإن جعلت ترك المأمور به وارتكاب المنهيّ عنه علامة التكذيب وعدم التصديق لم يكن حدّ الإيمان جامعا ؛ لخروج غير الكفرة من الفسّاق عنه ، ولا حدّ الكفر مانعا ؛ لدخوله فيه.

قلنا : لو سلّم اجتماع التصديق المعتبر في الإيمان مع تلك الأمور التي هي كفر وفاقا فيجوز أن يجعل بعض محظورات الشرع علامة التكذيب فيه ، فيحكم بكفر من ارتكبه ، وبوجود التكذيب فيه ، وانتفاء التصديق عنه كالاستخفاف بالشرع وشدّ الزنّار ، وبعضها لا كالزنى وشرب الخمر. ويتفاوت ذلك إلى متّفق عليه ، ومختلف فيه ، ومنصوص عليه ، ومستنبط من الدليل. وتفاصيله في كتب الفروع.

( والفسق : الخروج عن طاعة الله تعالى مع الإيمان. والنفاق : إظهار الإيمان وإخفاء الكفر. والفاسق مؤمن لوجود حدّه فيه ) خلافا للمعتزلة في مرتكب الكبيرة ، فإنّه عندهم لا مؤمن ولا كافر بل هو في منزلة بين المنزلتين.

( والأمر بالمعروف ) وهو الحمل على الطاعة سواء كان بالقول أو بالفعل ( الواجب واجب ، وكذا النهي عن المنكر ) وهو المنع عن فعل المعاصي قولا أو فعلا واجب ( و) الأمر ( بالمندوب مندوب ) وكذا النهي عن المكروه مندوب ( سمعا ).

اختلفوا في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنّه بحسب الشرع أو بحسب العقل؟ فذهب الجبائي وابنه إلى وجوبهما عقلا (٢).

وذهب الأشاعرة إلى وجوبهما شرعا. واختاره المصنّف فقال : إنّهما واجبان سمعا.

__________________

(١) الزنّار والزنّارة : « ما على وسط المجوسي والنصراني. وفي « التهذيب » : ما يلبسه الذي يشدّه على وسطه ».

« لسان العرب » ٤ : ٣٣٠ « زنر ».

(٢) حكاه القاضي عبد الجبّار عن أبي عليّ الجبائي في « شرح الأصول الخمسة » : ٧٤٢.

٣٢٤

والدليل عليه الإجماع ؛ فإنّ القائل قائلان : قائل بوجوبه مطلقا ، وقائل بوجوبه باستنابة الإمام ، فقد اتّفق الكلّ على وجوبه في الجملة ، والكتاب كقوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (١). والأمر ظاهر في الوجوب.

والسنّة كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لتأمرنّ بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليسلّطنّ شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم » (٢). توعّد على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو دليل الوجوب ( وإلاّ ) أي وإن لم يجبا شرعا بل وجبا عقلا ( لزم ما هو خلاف الواقع أو الإخلال بحكمة الله تعالى ) واللازم ظاهر الفساد.

بيان الملازمة : أنّهما لو وجبا عقلا لوجب على الله ؛ لأنّ كلّ واجب عقلي فهو واجب على من حصل في حقّه وجه الوجوب. ولو كانا واجبين على الله ، فإن كان فاعلا لهما وجب وقوع المعروف وترك المنكر ، فيلزم خلاف الواقع ، وإن كان تاركا لهما يلزم الإخلال بحكمة الله ؛ لأنّه تعالى أخلّ بالواجب العقلي.

( وشرطهما علم فاعلهما بالوجه ) أي شرط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون فاعلهما عالما بأنّ ما يأمر به معروف وأنّ ما ينهى عنه منكر ، وأنّ ذلك ليس من المسائل الاجتهاديّة التي اختلف فيها اعتقاد الآمر والمأمور والناهي والمنهيّ. ( وتجويز التأثير ) أي شرطه الآخر أن يجوّز في ظنّه تأثير أمره ونهيه وإفضائهما إلى المقصود ، فإنّه إذا لم يظنّ أنّهما يفضيان إلى المقصود لا يجبان عليه.

( و ) الشرط الآخر تجويز انتفاء المفسدة ، أي أن يظنّ أن لا مفسدة لا بالنسبة إليه ولا بالنسبة إلى بعض إخوانه ؛ إذ لو انتفى هذا الظنّ لا وجوب عليه.

وينبغي أن لا يتجسّس عن أحوال الناس ؛ للكتاب والسنّة.

__________________

(١) آل عمران (٣) : ١٠٤.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٦ : ١٧٦ ، ح ٣٥٢ ، نحوه.

٣٢٥

أمّا الكتاب فقوله تعالى : ( وَلا تَجَسَّسُوا ) (١). وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ). الآية (٢) ؛ فإنّه يدلّ على حرمة السعي في إظهار الفاحشة ، ولا شكّ أن التجسّس سعي في إظهارها.

وأمّا السنّة فقوله عليه‌السلام : « من تتبّع عورة أخيه ، تتبّع الله عورته ، ومن تتبّع الله عورته ، فضحه على رءوس الأشهاد الأوّلين والآخرين » (٣).

وقوله عليه‌السلام : « من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليسترها يستره الله » (٤). وأيضا قد علم من سيرته عليه‌السلام أنّه كان لا يتجسّس عن المنكرات بل يسترها ويكره إظهارها.

ثمّ إنّه فرض كفاية لا فرض عين ، فإذا قام به قوم سقط عن الآخرين ، وإذا ظنّ كلّ طائفة أنّه لم يقم به الآخر أثم الكلّ بتركه » (٥).

وصل : هذه الاعتقاد من أصول المذهب والدين ، ومنكره خارج عن المذهب والدين ؛ إذ الاعتقاد بما ذكر إجمالا من أصول الدين وتفصيلا باعتبار بعض الاعتقادات المذكورة كالاعتقاد بالشفاعة والعفو بنحوها ، ردّا على الوعيديّة القائلين بلزوم الوعيد على الله وعدم جواز العفو بنحوها وأمثال ذلك من أصول المذهب ، فالمخالف قد يكون خارجا عن المذهب ، وقد يكون خارجا عن الدين ، ويعرف ذلك بالتأمّل فيما ذكرنا وفصّلنا ، والتدبّر فيما أشرنا وحصّلنا ؛ فإنّ العاقل تكفيه الإشارة ، والجاهل لا تفي [ له ] العبارة.

__________________

(١) الحجرات (٤٩) : ١٢.

(٢) النور (٢٤) : ١٩.

(٣) « الكافي » ٢ : ٣٥٤ ، باب من طلب عثرات المؤمنين ، ح ٢ ؛ « الدرّ المنثور » ٧ : ٥٦٨ ـ ٥٦٩.

(٤) « بحار الأنوار » ٦٩ : ٢٥٤ ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١٨ : ١٧٧.

(٥) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٩٣ ـ ٣٩٥.

٣٢٦

تكميل

ذكره جميل ؛ فإنّه تنبّه للغافلين ، وتبصرة للجاهلين ، وتذكرة للكاملين.

اعلم أنّه قد ذكر في البحار أخبار متعلّقة بالمعاد ينبغي أن نذكرها ـ مضافا إلى ما ذكرناه ـ في عدّة فصول :

فصل [١] : في الموت.

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « علامة الكبر ثلاث : كلال البصر ، وانحناء الظهر ، ورقّة القدم » (١).

ومنها ما روي عنه عليه‌السلام أنه قال : « أتوا نبيّا لهم فقالوا : ادع لنا ربّك يرفع عنّا الموت ، فدعا لهم ، فرفع الله تعالى عنهم الموت ، وأكثروا حتّى ضاقت بهم المنازل وكثر النسل ، وكان الرجل يصبح فيحتاج أن يطعم أباه وأمّه وجدّه وجدّ جدّه ، ويوضّيهم ويتعاهدهم ، فشغلوا عن طلب المعاش ، فأتوه فقالوا : سل ربّك أن يردّنا إلى آجالنا التي كنّا عليها ، فسأل ربّه عزّ وجلّ فردّهم إلى آجالهم » (٢).

ومنها ما روي عنه عليه‌السلام : « إنّ الموت رحمة لعباده المؤمنين ، ونقمة على الكافرين » (٣).

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٦ : ١١٩ ، ح ١ ، نقلا عن « الخصال » : ٨٨ ، ح ٢٣.

(٢) « بحار الأنوار » ٦ : ١١٦ ، ح ١ ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : ٤١٢ ، المجلس ٧٧ ، ح ٢.

(٣) « بحار الأنوار » ٦ : ١١٧ ـ ١١٨ ، ح ٤ ، نقلا عن « علل الشرائع » ١ : ١٣٢ ، باب ٩٦ باب علّة الطبائع ... ، ح ٥.

٣٢٧

ومنها : ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لو لا ثلاثة في ابن آدم ما طأطأ رأسه شيء : المرض ، والموت ، والفقر ، وكلّهنّ فيه ، وإنّه لمعهنّ وثّاب » (١).

ومنها : ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « من يموت بالذنوب أكثر ممّن يموت بالآجال ، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممّن يعيش بالأعمار » (٢). وعن الصادق عليه‌السلام مثله (٣).

ومنها : ما روي عنه عليه‌السلام أنّه قال : « إنّما صار الإنسان يأكل ويشرب بالنار ، ويبصر ويعمل بالنور ، ويسمع ويشمّ بالريح ، ويجد الطعام والشراب بالماء ، ويتحرّك بالروح ـ وساق الحديث إلى أن قال : ـ فهكذا الإنسان خلق من شأن الدنيا وشأن الآخرة ، فإذا جمع الله بينهما صارت حياته في الأرض ؛ لأنّه نزل من شأن السماء إلى الدنيا ، فإذا فرّق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت ، تردّ شأن الأخرى إلى السماء ، فالحياة في الأرض والموت في السماء ؛ وذلك لأنّه يفرّق بين الأرواح والجسد ، فردّت الروح والنور إلى القدس الأولى ، وترك الجسد ؛ لأنّه من شأن الدنيا.

وإنّما فسد الجسد في الدنيا ؛ لأنّ الريح تنشف الماء فييبس ويبقى الطين فيصير رفاتا ويبلى ، ويرجع كلّ إلى جوهره الأوّل. وتحرّكت الروح بالنفس حركتها من الريح ، فما كان من نفس المؤمن فهو نور مؤيّد بالعقل ، وما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيّد بالنكر ، فهذه صورة نار وهذه صورة نور. والموت رحمة من الله تعالى لعباده المؤمنين » (٤).

ومنها : ما روي « ما أكثر ذكر الموت إنسان إلاّ زهد في الدنيا » (٥).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « لمّا أراد الله ـ تبارك وتعالى ـ قبض روح إبراهيم أهبط الله ملك الموت فقال : السّلام عليك يا إبراهيم ، قال :

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٦ : ١١٨ ، ح ٥ ، نقلا عن « الدعوات » للراوندي : ١٧١ ، فصل في صلاة المريض وصلاحه.

(٢) « بحار الأنوار » ٥ : ١٤٠ ، ح ٦.

(٣) « بحار الأنوار » ٥ : ١٤٠ ، ح ٦ ، نقلا عن « مجموعة ابن ورّام » ٢ : ٨٧.

(٤) « بحار الأنوار » ٦ : ١١٧ ، ح ٤ ، نقلا عن « علل الشرائع » ١ : ١٣١ ـ ١٣٢ ، باب ٩٦ ، باب علّة الطبائع ... ، ح ٥.

(٥) « بحار الأنوار » ٦ : ١٢٦ ، ح ٣ ، نقلا عن « كتاب الزهد » لحسين بن سعيد : ٧٨ ، ح ٢١٠.

٣٢٨

وعليك السّلام يا ملك الموت ، أداع أم ناع؟ قال : بل داع يا إبراهيم ، فأجب ، قال إبراهيم : فهل رأيت خليلا يميت خليله؟

قال : فرجع ملك الموت حتّى وقف بين يدي الله ، فقال : إلهي قد سمعت خليلك إبراهيم ، فقال الله جلّ جلاله : اذهب إليه وقل : هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه! إنّ الحبيب يحبّ لقاء حبيبه » (١).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه كتب لمحمّد بن أبي بكر : « عباد الله ، إنّ الموت ليس منه فوت فاحذروا قبل وقوعه ، فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات ، وكفى بالموت واعظا ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كثيرا ما يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول : أكثروا ذكر الموت فإنّه هادم اللذّات ، حائل بينكم وبين الشهوات » (٢).

ومنها : ما روي عن أبي محمّد العسكري عن آبائه عليهم‌السلام قال : « جاء رجل إلى الصادق عليه‌السلام فقال : قد سئمت الدنيا فأتمنّى على الله الموت ، فقال عليه‌السلام : تمنّ الحياة لتطيع لا لتعصي ، فلأن تعيش فتطيع خير لك من أن تموت فلا تعصي ولا تطيع » (٣).

ومثله ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لمن عاده وهو شاكّ فتمنّى الموت : « لا تمنّ الموت ، فإنّك إن تك محسنا تزدد إحسانا إلى إحسانك ، وإن كنت مسيئا فتؤخّر لتستغفر » (٤).

فصل [٢] : في ملك الموت الذي قال الله تعالى في حقّه : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) (٥). ونحوه ممّا فسّر بأنّ الله المحيي المميت

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٦ : ١٢٧ ، ح ٨ ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : ١٦٤ ، المجلس ٣٦ ، ح ١.

(٢) « بحار الأنوار » ٦ : ١٣٢ ، ح ٣٠ ، نقلا عن « الأمالي » للطوسي : ٢٧ ، المجلس ١ ، ح ٣١.

(٣) « بحار الأنوار » ٦ : ١٢٨ ، ح ١٥ ، نقلا عن « عيون أخبار الرضا » ٢ : ٣ ، باب ٣٠ ، ح ٣.

(٤) « بحار الأنوار » ٦ : ١٢٨ ، ح ١٦ ، نقلا عن « الأمالي » للطوسي : ٣٨٥ ، المجلس ١٣ ، ح ٨٣٧.

(٥) السجدة (٣٢) : ١١.

٣٢٩

على يدي من يشاء من عباده ، وأنّه جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة.

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ما من أهل بيت شعر ولا وبر إلاّ وملك الموت يتصفّحهم في كلّ يوم خمس مرّات » (١).

ومنها : ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام عن لحظة ملك الموت ، قال : « أما رأيت الناس يكونون جلوسا فتعتريهم السكتة فما يتكلّم أحد منهم؟ فتلك لحظة ملك الموت حيث يلحظهم » (٢).

ومنها : ما روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : قيل لملك الموت : كيف تقبض الأرواح وبعضها في المغرب وبعضها في المشرق في ساعة واحدة؟ فقال : إنّ الدنيا بين يديّ كالقصعة بين يدي أحدكم يتناول منها ما شاء ، والدنيا عندي كالدرهم في كفّ أحدكم يقلّبه كيف شاء » (٣).

ومنها : ما روي عن غيرهم من الأئمّة عليهم‌السلام.

فصل [٣] : في سكرات الموت

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه عزّ وجلّ أن لا يميته ما أماته أبدا ، ولكن إذا حضر أجله بعث الله عزّ وجلّ إليه ريحين : ريحا يقال له : المنسية ، وريحا يقال له : المسخيّة. فأمّا المنسية فإنّها تنسيه أهله وماله ، وأمّا المسخيّة فإنّها تسخّي نفسه عن الدنيا حتّى يختار ما عند الله تبارك وتعالى » (٤).

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٦ : ١٤٣ ، ح ١٠ ، نقلا عن « الكافي » ٣ : ٢٥٦ ، باب النوادر من كتاب الجنائز ، ح ٢٢.

(٢) « بحار الأنوار » ٦ : ١٤٣ ـ ١٤٤ ، ح ١١ ، نقلا عن « الكافي » : ٢٥٩ ، ح ٣١.

(٣) « بحار الأنوار » ٦ : ١٤٤ ، ح ١٣ ، نقلا عن « الفقيه » ١ : ٨٠ ، ح ٣٥٧.

(٤) « بحار الأنوار » ٦ : ١٥٣ ، ح ٧ ، نقلا عن « معاني الأخبار » : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، باب معنى الريح المنسية والمسخيّة ؛ و « الكافي » ٣ : ١٢٧ ، باب أنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه ، ح ١.

٣٣٠

ومنها : ما روي عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام أنّه قال : « أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث : الساعة التي يعاين فيها ملك الموت ، والساعة التي يقوم من قبره ، والساعة التي يقف بين يدي الله. فإمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار » (١).

ومنها : ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه سئل عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَقِيلَ مَنْ راقٍ ) ، قال : « ذاك قول ابن آدم إذا حضره الموت ، قال : هل من طبيب؟ هل من دافع؟ قال : ( وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ ) ، يعني فراق الأهل والأحبّة عند ذلك ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) ، التفّت الدنيا بالآخرة قال : ( إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ) ، يعني المصير » (٢).

ومنها : ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ابتلى الله أحدهم في جسده ، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلاّ ضيّق الله عليه في رزقه. فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه ، وإلاّ شدّ الله عليه عند موته حتّى يأتي الله ولا ذنب له ، ثمّ يدخله الجنّة » (٣).

ومنها : ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إذا رضي الله عن عبد ، قال : يا ملك الموت ، اذهب إلى فلان فأتني بروحه حسبي من عمله ، قد بلوته فوجدته حيث أحبّ ، فينزل ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة معهم قضبان الرياحين وأصول الزعفران ، كلّ واحد منهم يبشّره ببشارة سوى بشارة صاحبه ، ويقوم الملائكة صفّين لخروج روحه ، معهم الرياحين ، فإذا نظر إليهم إبليس وضع يده على رأسه ثمّ صرخ ، فيقول له جنوده : ما لك يا سيّدنا؟ فقال : أما ترون ما أعطي هذا العبد من الكرامة؟ أين كنتم عن هذا؟ قالوا : جهدنا به فلم يطعنا » (٤).

ومنها : ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام اشتكى عينه فعاده

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٦ : ١٥٩ ، ح ١٩ ، نقلا عن « الخصال » ١ : ١١٩ ، ح ١٠٨.

(٢) « بحار الأنوار » ٦ : ١٥٩ ، ح ٢٠ ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : ٢٥٣ ، المجلس ٥١ ، ح ١ ؛ و « الكافي » ٣ : ٣٥٩ ، باب النوادر من كتاب الجنائز ، ح ٣٢. والآيات في سورة القيامة (٧٥) : ٢٧ ـ ٣٠.

(٣) « بحار الأنوار » ٦ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، ح ٢٦ ، نقلا عن « المحاسن » ١ : ٢٧٥ ، باب تطهير المؤمن ، ح ٥٣٨.

(٤) « بحار الأنوار » ٦ : ١٦١ ، ح ٢٩ ، نقلا عن « جامع الأخبار » : ١٧٠ ـ ١٧١ ، الفصل ١٣٦.

٣٣١

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا هو يصيح ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أجزعا أم وجعا؟ فقال : يا رسول الله ، ما وجعت وجعا قطّ أشدّ منه ، فقال : إنّ ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر ، نزل ومعه عمود (١) من نار فنزع روحه به فتصيح جهنّم ، فاستوى عليّ عليه‌السلام جالسا ، فقال : هل يصيب ذلك أحدا من أمّتك؟ قال : نعم ، حاكم جائر ، وآكل مال اليتيم ظلما ، وشاهد زور (٢) ».

ومنها : ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إنّ فتية من أولاد ملوك بني إسرائيل كانوا متعبّدين بقبر فدعوا الله أن يجيبهم صاحب القبر أنّه كيف وجد طعم الموت؟ فخرج رجل أبيض الرأس واللحية ينفض رأسه من التراب ، فقالوا : كيف وجدت طعم الموت؟ فقال لهم : لقد سكنت في قبري تسعا وتسعين سنة ما ذهب عنّي ألم الموت وكربه ، ولا خرج مرارة طعم الموت من حلقي » (٣).

ومنها : ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه : « ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلاّ ويحضره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام والحسن والحسين عليهما‌السلام فيرونه ويبشّرونه ، وإن كان غير موال لنا يراهم بحيث يسوؤه » (٤).

وعن أمير المؤمنين :

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا (٥)

ومنها : ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّ المؤمن إذا حضرته الوفاة حضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وجميع الأئمّة عليهم‌السلام وجبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، فيقول

__________________

(١) في المصدر « سفّود » بدل « عمود ».

(٢) « بحار الأنوار » ٦ : ١٧٠ ، ح ٤٦ ، نقلا عن « الكافي » ٣ : ٢٥٣ ، باب النوادر من كتاب الجنائز ، ح ١٠.

(٣) « بحار الأنوار » ٦ : ١٧١ ، ح ٤٨ ، نقلا عن « الكافي » ٣ : ٢٦٠ ، ح ٣٨.

(٤) « بحار الأنوار » ٦ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، ح ٨ ، نقلا عن « تفسير عليّ بن إبراهيم » ٢ : ٢٦٥ ، ذيل الآية ٣٠ ـ ٣١ من سورة فصّلت (٤١).

(٥) « بحار الأنوار » ٦ : ١٨١ ، نقلا عن « الأمالي » للمفيد : ٧ ، المجلس ١ ، ح ٣.

٣٣٢

عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّه كان ممّن يحبّنا ويتولاّنا فأحبّه ، فيقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل ، إنّه كان ممّن يحبّ عليّا وذريّته فأحبّه ، وقال جبرئيل عليه‌السلام لميكائيل عليه‌السلام وإسرافيل مثل ذلك ، ثمّ يقولون جميعا لملك الموت : إنّه كان ممّن يحبّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ويتولّى عليّا وذرّيّته فارفق به ، فيقول ملك الموت : والذي اختاركم وكرّمكم واصطفى محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة وخصّه بالرسالة لأنا أرفق به من والد رفيق ، وأرفق من أخ شفيق.

ثمّ قام إليه ملك الموت ، فيقول : يا عبد الله ، أخذت فكاك رقبتك ، افتح عينيك فانظر إلى ما عندك ، فيفتح عينيه فينظر إليهم واحدا واحدا ، ويفتح له باب الجنّة فينظر إليها فيقول له : هذا ما أعدّ الله لك وهؤلاء رفقاؤك ، أفتحبّ لقاءهم أو الرجوع إلى الدنيا؟ فيقول : يرجع حاجبيه إلى فوق من قوله : لا حاجة لي إلى الدنيا ولا الرجوع إليها ، ويناديه مناد من بطنان العرش يسمعه : يا أيّتها النفس المطمئنّة إلى محمّد ووصيّه والأئمّة من بعده ارجعي إلى ربّك راضية بالولاية مرضيّة بالثواب ، فادخلي في عبادي مع محمّد وأهل بيته ، وادخلي جنّتي غير مشوبة » (١).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ الله يأمر ملك الموت فيردّ نفس المؤمن ليهوّن عليه ويخرجها من أحسن وجهها ، فيقول الناس : لقد شدّد على فلان الموت ، وذلك تهوين من الله عزّ وجلّ عليه و [ قال : يصرف عنه ] (٢) إذا كان ممّن سخط الله عليه أو ممّن أبغض الله أمره أن يجذب الجذبة التي بلغتكم [ بمثل السفّود من الصوف المبلول ] (٣) فيقول الناس : لقد هوّن على فلان الموت » (٤).

وعنه عليه‌السلام : « إذا بلغت نفس أحدكم هذا ، قيل له : أمّا ما كنت تحزن من همّ الدنيا

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٦ : ١٦٢ ـ ١٦٣ ، ح ٣١ ، نقلا عن « تفسير فرات الكوفي » ٢ : ٥٥٣ ـ ٥٥٤ ، ح ٧٠٨ ، ذيل الآية ٢٧ ـ ٣٠ من سورة الفجر (٨٩).

(٢) الزيادة أضفناها من المصدرين.

(٣) الزيادة أضفناها من المصدرين.

(٤) « بحار الأنوار » ٦ : ١٦٦ ، ح ٣٥ ، نقلا عن « الكافي » ٣ : ١٣٥ ، باب إخراج روح المؤمن والكافر ، ح ١.

٣٣٣

وحزنها فقد أمنت منه ، ويقال له : أمامك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة » (١).

وفي الآخر زيادة : « الحسن والحسين عليهما‌السلام » (٢).

وفي الآخر : « أمامك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام » (٣).

« ثمّ يسلّ نفسه سلاّ رفيقا ، ثمّ ينزل بكفنه من الجنّة وحنوط من الجنّة فيكفّن بذلك الكفن ويحنّط بذلك الحنوط ، ثمّ يكسى حلّة صفراء من حلل الجنّة ، فإذا وضع في قبره فتح الله بابا من أبواب الجنّة يدخل بها من روحها وريحانها ، ثمّ يقال له : نم نومة العروس على فراشها.

وأنّه يقول للمبغض : أبشر يا عدوّ الله بسخط الله عزّ وجلّ وعذابه والنار ، ثمّ يسلّ نفسه عنيفا ، ثمّ يوكّل بروحه ثلاثمائة شيطان كلّهم يبزق في وجهه ويتأذّى بروحه ، فإذا وضع في قبره ، فتح له باب من أبواب النار ، فيدخل عليه من قيحها ولهبها » (٤).

إلى غير ذلك من الأخبار المتكاثرة الدالّة على حضور النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام عند الموت.

والإيراد بأنّه خلاف الحسّ والعقل ؛ لأنّا لا نراهم ، مع أنّه يمكن موت آلاف من الناس في آن واحد في مشارق الأرض ومغاربها ، ولا يمكن حضور جسم واحد في زمان واحد في أمكنة متعدّدة ، مدفوع بأنّ الله قادر أن يحجبهم عن أبصارنا ؛ لضرب من المصلحة ، وأنّه يمكن حضورهم بجسد مثالي لطيف لا يراه غير المحتضر.

وعلى هذا يمكن أن تكون لهم أجساد مثاليّة كثيرة يتصرّفون فيها بالقدرة الكاملة التي أعطاهم الله ، وبها امتازوا عن سائر البشر ، فتدبّر.

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٦ : ١٨٤ ، ح ١٧ ، نقلا عن « المحاسن » ١ : ٢٨٠ ، باب الاغتباط عند الوفاة ، ح ٥٥٢.

(٢) المصدرين السابقين.

(٣) « بحار الأنوار » ٦ : ١٨٤ ، ذيل ح ١٨.

(٤) « بحار الأنوار » ٦ : ١٩٨ ـ ١٩٩ ، ح ٥١ ، مقطع من الحديث المرويّ في « الكافي » ٣ : ١٣١ ـ ١٣٢ ، باب ما يعاين المؤمن والكافر ، ح ٤.

٣٣٤

فصل [٤] : فيما ورد لبيان أحوال القبر والبرزخ

وفيه أخبار كثيرة مضافا إلى الآيات :

منها : كقوله تعالى : ( وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١) الذي قيل في بيانه : إنّ البرزخ هو أمر بين أمرين ، هو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة (٢).

وعن عليّ بن الحسين عليه‌السلام تفسيره : « بالقبر ، وإنّ لهم فيه لمعيشة ضنكا » (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : « والله ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ ، فأمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم » (٤).

وعنه عليه‌السلام : « البرزخ هو القبر » (٥).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا يبقى ميّت في شرق ولا غرب ولا في برّ ولا في بحر إلاّ ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد الموت ، يقولان للميت : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك؟ » (٦).

وعنه عليه‌السلام أنّه « قام على قبر رقيّة بنته فرفع يده تلقاء السماء ودمعت عيناه ، فسئل عليه‌السلام عن ذلك فقال : إنّي سألت ربّي أن يهب لي رقيّة من ضمّة القبر » (٧).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « ( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ ).

قال : في قبره ( وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) قال في الآخرة : ( وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ

__________________

(١) المؤمنون (٢٣) : ١٠٠.

(٢) « تفسير عليّ بن إبراهيم » ٢ : ٩٤ ، ذيل الآية ١٠٠ من سورة المؤمنون (٢٣).

(٣) « بحار الأنوار » ٦ : ١٥٩ ، ح ١٩ ، نقلا عن « الخصال » ١ : ١١٩ ، ح ١٠٨.

(٤) « بحار الأنوار » ٦ : ٢١٤ ، ح ٢ ، نقلا عن « تفسير عليّ بن إبراهيم » ٢ : ٩٤ ، ذيل الآية ١٠٠ من سورة المؤمنون (٢٣).

(٥) « بحار الأنوار » ٦ : ٢٦٧ ، ح ١١٦ ، نقلا عن « الكافي » ٣ : ٢٤٢ ، باب ما ينطق به موضع القبر ، ح ٣.

(٦) « بحار الأنوار » ٦ : ٢١٦ ، ح ٦.

(٧) « بحار الأنوار » ٦ : ٢١٧ ، ح ١٠ ، نقلا عن « كتاب الزهد » : ٨٧ ، باب المسألة في القبر ، ح ٢٣٤.

٣٣٥

* فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) في الآخرة » (١).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم » (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام : « من مات بين زوال الشمس يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين ، أعاذه الله من ضغطة القبر » (٣).

وعن عليّ عليه‌السلام : « عذاب القبر يكون من النميمة والبول وعزب الرجل من أهله » (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام : « إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره ، فإذا أدخل قبره أتاه منكر ونكير فيقعدانه ، فيقولان له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول : ربّي الله ، ومحمّد نبيّي ، والإسلام ديني ، فيفسحان له في قبره مدّ بصره ، ويأتيانه بالطعام من الجنّة ، ويدخلان عليه الروح والريحان.

وإذا مات الكافر شيّعه سبعون ألفا من الزبانية إلى قبره ، وإنّه يقول : لو أنّ لي كرّة فأكون من المؤمنين ، ويقول : ارجعون لعلّي أعمل صالحا فيما تركت ، فتجيبه الزبانية : كلاّ إنّها كلمة أنت قائلها ـ وبعد السؤال وعدم القدرة على الجواب ـ يضربانه ضربة من عذاب الله ، ثمّ يفتحان له بابا إلى النار وينزلان إليه الحميم من جهنّم » (٥).

وعنه عليه‌السلام : « من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج والمساءلة في القبر ، والشفاعة » (٦).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّ سؤال القبر حقّ.

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٦ : ٢١٧ ، ح ١١ ، نقلا عن « تفسير عليّ بن إبراهيم » ٢ : ٣٥٠ ، ذيل الآية ٨٨ ـ ٨٩ و ٩٢ ـ ٩٤ من سورة الواقعة (٥٦).

(٢) « بحار الأنوار » ٦ : ٢٢١ ، ح ١٦ ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : ٤٣٤ ، المجلس ٨٠ ، ح ٢.

(٣) « بحار الأنوار » ٦ : ٢٢١ ، ح ١٧ ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : ٢٣٨ ، المجلس ٤٧ ، ح ١١.

(٤) « بحار الأنوار » ٦ : ٢٢٢ ، ح ٢١ ، نقلا عن « علل الشرائع » ١ : ٣٦٠ ، باب العلّة التي من أجلها يكون عذاب القبر ، ح ٢.

(٥) « بحار الأنوار » ٦ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، ح ٢٢ ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : ٢٣٩ ، المجلس ٤٨ ، ح ١٢.

(٦) « بحار الأنوار » ٦ : ٢٢٣ ، ح ٢٣ ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : ٢٤٢ ، المجلس ٤٩ ، ح ٥.

٣٣٦

وعنه عليه‌السلام : « إنّ أطفال شيعتنا من المؤمنين تربّيهم فاطمة عليها‌السلام » (١).

وفي حديث المعراج أنّه « لمّا أسري بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ على شيخ قاعد تحت شجرة وحوله أطفال ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من هذا الشيخ يا جبرئيل؟ قال : هذا أبوك إبراهيم عليه‌السلام ، قال : فما هؤلاء الأطفال حوله؟ قال هؤلاء أطفال المؤمنين حوله يغذوهم » (٢).

وعنه عليه‌السلام : « من مات يوم الجمعة كتب له براءة من ضغطة القبر » (٣).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : « من مات ليلة الجمعة كتب الله له براءة من عذاب النار ، ومن مات يوم الجمعة أعتق من النار » (٤).

وعن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من مات يوم الجمعة [ أو ليلة الجمعة ] رفع عذاب القبر عنه » (٥).

وعنه عليه‌السلام من جعل معه الجريدة [ قال ] : « يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا » (٦).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لبعض أصحابه : « كيف أنت إذا أتاك فتّانا القبر؟ » فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما فتّانا القبر؟ قال : « ملكان فظّان غليظان ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف ، يطئان في أشعارهما ، ويحفران الأرض بأنيابهما فيسألانك » ، قال : وأنا على مثل هذه الحال؟ قال : « وأنت على مثل حالك هذه ، فقال : إذن أكفيهما » (٧).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّهم يسألون عن ولاية عليّ عليه‌السلام في قبورهم ، فلا يبقى ميّت في

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٦ : ٢٢٩ ، ح ٣٤ ، نقلا عن « تفسير عليّ بن إبراهيم » ٢ : ٣٣٢ ، ذيل الآية ٢١ من سورة الطور (٥٢).

(٢) « بحار الأنوار » ٦ : ٢٢٩ ، ح ٣٣ ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : ٣٦٥ ، المجلس ٦٩ ، ح ٢.

(٣) « بحار الأنوار » ٦ : ٢٣٠ ، ح ٣٦ ، نقلا عن « المحاسن » ١ : ١٣١ ، باب ثواب يوم الجمعة ، ح ١٥٧.

(٤) « بحار الأنوار » ٦ : ٢٣٠ ، ح ٣٧ ، نقلا عن « المحاسن » ١ : ١٣٣ ، باب من مات يوم الجمعة وليلتها ، ح ١٦٤.

(٥) « بحار الأنوار » ٦ : ٢٣٠ ، ح ٣٨.

(٦) « بحار الأنوار » ٦ : ٢١٥ ، ح ٣ ، نقلا عن « الكافي » ٣ : ١٥٢ ، باب الجريدة ، ح ٤.

(٧) « بحار الأنوار » ٦ : ٢١٥ ـ ٢١٦ ، ح ٥.

٣٣٧

شرق ولا غرب ولا في برّ ولا في بحر إلاّ ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد الموت ، يقولون للميّت : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك؟ » (١).

وعن الصادق عليه‌السلام قال : « الجريدة تنفع المؤمن والكافر » (٢).

وسأل زنديق الصادق عليه‌السلام عن مسائل إلى أن قال : أخبرني عن السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره؟ قال : « يذهب فلا يعود ».

قال : فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه إذا انطفأ؟ قال : « لم تصب القياس ، إنّ النار في الأجسام كامنة والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد ، فإذا ضرب أحدهما بالآخر سطعت من بينهما نار يقتبس منها سراج له الضوء ، فالنار ثابتة في أجسامها ، والضوء ذاهب ، والروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا ، وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت ، إنّ الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف ، وركّب فيه ضروبا مختلفة من عروق وعصب وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك هو يحييه بعد موته ، ويعيده بعد فنائه ».

قال : فأين الروح؟ قال : « في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث ».

فمن صلب أين روحه؟ قال : « في كفّ الملك الذي قبضها حتّى يودعها الأرض ».

قال : أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟ قال : « بل هو باق إلى يوم ينفخ في الصور. فعند ذلك تبطل الأشياء فتفنى ، فلا حسّ ولا محسوس ، ثمّ أعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق ، وذلك بين النفختين » (٣).

__________________

(١) المصدر السابق : ٢١٦ ، ح ٦.

(٢) « بحار الأنوار » ٦ : ٢١٦ ، ح ٧ ، نقلا عن « الكافي » ٣ : ١٥١ ، باب الجريدة ، ح ١.

(٣) « بحار الأنوار » ٦ : ٢١٦ ، ح ٨ ، نقلا عن « الاحتجاج » ٢ : ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

٣٣٨

أقول : تمام الخبر مشروح في كتاب الاحتجاجات (١).

اعلم : أنّه وردت في الكافي أخبار متعلّقة بهذا الباب ينبغي ذكرها وإن ذكر بعضها في الأصل ، فأقول : قال :

باب أنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه

[١] أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن أبي محمّد الأنصاري ، قال : وكان خيّرا ، قال : حدّثني أبو اليقظان عمّار الأسدي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه أن لا يميته ما أماته أبدا ، ولكن إذا حضر أجله بعث الله عزّ وجلّ إليه ريحين : ريحا يقال لها : المنسية ، وريحا يقال لها : المسخيّة. فأمّا المنسية فإنّها تنسيه أهله وماله ، وأمّا المسخيّة فإنّها تسخّي نفسه عن الدنيا حتّى يختار ما عند الله » (٢).

[٢] عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن سدير الصيرفي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال : « لا ، والله إنّه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك ، فيقول له ملك الموت : يا وليّ الله ، لا تجزع ، فو الذي بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك ، افتح عينيك فانظر.

قال : ويمثّل له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ذرّيّتهم عليهم‌السلام فيقال له : هذا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم‌السلام رفقاؤك. قال : فيفتح عينيه ، فينظر ، فينادي روحه مناد من قبل ربّ العزة فيقول : يا أيّتها النفس المطمئنّة ـ إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ـ ارجعي إلى ربّك

__________________

(١) راجع « الاحتجاج » ٢ : ٣٣٦ ـ ٣٥٢ ، احتجاج أبي عبد الله عليه‌السلام على الزنادقة.

(٢) « الكافي » ٣ : ١٢٧ ، باب أنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه ، ح ١.

٣٣٩

راضية ـ بالولاية ـ مرضيّة ـ بالثواب ـ فادخلي في عبادي ـ يعني محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ـ وادخلي جنّتي ـ فما شيء أحبّ إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي » (١).

باب ما يعاين المؤمن والكافر

[١] عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « يا عقبة ، لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلاّ هذا الأمر الذي أنتم عليه ، وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقرّ به عينه إلاّ أن تبلغ نفسه إلى هذه ».

ثمّ أهوى بيده إلى الوريد ثمّ اتّكأ ، وكان معي المعلّى فغمزني أن أسأله ، فقلت :

يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا بلغت نفسه هذه أيّ شيء يرى؟ فقلت له بضع عشرة مرّة : أيّ شيء؟

فقال في كلّها : « يرى » ولا يزيد عليها. ثمّ جلس في آخرها ، فقال : « يا عقبة » فقلت : لبّيك وسعديك ، فقال : « أبيت إلاّ أن تعلم؟ » فقلت : نعم يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّما ديني مع دينك فإذا ذهب ديني كان ذلك ، كيف لي بك يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كلّ ساعة؟ وبكيت ، فرقّ لي ، فقال : « يراهما والله » ، فقلت : بأبي وأمّي من هما؟

قال : « ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام ، يا عقبة ، لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتّى تراهما » ، قلت : فإذا نظر إليهما المؤمن أيرجع إلى الدنيا؟ فقال : « لا ، يمضي أمامه إذا نظر إليهما مضى أمامه ».

فقلت له : يقولان شيئا؟ قال : « نعم ، يدخلان جميعا على المؤمن ، فيجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند رأسه وعليّ عليه‌السلام عند رجليه فيكبّ عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول :

__________________

(١) المصدر السابق : ١٢٧ ـ ١٢٨ ، ح ٢.

٣٤٠