تراثنا ـ العدد [ 142 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 142 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣١٨

سادساً : أصالة الجواز التي يمكن أن يستفاد منها الوجوب.

قائلاً : «وقد ظهر لك من ذلك كلّه بطلان العمدة في شبهة العينية ، إذ هي بعد الآية إطلاق صحيح محمّد بن مسلم وزرارة : (إنّ الله عزّ وجلّ فرض في كلّ سبعة أيّام خمسة وثلاثين صلاة منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلاّ خمسة) ... الحديث»(١).

ثمّ يذكر خمس عشرة رواية عن النبي وأهل بيته مسانيد ومراسيل ممّا ادّعي دلالته خصوصاً أو عموماً على ذلك قائلاً :

«ونحو ذلك من النصوص المسطورة في محالّها التي هي بين ضعيف لاجابر له وبين مطلق قد عرفت الحال فيه ... وربّما كان المراد منها التعريض بالمانعين من إقامتها مع تمكّنهم من الشرط لأنّ الإمام بين أظهرهم وقد أعرضوا عنه وقصّروا يده ، وزرارة الذي هو العمدة في رواية هذه المطلقات هو الذي حثّه أبو عبد الله على فعلها المشعر بأنّه كان مستمرّاً على الترك كما عرفته سابقاً»(٢).

ثمّ يستمرّ بذكر التوجيهات والمحامل إلى أن يقول :

«ومن مضحكات المقام دعوى بعض المحدّثين تواتر النصوص بالوجوب العيني وأنّها تبلغ مائتي رواية ، وقد تصدّى والد المجلسي إلى جمعها في رسالة مستقلّة قد أجاد في ترتيبها ، لكنّ العمدة من نصوصها ما أشرنا إليها ، وكثير منها لا دلالة فيها على ذلك بوجه من الوجوه ، نعم قد اشتملت على لفظ الجمعة وعلى

__________________

(١) جواهر الكلام ١١ / ٢٨٨.

(٢) جواهر الكلام ١١ / ٢٩١.

           

١٦١

بيان كيفيّتها كما لايخفى على من لاحظها ، وأغرب من ذلك دعوى بعض مصنّفي الرسائل في المسألة كالكاشاني وغيره الإجماع على الواجب العيني ، مع أنّ معتمدهم في هذا الخلاف ثاني الشهيدين في رسالته في المسألة التي قد يظنّ صدورها منه في حال صغره ، لما فيها من الجرأة التي ليست من عادته على أساطين المذهب وكفلاء أيتام آل محمّد وحفّاظ الشريعة ، ونسأل الله أن يتجاوز له عمّا وقع فيها ، فإنّه قد بذل جهده في تصفّح عبارات الأصحاب فما وجد إلاّ ظاهر مقنعة المفيد وكتاب الأشراف له وأبي الفتح الكراجكي وأبي الصلاح ، وربّما نسب أيضاً إلى الشيخ في الخلاف والنهاية والتهذيب وإلى الصدوق في المقنع والأمالي وإلى الشيخ عماد الدين الطبرسي ، وبذلك نسبوه إلى أكثر المتقدّمين وإلى إجماع الأصحاب»(١).

ثمّ يأخذ في ردّ هذه النسبة للعلماء المذكورين بعدم صراحتها في ذلك ، بل إثبات خلافها كما يظهر من بعض كلماتهم في أماكن أخرى ، قائلاً :

«وكفى بهذا المذهب شناعة احتياج أصحابه في تصحيحه إلى دعوى التواتر تارةً وأخرى إلى الإجماع ، وقد بان لك بحمد الله فسادهما معاً. وأوضح منهما فساداً الاستدلال بالاستصحاب ، أي : وجوب الجمعة حال حضور الإمام أو نائبه ثابت بإجماع المسلمين فيستصحب إلى زمن الغيبة ... وأوضح من ذلك فساداً ما في رسالة ثاني الشهيدين من الاستدلال له بأصالة الجواز ، قال : فإنّا لم نجد على التحريم دليلا صالحاً كما سنبيّنه ، والأصل جواز هذا الفعل بالمعنى الأعمّ المقابل

__________________

(١) جواهر الكلام ١١ / ٢٩٣.

           

١٦٢

للتحريم الشامل لما عدا الحرام من الأقسام الخمسة ...»(١).

وبعد ردّه على هذين الأصلين يبدأ المصنّف وبقوّة بمهاجمة بعض الفقهاء المحدّثين بقوله :

«ولقد وقفت على جملة من الرسائل المصنّفة في المسألة نسجوا فيها على منوال هذه الرسالة ، وقد أكثروا فيها من السبّ والشتم ، خصوصاً رسالة الكاشاني التي سمّاها بالشهاب الثاقب ورجوم الشياطين ، ولولا أنّه آية في كتاب الله لقابلناه بمثله ، لكن لايبعد أن تكون هذه الرسالة وما شابهها من كتب الضلال التي يجب إتلافها ، اللهمّ إلاّ أن يُرجِّح بقاءها أنّها أشنع شيء على مصنّفيها ، لما فيها من مخالفة الواقع في النقل وغيره ، بل فيها ما يدلّ على أنّهم ليسوا من أهل العلم كي يعتدّ بكلامهم ويعتنى بشأنهم»(٢).

المطلب الثالث : ولاية الأب والجدّ على تزويج البنت البكر الرشيدة :

ومن الأمثلة التطبيقية الأخرى التي يحسن الإشارة إليها مسألة ولاية كلّ من الأب والجدّ على تزويج البنت البكر الرشيدة ، فقد استظهر في الشرائع من الروايات في حكم هذه المسألة سقوط الولاية عنها وثبوتها لنفسها في إجراء عقد النكاح سواء أفي الدائم منه أم المنقطع ، وأنّه لو زوّجها الأب أو الجدّ لم يمضِ عقده إلاّ برضاها ، ثمّ جاء تعليق صاحب الجواهر على المسألة بقوله :

__________________

(١) جواهر الكلام ١١ / ٢٩٨.

(٢) جواهر الكلام ١١ / ٣٠٠.

           

١٦٣

«إنّ المشهور نقلاً وتحصيلاً بين القدماء والمتأخّرين سقوط الولاية عنها ، بل عن المرتضى في الانتصار والناصريّات الإجماع عليه ، للأصل الذي لا ينافيه ثبوت الولاية حال النقص في الصغر ، ضرورة تغيّر الموضوع ، ولذا انتفت الولاية عنها في غير النكاح ، حتّى التصرّف ببدنها بعلاج ونحوه»(١).

ثمّ استشهد للحكم الذي أفاده بظواهر الآيات الواردة في ذوات عدّة الوفاة بل وغيرها المثبتة لاستقلالهنّ في أمر التزويج ، مردفاً ذلك بقوله في حكم من هي محلّ البحث : «... وغير ذلك ممّا ظاهره استقلالها بالولاية ولو لبعض أفراد البحث ، وهو من تزوّجت ووُطِئت دبراً ، ويتمّ بعدم القول بالفصل»(٢).

ثمّ وكعادته في بحوث مسائل الكتاب استعرض لذكر الروايات الواردة في الباب والتي استنتج منها الحكم المذكور ، أعني استقلال البكر الرشيدة في أمر النكاح بقسميه الدائم والمنقطع ولو بضميمة عدم القول بالفصل ، وأنّه ليس للأب إجبارها على ذلك ، وأورد في هذا السياق اثنتي عشرة رواية بما فيها الصحاح والحسان وغيرهما من طرقنا أو طرق غيرنا كالمروي عن ابن عبّاس عن النبي(صلى الله عليه وآله) : «الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها» شارحاً لمضامينها ، مقرّباً لدلالاتها ، ناقضاً لما يمكن أن يوهن في دليليّتها ، مستنداً إليها معتمداً عليها في استنباطه الحكم المذكور ، منها تلك المروية عن محمّد بن مسلم قال : «سألته عن الجارية يتمتّع فيها الرجل؟ قال : نعم إلاّ أن تكون صبيّة

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ / ٣١٠.

(٢) جواهر الكلام ٣٠ / ٣١٢.

           

١٦٤

تُخدَع ، قال : قلت : أصلحك الله فكم الحدّ الذي إذا بلغته لم تخدع؟ قال : بنت عشر سنين» نافياً لما قد يُتوهّم معارضته لها من بعض صحاح النصوص ، وذلك بحمله على بعض الوجوه التي أشار إليها بقوله :

«ولا يعارض ذلك صحيح أبي مريم عن الصادق عليه‌السلام : (العذراء التي لها أب لا تتزوّج متعة إلاّ بإذن أبيها) بعد قصوره عن المعارضة من وجوه ، فلا بأس بحمله على الكراهة أو الحرمة من جهة العوارض الأخر كما أومأ إليه الصادق عليه‌السلام في خبر ابن البختري عنه : (الرجل يتزوّج البكر متعة؟ قال : يكره للعيب على أهلها) وسأل أبو الحسن الأيادي الحسين بن روح : (لمَ كره المتعة بالبكر؟ فقال : قال النبي(صلى الله عليه وآله) : الحياء من الإيمان ، والشروط بينك وبينها ، فإذا حملتها على أن تنعم(١) فقد خرجت عن الحياء وزال الإيمان ، فقال : فإن فعل ذلك فهو زان؟ قال : لا) فحينئذ يتمّ الاستدلال بهذه النصوص على المطلوب بعد اتمامها بعدم القول بالفصل ...»(٢).

وبعد أن قرّر رأيه في المسألة وأبانه وهو استقلالها في أمر الزواج ـ موافقاً في ذلك لما استظهره المحقّق من ظهور الأخبار ـ للأدلّة التي أوردها ، والتي يمكن تلخيصها بـ :

١ ـ شهرة المتقدّمين والمتأخّرين بقسميها المنقولة والمحصّلة.

__________________

(١) أي : تقول نعم ، هامش بحار الأنوار ٥١ / ٣٥٨ ٠ وفي بعض المصادر اللغوية : ونَعَّم الرجلَ قال له : نعم فنَعِم بذلك بالاً ، المحكم ٢ / ٢٠١.

(٢) جواهر الكلام ٣٠ / ٣١٧.

           

١٦٥

٢ ـ الإجماع المحكي عن المرتضى في الانتصار والناصريات.

٣ ـ كون الحكم هو مقتضى الأصل الجاري في مثل هذه المسألة.

٤ ـ الآيات والروايات الواردة وتعميمها لكلّ حالات المسألة بضميمة عدم القول بالفصل.

ثمّ يتعرّض بعد ذلك لذكر القول الثاني في المسألة المبحوثة القائل بسقوط الولاية عنها في المنقطع فبإمكانها مباشرة إجرائه ، وإثباتها عليها في الدائم فلا يجوز من دون إذن الولي ، ناسباً إيّاه للمحكي عن الشيخ في كتبه الحديثية ، حيث ذكره في كتابي التهذيب والاستبصار في مقام علاجه بين الأخبار الواردة في حكم الباب ، مشكّكاً أن يكون هو بالفعل فتوى الشيخ ومختاره ، باعتبار أنّ ما يذكره في هذين الكتابين الحديثيّين لا يعبّر عن آرائه الفقهية ، مضيفاً على ذلك إلى أنّه جمع تأباه ظواهر الأخبار والاعتبارات الشرعية.

قال تتمّة لعبارته السابقة : «... إلاّ أنّ من المحكي عن جمع الشيخ في كتابَي الأخبار ـ اللذين لم يُعدّا للفتوى ـ بسقوط الولاية عنها في المنقطع دون الدائم ، على أنّه جمع يأباه ظاهر جميع الأخبار ، بل والاعتبار ، ضرورة أولوية الدائم في ذلك منه ، باعتبار ما فيه من العار والغضاضة واحتمال الحبل»(١).

وبعد ذلك مباشرة يتطرّق إلى ذكر القول الثالث المحكي عن بعضهم والذي يعاكس القول الثاني تماماً ، بمعنى إثبات الإذن لها في الدائم فيجوز لها إجراؤه دون المنقطع المحتاج لإذن الولي ، ثمّ يردّه بمثل ما ردّ به سابقه ، مضيفاً على ذلك

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ / ٣١٨.

           

١٦٦

نفيه العثور على من صرّح به من الفقهاء ، قائلاً : «ومن هنا يُحكى عن بعضهم أنّه عكس فأثبت الولاية في المنقطع دون الدائم وإن كنّا لم نعرف قائله ، كما أنّا لم نعرف وجهاً يُعتدّ به له ولسابقه سوى اعتبار لا يصلح كونه مَدركاً لحكم شرعي ، بل ولعلّ الاعتبار يشهد بسقوط الولاية رأساً ، ضرورة تحقّق الظلم في جبر العاقل الكامل على ما يكرهه وهو يستغيث ولا يغاث ، بل ربّما أدّى إلى فساد عظيم وقتل وزنا وهروب إلى الغير ، وبذلك مع الأصل تتمّ دلالة الكتاب والسنّة والإجماع والعقل ... فلا ينبغي التأمّل في ضعف القولين المزبورين ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافهما»(١).

ثمّ بعد ذلك يتعرّض ـ تبعاً للشرائع ـ لنقل القول الرابع وهو آخر الأقوال الفقهية المذكورة والمأثورة في محلّ البحث ، ويتلخّص هذا القول بسلب الولاية عنها في أمر التزويج مطلقاً واستقلال الولي بذلك ، وهذا القول وإن نُسب إلى الشيخ ـ أيضاً ـ وإلى جماعة آخرين منهم الصدوق بل مال إليه بعض متأخّري المتأخّرين على ما حكي عنهم ، لكنّه مع ذلك لم يبلغ إلى مرتبة الشهرة والاشتهار والمعروفية بين الفقهاء ، بل قد حكي أنّ الشيخ في أواخر فتاواه قد عدل وتراجع عنه. قال : «وأمّا القول الرابع الذي أشار إليه المصنّف بقوله : (ومنهم من أسقط أمرها معهما فيهما) فهو وإن ذهب إليه الصدوق والشيخ وجماعة على ما قيل ـ بل مال إليه بعض متأخّري المتأخّرين ـ للأصل والأخبار الكثيرة إلاّ أنّه لم يبلغ حدّ الشهرة ، بل في محكي السرائر أنّ الشيخ حكم بسقوط الولاية مع غيبتهما عنها

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ / ٣١٩.

           

١٦٧

وإن كانا على مسافة قريبة ، بل فيه أيضاً أنّه قد رجع عن هذا المذهب بالكلّية في كتاب التبيان الذي صنّفه بعد كتبه جميعها واستحكام علمه وسبره للأشياء ووقوفه عليها وتحقيقه لها»(١).

ثمّ وبعد أن نفى اشتهاره قولاً بين الفقهاء ورجوع البعض عنه بعد أن كان قال به يأخذ بردّ ما يمكن أن يكون دليلا ومؤيّداً له ، وهو :

١ ـ دليل الاستصحاب ، أي استصحاب ثبوت الولاية عليها الثابتة قطعاً حين الصغر. وردّه بالجزم بانتفائها بعد الصغر لتغيّر الموضوع كما تقدّم الذكر.

٢ ـ الأخبار والنصوص الواردة.

وردّها بأمور ، وهي : قصور أسانيدها ولا جابر ، مخالفتها لظواهر الكتاب الكريم ، موافقتها لمذهب فقهاء العامّة ، القصور في دلالتها.

قال : «والأصل لا ريب في انقطاعه كما عرفت ، خصوصاً بعد اعتراف الخصم بالسقوط مع الغيبة والجنون ونحوهما من العوارض التي لا تسقط معها الولاية في حال الصغر بل تنتقل إلى وليّه ، فلا إشكال في انقطاع الولاية السابقة التي كانت من حيث الصغر فلا وجه لاستصحابها كما هو واضح ، وأمّا النصوص فجميعها أو أكثرها قاصر السند ولا جابر ، مخالفة لظاهر الكتاب ، موافقة لمذهب مالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق والقاسم بن محمّد وسليمان بن يسار ونحوهم من كبار العامّة ، غير صريحة في المخالفة باعتبار احتمالها الأبكار التي لم يحصل لهنّ رشد في أمر النكاح وإن بلغن بالعدد ورشدن في حفظ المال ،

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ / ٣٢٠.

١٦٨

أو النهي كراهة عن الاستبداد وعدم الطاعة والانقياد ، خصوصاً الأب الذي هو غالباً أنظر لها وأعرف بالأمور منها وأرعى لما يصلحها ، وهو المتكلّف بأمورها وبالخصومة مع زوجها لو حدث بينهما نزاع وشقاق ، فالذي يليق بها إيكال أمرها إليه كما هو الغالب والمعتاد في الأبكار من تبعيّة رضاهنّ لرضا الوالد ولو بالسكوت عند نقله ، ولذا لايستأمرها ، خصوصاً بعد أن كان إذنها صماتها»(١).

ثمّ بعد ذلك يورد مجموعة من الروايات يؤيّد بمضامينها هذا الفهم الفقهي الذي استنبطه من تلك النصوص ، كي يكون ذلك وجهاً للجمع بين الروايات ، ومن باب تفسير السنّة بالسنّة نفسها.

ثمّ وبعد أن أثبت رأيه الفقهي في المسألة والذي هو القول الأوّل من تلك الأقوال الأربعة والموافق لما ذهب إليه ماتن الشرائع بل هو المشهور بين الفقهاء ـ بل حكي عليه الإجماع من البعض ـ مستدلاًّ له بالآيات والروايات ، وأنّه يثبت لهذه البنت الولاية في تزويج نفسها مطلقاً إن كان في دائم النكاح أو منقطعه ، يلخّص كلامه بعبارة واضحة وموجزة تعبّر عن مدى بتّه بالأمر غير شاكّ أو متردّد فيه بقوله : «فلا ينبغي لمن له أدنى معرفة بمذاق الفقه وممارسته في خطاباتهم التوقّف في هذه المسألة»(٢).

بيد أنّه ومع كلّ ذلك يستدرك لبيان بعض ما ينبغي للبكر مراعاته في أمر زواجها ، ممّا يمكن أن يعدّ ذلك في حقل المستحبّات الشرعية أو بعبارة أدقّ بما

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ / ٣٢١.

(٢) جواهر الكلام ٣٠ / ٣٢٦.

١٦٩

يمكن أن يسمّى بالأخلاق والآداب والشؤون العرفية والاجتماعية التي يقرّها الإسلام ويأخذها في بعض الحالات من بعض المكلّفين بنظر الاعتبار كما يظهر من بعض النصوص ، فيضفي عليها عنوان المستحبّات والمندوبات أو الأخلاق والآداب ، بل وأحياناً قد يُبغض ويَكره عدم مراعاة مثل تلكم الأمور والتقيّد بها فيما لو كانت من الأهمّية بمكان كما في أمر النكاح والتزويج خصوصاً لو أريد من البنت الباكر ، بل قد يصل الأمر لأكثر من ذلك كما إذا طرأت بعض العناوين الأخرى للفعل ، فيحظر حينئذ الإتيان به ويحرم فعله.

جاء في الكتاب ما نصّه :

«نعم يستحبّ لها إيثار اختيار وليّها على اختيارها ، بل يكره لها الاستبداد ، كما أنّه يكره لمن يريد نكاحها فعله بدون إذن وليّها ، بل ربّما يحرم بالعوارض ، بل ينبغي مراعاة الوالدة أيضاً ، بل يستحبّ لها إلقاء أمرها إلى أخيها مع عدمهما ، لأنّه بمنزلتهما في الشفقة والتضرّر بما يلحقها من العار والضرر وفي الخبرة والبصيرة ، ولدخوله فيمن بيده عقدة النكاح في بعض الأخبار السابقة ، بل الذي ينبغي أن تخلد إلى أكبر الأخوة إن لم يترجّح عليه غيره بالخبرة والبصيرة والشفقة وكمال العقل والصلاح ، لأنّه بمنزلة الأب كما في مرسل الحسن بن علي عن الرضا عليه‌السلام» (١).

وللبحث صلة ...

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ / ٣٢٦.

           

١٧٠

 

من ذخائر الترّاث

١٧١

 

١٧٢

الحاشية على شرح سَعْد التفتازاني

لتصريف الزنجاني

الماتن

عزّ الدين أبو المعالي عبدالوهّاب بن إبراهيم الزنجاني

كان حيّاً سنة ٦٥٩ هـ / ١٢٦١ م

الشارح

سَعْد الدين أبو سعيد مسعود بن عمر التفتازاني

المتوفّى سنة ٧٩٢هـ / ١٣٩٠م

المحشِّي

الحاج الميرزا أبو طالب الإصفهاني

المتوفّى سنة ١٢٣٧هـ / ١٨٢٢م

تحقيق

محسن خدايوندي

 

١٧٣

 

١٧٤

مقـدّمة التحقيـق

بسم الله الرحمن الرحيم

حياة المحشِّي(١) :

لا نعرف شيئاً عن حياته غير أنّه وُلد بإصفهان(٢) وعاش في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للهجرة وكان يدعى بـ : (أبي طالب). تتلمذ في كربلاء على يد السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (ت ١٢٣١ هـ) من أبرز فقهاء الإمامية آنذاك ، وعلى غيره من العلماء. قد اهتمّ بالتعليق والتحشية على الكتب الأدبية التي كانت متداولة آنئذ بين الطلاّب ، مثل البهجة المرضية في شرح الألفية وشرح التصريف.

__________________

(١) لقد سبق المرحوم السيّد محمّد علي الروضاتي في التحقيق عن حياة الميرزا أبي طالب الإصفهاني في مقالة فارسية بعنوان : (حاج ميرزا أبو طالب اصفهاني مؤلّف حاشيه شرح سيوطي) نُشرت سنة ١٣٥٧ الشمسي في كتاب محيط أدب : ٢٣٨ ـ ٢٤٩.

(٢) اصفهان واصبهان ، بفتح الهمزة وكسرها فيهما. بيد أنّ أهل المشرق يقولون بالفاء وأهل المغرب بالباء. مطالع الأنوار على صحاح الآثار ١ / ٣٧٠.

           

١٧٥

الميرزا أبو طالب كان يعيش في زمن الحكومة القاجارية ، تحديداً في عهد السلطان آقا محمّد خان ، مؤسّس الدولة القاجارية في إيران (ت ١٢١١هـ) ، والسلطان فتح علي شاه ، ثاني سلاطين السلالة القاجارية (ت ١٢٥٠هـ). وقد بذلنا جهودنا للحصول على ترجمة وافية له؛ ومع الأسف لم نعثر على اسم هذا الفاضل وتاريخ مولده سوى أنّه كان يدعى بـ : (أبي طالب) حيث صرّح به في حاشيته على البهجة المرضية في شرح الألفية :

«فيقول الراجي ربَّه الواهب ، العبدُ المدعوُّ بـ : أبي طالب»(١).

وأيضاً في حاشيته على شرح التصريف :

«فيقول الطالب للقاءِ ربِّه الواهب ، العبدُ المدعوُّ بـ : أبي طالب»(٢).

وأنّ مولده بإصفهان ، حيث قال :

«واصبهان عَلَمٌ لبلدة في إيران. هي موطننا ومحلّ إقامتنا ...»(٣).

ما قيل فيه :

أوّل من ترجم لأبي طالب الإصفهاني ـ فيما أعلم ـ هو السيّد حسن الصدر الكاظمي (ت ١٣٥٤هـ) في تكملته على أمل الآمل ، حيث قال :

«الحاج ميرزا أبو طالب : صاحب الحاشية على شرح السيوطي على ألفية

__________________

(١) حاشية أبي طالب الإصفهاني على البهجة المرضية : ١.

(٢) الحاشية على شرح سَعْد التَّفتازاني لتصريف الزَّنجاني : ١٩٩.

(٣) حاشية أبي طالب الإصفهاني على البهجة المرضية : ٢٤٦.

           

١٧٦

ابن مالك في النحو. فرغ منها في سلخ جُمادى الآخرة عام ثلاث وعشرين ومائتين بعد الألف. عالم ، فاضل ، بارع ، ماهر بالأدب ، متكلّم ، فقيه ، لغوي ، نحوي ، مفسِّر ، محدِّث ، من أجلاّء تلامذة السيّد صاحب الرياض. وله مصنّفات كثيرة لايحضرني تفصيلها ولاتفصيل أحواله»(١).

وقد ترجم له الشيخ عبّاس القمّي (ت ١٣٥٩هـ) نقلا من كلام السيّد الصدر ، بدون ذكر المرجع :

«الميرزا أبو طالب : صاحب الحاشية على شرح السيوطي على ألفية ابن مالك. عالم ، فاضل ، بارع ، ماهر ، أديب ، متكلّم ، فقيه ، لغوي ، نحوي ، مفسِّر ، محدِّث ، من أجلاّء تلامذة السيّد صاحب الرياض. له مصنّفات ، فرغ من الحاشية (سنة ١٢٢٣ هـ)» (٢).

وكذلك ذكر له السيّد محسن الأمين العامِلي (ت ١٣٧١هـ) ترجمته نقلا عن السيّد حسن الصدر بدون أيّ تصريح بذكر المرجع.

ومع كلّ هذا ، فقد فصّل في ترجمته الشيخ آقا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩هـ) أكثر ممّا تقدّم حيث حدّد تاريخ وفاة المحشّي وكيفيتها ولقبه (الإصفهاني) في كتابه المسمّى بـ : الذريعة إلى تصانيف الشيعة :

«الحاشية عليها [أي : البهجة المرضية في شرح الألفية] للميرزا أبي طالب الإصفهاني. الفاضل الأديب ، المتوفّى في طريق الحجّ سنة (١٢٣٧ هـ). فرغ من

__________________

(١) تكملة أمل الآمل ٦ / ٣٠٦.

(٢) الكنى والألقاب ٣ / ٢٢٠.

           

١٧٧

التأليف في آخر (ج ٢ ـ ١٢٢٣ هـ). وطبعت مكرّراً ، منها في (١٢٩٧)»(١).

ثمّ ذكر في طبقات أعلام الشيعة عن كيفيّة اطّلاعه على تاريخ وفاة الإصفهاني :

«الميرزا أبو طالب (... ـ ١٢٣٧ هـ) : من العلماء الأجلاّء الأدباء. تلمّذ [كذا] على السيّد علي مؤلّف الرياض. له حاشية البهجة المرضية في شرح الألفية ، فرغ منها سلخ (ج ٢ ـ ١٢٢٣). وله تصانيف أخر؛ ذكره في التكملة. وتوفّي في طريق الحجّ (١٢٣٧) ، كما أرّخه معاصره السيّد حسن الموسوي الإصفهاني. فقد استنسخ حاشيته المذكورة في (١٢٣٩) وكتب على ظهرها تاريخ وفاة المؤلّف أنّه قبل ذلك بسنتين. والنسخة بإصفهان عند حفيد كاتبها السيّد مصلح الدين بن محمّد تقي المعروف بالمهدوي»(٢).

وأورد كلّ من الميرزا محمّد علي المدرّس (ت ١٣٧٣هـ) والميرزا محمّد علي المعلّم الحبيب آبادي (ت ١٣٩٦هـ) ترجمته آخذاً من المراجع التي ذكرت ، بدون أيّ إضافة وزيادة(٣).

وفي النهاية ذكر السيّد مصلح الدين المهدوي (ت ١٤١٦ هـ) أنّ الإصفهاني كان قد اشتغل بتدريس العلوم العربية في إصفهان وكان ساكناً بمحلّة (خواجُوي)(٤).

__________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٦ / ٢٩.

(٢) طبقات أعلام الشيعة (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة) ١٠ / ٣٩.

(٣) ريحانة الأدب ٦ / ٦٢؛ مكارم الآثار ٤ / ١٠٦١.

(٤) أعلام إصفهان ١ / ٢٨١.

           

١٧٨

الظاهر من التراجم أنّ الإصفهاني قضى عمره في إصفهان ولم يسافر لبلد آخر؛ والغالب على الظنّ أنّه سافر في أوان شبابه إلى كربلاء وتتلمذ على السيّد علي الطباطبائي وأتمّ دراسته في العراق على أشهر علماء عصره ولأسباب لا نعرفها على وجه الدقّة ، رجع إلى موطنه إصفهان على أنّه كان من أجلاّء تلامذة السيّد علي الطباطبائي ، ولعلّ سبب رجوعه هو لما كان يراه من خدمة علوم الدين وتسلّطه على اللغة العربية حتّى يأخذ طلاّب العلم ما لديه من العلوم. وبما أنّ لقب (الحاجّ) يطلق عرفاً على من أدّى فريضة الحجّ ، فيحتمل سفره إلى مكة. هذا ، ولم تمدّنا كتب التراجم ـ التي ترجمت للإصفهاني ـ بأكثر من هذا(١).

ولادته :

لم يذكر المترجمون شيئاً عن سنة ولادة الإصفهاني وعلى ما يبدو من القرائن المذكورة في كتب التراجم يمكن أن نخمّن أنّه ولد أواخر الثمانينات أو أوائل التسعينات من القرن الثاني عشر الهجري.

عائلته :

ما بين أيدينا من التراجم لم تذكر شيئاً عن عائلة الإصفهاني ، سوى أنّ محمّد حسن خان اعتماد السلطنة وزير المطبوعات والترجمة في العصر الناصري

__________________

(١) أيضاً انظر : چهل سال تاريخ ايران (المآثر والآثار) ١ / ٣٠٤؛ دائرة المعارف تشيّع ١ / ٣١٣؛ دانشمندان وبزرگان إصفهان ١ / ١٦٢.

           

١٧٩

يقول : إنّ أحفاد الميرزا أبي طالب هاجروا من إصفهان مع السيّد زين العابدين الخاتون آبادي(١) (ت ١٣٢١هـ) ـ إمام جمعة طهران ـ في عصر السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، ويذكر أنّ الميرزا محمّد حسين الإصفهاني الملقّب بـ : (معتمد الشريعة) كان من أحفاد أبي طالب. عدّه محمّد حسن خان من علماء العصر الناصري(٢). ويقول عنه آقا بزرك الطهراني : «عالم فاضل كامل»(٣).

الميرزا محمّد حسين كان من كتّاب ومُحرِّري السيّد زين العابدين الخاتون آبادي. كان حاذقاً في فنّ الصكوك والسِّجِلاّت ، وفي غالب الأوقات كان يخطب في المسجد السُّلطاني(٤) بطهران من جانب إمام الجمعة. والظاهر أنّ الميرزا محمّد حسين توفّي بعد سنة (١٣١٣هـ) في طهران؛ لأنّ الشيخ آقا بزرك الطِّهراني يقول : «لمّا هاجرتُ إلى العراق في (١٣١٣) كان حيّاً. رأيته كِراراً في منزل إمام الجمعة. وتوفّي بعد ذلك»(٥).

__________________

(١) كان جدّه الأعلى محمّد صالح الخاتون آبادي صهر محمّد باقر المجلسي. والسيّد زين العابدين يعدّ ثالث أئمّة الجمعة في طهران وكان أبو زوجة محمّد مصدّق رئيس وزراء إيران في (سنة ١٩٥١ م.).

(٢) المآثر والآثار : ٢٢٦. أيضاً انظر : علماي عهد ناصرالدين شاه قاجار (باب دهم المآثر والآثار) : ٢٨٩.

(٣) طبقات أعلام الشيعة (نقباء البشر في القرن الرابع عشر) ١٤ / ٥١٣.

(٤) هو أحد المساجد التاريخية في مدينة طهران. بني هذا المسجد خلال العهد القاجاري بأمر السلطان فتح على شاه. نُقل اسمه من (مسجد شاه) إلى (مسجد امام) بُعَيد نجاح الثورة الإسلامية في إيران.

(٥) طبقات أعلام الشيعة (نقباء البشر في القرن الرابع عشر) ١٤ / ٥١٣.

           

١٨٠