البراهين القاطعة - ج ٤

محمّد جعفر الأسترآبادي

البراهين القاطعة - ج ٤

المؤلف:

محمّد جعفر الأسترآبادي


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-548-224-0
ISBN الدورة:
964-371-509-4

الصفحات: ٥١١

ولم تجبني بشيء ، فقال : « بكّر عليّ غدوّا المنزل » ، فغدوت عليه ، فقال عليه‌السلام : « سل عن حاجتك ».

فقلت : إنّي جعلت لله عليّ نذرا أو صياما أو صدقة بين الركن والمقام إن أنا لقيتك ألاّ أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أم لا؟ فإن كنت أنت رابطتك ، وإن لم تكن أنت سرت في الأرض فطلبت المعاش.

فقال : « يا حكم ، كلّنا قائم بأمر الله ». قلت : فأنت المهديّ؟ قال : « كلّنا نهدي إلى الله » ، قلت : فأنت صاحب السيف؟ قال : « كلّنا صاحب السيف ، ووارث السيف ».

قلت : فأنت الذي تقتل أعداء الله ، ويعزّ بك أولياء الله ، ويظهر بك دين الله؟ فقال : « يا حكم ، كيف أكون أنا وقد بلغت خمسا وأربعين سنة ، وإنّ صاحب هذا الأمر أقرب عهدا باللبن منّي وأخفّ على ظهر الدابّة ». (١)

تذنيب

في مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

ولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال.

وروي أيضا عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة (٢).

في نسب الأئمّة عليهم‌السلام وزمان ولادتهم ووفاتهم ومدّة حياتهم :

قال في الكافي في مولد أمير المؤمنين عليه‌السلام :

ولد أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، وقتل عليه‌السلام في شهر رمضان لتسع بقين منه ، ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة وهو ابن ثلاث وستّين سنة ، فبقي بعد

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٥٣٦ ، باب أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كلّهم قائمون بأمر الله ... ، ح ١.

(٢) المصدر السابق : ٤٣٩ ، باب مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووفاته.

٢٠١

قبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثين سنة. وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهو أوّل هاشمي ولده هاشم مرّتين. (١)

وفي مولد فاطمة الزهراء عليها‌السلام :

ولدت فاطمة عليها‌السلام بعد مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمس سنين ، وتوفّيت عليها‌السلام ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما ، وبقيت بعد أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوما (٢).

وفي مولد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام :

ولد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام في شهر رمضان في سنة بدر سنة اثنتين من الهجرة. وروي أنّه ولد في سنة ثلاث ، ومضى عليه‌السلام في شهر صفر في آخره من سنة تسع وأربعين ، ومضى وهو ابن سبع وأربعين سنة وأشهر. وأمّه فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وفي مولد الحسين بن عليّ عليهما‌السلام :

ولد الحسين بن عليّ عليهما‌السلام في سنة ثلاث ، وقبض عليه‌السلام في شهر المحرّم من سنة إحدى وستّين من الهجرة وله سبع وخمسون سنة وأشهر. قتله عبيد الله بن زياد لعنه الله في خلافة يزيد بن معاوية لعنه الله ، وهو على الكوفة وكان على الخيل التي حاربته ، وقتله عمر بن سعد ـ لعنه الله ـ بكربلاء يوم الاثنين لعشر خلون من المحرّم. وأمّه فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٤).

وفي مولد عليّ بن الحسين عليهما‌السلام :

ولد عليّ بن الحسين عليهما‌السلام في سنة ثمان وثلاثين ، وقبض في سنة خمس وتسعين وله سبع وخمسون سنة. وأمّه سلامة بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن كسرى برويز ، وكان يزدجرد آخر ملوك الفرس (٥).

__________________

(١) المصدر السابق : ٤٥٢ ، باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

(٢) المصدر السابق : ٤٥٨ ، باب مولد الزهراء فاطمة عليها‌السلام.

(٣) المصدر السابق : ٤٦١ ، باب مولد الحسن بن عليّ صلوات الله عليهما.

(٤) المصدر السابق : ٤٦٣ ، باب مولد الحسين بن عليّ عليهما‌السلام.

(٥) المصدر السابق : ٤٦٦ ، باب مولد عليّ بن الحسين عليهما‌السلام.

٢٠٢

وفي مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام :

ولد أبو جعفر عليه‌السلام سنة سبع وخمسين ، وقبض عليه‌السلام سنة أربع عشرة ومائة ، وله سبع وخمسون سنة. ودفن بالبقيع بالمدينة في القبر الذي دفن فيه أبوه عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ، وكانت أمّه أمّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام وعلى ذريّتهم الهادية » (١).

وفي مولد أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما‌السلام :

ولد أبو عبد الله سنة ثلاث وثمانين ، ومضى عليه‌السلام في شوّال من سنة ثمان وأربعين ومائة ، وله خمس وستّون سنة ، ودفن بالبقيع في القبر الذي دفن أبوه وجدّه والحسن بن عليّ عليهم‌السلام وأمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (٢).

وفي مولد أبي الحسن موسى عليه‌السلام :

ولد أبو الحسن موسى بالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة ، وقال بعضهم : تسع وعشرين ومائة ، وقبض عليه‌السلام لستّ خلون من رجب من سنة ثلاث وثمانين ومائة وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة. وقبض عليه‌السلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك ، وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوّال سنة تسع وسبعين ومائة ، وقد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان ، ثمّ شخص هارون إلى الحجّ وحمله معه ، ثمّ انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر ، ثمّ أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك فتوفّي عليه‌السلام في حبسه ، ودفن ببغداد في مقبرة قريش. وأمّه أمّ ولد يقال لها : حميدة (٣).

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٤٦٩ ، باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه‌السلام.

(٢) المصدر السابق : ٤٧٢ ، باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه‌السلام.

(٣) المصدر السابق : ٤٧٦ ، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام.

٢٠٣

و في مولد أبي الحسن الرضا عليه‌السلام :

ولد أبو الحسن الرضا عليه‌السلام سنة ثمان وأربعين ومائة ، وقبض عليه‌السلام في صفر من سنة ثلاث ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة. وقد اختلف في تأريخه إلاّ أنّ هذا التأريخ هو أقصد إن شاء الله ، وتوفّي عليه‌السلام بطوس في قرية يقال لها : سناباد من نوقان على دعوة. ودفن بها عليه‌السلام وكان المأمون أشخصه من المدينة إلى مرو على طريق البصرة وفارس ، فلمّا خرج المأمون وشخص إلى بغداد أشخصه معه فتوفّي في هذه القرية. وأمّه أمّ ولد يقال لها : أمّ البنين (١).

وفي مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني عليهما‌السلام :

ولد عليه‌السلام في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة ، وقبض عليه‌السلام سنة عشرين ومائتين في آخر ذي القعدة ، وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما. ودفن ببغداد في مقابر قريش عند قبر جدّه موسى عليه‌السلام وقد كان المعتصم أشخصه إلى بغداد في أوّل هذه السنة التي توفّي فيها عليه‌السلام ، وأمّه أمّ ولد يقال لها :

سبيكة نوبيّة. وقيل أيضا : إنّ اسمها كان خيزران. وقيل : إنّها كانت من أهل بيت مارية أمّ إبراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

وفي مولد أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما‌السلام :

ولد عليه‌السلام للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين ، وروي أنّه عليه‌السلام ولد في رجب سنة أربع عشرة ومائتين.

وروي أنّه قبض عليه‌السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين وله إحدى وأربعون سنة وستة أشهر وأربعون سنة على المولد الآخر الذي روي. وكان المتوكّل أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سرّ من رأى فتوفّي بها عليه‌السلام

__________________

(١) المصدر السابق : ٤٨٦ ، باب مولد أبي الحسن الرضا عليه‌السلام.

(٢) المصدر السابق : ٤٩٢ ، باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني عليهما‌السلام.

٢٠٤

ودفن في داره. وأمّه أمّ ولد يقال لها : سمانة (١).

وفي مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام :

ولد عليه‌السلام في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وقبض عليه‌السلام يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين وهو ابن ثمان وعشرين سنة ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه أبوه بسرّ من رأى. وأمّه أمّ ولد يقال لها :

حديث. وقيل : سوسن. (٢)

وفي مولد الصاحب عليه‌السلام :

ولد عليه‌السلام للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين (٣).

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٤٩٧ ـ ٤٩٨ ، باب مولد أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما‌السلام.

(٢) المصدر السابق : ٥٠٣ ، باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام.

(٣) المصدر السابق : ٥١٤ ، باب مولد الصاحب عليه‌السلام.

٢٠٥

( المقصد السادس )

في الأصل الخامس

وهو ( المعاد )

٢٠٦
٢٠٧
٢٠٨

( المقصد السادس )

في الأصل الخامس وهو ( المعاد )

الذي هو زمان جزاء العباد وعود الأرواح وحشر الأجساد ( والوعد والوعيد وما يتّصل بذلك )

اعلم أنّ المعاد ـ لغة ـ عبارة عن العود ، أو زمانه أو مكانه.

واصطلاحا ـ بحسب المعنى التصوّري ـ عبارة عن عود الأرواح إلى الأجساد للحساب والثواب والعقاب.

وبحسب المعنى التصديقي عبارة عمّا يجب تصديقه بالجنان وإقراره باللسان ، وهو أنّ الله تعالى يحيي العباد بعد أن أماتهم في القبر في الأبدان الأصليّة للسؤال ونحوه من الأحوال ، وفي البرزخ في الأبدان المثالية لغير النبيّ والوصيّ للجزاء بمقتضى الأعمال ، وفي المحشر في البدن الأصلي العنصري للحساب والثواب والعقاب ، مع إنطاق جوارح العباد ، وتطاير الكتب ، والتميز بالميزان والمرصاد.

ويدخل الكفّار ومن بحكمهم من العاصين في نار جهنّم خالدين ، إلاّ من تمّ استحقاقه العذاب من المؤمنين المعتقدين بالأئمّة الاثني عشر أجمعين ، أو عفي عنه بنحو شفاعة الشافعين ، فإنّه يخرج من جهنّم ويدخل في الناجين.

ويعبر عباده الصالحين ومن بحكمهم من المكلّفين ـ كالذين عفي عنهم بنحو

٢٠٩

الشفاعة ممّا ثبت أنّه يذهب السيّئات في الدين ـ عن الصراط الذي هو أحدّ من السيف وأدقّ من الشعر على قدر أعمال العاملين ، ويدخلهم في جنّة الخلد التي دلّت على وجودها الأخبار والكتاب المبين ، أو حظائر الأعراف التي ورد أنّها مقام مؤمني الجنّ ، وأولاد الزنى من المؤمنين إلى سبعة أبطن ، وبعض المجانين.

والمراد أنّه يجب الاعتقاد بأنّ مقتضى العدل والحكمة عود الأرواح إلى الأجساد للحساب والثواب والعقاب ؛ لأنّ إيصال النعيم الأبدي إلى الروح بلا واسطة الجسم بالكمالات والنعم الباطنة ، وبواسطة الآلات بالنعم الظاهرة أكمل وأرجح من إيصال إحداهما عند عدم المانع والمفسدة ، كما أنّ الأمر كذلك في القيامة ، وترك الأرجح وترجيح المرجوح قبيح بلا شبهة. وكذا إيصال العقاب الأشدّ عند استحقاقه ، كما في يزيد ومن عيّنه يزيد ؛ لوجوب الانتقام بمقتضى العدل بنحو نار ( تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) (١).

وبالجملة ، العلّة الموجبة لإعادة الأرواح هي العلّة الموجبة لإعادة الأجساد ، بل قد يقال : الأرواح والأجساد من هيولى واحدة بسيطة ، ففيها من الإدراك والشعور والإحساس والفهم وغير ذلك من الأمور الموجبة للتكليف الموجب للجزاء الموجب للإعادة مثل ما في الأرواح ، إلاّ أنّ ما في الأرواح أقوى ممّا في الأجساد ، بنسبة ما فيها من اللطافة والكثافة على حسب مراتب الوجود بحسب الضعف والقوّة ، مضافا إلى النقل القاطع كما سيأتي إلى بعض منها الإشارة ، مثل ما يفيد عود الأرواح إلى الأجساد الأصليّة أو المثاليّة بعد الموت متنعّمة في جنان الدنيا وفي وادي السلام ، أو معذّبة عند مطلع الشمس وغروبها ببرهوت في وادي حضرموت مع دخول شرر النار في قبورهم إلى نفخة الصور ، أو باقية في القبر إلى يوم النشور

__________________

(١) ق (٥٠) : ٣٠.

٢١٠

فيخرجون من القبور ؛ لأنّه متمّم للغرض والفضل ، وموافق للحكمة والعدل ، ولطف أتمّ مقدور ، وليس فيه مانع وقبح وشرور ، كسائر ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحوال النشور ، وأمور النار والجنّة والحور والقصور والفواكه والطيور ، ونحوها ممّا هو في الكتاب والسنّة مذكور ، فالكلام في هذا الأصل ـ الذي هو أيضا من أعظم الأصول ـ يقع في خمسة فصول :

الأوّل : في عود الأرواح بعد الإماتة إلى الأجساد الأصليّة في القبر للسؤال والجزاء على وفق الأعمال إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا ، وهو من أصول المذهب ظاهرا ؛ ردّا على العامّة وأمثالهم كأهل التناسخ. وفي انتقال الروح إلى البدن المثالي في البرزخ بعد ذلك للجزاء أيضا إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا. وهو أيضا من أصول المذهب ردّا على العامّة.

الثاني : في المعاد الجسماني العنصري ، وعود الأرواح إلى الأجساد الأصليّة العنصريّة بعد نفخة الصور يوم النشور في المحشر والقيامة الكبرى للحساب والثواب والعقاب مع الاعتقاد بالميزان وتطاير الكتب والشفاعة كما ورد في الكتاب.

ويخالفه ما قال بعض العلماء من « أنّ الإنسان له جسدان وجسمان :

الأوّل : مركّب من العناصر الأربعة المعروفة المحسوسة ، وهو الآن في هذه الدنيا عبارة عن الكثافة العارضة ، وفي الحقيقة هو الجسد الصوري.

الثاني : مركّب من عناصر أربعة ، لكنّها ليست من هذه العناصر الزمانيّة المعروفة الفانية بل من عناصر باقية جوهريّة نوريّة ، وهي من عناصر هورقليا في الإقليم الثامن الذي فيه الجنّتان المدهامّتان وجنان الدنيا ، وإليها تأوي أرواح السعداء من الأنبياء والأوصياء والمؤمنين ، وهذا هو الجسد المثالي ، وهو الباقي ، وهو الذي نزل إلى الدنيا ولبس الكثافة البشريّة العنصريّة ، وهو بعينه هذا الجسد الموجود في هذه الدنيا إلاّ أنّه عليه غبار ووسخ ، وهو من العناصر المحسوسة ، وهذه الكثافة

٢١١

ليست من الجنّة حتّى تعود إليها وإنّما هي من هذه الدنيا ـ إلى أن قال : ـ وهذه الصورة الأولى هي الجسد الأوّل الذي لا يعود ، وهو من العناصر المحسوسة وهو الكثافة.

والجسد الثاني ، وهو الذي يعود ، وهو مخلوق من عناصر هورقليا ، أعني العالم الذي قبل هذا العالم ، وفيه جنان الدنيا والجنّتان المدهامّتان ، وإليه تأوي أرواح المؤمنين.

و « هورقليا » معناه ملك آخر وفي أرضها بلدان : جابرسا ، وجابرقا. ومثله ما يدلّ على أنّ ما خلق من هذه العناصر المعروفة إذا تفكّكت في القبر ، رجع ما فيه من النّار إلى عنصر النار وامتزج بها ، وما فيه من الهواء إلى الهواء كذلك ، وكذلك الماء والتراب ، وذهب فلا يعود ؛ إذ لا حساب عليه ولا عقاب ولا نعيم ولا ثواب ، ولا شعور فيه ولا إحساس ، ولا تكليف عليه ، ولا مدخل له في الحقيقة ، وإنّما هو بمنزلة الثوب لبسته ثمّ تركته ولبست غيره.

إلى غير ذلك من الكلمات الدالّة على أنّ العظام التي تصير رميما لا تعود ، وأنّ المعاد في المعاد هو الجسم النوراني الهورقليائي. زعما منه أنّه على وفق ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام بعد ما سئل عن الميّت : هل يبلى جسده؟ قال : « نعم ، حتّى لا يبقى لحم ولا عظم إلاّ طينته التي خلق منها ؛ فإنّها لا تبلى بل تبقى في القبر مستديرة حتّى يخلق منها كما خلق أوّل مرّة » (١).

ومثل ذلك ما قال بعض من تبعه حيث قال في تفسير قوله تعالى : ( وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ). (٢) و « الأرض » هي أرض

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٢٥١ ، باب النوادر من كتاب الجنائز ، ح ٧.

(٢) يس (٣٦) : ٣٣.

٢١٢

الجرز ، وحياتها بإشراق نور الرجحان الظاهر من شمس الوجود الراجح عليها. و « الحبّ » المخرج منها هو بحر المحبّة ، وهو ما ذكر من نور الرجحان ، وهو الوجود المقيّد ، ومثال الألوهيّة ، ومجلى الأسماء الحسنى والأمثال العليا والكبرياء والآلاء. ومن ذلك أكمل كلّ موجود مشهود أم مفقود ، وبه إمدادهم ، ومنه استمدادهم ، وعليه مردّهم ومعادهم.

( وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ ). (١) « الجنّات » هي العوالم المتحصّلة من ذلك الحبّ في قوله عزّ وجلّ : « فأحببت أن أعرف » (٢).

« النخيل » هي عالم العقول إلى عالم الأرواح ، وعالم النفوس ، أي الخلق الأوّل ـ من عالم الغيب. « والأعناب » هي عالم الطبائع والموادّ إلى عالم الأجسام بجميع مراتبها وأفلاكها وعناصرها ، وهي الخلق الثاني أي عالم الشهادة ـ إلى أن قال : ـ وهذا العالم المشار إليه ـ وهو الواقعي الأوّلي ـ هو المعاد يوم الآخرة عند رجوع كلّ شيء إلى أصله. انتهى.

وبالجملة : فالاعتقاد المذكور من أصول الدين ، ومنكره من الكافرين.

الثالث : في أحوال أهل النار الموجودة الآن بدلالة الآيات والأخبار ، ببيان وجوب الاعتقاد ، بحقّيّة الصراط وتعذيب الكفّار وأمثالهم من الأشرار والفجّار في طبقات النار بالعذاب الجسماني أيضا على وجه الخلود ، أو بدونه على وفق ما استفيد من العقل أو النقل الواصل من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمّة الأطهار. وهو أيضا من أصول الدين ومنكره من الكافرين.

الرابع : في بيان أحوال أهل الأعراف.

__________________

(١) يس (٣٦) : ٣٤.

(٢) « شرح نهج البلاغة » ٥ : ١٦٣ ؛ « بحار الأنوار » ٨٤ : ١٩٩.

٢١٣

الخامس : في أحوال الناجين عن النار المتنعّمين في الجنّة الموجودة أيضا الآن ، بدلالة الآيات والأخبار ، ببيان وجوب الاعتقاد بحقّيّة الجنّة وثبوت التنعّم بالنعم الأبديّة الجسمانيّة أيضا على وفق ما استفيد من الأدلّة ، وهو أيضا في الجملة من أصول الدين ومنكره من الكافرين.

فنقول في تفصيل الفصول :

٢١٤

الفصل الأوّل : في عود الأرواح بعد إزهاقها وحصول الموت

الذي قال تعالى في حقّه : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ ) (١) ونحوه ، إلى تلك الأبدان الأصليّة في القبر للسؤال ونحوه من الأحوال على وفق الأعمال ، وكذا انتقال الروح إلى البدن في البرزخ للجزاء على وفق الأعمال.

وهذا هو الحقّ ، بل هو من أصول المذهب ، خلافا لمن خالفنا : كالنسخيّة ، القائلين بأنّ النفوس الناقصة التي بقي شيء من كمالاتها الممكنة بالقوّة تدور في الأبدان الإنسانيّة وتنتقل من بدن إلى بدن آخر حتّى تبلغ النهاية في كمالها من علومها وأخلاقها. وهذا الانتقال يسمّى نسخا.

والمسخيّة ، القائلين بأنّ النفوس المذكورة ربما تنزّلت من بدن الإنسان إلى بدن حيوان يناسبه ، كبدن الأسد للشجاع ، والأرنب للجبان. ويسمّى ذلك مسخا.

والرسخيّة ، القائلين بأنّها ربما تنزّلت إلى الأجسام النباتيّة. ويسمّى ذلك رسخا.

والفسخيّة ، القائلين بأنّها ربما تنزّلت إلى الأجسام الجماديّة ، كالمعادن والبسائط. ويسمّى ذلك فسخا.

وكذلك من قال بأنّها تتعلّق بالأجرام السماويّة للاستكمال (٢). وأمثالهم.

لنا ـ مضافا إلى الضرورة في المذهب ـ : الأخبار المتكاثرة.

__________________

(١) الملك (٦٧) : ٢.

(٢) حكاه المجلسي عن بعض الفلاسفة في « بحار الأنوار » ٥٨ : ١١٧.

٢١٥

وبالجملة : فالكلام يقع في مطالب :

المطلب الأوّل : أنّ المعاد لغة ـ كما مرّ ـ هو العود ، أو محلّه ، أو زمانه.

واصطلاحا : عبارة عن عود أرواح الإنسان إلى الأبدان بعد مفارقتها يوم القيامة ، بإحياء الله سبحانه جميع أفراده بعد إماتتهم بجميع الأجزاء الأصليّة الباقية من أوّل العمر إلى آخره ، وتصويرها بصور مخصوصة ، وإفاضة أرواحها عليها ، وإحضار الجميع في موقف الحساب ، وإدخال الكفّار وبعض العصاة جهنّم المخلوقة لإيصال العذاب جزاء بما كانوا يكسبون ، وإدخال المؤمنين الجنّة المجعولة لإيصال الثواب بما أسلفوا في الأيّام الخالية ، ويجب على المكلّف اعتقاد ما ذكرنا والإقرار به.

ثمّ اعلم أنّ ما ذكرنا إنّما هو في القيامة الكبرى. وأمّا القيامة الصغرى وهي التي بين زمان الموت وزمان الأجساد في القيامة الكبرى ، ويطلق عليها عالم البرزخ ، فلا تتعلّق الأرواح فيها بتلك الأجساد بل تتعلّق بالقوالب المثاليّة كما في بعض الأخبار :

فقد روي عن يونس بن ظبيان أنّه قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال عليه‌السلام : « ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟ » قلت : يقولون : في حواصل طير خضر في قناديل تحت العرش ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « سبحان الله ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر. يا يونس ، ... المؤمن إذا قبضه الله تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا » (١).

وفي رواية عن أبي بصير أنّه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أرواح المؤمنين ، فقال : « في الجنّة على صورة أبدانهم لو رأيته لقلت : رأيت فلانا » (٢).

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٢٤٥ ، باب آخر في أرواح المؤمنين ، ح ٦.

(٢) « تهذيب الأحكام » ١ : ٤٦٦ ، ح ١٥٢٧.

٢١٦

ومن هذا ظهر بطلان القول بأنّ النفس الفاقدة للفضائل ، المقارنة بالرذائل ، المتمكّنة بعد المفارقة عن البدن تكون بلا بدن ، وتدرك رذائلها المتمكّنة ؛ لفراغها عن الشواغل المانعة عن كسب ما كانت مستعدّة له ، تتألّم بألم النار الروحانيّة ، وتلك نار الله الموقدة تطّلع على الأفئدة.

وأمّا النفس الكاملة بتصوّرات حقائق الأشياء وبالاعتقادات البرهانيّة الجازمة المطابقة الثابتة فتتّصل بعد المفارقة بالعالم القدسي في حضرة جلال ربّ العالمين في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وقد ذهب إليه بعض الحكماء ، ونسب إلى المشهور.

وظهر أيضا بطلان قول أهل التناسخ من أنّ النفس تبقى مجرّدة عن الأبدان خرجت كمالاتها من القوّة إلى الفعل حتّى تتّصل إلى عالم القدس.

وأمّا النفوس الناقصة التي بقي شيء من كمالاتها بالقوّة فإنّها تتردّد في الأبدان الإنسانيّة وتنتقل من بدن إلى بدن آخر حتّى تبلغ النهاية فيما هو كمالها من علومها وأخلاقها. ويسمّى هذا الانتقال نسخا.

وهكذا ما قيل من أنّها ربما نزلت من البدن الإنساني إلى بدن حيوان يناسبه في الأوصاف كبدن الأسد للشجاع والأرنب للجبان. ويسمّى فسخا.

وما قيل : ربما نزلت إلى الأجسام النباتيّة. ويسمّى رسخا.

وما قيل : ربما نزلت إلى الجماديّة كالمعادن والبسائط. ويسمّى فسخا. وكذا يقول بتعلّقها ببعض الأجرام السماويّة للاستكمال.

وقد روي عن الحسن بن الجهم قال : قال المأمون للرضا عليه‌السلام : يا أبا الحسن ، ما تقول في القائلين بالتناسخ؟ فقال الرضا عليه‌السلام : « من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم ، مكذب بالجنّة والنار » (١). ومثلها رواية أخرى عنه عليه‌السلام (٢).

__________________

(١) « عيون أخبار الرضا » ٢ : ٢٠٠ ـ ٢٠٢ ، الباب ٤٦ ، ح ١.

(٢) المصدر السابق ، ح ٢.

٢١٧

وعن هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق أبا عبد الله عليه‌السلام أخبرني عمّن قال بتناسخ الأرواح من أيّ شيء قالوا ذلك؟ وبأي حجّة قالوا على مذاهبهم؟

قال : « إنّ أصحاب التناسخ قد خلّفوا وراءهم منهاج الدين ، وزيّنوا لأنفسهم الضلالات ، وأمرجوا أنفسهم في الشهوات ، وزعموا أنّ السماء خاوية ما فيها شيء ممّا يوصف ، وأنّ مدبّر هذا العالم في صورة المخلوقين بحجّة من روى : أنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم على صورته. وأنّه لا جنّة ولا نار ولا بعث ولا نشور. والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه ، وولوجه في قالب آخر. إن كان محسنا في القالب الأوّل أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلى درجة الدنيا ، وإن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدوابّ المتعبة في الدنيا » (١).

[ المطلب ] الثاني : في بيان إمكان المعاد وإيجاد عالم آخر مثل هذا العالم ، ووجوبه عقلا ونقلا.

أمّا إمكانه عقلا فواضح ؛ لأنّ أحد المثلين إذا كان ممكنا كان الآخر أيضا ممكنا ، وإلاّ لم يكن مثله ، مضافا إلى عدم وجود مانع ذاتي أو عرضي يتصوّر بالنسبة إليه. وأنّ مادّة الأجساد والأرواح ـ أعني النفوس الناطقة ـ باقية ولا تعدم إلاّ الصورة ، ففي المعاد تتعلّق مثل تلك الصورة بالبدن المعاد ، فتتعلّق الأرواح الباقية إلى ما أعيد من الأجساد. وتغيّر مجرّد الصورة لا ينافي كون الثاني عين الأوّل ، كما في الشيخ الذي هو عين الطفل مع تغيّر الصورة ، بل زيادة الأجزاء المادّية الزائدة عن الأصليّة أيضا ، فلا يلزم إعادة المعدوم بعينه ، ولا كون المثاب غير المطيع ، ولا كون المعاقب غير العاصي كما يفهم من اعتبار كون البدن الثاني عين الأوّل أو مثله.

أو يقال : إنّ المعدوم بسبب الموت وافتراق أجزاء البدن هو الحياة المشروطة

__________________

(١) « الاحتجاج » ٢ : ٣٤٤ ، احتجاج أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، وعنه في « بحار الأنوار » ٤ : ٣٢٠ ، باب في إبطال التناسخ.

٢١٨

باجتماع الأجزاء ، فعند الاجتماع بعد الافتراق تعود الحياة ، ويكون الثاني عين الأوّل ؛ بناء على أنّ تفرّق أجزاء الجسم لا دخل له في التشخّص. ومن لا يقول بامتناع إعادة المعدوم فهو في سعة ممّا ذكر.

وأمّا الدليل النقلي على ما ذكر فقوله تعالى : ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) (١). وقوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (٢). ونحو ذلك من الآيات والأخبار.

وما يقال : من أنّه لو وجد عالم آخر لكان كرة مثل هذا العالم ، ولا يمكن ذلك إلاّ بتحقّق فرجة بين الكرتين ، فيلزم الخلاء ، وأنّه لو وجد عالم آخر مثل هذا العالم لكان فيه العناصر الأربعة ، فإن لم تطلب أمكنة عناصر هذا العالم لزم اختلاف متّفقات الطبائع في مقتضائها ، فإن طلبت لزم أن تكون في الأمكنة الأخر دائما.

فالجواب عنه أوّلا : أنّ ما ذكر أوّلا يلزم لو كان الكرويّة لازمة.

وثانيا : أنّه يلزم لو كان الكرتان موجودتين معا.

وثالثا : أنّه يلزم لو كان ما بينهما موجودا ولم يكن مثل ما وراء الفلك الأعظم.

ورابعا : أنّه يلزم لو كان العالم الآخر خارجا ـ بأن كان المراد إيجاد سماوات وأرضين مثل هذه ، ولم يكن المراد مجرّد إعادة الأرواح إلى الأبدان ـ وكان كلّ منهما في حيّز على حدة ولم يكوّن في جسم آخر. وجميع ذلك ممنوع.

مضافا إلى كونه في مقابل قول خالق العالم وأمنائه المستلزم لكون قائله من أعدائه ، وأنّ مقتضى المماثلة أن يقتضي كلّ عنصر في عالمه مكانا مماثلا لمكان

__________________

(١) يس (٣٦) : ٨١.

(٢) القيامة (٧٥) : ٣ ـ ٤.

٢١٩

مماثله. مثلا : أرض كلّ عالم تقتضي مركزه ، وناره محيط ، فلا يلزم اختلاف متّفقات الطبائع ، فيكون ما ذكره ثانيا فاسدا ، مع أنّ وروده مبنيّ على خروج كلّ من الأجزاء ومعيّتهما في الوجود وهما ممنوعان ، مضافا إلى ما ذكر في كونه في مقابلة النصّ الإلهي والأخبار النبوي والإمامي.

وحيث كان العالم ممكنا والممكن يجوز له العدم كما يجوز له الوجود ، فيجوز عدم العالم كما يقتضيه قوله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) (١) و ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (٢). ونحوهما.

والمعقول من الفناء المذكور في الآيات وأخبار أئمّة الأنام التي يجب حمل ألفاظها على ما يفهم في العرف العامّ ليس إلاّ العدم الحاصل عن الإعدام لا شيء يفني به الأجسام ، ولكن العدم في الأغلب كالمكلّفين بتفريق الأجزاء كما تشهد به قصّة إبراهيم عليه‌السلام حيث قال : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ) ، (٣) فإنّها تدلّ على أنّ إحياء الموتى إنّما يكون بتأليف الأجزاء المتفرّقة بالموت.

وهكذا قوله تعالى : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (٤).

وقوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (٥) ونحو ذلك ، تدلّ على بقاء المادّة وعدم الانعدام بالكلّيّة ، فلا يلزم من طريان العدم على العالم مع القول بالمعاد إعادة المعدوم كما توهّم.

__________________

(١) الرحمن (٥٥) : ٢٦.

(٢) القصص (٢٨) : ٨٨.

(٣) البقرة (٢) : ٢٦٠.

(٤) يس (٣٦) : ٧٩.

(٥) القيامة (٧٥) : ٣ ـ ٤.

٢٢٠