موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٦

فتحاربوا فهزم بنو عجل وبنو شيبان اولئك ، فكان أوّل يوم انتصرت فيه العرب من العجم في «يوم ذي قار».

وصار إياد بن نزار بن معد بن عدنان الى اليمامة فولد له أولاد انتسبوا في القبائل ، ثمّ انتقل قسم منهم الى الحيرة فنزلوا الخورنق والسدير وبارق ، وأجلاهم كسرى عن ديارهم فأنزلهم تكريت ـ مدينة قديمة على شطّ دجلة من أرض الموصل ـ ثمّ أخرجهم عن تكريت الى بلاد الروم فنزلوا بأنقرة من أرض الروم ، وجماهير قبائلهم : نزار ومالك ويقدم وحذاقة.

وساد من ولد نزار من معدّ : مضر بن نزار فكان سيّد ولد أبيه وكان كريما حكيما.

فولد مضر بن نزار : الياس بن مضر وعيلان بن مضر.

فولد عيلان بن مضر : قيس بن عيلان وأصبح العدد والمنعة في ولد قيس ، وجماهير قبائلهم : عدوان ، وفهم ، ومحارب ، وباهلة ، وفزارة ، وسليم ، وعامر ، ومازن ، وسلول ، وثقيف ، وكلاب ، وعقيل ، وقشر ، والحريش ، وعوف. ولقبائل قيس عيلان عشرة حروب مشهورة ، منها حرب داحس والغبراء بين فزارة وعبس.

وبان فضل الياس بن مضر وشرفه ، وظهرت منه امور جميلة حتّى رضوا به رضا لم يرضوا بأحد من ولد اسماعيل مثله ، فأنكر عليهم ما غيّروا من سنن آبائهم فردّهم الى سنن آبائهم حتّى رجعت سنتهم على أوّلها ، فكانت العرب تعظّم الياس تعظيم أهل الحكمة. وله من الولد : عامر ، وعمرو ، وعمير ، وألقابهم : مدركة ، وطابخة ، وقمعة.

وولد لطابخة بن الياس : اد بن طابخة ، فتفرعت من ولده أربع قبائل هي : الرباب ، وضبّة ، ومزينة ، وتميم. وأصبح العدد في تميم حتّى امتلأ بهم البلاد.

٢٠١

فمن جماهير قبائلهم : كعب ، وحنظلة ، وبنو دارم ، وبنو زرارة ، وبنو عمرو بن تميم ، وبنو أسد بن تميم ، ولهم حروب معروفة (١).

وكان بنو عمرو بن عامر بن ربيعة قد نزلوا مدينة مأرب باليمن ، فلمّا انهدّ السدّ بسيل العرم اعتزلوا سائر ربيعة وانخزعوا الى مكّة فسمّوا خزاعة لانخزاعهم هذا (٢) وتزوج منهم قمعة بن الياس فانتسب ولده إليهم (٣).

وكانت حجابة البيت لإياد بن نزار (٤) ، فنازعه عليها مضر ، وثارت الحرب بينهما وكانت على اياد (٥) فلمّا أرادوا الرحيل عن مكّة قلعوا الحجر الأسود وحملوه على جمل فلم ينهض فدفنوه وخرجوا ، وبصرت بهم امرأة من خزاعة حين دفنوه. فلمّا بعدت اياد اشتدّ ذلك على مضر وأعظمه قريش وسائر مضر ، فقالت الخزاعية لقومها : اشترطوا على قريش وسائر مضر أن يصيّروا إليكم حجابة البيت حتّى أدلّكم على الركن ، ففعلوا ذلك ، فلمّا أظهروا الركن صيّروا إليهم الحجابة (٦) ووليت خزاعة أمر البيت وأوّل من وليه منهم (٧) عمرو بن لحيّ بن قمعة بن الياس ـ فهو من مضر الّتي انتمت الى خزاعة ـ وهو أوّل من غيّر دين ابراهيم عليه‌السلام (٨).

وولد مدركة بن الياس : هذيلا ، وخزيمة ، وغالبا ، وحارثة : وكان العدد منهم في بني سعد بن هذيل ، وكانوا فصحاء شعراء أصحاب نجدة وحروب وغارات على

__________________

(١) اليعقوبي ١ : ٢٢٣ ـ ٢٢٩.

(٢) مروج الذهب : ٢ : ٢٩.

(٣) اليعقوبي ١ : ٢٢٣.

(٤) اليعقوبي ١ : ٢٣٨.

(٥) مروج الذهب ٢ : ٢٩.

(٦) اليعقوبي ١ : ٢٣٨.

(٧) مروج الذهب ٢ : ٢٩.

(٨) اليعقوبي ١ : ٢٣٨. واسمه في المسعودي : عمرو بن لحي بن عامر ٢ : ٢٩ ط بيروت.

٢٠٢

تعبير اليعقوبي. وأمّا حارثة بن مدركة فدرج صغيرا ومات ، وأمّا بنو غالب فانتسبوا في بني خزيمة ، لأنه كان يعدّ له الفضل والسؤدد حتّى كان أحد حكام العرب.

فولد خزيمة بن مدركة : أسد ، والهون ، وكنانة. وانتقل ولد أسد الى اليمن ، وهم : دودان ، وكاهل ، وعمرو ، وهند ، والصّعب ، وتغلب. وكان العدد في بني دودان ، ومنه تفرّقت قبائل بني أسد : قعين ، وفقعس ، ومنقذ ، وديّان ووالبة ، ولاحق ، وحرثان ، ورئاب ، وبنو الصيداء ، وانتشر ولده في اليمن ، ومن قبائلهم : جذام ، ولخم ، وعاملة ، وبنو عمرو بن أسد ، وكانت منتشرة من تهامة الى قصور الحيرة : الخورنق والسدير وبارق ، وكانت محاربة لكندة في اليمن ومحالفة لطيّئ في العراق ، ثمّ تحاربوا وأخذ بعضهم من بعض سبايا ، ثمّ ردّوا الظعائن.

وولد كنانة بن خزيمة : النضر ، وحدال ، وسعدا ، ومالكا ، وعوفا ، ومخرمة ، وعليّا ، وغزوان ، وجرولا ، والحارث ، وعبد مناة. والعدد في أبناء عبد مناة هذا ، فمنهم : بنو ليث ، وبنو الدئل ، وبنو ضرة ، وبنو غفار ، وبنو جذيمة ، وبنو مدلج. فهذه جماهير قبائل كنانة.

والنضر بن كنانة هو الذي سمّته امّه قريشا وهو تصغير قرش وهي دويبة بحريّة ، فولد النضر بن كنانة : الصلت ويخلد ومالك ، وكان النضر يكنّى أبا الصّلت ، وصار ولد الصّلت مع خزاعة ولم يبق من يخلد أحد يعرف.

وإنمّا أصبح مالك بن النضر عظيم الشأن ، وكان له من الولد : فهر والحارث وشيبان ، واختلفوا في اسم فهر هل اسمه فهر؟ أو اسمه قريش ولقبه فهر ، ومنه القرشيون فقط. وظهر في فهر بن مالك علامات فضل في حياة أبيه ، فلمّا هلك أبوه قام مقامه.

وكان لفهر بن مالك من الولد : غالب ، والحارث ، ومحارب وجندلة ، وكان غالب أفضلهم وأظهرهم مجدا ، فلمّا مات هو شرف غالب وعلا أمره.

٢٠٣

وكان له من الولد : لؤي ، وتيم ، وتغلب ، ووهب ، وكثير ، وحرّاق. وساد لؤي من بينهم ، فلمّا مات غالب بن فهر قام لؤي بن غالب مقامه.

وكان للؤي من الولد : كعب ، وعامر ، وسامة ، وخزيمة ، وعوف ، والحارث الجشم ، وسعد ، فصار عامر الى عمان وتزوج امرأة من مدينة قرن في اليمن ، وكان له من الولد : حسل ومعيص وعويص. ونزح خزيمة الى بني شيبان فانتسب ولده الى بني ربيعة. ونزح الحارث الجشم وسعد الى هزّان فانتسبوا إليهم. وانتمى عوف بن لؤي الى عوف بن سعد بن ذبيان في أرض غطفان.

وكان أعظم هؤلاء شرفا وقدرا كعب بن لؤي حتّى أن قريشا أرّخت من موته ، وكان له من الولد : مرة ، وعدي ، ومنه بنو عدي رهط عمر بن الخطاب ، وهصيص ومنه بنو جمح وبنو سهم.

وساد مرّة بن كعب ، وولد له : يقظة وتيم ومنه بنو تيم رهط أبي بكر ابن أبي قحافة عتيق التيمي ، وكلاب ، وساد من بينهم كلاب هذا. وكان لكلاب بن مرة من الولد : قصيّ ، وزهرة.

وكان اسم قصيّ : زيدا ، الّا أن أباه كلابا مات وهو صغير في حجر امّه ، وقدم رجل من بني عذرة من قضاعة يقال له : ربيعة بن حرام العذري فتزوجها وخرج بها الى قومه وحملت زيدا معها فلمّا بعد من دار قومه سمّته قصيّا. فلمّا شبّ عرف أنه ابن كلاب بن مرّة وأنّ قومه كانوا آل الله وفي حرمه فكره قصيّ الغربة وأحبّ أن يخرج الى قومه ، وخرج في الشهر الحرام في حجاج قضاعة حتّى قدم مكّة وأقام بها وتزوج حبّى ابنة حليل الخزاعي (١) وهو آخر من ولي البيت من خزاعة (٢) فولدت له عبد مناف ، وعبد الدار ، وعبد العزّى ، وعبد قصيّ.

__________________

(١) اليعقوبي ١ : ٢٢٩ ـ ٢٣٩.

(٢) ابن اسحاق في السيرة١ : ١٢٣ ومروج الذهب ٢ : ٣١.

٢٠٤

قال المسعودي : وكانت ولاية البيت ثلاث خصال : الاجازة بالناس من عرفة ، والإفاضة بالناس غداة النحر الى منى ، والنسيء للشهور الحرم. وكانت النسأة في بني مالك بن كنانة ، وذلك انّ العرب كانت اذا فرغت من الحج وأرادت الرجوع اجتمعت الى شريف كنانة فيقوم فيهم فيقول : اللهم انّي قد أحللت أحد الصّفرين : الصّفر الأوّل ، وأنسأت الآخر للعام المقبل (١).

قال اليعقوبي : وكان الحج واجازة الناس من عرفات للغوث بن مرّ الملقب بالصوفة ، وكانت الحجابة لخزاعة. فلمّا حضر الحج جمع قصيّ إليه قومه من بني فهر بن مالك وحال بين صوفة وبين الإجازة ، فعلمت بنو بكر وخزاعة ان قصيّا سيصنع بهم كما صنع بصوفة فسيحول بينهم وبين الأمر بمكّة وحجابة البيت. فانحازوا عنه وصاروا الى صوفة ، فأجمع قصي لحربهم واستمد من اخوانه من الرضاعة في بني عذرة من قضاعة ، وقيل انّهم وافوا يريدون الحج فأعانوه ، فاقتتلوا قتالا شديدا بالأبطح وكثرت القتلى في الفريقين ثمّ تداعوا الى الصلح بالتحاكم الى يعمر بن عوف من بني كنانة ، فقضى بينهم بأنّ قصيّا أولى بالبيت وأمر مكّة من خزاعة ، وأنّ كلّ دم أصابه قصيّ من خزاعة وبني بكر فهو موضوع ، وأنّ ما اصابت خزاعة وبنو بكر من قريش ففيه الدية ، فودّوا خمسا وعشرين بدنة وثلاثين حرجا ، أي قطيعا من الغنم.

وروى بعضهم : أنّه لمّا تزوج قصيّ حبّى ابنة حليل الخزاعي ، أوصى حليل عند موته بولاية البيت الى قصيّ.

وقال آخرون : بل دفع حليل الخزاعي مفتاح البيت الى أبي غبشان سليمان بن عمرو ، فاشتراه قصي منه بزق خمر على ابل قعود ـ وهي الناقة الّتي يقتعدها

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ٣٠ ويقصد بالصّفر الأوّل : محرم.

٢٠٥

الراعي في كلّ حاجته ـ فجرى مثلا في العرب فقالوا : أخس من صفقة أبي غبشان. وو ثبت خزاعة فقالت : لا نرضى بما صنع أبو غبشان ، فوقعت بينهم الحرب.

فولي قصيّ البيت وأمر مكّة والحكم (١) واستقام أمره فعشّر على من دخل مكّة من غير قريش (٢) ولم يكن في الحرم بمكّة بيت ، إنمّا كانوا يكونون بها نهارا فاذا امسوا خرجوا ، وكانوا في الشعاب ورءوس الجبال ، فجمع قصيّ قبائل قريش فقسّم بينهم منازلهم فأمر لقبائل قريش بالأبطح بمكّة ، وقسّمه بينهم أرباعا ، فكانت قريش كلّها بالأبطح خلا بني محارب والحارث ابن فهر ، وبني تميم الأدرم ، وبني عامر بن لؤي ، فانّهم نزلوا الظواهر.

فلمّا استقامت له الامور قدم البيت فبناه بنيانا لم يبنه أحد ، كان طول جدرانه تسع أذرع فجعله ثماني عشرة ذراعا ، وسقف البيت بخشب شجر الدوم ـ وهو شجر ضخم يشبه النخل ـ وبنى دار الندوة الى جانب الصفا.

فكانوا لا يتشاورون في أمر ولا يعقدون لواء للحرب ولا يختنون ، ولا يتناكحون الّا في دار الندوة. وحفر بئر العجول (٣).

وقال ابن اسحاق : حدثني أبي اسحاق بن يسار عن الحسن بن محمد ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعته يقول : فولي قصيّ البيت وأمر مكّة ، فكانت إليه الحجابة ـ وهي مفاتيح البيت ـ والسقاية ، والرفادة واتخذ لنفسه دار الندوة (٤)

__________________

(١) اليعقوبي ١ : ٢٣٨ ـ ٢٤٠ وكان ذلك في النصف الأوّل من القرن الخامس الميلادي كما في سيرة المصطفى : ٣٠.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٣٢.

(٣) اليعقوبي ١ : ٢٤٠.

(٤) صارت الدار في الإسلام الى حكيم بن حزام بن خويلد فاشتراها منه معاوية بمائة ألف درهم وأدخلها في المسجد.

٢٠٦

جعل بابها الى جهة الكعبة ، فكانت قريش تقضي امورها فيه ، فكانوا لا يتشاورون في أمر نزل بهم ، ولا يعقدون لواء لحرب قوم من غيرهم الّا في داره ـ دار الندوة ـ يعقده لهم أحد ولده ، حتّى الجارية من قريش كانت اذا بلغت ان تتدرّع ـ أي تلبس الدراعة وهي ستر كالعباءة القصيرة ـ لم تكن تتدرّع الّا في داره ـ دار الندوة ـ ففيها كان يشقّ لها درّاعتها ثمّ ينطلق بها أهلها (١).

وكان قصيّ هو الّذي فرض الرّفادة على قريش وأمرهم بها فقال «يا معشر قريش! إنّكم جيران الله وأهل بيته ، أهل الحرم ، وانّ الحاجّ ضيف الله وزوّار بيته ، وهم أحق الضيف بالكرامة ، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتّى يصدروا عنكم».

فكانوا يخرجون لذلك كلّ عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه فيصنعه طعاما للناس ايّام منى ، فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد وجرى ذلك فيهم حتّى ظهر الإسلام.

فلمّا كبر قصيّ ودقّ عظمه ، رأى أنّ عبد مناف قد شرف في زمانه وهو ثاني أبنائه وبكره هو عبد الدار ، فقال له : أما والله يا بني لالحقنّك بهم وان كانوا قد شرفوا عليك : لا يدخل الكعبة رجل حتّى تفتحها أنت لهم ، ولا يعقد أحد لواء حرب لقريش الّا أنت ، ولا يشرب احد بمكّة الّا من سقايتك ، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما الّا من طعامك ، ولا تقطع قريش أمرا من امورها الّا في دارك. فأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة ودار الندوة الّتي لا تقضي أمرا من أمورها الّا فيها ، فجعل إليه قصي كلّ ما كان بيده من أمر قومه ، وكان قصيّ لا يخالف ولا يرد عليه شيء صنعه (٢).

__________________

(١) ابن اسحاق فی السیرة ١ : ١٣١ ـ ١٣٢.

(٢) ابن اسحاق فی السیرة ١ : ١٣٦ ـ ١٣٧.

٢٠٧

وقال اليعقوبي : انّ قصيا قسّم أمره بين ولده : فجعل السقاية والرئاسة لعبد مناف ، والدار لعبد الدار ، والرفادة لعبد العزّى ، وحافتي الوادي لعبد قصيّ. ومات قصيّ ودفن بالحجون.

ورأس عبد مناف بن قصيّ وجلّ قدره وعظم شرفه ، ولمّا كبر أمره جاءته خزاعة وبنو الحارث من كنانة فسألوه أن يعقد بينهم الحلف ليعزّوا به ، فعقد بينهم الحلف الّذي يقال له : حلف الأحابيش.

وولد لعبد مناف : هاشم ـ واسمه عمرو ـ وعبد شمس ، والمطلب ونوفل ، وأبو عمرو ، وحنّة ، وتماضر ، وأربع بنات.

وشرف هاشم بعد أبيه وجلّ أمره ، واصطلحت قريش على ان يولّوا هاشما الرئاسة والسقاية والرفادة (١).

حلف المطيبين وحلف اللعقة :

وروى ابن اسحاق عن أبيه اسحاق بن يسار ، عن الحسن بن محمد ابن علي بن أبي طالب انه قال لنبيه بن وهب الهاشمي : ان قصيّ بن كلاب جعل كلّ ما كان بيده من أمر قومه الى عبد الدار ، وكان قصيّ لا يخالف ولا يردّ عليه شيء صنعه ، فأقامت قريش على ذلك ليس بينهم اختلاف وتنازع ، حتّى انتهى الأمر في عبد الدار الى حفيده : عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار!

ثمّ أجمع بنو عبد مناف بن قصيّ : عبد شمس وهاشم والمطلّب ونوفل ، اجمعوا على أن يأخذوا ما بأيدي بني عبد الدار بن قصي جعله إليهم من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة ، ورأوا انهم اولى بذلك منهم لشرفهم عليهم وفضلهم في قومهم ،

__________________

(١) اليعقوبي ١ : ٢٤٢.

٢٠٨

فتفرقت عند ذلك قريش : فكانت طائفة مع بني عبد مناف على رأيهم يرون أنّهم أحق به من بني عبد الدار لمكانهم في قومهم ، وطائفة مع بني عبد الدار يرون ان لا ينزع منهم ما كان قصيّ جعل إليهم.

فكان مع بني عبد مناف بنو أسد بن عبد العزّى بن قصي ، وبنو زهرة ابن كلاب ، وبنو تميم بن مرّة ، وبنو الحارث بن فهر.

وكان مع بني عبد الدار : بنو مخزوم ، وبنو سهم ، وبنو جمح ، وبنو عديّ بن كعب.

وعقد كلّ قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا :

فيزعمون انّ بعض نساء بني عبد مناف أخرجت لهم جفنة مملؤة طيبا ، فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة ، ثمّ غمس القوم أيديهم فيها ، فتعاقدوا وتعاهدوا مع حلفائهم ثمّ مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم ، فسمّوا (المطيّبين).

وتعاقد بنو عبد الدار وتعاهدوا مع حلفائهم عند الكعبة حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا ، فسمّوا (الأحلاف).

ثمّ تداعوا الى الصلح على أن يعطوا بني عبد مناف : السقاية والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار كما كانت ، فرضي كلّ واحد من الفريقين بذلك وتحاجزوا عن الحرب (١) هكذا يقتصر هذا الخبر على ذكر بني عبد مناف وبني عبد الدار دون ذكر شخص خاص منهم ، ولكنّه بدأ بذكر عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ، من بني عبد الدار ، فلا يناسب أن يكون معارضه المعاصر هاشم بن عبد مناف بن قصي ، بل إمّا عبد المطلب أو أحد أبنائه ليمكن أن يكون متزامنا معه معاصرا له من حيث سلسلة النسب.

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ١ : ١٣٧ ـ ١٤٠.

٢٠٩

واختصر اليعقوبي هذا فقال : واصطلحت قريش على ان يولّوا هاشما الرئاسة والسقاية والرفادة (١) والظاهر أنّه يريد من «هاشما» هنا بني هاشم لا هاشم نفسه ، والمقصود من بني هاشم هو عبد المطّلب ابنه ، كما أنّه قد ذكر بشأن عبد المطلب : أنّ بني عبد الدار لمّا رأوا حال عبد المطلب وأنّه قد حاز الفخر مشوا الى بني سهم فقالوا لهم : امنعونا من بني عبد مناف! فلمّا رأى ذلك بنو عبد مناف : بنو المطلب وبنو هاشم وبنو نوفل ـ واختلف في بني عبد شمس فقال الزبيري : لم يكونوا فيهم ـ اجتمعوا ، فخرجت أمّ حكيم بنت عبد المطلب وأخرجت طيبا في جفنة فوضعتها في الحجر ، فتطيّب بنو عبد مناف ، وأسد ، وزهرة ، وبنو تيم ، وبنو الحارث ، فسمّي حلفهم : حلف المطيّبين.

فلمّا سمعت بذلك بنو سهم ذبحوا بقرة وقالوا : من أدخل يده في دمها ولعق منه فهو منّا ، فأدخلت أيديها بنو عبد الدار ، وبنو سهم ، وبنو جمح ، وبنو عدي ، وبنو مخزوم ، فسمّي حلفهم : حلف اللعقة (٢).

رحلة الشتاء والصيف

قال اليعقوبي : وكان هاشم أوّل من سنّ الرحلتين : رحلة الشتاء الى الشام ورحلة الصيف الى الحبشة واليمن.

__________________

(١) اليعقوبي ١ : ٢٤٢.

(٢) اليعقوبي ١ : ٢٤٨. وفي ج ٢ : ١٧ ذكر حلف الفضول فقال «وحضر رسول الله حلف الفضول وقد جاوز العشرين» وقد قال في وفاة عبد المطلب : وتوفي عبد المطلب ولرسول الله ثماني سنين ٢ : ١٣ إذن فحلف الفضول كان بعد اثني عشر عاما بعد عبد المطلب : أمّا الّذي كان على عهد عبد المطلب فانّما هو حلف اللعقة (حلف الأحلاف) دون حلف الفضول ، أمّا حلف الفضول فقد تأخّر عنه بأكثر من اثني عشر عاما ولم أر من تنبّه له.

٢١٠

وذلك أنّ تجارة قريش كانت لا تعدو مكّة فكانوا في ضيق ، حتّى ركب هاشم الى الشام الى قيصر ، فقال له : أيّها الملك انّ لي قوما من تجار العرب ، فتكتب لهم كتابا يؤمنهم ويؤمن من تجاراتهم حتّى يأتوا بما يستطرف من أدم (١) الحجاز وثيابه. ففعل قيصر ذلك ، فانصرف هاشم فجعل كلّما مرّ بحيّ من أحياء العرب أخذ من أشرافهم الإيلاف ـ أي العهد ـ أن يأمنوا عندهم وفي أرضهم ، فأخذ الإيلاف من الشام الى مكّة (٢) وذلك قول الله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)(٣).

وخرج هاشم بتجارات عظيمة يريد الشام ، فجعل يمر بأشراف العرب فيحمل لهم التجارات ولا يلزمهم لها مؤونة حتّى صار الى «غزّة» فتوفي بها.

وإنمّا لقب بهاشم ـ واسمه عمرو ـ لانه كان يهشم الخبز ويصبّ عليه المرق واللحم فيطعمهم بمكّة ومنى وعرفات والمزدلفة يثرد لهم الخبز في السمن واللحم والسويق ، ويأمر بحياض من أدم فتجعل في موضع زمزم ، فيسقي الناس فيها من الآبار الّتي بمكّة (٤) أمّا زمزم فقد كانت جرهم طمّته ولم يحفر بعد.

وقد نقل اليعقوبي خبرا عن تاجر من بني كلاب حضر موسم الحج فوصف لنا كيفية رفادة هاشم فقال :

قال الأسود بن شعر الكلبيّ : كنت عسّيفا ـ أي عاملا ـ لعقيلة من عقائل الحيّ ، أركب الصعبة والذلول ، لا أبقي مطرحا من البلاد أرتجي فيه ربحا من الأموال الّا ركبت إليه من الشام بأثاثه وخرثيّه ـ أي متاعه ـ أريد كبّة العرب أي جماعتهم.

__________________

(١) الادم بفتحتين : جمع الأديم : الجلد المدبوغ ، والادم بضمتين : جمع الإدام للطعام.

(٢) اليعقوبي ١ : ٢٤٤.

(٣) قريش : ١ ـ ٤.

(٤) اليعقوبي ١ : ٢٤٢ ـ ٢٤٤.

٢١١

فعدت من الشام وقد دهم الموسم ، فدفعت الى الموسم مسدفا ـ أي ليلا ـ فحبست الركاب حتّى انجلى عني قميص الليل ، واذا جزر تنحر واخرى تساق للنحر ، وطهاة يطهون الطعام للأكل. فبهرني ما رأيت فتقدّمت اريد عميدهم. وعرف رجل شأني فقال : أمامك ، فدنوت ، فإذا رجل على عرش سام ، تحته نمرقة ، قد كار ـ اي لفّ ـ عمامة سوداء ، وأخرج من ملاثمها جمّة شعر فينانة ـ اي كفنن الشجر في الطول والحسن ـ كانّ الشعرى تطلع من جبينه وفي يده مخصرة ، وحوله مشيخة جلّة ، منكسوا الأذقان ، ما منهم احد يفيض بكلمة ، ودونهم خدم مشمّرون الى أنصافهم ، واذا برجل مجهر على نشز من الأرض ينادي : يا وفد الله هلمّوا الى الغداء ، وانسيان على طريق من طعم يناديان : يا وفد الله من تغدّ فليرجع الى العشاء. فقلت لرجل كان الى جانبي : من هذا؟ اريد العميد؟ فقال : أبو نضلة هاشم بن عبد مناف. فخرجت وأنا اقول : هذا والله المجد ، لا مجد آل جفنة!

وكان هاشم لمّا أراد الخروج الى الشام حمل امرأته وابنه شيبة بن هاشم ليجعل أهله عند أهلها بالمدينة «يثرب» بني عديّ بن النجار.

ولمّا بلغ نبأ وفاة هاشم الى مكّة قام بأمر مكّة بعده أخوه المطلب بن عبد مناف. فلمّا كبر شيبة بن هاشم وبلغ المطلب بن عبد مناف وصف حال شيبة ابن أخيه هاشم ، خرج الى المدينة حتّى دخلها عشاء ـ أي قرب العشية ـ فأتى بني عديّ بن النجار وعرفه القوم ورأى غلاما على ما وصف له فقال : هذا ابن هاشم؟ قال القوم : نعم ، فذهب به معه.

ودخل المطلب مكّة وخلفه شيبة بن هاشم ، والناس في أسواقهم ومجالسهم ، فقاموا يرحبون به ويحيونه ويسألونه : من هذا معك؟ فيقول : عبدي ابتعته بيثرب! ثمّ دخل سوق الحزورة ـ الى جانب المسجد الحرام ـ فابتاع له حلّة ، ثمّ أدخله داره.

٢١٢

فلمّا كان العشي ـ أي العصر ـ ألبسه الحلّة ، ثمّ خرج به معه فأجلسه معه في مجلس بني عبد مناف فأخبرهم خبره. ولكن غلب عليه اسم : عبد المطلب.

وأراد المطّلب أن يشارك في رحلة الشتاء الى اليمن ، فقال لعبد المطّلب : أنت يا بن أخي أولى بموضع أبيك ، فقم بأمر مكّة.

ثمّ رحل فتوفي في سفره ذلك بردمان ـ من حصون اليمن ـ فقام عبد المطلب بأمر مكّة وساد وشرف. وأقرّت له قريش بالشرف (١).

حفر بئر زمزم :

قال ابن اسحاق : كانت جرهم قد دفنت زمزم حين ظعنوا من مكّة (٢).

وقال اليعقوبي : قال محمد بن الحسن : لمّا تكامل لعبد المطلب مجده وأقرّت له قريش بالفضل رأى في المنام وهو في الحجر انّ آتيا أتاه فقال له : قم أبا البطحاء واحفر زمزم حفيرة الشيخ الأعظم (٣).

وروى ابن اسحاق بثلاث وسائط عن علي عليه‌السلام انه قال : قال عبد المطلب : اني لنائم في الحجر اذ أتاني آت فقال : احفر طيبة ، قال : قلت : وما طيبة؟ قال : ثم ذهب عنّي. فلمّا كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال : احفر برّة ،

__________________

(١) اليعقوبي ١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٦.

(٢) ابن اسحاق في السيرة١ : ١١٦.

(٣) اليعقوبي ١ : ٢٤٦.

٢١٣

قال : قلت : فما برّة؟ قال : ثمّ ذهب عنّي؟. فلمّا كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال : احفر المضنونة ، قال : فقلت : وما المضنونة؟ قال : ثمّ ذهب عنّي فلمّا كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال : احفر زمزم ، قال : قلت : وما زمزم؟ قال : لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم ، وهي بين الفرث والدم ، عند نقرة الغراب الأعصم (١) ، عند قرية النمل.

فلمّا بيّن له شأنها ودلّ على موضعها وعرف انه قد صدق الرؤيا غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ـ ليس له يومئذ ولد غيره ـ فحفر فيها.

فلمّا بدا لعبد المطلب الحجارات الّتي طوي بها البئر عرفت قريش أنّه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه فقالوا : يا عبد المطلب إنّها بئر أبينا اسماعيل ، وانّ لنا فيها حقا فاشركنا معك فيها ، قال : ما أنا بفاعل إنّ هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم. فقالوا له : فانصفنا فإنّا غير تاركيك حتّى نخاصمك فيها! قال : فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم احاكمكم إليه قالوا : كاهنة بني سعد : هذيم. قال : نعم. وكانت باشراف الشام.

فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه بني عبد مناف ، وركب من كلّ قبيلة من قريش نفر ، فخرجوا حتّى اذا كانوا ببعض المفاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتّى أيقنوا بالهلكة ، فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا : إنّا بمفازة ، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم.

فلمّا رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوّف منه على نفسه وأصحابه قال لهم : انّي أرى أن يحفر كلّ رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة ، فكلّما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثمّ واروه ، حتّى يكون آخركم واحدا ،

__________________

(١) الغراب الّذي في جناحيه بياض.

٢١٤

فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا. قالوا : نعم ، وقام كلّ واحد منهم فحفر حفرته ثمّ قعدوا ينتظرون الموت عطشا.

ثمّ قال عبد المطلب لأصحابه : ارتحلوا فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ، وتقدّم عبد المطلب الى راحلته فركبها ، فلمّا انبعثت به انفجرت من تحت خفّها عين من ماء عذب ، فكبّر عبد المطلب وكبّر أصحابه ، ثمّ نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتّى ملأوا أسقيتهم. ثمّ دعا سائر قريش فقال : هلمّوا الى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا. فجاءوا فشربوا واستقوا ، ثمّ قالوا : قد ـ والله ـ قضى لك علينا يا عبد المطلب ، فلا نخاصمك في زمزم أبدا ، فإنّ الّذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الّذي سقاك زمزم ، فارجع الى سقايتك راشدا. فرجعوا (١).

وروى اليعقوبي عن محمد بن الحسن أنّه قال : كانت قريش تفسد ذلك الحوض الّذي كان يسقي منه عبد المطّلب وتكسره ، فرأى في المنام أيضا : أن قم فقل : اللهم إنّي لا احلّه لمغتسل إنمّا هو حلّ للشارب. فقام عبد المطّلب فقال ذلك ، فلم يكن يفسد ذلك الحوض أحد الّا رمي بداء من ساعته ، فتركوه.

وكان ـ لمّا حفر ـ وجد سيوفا وسلاحا وغزالا ـ من ذهب ـ مقرّطا مجزّعا ذهبا وفضة! فلمّا رأت قريش ذلك قالوا : يا أبا الحارث! أعطنا من هذا المال الّذي أعطاك الله فإنّها بئر أبينا اسماعيل فاشركنا معك ، فقال : امهلوني. فلمّا استقام له الأمر جعل الذهب صفائح على باب الكعبة ، وكان أوّل من حلّى الكعبة بعد حليّها على عهد جرهم (٢).

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ١ : ١٥٠ ـ ١٥٣. ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ : ٤٦٥ ط ٤ مجلدات واختصره اليعقوبي ١ : ٢٤٨.

(٢) اليعقوبي ١ : ٢٤٦ ، ٢٤٧ ورواه الكليني عن علي بن ابراهيم مرفوعا في فروع الكافي ١ : ٢٢٥.

٢١٥

وقال المسعودي : حفر عبد المطّلب بن هاشم بئر زمزم ، وكانت مطويّة ، وذلك في ملك كسرى قباد ، فاستخرج منها غزالتي ذهب عليهما الدرر والجوهر وغير ذلك من الحلي ، وسبعة أسياف قلعيّة وسبعة أدرع سوابغ ، فضرب من الأسياف بابا للكعبة ، وجعل احدى الغزالين صفائح ذهب في الباب ، وجعل الاخرى في الكعبة وجعل باب الكعبة مذهّبا (١).

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ١٠٣.

٢١٦

الفصل الثاني

كيف نشأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

٢١٧
٢١٨

آباء النبي صلّى الله عليه وآله

ايمان عبد المطلب :

قال المسعودي : قد تنازع الناس في عبد المطلب : فمنهم من رأى انّ عبد المطلب وغيره من آباء النبي ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ كان مشركا إلّا من صحّ ايمانه. ومنهم من رأى انّ عبد المطلب كان مؤمنا موحدا وأنّه لم يشرك بالله عزوجل ، ولا احد من آباء النبي ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ وانه نقل في الأصلاب الطاهرة ، وانه ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ اخبر : انه ولد من نكاح لا من سفاح. وهذا موضع فيه تنازع بين الإمامية وغيرهم من الفرق في النصّ والاختيار : وليس كتابنا هذا للحجاج فنذكر حجة كلّ فريق منهم.

وكان عبد المطلب يوصي ولده بصلة الأرحام واطعام الطعام ويرغّبهم ويرهّبهم فعل من يرقب معادا وبعثا ونشورا ، وقد أوصى أبا طالب بالنبي ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ (١).

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ١٠٣ و ١٠٨.

٢١٩

وروى الصدوق في (الخصال) بسنده عن الصادق عليه‌السلام : انّ النبي ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قال لعلي عليه‌السلام : انّ عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام : حرّم نساء الآباء على الأبناء وأنزل الله عزوجل (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ)(١) ووجد كنزا (٢) فأخرج منه الخمس وتصدّق به ، وأنزل الله عزوجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)(٣). ولمّا حفر بئر زمزم سمّاها : سقاية الحاج ، وأنزل الله عزوجل (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)(٤). وسنّ عبد المطلب في القتل مائة من الإبل فأجرى الله ذلك في الإسلام. ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسنّ فيهم عبد المطلّب سبعة أشواط فأجرى الله ذلك في الإسلام. يا علي! انّ عبد المطّلب كان لا يستقسم بالأزلام ، ولا يعبد الأصنام ، ولا يأكل ما ذبح على النصب ، ويقول : أنا على دين أبي ابراهيم عليه‌السلام (٥).

وروى الكليني في (الكافي) رواية عن الصادق عليه‌السلام بثلاث طرق : عن مقرن وزرارة ومفضّل بن عمر عنه عليه‌السلام قال : يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمّة وحده ، عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك (٦).

وروى الشيخ المفيد في (الاختصاص) بسنده عن عبد الرحمن بن خالد مولى

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) يمكن أن يكون المقصود منه ما وجده ممّا كانت جرهم قد دفنته في بئر زمزم من هدايا الكعبة ، كما مرّ.

(٣) الأنفال : ٤١.

(٤) التوبة : ١٩.

(٥) الخصال : ٣١٢ ، وعيون أخبار الرضا وكتاب من لا يحضره الفقيه كما في جامع أحاديث الشيعة ٨ : ٥٣٨.

(٦) اصول الكافي ١ : ٤٤٦ و ٤٤٧ ، اي وحده في الايمان دون معاصريه.

٢٢٠