تراثنا ـ العدد [ 136 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 136 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1019-4030
الصفحات: ٣١٨

استحقاقهم ولا تنافي بينهما.

وقال الحسين بن عليّ المغربي : إنّما كرّر لفظ التفضيل لأنّ الأوّل أراد تفضيلهم في الدنيا على القاعدين ، والثاني أراد تفضيلهم في الآخرة بدرجات النعيم»(١).

٢٦ ـ (اِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا)(٢).

«قال المغربي : ذكر (عسى) هاهنا تضعيف لأمر غيرهم ؛كما يقول القائل : ليت من أطاع الله سلم فكيف من عصاه. ومثله قول الشاعر :

ولم تر كافر نعمى نجا

من السوء ليت نجا الشاكر»(٣).

٢٧ ـ (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاَءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)(٤).

«قال المغربي : (هؤلاء) كناية عن اللصوص الّذين يجادل عنهم وهو

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٢ ، ص ٣٠٢ ، (ج ٥ ، ص ٥٣) ؛ مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ١٤٦ ؛ فقه القرآن ، ج ١ ، ص ٣٣٥.

(٢) النساء : ٩٧ ـ ٩٩.

(٣) تفسير التبيان ، ج ٢ ، ص ٣٠٤ ، (ج ٥ ، ص ٥٥).

(٤) النساء : ١٠٩.

٤١

غير «أنتم» ولذلك حسن التكرير. ومعنى الآية : (ها أنتم الذين جادلتم)»(١).

٢٨ ـ (اِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيدًا)(٢).

«اختلفوا في تأويل هذه الآية على خمسة أقوال : ... الخامس : قال الحسين بن عليّ المغربي : (اِلاَّ إِنَاثاً) معناه : ضعافاً عاجزين لا قدرة لهم. يقولون : سيف أنيث وميناثة ـ بالهاء ـ وميناث أي غير قاطع ، قال صخر الغىّ :

فتخبره بأنّ العقل عندي

جراز لا أفلّ ولا أنيث

وأنث في أمره : إذا لان وضعف والأنيث : المخنّث. قال الكميت :

وشذّبتُ عنهم شوك كلّ قتادة

بفارس يخشاها الأنيث المغمّز.

قال الأزهري : والإناث : الموات»(٣).

٢٩ ـ (اِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)(٤).

«قال الحسين بن عليّ المغربي : (مُذَبْذَبِينَ) مطرودين من هؤلاء ومن

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٢ ، ص ٣٢٠ ، (ج ٥ ، ص ٧٥).

(٢) النساء : ١١٧.

(٣) تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٣٣١ ، (ج ٥ ، ص ٨٩) ؛ روض الجنان ، ج ٦ ، ص ١١٧.

(٤) النساء : ١٤٢ ـ ١٤٣.

٤٢

هؤلاء من (الذبّ) الذي هو الطرد»(١).

٣٠ ـ (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)(٢).

«قرأ حمزة وخلّف زُبوراً بضمِّ الزاي ، الباقون بفتحها ـ حيث وقعت ـ ، من ضمِّ الزاي احتمل ذلك وجهين ...

قال الحسين بن عليّ المغربي : (زُبور) جمع (زَبور) ومثله (تُخُوم) و (تَخُوم) و (عُذُوب) و (عَذوب) وقال : ولا يجمع فَعول ـ بفتح الفاء ـ على فُعول ـ بضمّ الفاء ـ إلا هذه الثلاثة فيما عرفنا.

والزبر : إحكام العمل في البئر خاصّة ، يقال : (بئر مزبورة) إذا كانت مطوية بالحجارة ، ويقال : ما لفلان زبر ، أي : عقل ، وزُبَرُ الحديد : قطعُهُ ، واحدها : زُبْرة ، وتقول : زبرت الكتاب أزبره ، زَبْراً مثل ذبرته أذبره ذبراً ، بالذال المعجمة»(٣).

٣١ ـ (يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ)(٤).

«الاستفتاء والاستقضاء واحد ، يقال : قاضيته وفاتيته ، قال الشاعر :

تعالوا نفاتيكم أأعيا وفقعس

إلي المجد أدنى أم عشيرة حاتم

هكذا أنشده الحسين بن عليّ المغربي»(٥).

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٣٦٦ ، (ج ٥ ، ص ١٣١).

(٢) النساء : ١٦٣.

(٣) تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٣٩٢ ، (ج ٥ ، ص ١٦٢).

(٤) النساء : ١٧٦.

(٥) تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٤٠٨ ، (ج ٥ ، ص ١٨١).

٤٣

٣٢ ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)(١).

«قال الحسين بن عليّ المغربي : (اِلاَّ مَا يُتْلَى) معناه : من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.

وهذا الذي ذكره سهو منه ؛ لأنّ الله تعالى نفى عن نفسه أن يكون جعل البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، فلا تكون المحرّم واستثنى هاهنا ما حرّمه تعالى فلا يليق بذلك»(٢).

٣٣ ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ)(٣).

«اختلفوا في معنى شعائر الله على سبعة أقوال ... وقال الحسين بن عليّ المغربي : المعنى لا تحلّوا الهدايا المشعرة ، وهو قول الزجّاج واختاره البلخي ، وأقوى الأقوال قول عطا ...»(٤).

٣٤ ـ (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا)(٥).

«وقوله : (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ ...) اختلف أهل اللغة في تأويلها ، فقال

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٤١٦ ، لقد سقط في هذه الطبعة ما يقرب من سطرين ، (ج ٥ ، ص ١٩١) ؛ روض الجنان ، ج ٦ ، ص ٢٢١.

(٣) المائدة : ٢.

(٤) تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٤١٩ ، (ج ٥ ، ص ١٩٤) ؛ مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٢٢٥ ؛ فقه القرآن ، ج ١ ، ص ٣٠٣.

(٥) المائدة : ٢.

٤٤

الأخفش وجماعة من البصريّين : لا يحقّن لكم ... وقال الكسائي والزجّاج : معناه : لا يحملنّكم ... وقال الفرّاء : معناه : لا يكسبنّكم شنآن قوم. واستشهد الجميع بقول الشاعر :

ولقد طعنت أبا عينية طعنة

جَرَمَتْ فزارةَ بعدها أن يغضَبوا.

فمنهم من حمل قوله (جرمت) على أنّ معناه : حملت ، ومنهم من حمله على أنّ معناه : أحقّت الطعنة لفزارة الغضب ، ومنهم من قال : كسبت فزارة أن يغضبوا. وقال المغربي : معناه قطعت فزارة ، وليس من هذا في شيء وسمع الفرّاء من العرب من يقول : فلان جريمة أهله أي كاسبهم ، وخرج يجرمهم أي يكسبهم. والأقاويل متقاربة المعاني»(١).

٣٥ ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(٢).

«قال الحسين بن عليّ المغربي : معنى (اِذَا قُمْتُمْ) إذا عزمتم عليها وهممتم بها. قال الراجز للرشيد :

ما قاسم دون الفتى ابن أمّه

وقد رضيناه فقم فسمّه

فقال : يا أعرابيُّ ، مارضيتَ أن تدعونا إلى عقد الأمر له قعوداً حتّى أمرتنا بالقيام؟ فقال : قيام عزم لا قيام جسم. وقال حريم الهمداني :

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٤٢٤ ، (ج ٥ ، ص ٢٠١).

(٢) المائدة : ٦.

٤٥

فحدّثت نفسي أنّها أو خيالها

أتانا عشاء حين قمنا لنهجعا(١).

أي : حين عزمنا للهجوع».

٣٦ ـ (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)(٢).

«وقوله (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) قيل في معناه أقوال : ... الرابع : قال الحسين بن عليّ المغربي : معناه : لو شاء الله الاّ يبعث إليهم نبيّاً ، فيكونون متعبّدين بما في العقل ويكونون أمةً واحدةً ، وأقوى الوجوه

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٤٤٨ ، (ج ٥ ، ص ٢٣٦) ؛ روض الجنان ، ج ٦ ، ص ٢٦٧ ؛ فقه القرآن ، ج ١ ، ص ١٢. جدير بالذكر أنّ الشيخ الطوسي بعد نقل هذا الكلام استطرد قائلاً : (وأقوى الأقوال ما حكينا أوّلاً من أنّ الفرض بالوضوء يتوجّه إلى من أراد الصلاة وهو على غير طهور. فأمّا من كان متطهّراً فعليه ذلك استحباباً ...) ، إنّ هذا الكلام ناظر إلى الخلاف المحكي قبل نقل كلام الوزير المغربي. (ثمّ اختلفوا هل يجب ذلك كلّما أراد القيام إلى الصلاة أو بعضها أو في أيِّ حال هي؟ فقال قوم المراد به إذا أراد القيام وهو على غير طهور ، وهو الذي اختاره الطبري و ...). إنّ نقل كلام المغربي هنا لا يبدو مناسباً ، وقد أدّى إلى صعوبة فهم عبارة الكتاب. ويبدو أنَّ الشيخ الطوسي قد عثر على تفسير المغربي بعد إكمال تأليفه لكتابه ، فأضاف كلامه إلى تفسيره وأقحمه في موضع غير مناسب ، فأدّى إلى هذا الاضطراب والإرباك في الكتاب.

(٢) المائدة : ٤٨.

٤٦

أوّلها»(١).

٣٧ ـ (اِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(٢).

«أقول : اختلفوا في من نزلت هذه الآية فيه ؛ فروى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن ـ على ما حكاه المغربي عنه ـ والطبري والرّماني ومجاهد والسدّي : إنّها نزلت في علىّ حين تصدّق بخاتمه وهو راكع. وهو قول أبي جعفر وأبي عبد الله وجميع علماء أهل البيت»(٣).

٣٨ ـ (وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ...)(٤).

«أقول : أخبر الله تعالى في هذه الآية عن اليهود أنّها قالت : إنّ يد الله مغلولة ... وقال الحسين بن عليّ المغربي : حدّثني بعض اليهود الثقات منهم بمصر : أنّ طائفة قديمة من اليهود قالت ذلك بهذا اللفظ»(٥).

٣٩ ـ (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٥٤٦ ، (ج ٥ ، ص ٣٤٧) ؛ مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٣١٤ ؛ روض الجنان ، ج ٦ ، ص ٤١٠ ؛ متشابه القرآن ومختلفه ، ج ١ ، ص ١٤١ و ٢٦١.

(٢) المائدة : ٥٥.

(٣) المصدر أعلاه ، ص ٥٥٩ ، (ج ٥ ، ص ٣٦٠) ؛ المصدر أعلاه ، ج ٣ ، ص ٣٢٥ ؛ المصدر أعلاه ، ج ٧ ، ص ١٩ ؛ فقه القرآن ، ج ١ ، ص ١١٦ ، وقد نقل هذا الكلام في تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٣٢٠ عن تفسير مجمع البيان أيضاً.

(٤) المائدة : ٦٤.

(٥) تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ٥٨٠ ، (ج ٥ ، ص ٣٨٢) ؛ مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٣٣٩.

٤٧

عَقَّدْتُمْ الإِيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَة)(١).

«أقول : قرأ (عاقدتم) بالألف ابن عامر ، و (عقدتم) بلا ألف مع تخفيف القاف حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ، والباقون بالتشديد ...

وقال أبو عليّ الفارسي : من شدّد احتمل أمرين :

أحدهما : أن يكون لتكثير الفعل ؛ لقوله : (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ) مخاطباً الكثرة ، فهو مثل : (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ). والآخر أن يكون (عقّد) مثل (ضعّف) لا يراد به التكثير ، إنّ (ضاعف) لا يراد به فعل من اثنين.

وقال الحسين بن عليّ المغربي : في التشديد فائدة ، وهو أنّه إذا كرّر اليمين على محلوف واحد ، فإذا حنث لم يلزمه إلاّ كفارة واحدة وفي ذلك خلاف بين الفقهاء والّذي ذكره قويّ»(٢).

٤٠ ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ)(٣).

«قوله (لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ) يعني عقوبة ما فعله ونكاله وقال المغربي :

__________________

(١) المائدة : ٨٩.

(٢) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ١١ ، (ج ٥ ، ص ٤٢٦) ؛ روض الجنان ، ج ٧ ، ص ١٢٣ ؛ فقه القرآن ، ج ٢ ، ص ٢٢٤.

(٣) المائدة : ٩٥.

٤٨

الوبال من الطعام : الثقيل الذي لا يستمرّ أو لا يوافق ، وهو قول الأزهري. قال كثير :

فقد أصبح الراضون إذ أنتم بها

مشوم البلاد يشتكون وبالها»(١).

٤١ ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)(٢).

«(أنفسكم) نصب على الإغراء ، كأنّه قال : احفظوا أنفسكم أن تزلّوا كما زلّ غيركم ، والعرب تغري بـ : (عليك) و (إليك) ، و (دونك) ، و (عندك) فينصب الأسماء بها ولم يغروا بـ : (منك) كما أغروا بـ : (إليك) ؛ لأنّ إليك أحقّ بالتنبيه بـ : (منك) والإغراء : تنبيه على ما يجب أن يحذر ؛ لذلك لم يغروا بـ : (فيك) ونحوها من حروف الإضافة وحكى المغربي أنّه سمع من يغري بـ : (وراءك) و (قدّامك)(٣).

٤٢ ـ (وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)(٤).

«في ما ينتصب به قوله : (يَوْمَ) قيل فيه ثلاثة أقوال : أحدها أنّه انتصب بمحذوف ، تقدير : احذروا يوم يجمع الله الرسل. الثاني : اذكروا يوم يجمع الله. الثالث : قال الزجّاج : ينتصب بقوله (اتَّقُوا اللَّهَ) ، وقال المغربي : يتعلّق

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٢٧ ، (ج ٥ ، ص ٤٤٥).

(٢) المائدة : ١٠٥.

(٣) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٤٠ ، (ج ٥ ، ص ٤٦١).

(٤) المائدة : ١٠٨ ـ ١٠٩.

٤٩

بقوله (لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) إلى الجنّة (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ)(١). ولا يجوز أن ينتصب على الظرف بهذا الفعل ؛ لأنّهم لم يؤمروا بالتّقوى في ذلك اليوم ، لكن انتصب على أنّه مفعول به ، و (اليوم) لا يتّقى ولا يحذر وإنّما يتقى ما يكون فيه من العقاب والمحاسبة والمناقشة ؛ كأنّه قال : اتّقوا عقاب يوم ، وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه»(٢).

٤٣ ـ (اِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٣).

«وقوله (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) معناه : أنّك القادر الذي لا يعاتب وأنت حكيم في جميع أفعالك فيما تفعله بعبادك.

وقيل : معناه أنّك أنت (القدير) الذي لا يفوتك مذنب ولا يمتنع من سطوتك مجرم ، (الحكيم) فلا تضع العقاب والعفو إلاّ موضعهما ولو قال : الغفور الرحيم ، كان فيه معنى الدّعاء لهم والتذكير برحمته ، على أنّ العذاب

__________________

(١) إلى هنا ينتهي كلام الوزير المغربي ، وما بعده كلام الشيخ الطوسي. وهو إيضاح للأقوال الثلاثة المتقدّمة ، ولا ربط له بكلام الوزير المغربي ؛ إذ من الواضح أنّه بناء على احتمال المغربي يكون (يوم) ظرفاً ، وليس مفعولاً به. ويبدو أنّ الشيخ الطوسي إنّما أضاف رأي الوزير المغربي بعد إتمامه تأليف الكتاب ، ولم يلتفت إلى أنّ هذا القول هو قول رابع ، وإنّ إضافته إلى الأقوال الثلاثة وإيضاحها يحدث نوعاً من الفصل والتشويش في عبارة الكتاب.

(٢) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٥٢ ، (ج ٥ ، ص ٤٧٥) ؛ مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٤٠٢.

(٣) المائدة : ١١٨.

٥٠

والعفو قد يكونان غير صواب ولا حكمة ، فالإطلاق لا يدلّ على الحكمة والحسن ، والوصف بـ (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) يشتمل على العذاب والرحمة إذا كانا صوابين.

وقال الحسين بن عليّ المغربي : رأيت على باب دار بمصر في موضع يقال له (بيطار بلال) معروف لوحاً قديماً من ساج عليه هذا العشر(١٤٢) وفيه : فإنّك أنت الغفور الرحيم وتاريخ الدار سنة سبعين من الهجرة أو نحوها ولعلّها باقية إلى اليوم»(١٤٣).

٤٤ ـ (وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِر يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ)(١٤٤).

«وفي قوله (يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ) أقوال : أحدها أنّ قوله بجناحيه تأكيد ... وقال قوم : إنّما قال ذلك ليدلّ على الفرق بين طيران الطيور بأجنحتها وبين

__________________

(١) جاء في حاشية طبعة جامعة المدرّسين : (كذا ولم نتحقّق المراد من العشر المشار إليه ، ولعلّه تصحيف). ويحتمل أن يكون المراد منه الآيات العشر ، ابتداءً من قوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ) إلى هذه الآية. والآيات التسع الأولى تتعلّق بالحوار بين الله والنّبيّ عيسى بن مريم عليه‌السلام والحواريّين. والآية الأولى طبقاً لبعض الاحتمالات ذات صلة بهذه المجموعة من الآيات. وجاء في القاموس : (عواشر القرآن الآي التي يتمّ بها العشر) ، فيحتمل أن يكون النصّ الآنف مرتبطاً بهذه المفردة ، وإنّ المراد من (العشر) هو الآية العاشرة من هذه الآيات ، وهي الآية مورد البحث.

(٢) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٧٢ ، (ج ٥ ، ص ٤٩٦). جدير بالذكر أنّ نقل كلام الوزير المغربي هنا يقوّي احتمال أن تكون الفقرة السابقة (وقيل : معناه ...) من كلام المغربي ، خاصّة بعد الالتفات إلى عبارة : (ولو قال الغفور الرحيم ...).

(٣) الأنعام : ٣٨.

٥١

الطيران بالإسراع ، تقول : طرت في جناحين إذا أسرعت ، قال الشاعر :

فلو أنّها تجري على الأرض أدركت

ولكنّها تهفو بتمثال طائر

وأنشد سيبويه :

فَطِرْتُ بمُنصُلي في يَعْمَلات

دوام الأيد تخبطن السريحا

وقال المغربي : أراد أن يفرّق بين الطائر الذي هو الفائز الفالح في القسم ، قال مزاحم العُقَيْلي :

وطيري بمخراق أشمّ كأنّه

سليل جياد لم ينله الزغايف [ئب](١)

أي : فوزي واغنمي»(٢).

٤٥ ـ (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)(٣).

«(يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) قيل في معناه قولان : ... وقال البلخي ـ واختاره الحسين بن عليّ المغربي ـ : (يتوفّاكم) بمعنى يحصيكم عند منامكم واستقراركم ، قال الشاعر :

إنّ بني الأدرم ليسوا من أحد

ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد

ولا توفّاهم قريش في العدد

__________________

(١) أنشده في اللسان ـ مادّة خرق ـ بلفط : وطيري لمخراق أشمّ كأنه / سليم رماح لم تنله الزعانف (حاشية طبعة جامعة المدرّسين).

(٢) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ١٢٨ ، (ج ٥ ، ص ٦٥).

(٣) الأنعام : ٦٠.

٥٢

معناه : لا يحصيهم في العدد»(١).

٤٦ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآياتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ)(٢).

«وليس في قوله إنّه خلقها ليهتدوا : (بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ما يدلّ على أنّه لم يخلقها لغير ذلك. قال البلخي : بل يشهد أنّه خلقها لأمور جليلة عظيمة ومن فكّر في صغر الصغير منها وكبر الكبير ، واختلاف مواقعها ومجاريها وسيرها وظهور منافع الشمس والقمر في نشوء الحيوان والنبات علم أنّ الأمر كذلك ، ولو لم يخلقها إلاّ للاهتداء لما كان لخلقها صغاراً وكباراً واختلاف مسيراتها معنى.

قال الحسين بن عليّ المغربي : هذا من البلخي إشارة منه إلى دلالتها على الإحكام»(٣).

٤٧ ـ (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْم يَعْلَمُونَ)(٤).

«قال المغربي (دَرَسْتَ) معناه : علمت ، كما قال (وَدَرَسُوا مَا فِيهِ)(٥)

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ١٥٧ ، (ج ٦ ، ص ١٠٠) ؛ روض الجنان ، ج ٧ ، ص ٣١٩.

(٢) الأنعام : ٩٧.

(٣) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٢١٣ ، (ج ٦ ، ص ١٦٨).

(٤) الأنعام : ١٠٥.

(٥) الأعراف: ١٦٩.

٥٣

أي : علموه فعلى هذا يكون (اللام) لام الغرض ، كأنّه قال : فعلنا ذلك ليقولوا علمت»(١).

٤٨ ـ (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّة وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(٢).

«وقال الحسين بن عليّ المغربي : قوله (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ)معناه : إنّا نحيط علماً بذات الصدور وخائنة الأعين ، وهو حشو بين الجملتين(٣) ، أي نختبر قلوبهم فنجد(٤) باطنها بخلاف الظاهر»(٥).

٤٩ ـ (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ...)(٦).

«وقوله (مِنْكُمْ) وإن كان خطاباً لجميعهم والرسل من الإنس خاصّة ، فإنّه يحتمل أن يكون لتغليب أحدهما على الآخر ...

وقال الضحّاك : ذلك يدلّ على أنّه تعالى أرسل رسلاً من الجنّ ، وبه

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٢٨٨ ، (ج ٦ ، ص ١٨٧).

(٢) الأنعام : ١١٠.

(٣) نقرأ قبل هذه الآية : (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ) ، ويقول المغربي : إنّ قوله تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ) جملة معترضة بين هذه الجملة وجملة (كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّة).

(٤) النصّ في كلا الطبعتين (أن يختبر قلوبهم فيجد) ويبدو أنّ العبارة الآنفة المنقولة في حاشية طبعة جامعة المدرّسين عن المخطوطة ، هي الأصحّ.

(٥) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٢٣٨ ، (ج ٦ ، ص ١٩٨) ؛ مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٥٤١ ؛ روض الجنان ، ج ٧ ، ص ٤١٥.

(٦) الأنعام : ١٣٠.

٥٤

قال الطبري ، واختاره البلخي أيضاً وهو الأقوى ، وقال الجبّائي والحسين بن عليّ المغربي : المعنى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) يعني : معشر المكلّفين والمخلوقين (رُسُلٌ مِنْكُمْ) يعني من المكلّفين.

وهذا إخبار وحكاية عمّا يقال لهم في وقت حضورهم في الآخرة وليس بخطاب لهم في دار الدنيا وهم غير حضور فيكون قبيحاً ، بل هو حكاية على ما قلناه»(١).

٥٠ ـ (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)(٢).

«وقوله (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) اختلفوا في حدّ الأشد ... ، وواحد الأشدّ. قيل فيه قولان : أحدهما : (أشدّ) مثل (أضُرّ) جمع (ضَرّ) و (أشُدّ) جمع (شَدّ) والشّد : القوّة ، وهو استحكام قوّة شبابه وسنّه ، كما «شدّ النهار» : ارتفاعه.

وحكى الحسين بن عليّ المغربي عن أبي أسامة(٣) : أنّ واحده (شدّة) مثل نعمة وأنعم.

وقال بعض البصريّين : «الأشدّ» واحد مثل : «الآنك»»(٤).

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٢٧٧ ، (ج ٦ ، ص ٢٤٣).

(٢) الأنعام : ١٥٢.

(٣) المراد منه اللغوي الكبير أبو أسامة جنادة بن محمّد الأزدي الهروي. وقد كان أستاذاً للوزير المغربي ، وقد لقي المصير الذي لقيته أسرة الوزير المغربي من القتل على يد حاكم الخليفة المصري. وقد كان قتله عام ٣٩٩ للهجرة (انظر : ابن خلّكان ، وفيات الأعيان ، ج ١ ، ص ٣٧٢).

(٤) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٣١٨ ، (ج ٦ ، ص ٢٩٠).

٥٥

٥١ ـ (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)(١).

«أقول : قيل في معنى قوله (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) مع أنّ كتاب موسى قبل القرآن ، و (ثم) تقتضي التراخي ، قولان :

أحدهما : إنّ فيه حذفاً ، وتقديره : ثمّ اتُل عليكم آتينا موسى الكتاب.

وقال أبو مسلم : عطفه على المنن التي امتنّ بها على إبراهيم من قوله (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ)(٢) إلى قوله (اِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم)(٣) واستحسنه المغربي»(٤).

٥٢ ـ (يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)(٥).

(وَلِبَاسُ التَّقْوَى) فيه خمسة أقوال : ... الخامس : قال الرمّاني : هو العمل الذي يقي العقاب وفيه الجمال ، مثل جمال الناس من الثياب.

وقال الحسين بن عليّ المغربي : (وَلِبَاسُ التَّقْوَى) يعني الذي كان

__________________

(١) الأنعام : ١٥٤.

(٢) الأنعام : ٨٤.

(٣) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٧. وكأنّه طبقاً لهذا الاحتمال تكون الكثير من الآيات المذكورة في البين من ملحقات الآيات المتقدّمة.

(٤) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٣٢١ ، (ج ٦ ، ص ٢٩٤) ؛ مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٥٩٥.

(٥) الأعراف : ٢٦.

٥٦

عليكم في الجنّة خير لكم ، بدلالة قوله : (ذَلِكَ) وهي للبعيد»(١).

٥٣ ـ (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)(٢).

«وأمرهم أن (أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد) قيل فيه وجوه : ... وقال الفرّاء : معناه إذا دخل عليك وقت الصلاة في مسجد ، فصلّ فيه ولا تقل : آتي مسجد قومي وهو اختيار المغربي»(٣).

٥٤ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(٤).

«أمّا خمس الغنيمة ، فإنّه يقسّم عندنا ستة أقسام : فسهم لله وسهم لرسوله النبيّ ـ وهذان السهمان مع سهم ذي القربي ، للقائم مقام النبيّ عليهما‌السلامينفقها على نفسه وأهل بيته من بني هاشم ـ وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء سبيلهم من أهل بيت الرسول لا يشركهم فيها باقي الناس ؛ لأنّ الله تعالى عوّضهم ذلك عمّا أباح لفقراء المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم من الصدقات ؛ إذ كانت الصدقات محرّمة على أهل بيت الرسول ، وهو قول عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ومحمّد بن عليّ الباقر ابنه عليه‌السلام رواه

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٣٧٩ ، (ج ٦ ، ص ٣٦٢).

(٢) الأعراف : ٢٩.

(٣) تفسير التبيان ، ج ٤ ، ص ٣٨٤ ، (ج ٦ ، ص ٣٦٧) ؛ مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٦٣٥.

(٤) الأنفال : ٤١.

٥٧

الطبري بإسناده عنهما.

وقال الحسين بن عليّ المغربي حاكياً عن الصابوني(١) من أصحابنا : إنّ هؤلاء الثلاثة فرق لا يدخلون في سهم ذي القربى وإن كان عموم اللفظ يقتضيه ؛ لأنّ سهامهم مفردة وهو الظاهر من المذهب»(٢).

٥٥ ـ (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ)(٣).

«إنّما قيل : (عَنْ يَد) ليفارق حال الغصب على إقرار أحد ... وقال الحسين بن عليّ المغربي : معناه عن قهر ، وهو قول الزجّاج»(٤).

٥٦ ـ (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(٥).

«أخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفّار من اليهود والنصارى أنّهم (يُرِيدُونَ

__________________

(١) هو محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان أبو الفضل الجعفي الكوفي ، المعروف بالصابوني ، كان ساكناً في مصر ، وله فيها منزلة ومكانة ، وكتابه الفاخر في الفقه معروف ومشهور. روى عنه ابن قولويه (م ٣٦٩ للهجرة) صاحب كتاب كامل الزيارات. (رجال النجاشي ، ص ٣٧٤ ، رقم : ١٠٢٢ ؛ فهرست الشيخ الطوسي ، ص ٥٤٥ ، رقم : ٩٠١ ؛ كامل الزيارات ، ب ١ ، ح ١٧ ، ب ١٤ ، ح ٢). وقد يكون الوزير المغربي قد تعرّف إليه لمكان سكناه في مصر.

(٢) تفسير التبيان ، ج ٥ ، ص ١٢٣ ، (ج ٦ ، ص ٣٦٧) ؛ فقه القرآن ، ج ١ ، ص ٢٤٤.

(٣) التوبة : ٢٩.

(٤) تفسير التبيان ، ج ٥ ، ص ٢٠٣.

(٥) التوبة : ٣٢ (أو ٣٣).

٥٨

أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) و (الإطفاء) ، إذهاب نور النار ، ثمّ استعمل في إذهاب كلِّ نور ، و (نور الله) القرآن والإسلام في قول المفسّرين : السدّي والحسن. وقال الجبّائي : (نور الله) الدلالة والبرهان ؛ لأنّه يهتدى بها. وواحد الأفواه (فم) في الاستعمال ، وأصله (فوه) فحذفت (الهاء) وأبدلت من (الواو) (ميم) ؛ لأنّه حرف صحيح من مخرج الواو مشاكل لها.

ولمّا سمّى الله تعالى الحجج والبراهين نوراً سمّى معارضتهم له إطفاء ، وأضاف ذلك إلى الأفواه ؛ لأنّ الإطفاء يكون بالأفواه وهو النفخ وهذا من عجيب البيان ، مع ما فيه من تضعيف شأنهم وتصغير كيدهم ؛ لأنّ النفخ يؤثّر في الأنوار الضعيفة دون الأقباس العظيمة ، ذكره الحسين بن عليّ المغربي»(١).

٥٧ ـ (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(٢).

«وقوله : (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) قيل : إنّ معناه لأميتوا كأنّه قيل : لقطع أجلهم وفرغ منه. قال أبو ذؤيب :

وعليهما مسرودتان قضاهما

داود أو صنع السوابغ تبّع.

وقال الحسين بن عليّ المغربي : معناه ردّ قطع أجلهم إليهم لكون السبب فيه دعاؤهم»(٣).

وللبحث صلة ...

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٥ ، ص ٢٠٧.

(٢) يونس : ١١.

(٣) تفسير التبيان ، ج ٥ ، ص ٣٤٦.

٥٩

 

السيّد مهدي القزويني (ت١٣٠٠هـ)

 حياته وآثاره

 مع عرض ونقد لتحقيق كتابه

 (أسماء القبائل والعشائر وبعض الملوك)

د. علي عبّاس الأعرجيّ

القسم الأوّل

السيّد مهدي القزويني

(١٢٢٢ ـ ١٣٠٠هـ) (١٨٠٧ ـ ١٨٨٣م)

حياته وآثاره

نسبه (١) :

هو السيّد أبو جعفر ، معزّ الدين ، مهدي بن حسن بن أحمد بن محمّد

__________________

(١) في ترجمته قدس‌سره ينظر : مستدرك الوسائل (الخاتمة) ٢ / ١٢٧ برقم ٣ ، الفوائد الرضوية ١٧٤ ، معارف الرجال ٣ / ١١٠ برقم ٤٧٢ ، أعيان الشيعة ١٠ / ١٤٦ ، الذريعة ١ / ٤٨ برقم ٢٤١ و ٢ / ٦ برقم ١٠ و ٢٣ / ٢٣٨ برقم ٨٧٩٦ ، مصفى المقال : ٤٧٥ ، الأعلام ٧ / ١١٤ ، معجم المؤلّفين ١٢ / ٥٦ ، معجم المؤلّفين العراقيّين ٣ / ٢٥٣.

٦٠