تراثنا ـ العدد [ 136 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 136 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1019-4030
الصفحات: ٣١٨

بعض العلماء ، التي كانت لها أسبابها المختلفة في العلاقة ، والتي من بينها انفتاح العلماء العرب على حكّام الفرس كونهم قوّام على ولاية الدولة الإسلامية في تلك الفترة. ومن هذه الكتب :

١ ـ كتاب التحصين للشيخ أحمد بن فهد الحلّي ، ترجمه العلاّمة السيّد ماجد البحراني بأصفهان بالفارسية ، وأهداه إلى السلطان الشاه سليمان(١).

٢ ـ كتاب مجمع المناقب في فضائل أمير المؤمين والأئمّة عليهم‌السلام ، للشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي ، ألّفه باسم سلطان العصر الشاه حسين الصفوي(٢).

٣ ـ كتاب تجويد البراعة في شرح تجريد البلاغة لابن ميثم البحراني ، تأليف الشيخ مقداد بن عبدالله السيوري ، ألّفه لأجل الوزير عزّ الدين بن أبي العيد ، من وزراء الدولة الإليخانية ، وهو كتاب لطيف رأى الأفندي نسخة عتيقة منه بالبحرين(٣). ولأنّ الأصل لعالم بحراني أوردناه لأنّ فيه أنّ مثل هذا الأثر يهدى لهذا الوزير وقد ذكرنا الكتاب سابقاً.

٤ ـ إنّ الأفندي خبير ومتتبّع للكتب العتيقة ونفائسها ، وقد كان يدرك أنّ البحرين كانت تمثّل مركزاً علمياً يزخر بالعديد من مكتبات العلماء التي

__________________

(١) نفس المصدر : ٢٧١.

(٢) نفس المصدر : ٥٦٨.

(٣) نفس المصدر : ٤٩٩.

٢٢١

تحوي هذه النفائس لذلك جاءت زيارته لها.

٥ ـ اتّضح من خلال ما أورده من معلومات عن الشيخ سليمان الماحوزي متانة العلاقة بينهما كونها تلميذان للشيخ المجلسي ، ولما يحمل الشيخ الماحوزي من ملاحظات عامّة :

هذه الملاحظات هي حصيلة قراءة للمعلومات التي أوردها الأفندي عن هذه المنطقة أعلامها ومؤلّفاتهم ، وعنه كراصد ومتابع لها.

١ ـ كتبت هذه المعلومات المتفرّقة على ما يبدو في فترات زمنية متباعدة كان آخر ظهور للأفندي فيها هو عام ١١٣١ هـ ، بدلالة أنّه حين ذكره للشيخ سليمان الماحوزي المتوفّى عام ١١٢١ هـ فإنّه يذكره بما يدلّل على أنّه حي ، وقد أورده رغبته في مطالبة الشيخ سليمان برسالة لإكمال تراجم أعلام البحرين التي وردته ناقصة.

٢ ـ يبدو أنّه كان يسجّل اختياراته في كرّاس أو أوراق ثمّ يضيف إليها ما يخزنه في ذاكرته من معلومات ، وهي تدلّل على تتبّع خبير متميّز. يقول عن كتاب المناقب لابن شهر آشوب : إلاّ أنّ بالبال أنّي رأيت في أصبهان قبل هذا العام بخمس عشرة سنة عند الموالي محمّد نصير ابن أخي الأستاذ الاستناد [الشيخ المجلسي] نسخة عتيقة جدّاً من كتاب المناقب ، وهو يقول : إنّه تمام أصل كتاب المناقب لابن شهرآشوب(١). وهو على هذا يعني العام ١١١٦هـ.

__________________

(١) نفس المصدر : ٦٠١.

٢٢٢

٣ ـ لم يتّضح من خلال الكتاب العام الذي زار فيه المنطقة ، كما لم يتّضح هل كانت زيارة واحدة أم أنّها تكرّرت مرّة أخرى أو مرّات ، لكنّه فيما يبدو أقام فترة زمنية طويلة في البحرين الجزيرة بحسب ما أورده من معلومات عنها ولم يعرف مدّة إقامته في كلّ من الأحساء والقطيف.

٤ ـ إنّ الأفندي خبير ومتتبّع للكتب العتيقة ونفائسها ، وقد كان يدرك أنّ البحرين كانت تمثّل مركزاً علمياً يزخر بالعديد من مكتبات العلماء التي تحوي هذه النفائس لذلك جاءت زيارته لها.

٥ ـ اتّضح من خلال ما أورده من معلومات عن الشيخ سليمان الماحوزي متانة العلاقة بينهما كونهما تلميذان للشيخ المجلسي ، ولما يحمل الشيخ الماحوزي من مواصفات ومكانة علمية تؤهّله لتمتين العلاقة معه.

٦ ـ يبدو أنّه كان متابعاً لحال الكتب ومصيرها بعد تعرّض البحرين الجزيرة للغارات والسلب والنهب والسيطرة عليها من قبل الغزاة ، كما يظهر ذلك في حديثه عن كتاب شرح النهاية للشيخ الطوسي ، المعروف بنكت النهاية ، للمحقّق الحلّي صاحب الشرائع ، وهي نسخة عتيقة تلفت في قصّة نهب البحرين(١).

٧ ـ ما أورده من معلومات متناثرة يبيّن أنّ البحرين كانت حاضرة في حلقات المدارس العلمية كما في الحلّة والنجف وأصفهان ، من خلال أعلامها.

__________________

(١) نفس المصدر : ٤٧٦. لعلّه يشير هنا إلى ما حلّ بالبحرين من غزو أدّى إلى عظيم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء سنة ١١٣٠هـ (انظر لؤلؤة البحرين ٤٤٣).

٢٢٣

٨ ـ كان الأفندي متمّماً لبعض ما كتبه الشيخ الماحوزي من معلومات عن المنطقة وأعلامها وآثارهم ، ومكمّلا لبعض نواقصه.

٩ ـ حفظ لنا الأفندي في كتابه هذا أسماء لأعلام ولمؤلّفات وآثار من الضياع ، بعد أن فقدت أو تلفت.

١٠ ـ لم يرصد لنا حصيلته ممّا اقتناه منها من كتب لأعلامها أو لغيرهم سواء بالتملّك أو بالنسخ.

أخيراً أرجو أن أكون قد وُفّقت في رصد ما سطّره هذا العالم الجليل من معلومات مهمّة ساهمت بحقّ في حفظ شيء من تراث هذه المنطقة العزيزة ، وفاء لحقّ تربتها وتاريخا الضارب جذوره في تاريخ التشيّع.

ورحم الله الشيخ الأفندي الذي سطّر كلّ هذه المعلومات وحفظها لنا بأمانة وصدق والذي يستحقّ منّا دراسته ودراسة مؤلّفاته التي خدم بها التراث الإسلامي عامّة وتراث لطائفة خاصّة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

٢٢٤

مقدّمة تحليلية لمنهجية دراسة نهضة

الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام

د. حيدر قاسم مَطَر التميمي

بسم الله الرحمن الرحیم

مقدّمة :

إنّ التاريخ الإسلامي هو الصورة العملية والوجه التطبيقي للإسلام وتعاليمه في القرون الأولى ؛ ولهذا استفرغ أعداء الإسلام كلّ جهودهم في الدسّ والتشكيك فيه قديماً وحديثاً ، حتّى شاع الخطأ وخفي الصواب على كثير من الدارسين ، وأصبحت الروايات الصحيحة غريبة على البعض لقلّة سماعهم عنها ولشهرة وانتشار غيرها.

ولقد أصبحت الحاجة ملحّة في العمل على تنقية تاريخنا من هذه الروايات التي ليس لها أصل من الصحّة ، وإنّما روّجها الإخباريّون وخلطوها بالروايات الصحيحة ، فجاء المتأخّرون وأخذوا هذه الروايات بقضّها وقضيضها على أنّها تاريخنا.

٢٢٥

ومن أجل ذلك كثرت الصيحات والمناداة للعمل على إعادة قراءة تاريخنا وتمييز الأصيل من الدخيل ، وعلى ضرورة نقد الروايات وتمحيصها على منهج علمي أصيل(١).

لعلّ خير ما يوفّق إليه الإنسان الباحث عن الحقيقة والمعرفة في بطون المصادر والمخطوطات القديمة ، دراسة تاريخ العترة الطاهرة من أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة عليهم الصلاة والسلام. ونحن هنا في محاولة نقدّم دراسة متواضعة للبحث والتحليل في مرويّات نهضة الإمام الحسين بن علي ابن أبي طالب عليه‌السلام (٤ـ٦١هـ/٦٢٦ـ٦٨٠م) التي وقعت مُجرياتها على الأرض المباركة أرض واقعة الطفّ المفجعة على مرِّ السنين. تلك الأرض التي باركها الله سبحانه وتعالى بنزيف من دماء شهداء الطفّ ، تلك الدماء الزكية دماء الحسين عليه‌السلامودماء الشباب من أبنائه وآل بيته الأطهار ودماء باقة من أصحابه الميامين الأبطال الذين فازوا بالجنّة والذين اختلطت دماؤهم مع دماء أهل البيت على ثرى المعركة الدموية ، فضحّوا بأنفس ما لديهم ، أرواحهم الطاهرة ، تعبيراً عن الفداء والوفاء والنُبل والشهامة بين يدي أبي عبد الله رضوان الله عليهم ، إذ نالوا السعادة الأبدية والشرف العظيم وقرب المنزلة عند الله في سبيل إصلاح أمّة محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله)بعد أن دنّسها الحكّام العتاة القتلة ، قتلة أئمّة أهل البيت الأطهار عليهم‌السلام الحكّام المغتصبون للسلطة الشرعية من أصحابها الشرعيّين المباركين. فسلام على الحُسين وعلى الأرواح التي

__________________

(١) منهج كتابة التاريخ الإسلامي : ١١ ـ ١٣.

٢٢٦

حلّت بفنائه وأناخت برحله ، عليه منّا أفضل الصلاة والسلام ..

يتركّز هدف دراستنا هذه حول تحليل المرويّات التاريخية في المصادر الإسلامية التاريخية والأدبية والتفسيرية عن ثورة الإمام عليه‌السلام ... ، ومنها ما له علاقة بطبيعة الثورة الإصلاحية الميمونة وأبعادها وأهدافها التاريخية ، الماضوية منها والمعاصرة والمستقبلية.

ولتندرّج في دراستنا هذه ـ بتوفيق من الله سبحانه وتعالى ـ ضمن المشروع العلمي الإستراتيجي الذي ينأى بهِ قسم الدراسات التاريخية في بيتِ الحكمة حول تحديث منهج البحث التاريخي وإعادة كتابة التاريخ برؤىً أكثر حياديّة وموضوعية. في محاولة لإرساء دعائم بناء جديد لمنهج تحليل الرواية أو المخطوطة أو الوثيقة المعاصرة كمصدر من مصادر كتابة التاريخ.

وقد يُخيّل للباحث والدارس أنّ هذا الأمر هيِّن ، إذ أنّ المصادر التاريخية عن هذا الحَدَث قد أتى على كتابتها عدد من المؤرّخين الأوائل ؛ وأنّ مقتل الإمام الحُسين عليه‌السلام قد دوِّن بحدود سنة (١٥٠هـ/٧٦٧م) من قبل أحد الإخباريّين من أهالي الكوفة ، وهو المشهور بأبي مِخنف(١) المتوفّى في سنة

__________________

(١) هو : أبو مِخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مِخنف بن سليم بن الحارث بن عوف بن ثعلبة بن عامر بن ذهل بن مازن بن ذبيان بن ثعلبة الأزدي الغامدي ، توفِّي سنة (١٥٧هـ/٧٧٤م). كان جدّه مِخنف بن سليم رضي‌الله‌عنه صحابيّاً ومن أصحاب الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقُتل وهو يُقاتل إلى جانبهِ في معركة الجمل سنة (٣٦هـ/٦٥٦م). راوية ، عالمٌ بالسِيَر والأخبار ، إمامي ، من أهل الكوفة. له تصانيف كثيرة في تاريخ عصرهِ وما كان قبله بيسير ، منها : (فتوح الشام) ؛ (الردّة) ؛ (فتوح العراق) ؛ (الجمل) ؛

٢٢٧

 (١٥٧هـ / ٧٧٤م) ، الذي كان شيعيّاً ، فهل هذا الأمر سيُسهِّل عملية كتابة أحداث معركة الطّف؟ الجواب هو كلاّ بالتأكيد من وجهة نظر منهجنا في هذهِ المقدّمة التحليلية ، فإنّ رواية أبي مخنف ذاتها ـ كما سنُبيِّن لاحقاً ؛ وكما وقف عليه عدد من الأبحاث الأكاديمية الرصينة ـ قد يؤدّي المنهج التحليلي بالباحث إمّا إلى تأييدها أو يؤدّي إلى بطلانها وعدم صدقيّتها بحسب تفكيك أجزائها تبعاً لراويتها أو تبعاً لمعلومات هذه الراوية وروايات أخرى قد دخلت على خطِّ رواية أبي مخنف فكيّفتها أو عدّلتها أو روتها بشكل مخالف للرواية الأصلية ، والرواية الشفوية هي الرواية المعنية التي تكاد تكون الأصل في نقل جميع الروايات حتّى قُبيل منتصف القرن الثاني للهجرة / الثامن للميلاد. وهذا الموضوع الخطير الحسّاس والمفصلي في تاريخ الأمّة الإسلامية المتمثّل في قابلية فهمنا للأحداث التاريخية قد وقف عليه قلّة ممّن تناولوا هذا الموضوع وقفةً علمية بأسلوب منهجي رصين ، ولعلّ في مقدّمة هذهِ الأبحاث الدراسة المفصّلة والممتازة التي قدّمها المستشرق الأمريكي

__________________

(صفّين) ؛ (النهروان) ؛ (الأزارقة) ؛ (الخوارج والمهلّب) ؛ (مقتل علي) ؛ (الشورى) ؛ (مقتل عثمان) ؛ (مقتل الحُسين) ؛ (مصعب بن الزبير والعراق) ؛ (أخبار المختار بن أبي عبيد الثقفي) ويُسمّى أخذ الثار. يُنظر : فهرست الطوسي : ١٢٩ ـ ١٣٠؛ معجم الأدباء .. إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ٥/٢٢٥٢ ـ ٢٢٥٣ ؛ فوات الوفيات ٣/٢٢٥ ـ ٢٢٦ ؛ مرويّات أبي مخنف في تاريخ الطبري .. عصر الخلافة الراشدة دراسة نقدية : ٢٥ ـ ٨٧.

٢٢٨

المعاصر جيس روبنسون(١)Chase Robinson ، إذن فعملية التحليل تتناول كلّ رواية من روايات مقتل الإمام عليه‌السلام على وفق هذهِ المنهجية لكي تنقى هذهِ الرواية أو هذهِ الوثيقة لتبيان مدى موضوعيّتها أو مدى مصداقيّتها ، وإنّ محصّلة هذا التحليل والتفكيك ستُستثمر بعدئذ في المساعدة على كتابة تاريخية غير معهودة في مؤلّفاتنا التاريخية وفي كتبنا المنهجية.

ولكي تتمُّ متابعة تاريخية لمسيرة نهضة الإمام الحُسين عليه‌السلام بدءاً بأحداث المدينة قُبيل وفاة معاوية بن أبي سفيان (٢٠ق. هـ. ـ ٦٠هـ/٦٠٣ـ٦٨٠م) ومروراً بموقف والي المدينة المنوّرة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (ت٦٤هـ / ٦٨٤م) ومروان بن الحكم (٢ـ٦٥هـ/٦٢٣ـ٦٨٥م) واضطرار الإمام الحُسين وآل بيتهِ الأطهار عندما هدّده الوالي ومروان بضرورة البيعة ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان (٢٥ـ٦٤هـ/٦٤٥ـ٦٨٣م) على ترك المدينة متوجّهاً إلى مكّة المكرّمة ، ومن بعد رحلتهِ عليه‌السلام باتّجاه العراق ـ الكوفة ـ كانت المعركة غير المتكافئة بين جيش بني أميّة المؤلّف في أغلبهِ من أهل الكوفة الذي كان كثير منهم ممّن كتب الكتب للإمام ليقودهم ضدّ آل أميّة متعهّدين النُصرة والتأييد ، إلاّ أنّ

__________________

(١) Robinson, Chase F. Empire and Elites after the Muslim, Conquest: The Transformation of Northern Mesopotamia, (Cambridge Studies in Islamic Civilization) Cambridge: Cambridge University Press ٢٠٠٦.

وقد اهتمّ المستشرقون بدراسة شخصية الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلاموسيرتهِ وثورتهِ اهتماماً ملحوظاً. وللمزيد من التفاصيل حول دراسات المستشرقين حول هذا الموضوع ، يُنظر : التشيّع والاستشراق : ٣٧٩ ـ ٤٠١.

٢٢٩

البيضاء والصفراء قد أعمت قلوبهم فجعلتهم متخاذلين خائرين موجِّهين سِهَامهم وسيوفهم نحو صدر الحُسين وصدور آل بيتهِ ومن بقي من أنصارهِ. وليس هنالك من مبرِّر لتبرئة الموقف الخائر والمُستَنكر الذي وقفه أهل الكوفة عدا أولئك الذين كان وجهاء الكوفة يخشونهم من الذين قبض عليهم عُبيد الله بن زياد (ت٦٧هـ/٦٨٦م) وأودعهم السجن. وللمسعودي رأىٌ قاطع إزاء من يحاول تبرئة هؤلاء القتلة ، قتلة آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أنّهم شأنهم شأن عوّانة بن الحكم(١) (ت١٤٧هـ/٧٦٤م) إذ أراد من رواياتهِ المُزيّفة تبرئة يزيد بن معاوية من دماء آل بيت النبوّة. فيقول : «وكان جميع من حضر مقتل الحُسين من العساكر وحاربه وتولّى قتله من أهل الكوفة خاصّة ؛ لم يحضرهم شامي»(٢).

ملاحظاتٌ منهجية :

هناك ثمّة العديد من الملاحظات التوضيحية والتكميلية حول المنهجية المُعتمدة في بحوث الأساتذة الأفاضل والباحثين الذين تناولوا موضوع نهضة

__________________

(١) هو : أبو الحكم عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض الكلبي ، مؤرّخ ، من أهل الكوفة. ضرير. كان عالماً بالأنساب والشعر ، فصيحاً. واتّهم بوضع الأخبار لبني أميّة. قال ياقوت الحموي : (وعامّة أخبار المدائني عنه). له كتاب في : (التاريخ) و (سيرة معاوية). لمزيد من التفاصيل ، يُنظر : إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ٥/٢١٣٣ ـ ٢١٣٦ ؛ نَكت الهميان في نُكت العميان : ٢٢٢.

(٢) مروّج الذهب ومعادن الجوهر ٣/٦٢.

٢٣٠

الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، حيث سنحاول هنا أن نتناول أهمّها وأبرزها من خلال فقرات متتالية :

إنّ في مقدّمة مصادرنا الرئيسية في ذلك الحَدَث التاريخي هو كتاب أبي مخنف كما أورده هشام بن مُحمّد الكلبي(١) (نحو ١١٠ـ٢٠٤هـ/٧٢٨ـ٨١٩م) ، وهو الكتاب الذي اقتبس منه الكثير مُحمّد بن جرير الطبري (٢٢٤ ـ ٣١٠هـ / ٨٣٩ ـ ٩٢٣م) وذلك فيما يتعلّق بمقتل الإمام عليه‌السلام والذي جاء في تاريخهِ الرُسُل والملوك حيث إنّ جميع معلوماتهِ قد جاءت فيه عن مقتل الإمام الحُسين عليه‌السلام. وقد اعتمد على رواية الطبري الكثير من المؤرّخين سواء الذين كانوا معاصرين لأبي مخنف أو الذين جاءوا بعد الطبري ، كأبي الحسن علي ابن مُحمّد المدائني (١٣٥ ـ ٢٢٥هـ / ٧٥٢ ـ ٨٤٠م) ؛ أو مُحمّد بن سعد بن منيع الزهري (١٦٨ ـ٢٣٠هـ / ٧٨٤ ـ ٨٤٥م) ؛ وخليفة بن خيّاط العصفري (ت٢٤٠هـ / ٨٥٤م) ؛ وأحمد بن يحيى البلاذري (ت٢٧٩هـ / ٨٩٢م) ؛ وأبي حنيفة الدينوري (٢١٢ ـ ٢٨٢هـ / ٨٢٨ ـ ٨٩٥م) ؛ واليعقوبي (ت٢٩٢هـ / ٩٠٤م) ؛ وبعد الطبري ابن أعثم الكوفي (ت٣١٤هـ / ٩٢٦م) ؛ والمسعودي (٢٨٣ ـ ٣٤٦هـ /

__________________

(١) هو : أبو المنذر هشام بن مُحمّد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث بن عبد الحارث الكلبي ، ويُكنّى (ابن الكلبي) ، مؤرّخ وعالم أنساب وأخبار العرب وأيّامها ووقائعها ومثالبها ، كأبيه. كثير التصانيف. من أهل الكوفة ، ووفاته فيها. له نيف ومائة وخمسون كتاباً ، منها : (جمهرة الأنساب) ؛ (الأصنام) ؛ (نسب الخيل) ؛ (بيوتات قريش) ؛ (أسواق العرب) ؛ وغيرها. يُنظر : فهرست ابن النديم : ١٥٣ ـ ١٥٧ ؛ نزهة الألباء في طبقات الأدباء : ٨٤ ؛ تاريخ ابن خلدون المُسمّى : ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر :٢٩٠.

٢٣١

 ٨٩٦ ـ ٩٥٧م) ؛ وأبو الفرج الأصفهاني (٢٨٤ ـ ٣٥٦هـ / ٨٩٧ ـ ٩٦٧م).

هذا من غير الروايات التي أدلى بها الأصبغ بن نباته والتي يمكن أن نقول عنها بأنّها كانت أوّل رواية بصيغة كتاب عن مقتل الإمام عليه‌السلام ، وهو الكتاب الذي لم يعوّل فيه على مقتل أبي مخنف ، لأنّه كان متقدّماً عليه ، وكذلك كتاب ـ أو رواية ـ جابر بن يزيد الجعفي أيضاً (ت١٢٨هـ / ٧٤٦م) وهو العالم الشيعي الكبير من أتباع أو تلامذة الإمام مُحمّد بن جعفر الباقر عليهما‌السلام(٥٧ ـ ١١٤هـ / ٦٧٦ ـ ٧٣٢م)(١) ، والرواية أو الكتاب الذي كتبه معاوية بن عمّار الدُّهني(٢) (ت١٧٥هـ / ٧٩١م) من تلامذة الإمام الباقر عليه‌السلام ، أو نصر بن مُزاحم(٣) (ت٢١٢هـ / ٨٢٧م) مؤلِّف كتاب مقتل الإمام الحُسين فعلى الرغم

__________________

(١) هو : جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي ، أبو عبد الله : تابعي ، من فقهاء الشيعة ، من أهل الكوفة. أثنى عليه بعض رجال الحديث ، واتّهمه آخرون بالقول بالرجعة. وكان واسع الرواية غزير العلم بالدين. مات بالكوفة. يُنظر عنه : رجال الكشِّي : ١٦٩ ـ ١٧٤ ؛ ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٢/١٠٣ ـ ١٠٧ ؛ تهذيب التهذيب ٢/٤٦ ـ ٥١.

(٢) هو : معاوية بن عمّار بن أبي معاوية خبّاب بن عبد الله الدُّهني ، مولاهم ، كوفي ـ ودُهن من بجيلة ـ وكان وجهاً في أصحاب الأئمّة الأطهار ، ومُقدّماً ، كبير الشأن ، عظيم المحلّ ، ثقة. وكان أبوه عمّار ثقةً في العامّة ، وجهاً يُكنّى أبا معاوية وأبا القاسم وأبا حُكيم ، وكان له من الولد القاسم وحُكيم ومُحمّد. روى معاوية عن أبي عبد الله جعفر الصادق وأبي الحسن موسى الكاظم عليهما‌السلام. يُنظر عنه : رجال النجاشي : ٤١١ ؛ رجال الكشِّي : ٢٥٨.

(٣) هو : أبو الفضل نصر بن مزاحم بن سيّار المنقري التميمي الكوفي ، مؤرّخ ، من غلاة الشيعة. كان عطّاراً بالكوفة ، وولاّه أبو السرايا سوقها ، ثمّ سكن بغداد. قال ابن أبي الحديد (٦٥٦هـ/١٢٥٨م) : (وهو ثبت ، صحيح النقل ، غير منسوب إلى هوى). من كتبهِ :

٢٣٢

من أهمّيتهِ البالغة في حفظ كتاب أبي مخنف الأصلي ، واعتماد أبي الفرج الأصفهاني (٢٨٤ ـ ٣٥٦هـ / ٨٩٧ ـ ٩٦٧م) في كتابهِ مقاتل الطالبيّين عليه ، إلاّ أنّه قد فُقد مع الأسف. فجميع هؤلاء المؤرّخين الروّاد الذين جاؤوا بعد الجيل الأوّل من مؤرّخي الطّف بعد معاوية بن عمّار الدُّهني كانوا بشكل أو بآخر قد اتّخذوا أبا مخنف مصدراً عن نهضة الإمام الحُسين عليه‌السلام.

ويجدر التنويه هنا إلى قصّة وصول كتاب أبي مخنف إلى الطبري ؛ فقد كان هشام بن السائب الكلبي(١) تلميذاً لأبي مخنف وقد توفِّي بعد شيخهِ بحوالي ثمان وأربعين سنة ، حيث توفِّي سنة (٢٠٤هـ / ٨٣٠م). ويُذكر أنّ هشاماً هو الآخر قد صنّف كتاباً عن مقتل الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، إلاّ أنّنا نجهل إن كان موجوداً لدى الطبري أم لا ، على الرغم من

__________________

(الغارات) ؛ (الجمل) ؛ (مقتل الحُسين) ؛ (أخبار المختار الثقفي) ؛ (المناقب) ؛ (وقعة صفِّين) ؛ (أخبار مُحمّد بن إبراهيم وأبي السرايا) ؛ (النهروان). يُنظر : تاريخ بغداد أو (تاريخ مدينة السلام) ١٥/ ٣٨٢ ـ ٣٨٣ ؛ إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ٦/٢٧٥٠ ؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١/٣٤٩.

(١) هو : أبو المنذر هشام بن مُحمّد أبي النضر بن السائب بن بشر الكلبي. مؤرّخ ، عالم بالأنساب وأخبار العرب وأيّامها ، كأبيه. كثير التصانيف. من أهل الكوفة ، ووفاته فيها. له نيف ومائة وخمسون كتاباً ، منها : (جمهرة الأنساب) ؛ (الأصنام) ؛ (نسب الخيل) ؛ (بيوتات قريش) ؛ (الكنى) ؛ (المثالب) ؛ (افتراق العرب) ؛ (الموؤودات) ؛ (ما كانت الجاهلية تفعله ويوافق حكم الإسلام) ؛ (تسمية من بالحجاز من أحياء العرب) ؛ (أخبار بكر وتغلب) ؛ (أسواق العرب). يُنظر : فهرست ابن النديم : ١٥٣ ـ ١٥٧ ؛ إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ٦/٢٧٧٩ ـ ٢٧٨١ ؛ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ٦/٨٢ ـ ٨٤ ؛ مرآة الجنان وعِبرَة اليقظان ٢/٢٣ ؛ لسان الميزان ٨/٣٣٨ ـ ٣٣٩.

٢٣٣

أنّه في مرّات عدّة يذكر سنده عن هشام من دون ذكر أبي مخنف!!(١). ويمكن لنا أن نخرج بنتيجة مهمّة جدّاً ، وهي أنّ الكتاب الأصلي والكامل لأبي مخنف قد تمّ إتلافه وضياعه سواء من قبل هشام الكلبي أو الطبري أم غيرهما ، وذلك لِمَا ضمّ هذا المُصنّف من معلومات وشهادات وروايات من شأنها أن تُطيح بصروح بني أميّة وبني العبّاس على السواء ، وسياستهم التضليلية لفكر وعقائد عامّة المسلمين ، إنّ هؤلاء الحُكّام الذين لم يكونوا توّاقين لنشر وإشاعة حقيقة مقتل الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام في واقعة الطّف بكربلاء.

لقد أدرك المؤرّخون القيمة الحقيقية لروايات أبي مخنف ، كونها كانت تمثّل مادّة بكراً لم تمتزج بها الأهواء ، ولم تلوّثها السياسة ، خاصّةً وأنّ الفترة التي أرّخها كانت فترة أحداث سياسية صاخبة ، كثرت فيها التيّارات والإنقلابات والثورات ، ويُستشفّ ذلك من خلال عناوين الكتب التي ألّفها أبو مخنف ، وهذا ما جعل المستشرق الألماني الكبير يوليوس فلهاوزن Julius Wellhausen (١٨٤٤-١٩١٨) يقول : «إنّ الروايات القديمة المتعلِّقة بعصر بني أميّة توجد حتّى اليوم على أوثق ما تكون عليهِ عند الطبري ، لأنّها لم تختلط ولم تتناولها يد التوفيق والتنسيق ، والطبري حفظ لنا خصوصاً قطعاً كبيرة جدّاً من روايات أبي مخنف الراوية المُحقِّق ، فحفظ لنا بذلك أقدم

__________________

(١) يُنظر على سبيل المثال : تاريخ الرُسُل والملوك ٥/٤٠١ ، ٤٠٩ ، ٤٤٩ ، ٤٥٥ ، وغيرها.

٢٣٤

وأحسن ما كتبه ناثر عربي نعرفه»(١).

وقد كان للمصداقية التي تعامل بها أبو مخنف مع الرواية في النقل ، أثرها الواضح عند المؤرّخين الذين جاؤوا بعده ، وهذا ما جعل معظم المؤرّخين يعتمدون على رواياتهِ بشكل مُطلق ، حيث نرى الطبري وقد اعتمد عليهِ بشكل شبه كامل فيما يتعلّق بموضوع دراستنا ، فكان ما نقله عنه فيما يتعلّق بواقعة الطفّ كأنّه مقتل مُصغّر للذي ألّفه أبو مخنف ، كما كان لأسلوب أبي مخنف المميّز في الطرح والابتعاد عن التعصّب الأعمى الذي اعتاد عليه المؤرّخون أكبر الأثر على تهافت المؤرّخين على الأخذ برواياتهِ. يقول فلهاوزن : «وأهمّ ما صنع من حيث تقدير قيمة الروايات ، هو أنّه جمع طائفةً كبيرة من روايات متنوّعة ومن أخبار الشيء الواحد مختلفةً في مصادرها ، بحيث يستطيع الإنسان أن يوازن بينها ويعرف الصحيح المؤكّد منها من غيرهِ. وأبو مخنف قد توصّل بذلك إلى أن صارت الأشياء الثانوية تتوارى ، لأنّها لا تظهر إلاّ مرّةً واحدة ، كما صارت الأشياء الأساسية لا تزال تزداد بروزاً ، لأنّها تتكرّر في جميع الروايات»(٢). ويتّضح من كلام فلهاوزن أنّ أبا مخنف لم يكن مؤرّخاً كبيراً فحسب ، بل كان أديباً كبيراً كذلك ، فالأشياء الأساسية التي تزداد بروزاً هي الثيمة Theme كما تُسمّى في المصطلح الأدبي ، التي تدور عليها أحداث الروايات المختلفة ذات المضمون الواحد ، ولو تسنّى لأحدِ

__________________

(١) تاريخ الدولة العربية .. من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية ، ص (د).

(٢) المرجع نفسه ، ص (ش).

٢٣٥

النقّاد أن يتناول روايات أبي مخنف على نمط التحليل السردي Narrative Analysisفسوف يظهر جانب علمي آخر عند أبي مخنف وهو الأدب ، حيث لم يسبقه أحد من المؤرّخين في تناول الرواية بهذا الشكل الأدبي الرفيع.

أو أنّ هذا الكتاب قد وصل إلى الطبري فعلاً عن طريق هشام الذي بذل جهده في إعادة صياغتهِ معدّلاً معلوماته ومشوّهاً أخباره خدمةً لأهدافهِ التي تتلخّص بخدمة مصلحة الدولة العبّاسية وحُكَّامها. الأمر الذي ساهم وبصورة واضحة إلى زجِّ روايات أمويّة وزبيريّة لروايةِ أبي مخنف ، نظير رواية عوانة بن الحكم وجويرية بن أسماء(١) ووهب بن جرير(٢).

وعلاوةً على مقتل الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام الذي

__________________

(١) هو : أبو مخارق جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري ، المُحدِّث. حدَّث عن : نافع العمري ، وابن شهاب الزهري ، وعن رفيقهِ مالك بن أنس. توفِّي سنة ثلاث وسبعين ومائة. يُنظر : كتاب الطبقات الكبير ٩/٢٨١ ؛ كتاب الطبقات : ٢٢٣ ؛ سِيَر أعلام النبلاء ٧/٣١٧ ـ ٣١٨.

(٢) هو : أبو العبّاس وهب بن جرير بن زيد بن عبد الله بن شجاع الأزدي البصري. ولد بعد الثلاثين ومائة. روى عن والده فأكثر ، وعن ابن عون ، وهشام بن حسّان ، وقُرَّة بن خالد ، وعكرمة بن عمّار ، وشُعبة ، وغالب بن سليمان ، والأسود بن شيبان ، ولاَّم بن أبي مطيع ، وهشام الدَّستوائي ، وموسى بن علي بن رباح ، وصخر بن جويرية ، وعدَّة. أمر أحمد بن حنبل بالكتابةِ عنه ، وأكَثَر عنه في مسندهِ. قال النَّسائىُّ عنه : (ليس بهِ بأس). توفِّي بالمنجشانيَّة على ستّة أميال من المدينة المنوّرة منصرفاً من الحج ، فحُمل حتَّى دُفن بالبصرة. قال ابن سعد : (مات وهبٌ سنة ستِّ ومائتين). يُنظر : كتاب الطبقات الكبير ٩/٢٩٩ ؛ الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستَّة ٢/٣٥٦ ؛ شذرات الذهب في أخبار من ذَهَب ٣/٣٣.

٢٣٦

وضعه أبو مخنف ، فإنَّ هناك مقاتل أخرى كتبها مؤرّخو أهل السُنَّةِ ، أمثال : مُحمَّد بن سعد البصري والبلاذري والدينوري وابن أعثم الكوفي (ت٣١٤هـ/٩٢٧م)(١).

والمُلاحظ أنّ هشاماً لعلَّه قد أضاع كتاب شيخه أو أعدمه ، لأنَّ المعروف عن أبي مخنف ميله وميل معلوماتهِ إلى جانب العلويّين ، وهو أمر لا يتوافق مع رغبات مسؤوليه من العباسيّين. كذلك ورد عند ابن النديم أنّ مُحمَّد بن عمر الواقدي (١٣٠ ـ ٢٠٧هـ / ٧٤٧ ـ ٨٢٣م) قد ألَّف كتاباً في مقتل الإمام الحُسين عليه‌السلام لا نعرف عنه شيئاً(٢). إلاَّ أنّ تلميذه مُحمَّد بن سعد له كتاب مثل هذا ولعلَّه كان كتاب شيخه نفسه. ولأبي عبيدة مُعمَّر بن المثنّى(٣) (١١٠ ـ

__________________

(١) حول الكتب التي وضعت في واقعة الطَّف بمدينة كربلاء ، ومقتل الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام عام (٦١هـ/٦٨١م) ، يُنظر : الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٢٢/٢١ ـ ٣٢.

(٢) يُنظر : فهرست ابن النديم : ١٥٨.

(٣) هو : أبو عبيدة مُعمَّر بن المثنّى التيمي بالولاء ، البصري ، النحوي. من أئمّة العلم بالأدب واللغة. مولده ووفاته في البصرة. استقدمه هارون الرشيد إلى بغداد سنة (١٨٨هـ/٨٠٤م) ، وقرأ عليه أشياء من كتبهِ. قال الجاحظ : (لم يكن في الأرض أعلم بجميع العلوم منه). وكان إباضيّاً ، شعوبيّاً ، من حفَّاظ الحديث. قال ابن قتيبة : (كان يبغض العرب وصنَّف في مثالبهم كتباً). ولمّا مات لم يحضر جنازته أحد ، لشدّة نقدهِ معاصريه. وكان مع سِعَة علمهِ ربّما أنشد البيت فلم يُقم وزنه ، ويُخطئ إذا قرأ القرآن له نحو (٢٠٠) مؤلَّف ، منها : (نقائض جرير والفرزدق) ؛ (مجاز القرآن) ؛ (العَققة والبررة) ؛ (مآثر العرب) ؛ (المثالب) ؛ (فتوح أرمينية) ؛ (ما تلحن فيه العامّة) ؛ (أيّام العرب) ؛ (طبقات الشعراء) ؛ (المحاضرات والمحاورات) ؛ (الخيل) ؛ (إعراب القرآن) ؛ (مقاتل الأشراف) ؛ (القبائل). يُنظر : مراتب

٢٣٧

٢٠٩هـ / ٧٢٨ ـ ٨٢٤م) كتاباً بعنوان : مقاتل الأشراف ، تناول فيه مقتل الإمام الحُسين عليه‌السلام ، كانت نسخة منه موجودة في منتصف القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي.

وبالنسبة إلى كتاب أبي مخنف فإنَّه قد تعرّض للبحث والدراسة من قبل كثير من المستشرقين ، حيث دُرس أوّلاً في عام (١٨٨٣م) ، من قبل المستشرق الألماني البروفيسور فرديناند فيستنفيلد(١) Heinrich Ferdinand

__________________

النحويّين : ٤٤ ـ ٤٦ ؛ طبقات النحويّين واللغويّين : ١٧٥ ـ ١٧٨ ؛ إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ٦/٢٧٠٤ ـ ٢٧٠٩ ؛ وفيات الأعيان ٥/٢٣٥ ـ ٢٤٣ ؛ ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٦/٤٨٣.

(١) مستشرق ألماني كبير. ولد في (٣١/يوليو/١٨٠٨م) في موندن Munden بمقاطعة هانوفر Hannover. تعلَّم في مدارس بلدهِ حتَّى سنِّ السابعة عشرة ، ثمَّ دخل المدرسة الثانوية في هانوفر. وفي عام (١٨٢٧م) دخل فيستنفيلد جامعة غوتنغن Georg-August-Universita in Gottingen وحضر دروس إيفالد ، العالم الشهير باللغات السامية ، خصوصاً العبرية والسريانية ، فتابع دروسه عن العهد القديم The Old Testament من الكتاب المقدّس ، ودروسه في اللغات العربية ، والفارسية ، والسريانية والسنسكريتية. وتخصّص فيستنفيلد في اللغات الشرقية. ولإتقانها سافر إلى برلين سنة ، (١٨٢٩م) وحضر محاضرات أستاذين شهيرين هما : فريدريش فلكن Friedrich Wilken(١٨٤٠-١٧٧٧)وفرانز بوب FranzBopp (١٨٦٧-١٧٩١)وفي العام التالي (١٨٣٠م) ، عاد إلى غوتنغن ، فحصل منها على الدكتوراه الأولى في (١٨/فبراير/١٨٣١م) ، وعُيِّن مدرساً مساعداً Privatdozentفألقى دروساً عن العهد القديم وفي اللغات السامية ، واللغة العربية على وجه التخصيص. وصار أميناً لمكتبة جامعة غوتنغن (١٨٣٨م). وعُيِّن أستاذاً مساعداً في كلِّية الآداب بجامعة غوتنغن في (١٨٤٢م) ، ثمَّ رقِّي أستاذاً ذا كرسي في (١٨٥٣م). أمَّا

٢٣٨

 (١٨٠٨-١٨٩٩) Fuestenfeld ، بدراسته المعنونة : (موت الحُسين بن علي والثأر .. رواية تاريخية من العربية)(١). ترجم خلالها مقاطع كثيرة من كتاب أبي مخنف. كذلك دَرَست المستشرقة الألمانية أرسولا سزكين Ursula Sezginكتاب أبي مخنف دراسةً عميقة(٢) ، ووجدت أنَّه ليس النسخة الحقيقية التي سلَّمها أبو مخنف إلى تلميذهِ هشام. حيث شكَّكت هذهِ الدراسة بالنسخة التي اعتمدها الطبري عن هشام الكلبي(٣). وهناك في الحقيقة أربعة

__________________

أعماله العلمية فوفيرة جدّاً ، ولا نظير له في هذه الخصوبة من المستشرقين الألمان غير جوستاف فلوجل Gustav Leberecht Fluegel (١٨٧٠-١٨٠٢)يُنظر : المستشرقون الألمان : ٨ ؛ موسوعة المستشرقين : ٣٩٩ ـ ٤٠٢ ؛ المستشرقون ص٣٦٧ـ٣٦٩ ؛ Histoire des orientalistes de l\'Europe pp.٢٧٣-٢٨٧ ..

(١)

Wustenfeld, Ferdinand, Der Tod des Husein ben `Ali und die Rache .. Ein historischer Roman aus dem Arabischen, in: Abhandlungen der Koniglichen Gesellschaft der Wissenschaften zu Gottingen, Histrorisch-Philologische Classe ٣٠(١٨٨٣), Pp. ١٤٩-٢١٣.

(٢)

Sezgin, Ursula Abu Mikhnaf: ein Beitrag zur Historiographie der umaiyadischen Zeit Leiden: Brill, ١٩٧١.

(٣)

R. B. Serjeant, Ursula Sezgin: Abu Mihnaf: ein Beitrazur Historiographie der umaiyadischen Zeit (xi, ٢٥١ pp. Leiden: E. J. Brill, ١٩٧١. Guilders ٦٨). Bulletin of the School of Oriental and African Studies vol.٣٨ Issue٠١-February ١٩٧٥ Pp.١٤٤-١٤٥. (preview).

٢٣٩

مخطوطات من كتاب مقتل الحُسين لأبي مخنف موزّعة على أربعة مكتبات في ألمانيا تنتظر التحقيق للتأكّد من صحّتها ومطابقتها للمعلومات التي اقتبسها الطبري ، كما أشار إلى ذلك المستشرق البريطاني البروفيسور إيان هوارد Ian Keith Anderson Howard (١٩٣٩-٢٠١٣)في دراستهِ القيِّمة عن مقتل الإمام الحُسين عليه‌السلام(١).

 روايات أبي مخنف في الأدبيات التاريخية .. الطبري أنموذجاً

كان أبو مخنف في زمانهِ شيخ المؤرِّخين في الكوفة ، وكان من أشدِّ المؤرِّخين اهتماماً بجمع وتدوين أخبار كربلاء وواقعة الطفِّ على وجه الخصوص ، وقد حاول أن يُحيط بأدقِّ التفاصيل المُرتبطة بهذهِ الواقعة ، فشملت أخباره أحداث ووقائع يوم عاشوراء ، وما سبقه من إرهاصات وتمهيدات ، وما تلاه من أحداث ووقائع السبي. وقد روى مُحمَّد باقر القائني : «أنَّه أُعطي قباءه وهو برد يماني نفيس ـ ثمناً لكتابةِ أبيات من الشعر منسوبةً لسيّد الشهداء عليه السلام»(٢). وهذهِ الرواية ـ إن صحَّت ـ تكشف

__________________

(١)

Howard, I. K. A., Events and Circunstances Surrounding the Martyrdom of Al-Husain Ibn Ali, London: CreateSpace Independent Publishing Platform, ٢٠١٤, p.٤.

(٢) الكبريت الأحمر في شرائط المنبر ١/٤٣.

٢٤٠