موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٦

أبي عمر بن الخطاب ، وكان زيد يرغب عن عبادة الأصنام ويعيبها ، فأولع به عمّه الخطاب سفهاء مكّة وسلّطهم عليه فآذوه ، فصار الى الشام يبحث عن الدّين فسمّته النصارى ومات بالشام (١).

فعدّوا ابنه سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرة بالجنة (٢) وعدّوه من الحنفاء حتّى أنّهم رووا : أنّ زيدا مرّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يأكل مع سفيان ابن الحرث من سفرة قدّمت لهما فيها شاة ذبحت لغير الله تعالى ، فدعواه الى الطعام فرفض زيد وقال : أنا لا آكل ممّا تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل الّا ما ذكر اسم الله عليه! فمنذ ذلك اليوم لم ير النبيّ يأكل ممّا ذبح على النصب حتّى بعث! (٣).

__________________

(١) مروج الذهب ١ : ٨٢ ـ ٨٩.

(٢) مروج الذهب ١ : ٨٤.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ٥٠ و ٧ : ١١٨ وفي شرحه : فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ : ١٠٨ و ١٠٩. ومسند أحمد ١ : ١٨٩. والسيرة الحلبية ١ : ١٢٣. والروض الانف ١ : ٢٥٦.

والأخير تنبّه الى تساؤل فطرحه يقول : «كيف وفّق الله زيدا الى ترك ما ذبح على النصب وما لم يذكر اسم الله عليه ، ورسوله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ كان أولى بهذه الفضيلة في الجاهلية ؛ لما ثبت من عصمة الله له».

ولكنّه تساهل في الجواب على هذا التساؤل فقال يعتذر لذلك : «ليس في الرواية أنّه ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قد أكل من السفرة (!) وعلى فرض أنّه قد أكل فإن شرع ابراهيم عليه‌السلام إنمّا جاء بتحريم الميتة لا بتحريم ما ذبح لغير الله تعالى (!) أمّا زيد فلعلّه امتنع عن أكل ما ذبح لغير الله برأي رآه ، لا بشرع متقدم»!

وكذلك رجّح العسقلاني في «فتح الباري في شرح صحيح البخاري» أنّ زيدا قد أدرك ذلك برأيه (!)

ونقول : لئن أدرك ذلك زيد برأيه ولم يدرك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، فلقد كانت النبوّة بزيد أليق منها به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعياذ بالله من فضيلة لابن عمّ الخليفة تمحق حتّى فضيلة النبوة!.

٣٤١

ثمّ كان نبيّا رسولا :

روى الصفّار بسنده عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام : من الرسول؟ من النبيّ؟ من المحدّث؟ فقال : «الرسول ... والنبيّ ... ومنهم من تجمع له الرسالة والنبوة ، فكان رسول الله رسولا نبيّا : يأتيه جبرئيل قبلا فيكلّمه ويراه ، ويأتيه في النوم» (١).

وروى الكليني بسنده عن الأحول قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرسول؟ والنبيّ؟ والمحدّث؟ قال : الرسول ... وأمّا النبيّ ... وكان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حين جمعت له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل ويكلّمه بها قبلا» (٢).

وقد مرّ ما ذكره الشيخ المفيد : «قرن اسرافيل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث سنين ، يسمع الصوت ولا يرى شيئا. ثمّ قرن به جبرئيل عشرين سنة ، وذلك حيث اوحي إليه. فأقام بمكّة عشر سنين ، ثمّ هاجر الى المدينة فأقام بها عشر سنين. وقبض وهو ابن ثلاث وستين سنة» (٣).

وروى الصدوق بسنده عن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : «لقد مكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة ثلاث سنين مختفيا خائفا يترقّب ، ويخاف قومه والناس. وما أجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحد قبل علي بن أبي طالب وخديجة ـ صلوات الله عليهما ـ» (٤).

فأوّلا ـ كان الخوف والاختفاء حتّى عن قومه فضلا عن سائر الناس.

وثانيا ـ مع ذلك كانت الدعوة قد شملت عليا وخديجة واستجابا له ومعه.

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣٧١ ط ١٣٨١ ه‍.

(٢) اصول الكافي ١ : ١٧٦.

(٣) الاختصاص : ١٣٠ ط الغفاري. ولا نؤكّد صحة نسبة الكتاب الى الشيخ المفيد.

(٤) اكمال الدين : ١٨٩ و ١٩٧ كما في البحار ١٨ : ١٧٧ و ١٨٨.

٣٤٢

وروى فيه بسنده عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : «مكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة بعد ما جاءه الوحي عن الله ـ تبارك وتعالى ـ ثلاثة عشر سنة ، منها ثلاث سنين مختفيا خائفا لا يظهر ، حتّى أمره الله أن يصدع بما امر به ، فأظهر الدعوة حينئذ» (١).

وروي فيه بسنده عنه عن الصادق عليه‌السلام أيضا قال : «كان رسول الله مختفيا بمكّة خائفا ثلاث سنين ليس يظهر أمره ، وعلي معه وخديجة ، ثمّ أمره الله أن يصدع بما امر به ، فظهر رسول الله وأظهر أمره» (٢).

وروى علي بن ابراهيم القمّي قال : «سئل الصادق عليه‌السلام عن قوله [تعالى] : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) كيف كان؟ وإنمّا انزل القرآن في طول عشرين سنة؟ فقال : إنّه نزل جملة واحدة في شهر رمضان الى البيت المعمور ثمّ نزل من البيت المعمور الى النبيّ في طول عشرين سنة» (٣).

ورواه العياشي في تفسيره (٤) ورواه الكليني في «اصول الكافي» بإسناده عن القمّي عن أبيه الى حفص بن غياث عنه عليه‌السلام (٥) واستند إليه الشيخ الصدوق في عقائده (٦).

وإليه يعود ما رواه الطبري في تأريخه بسنده عن ابن عباس وسعيد ابن المسيّب قالا : «انزل على رسول الله الوحي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة» (٧).

__________________

(١) اكمال الدين : ١٨٩ و ١٩٧ كما في البحار ١٨ : ١٧٧ و ١٨٨.

(٢) اكمال الدين : ١٩٧ كما في البحار ١٨ : ١٨٨.

(٣) تفسير القمي ١ : ٦٦.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٨٠.

(٥) اصول الكافي ١ : ٦٢٨.

(٦) عقائد الصدوق : ٥٦.

(٧) الطبري ٢ : ٢٩٢. ورواه الحاكم في المستدرك ٢ : ٦١٠.

٣٤٣

وأوضح منه ما مرّ عن الطبري أيضا بسنده عن عامر الشعبي قال : «إنّ رسول الله نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة ، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين ، فكان يعلّمه الكلمة والشيء ولم ينزّل القرآن. فلمّا مضت ثلاث سنين قرن بنبوّته جبرئيل فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة : عشرا بمكّة وعشرا بالمدينة» (١).

والّذي نريده من هذه الروايات هو أنّ مبدأ نزول القرآن الكريم كان متأخرا عن النبوة بثلاث سنين ، فإذا لاحظنا الروايات القائلة بأنّ مدّه نزول القرآن على النبيّ استغرقت عشرين عاما ، مع الروايات القائلة بأنّ مدّة مكث النبيّ بعد النبوة بمكّة كانت ثلاث عشرة سنة ، استنتجنا : أنّ مبدأ نزول القرآن كان بعد النبوة بثلاث سنين ، اذ لا شكّ أنّ القرآن كان ينزل عليه حتّى عام وفاته (٢).

نعم روى الطبري كذلك عن ابن سعد عن الواقدي بسنده عن الشعبي أيضا قال : «قرن إسرافيل بنبوة رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ ثلاث سنين ، يسمع حسّه ولا يرى شخصه ، ثمّ كان بعد ذلك جبرئيل عليه‌السلام» قال الواقدي : فذكرت ذلك لمحمّد بن صالح بن دينار فقال : والله يا ابن أخي لقد سمعت عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، وعاصم بن عمر ابن قتادة يحدّثان في المسجد ورجل عراقي يقول لهما هذا ، فانكراه جميعا وقالا : ما سمعنا ولا علمنا الّا أنّ جبرئيل هو الّذي قرن به ، وكان يأتيه الوحي من يوم نبّئ الى أن توفّي ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ (٣).

ولكن قال عنه صاحب «التمهيد» : «هذه الرواية وان كان فيها أشياء

__________________

(١) الطبري ٢ : ٣٨٧ وابن سعد في الطبقات ١ : ١٢٧ ومثله اليعقوبي مرسلا ٢ : ٢٣ وابن كثير في البداية والنهاية ٣ : ٤ عن ابن حنبل ، والسيوطي في الإتقان ١ : ٤٥.

(٢) التمهيد ١ : ٨٢.

(٣) الطبري ٢ : ٣٨٧ وفي الطبقات ١ : ١٩١.

٣٤٤

لا نعرفها ، ولعلّها من اجتهاد الشعبي الخاص ، لكنّ الّذي نريده من هذه الرواية هو جانب تحديد نزول القرآن في مدة عشرين عاما وأنّ نزوله تأخّر عن البعثة بثلاث سنين» (١).

وقد مرّ أنّ الطبري جمع بهذا القول بين القول المشهور بأنّ مقام الرسول بمكّة بعد الدعوة كان الى ثلاث عشرة سنة ، وبين ما رواه هو عن ابن عباس بأن مقامه بها كان الى عشر سنين ، فالعشر سنين من حين أتاه جبرئيل بالوحي القرآني من الله عزوجل واظهاره الدعوة الى التوحيد ، وثلاث عشرة سنة من أوّل البعثة بالنبوة (٢).

ولا نريد بنقل قول الشعبي أو ما قاله الشيخ المفيد في «الاختصاص» اثبات اختصاص اسرافيل بالثلاث سنين الاولى من النبوة ، واختصاص جبرئيل بالوحي القرآني بعد ذلك ، على خلاف المعروف والمشهور في أخبار البعثة.

يوم المبعث :

وقبل أن نقف على طرف من أخبار البعثة : لنقف على الأخبار الّتي تعيّن يوم المبعث ، ولا تعوزنا النصوص فيه : فقد روى الكليني بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب ، فإنّه اليوم الّذي انزلت فيه النبوّة على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣) ورواه الصدوق (٤) والطوسي (٥) وروى مثله ابن الشيخ الطوسي في أماليه (٦).

__________________

(١) التمهيد ١ : ٨٣.

(٢) الطبري ٢ : ٣٨٧.

(٣) الفروع من الكافي ٢ : ١٤٩ ط الآخوندي.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٩٠ عن الحسن بن راشد عن الصادق عليه‌السلام. وثواب الأعمال : ٩٩ ط الغفّاري.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٤٣٨.

(٦) أمالي ابن الشيخ : ٢٨.

٣٤٥

وروى الكليني عنه عليه‌السلام أيضا قال : «يوم سبعة وعشرين من رجب نبّئ فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

وروى بسنده عن الرضا عليه‌السلام قال : «بعث الله عزوجل محمّدا رحمة للعالمين ، في سبع وعشرين من رجب ، فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا» (٢) ورواه الطوسي (٣).

وروى الصدوق بسنده عنه عليه‌السلام أيضا قال : «بعث الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله لثلاث ليال بقين من رجب ، وصوم ذلك اليوم كصوم سبعين عاما» (٤).

وروى الطوسي بسنده عن الهادي عليه‌السلام قال : «يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله الى خلقه رحمة للعالمين» (٥).

وروى ابن شهرآشوب عن ابن عباس وأنس بن مالك قالا :

«أوحى الله الى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الإثنين السابع والعشرين من رجب» (٦) ومن العامّة روى المتّقي الهندي في «كنز العمّال» عن البيهقي في «شعب الإيمان» ، عن سلمان الفارسي قال : «في رجب يوم وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان كمن صام مائة سنة وقام مائة سنة ، وهو لثلاث بقين من رجب ، وفيه بعث الله محمّدا» (٧).

__________________

(١) الفروع من الكافي ١ : ٤٦٩.

(٢) الفروع من الكافي ٢ : ١٤٩.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٤٣٨.

(٤) ثواب الأعمال : ٨٣.

(٥) تهذيب الاحكام ١ : ٤٣٨ الى خبرين آخرين رواهما الشيخ في مجالسه : ٣٤٩ عن الصادق عليه‌السلام وفي مصابح المتهجد عن الجواد عليه‌السلام في صيام ذلك اليوم من دون ذكر للبعثة. وراجع وسائل الشيعة ٧ : ٣٢٩.

(٦) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٧٣.

(٧) منتخب كنز العمال بهامش المسند ٣ : ٣٦٢.

٣٤٦

وأورد الحلبي في سيرته عن الدمياطي في سيرته عن أبي هريرة قال : «من صام يوم سبع وعشرين من رجب ، كتب الله تعالى له صيام ستين شهرا ، وهو اليوم الّذي نزل فيه جبرئيل على النبيّ بالرسالة ، وأوّل يوم هبط فيه جبرئيل» (١).

وان كانت النصوص من جانب العامّة تعوزهم في تعيين يوم المبعث الشريف ، فقد مرّ ما لا إعواز معه من النصوص في ذلك من طريق أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ولكن لا بد لنا ولا محيص عن الاعتراف بإعواز النصوص في كيفية بدء البعثة.

كيفية بدء البعثة :

روي أنّ الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام قال وهو يصف بعثة النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : «... حتّى استكمل سنّ الأربعين ، ووجد الله قلبه الكريم أفضل القلوب وأجلّها ، وأطوعها وأخشعها ، فأذن لأبواب السماء ففتحت ، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ينظر الى ذلك ، فنزلت عليه الرحمة من لدن ساق العرش ، ونظر الى الروح الأمين جبرئيل المطوّق بالنور طاوس الملائكة ، هبط إليه وأخذ بضبعه وهزّه وقال : يا محمّد! اقرأ ، قال : ما أقرأ؟ قال : يا محمّد! (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)(٢) ثمّ أوحى إليه ما أوحى وصعد جبرئيل الى ربه.

ونزل محمّد من الجبل وقد غشيه من عظمة الله وجلال ابّهته ما ركبه الحمّى النافضة ، وقد اشتدّ عليه ما كان يخافه من تكذيب قريش إيّاه ونسبته الى الجنون ، وقد كان أعقل خلق الله واكرم بريّته ، وكان أبغض الأشياء إليه الشياطين وأفعال

__________________

(١) السيرة الحلبية ١ : ٣٨٤ وفي آخره دعم لدعوى الشعبي.

(٢) العلق : ١ ـ ٥.

٣٤٧

المجانين ، فأراد الله أن يشجّع قلبه ويشرح صدره ، فجعل كلما يمرّ بحجر وشجر ناداه : السلام عليك يا رسول الله» (١).

هذا الخبر هو ممّا يدل على أنّ أوّل سورة نزلت ـ أو الآيات الاولى ـ هي هذه الآيات الخمس الاول من سورة العلق ، ولكنّه الخبر الوحيد الّذي يدلّ على أنّها نزلت في بداية البعثة في اليوم ٢٧ رجب.

أوّل ما نزل من القرآن :

أمّا ما يدلّ على أنّها أوّل ما نزل : ففي تفسير القمّي عن أبي الجارود عن الباقر عليه‌السلام في قوله سبحانه : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(٢) قال : ذلك أنّ أوّل سورة نزلت كانت (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ثمّ أبطأ جبرئيل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقالت خديجة : لعلّ ربّك قد تركك فلا يرسل إليك؟ فأنزل الله تبارك وتعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(٣).

وروى الكليني بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : «أوّل ما نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وآخر ما نزل عليه (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ)(٤) ورواه الصدوق أيضا (٥).

__________________

(١) التفسير المنسوب الى الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام. كما في البحار ١٨ : ٢٠٦. وقارن بما في تاريخ الطبري ٢ : ٢٩٩ ـ ٣٠٦ مما يفيد أنه شك بنفسه الجنون! وأراد أن يرى بنفسه من حالق! وشك في الملك أنه شيطان! فطمأنته خديجة وابن عمها النصراني ورقة بن نوفل! ولم ير ومثل ذلك من طرقنا. وانظر دلائل الصدق ١ : ٤١٢ ـ ٤١٤.

(٢) الضحى : ٣.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٤٢٨.

(٤) اصول الكافي ٢ : ٦٢٨.

(٥) عيون أخبار الرضا ٢ : ٦.

٣٤٨

ونقل العلّامة الطبرسي عن كتاب «الإيضاح» لأحمد الزاهد بإسناده عن سعيد بن المسيّب عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : «سألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ثواب القرآن ، فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء ، فأوّل ما نزل عليه بمكّة : فاتحة الكتاب ، ثمّ اقرأ باسم ربّك ، ثمّ ن والقلم» (١).

هذه الأخبار هي كلّ ما جاءنا في أخبار الأئمة الأطهار عليهم‌السلام في أوّل ما نزل من القرآن غير مقيّدة له ببداية البعثة ، اللهم الّا ما مرّ أوّلا عن تفسير الإمام عليه‌السلام.

والتفسير هذا فيه ما لا يعرف بل ينكر ، ممّا طعن به بعض المحقّقين في نسبته الى الإمام عليه‌السلام ، ولكنّ ذلك لا يقتضي أكثر من استظهار أنّ الراوي كان يحضر عند الإمام عليه‌السلام فيسأله عن أشياء من تفسير القرآن ، وبعد رجوعه الى داره كان يثبت ذلك لديه نقلا بالمعنى كما فهمه ، فربّما زاد أو نقص أو أخلّ حسبما تتحمله طاقته وتسعه ظرفيته. وهذا إنمّا يقتضي الاحتياط في تلقّي ما جاء فيه بالقبول ، باشتراط مطابقته أو موافقته لسائر الآثار الصحيحة ، ولا أقلّ من عدم مخالفته لها ، ولا يقتضي عدم الاعتماد عليه اطلاقا (٢).

وليس لنا في كيفية البعثة غير هذا الخبر المنفرد كما ترى ـ من تفسير الإمام ـ سوى نصّ علي بن ابراهيم القميّ ، فيما اذا تلقيناه كالنصّ عند إعواز النصوص.

قال : «وكان بين الجبال يرعى غنما لأبي طالب ، فنظر الى شخص ، يقول له : يا رسول الله! فقال له : من أنت؟ قال : جبرئيل ، أرسلني الله إليك ليتخذك رسولا ... ونزل جبرئيل وأنزل عليه ماء من السماء وقال : يا محمّد! قم وتوضّأ للصلاة. وعلّمه جبرئيل الوضوء وغسل الوجه واليدين من المرفق ، ومسح الرأس والرجلين الى الكعبين ، وعلّمه السجود والركوع.

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ : ٤٠٥.

(٢) انظر التمهيد ١ : ٧٣.

٣٤٩

فلمّا تمّ له صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعون سنة أمره بالصلاة وعلّمه حدودها ، ولم ينزل عليه أوقاتها ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي ركعتين ركعتين في كلّ وقت.

وكان علي بن أبي طالب يألفه ويكون معه في مجيئه وذهابه ولا يفارقه ، فدخل علي عليه‌السلام الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصلّي ، فلمّا نظر إليه يصلّي قال : يا أبا القاسم! ما هذه؟ قال : الصلاة الّتي أمرني الله بها. فدعاه الى الإسلام ، فأسلم وصلّى معه. وأسلمت خديجة. فكان لا يصلّي الّا رسول الله وعلي وخديجة.

فلمّا أتى لذلك أيام دخل أبو طالب الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه جعفر ، فنظر الى رسول الله وعلي عليهما‌السلام بجنبه يصليان ، فقال لجعفر : يا جعفر صل جناح ابن عمّك. فوقف جعفر بن أبي طالب من الجانب الآخر ، فلمّا وقف جعفر على يساره برز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بينهما وتقدّم.

فلمّا أسلم عليّ وخديجة وجعفر أسلم زيد (بن حارثة الكلبي) بعدهم. فكان يصلّي خلف رسول الله : علي وجعفر وزيد وخديجة (١).

وهذا النصّ من القميّ وان لم يكن نصا من امام معصوم كما هو المفروض في الخبر عن تفسير الإمام عليه‌السلام ، ولكنّه على أحسن الظّن بالقميّ ، وباستبعاد أكيد أن يكون قد أخذ ذلك عن غيرهم عليهم‌السلام ، لا يقلّ شأنا عن النصّ عند اعواز النص ، بل يفضل النص السابق عن تفسير الإمام ، بانفراده ـ خبر التفسير ـ وتظافر أخبار غير قليلة من الخاصة والعامّة تنصّ على بدء بعثة الرسول بصلاته ثمّ صلاة علي وخديجة ثمّ زيد وجعفر بن أبي طالب بتوصية أبيه أبي طالب ، من دون نصّ على نزول شيء من القرآن ، ببدء بعثة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأربعين من عمره. وسننقل هنا عيّنة من هذه الأخبار.

__________________

(١) إعلام الورى : ٣٦ ، ٣٧ ولم نجده في تفسيره ، ورواه عنه ابن شهرآشوب بتغيير يسير كما مرّ.

٣٥٠

وقبل ذلك لنتريث قليلا في خبر علي بن ابراهيم القمّي عند ما يلفت النظر من ذكر السجود قبل الركوع ، فهل في ذلك عناية خاصّة؟

لم نقف على عناية خاصّة في ذلك حتّى عثرنا على رواية رواها ابن أبي الحديد في «شرح النهج» بسنده عن حكيم مولى زاذان قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول : «صلّيت قبل الناس سبع سنين ، وكنّا نسجد ولا نركع. وأوّل صلاة ركعنا فيها صلاة العصر ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذا؟ قال : امرت به» (١).

أخبار الصلاة :

مرّ تحت عنوان «عليّ عند النبيّ» عن ابن ابي الحديد ما تمامه : «اختلف في سنّ علي عليه‌السلام حين أظهر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الدعوة اذ تكامل له أربعون سنة : فالأشهر من الروايات انّه كان ابن عشر ، وذكر شيخنا أبو القاسم البلخي وغيره من شيوخنا وكثير من أصحابنا المتكلمين : أنّه كان ابن ثلاث عشرة سنة ، ثمّ ذكر خبر البلاذري والأصفهاني في ضمّ النبيّ عليّا إليه منذ كان عمره ست سنين ، ثمّ قال : وهذا يطابق قوله عليه‌السلام : «لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الامّة سبع سنين» وقوله : «كنت أسمع الصوت وابصر الضوء سنين سبعا ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حينئذ صامت ما اذن له في الإنذار والتبليغ».

وذلك لأنّه اذا كان عمره يوم اظهار الدعوة ثلاث عشرة سنة ، وتسليمه الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أبيه وهو ابن ست ، فقد صحّ أنّه كان يعبد الله قبل الناس بأجمعهم سبع سنين (٢).

__________________

(١) شرح النهج ١٣ : ٢٢٩. وغفل عن هذا الراوندي والحلبي فقدّما الركوع على السجود.

(٢) شرح النهج ١ : ١٥.

٣٥١

وروى الكليني بسنده عن سعيد بن المسيّب قال : سألت علي بن الحسين عليه‌السلام : ابن كم كان علي بن أبي طالب يوم أسلم؟ فقال : أو كان كافرا قط؟! إنّما كان لعلي عليه‌السلام حيث بعث الله عزوجل رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر سنين ، ولم يكن يومئذ كافرا ، ولقد آمن بالله تبارك وتعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسبق الناس كلهم الى الإيمان بالله ورسوله ، والى الصلاة ثلاث سنين ، وكانت أوّل صلاة صلاها مع رسول الله الظهر ركعتين (١).

وروى الشيخ المفيد في «الإرشاد» بسنده الى يحيى بن عفيف بن قيس الكندي عن أبيه عفيف قال : كنت جالسا مع العبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنه بمكّة قبل أن يظهر أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء شاب فنظر الى السماء حين تملقت الشمس ، ثمّ استقبل الكعبة فقام يصلّي. ثمّ جاء غلام فقام عن يمينه ، ثمّ جاءت امرأة فقامت خلفهما ، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة ، ثمّ رفع الشاب فرفعا ، ثمّ سجد الشاب فسجدا. فقلت : يا عبّاس ، أمر عظيم! فقال العبّاس : أمر عظيم ، أتدري من هذا الشاب؟ هذا محمّد بن عبد الله ابن عبد المطّلب ، ابن أخي ، أتدري من هذا الغلام؟ هذا علي بن أبي طالب ابن أخي ، أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد.

انّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربّه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدّين الّذي هو عليه ، ولا والله ما على ظهر الأرض على هذا الدّين غير هؤلاء الثلاثة (٢).

وروى الطبرسي خبر ضمّ النبيّ عليا إليه في صغره عن كتاب «دلائل النبوة»

__________________

(١) روضة الكافي : ٢٧٩.

(٢) الإرشاد : ٢٠ ، ٢١. ومن أقدم من بحث هذا الموضوع كلاميّا هو المتكلّم المعتزلي الأقدم الشيخ أبو جعفر الإسكافي المتوفى في ٢٤٠ ه‍ في كتابه : المعيار والموازنة : ٦٦ ـ ٧٨ بتحقيق الشيخ المحقّق المحمودي. وقد أكثر النقل عن الإسكافي ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج. ومن الباحثين الأقدمين في الموضوع بعد الإسكافي : القاضي النعمان المصري في كتابه : شرح الأخبار : ١٧٨ ـ ١٩١ ، فراجع.

٣٥٢

للبيهقي (ت ٤٥٨) بسنده عن ابن اسحاق عن ابن جبر ، وروى قبله بسند البيهقي عن عفيف الكندي قال :

كنت امرأ تاجرا ، فقدمت منى أيام الحج ، وكان العبّاس بن عبد المطّلب امرأ تاجرا ، فأتيته أبتاع منه وأبيعه. فبينا نحن كذلك إذ خرج رجل من خباء ، وأخذ يصلّي تجاه الكعبة ، ثمّ خرجت امرأة فقامت تصلّي معه بصلاته ، وخرج غلام وأخذ يصلّي معه بصلاته. فقلت : يا عبّاس ، ما هذا الدّين؟ فقال : هذا محمّد بن عبد الله يزعم أنّ الله أرسله ، وأنّ كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه ، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد ، آمنت به ، وهذا الغلام ابن عمّه علي بن أبي طالب آمن به ، قال عفيف : فليتني كنت آمنت به يومئذ فكنت أكون ثانيا تابعه (١).

وروى الخبر هذا ابن شهرآشوب في «المناقب» عن كتاب «المبعث» لابن اسحاق ، و «تأريخ الطبري» بثلاثة طرق ، و «الإبانة» للعكبري ، بأربعة طرق ، و «تأريخ النسوي» ، والماوردي ، ومسند أبي يعلى ويحيى بن معين ، وتفسير الثعلبي وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل (٢) بأسانيدهم عن عفيف الكندي وأنّه أخو الأشعث بن قيس الكندي (٣) وأنّ العبّاس قال له : انّ ابن أخي هذا حدّثني : أنّ ربّه ربّ السماوات والأرض أمر بهذا الدّين ، ثمّ قال : والله ما على ظهر الأرض على هذا الدّين غير هؤلاء الثلاثة.

وعن ابن اسحاق عن عفيف قال : فلمّا خرجت من مكّة اذا أنا بشاب جميل على فرس قال : يا عفيف ما رأيت في سفرك هذا؟ فقصصت عليه فقال : لقد صدقك

__________________

(١) إعلام الورى : ٣٨.

(٢) مسند الامام أحمد ١ : ٢٠٩.

(٣) ورواه القاضي النعمان في شرح الأخبار ١ : ١٧٩ قال : أتيت مكّة لأبتاع من عطرها وثيابها.

٣٥٣

العبّاس ، والله إنّ دينه لخير الأديان ، وانّ امّته أفضل الامم. قلت : فلمن الأمر من بعده؟ قال : لابن عمّه وختنه على بنته ، يا عفيف الويل كلّ الويل لمن يمنعه حقّه.

ثمّ نقل عن ابن اسحاق قال : انّ النبيّ كان اذا حضرت الصلاة خرج الى شعاب مكّة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من قومه ، فيصليان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا. فمكثا كذلك زمانا.

ثمّ انّ أبا طالب رأى النبيّ وعليا يصلّيان فسأل عن ذلك فقال النبيّ : انّ هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا ابراهيم عليه‌السلام. وقال علي : يا أبت آمنت بالله وبرسوله وصدّقته بما جاء به وصلّيت معه لله. فقال له : امّا إنّه لا يدعو الّا الى خير ، فالزمه.

ولكنّه نقل عن كتاب الشيرازي قال : انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا نزل الوحي عليه أتى المسجد الحرام وقام يصلّي فيه ، فاجتاز به علي ـ وكان ابن تسع سنين ـ فناداه : يا علي أقبل إليّ ، فأقبل إليه ملبّيا ، فقال له : انّي رسول الله إليك خاصة ، والى الخلق عامة ، تعال يا علي فقف عن يميني وصلّ معي. فقال : يا رسول الله حتّى أمضي وأستأذن والدي! قال : اذهب فإنّه سيأذن لك. فانطلق يستأذنه في اتّباعه ، فقال : يا ولدي : تعلم أنّ محمّدا ـ والله ـ أمين منذ كان ، امض واتّبعه ترشد وتفلح. فأتى علي عليه‌السلام ورسول الله قائم يصلّي في المسجد ، فقام عن يمينه يصلّي معه ، فاجتاز بهما أبو طالب وهما يصلّيان ، فقال : يا محمّد ما تصنع؟ قال : أعبد إله السماوات والأرض ، ومعي أخي علي يعبد ما أعبد يا عمّ ... فضحك أبو طالب حتّى بدت نواجذه.

بینما نقل عن ابن الفيّاض في «شرح الأخبار» عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : مرّ علينا أبو طالب ونحن ساجدان ، فأخذ بيدي وجعل يرغّبني في ذلك ويمضي عليه (١).

__________________

(١) شرح الأخبار : ١٧٧ و ١٧٩ للقاضي النعمان المصري المغربي التميمي الشيعي

٣٥٤

ونقل عنه عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت النبيّ يقول : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ بن أبي طالب سبع سنين ، وذلك أنّه لم يؤمن بي ذكر قبله.

ونقل عن ابن شيرويه الديلمي في «الفردوس» عن جابر قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد صلّت الملائكة علي وعلى عليّ بن أبي طالب سبع سنين قبل الناس ، وذلك أنّه كان يصلّي ولا يصلّي معنا غيرنا. أو : لم يصلّ فيها غيري وغيره. أو : لم يصلّ معي رجل غيره.

ونقل عن (مسند أحمد بسنده) عن ابن عبّاس (١). وعن تأريخ الطبري والبلاذري وجامع الترمذي و «الإبانة» للعكبري ، و «الفردوس» للديلمي و «فضائل الصحابة» لابن حنبل بسندهم عن زيد بن أرقم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أوّل من صلّى معي علي (٢).

ونقل عن ابن حنبل في «مسند العشرة» و «فضائل الصحابة» والترمذي في «الجامع الصحيح» والنسوي في «المعرفة» وابن بطة العكبري في «الإبانة»

__________________

الفاطمي الاسماعيلي ، المتوفى في ٣٦٣ ه‍. وقد أطلق ابن شهرآشوب عليه لقب : الفيّاض هنا وفي كتابه الآخر : معالم العلماء : ١٣٦ قال : «ابن الفيّاض القاضي النعمان ابن محمّد ، ليس بامامي ، وكتبه حسان». ولم نجد أحدا غير ابن شهرآشوب لقّبه بهذا. والخبر : عن حبة العرني قال : رأيت عليا عليه‌السلام ضحك على المنبر ، ولم أره ضحك ضحكا أكثر منه حتّى بدت نواجذه ، ثمّ قال : بينما أنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببطن نخلة نصلّي إذ ظهر علينا أبو طالب ، فقال : ما تصنعان يا بن أخي؟ فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورغّبه في الإسلام فقال : ما أرى بالّذي تقول وتصنع بأسا ... ثمّ قال علي عليه‌السلام : اللهم لا أعرف عبدا من هذه الامة عبدك قبلي غير نبيّها ـ قالها ثلاث مرات ثمّ قال ـ لقد صلّيت قبل أن يصلّي أحد سبعا ـ يعني سبع سنين. ورواه ابن حنبل في المسند ١ : ٩٩.

(١) مسند الامام أحمد ١ : ٣٧٣ ط ١.

(٢) ورواه البلاذري في أنساب الأشراف ٢ : ٩٣.

٣٥٥

بسندهم عن حبّة العرني قال : سمعت عليّا يقول : «أنا أوّل من صلّى مع رسول الله».

وفي «مسند العشرة» و «فضائل الصحابة» لابن حنبل عن العرني عن علي عليه‌السلام بلفظ : «اللهم لا أعرف أنّ عبدا من هذه الامّة عبدك قبلي ، غير نبيّك» قالها ثلاث مرّات.

وفي مسند أبي يعلى بلفظ : «ما أعلم أحدا من هذه الامّة بعد نبيّها عبد الله غيري».

وفي مسندي أحمد وأبي يعلى عن العرني عنه عليه‌السلام قال : «صلّيت قبل أن يصلّي الناس سبعا» (١).

ونقل عن سنن ابن ماجة القزويني وتأريخ الطبري عن عبّاد بن عبد الله الرواجني قال : سمعت عليّا قال : «أنا عبد الله وأخو رسول الله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي الّا كاذب مفتر ؛ صلّيت مع رسول الله سبع سنين».

ونقل عن سنن ابن ماجة وتفسير الثعلبي عن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه قال : انّ عليّا صلّى مستخفيا مع النبيّ سبع سنين وأشهر.

ونقل عن «شرف النبيّ» للخركوشي قال : جاء جبرئيل الرسول بأعلى مكّة وعلّمه الصلاة فانفجرت من الوادي عين حتّى توضّأ جبرئيل بين يدي رسول الله ، وتعلّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الطهارة ، ثمّ أمر به عليّا عليه‌السلام (٢).

__________________

(١) في مسند أبي يعلي ، الورق ٣١ / بسنده عن حبة العرني عنه عليه‌السلام : خمس سنين. أو : سبع سنين.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٤ ـ ١٩. هذا هو الفصل الثاني في الجزء الثاني من الكتاب ،

٣٥٦

والاربلي في «كشف الغمّة» ذكر خبر ابن اسحاق في ضمّ النبيّ عليّا إليه ، وأخبار مسند أحمد بن حنبل ، ثمّ نقل عن «المناقب» للخوارزمي عن عبد الله بن مسعود خبرا يشبه خبر عفيف الكندي ، قال : انّ أوّل شيء علمته من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّي قدمت مكّة في عمومة لي فأرشدونا على العبّاس بن عبد المطلب فانتهينا إليه وهو جالس الى من ثمّ ، فجلسنا إليه. فبينا نحن عنده اذ أقبل رجل من باب الصفا تعلوه حمرة ، وله وفرة جعدة الى أنصاف اذنيه ، أقنى الأنف ، برّاق الثنايا ، أدعج العينين ، كثّ اللحية ، دقيق المسربة (١) شثن الكفين ، حسن الوجه ، معه مراهق أو محتلم ، تقفوه امرأة ، قد سترت محاسنها ، حتّى قصدوا نحو الحجر فاستلمه ، ثمّ استلم الغلام ثمّ استلمته المرأة ، ثمّ طاف بالبيت سبعا ، والغلام والمرأة يطوفان معه. فقلنا : يا أبا الفضل انّ هذا الدين لم نكن نعرفه فيكم ، أو شيء حدث؟ قال : هذا ابن أخي محمّد بن عبد الله ، والغلام علي بن أبي طالب ، والمرأة امرأته خديجة بنت خويلد ، ما على وجه الأرض أحد يعبد الله تعالى بهذا الدين الّا هؤلاء الثلاثة.

ثمّ قال : ومثله عن عفيف الكندي ... وقال : وكان عفيف ابن عمّ الأشعث بن قيس. ورواه أحمد بن حنبل في مسنده والنطنزي في «الخصائص» ثمّ نقل عن «الخصائص» في قوله تعالى : (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)(٢) قال : إنّما نزلت في النبيّ

__________________

والفصل الأوّل : المسابقة في الإسلام من ٤ الى ١٣. وأمّا خبر ابن اسحاق في ضمّ النبيّ عليّا عليه‌السلام إليه ، فقد نقله في فصل الطهارة والرتبة : ١٧٩ عن الطبري والبلاذري والواحدي والثعلبي وشرف النبيّ وأربعين الخوارزمي ومغازي ابن اسحاق ..

(١) المسربة : الشعر الدقيق من الصدر الى السرة.

(٢) البقرة : ٤٣.

٣٥٧

وعليّ خاصّة ، لأنّهما أوّل من صلّى وركع (١) ، فعن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نزلت عليّ النبوة يوم الإثنين ، وصلّى عليّ معي يوم الثلاثاء».

ونقل خبر ابن أبي رافع بهذا المعنى عن «المناقب» للخوارزمي قال : صلّى النبيّ يوم الإثنين وصلّى علي من الغد يوم الثلاثاء ، قبل أن يصلّي الناس مع النبي سبع سنين وأشهر.

ونقل عن مسند أحمد بن حنبل بسنده عن علي عليه‌السلام قوله ـ الّذي نقله ابن شهرآشوب عن سنن ابن ماجة وتأريخ الطبري ـ «أنا عبد الله وأخو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي الّا كاذب مفتر ، ولقد صلّيت قبل الناس بسبع سنين» (٢).

وروى البحراني خبر ابن اسحاق عن مجاهد بن جبر في ضمّ النبيّ عليّا عليه‌السلام وهو صغير ، في «حلية الأبرار» عن الصدوق بسنده عن ابن اسحاق (٣) وفي موضع آخر عن تفسير الثعلبي (٤) ثمّ روى الأخبار المارّة عن مسند أحمد بن حنبل ، ومناقب ابن شهرآشوب ، والكليني والصدوق.

ومن العامّة بعد ما نقل ابن اسحاق خبر المجاهد بن جبر قال : ذكر بعض أهل العلم : أنّ رسول الله كان اذا حضرت الصلاة خرج الى شعاب مكّة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبيه ومن جميع أعمامه وسائر قومه ، فيصليان الصلوات فيها فإذا أمسيا رجعا. فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا.

__________________

(١) ونقله ابن شهرآشوب في المناقب ٢ : ١٣ عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس. وعن الباقر عليه‌السلام.

(٢) كشف الغمّة ١ : ٧٩ ـ ٨٩.

(٣) حلية الأبرار ١ : ٢٣٢.

(٤) حليّة الأبرار ١ : ٢٣٩.

٣٥٨

ثمّ انّ أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان ، فقال لرسول الله : يا بن أخي ، ما هذا الدّين الّذي أراك تدين به؟ قال : أي عمّ ، هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا ابراهيم ، بعثني الله به رسولا الى العباد.

وذكروا : أنّه قال لعليّ : أي بني ، ما هذا الدّين الّذي أنت عليه؟ فقال : يا أبت ، آمنت بالله وبرسول الله ، وصدّقته بما جاء به ، وصلّيت معه لله واتبعته ، فقال له : امّا انّه لم يدعك الّا الى خير فالزمه (١).

وقال البلاذري : «وصلّى مع رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ وهو ابن احدى عشرة سنة ، وهو الثبت» ثمّ نقل أقل من ذلك (٢).

ثمّ روى بسنده عن زيد بن أرقم قال : أوّل من صلّى مع رسول الله علي بن أبي طالب (٣).

ونقل المحقّق بهامشه عن مسند أبي يعلى بسنده عن حبّة العرني عنه أنّه قال : ما أعلم أحدا من هذه الامّة بعد نبيّها عبد الله قبلي ، لقد عبدته قبل أن يعبده أحد منهم خمس سنين. أو قال : سبع سنين. وعنه قال : بعث رسول الله يوم الإثنين وأسلمت يوم الثلاثاء (٤).

أجل ، هذه عيّنة وافية من أخبار الباب ، وهي كما رأيناها خالية عن ذكر القرآن ونزوله والقراءة منه في صلاتهم ولكن ـ قال صاحب التمهيد ـ «لا شكّ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي منذ بعثته ، وكان يصلّي معه عليّ عليه‌السلام وجعفر وزيد بن حارثة

__________________

(١) السيرة النبويّة ابن هشام ١ : ٢٦٣ ، ٢٦٤.

(٢) أنساب الأشراف ٢ : ٩٠.

(٣) أنساب الأشراف ٢ : ٩٢ ، ٩٣.

(٤) هامش أنساب الأشراف ٢ : ٩٢.

٣٥٩

وخديجة ، «ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ... فلا بدّ أنّ سورة الفاتحة كانت مقرونة بالبعثة» (١).

«وإن كان أوّل ما نزل من القرآن سورة العلق أو آي منها فلم سمّيت سورة الحمد بفاتحة الكتاب؟ إذ ليس المعنى : أنّها كتبت في بدء المصحف ، لأنّ هذا الترتيب شيء حصل بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو لا أقلّ في عهد متأخّر من حياته فرضا ، في حين أنّها كانت تسمّى بفاتحة الكتاب منذ بدايات نزولها».

وللإجابة يقول : «أمّا الآيات الخمس من سورة العلق فهي أوّل آيات نزلت ، وأمّا سورة الحمد فهي أوّل سورة كاملة نزلت ، ولذلك سمّيت بفاتحة الكتاب ، ثمّ لم ينزل من القرآن تباعا الّا بعد الفترة» (٢).

هذا ، وقد مرّ الخبر الطبرسي في «مجمع البيان» عن علي عليه السلام عن النبي صلّى الله عليه وآله «أن أول ما نزل عليه بمكة فاتحة الكتاب ثمّ اقرأ باسم ربك». (٣)

فترة الوحي :

في تفسير القمّي عن أبي الجارود عن الباقر عليه‌السلام في قوله سبحانه : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) قال : ذلك أنّ أوّل سورة نزلت كانت (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ثمّ أبطأ جبرئيل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت خديجة : لعلّ ربّك قد تركك فلا يرسل إليك؟ فأنزل الله تبارك وتعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(٤).

__________________

(١) التمهيد ١ : ٩٦.

(٢) التمهيد ١ : ٨٠ ـ ٨٣.

(٣) مجمع البيان ١٠ : ٤٠٥.

(٤) تفسير القميّ ٢ : ٤٢٨.

٣٦٠