موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٦

الصامت بثلاث وسائط (١) ، وبطريق آخر عنه بواسطتين (٢) وخبر العقبة الثانية عن كعب بن مالك الخزرجي بواسطة ابنه معبد عن أخيه عبد الله عن أبيه كعب (٣) وخبر أسر سعد بن عبادة عن عبد الله بن أبي بكر عنه (٤).

ويوهم قوله : كانت البيعة الاولى على بيعة النساء ، وذلك أن الله لم يكن قد أذن لرسوله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ في الحرب ، فلمّا أذن الله له فيها وبايعهم رسول الله (٥) وقوله : وكان رسول الله قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء ... فلمّا عتت قريش على الله عزوجل ... أذن الله عزوجل لرسوله في القتل والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم ... بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء : أن أوّل آية انزلت في اذنه له في الحرب وإحلاله له الدماء والقتال لمن بغى عليهم قول الله تبارك وتعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(٦) ... فلمّا أذن الله تعالى له في الحرب وبايعه هذا الحيّ من الأنصار (٧) يوهم قوله هذا : أن الاذن له بالحرب صدر بهذه الآية قبل بيعة الحرب في العقبة الثانية قبل الهجرة ، ولذلك بايعهم النبيّ بيعة الحرب.

ويردّه ما رواه ابن اسحاق عن معبد بن كعب عن اخيه عبد الله بن كعب عن أبيه كعب بن مالك : أن العبّاس بن عبادة بن نضلة قال له : إن شئت لنميلنّ

__________________

(١) م. ن ٢ : ٧٥.

(٢) م. ن ٢ : ٧٦.

(٣) م. ن ٢ : ٨١.

(٤) ابن اسحاق ٢ : ٩٢.

(٥) م. ن ٢ : ٩٧.

(٦) الحج : ٣٩.

(٧) ابن اسحاق في السيرة ٢ : ١١٠ ـ ١١١.

٦٤١

على أهل منى غدا بأسيافنا؟! فقال رسول الله : لم نؤمر بذلك ، ولكن ارجعوا الى رحالكم (١).

والآية من سورة الحج ، وهي بعد المائة في ترتيب النزول ، أي النازلة بعد عشرين سورة نزلت بعد الهجرة ، تقريبا ، ممّا لا يناسب معه نزولها حتّى قبل وقعة بدر في منتصف السنة الثانية للهجرة ، بل يناسب نزولها بعد ذلك تحكي علة الاذن في ذلك ، فضلا عن أن تكون قد نزلت قبل بيعة الحرب في العقبة الثانية قبل الهجرة ، ممّا يوهمه ظاهر مقال ابن اسحاق ، ولكن الحديث اختلط بعضه ببعض في غير وضوح. نعم كان يفهم من بيعة الحرب أن ذلك سيكون ، وكانت لابن اسحاق رواية عن عروة ابن الزبير وغيره عن أوّل آية انزلت في الاذن في الحرب والقتال ، فانتقل الى نقل الرواية جملة معترضة ، لقد خلط ابن شهر آشوب ، وزاد في تخليطه أنّه عدّ جابراً من النقباء في بيعتي العقبة ، خالطاً بينه وبين جابر بن عبدالله بن رئاب ، والاصل في خلطه ابن مندة كما في اُسد الغابة (٢).

انتشار الاسلام في المدينة :

مرّ في تعبير القمي في تفسيره : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث الى المدينة مع الاثني عشر نقيبا في بيعة العقبة الاولى : مصعب بن عمير بن هاشم يصلّي بهم. فكان يصلّي بهم ويقرئهم القرآن حتّى سمّي بينهم بالمقرئ ، وحتّى لم تبق دار في المدينة الا وفيها رجال ونساء مسلمون.

ومرّ في تعبير ابن شهرآشوب في «المناقب» : ثمّ أنفذ النبيّ عليه‌السلام معهم

__________________

(١) م. ن ٢ : ٩٠.

(٢) كما في قاموس الرجال ٢ : ٥٢٣.

٦٤٢

(ابن عمه) مصعب بن عمير بن هاشم ، فنزل دار أسعد بن زرارة ، فاجتمعوا عليه وأسلم اكثرهم. أمّا لما ذا نزل دار أسعد بن زرارة؟

فقد مرّ في أخبار حصار قريش لبني هاشم في شعب أبي طالب رضى الله عنه عن الطبرسي في «إعلام الورى» عن علي بن ابراهيم القمي قال : كان بين الأوس والخزرج حرب قد بغوا فيها دهورا طويلة ، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار ، وكان آخر حرب بينهم «يوم بعاث» وكانت للأوس على الخزرج.

وكان عبد الله بن ابيّ بن سلول شريفا في الخزرج ، ولكنه لم يدخل مع قومه الخزرج في حرب بعاث ولم يعنهم على الأوس وقال : هذا ظلم منكم للأوس ولا اعين على الظلم. فرضيت به الأوس والخزرج واجتمعوا على أن يملّكوه عليهم لشرفه وسخائه ، وحتّى أنهم اتخذوا له اكليلا احتاجوا في تمامه الى واسطة كانوا يطلبونها ...

وكان أسعد بن زرارة (الخزرجي من بني النجار أخوال الرسول) صديقا لعتبة بن ربيعة المخزومي ، فخرج هو وذكوان الى مكّة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس ، فلمّا نزل على عتبة قال له : انّه كان بيننا وبين قومنا حرب ، وقد جئناكم نطلب الحلف عليهم.

فقال عتبة : بعدت دارنا عن داركم ، ولنا شغل لا نتفرغ معه لشيء! قال أسعد : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟

قال له عتبة : خرج فينا رجل يدّعي أنّه رسول الله ، سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبابنا وفرّق جماعتنا.

فقال له أسعد : من هو منكم؟ قال : ابن عبد الله بن عبد المطلب ، من أوسطنا شرفا وأعظمنا بيتا.

__________________

(١) صفحة : ٦٢٥ فما بعدها.

٦٤٣

وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الّذين كانوا بينهم : النضير وقريظة وقينقاع : أنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة يكون مهاجره الى المدينة ، لنقتلنّكم به يا معشر العرب! فلمّا سمع ذلك الكلام من عتبة وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود فقال : أين هو؟ قال : جالس في الحجر ، وإنهم لا يخرجون من شعبهم الّا في الموسم ، فلا تسمع منه ولا تكلمه فانه ساحر يسحرك بكلامه.

فقال له أسعد : فكيف أصنع وأنا معتمر لا بدّ لي أن أطوف بالبيت؟

فقال : ضع في اذنيك القطن.

فدخل أسعد المسجد وقد حشا اذنيه من القطن. فطاف بالبيت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم ، فنظر إليه نظرة فجازه ، فلمّا كان في الشوط الثاني قال في نفسه : ما أجد أجهل منّي! أيكون مثل هذا الحديث بمكّة فلا نعرفه حتّى أرجع الى قومي فاخبرهم؟! ثمّ أخرج القطن من اذنيه ورمى به وقال لرسول الله : أنعم صباحا! فرفع رسول الله رأسه إليه وقال : قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا ، تحية أهل الجنة : السلام عليكم. فقال له أسعد : ان عهدك بهذا لقريب. الى ما تدعو يا محمّد؟ قال : الى شهادة أن لا آله الّا الله وأنّي رسول الله ، وأدعوكم الى : (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(١).

__________________

(١) الأنعام : ١٥١ ، ١٥٢.

٦٤٤

فلمّا سمع أسعد هذا قال : أشهد أن لا آله الّا الله وحده لا شريك له ، وأنك رسول الله. يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أنا من أهل يثرب من الخزرج وبيننا وبين اخواننا من الأوس حبال مقطوعة ، فان وصلها الله بك فلا أجد أعزّ منك ، ومعي رجل من قومي فان دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمم الله لنا أمرنا فيك. والله يا رسول الله لقد كنا نسمع من اليهود خبرك ، وكانوا يبشروننا بمخرجك ، ويخبروننا بصفتك ، وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك وعندنا مقامك ، فقد أعلمنا اليهود ذلك ، فالحمد لله الّذي ساقني إليك. والله ما جئت الّا لنطلب الحلف على قومنا ، وقد آتانا الله بأفضل ممّا أتيت له.

ثمّ أقبل ذكوان. فقال له أسعد : هذا رسول الله الّذي كانت اليهود تبشّرنا به وتخبرنا بصفته ، فهلمّ وأسلم. فأسلم ذكوان.

ثمّ قالا : يا رسول الله ، ابعث معنا رجلا يعلمنا القرآن ويدعو الناس الى أمرك. وكان مصعب بن عمير بن هاشم فتى حدثا مترفا بين أبويه يكرمانه ويفضلانه على أولادهم ، فلمّا أسلم جفاه أبواه ، ولم يخرج من مكّة فكان مع رسول الله في الشعب حتّى تغيّر وأصابه الجهد ، وقد كان تعلم من القرآن كثيرا. فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخروج مع أسعد فخرج هو مع أسعد الى المدينة ، فكان نازلا على أسعد بن زرارة ، يخرج معه في كلّ يوم يطوف على مجالس الخزرج يدعوهم الى الاسلام فيجيبه من كلّ بطن الرجل والرجلان من الأحداث.

فقال أسعد لمصعب : انّ خالي سعد بن معاذ من رؤساء الأوس ، وهو رجل عاقل شريف مطاع في بني عمرو بن عوف ، فان دخل في هذا الأمر تم لنا أمرنا ، فهلمّ نأتي محلتهم.

فجاء مصعب مع أسعد الى محلّة سعد بن معاذ. فبلغ ذلك سعد بن معاذ فقال لاسيد بن حضير وكان من أشرافهم : بلغني إن أبا أمامة أسعد بن زرارة قد جاء الى محلتنا مع هذا القرشيّ يفسد شبابنا ، فاته وانهه عن ذلك.

٦٤٥

فجاء اسيد بن حضير فنظر إليه أسعد فقال لمصعب بن عمير : ان هذا الرجل شريف ، فان دخل في هذا الأمر رجوت أن يتم أمرنا فاصدق الله فيه.

فلمّا قرب اسيد منهم قال : يا أبا أمامة ، يقول لك خالك : لا تأتنا في نادينا ولا تفسد شبابنا واحذر الأوس على نفسك!

فقال مصعب : أو تجلس فنعرض عليك أمرا فان أحببته دخلت فيه وإن كرهته نحّينا عنك ما تكرهه. فجلس ، فقرأ عليه سورة من القرآن. فقال : كيف تصنعون اذا دخلتم في هذا الأمر؟ قال : نغتسل ونلبس ثوبين طاهرين ونشهد الشهادتين ونصلّي ركعتين.

فرمى بنفسه مع ثيابه في البئر ثمّ خرج وعصر ثوبه ثمّ قال : اعرض عليّ. فعرض عليه : شهادة أن لا آله الّا الله وأنّ محمّدا رسول الله. فقالها ، ثمّ صلّى ركعتين ، ثمّ قال لأسعد : يا أبا أمامة ، أنا أبعث إليك الآن خالك واحتال عليه في أن يجيئك!

فرجع اسيد الى سعد بن معاذ ، فلمّا نظر إليه سعد قال : اقسم أن اسيدا قد رجع إلينا بغير الوجه الّذي ذهب به من عندنا! (١).

فلمّا وقف على النادي قال له سعد : ما فعلت؟ قال : كلّمت الرجلين فو الله ما رأيت بهما بأسا ، وقد نهيتهما فقالا : نفعل ما أحببت ، وقد حدّثت أن بني حارثة قد خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه! ـ وذلك أنهم قد عرفوا أنّه ابن خالتك ـ ليخفروك!

فقام سعد مغضبا مبادرا تخوّفا للذي ذكر له من بني حارثة ، فأخذ الحربة من يد اسيد ثمّ قال : والله ما أراك أغنيت شيئا! ثمّ خرج إليهما.

__________________

(١) إعلام الورى : ٥٥ ـ ٥٨ وليس في تفسير القمي.

٦٤٦

فلمّا رآه أسعد قال لمصعب : أي مصعب ، جاءك ـ والله ـ سيّد من وراءه من قومه ان يتّبعك لا يتخلّف عنك منهم اثنان!

ولمّا رآهما سعد مطمئنّين عرف أن اسيدا إنمّا أراد منه أن يسمع منهما ، فوقف عليهما متشمّتا وقال لأسعد : يا أبا أمامة ، أمّا والله لو لا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا منّي! أتغشانا في ديارنا بما نكره؟!

فقال له مصعب : أو تقعد فتسمع ، فان رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته ، وان كرهت عزلنا عنك ما تكره؟

قال سعد : أنصفت. ثمّ ركز الحربة وجلس ، فعرض عليه الاسلام وقرأ عليه من القرآن (١)(حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٢) فلمّا سمعها بعث الى منزله فاتي بثوبين طاهرين فاغتسل وشهد الشهادتين وصلّى ركعتين ، ثمّ قام وأخذ بيد مصعب وحوّله إليه وقال : أظهر أمرك ولا تهابنّ أحدا.

ثمّ جاء فوقف في بني عمرو بن عوف وصاح : يا بني عمرو بن عوف ، لا يبقينّ رجل ولا امرأة ولا بكر ولا ذات بعل ولا شيخ ولا صبيّ الّا أن يخرج ، فليس هذا يوم ستر ولا حجاب.

فلمّا اجتمعوا قال : كيف حالي عندكم؟ قالوا : أنت سيدنا والمطاع فينا ولا نردّ لك أمرا فمرنا بما شئت.

فقال : كلام رجالكم ونسائكم وصبيانكم عليّ حرام حتّى تشهدوا أن لا آله الّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ، والحمد لله الّذي أكرمنا بذلك ، وهو الّذي كانت اليهود تخبرنا به.

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ٢ : ٧٨.

(٢) فصّلت : ١ ـ ٢.

٦٤٧

فما بقي دار من دور بني عمرو بن عوف في ذلك اليوم الّا وفيها مسلم أو مسلمة. وشاع الاسلام بالمدينة وكثر ، ودخل فيه من البطنين أشرافهم ، وذلك لما كان عندهم من أخبار اليهود.

وكتب مصعب الى رسول الله بأن الأوس والخزرج قد دخلوا في الاسلام ، فلمّا بلغ ذلك رسول الله أمرهم بالخروج الى المدينة ، فكانوا يتسلّلون إليها رجلا رجلا ، فينزلهم الأوس والخزرج عندهم ويواسونهم (١).

روى ذلك الطبرسي في «إعلام الورى» عن علي بن ابراهيم القمي ، ولا يوجد الخبر في الموجود المطبوع من تفسيره ، وروى في تفسيره «مجمع البيان» عن ابن سيرين (ت ١١٠) قال : اجتمع الأنصار الى أسعد بن زرارة وقالوا له : لليهود يوم يجتمعون فيه كلّ سبعة أيام ، وللنصارى يوم أيضا مثل ذلك ، فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله عزوجل ونشكره. فلليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد فاجعلوا يومنا يوم العروبة (وهي اسم الجمعة في الجاهلية فتوافقوا عليه).

فاجتمعوا فيه الى أسعد بن زرارة ، فذبح لهم شاة ، ثمّ ذكّرهم وصلّى بهم ، ثمّ تغدّوا وظلّوا حتّى تعشّوا عنده من تلك الشاة ، وذلك لقلّتهم ، فسمّوه يوم الجمعة لاجتماعهم إليه فيه. فهذه أوّل جمعة جمّعت في الاسلام (٢) حيث صلّوا فيه مع أسعد بن زرارة فريضة ظهر يوم الجمعة جماعة ، قبل قدوم الرسول وتشريع صلاة الجمعة والخطبتين قبلها.

__________________

(١) إعلام الورى : ٥٨ ، ٥٩. وقد مرّ الخبر ضمن أخبار حصار الشعب ، ولكنّي كررته هنا ابرازا لدور أسعد بن زرارة الخزرجي وسعد بن معاذ الأوسي في انتشار الاسلام في المدينة. والخبر في ابن اسحاق في السيرة٢ : ٧٧ ـ ٨٠ باختلاف في بعض الألفاظ.

(٢) مجمع البيان ١٠ : ٤٣٢.

٦٤٨

وروى ابن اسحاق بسنده عن كعب بن مالك الأنصاري قال : كان (أسعد بن زرارة) أول من جمّع بنا بالمدينة في هزم (بني) النبيت من حرّة بني بياضة في نقيع يقال له : نقيع الخضمات. وهم يومئذ أربعون رجلا (١).

ولعلّه كان بعد رجوع مصعب بن عمير الى مكّة قبل بيعة العقبة الثانية (٢).

كانت الصلاة يومئذ الى بيت المقدس :

قال ابن اسحاق : فلمّا انصرف عنه القوم (من بيعة العقبة الاولى) بعث رسول الله معهم مصعب بن عمير بن هاشم ، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلّمهم الاسلام ويفقّههم في الدين ... وكان يصلي بهم (٣) ولم يقل عن القبلة شيئا.

ولكنّه روى عن معبد بن كعب ، عن أخيه عبد الله بن كعب ، عن أبيه كعب بن مالك (الخزرجي) قال : ما بلغنا أنّ نبيّنا يصلي الّا الى الشام فكنّا اذا حضرت الصلاة صلينا الى الشام (يعني القدس) ... فلمّا خرجنا من المدينة في حجّاج قومنا ... وتوجّهنا لسفرنا ... وسيّدنا وكبيرنا البراء ابن معرور ، قال لنا : يا هؤلاء ، اني قد رأيت رأيا فو الله ما أدري أتوافقونني عليه أم لا؟! قلنا : وما ذاك؟ قال : قد رأيت أن لا أدع هذه البنيّة (الكعبة) بظهري بل اصلي إليها. فقلنا : والله ما بلغنا أنّ نبيّنا يصلي الّا الى الشام وما نريد أن نخالفه. فكنا اذا حضرت الصلاة صلينا الى الشام ، وصلّى هو الى الكعبة ، وقد عبنا عليه ما صنع ، وأبى الّا الاقامة على ذلك وقال : إنّي لمصلّ إليها ... حتّى قدمنا مكّة.

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ٢ : ٧٧.

(٢) م. ن ٢ : ٨١.

(٣) م. ن ٢ : ٧٦ ، ٧٧.

٦٤٩

فلمّا قدمنا مكّة قال لي : يا ابن أخي لقد وقع في نفسي ممّا صنعت في سفري شيء : لما رأيت من خلافكم إيّاي فيه ، فانطلق بنا الى رسول الله حتّى نسأله عما صنعت.

وكان العباس بن عبد المطّلب عم النبيّ يقدم علينا تاجرا ، فكنا نعرف العباس (ويعرفنا) وكنا لا نعرف رسول الله ولم نره قبل ذلك ، فخرجنا نسأل عنه ، فلقينا رجلا من أهل مكّة فسألناه عن رسول الله ، فقال : هل تعرفانه؟ فقلنا : لا ، فقال : فهل تعرفان العباس عمّه؟ قلنا : نعم ، قال : فاذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس.

فدخلنا المسجد ، فاذا العباس جالس ، ورسول الله جالس معه.

فسلّمنا ثمّ جلسنا إليه. فقال رسول الله للعباس : هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال : نعم ، هذا البراء بن معرور سيّد قومه ، وهذا كعب بن مالك ، فقال رسول الله : الشاعر؟ قال العباس : نعم.

فقال له البراء بن معرور : يا رسول الله ، قد هداني الله للاسلام ، وقد خرجت في سفري هذا ، فرأيت أن لا أجعل هذه البنيّة بظهري فصليت إليها ، وخالفني أصحابي في ذلك حتّى وقع في نفسي من ذلك شيء ، فما ذا ترى يا رسول الله؟

قال : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها. فرجع البراء الى قبلة رسول الله وصلّى معنا الى الشام (١).

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ٢ : ٨١ ، ٨٢ ، هذا وقد مرّ أن البراءة بن معرور الانصاري التميمي كان أحد النقباء الاثنى عشر في بيعة العقبة الثانية وأنّه أول من بايعه صلّى الله عليه وآله ، فان صحّ الخبر فيحمل على تجاهل النبيّ له عند العباس لعدم علمه ببيعته. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام :

٦٥٠

كان العبّاس يحضر النبيّ ويتوثّق له :

وكما روى ابن اسحاق هنا عن معبد بن كعب عن أخيه عبد الله بن كعب عن أبيه كعب بن مالك الخزرجي : أن العباس كان يجالس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد الحرام أيام الموسم ويعرفه بالناس ... يستمرّ فيروي عنه : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جاءنا ـ في العقبة الثانية ـ ومعه عمه العباس بن عبد المطّلب وهو يومئذ على دين قومه ، الّا أنّه أحبّ أن يحضر أمر ابن اخيه ويتوثّق له.

فلمّا جلس كان أوّل من تكلم العباس فقال : يا معشر الخزرج : انّ محمّدا منّا حيث قد علمتم ، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه ، فهو في عزّ من قومه ومنعة في بلده (؟!) وانه قد أبى الّا الانحياز إليكم واللحوق بكم (؟) فان كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه ، فانتم وما تحمّلتم من ذلك ، وإن كنتم ترون أنكم مسلّموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم ، فمن الآن فدعوه ، فانّه في عزّ ومنعة من قومه وبلده (؟!).

فقلنا له : قد سمعنا ما قلت. فتكلّم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربّك ما أحببت.

فتكلم رسول الله فتلا القرآن ودعا الى الله ورغّب في الاسلام ثمّ قال : ابايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم (١).

__________________

كان رسول الله والمسلمون بمكة يصلون إلى بيت المقدس ، وكان البراءة بن معرور بالمدينة وانّه حضره الموت (في شهر صفر قبل الهجرة بشهر) فأوصى أن يدفن ويجعل وجهه إلى رسول الله إلى القبلة ، فجرت السنة بذلك. وروى مثله الصدوق في الخصال ١ : ١٩٢ عن القمي عنه عليه السلام أيضاً.

(١) ابن اسحاق في السيرة ٢ : ٨٤.

٦٥١

ثمّ يروي عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ قومه قالوا : انّ القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري : يا معشر الخزرج ، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا : نعم ، قال : إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس ، فان كنتم ترون أنّكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن ، فهو ـ والله إن فعلتم ـ خزي الدنيا والآخرة ، وان كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه ، فهو ـ والله ـ خير الدنيا والآخرة.

قالوا : فانّا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف. فما لنا بذلك يا رسول الله ان نحن وفينا بذلك؟ قال : الجنة. قالوا : ابسط يدك ، فبسط يده فبايعوه.

وما قال ذلك العباس الا ليشدّ العقد لرسول الله في أعناقهم (١).

وكأنه يروي الخبر كذلك عن عبد الله بن أبي بكر ، وأنّه قال في آخر الخبر : قال ذلك العباس ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله ابن ابيّ بن سلول ، فيكون أقوى لأمر القوم (٢) وكأن ابن اسحاق تخيّل اختلافا بين القولين فقال : فالله أعلم أيّ ذلك كان.

فان كان بين القولين خلاف في ارادة العباس بن عبادة بقوله ذلك تأخير القوم تلك الليلة يرجو أن يحضرها عبد الله بن ابيّ بن سلول. فلا خلاف في أنّه قال ذلك ليشدّ العقد لرسول الله ويقوي أمره وأمرهم ، سواء أراد ذلك من خلال حضور ابن سلول أم لا. هذا ، ولكن قول ابن أبي بكر يدل على أنّ طلب رسول الله منهم

__________________

(١) م. ن ٢ : ٨٨ ، ٨٩.

(٢) م. ن ٢ : ٨٩.

٦٥٢

البيعة على «بيعة الحرب» لم يكن طلبا قد تقدّم به الى القوم من ذي قبل بل كأنّه فاجأهم أو فاجأ جمعهم بذلك.

وتتقارب مقالة العباس بن عبادة مع مقالة العباس بن عبد المطلب ، وكلاهما يريد شدّ العقد لرسول الله ويتوثق له ، فيقول أحدهم : وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه فمن الآن فدعوه. ويقول الآخر : فان كنت ترون أنكم اذا ... أسلمتموه فمن الآن. وكلّ من المقالتين للرّجلين في روايتين ، ولا تجمعهما رواية واحدة. فهل كان كلاهما؟ أو أحدهما؟ وان كان أحدهما فهل هو العباس بن عبادة أو العباس بن عبد المطّلب؟

وهل صحيح ما جاء فيما روي عن العباس عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه في عزّ من قومه ومنعة في بلده؟! وأنّه قد منعه عن قومه ممن هو على مثل رأيه؟! كما في النص. وهل صحيح أنّه : أبى الا الانحياز الى الخزرج واللحوق بهم؟! وهل كانت هجرته مجاهرا بها منذ بيعة العقبة الثانية؟! بل يقول ابن اسحاق : وأقام رسول الله بمكّة ينتظر أن يأذن له ربّه في الخروج والهجرة من مكّة الى المدينة (١).

أم أن الصحيح هي رواية عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ قومه ورواية عبد الله بن أبي بكر ، وأن المتكلم كان العباس بن عبادة ، لا العباس بن عبد المطّلب على رواية معبد بن كعب. ولا ننسى أن هذه السيرة لابن اسحاق اختصره من كتابه الكبير في التاريخ الّذي صنّفه للمهديّ بن المنصور العبّاسي بأمر المنصور (٢).

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ٢ : ١١١.

(٢) مقدمة ابن اسحاق في السيرة١ : ط ، ي. وزاد عليه اليعقوبي ـ مولى بني العباس ـ فقال : قال العباس للنبيّ : دعني فداك أبي وأمي آخذ العهد عليهم ، فجعل ذلك إليه ، فأخذ عليهم العهود والمواثيق. اليعقوبي ٢ : ٣١.

٦٥٣

قصة صنم عمرو بن الجموح :

ومن القصص المروية في أخبار إسلام الأنصار : قصة معاملة معاذ بن عمرو بن الجموح مع صنم أبيه عمرو بن الجموح ، قالوا : كان الأشراف يتّخذون لأنفسهم آلهة يطهّرونها ويعظّمونها ، وكان عمرو بن الجموح سيّدا من سادات بني سلمة وشريفا من أشرافهم ، وكان قد اتّخذ في داره صنما من خشب يسمّيه مناة (أي الآلهة الّتي يمنى أي يراق لديها الدماء قربانا لها) وكان ابنه معاذ بن عمرو بن الجموح ممّن شهد العقبة وبايع رسول الله بها ، فكان هو وأصحابه يدلجون بالليل على صنم عمرو بن الجموح فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة منكّسا على رأسه. فاذا أصبح عمرو غدا يلتمسه ، حتّى اذا وجده غسله وطهّره وطيّبه. فاذا أمسى عمرو عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك ، فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى ، فيغسله ويطهّره ويطيّبه. ثمّ إذا أمسى يعدون عليه فيفعلون به مثل ذلك ، فاستخرجه من حيث ألقوه فغسله وطهّره وطيّبه ، ثمّ جاء بسيفه فعلّقه عليه ثمّ قال له : اني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى ، فان كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك. فلمّا أمسى ونام عمرو ، عدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه ثمّ ألقوه في بئر من آبار بني سلمة ثمّ أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل. فلمّا غدا عمرو خرج تتبّعه حتّى وجده في تلك البئر منكّسا مقرونا بكلب ميت ، فلمّا أبصره ورآه قال يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره :

والله لو كنت الها لم تكن

أنت وكلب وسط بئر في قرن

افّ لملقاك الها مستدن

الآن فتّشناك عن سوء الغبن

وكلّمه من أسلم من رجال قومه ، فأسلم برحمة الله وحسن اسلامه (١).

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة٢ : ٩٥ ، ٩٦.

٦٥٤

الفصل التّاسع

هجرة المسلمين الى المدينة

٦٥٥
٦٥٦

إذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه بالهجرة الى المدينة :

قال ابن شهرآشوب : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يؤمر الّا بالدعاء والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل ، فطالت قريش على المسلمين ، فلمّا كثر عتوّهم أمر بالهجرة فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله قد جعل لكم دارا تأمنون بها واخوانا.

فخرجوا أرسالا ، حتّى لم يبق مع النبيّ الا علي عليه‌السلام وأبو بكر (١).

وقال قبله محمّد بن اسحاق : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء (٢) ، إنما كان يؤمر بالدعاء الى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل.

وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتّى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم ، فهم بين مفتون في دينه ، وبين معذّب في أيديهم وبين هارب في البلاد فرارا منهم : منهم من بأرض الحبشة ، ومنهم من بالمدينة ، وفي كل وجه.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٨٢. وانظر الطبقات الكبرى ١ : ٢٢٦.

(٢) مرّ الكلام في بيعة العقبة على هذا المعنى.

٦٥٧

فلمّا عتت قريش على الله عزوجل وردّوا عليه ما أرادهم به من الكرامة ، وكذّبوا نبيّه ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ ، وعذّبوا ونفوا من عبده ووحّده وصدّق نبيّه واعتصم بدينه ، أذن الله عزوجل لرسوله في (أخذ البيعة) للقتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم ...

لما أذن الله تعالى له في (أخذ البيعة) للحرب ، وبايعه هذا الحيّ من الأنصار على الاسلام والنصرة له ولمن تبعه وأوى إليهم من المسلمين ، أمر رسول الله أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكّة من المسلمين بالخروج الى المدينة والهجرة إليها واللحوق بإخوانهم من الأنصار ، وقال لهم : ان الله عزوجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها.

فخرجوا أرسالا (جمعا فجمعا). وأقام رسول الله بمكّة ينتظر أن يأذن له ربّه في الخروج من مكّة والهجرة الى المدينة. فكان أول من هاجر إلى المدينة أبوسلمة عبدالله بن عبدالاسد المخزومي بعد عودته من الهجرة الاُولى الى الحبشة ، لما بلغه اسلام من أسلم من الأنصار خرج مهاجراً الى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة. (١).

المهاجرون بعد أبي سلمة :

ثمّ قدم المدينة من المهاجرين بعد أبي سلمة : عامر بن ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة.

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة٢ : ١١٠ ، ١١١. ومن المقارنة بين عبارة ابن شهرآشوب وابن اسحاق يبدو أن كلام ابن شهرآشوب انما هو مختصر ما ذكره ابن اسحاق ، من دون اسناد. وقد قدّمنا خبر هجرة أبي سلمة في محلّه بعد إسلام أسعد بن زرارة وإرسال مصعب بن عُمير ، في أخبار أواخر أيام الحصار في شعب أبي طالب عليه السلام.

٦٥٨

ثمّ عبد الله بن جحش مع أهله وأخيه عبد بن جحش وكان شاعرا ضرير البصر ، وكان صهر أبي سفيان على ابنته الفرعة ، وكانوا حلفاء بني اميّة. وقال في ذلك شعرا.

فكان منزل أبي سلمة ، وعامر بن ربيعة ، وعبد الله بن جحش ، وأخيه عبد بن جحش على مبشّر بن عبد المنذر من بني عمرو بن عوف في قباء (١).

ثمّ خرج عمر بن الخطّاب ، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي ، فروى ابن اسحاق عن نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عمر قال : لما أردنا الهجرة الى المدينة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام ابن العاصي بن وائل السهمي ، تواعدنا (أشجار) التناضب فوق (منزل) سرف (على ستة أميال من مكّة) وقلنا : أيّنا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه. فأصبحت أنا وعيّاش بن أبي ربيعة عند (أشجار) التناضب ، وحبس عنّا هشام وفتن فافتتن.

فلمّا قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف في قباء.

وكان عياش بن أبي ربيعة المخزومي ابن عمّ أبي جهل بن هشام المخزومي بل أخاه لامّه ، فخرج أبو جهل وأخوه الحارث حتّى قدما علينا المدينة ، وقالا له : إن امّك قد نذرت أن لا يمسّ رأسها مشط ولا تستظلّ من شمس حتّى تراك! فقلت له : يا عياش إنه والله ان يريدك القوم الا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم. فقال : ابر قسمي ولي هناك مال فآخذه ، فأبى الا أن يخرج معهما.

فخرج معهما ، حتّى اذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل : يا أخي والله لقد استغلظت بعيري هذا أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال : بلى. فأناخ وأناخا ليتحوّل ، فلمّا استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه ، ثمّ دخلا به مكّة وفتناه فافتتن.

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة٢ : ١١٢ ، ١١٦.

٦٥٩

وكان عمر بن الخطّاب حين قدم المدينة قد نزل على رفاعة بن عبد المنذر من بني عمرو بن عوف في قباء ، ولحق به من أهله وقومه : اخوه زيد ابن الخطّاب ، وصهره خنيس بن حذافة السهمي ، وحلفاؤهم : واقد بن عبد الله التميمي ، وخوليّ بن أبي خوليّ وأخوه مالك ، وسعيد بن زيد وإياس بن بكير ، وإخوانه : عاقل وعامر وخالد. ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخي حسّان بن ثابت من بني النجار.

وهاجر عبد الرحمن بن عوف فنزل على سعد بن الربيع الخزرجي.

وهاجر صهيب بن سنان (الرومي) فروى ابن هشام عن أبي عثمان النهدي قال : لما اراد صهيب الهجرة قال له كفار قريش : أتيتنا صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا وبلغت الّذي بلغت ثمّ تريد ان تخرج بمالك ونفسك؟! والله لا يكون ذلك! فقال لهم صهيب : أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلّون سبيلي؟! قالوا : نعم. قال : فاني جعلت لكم مالي. ثمّ هاجر فنزل على خبيب بن أساف الخزرجي بالسنخ ومعه طلحة بن عبيد الله. فلمّا بلغ رسول الله أمر صهيب قال : ربح صهيب! ربح صهيب!

ونزل الزبير بن العوّام على منذر بن محمّد من بني جحجبي بالعصبة ، ومعه أبو سبرة. ونزل : مصعب بن عمير بن هاشم على سعد بن معاذ (هذه المرة).

وهاجر من بني عبد المطّلب : حمزة بن عبد المطّلب فنزل على أسعد ابن زرارة (مكان مصعب). وهاجر معه موالي رسول الله : زيد بن حارثة وأبو كبشة ، وأنسة ، وحليفا حمزة : ابو مرثد الغنوي وابنه مرثد ، فنزلوا على كلثوم بن هدم من بني عمرو بن عوف في قباء ، أو : سعد بن خيثمة ، وكان عزبا فنزل عليه العزّاب منهم.

ومن بني المطّلب : مسطح بن اثاثة بن عبّاد بن المطّلب ، وبنو الحارث ابن المطّلب. عبيدة وأخواه الطفيل والحصين. ومعهم سويبط بن سعد من بني عبد الدار ،

٦٦٠