عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ١

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي

عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ١

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي


المحقق: الدكتور بهاء الدين دارتما
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار صادر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-13-157-0

الصفحات: ٣٠٣

لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) ذكر أو أنثى منهن أو من غيرهن أو ولد ابن (١)(فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ) أو ولد ابن (٢)(فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) أي بعد إخراج الوصية وقضاء الدين ، يعني الحكم في طائفة الزوجات أن الزوج إن كانت له زوجة واحدة أو أكثر فلها الربع بغير الولد من الزوج والثمن مع الولد منه ، وإن كانت أكثر إلى الأربع شاركن في الربع والثمن هذا كله إذا لم يمنع مانع من الموانع الأربعة كقتل واختلاف دين ورق واختلاف دار (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ) أي ذكر ميت (يُورَثُ) أي يورث منه ، صفة رجل (كَلالَةً) أي من لا ولد له ولا والد ، خبر «كان» ، وهي في الأصل مصدر بمعنى الكلال ، وهو الإعياء في التكلم ونقصان القوة فيه ، فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد لضعفها بالنسبة إلى القرابة من جهتهما (أَوِ امْرَأَةٌ) أي إن كان (٣) الميت الأنثى التي تورث (٤) منها كلالة (وَلَهُ) أي للميت الموروث منه سواء كان رجلا أو امرأة (أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) كلاهما من الأم بالإجماع ، لأن حكم غيرهما سنبين (٥) في آخر السورة (فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا) أي من الأخ والأخت من الأم (السُّدُسُ) من غير مفاضلة الذكر على الأنثى عند وجود أحدهما (فَإِنْ كانُوا) أي أولاد الأم (أَكْثَرَ) في الوجود (مِنْ ذلِكَ) أي من واحد (فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) بالسوية ، أي لا يزيد نصيب ذكرهم على أنثاهم (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ) ،) قوله (غَيْرَ مُضَارٍّ) نصب على الحال من ضمير (يُوصى) ، أي يوصي الميت حال كونه غير مدخل الضرار على الورثة بأن يوصي بأكثر من الثلث أو بقطع الميراث عنهم ، قوله (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) مصدر مؤكد لقوله تعالى (يُوصِيكُمُ) ، أي يوصيكم (٦) الله بها وصية (٧) لا يجوز تغييرها ، قال عليه‌السلام : «من قطع ميراثا فرضه الله قطع الله ميراثه من الجنة» (٨) ، وقيل : «الضرار أن يوصى بدين ليس عليه» (٩) ، ومعناه الإقرار ، ثم قال تهديدا (وَاللهُ عَلِيمٌ) بمن جار أو عدل في أمر الميراث والوصية (حَلِيمٌ) [١٢] أي ذو حلم عن الجائر لا يعاجله بالعقوبة.

(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣))

(تِلْكَ) أي الفروض المذكورة (حُدُودُ اللهِ) قد بينها لكم لتعلموا بها وسماها حدودا ، لأن الشرائع كالحدود المضروبة للمكلفين لا يجوز أن يتجاوزوا عنها إلى ما ليس لهم فيه حق (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في الإقرار بها ويعمل كما أمره الله بها (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ) أي هذا الثواب (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [١٣] أي النجاة الوافرة يوم القيامة.

(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤))

(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) بجحده ما أمره الله (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) أي يتخط فرائضه ويهتك حرماته (يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) قرئ بالنون والياء في «يدخل جنات» و (يُدْخِلْهُ ناراً)(١٠) ، وجمع (خالِدِينَ) وإفراد (خالِدٌ) نظرا إلى معنى «من» ولفظه (وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) [١٤] يهان فيه.

(وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥))

__________________

(١) ولد ابن ، ب م : ولد الابن ، س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٣٨.

(٢) ولد ابن ، ب م : ولد الابن ، س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٣٨.

(٣) أي إن كان ، م : أي أو كان ، ب ، أو كان ، س.

(٤) تورث ، س : يورث ، ب م.

(٥) سنبين ، س م : سيبين ، ب.

(٦) أي يوصيكم ، ب م : ـ س.

(٧) بها وصية ، ب س : وصية بها ، م.

(٨) ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٩) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٢ / ٢٧.

(١٠) «يدخله جنات» و «يدخله نارا» : قرأ نافع وأبو جعفر وابن عامر بالنون فيهما ، والباقون بالياء كذلك. البدور الزاهرة ، ٧٧.

٢٠١

قوله (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) أي الزنا وهي المرأة الثيب (مِنْ نِسائِكُمْ) مبتدأ ، خبره (فَاسْتَشْهِدُوا) أي اطلبوا للشهادة (١)(عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي من المسلمين الأحرار العدول (فَإِنْ شَهِدُوا) عليهن بالزنا (فَأَمْسِكُوهُنَّ) أي احبسوهن (فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) أي يقبضهن (٢) ملائكة الموت فيمتن في السجن (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) [١٥] أي طريقا يخرجن (٣) من الحبس وهو بأن تنكح فانه غنية عن السفاح أو بأن يظهر الحد بالوحي ، ثم صار حدهن الرجم بقوله عليه‌السلام : «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» (٤) ، والأكثر على (٥) أنه لا جلد على المحصن مع الرجم ، وقالوا : الجلد منسوخ ، فنسخ الحبس بالرجم (٦) ، لأنه كان في ابيداء الاسلام إذا زنت المرأة حبست حتى تموت ولم يكن الحد مشروعا (٧).

(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦))

ثم ذكر حد البكرين فقال (وَالَّذانِ) أي الرجل والمرأة اللذان لم يحصنا ، بتخفيف النون وتشديدها (٨)(يَأْتِيانِها) أي الفاحشة (مِنْكُمْ) أي من المسلمين الأحرار (فَآذُوهُما) باللسان ، يعني سبوهما بتفسير ابن عباس رضي الله عنه (٩) ليندما على ما فعلا (فَإِنْ تابا) من الفاحشة (وَأَصْلَحا) العمل (١٠)(فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) أي لا تؤذوهما بعد التوبة (إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً) أي قابلا للتوبة متجاوزا عن الذنوب (رَحِيماً) [١٦] لمن أطاع أمره ، ثم نسخ الإيذاء بالجلد لقوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي)(١١) الآية (١٢).

(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧))

(إِنَّمَا التَّوْبَةُ) أي المتقبلة مبتدأ ، خبره (عَلَى اللهِ) أي واجب قبولها عليه (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ) أي المعصية (بِجَهالَةٍ) أي جاهلين ، حال من الضمير في الظرف ، قيل : «اجتمعت الصحابة إن كل ما عصى الله به فهو جهالة عمدا كان أو سهوا وكل من عصى الله تعالى فهو جاهل» (١٣) ، وقيل : الجهالة اختيار اللذة الفانية على اللذة الباقية (١٤)(ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) أي من زمان قريب ، يعني قبل مرض موته أو قبل معاينة ملك الموت ، و «من» للتبعيض ، قال عليه‌السلام : «إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (١٥) ، أي ما لم يبلغ الروح الحلقوم (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) تأكيد (١٦) لقوله «إنما التوبة» ، أي يقبل توبتهم البتة وهو عدة من الله بأن يفي بما وجب عليه كرما ولطفا (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) [١٧] أي عالما بأهل التوبة يحكم بقبولها بشرط الاستغفار بالقلب واللسان ، قال عليه‌السلام : «إن الشيطان قال : وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في

__________________

(١) للشهادة ، ب س : الشهادة ، م.

(٢) أي يقبضهن ، ب س : أي يقبض ، م.

(٣) أي طريقا يخرجن ، ب : طريقا يخرجن ، س ، أي طريقا تخرجن ، م.

(٤) رواه مسلم ، الحدود ، ١٢ ؛ وأخرج أبو داود نحوه ، الحدود ، ٢٣ ؛ والترمذي ، الحدود ، ٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٣٩.

(٥) والأكثر علي ، ب م : والأكثر ، س.

(٦) الحبس بالرجم ، ب م : الحبس بالحد ، س.

(٧) اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠ ؛ والبغوي ، ٢ / ٢٨ ؛ وانظر أيضا قتادة (كتاب الناسخ والمنسوخ) ، ٣٩ ؛ والنحاس ، ٩٦ ـ ١٠٠ ؛ وهبة الله ابن سلامة ، ٣٣ ؛ وابن الجوزي ، ٢٤.

(٨) «اللذان» : قرأ المكي بتشديد النون ، والباقون بالتخفيف مع القصر. البدور الزاهرة ، ٧٧.

(٩) انظر البغوي ، ٢ / ٢٩.

(١٠) العمل ، س م : أي العمل ، ب.

(١١) النور (٢٤) ، ٢.

(١٢) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٣٠ ؛ وانظر أيضا قتداة (كتاب الناسخ والمنسوخ) ، ٣٩ ؛ وهبة الله بن سلامة ، ٣٣ ؛ وابن الجوزي ، ٢٤.

(١٣) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٢ / ٣١.

(١٤) نقله المصنف عن البغوي ، ٢ / ٣٢.

(١٥) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٢ / ١٣٢ ؛ والترمذي ، الدعوات ، ٩٩ ؛ وابن ماجة ، الزهد ، ٣٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٤٠ ؛ والبغوي ، ٢ / ٣٢ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٣٧.

(١٦) تأكيد ، ب م : تأكيدا ، س.

٢٠٢

أجسادهم ، فقال تعالى وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» (١).

(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨))

ثم أوضح معنى القريب بقوله (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي الذنوب دون الشرك مصرين على فعلهم (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) أي وقع في سكرات الموت سوى علامات الموت ، فان التوبة تقبل (٢) فيها (قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) من ذنوبي ، يعني لا يقبل التوبة منه ثمه ، لأنها حالة اليأس (٣) دون الاختيار ، قوله (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ) عطف على (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) ، أي ليست التوبة للذين ماتوا (وَهُمْ كُفَّارٌ) أي مصرون على كفرهم يعم المنافقين والمشركين ، فسوى بين الذين سوفوا توبتهم إلى حضرة الموت وبين الذين ماتوا على الكفر تغليظا ، ولأن حضرة الموت أول أحوال الآخرة ، فكأنهم ماتوا بلا توبة على اليقين (أُولئِكَ أَعْتَدْنا) أي هيأنا (لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [١٨] أي وجيعا دائما.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩))

قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) نزل نهيا عن إرث نساء آبائهم بعد موتهم ، أي أول الإسلام كما كانوا يرثونهن وإن شاؤا زوجوهن وأخذوا صداقهن (٤) ، أي لا يباح لكم إرث نساء آبائكم كما يورث المواريث والحال أنهم كارهات لذلك ، ف «كرها» مصدر في موضع الحال من النساء ، ونزل حين كان الزوج يضار زوجته في نكاحه بأنواع البلايا (٥) والظلم إذا لم يكن (٦) من حاجته لتفتدي منه (٧)(وَلا تَعْضُلُوهُنَّ) عطف على (أَنْ تَرِثُوا) ، أي ولا يحل لكم أن تمنعوهن عما يحل لهن من النكاح ، من العضل وهو الحبس والتضييق ، ويجوز أن يكون الجزم فيه للنهي بالاستئناف ، أي لا تمنعوهن من النكاح (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ) من الصداق وغيره (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ) استثناء متصل من المفعول له ، أي لا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لأن (٨) يفعلن الزنا أو النشوز ، فحينئذ يحل لكم ما أخذتم منها ، قوله (مُبَيِّنَةٍ) صفة «فاحشة» ، قرئ بفتح الياء ، أي بينها (٩) غيرها ، وبكسر الياء (١٠) ، أي تبين هي نفسها ، قيل : «كان الرجل إذا أتت المرأة بفاحشة أخذ منها ما ساق إليها ويطلقها» (١١) ، فنسخ ذلك بالحدود (١٢) ، والمعنى : أنها إذا نشزت أو زنت حل للرجل أن يسألها (١٣) الخلع وتعطيه ما سألها بطيبة نفسها ، قوله (وَعاشِرُوهُنَّ) أي صاحبوهن (بِالْمَعْرُوفِ) أي بالقول الجميل والمبيت والنفقة ، نزل حين كانوا يسيؤون عشرة النساء (١٤) ، ثم قال (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ) أي إن كرهتم (١٥) صحبتهن (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) أي فاصبروا عليهن ولا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها ، فقوله «فعسى»

__________________

(١) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٣ / ٢٩ ، ٤١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٣٢.

(٢) تقبل ، ب م : يقبل ، س.

(٣) اليأس ، م : البأس ، ب س.

(٤) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤١ ؛ والواحدي ، ١٢٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٣٣.

(٥) البلايا ، ب م : البلاء ، س.

(٦) إذا لم يكن ، م : إذا لم تكن ، ب س.

(٧) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٢ / ٣٣ ـ ٣٤ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٢٤ ـ ١٢٥.

(٨) لأن ، ب س : أن ، م.

(٩) بينها ، س م : يبينها ، ب.

(١٠) «مبينة» : قرأ المكي وشعبة بفتح الياء المشددة ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ٧٧.

(١١) عن عطاء ، انظر البغوي ، ٢ / ٣٤.

(١٢) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٣٤ ؛ أو الكشاف ، ١ / ٢٣٧.

(١٣) أن يسألها ، ب م : أن سألها ، س.

(١٤) اختصره المفسر من السمرقندي ، ١ / ٣٤١ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٢٤ ؛ والبغوي ، ٢ / ٣٣.

(١٥) أي إن كرهتم ، س م : إن كرهتم ، ب.

٢٠٣

إلى آخره جزاء الشرط من حيث المعنى الذي هو معللة وذلك الصبر معهن ، يعني فاصبروا معهن (١) ، فلعل كراهيتهم لهن مع الصبر عليهن (٢) أولى لكم وأصلح (وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ) أي في الصبر معهن (خَيْراً كَثِيراً) [١٩] أي ولدا صالحا وألفة ومحبة وصلاحا في الدين.

(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠))

قوله (٣)(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ) من الزوجات ، نزل فيمن كان إذا رأى امرأة فأعجبته وأراد أن يتزوجها طلق امرأته التي تحته ليستبدلها بها (٤) ، فقال تعالى إذا أردتم ذلك (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) أي مالا عظيما من المهر ، قيل (٥) : القنطار سبعون ألف دينار (٦) أو ثمانون ألف من ورق (٧)(فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ) أي من القنطار (شَيْئاً) إذا لم يكن النشوز من قبلها ، ثم قال تشنيعا للأخذ (أَتَأْخُذُونَهُ) أي شيئا منه (بُهْتاناً) مفعول له ، أي للظلم العظيم أو حال ، أي باهتين فيه ، والبهتان أن يقذف الشخص بقبيح فبهت لذلك ، أي يتحير من قبحه (وَإِثْماً مُبِيناً) [٢٠] أي للذنب الظاهر أو آثمين عيانا (٨).

(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١))

ثم استفهم على سبيل الإنكار والتعجيب بقوله (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) أي كيف تستحلون أخذه (وَقَدْ أَفْضى) أي خلا (بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) أي مع بعض في لحاف واحد ، والواو للحال ، وهو كناية من الجماع ، قيل : «الإفضاء أن يخلو الرجل والمرأة إن جامعها أو لم يجامعها فقد وجب كمال المهر والعدة» (٩)(وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) [٢١] أي عهدا شديدا بالإفضاء أو الميثاق قول الولي زوجتكها على ما أخذ الله للنساء على الرجال عهدا وثيقا بقوله (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)(١٠) ، فصار ذلك ميثاقا غليظا من النساء.

(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢))

قوله (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) نزل نهيا عن (١١) نكاح نساء الآباء (١٢) ، و «ما» بمعنى من الموصولة ، و «من النساء» بيان لها ، أي لا تتزوجوا من تزوج آباؤكم من النساء ثم طلقها أو مات عنها (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) استثناء متصل ، أي إلا بالنكاح الذي عقده آباؤكم بعينه من قبلكم فانكحوا به إن أمكنكم أن تنكحوه ، وذلك غير ممكن ، والغرض المبالغة في تحريمه ، لأنه من باب تعليق المحال في التأييد أو استثناء منقطع و «إلا» بمعنى لكن وتكون (١٣) الجملة مستأنفة ، أي لا تفعلوا ذلك لكن ما مضى من فعلكم كذلك معفو عنه ، واتقوا على أن زوجة الأب تحرم على الابن بمجرد العقد لظاهر (١٤) الآية ، واختلفوا في المرأة التي وطأها الأب على وجه الزنا ، منهم من حرمه (١٥) ومنهم من جوزه (إِنَّهُ) أي نكاح من نكح آباؤكم (كانَ فاحِشَةً) أي معصية شديدة (وَمَقْتاً) أي بغضا من الله (وَساءَ سَبِيلاً) [٢٢] أي بئس الطريق في الدين.

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي

__________________

(١) فاصبروا معهن ، ب م : فاصبروهن ، س.

(٢) عليهن ، ب س : ـ م.

(٣) قوله ، ب م : ـ س.

(٤) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٤٢.

(٥) قيل ، ب م : ـ س.

(٦) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤٢.

(٧) عن قتادة ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤٢.

(٨) آثمين عيانا ، ب س : آثمين يقينا عيانا ، م.

(٩) عن الفراء ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤٢.

(١٠) البقرة (٢) ، ٢٢٩.

(١١) نزل نهيا عن ، ب م : نزل نهيا من ، س.

(١٢) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٤٣ ؛ والبغوي ، ٢ / ٣٥ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٢٥.

(١٣) وتكون ، س : ويكون ، ب م.

(١٤) لظاهر ، ب س : بظاهر ، م.

(١٥) حرمه ، ب س : حرم ، م.

٢٠٤

دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣))

ثم بين ما لا يحل للرجال من النساء بقوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) أي حرم نكاحهن ، والمراد الأمهات والجدات من قبل الأب والأم أو من قبل أحدهما وإن علون ، والأمهات جمع الأم ، وأصلها أمهة ، ولذلك يثبت الهاء في الجمع (وَبَناتُكُمْ) أي حرم نكاح بناتكم ، جمع بنت ، والتاء عوض من المحذوف الللام ، ليست بتاء التأنيث لسكون ما قبلها ، وتكسر تاء «بنات» (١) حالة (٢) النصب تشبيها بمسلمات ، والمراد البنات الصلبية وبنات الأولاد وإن سفلن (وَأَخَواتُكُمْ) أي حرم نكاحها ، جمع أخت وتاؤها كتاء بنت (٣) وردت اللام في الجمع حملا لها على جمع المذكر وهو الإخوة ، فيحرم على الرجل إخوته من قبل الأب والأم ومن قبل أحدهما ، ويدخل فيهن بنات الإخوة والأخوات (وَعَمَّاتُكُمْ) أي حرم نكاحها ، جمع عمة وهي أخت الأب ، ويدخل فيهن أخوات الآباء والأجداد (وَخالاتُكُمْ) أي وحرم نكاحهن ، جمع خالة ، وهي أخت الأم ، ويدخل فيهن أخوات الأمهات والجدات (وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) أي وحرم بناتهما من كل جهة هؤلاء كلها ، هي المحرمات من جهة النسب ، ثم المحرمات من جهة السبب فقال (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) أي حرم نكاح الأمهات والأخوات كلتاهما من الرضاعة كما حرمتا من النسب لقوله عليه‌السلام : «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» (٤) ، والرضاعة لا يحرم إلا قبل استكمال الحولين لقوله تعالى (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ)(٥) ، وعند أبي حنيفة رحمه‌الله مدة الرضاع ثلثون شهرا ، يعني حولين ونصف حول ، وعنده كثير (٦) الرضاع وقليله (٧) محرم ، وعند الشافعي رحمه‌الله عدد الرضاع المحرم خمس رضعات متفرقات ، يعني يكتفي الصغير بكل واحدة منها (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) أي حرم نكاحها بمجرد عقد نكاح بناتها ، يعني يحرم على الرجل نكاح أم زوجته سواء دخل بالزوجة أو لم يدخل بها (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) أي حرم نكاح الربائب ، جمع ربيبة وهي بنت المرأة ، لأن زوج الأم يربيها (٨) غالبا ، وهي التي يربيها في حجره ، والمراد من الحجور البيوت ، لأنها منزلة الولد في التربية غالبا في بيته ، فالوصف يفيد التعليل للتحريم ، يعني لكونهن في تربيتكم بمنزلة أولادكم ، فالعقد على بنات نسائكم كالعقد على بناتكم في التحريم ، وقيل : ذكر الحجر مبني على العرف (٩) ، قوله (مِنْ نِسائِكُمُ) في محل النصب على الحال من (رَبائِبُكُمُ) ، أي كائنة من أزواجكم (اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) أي جامعتموهن ، والباء للتعدية (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) في نكاح بناتهن إذا فارقتموهن أو متن (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) أي حرم عليكم أزواج أبنائكم الذين وجدوا من ظهوركم ، جمع حليلة والمذكر حليل ، لأن كل واحد حلال لصاحبه ، وفائدة قوله «من أصلابكم» جواز نكاح امرأة المتبنى إذا فارقها للمتبني ، لأنه عليه‌السلام قد تزوج امرأة زيد ، وكان قد تبناه الرسول (١٠) ، فعيره المشركون بذلك فنزل (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ)(١١) الآية (١٢) ، قوله (وَأَنْ تَجْمَعُوا) في محل الرفع عطف على (أُمَّهاتُكُمْ) ، أي حرم عليكم الجمع (بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) بالنكاح في حالة واحدة (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) متصل أو منقطع بمعنى لكن ما مضى من فعلكم في الجاهلية مغفور بدليل قوله (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً) لمن فعل ذلك في الجاهلية (رَحِيماً) [٢٣] لمن تاب من ذنوبه وأطاع لأمر ربه في الإسلام.

__________________

(١) وتكسر تاء بنات ، ب : وبكسر تاء بنات ، س م.

(٢) حالة ، ب س : حال ، م.

(٣) بنت ، ب م : ابنت ، س.

(٤) رواه البخاري ، الشهادات ، ٧ ، والنكاح ، ٢٠ ، ٢٧ ، ١١٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٣٨.

(٥) البقرة (٢) ، ٢٣٣.

(٦) كثير ، س م : قليل ، ب.

(٧) وقليله ، س م : وكثيره ، ب.

(٨) يربيها ، س : يربها ، ب م.

(٩) اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٤٤.

(١٠) الرسول ، م : ـ ب س.

(١١) الأحزاب (٣٣) ، ٤٠.

(١٢) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٣٤٤.

٢٠٥

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤))

قوله (وَالْمُحْصَناتُ) عطف على (أُمَّهاتُكُمْ) ، نزل في مسلمات هاجرن من مكة ولهن أزواج فيها فتزوجهن بعض المسلمين نهيا عن ذلك (١) ، أي وحرم الحرائر المزوجات التي قد أحصنهن أزواجهن (مِنَ النِّساءِ) لأن البينونة لم يقع لهن بتّا بين الدارين ، وهذا حجة للشافعي ، لأن سبب البينونة عنده السبي فقط ، وعند أبي حنيفة رحمه‌الله لو هاجرن (٢) مسلمات أو ذميات وقعت البينونة لهن بلا عدة لتباين الدارين (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من سبايا فانها حلال لكم فالإستثناء متصل ، أي حرم عليكم ذوات الأزواج الذين هم في دار الحرب إلا المسبيات منهن فهي حلت لكم بمجرد السبي عند الشافعي وعند غيره بالإحراز عن دار الحرب إلى الإسلام بدون الزوج ، روي : أن المسلمين أصابوا يوم أوطاس سبايا لهن أزواج من المشركين في دار الحرب فتأثم المسلمون منهن ، وقالوا لهن أزواج فأنزل الله الآية فيهن (٣) ، فحل للرجل مسبية إذا استبرأ رحمها بحيضة ، وقيل : «معنى الآية حرم المحصنات من النساء وهي كل امرأة ليست تحتكم إلا ما تزوجتم من النساء مثنى وثلاث ورباع» (٤) ، ثم قال (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) وهو مصدر مؤكد ، أي كتب الله ما حرم عليكم كتابا فلا تغيروه ، ثم قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) معلوما ومجهولا (٥) على المضمر العامل في (كِتابَ اللهِ) ، أي كتب ذلك وأحل لكم من سوى المحرمات المذكورة ، ومجهولا معطوفا (٦) على «حرمت» ، فالله تعالى بين المحرمات من قوله (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) إلى قوله (وَالْمُحْصَناتُ) ، وهن أربعة عشرة سبع بالنسب وسبع بالسبب ، ثم بين المحللات بقوله (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) ، فظاهر الآية يدل (٧) على جواز ما سوى المحرمات بالنكاح ، لكن رسول الله عليه وسلم قال : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (٨) ، أي يحرم النكاح بين الرجل والمرأة بالرضاع كما يحرم بينهما بالنسب ، وهو نص مطلق يتناول الأم والأخت والبنت وغيرها من الرضاع ، وقال لا تنكح (٩) المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا ينكح (١٠) الأمة على الحرة فوجب اتباعه لقوله تعالى (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(١١) ، قوله (أَنْ تَبْتَغُوا) في محل النصب مفعول له ، ومفعوله (١٢) محذوف ، أي أحل لكم ما وراء ذلكم لأن تطلبوا النساء (بِأَمْوالِكُمْ) حال كونكم (مُحْصِنِينَ) أي متزوجين ، وأصل الإحصان الحفظ ، والمراد هنا العفة عن الوقوع في الحرام بدليل قوله (غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي غير زانين ، من قولك سفحت الماء إذا صببته وهو المني ، والمعنى (١٣) : لا تضيعوا أموالكم في الزنا لئلا يذهب دينكم ودنياكم ولكن تزوجوا بالنساء فهو خير لكم (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) أي فالذي انتفعتم به من النساء بالنكاح الصحيح من الجماع أو خلوة صحيحة أو غير ذلك (فَآتُوهُنَّ) أي أعطوهن (أُجُورَهُنَّ) أي ما شرطتم لهن من المال عليه ، أي على الاستمتاع ، فحذف عليه للعلم به (فَرِيضَةً) نصب على الحال من الأجور ، أي حال كونها مفروضة لهن عليكم ، والمراد مهورهن ، لأن المهر جزاء البضع ، فلا بد من إيتائه بالاستمتاع بهن ، وقيل : نزل هذا في ترخيص نكاح المتعة في بعض المغازي (١٤) ،

__________________

(١) عن أبي سعيد الخدري ، انظر الواحدي ، ١٢٥ ـ ١٢٦ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤١.

(٢) لو هاجرن ، س م : لو جاهرت ، ب.

(٣) عن أبي سعيد الخدري ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤٥.

(٤) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤٥.

(٥) «وأحل» : قرأ حفص والأخوان وخلف وأبو جعفر بضم الهمزة وكسر الحاء ، والباقون بفتحهما. البدور الزاهرة ، ٧٨.

(٦) معطوفا ، ب م : معطوف ، س.

(٧) يدل ، ب م : بدل ، س.

(٨) أخرجه البخاري ، الشهادات ، ٧ ، والنكاح ، ٢٠ ، ٢٧ ، ١١٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٣٨.

(٩) لا تنكح ، س م : لا ينكح ، ب.

(١٠) ولا ينكح ، ب م : ولا تنكح ، س.

(١١) الحشر (٥٩) ، ٧.

(١٢) ومفعوله ، س م : والمفعول ، ب.

(١٣) والمعنى ، ب م : المعنى ، س.

(١٤) عن ابن مسعود ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٤٠.

٢٠٦

ثم نسخ بقوله عليه‌السلام : «يا أيها الناس كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة» (١)(وَلا جُناحَ) أي لا إثم (عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ) أي في أن يتراضيا (٢) بعد النكاح على زيادة المهر من جانب الزوج أو على الحط (٣) من المهر من جانب (٤) الزوجة أو أن تهب لزوجها جميع مهرها (مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) أي بعد المفروضة للزوجة ، وقيل : المراد به (٥) المتعة قبل النسخ (٦) ، يعني لا جناح على الزوجين أن يتراضيا على زيادة الأجل والمال (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) فيما رخص لكم من جانب الأجانب (حَكِيماً) [٢٤] فيما حرم عليكم (٧) من المحرمات.

(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥))

و «من» شرط في (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) أي غنا وفضلا ، وقوله (٨)(أَنْ يَنْكِحَ) بدل من «طولا» ، أي (٩) من لم يجد منكم سعة من (١٠) المال لأن ينكح (١١)(الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) بفتح الصاد ، أي التي أحصنهن غيرهن من زوج أو ولي وبالكسر (١٢) هنا وفي جميع القرآن إلا في قوله (١٣)(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ)(١٤) قبل ، أي أحصن أنفسهن بالحرية ، وجزاؤه (فمما (مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) أي فليتزوج أمة مؤمنة إذا لم تكن (١٥) تحته امرأة حرة ولا له قدرة من المال أن يتزوج حرة ، وإنما كان نكاح الأمة منحطا عن نكاح الحرة لما فيه من اتباع الولد الأم في الرق ولأنها ممتهنة (١٦) بالخدمة دخولا وخروجا وثبوت حق المولى عليها والعزة من صفات المؤمنين ، وذلك كله مهانة لهم (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) في تطييب لقلوبهم بنكاح الإماء ، لا تستنكفوا عن نكاح الإماء ، فان الله أعلم بايمانكم فربما كانت الأمة أفضل بايمانها من الزوج الحر فلا تفاخر (١٧) بالحرية والحسب (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) في الإيمان ، أي بينكم تواصل وتناسب في الدين وإنكم جميعا من آدم ، فلا يفضل حر عبدا إلا برجحان في الدين ، فلا اعتبار بالمال والحسب ، المعنى : أنهم مثلكم (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) أي مواليهن (وَآتُوهُنَّ) أي أعطوهن (أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي مهورهن من غير مطل ، فان تسليمها إليهن تسليم إلى مواليهن (١٨) ، لأنهم وما في أيديهم مال الموالي أو التقدير : فآتوا مواليهن ، فحذف المضاف (مُحْصَناتٍ) أي حال كونهن عفائف (غَيْرَ مُسافِحاتٍ) أي غير زانيات جهرا (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) أي أخلاء في السر للزنا ، والخدن الصديق سرا ، فنهى الله تعالى عن نكاح الفريقين جميعا (فَإِذا أُحْصِنَّ) مجهولا ، أي زوجن ، ومعلوما (١٩) ، أي أسلمن أو حفظن فروجهن لأزواجهن (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ) أي بزنا (فَعَلَيْهِنَّ) أي فالواجب عليهن (نِصْفُ ما

__________________

(١) رواه أحمد بن حنبل ، ٣ / ٤٠٦ ؛ والدارمي ، النكاح ، ١٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٤٠.

(٢) يتراضيا ، ب س : تراضيا ، م.

(٣) أو علي الحط ، ب م : أو الحط ، س.

(٤) من جانب ، ب س : عن جانب ، م.

(٥) به ، س م : ـ ب.

(٦) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٣٤٦.

(٧) عليكم ، س م : ـ ب.

(٨) وقوله ، ب م : ـ س.

(٩) أي ، ب س : يعني ، م.

(١٠) من ، ب م : ـ س.

(١١) لأن ينكح ، ب س : لأن تنكح ، م.

(١٢) «المحصنات» : قرأ الكسائي بكسر الصاد ، والباقون بالفتح. البدور الزاهرة ، ٧٨.

(١٣) قوله ، ب م : ـ س.

(١٤) النساء (٤) ، ٢٤.

(١٥) تكن ، ب : يكن ، س م.

(١٦) ممتهنة ، ب س : ممهنة ، م.

(١٧) فلا تفاخر ، ب س : فلا يخافر ، م.

(١٨) إلي مواليهن ، ب م : لمواليهن ، س.

(١٩) «أحصن» : قرأ شعبة والأخوان وخلف بفتح الهمزة والصاد ، والباقون بضم الهمزة وكسر الصاد. البدور الزاهرة ، ٧٨.

٢٠٧

عَلَى الْمُحْصَناتِ) أي الحرائر الأبكار (مِنَ الْعَذابِ) أي الحد لقوله (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ)(١) ، ولا رجم عليهن ، لأنه لا يتنصف ، فحد الأمة إذا زنت خمسون جلدة ، وفي التغريب قولان عند القائل به فان غربت (٢) فنصف سنة ، ولما ذكر في الآية حد الأمة دون حد العبد جعلوا العبد مقيسا على الأمة ، والجامع بينهما الرق ، واختلفوا في الرقيق الذي لم يتزوج إذا زنى ، أكثرهم أوجب الحد عليه ولم يجعل التزويج شرطا لوجوب الحد ، لأن الله تعالى لم يذكره في الآية لذلك (٣) ، بل للتنبيه على أن الرقيق وإن كان محصنا انتفى عنه الرجم إذا زنا ، وأقلهم لم يوجب الحد على الرقيق الغير المتزوج ، لأنه جعل التزويج شرطا للحد بالآية (ذلِكَ) أي نكاح الأمة (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ) أي الزنا (مِنْكُمْ) والعنت في اللغة الضيق والشدة ، فعند الشافعي رحمه‌الله لا يجوز نكاح الأمة للحر إلا أن يكون عاجزا عن طول الحرة وأن يخاف الوقوع في الزنا ولا نكاح الأمة الكتابية احتجاجا بظاهر الآية حيث قيد المؤمنات فيها (٤) ، وعند أبي حنيفة رحمه‌الله الغنا والفقر سواء في جواز نكاح الأمة ، ويفسر الآية على تقدير أن النكاح معنى الوطئ بأن من لم يملك فراش الحرة فله أن يتزوج أمة ، ويحمل (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) على الفضيلة لا على كون الإيمان في الأمة شرطا ، فيجوز عنده نكاح الأمة اليهودية والنصرانية ، ولكن الأفضل أن لا تنكح (وَأَنْ تَصْبِرُوا) في محل الرفع مبتدأ ، أي صبركم عن نكاح الإماء ، والخبر (خَيْرٌ لَكُمْ) من تزوجهن لئلا يخلق الولد رقيقا ، روي عن النبي عليه‌السلام : «الحرائر صلاح البيت ، والإماء هلاك البيت» (٥) ، وقيل : «معنى الآية صبركم على نكاح الأمة خير لكم من أن تقعوا في الفجور» (٦)(وَاللهُ غَفُورٌ) لما فعلتم قبل تحليله (رَحِيمٌ) [٢٥] حيث رخص في نكاح الأمة.

(يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦))

قوله (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) إيماء إلى وجه التحليل والتحريم ، أي يريد الله بما شرع من التحليل والتحريم ليفهم لكم شرائع الإسلام (وَيَهْدِيَكُمْ) أي ويعلمكم (سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي شرائعهم من الأنبياء والصالحين في التحليل والتحريم لتقتدوا بهم (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي يتجاوز عنكم بالتوبة وقبولها إن تبتم (وَاللهُ عَلِيمٌ) بمن تاب (حَكِيمٌ) [٢٦] بقبول التوبة.

(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧))

ثم قال (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) بالتكرير إظهارا لرحمته وكمال شفقته على عباده المؤمنين ، أي الله يريد أن يتجاوز عن ذنوبكم وخطاياكم بتوفيق التوبة لكم ، لأنه لو لا إرادته لكم التوبة لكنتم بمعزل عن التوبة ، فلذلك (٧) شرع لكم ما شرع من الحلال والحرام (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) وهم أهل الباطل والزنا من اليهود والنصارى والمجوس (أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) [٢٧] أي تعدلوا عن الحق إلى الباطل فتكونوا (٨) مثلهم في كفرهم وزناهم ، قيل : نزل حين قال المجوس إنكم تحلون بنت الخالة والعمة والخالة والعمة عليكم حرام ، فانكحوا بنات الأخ وبنات الأخت وكانوا يستحلون نكاحهم بالباطل (٩).

(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨))

(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) أي يهون عليكم أمركم ويرفع عنكم (١٠) أثقال العبودية باحلال نكاح الأمة

__________________

(١) النور (٢٤) ، ٨.

(٢) غربت ، م : عرب ، ب س.

(٣) لذلك ، ب س : كذلك ، م.

(٤) حيث قيد المؤمنات فيها ، ب م : ـ س.

(٥) انظر الكشاف ، ١ / ٢٤١. ذكره العجلوني في كشف الخفاء ، ١ / ٤٢٤. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٦) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤٨.

(٧) فلذلك ، ب س : ولذلك ، م.

(٨) فتكونوا ، ب س : فيكونوا ، م.

(٩) اختصره من البغوي ، ٢ / ٤٩ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٤٢.

(١٠) ويرفع عنكم ، ب س : ـ م.

٢٠٨

وغيره من الرخص واتباع الشريعة السمحة السهلة لعلمه بجهلكم وضعفكم (١)(وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [٢٨] هو نصب على الحال ، أي وخلق ضعيف العقل والرأي لا يصبر عن (٢) النكاح واتباع الشهوات ولا على مشاق الطاعات إلا من أيده (٣) الله بنور اليقين ، فانه يبصر به لا بنفسه.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩))

ثم قال تأكيدا لاتباع الشريعة ونهيا عن اتباع الهوى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) أي بما لم تبحه (٤) الشريعة كالظلم واليمين الكاذبة والسرقة والخيانة والقمار والربوا وغير ذلك (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) بالرفع ف «كان» تامة ، أي إلا أن تقع تجارة بينكم كالمضاربة أو الشركة أو البيع والشراء بالسفر والحضر ، وبالنصب (٥) ف «كان» ناقصة والاسم ضمير الأموال ، أي إلا أن تكون (٦) الأموال أموال تجارة بتقدير المضاف (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) صفة (تِجارَةً) ، أي تجارة صادرة عن تراض المتبايعين ، والتراضي الافتراق عن مجلس البيع بتمامه متراضيين عند الشافعي ورضا (٧) العاقدين بما تعاقدا عليه وقت الإيجاب والقبول عند أبي حنيفة رحمه‌الله ، وخص التجارة بالذكر لكونها أغلب أسباب المكاسب (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يقتل بعضكم بعضا من جنسكم من المؤمنين أو لا تهلكوها (٨) بأكل الأموال بالباطل واتباع هوي النفس والحرص على الدنيا أو لا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض من الجهلة (٩)(إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) [٢٩] لنهيه عما يضركم من القتل الحرام (١٠) وأخذ المال بغير حق.

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠))

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي ما حرم عليكم قبل (عُدْواناً) أي تجاوزا للحد وهو مصدر في موضع الحال ، أي مستحلا ما ليس بحلال في الشرع (وَظُلْماً) أي وجورا ، يعني لا خطأ ولا اقتصاصا (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ) أي ندخله (١١) في الآخرة (ناراً) أي في نار جهنم ليحترق (١٢) كرة بعد كرة (وَكانَ ذلِكَ) أي عذابه (عَلَى اللهِ يَسِيراً) [٣٠] أي هينا (١٣) لا يعجز عنه.

(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١))

(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) أي إن تمتنعوا عن عمل الكبائر التي نهيتم عنها ، وهي سبع (١٤) ، الشرك بالله وقتل المؤمن عمدا والزنا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وأكل الربوا وقذف المحصنة وعقوق الوالدين ، وزاد بعضهم شهادة الزور والسحر ، وقيل : «الكبيرة ما نزل فيه الحد» (١٥) ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : «هي إلى سبعمائة أقرب إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار» (١٦) ، ف «إن» شرط ، وجوابه (نُكَفِّرْ) أي نمح (عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي ما دون الكبائر (وَنُدْخِلْكُمْ) بنون التكلم في (نُكَفِّرْ) ، و «ندخل» (مُدْخَلاً

__________________

(١) لعلمه بجهلكم وضعفكم ، ب م : ـ س.

(٢) عن ، ب : علي ، س م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٤٢.

(٣) أيده ، ب م : أيد ، س.

(٤) لم تبحه ، س : لم يبحه ، ب م.

(٥) «تجارة» : قرأ الكوفيون بنصب الراء ، والباقون برفعها. البدور الزاهرة ، ٧٨.

(٦) يكون ، س : يكون ، ب م.

(٧) ورضا ، س : أو رضا ، ب م.

(٨) أو لا تهلكوها ، س م : أو لا يهلكوها ، ب.

(٩) من الجهلة ، ب م : عن الجهلة ، س.

(١٠) الحرام ، س م : ـ ب.

(١١) ندخله ، ب س : يدخله ، م.

(١٢) ليحترق ، ب : ليحرق ، س ، لتحرق ، م.

(١٣) هينا ، ب م : ـ س.

(١٤) أي إن تمتنعوا عن عمل الكبائر التي نهيتم عنها وهي سبع ، ب م : وهو سبع ، س.

(١٥) عن الضحاك ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٣٤٩.

(١٦) انظر البغوي ، ٢ / ٥٣ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٤٣.

٢٠٩

كَرِيماً) [٣١] أي في الجنة ، بفتح الميم اسم مكان أو مصدر ، وبضمها (١) كذلك ، قال عليه‌السلام : «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر» (٢).

(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢))

قوله (٣)(وَلا تَتَمَنَّوْا) نزل نهيا عن الحسد (٤) ، أي لا يتمن (٥) أحد منكم (ما فَضَّلَ اللهُ) أي رجح (بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) بالأنعام عليه من المال وغيره من زهرة الدنيا ، يعني لا يتمن (٦) رجل مال أخيه ولا امرأته أو دابته أو جاهه ، فان تفضيل الله صادر عن حكمة ومصلحة ، فمن تمنى (٧) ما قدر له فقد أساء الظن بالله ، ثم قال في ترك الحسد وطلب الفضل من الله (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) أي حظهن مما عملوا في الدنيا من الخير والشر (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) أي ولهن حظ مما عملن أيضا فلا يجازى أحد إلا بعمله ، ولا يعاقب إلا به ، وقيل : نزلت الآية في أم سلمة رضي الله عنها حيث قالت ليت الجهاد كتب على النساء (٨) ، وقيل : إن الرجال قالوا إن الله فضلنا على النساء في الدنيا ، فجعل لنا سهمين ولهن سهما ، ونرجوا أن يكون لنا أجران في الأعمال فنزلت (٩) ، ثم قال (وَسْئَلُوا اللهَ) أي شيئا بتحقيق الهمزة (مِنْ فَضْلِهِ) أي من رزقه ، يعني لا تحاسدوا ، بل اطلبوا أن يتفضل (١٠) الله عليكم بشيء من خيري (١١) الدنيا والآخرة ، وقرئ وسلوا بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على السين تخفيفا (١٢)(إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [٣٢] فيما يصلح لكل واحد من الرجال والنساء.

(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣))

(وَلِكُلٍّ) بتنوين العوض من المحذوف ، أي ولكل مال بعد موت صاحبه (جَعَلْنا مَوالِيَ) جمع مولى ، أي وراثا ليرثوا (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) و «من» لبيان كل مال ، والموالي هم أصحاب الفروض والعصبات وغيرهما من الوراث ، ويجوز أن يكون المعنى ولكل أحد جعلنا موالي ، أي وراثا مما ترك ، ف «من» يتعلق ب «موالي» ، وضمير (تَرَكَ) يرجع إلى «كل» ، ثم فسر «الموالي» بقوله (الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) على تقدير من هم قبله ، قوله (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) وقرئ «عقدت» بالتخفيف (١٣) ، نزل تأكيدا لعقد الموالاة الثابت في الجاهلية ، فانهم كانوا يتحالفون فيها فيكون للحليف السدس (١٤) ، أي الذين عاهدت أيديكم ، نسب العقد إلى اليمين ، لأن الرجل كان يمسح يد معاهده عند المعاهدة ، والموصول مبتدأ ، خيره (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي حضهم من الميراث ، ثم نسخ الميراث بقوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)(١٥) ، وبقيت النصرة والهبة والنصيحة

__________________

(١) «مدخلا» : قرأ المدنيان بفتح الميم ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ٧٨.

(٢) أخرجه مسلم ، الطهارة ، ١٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٥٤.

(٣) قوله ، ب س : ـ م.

(٤) لعل المصنف اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٥٠ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٥.

(٥) لا يتمن ، ب س : لا يتمني ، م.

(٦) لا يتمن ، ب س : لا تمني ، م.

(٧) تمنى ، ب م : تمن ، س.

(٨) عن مجاهد ، انظر الواحدي ، ١٢٦ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٥٠.

(٩) عن قتادة والسدي ، انظر الواحدي ، ١٢٧ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٥٠.

(١٠) أن يتفضل ، ب م : أن تتفضل ، س.

(١١) خيري ، ب س : خير ، م.

(١٢) «واسألوا» : قرأ المكي والكسائي وخلف عن نفسه بنقل حركة الهمزة إلي السين مع حذف الهمزة فيصير النطق بسين مفتوحة وبعدها اللام المضمومة ، وكذلك حمزة وقفا ، والباقون باسكان السين وبعدها همزة مفتوحة وبعد الهمزة اللام المضمومة. البدور الزاهرة ، ٧٨.

(١٣) «عقدت» : قرأ الكوفيون بغير ألف بعد العين ، والباقون باثباتها. البدور الزاهرة ، ٧٨.

(١٤) لعله اختصره من البغوي ، ٢ / ٥٧.

(١٥) الأنفال (٨) ، ٧٥ ؛ والأحزاب (٣٣) ، ٦ ؛ انظر قتادة (كتباب الناسخ والمنسوخ) ، ٣٩ ـ ٤٠ ؛ والسمرقندي ، ١ / ٣٥١ (عن مجاهد) ؛ والنحاس ، ٥٠١ ـ ١٠٧ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٧ (عن سعيد بن المسيب) ؛ وابن الجوزي ، ٢٤.

٢١٠

(إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) [٣٣] أي شاهدا على إعطائكم إياهم نصيبهم وعلى عدم الإعطاء ، فيه ترغيب على الإعطاء وتهديد عن المنع.

(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤))

قوله (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) نزل حين لطم سعد بن الربيع امرأته فجاءت إلى رسول الله فأمرها بالقصاص فرفع الله القصاص من ساعته (١) ، وقال النبي عليه‌السلام : «ما أراد الله خير مما أردنا» (٢) ، أي الرجال مسلطون بالقيام على تأديب النساء (٣)(بِما فَضَّلَ اللهُ) أي بتفضيل الله (بَعْضَهُمْ) أي الرجال (عَلى بَعْضٍ) أي على النساء بالعقل والعلم والدين والتدبير والقوة والشدة في النفس والطبع (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) أي وبانفاقهم عليهن من مالهم من المهر والنفقة فجعل لهم حق القيام عليهن بذلك (فَالصَّالِحاتُ) أي المحصنات بالدين (قانِتاتٌ) أي مطيعات لأزواجهن بما عليهن لهم من الحقوق (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) أي لغيب أزواجهن من الفروج وأموالهم (بِما حَفِظَ اللهُ) أي بحفظهن الله حيث أوصى عليهن (٤) في كتابه الأزواج بقوله (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ)(٥) الآية وغيرها ، وقيل : بوعد الله لهن الثواب العظيم على حفظ الغيب وإيعادهن بالعذاب الشديد على خيانتهن لأزواجهن (٦) ، ف «ما» مصدرية (وَاللَّاتِي تَخافُونَ) أي تعلمون (نُشُوزَهُنَّ) أي عصيانهن لأزواجهن (فَعِظُوهُنَّ) أي أنصحوهن وخوفوهن الله (وَاهْجُرُوهُنَّ) أي باعدوهن إن (٧) لم يرجعن عن النشوز (فِي الْمَضاجِعِ) أي المراقد بمعنى لا تدخلوهن تحت اللحاف أو هو كناية عن عدم الجماع بهن أو المراد الاعتزال عن فراشها إلى فراش آخر (وَاضْرِبُوهُنَّ) إن لم ينفع الوعظ فيهن مع الهجران ضربا غير شديد ويجتنب الضارب الوجه وكسر العظم (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا) أي لا تطلبوا (عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) أي طريقا وعلة إلى ضربهن ظلما ، وتوبوا عليهن ولا تنظروا إلى ما وقع منهن من الإباء والنشوز ، فانه أعطف لهن (٨)(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا) أي أعلى عليكم قدرة منكم عليهن (كَبِيراً) [٣٤] أي أعظم حكما عليكم منكم عليهن ، فاحذروه واعفوا عنهن إذا رجعن ، لأنكم تعصونه على علو شأنه وكبرياء سلطانه ، ثم تتوبون (٩) فيتوب عليكم فأنتم أحق بالعفو عمن يجني عليكم إذا رجعتم ، روي عن النبي عليه‌السلام : أنه رأى أبا مسعود وقد رفع سوطا على غلام له ليضربه فصاح به أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه فرمى السوط وأعتق الغلام (١٠).

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥))

قوله (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) أمر للحكام والإضافة كاضافة مكر الليل اتساعا ، أصله شقاقا بينهما ، أي إن علمتم خلافا بين الزوجين ولا تدرون من قبل أيهما يقع النشوز (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ) أي أهل الزوج (وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) أي أهل الزوجة ، والحكم رجل عدل له عقل وتمييز يصلح للإنصاف ، وخص الحكم بالأهل ، لأن الأقارب أعرف ببواطن (١١) أحوالهم وأطلب للصلاح بينهم وأنصح لهم وأسكن لنفوسهم ، لأن

__________________

(١) عن مقاتل ، انظر الواحدي ، ١٢٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٥١ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٧.

(٢) انظر البغوي ، ٢ / ٥٧. ولم اعثر عليه في كتب الأحاديث الممعتبرة التي راجعتها.

(٣) النساء ، ب م : نسائهم ، س.

(٤) عليهن ، ب م : ـ س.

(٥) النساء (٤) ، ٢٠.

(٦) لعل المؤلف اختصره من الكشاف ، ١ / ٢٤٤.

(٧) إن ، ب س : إذا ، م.

(٨) الإباء والنشوز فانه أعطف لهن ، ب م : البألس والنشوز فانه عطف لهن ، س.

(٩) تتوبون ، ب س : يتوبون ، م.

(١٠) وهذا منقول عن الكشاف ، ١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

(١١) ببواطن ، ب م : بواطن ، س.

٢١١

نفوس الزوجين تسكن (١) إليهما وتبرز إليهم ما في ضمائرهما عن حب أحدهما الآخر وبغضه (إِنْ يُرِيدا) أي الزوج والزوجة (إِصْلاحاً) لحالهما ، وقيل : إن يرد الحكمان إصلاحا لحال الزوجين (٢)(يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) أي بين الزوجين بالصلاح ويبدل الوفاق بالشقاق ، والحب بالبغض أو بين الحكمين فيظهر لهما مصلحة الزوجين فان رأيا الجمع بالتفتيش عن حال الزوجين جمعا بينهما ، وإن رأيا التفريق فرقا (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بالتأليف بين المختلفين (خَبِيراً) [٣٥] بنصيحة الحكمين ، قيل : في هذه الآية دلالة على إثبات التحكيم خلافا للخوارج (٣) ، قيل : يجوز بعث الحكمين بغير رضا الزوجين وأن يطلق حكم الزوج بغير إذنه وأن يختلع حكم الزوجة بغير إذنها مرويا عن مالك (٤) ، وقيل لا يجوز البعث بغير رضاهما ولا الطلاق بغير إذن الزوج ولا الاختلاع بغير إذن الزوجة مرويا عن أبي حنيفة وأصحابه (٥).

(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧))

ثم خاطب الناس جميعا من المؤمنين والمنافقين والكفار بقوله (وَاعْبُدُوا اللهَ) أي أطيعوه فيما أمركم به واثبتوا في عبادته بالإخلاص (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) أي وحدوه ظاهرا وباطنا (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي وأحسنوا بهما برا بالأنفس والأموال من غير منة عليهما ، وفيه بيان حرمة الوالدين حيث قرن (٦) الإحسان بهما بعبادة نفسه ، قال عليه‌السلام : «ما من ولد نظر إلى والديه نظر رحمة إلا كانت بها حجة وعمرة» (٧)(وَبِذِي الْقُرْبى) أي وأحسنوا بالذي بينكم وبينه قرابة سوى الولادة (٨) كالأخ والعم وغيرهما (وَالْيَتامى) أي وأحسنوا بالأيتام بالقيام على أموالهم ، وهو خطاب للأوصياء (وَالْمَساكِينِ) أي وأحسنوا إليهم بالصدقة وإطعام الطعام (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) أي وأحسنوا إلى الجار الذي بينكم وبينه قرابة ، وهو من باب (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)(٩) أو الجار الذي قرب جواره في المنزل (وَالْجارِ الْجُنُبِ) أي وأحسنوا إلى الجار البعيد من المنزل (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) أي وأحسنوا بالرفيق في السفر أو بمن يصحبكم طالبا للنفع منكم ، وقيل : «هي المرأة التي تصاحب جنبها جنب زوجها» (١٠)(وَابْنِ السَّبِيلِ) أي بالمسارف المنقطع عن السفر لفقره (١١) أو الضيف ، فحقه ثلثة أيام وما زاد على ذلك فهو صدقة ، ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يخرجه (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من المماليك والخدم ، يعني أحسنوا إلى جميع هؤلاء تثابوا وتغفروا (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً) أي تياها يتكبر في مشيته من إكرام أقاربه ومماليكه ولا يلتفت إليهم (فَخُوراً) [٣٦] بنعم (١٢) الله لا يشكره ويتكبر على الناس.

قوله (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) بفتح الباء والخاء وبضم الباء وسكون الخاء (١٣) ، مبتدأ ، خبره محذوف ، أي يعذبون بالعذاب المهين أو هم الذين أو بدل من «من كان» ، جمع نظرا إلى المعنى ، نزل فيمن كان عادتهم الأخذ والمنع والأمر للغير بعملهم (١٤) ، لأن من يعصي ربه يأمر بفعله غيره كي لا يظهر عيبه كحيي بن

__________________

(١) تسكن ب م : يسكن ، س.

(٢) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٥٢ ؛ والبغوي ، ٢ / ٦٠.

(٣) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٣٥٢.

(٤) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٢ / ٦١.

(٥) نقله عن البغوي ، ٢ / ٦٠.

(٦) قرن ، س م : قارن ، ب.

(٧) ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٨) الولادة ، ب م : الولاد ، س.

(٩) البقرة (٢) ، ٢٣٨.

(١٠) عن علي وعبد الله والنخعي ، انظر البغوي ، ٢ / ٦٣.

(١١) لفقره ، م : بفقره ، ب س.

(١٢) بنعم ، ب م : بنعمة ، س.

(١٣) «بالبخل» : قرأ الأصحاب بفتح الباء والخاء ، والباقون بضم الباء وإسكان الخاء. البدور الزاهرة ، ٧٩.

(١٤) «بعملهم ، س م : بعلمهم ، ب. لعله اختصره من السمرقندي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٥٤.

٢١٢

أخطب وأصحابه ، قوله (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) نزل فيمن يكتم نعمة الله وما آتاهم من فضل الغنا ويتفاقروا (١) إلى الناس كيلا يخرجوا حق الله الذي أمرهم به (٢) ، وقيل : فيمن كتم العلم أو صفة النبي عليه‌السلام كرؤساء اليهود (٣)(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) [٣٧] أي شديدا يهانون به.

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨))

قوله (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) عطف على (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) ، نزل في المنافقين (٤) أو المنفقين على عداوة الرسول عليه‌السلام يوم بدر من المشركين واليهود (٥) ، أي الذين يتصدقون جهرا مرائين الناس ، مصدر (٦) في موضع الحال أو مفعول له (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) في السر فقرينهم الشيطان الذي حملهم على ذلك العمل يقرن بهم في النار (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً) في النار بالسلسلة (فَساءَ قَرِيناً) [٣٨] أي بئس صاحب الشيطان (٧).

(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩))

ثم استفهم للتوبيخ والتجهيل بقوله (وَما ذا عَلَيْهِمْ) أي أي وبال يكون عليهم في الإيمان والإنفاق (لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) مكان الشرك والنفاق (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ) من الأموال مكان البخل في غير رياء ، يعني لا يضرهم ذلك بل ينفعهم في الدنيا والآخرة ، ثم يهددهم بقوله (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) [٣٩] بأنهم لم يؤمنوا فلا يثيبهم الله بما ينفقونه من الأموال رياء الناس.

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠))

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ) أحدا (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) أي وزن نملة صغيرة أو قدر ما يظهر من أجزاء الهباء في شعاع الشمس في الكوة ، وهو أنفى للظلم ، إذ لا وزن له ، يعني لا ينقص من ثواب أعمالهم شيئا لو عملوها بالإخلاص لاستحالته عليه في الحكمة لا لاستحالته في القدرة (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) بحذف النون تخفيفا لكثرة الاستعمال وبرفع «حسنة» على أن «كان» تامة ، وبنصبها (٨) على أنها ناقصة ، وأنث «مثقال» بالإضافة إلى ذرة ، أي إن تكن مثقال ذرة حسنة (يُضاعِفْها) أي يزدها الله أضعافا كثيرة (وَيُؤْتِ) أي يعط (مِنْ لَدُنْهُ) أي من عنده من غير استحقاق (أَجْراً عَظِيماً) [٤٠] أي عطاء كثيرا ، لا يقدر قدره غير الله لكثرته ، وسماه أجرا ، لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته ، وقيل : هو الجنة (٩) ، قال عليه‌السلام : «إن الله يعطي لعبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة» (١٠).

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً (٤٢))

__________________

(١) ويتفاقروا ، س : ويتفاقر ، ب ، م.

(٢) لعل المؤلف اختصره من البغوي ، ٢ / ٦٥ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٤٦ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٢٩.

(٣) نقله عن البغوي ، ٢ / ٦٥ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٢٩.

(٤) عن السدي ، انظر البغوي ، ٢ / ٦٦.

(٥) اختصره المصنف من السمرقندي ، ١ / ٣٥٤ ؛ والبغوي ، ٢ / ٦٥ ـ ٦٦ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٤٦.

(٦) مرائين الناس مصدر ، ب س : مرائين الناس فرياء الناس مصدر ، م.

(٧) صاحب الشيطان ، س م : صاحبا الشيطان ، ب.

(٨) «حسنة يضاعفها» : قرأ نافع برفع التاء في حسنة مع المد والتخفيف في «يضاعفها وقرأ المكي وأبو جعفر بالرفع في «حسنة» مع القصر والتشديد في «يضاعها» وقرأ الشامي ويعقوب بنصب «حسنة» مع القصر والتشديد في «يضاعفها» ، وقرأ البصري والكوفيون بالنصب في «حسنة» مع المد والتخفيف في «يضاعفها». البدور الزاهرة ، ٧٩ ـ ٨٠.

(٩) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٣٥٥.

(١٠) رواه أحمد بن حنبل ، ٢ / ٥٢١ ، ٥٢٢ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٤٦.

٢١٣

قوله (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) نزل توبيخا للكفار على ترك الإيمان والعمل بالسيئات (١) ، أي كيف يصنع الكفار وقت مجيئنا من كل أمة من أمم الأنبياء بشهيد يشهد عليهم بعملهم ، وهو نبيهم (وَجِئْنا بِكَ) يا محمد (عَلى هؤُلاءِ) أي على أمتك الذين كذبوك (٢)(شَهِيداً) [٤١] تشهد بعلمهم القبيح ، وقيل : معنى الآية أن الرسل يشهدون يوم القيامة على أممهم بتبليغ الرسالة إليهم من ربهم حين سألهم الله ، هل بلغكم الرسل؟ فيقول الأمم : ما بلغونا رسالة ربنا ، فيقول الرسل : قد بلغنا ولنا شهود ، فيقول الله : ومن شهودكم؟ فقالوا : أمة محمد ، فأتى بأمة محمد فيشهدون أنهم قد بلغوا الرسالة إليهم ، فيقول الأمم : إن فيهم سراقا وفساقا لا تقبل شهادتهم ، فيجاء النبي عليه‌السلام على هؤلاء ، يعني على أمته شهيدا يشهد بالتصديق لهم فيزكيهم (٣) فيقول الكافرون : والله ربنا ما كنا مشركين فيختم على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون (٤) ، فقال تعالى مخبرا عن حالهم (يَوْمَئِذٍ) أي يوم يقوم الناس من قبورهم ويرون شدة الأمر عليهم (يَوَدُّ) أي يتمنى (الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) أي لم يقروا برسالته (لَوْ تُسَوَّى) أي أن يدفنوا فتسوى (بِهِمُ الْأَرْضُ) كما تسوى بالموتى أو أنهم يؤدون أن يكونوا كالأرض سواء أو أن يصيروا ترابا إذا رأوا البهائم قد صارت ترابا بقوله كوني ترابا ، المعنى : أنهم (٥) يتمنون يوم القيامة أن يكونوا معدومين لهوله (٦)(وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [٤٢] أي والحال أنهم لا يسترون من الله حديثا بالكذب في قولهم والله ربنا ما كنا مشركين أو نعت محمد عليه‌السلام لأنهم كتموه في الدنيا وندموا في الآخرة ولا ينفعهم الندم فيها.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣))

قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) بضم السين جمع سكران ، والواو للحال ، نزل حين منع عبد الرحمن بن عوف طعاما وجمع عليه جماعة من الصحابة ، فأكلوا وشربوا الخمر قبل التحريم ، فأخذه (٧) منهم العقل فقدموا واحدا منهم إماما ، قيل هو علي رضي الله عنه فصلى بهم المغرب فقرأ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ)(٨) بحذف «لا» إلى آخره السورة (٩) ، فنهى الله تعالى عن الصلوة بحال السكر ، وقيل : معناه لا تقربوا مواضع الصلوة ، وهي (١٠) المساجد بتلك الحالة (١١) ، والسكر اسم حالة تعرض بين الشخص وعقله (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) أي حتى تصيروا بحال تعلمون ما تقولون فتعرفون الحرمة ، قوله (وَلا جُنُباً) عطف على قوله «وأنتم سكارى» ، أي ولا تقربوا الصلوة في حال الجنابة قبل الاغتسال (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) أي إلا متجاوزين في المسجد بحال السفر فتعتذرون بها فتصلون فيها بالتيمم ، ومن فسر الصلوة بالمسجد قال : معناه إلا متجاوزين فيه إذا كان الطريق فيه إلى الماء ، وجوز بعضهم أن يكون «إلا» بمعنى الغير ويكون صفة ل (جُنُباً) ، أي غير عابري سبيل ، لأن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد ولا يجدون ممرا إلا في المسجد فرخص لهم ، فالمعنى : أنكم لا تقربوها غير مغتسلين (حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) أي مرضا يضره مس الماء كالجراحة والجدري يخاف من مس الماء التلف أو يزيد ألمه من مسه (١٢)(أَوْ عَلى سَفَرٍ) طويلا كان أو

__________________

(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.

(٢) كذبوك ، ب م : كذبوا ، س.

(٣) فيزكيهم ، ب س : ويزكيهم ، م.

(٤) نقله عن السمرقندي ، ١ / ٣٥٥.

(٥) أنهم ، ب م : ـ س.

(٦) لهوله ، ب س : بقوله ، م.

(٧) فأخذه ، ب س : ثم أخذت ، م.

(٨) الكافرون (١٠٩) ، ١ ـ ٢.

(٩) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٥٦ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٢٩ ؛ والبغوي ، ٢ / ٧١ ـ ٧٢.

(١٠) وهي ، ب م : فهي ، س.

(١١) الحالة ، ب م : الحال ، س. أخذه من الكشاف ، انظر الكشاف ، ١ / ٢٤٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٥٦.

(١٢) أو يزيد ألمه من مسه ، ب : أو يزيد المرض من مسه ، م ، أو يزيد المرض مسه ، س.

٢١٤

قصيرا (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) وهو المكان المطمئن من الأرض في الأصل ، فكني به عن قضاء الحاجة (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) وقرئ لمستم (١) ، أي جامعتموهن ، وقيل : هو اللمس باليد (٢) ، فعند الشافعي رحمه‌الله ينتقض الوضوء بمس النساء ، وفي مس المحارم قولان ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا ينتقض ، يعني إذا أصابكم المرض أو السفر أو الحدث أو الجنابة (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) لبعد الأسباب أو العجز عن الوصول إليه ، وجواب الشرط متعلق بالمرضى والمسافرين والمحدثين وأهل الجنابة وهو قوله (فَتَيَمَّمُوا) أي فاقصدوا (صَعِيداً طَيِّباً) أي ترابا طاهرا ، قيل : الشافعي رحمه‌الله لا يتيمم إلا بتراب له غبار يتعلق بالوجه واليدين ، وأبو حنيفة رضي الله يتيمم بكل ما صعد على وجه الأرض كالزرنيخ فلو ضرب على صخرة لا تراب عليها فمسح وجهه ويديه أجزأه ، لأن الصعيد عنده وجه الأرض ترابا كان أو غيره (٣)(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) والباء فيه زائدة ، وفي الكلام حذف ، أي وأيديكم منه ، أي من الصعيد الطيب (٤) ، و «من» فيه للتبعيض لا لابتداء الغاية نحو قولهم فلان مسح برأسه من الدهن ، فانه لا يفهم منه إلا البعض ، و «من» لابتداء الغاية عند من جوز التيمم بالصخر الذي لا تراب عليه (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا) بالترخيص (غَفُوراً) [٤٣] للتقصير.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤))

قوله (أَلَمْ تَرَ) أي ألم ينته علمك ونظرك (إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا) أي أعطوا (نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) أي حظا من علم التورية ، وهم أحبار (٥) اليهود (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) أي يستبدلون الكفر والبقاء على اليهودية بالهدى ، ففي الكلام حذف (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) [٤٤] أي سبيل الحق كما ضلوا عنه بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوتك.

(وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥))

نزل نهيا عن الموالاة بهم واستيشارهم في الأمور (٦)(وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) أيها المؤمنون منكم فاحذروهم ولا تستشيروهم في أموركم ولا تقبلوا نصيحتهم (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) أي محبا ، فثقوا بولايته (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) [٤٥] أي معينا لكم ويكفيكم مكرهم ، والمنصوب فيهما تمييز.

(مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦))

قوله (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) خبر مبتدأ محذوف ، أي هم من الذين مالوا عن سبيل الحق أو بيان ل (الَّذِينَ أُوتُوا) لاحتماله اليهود والنصارى ، ومحل (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) حال من الضمير في (هادُوا) أو صفة لموصوف محذوف ، تقديره : من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم ، أي يغيرونه (٧) عن مواضعه التي وضعه الله تعالى في التورية كتغييرهم (٨) صفة محمد عليه‌السلام ، وتغييرهم (٩) الرجم وجعلهم الحد بدله ، وذكر الضمير في (مَواضِعِهِ) ، لأن الكلم اسم جمع وليس بجمع على الأصح (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا) قولك (وَعَصَيْنا) أمرك (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) أي غير مقبول منك ، وهو نصب على الحال (وَراعِنا) أي يقولون هذه الكلمة لإظهار التوقير

__________________

(١) «أَوْ لامَسْتُمُ» : قرأ الأخوان وخلف بحذف الألف التي بين اللام والميم والباقون باثباتها. البدودر الزاهرة ، ٨٠.

(٢) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٣٥٧.

(٣) لعله اختصره من البغوي ، ٢ / ٧٨ ـ ٧٩ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٤٨.

(٤) الصعيد الطيب ، ب س : صعيد طيب ، م.

(٥) أحبار ، س م : ـ ب.

(٦) لعل المصنف اختصره من الكشاف ، ١ / ٢٤٨.

(٧) أي يغيرونه ، س : غيرونه ، ب ، يغيرونها ، م.

(٨) كتغييرهم ، ب س : كتغيرهم ، م.

(٩) وتغييرهم ، ب س : وتغيرهم ، م.

٢١٥

والإحرام ، ومعناها ارقبنا نكلمك وهي يحتمل الشتيمة (١) والإهانة باللسان العبري أو السرياني ، لأنهم كانوا يتسابون (٢) بها أو كان غرضهم نسبة النبي عليه‌السلام إلى الرعونة وهي الحماقة ، قوله (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) أي قلبا للكلام بها ، مفعول له أو مصدر في موضع الحال ، أي يقولون (٣) ذلك لاوين ألسنتهم استهزاء (وَطَعْناً فِي الدِّينِ) أي قدحا فيه (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا) أي ولو ثبت قولهم بدل (سَمِعْنا وَعَصَيْنا)(٤)(سَمِعْنا وَأَطَعْنا) وبدل (اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ)(٥)(وَاسْمَعْ) كلامنا ، وبدل (وَراعِنا)(٦)(وَانْظُرْنا) أي انظر (٧) إلينا رحمة لنا (لَكانَ) ذلك القول (خَيْراً لَهُمْ) لتحقيق الإيمان (وَأَقْوَمَ) أي أسد وأصوب من الطعن والتحريف (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) أي ولكن الله خذلهم وأبعدهم عن الإيمان بكفر قلوبهم (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) [٤٦] أي إلا إيمانا ضعيفا وهو إيمانهم بموسى وكفرهم بمحمد عليهما‌السلام ، ويجوز أن يكون ضعف إيمانهم لكونه بمجرد ألسنتهم لا فائدة فيه مع عدم التوبة ، ويجوز أن يراد ب (قَلِيلاً) عبد الله بن سلام وأصحابه من مؤمني أهل الكتاب.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧))

ثم أوعدهم بالعقوبة الشديدة لعدم إيمانهم بالإخلاص بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي أعطوه من التورية (آمِنُوا بِما نَزَّلْنا) أي بالقرآن (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) من الكتاب (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ) أي نمحو ونحول (وُجُوهاً) أي وجوه قوم ، فنجعلها كخف البعير بلا أنف ولا عين ولا حاجب كالأقفية قبل يوم القيامة ، وهذا معنى قوله (فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) أو المراد من الطمس تسويد القلوب (٨) ورينها ، ومن الرد ردها عن بصر الهداية على أدبارها في الضلالة ، والفاء للتعقيب ، يعني من قبل أن يعاقبوا بعقابين ، أحدهما عقيب الآخر (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) أي نطردهم من الرحمة بالمسخ (كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) أي كما مسخناهم القردة (وَكانَ أَمْرُ اللهِ) أي عذابه (مَفْعُولاً) [٤٧] أي كائنا لا محالة ، وهذا وعيد شديد لهم ليعتبروا ويرجعوا عن كفرهم إلى الإيمان بالتوبة والاستغفار.

(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨))

قوله (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) مع عدم التوبة لعظم الشرك ، نزل حين أراد وحشي التوبة بعد قتله حمزة (٩) رضي الله عنه يوم أحد وندامته عند الرجوع إلى مكة (١٠)(وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) أي دون الشرك مع عدم التوبة (لِمَنْ يَشاءُ) أي لبعض عباده رحمة منه لهم ، ثم قال وحشي : لعلي أن أكون ممن لم يشاء الله ، فنزل (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ)(١١) الآية ، فلما سمعها ووجدها أوسع مما كان قبلها دخل هو وأصحابه في الإسلام (١٢) ، وفيها رد على من يقول من مات على كبيرة يخلد في النار (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى) أي اختلق على الله (إِثْماً عَظِيماً) [٤٨] أي كذبا كبيرا وهو الكفر ، قال عليه‌السلام : «من مات ولم يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار» (١٣) ، وقال : «ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم

__________________

(١) الشتيمة ، ب س : الشتمة ، م.

(٢) يتسابون ، ب س : يتساءلون ، م.

(٣) يقولون ، ب س : يقومون ، م.

(٤) النساء (٤) ، ٤٦.

(٥) النساء (٤) ، ٤٦.

(٦) البقرة (٢) ، ١٠٤.

(٧) انظر ، س : ـ ب م.

(٨) القلوب ، ب م : القلب ، س.

(٩) قتله حمزة ، ب م : قتل حمزة ، س.

(١٠) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٢ / ٨٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٥٩.

(١١) الزمر (٣٩) ، ٥٣.

(١٢) اختصره من السمرقندي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٥٩.

(١٣) أخرجه مسلم ، الإيمان ، ١٥٠ ، ١٥١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٨٦.

٢١٦

مات على ذلك إلا دخل الجنة» (١).

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩))

قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) نزل خطابا للنبي عليه‌السلام على وجه التعجيب (٢) ، أي ألم تنظر إلى الذين يطهرون نفوسهم عن الذنوب (٣) بألسنتهم ولم يزكوها حقيقة بقولهم (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)(٤) ، وبقولهم (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى)(٥) ، وبقولهم : نحن كالأولاد (٦) الصغار فهل عليهم ذنب ، فأنكر الله ذلك عليهم بصيغة الإضراب فقال (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) أي يطهره ويبرئه باكرام الهداية ونور الإسلام يهدي الله (٧) لنوره من يشاء ، لأنه هو العالم بمن هو أهل للتزكية (٨)(وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [٤٩] أي لا ينقص الذين يثابون على زكوتهم من الثواب قدر فتيل النواة (٩) ، وهي القشرة الرقيقة حولها ، والضمير في (لا يُظْلَمُونَ) يرجع إلى معنى «من يشاء».

(انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠))

ثم أمر نبيه يالنظر في حالهم تعجيبا فقال (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بزعمهم أنهم عند الله أزكياء (وَكَفى بِهِ) أي بالافتراء (إِثْماً مُبِيناً) [٥٠] أي ظاهرا من بين آثامهم.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١))

قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) أي أعطوا حظا من التورية ، نزل حين خرج حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف من رؤساء اليهود إلى مكة بعد قتال أحد مع جماعة يحالفون قريشا على محاربة رسول الله ، فقال قريش : أنتم أهل كتاب وأنتم إلى (١٠) محمد أقرب منا إليه ، فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى تطمئن قلوبنا ، فسجدوا لأصنامهم ، ثم سألوا عنهم نحن أهدى أم محمد وأصحابه ، قالوا : بل أنتم أهدى سبيلا منهم (١١) ، فقال تعالى تعييرا لهم (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) وهما اسمان للصنمين لهم ، أي يصدقون بغير الله ورسوله (وَيَقُولُونَ) أي أهل الكتاب (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بالكتاب (هؤُلاءِ) يعنون أبا سفيان وأصحابه من المشركين (أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنون محمدا عليه‌السلام وأصحابه (سَبِيلاً) [٥١] أي أرشد دينا منهم.

(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢))

(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أي طردهم من رحمته (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) [٥٢] أي مانعا من عذابه تعالى.

(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣))

(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ) أي حظ (مِنَ الْمُلْكِ) أي من ملك الله ، و «أم» بمعنى بل ، والهمزة لإنكار أن يكون لليهود حكم في ملك الله مع الإشارة إلى بخلهم وحسدهم للنبي عليه‌السلام ، أي ليس لهم نصيب من الملك ، إذ لو كان ذلك (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ) أي لا يعطون أحدا منهم (نَقِيراً) [٥٣] لبخلهم ، والنقير النقطة في ظهر النواة ،

__________________

(١) رواه أحمد بن حنبل ، ٥ / ١٦٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٨٦.

(٢) لعله اختصره من البغوي ، ٢ / ٨٧ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٣١.

(٣) نفسوهم عن الذنوب ، ب : أنفسهم عن الذنوب ، س ، نفوسهم من الذنوب ، م.

(٤) المائدة (٥) ، ١٨.

(٥) البقرة (٢) ، ١١١.

(٦) كالأولاد ، ب م : كأولاد ، س.

(٧) يهدي الله ، ب م : يهد الله ، س.

(٨) للتزكية ، ب س : التزكية ، م.

(٩) فتيل النواة ، ب م : فتيل نواة ، س.

(١٠) إلي ، ب م : آل ، س.

(١١) عن عكرمة ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٦٠ ؛ والواحدي ، ١٣٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٨٨ ـ ٨٩.

٢١٧

وهو مثل في القلة ، ولم يعمل إذن في «لا يؤمنون» لأجل فاء العطف ، والنون فيها أصل وليس بتنوين ولذا يكتب بصورة النون.

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤))

قوله (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) «أم» فيه كأم في «أم لهم» ، يعني بمعنى بل والهمزة لإنكار الحسد واستقباحه ، أي أيحسد (١) اليهود العرب والنبي عليه‌السلام (عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي على النبوة والإسلام والتقدم عليهم وازدياد النصرة والعزة كل يوم وكثرة التزوج (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ) أي داود وسليمان عليهما‌السلام (الْكِتابَ) المنزل عليهما من السماء (وَالْحِكْمَةَ) أي النبوة والعلم (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) [٥٤] فكان ليوسف ملك مصر ، ولداود ملكا عظيما ، وتحته مائة امرأة ، ولسليمان بن داود ملكا أعظم ، وتحته ثلثمائة مهيرة (٢) بالنكاح الشرعي وسبعمائة سرية (٣) ، ولم يكن لمحمد عليه‌السلام إلا تسع نسوة ، فكما لم يمنع آل إبراهيم النبوة عن كثرة التزوج بالنساء لم يمنع محمدا عليه‌السلام عن كثرة التزوج أيضا مع أن فيه قوة أربعين نبيا ، وهذا إلزام لهم بما عرفوه ، قيل : إن من كان أتقى كان شهوته أشد (٤) ، وقيل أيضا : «كل شهوة تقسي القلب إلا الجماع الحلال ، فانه يصفي القلب ولذا فعل الأنبياء كثرة التزوج والجماع» (٥).

__________________

(١) أي أيحسد ، ب س : أي يحسد ، م.

(٢) مهيرة ، ب س : مهرية ، م.

(٣) ومنشأ هذه الرواية التورية ، انظر ، ١. قر اللر) RALLARIK.I (، ١١ / ٣. وهذه الرواية ليست موجودة في المصادر الإسلامية الصحيحة ، مثلا انظر فيما يأتي من الأحاديث الصحيحة :

حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس سمع أبا هريرة قال قال سليمان : «لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كل تلد غلاما يقاتل في سبيل الله ..». انظر البخاري ، الصحيح ، الأيمان ، ٩.

... عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال سليمان بن داود عليهما‌السلام : لأطوفن الليلة على مائة أو تسع وتسعين ، كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ..». انظر البخاري ، الصحيح ، كتاب الجهاد واليسر ، ٢٣ .... عن أبي هريرة قال : «قال سليمان بن داود عليهما‌السلام : لأطوفن الليلة بمائة امرأة تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله ..». انظر البخاري ، النكاح ، ١١٩.

... عن أبي هريرة قال : «كان لسليمان ستون امرأة ، فقال : لأطوفن عليهن الليلة فتحمل كل واحدة منهن ، فتلد كل واحدة منهن غلاما فارسا يقاتل في سبيل الله ، فلم تحمل منهن إلا واحدة ..». انظر مسلم ، الأيمان ، ٢٢ (١٦٥٤).

... عن هشام بن حجير عن طاوس عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال سليمان بن داود نبي الله لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله ..». انظر مسلم ، الأيمان ، ٢٣ (١٦٥٤).

... عن أبي هريرة قال : قال سليمان بن داود : «لأطيفن الليلة على سبعين امرأة ، تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله ..». انظر مسلم ، الأيمان ، ٢٤ (١٦٥٤).

... عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ، كلها تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله ..». انظر مسلم ، الأيمان ، (٥) باب الاستثناء ، ٢٥ (١٦٥٤).

... عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن سليمان بن داود قال : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، تلد كل امرأة غلاما ..». وهكذا روي عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه هذا الحديث بطوله وقال : سبعين امرأة ، وقد روس هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على مائة امرأة». انظر الترمذي ، النذور والأيمان ، ٧.

... عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رفعه قال سليمان : «لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله ..». انظر النسائي ، الأيمان والنذور ، ٤٣.

وقال أبو حيان في تفسيره : «وتفصيل هذه الأشياء يحتاج إلى صحة نقل ..». انظر أبو حيان ، محمد بن يوسف الأندلسي ، البحر المحيط ، بيروت ، ١٤٠٣ ه‍ ـ ١٩٨٣ م ، ٧ / ٦٠.

(٤) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٣٦١.

(٥) عن أبي بكر الوراق ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٦١.

٢١٨

(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥))

(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) أي بابراهيم (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) أي أعرض عن إبراهيم أو من اليهود من صدق بحديث إبراهيم ، ومنهم من جحد بحديثه أو من اليهود من آمن بمحمد عليه‌السلام كابن سلام وأصحابه ومنهم من كفر به ككعب بن الأشرف ومن تابعه ، ثم هدد المعرضين بقوله (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) [٥٥] أي وقودا مسعرة لمن كفر به.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦))

ثم بين مستقر الكفار يوم القيامة فقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) أي بمحمد والقرآن (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ) أي ندخلهم (ناراً) في الآخرة (كُلَّما نَضِجَتْ) أي احترقت (جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ) أي جددناهم (جُلُوداً غَيْرَها) بأن غيرناهم من شكل إلى شكل ، والعذاب للجملة الحساسة العاصية لا للجلد ، قيل : إنهم إذا احترقوا خبت عنهم النار ساعة فبدلوا خلقا جديدا ، ثم عادت النار تحرقهم هكذا دأبهم فيها (١) ، ففيه إيذان بدوام العذاب عليهم يدل عليه (٢) قوله (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) بلا انقطاع (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً) أي شديد النقمة (حَكِيماً) [٥٦] في تعذيبه ورحمته ، يعني لا يعذب أحدا ولا يرحمه (٣) إلا بحكمة.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧))

ثم بين مستقر المؤمنين بقوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الأعمال الصالحة التي أمرهم الله بها (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي مقيمين فيها لا يخرجون عنها ولا يموتون ، حال من مفعول («نُدْخِلُهُمْ» (لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) من العيوب الظاهرة والباطنة (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) [٥٧] أي دائما في نهاية اللذة والستر ، وفي وصف الظل بالظليل الذي هو مشتق منه تأكيد لمعناه ومبالغة كقولهم ليل أليل إذا كان شديد الظلمة ، وقيل : معناه في مكان له ظل فوق ظل لكثرة الأفنان بحيث لا فرج فيه لالتقاء الأشجار وازدحام الأوراق (٤) ، وقيل : «يكون ذلك من ظلال الأشجار وظلال القصور في الجنة» (٥).

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨))

قوله (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) نزل بعد فتح رسول الله مكة حين أخذ علي رضي الله عنه مفتاح الكعبة من سادنها عثمان بن طلحة الحجبي ، فطلب النبي عليه‌السلام عمه العباس بأن يدفع إليه المفتاح ، فنزل جبرائيل فأخبر النبي عليه‌السلام يا محمد أن السدانة في أولاد عثمان أبدا ، يأمرك الله أن ترد أمانته إلى أهلها ، فرده إلى عثمان فأسلم (٦) ، ثم صار هذا عاما في جميع الناس وفي كل ما يؤتمن عليه من حقوق الله تعالى والآدميين ، ثم قال لجميع الحكام من الولاة والقضاة (وَإِذا حَكَمْتُمْ) أي ويأمركم إذا قضيتم (بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أي بالحق أو (٧) بالبينة على المدعي واليمين على من أنكر ، ف «إذا» معمول فعل (٨) محذوف ، أي (٩)

__________________

(١) نقله المصنف عن السمرقندي ، ١ / ٣٦١.

(٢) عليه ، ب م : عليهم ، س.

(٣) ولا يرحمه ، ب م : ولا يرحم ، س.

(٤) ولم أعثر عليه في المصادر التي راجعتها.

(٥) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٦٢.

(٦) اختصره المفسر من السمرقندي ، ١ / ٣٦٢ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٥٢ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٣٣ ـ ١٣٤ ؛ والبغوي ، ٢ / ٩٢ ـ ٩٣.

(٧) بالحق أو ، ب م : ـ س.

(٨) فعل ، ب م : ـ س.

(٩) أي ، م : ـ ب س.

٢١٩

و (أَنْ تَحْكُمُوا) مفعوله (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) أي نعم شيئا ينصحكم به تأدية الأمانة والحكم بالعدل ، ف «ما» نكرة بمعنى شيء ، و «يعظكم به» صفته والمخصوص بالمدح محذوف (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً) بمقالة دفع المفتاح إلى عمك العباس (بَصِيراً) [٥٨] أي عالما برد المفتاح إلى أهله.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩))

ولما أمر الحكام بالعدل أمر المؤمنين (١) بطاعتهم بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) في فرائضه (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في سننه (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أي وأطيعوا الولاة إذا أمروا بطاعة الله ، قال عليه‌السلام : «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني» (٢) ، قيل : كان الخلفاء يقولون أطيعوني ما عدلت فيكم فان خالفت فلا طاعة لي عليكم (٣) لقوله عليه‌السلام : «وإذا أمر المسلم بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (٤) ، وقيل : المراد من (أُولِي الْأَمْرِ) العلماء المتقون الذين يعلمون الناس معالم دينهم (٥) ، أي شرائعه من الحل والحرمة ، ثم قال (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) أي إن اختلفتم أنتم وأمراء العدل (فِي شَيْءٍ) من الشرائع (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ) أي إلى كتابه (وَالرَّسُولِ) أي إلى نفسه مدة حيوته ، فان مات فالى سننه (٦) ، وقيل : معناه إذا أشكل عليكم شيء فقولوا الله ورسوله أعلم (٧)(إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي بالبعث بعد الموت (ذلِكَ) أي الرد إلى كتاب الله وإلى سنة الرسول (خَيْرٌ) من التنازع (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [٥٩] أي أجمل من تأويلكم أو أجمل عاقبة ومرجعا.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠))

قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) أي يدعون (أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي بالقرآن (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) أي بالتورية وغيرها من الكتب المنزلة ، نزل حين وقع بين بشر المنافق ويهودي خصومة ، فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد حتى يحكم بيننا ، وقال المنافق : بل نأتي كعب بن الأشرف حتى يحكم بيننا ، إذ سمع عمر بن الخطاب قولهما فقال : ما شأنكما فأخبراه بالقصة ، فقال عمر : أنا أحكم بينكما ، فأجلسهما ، ثم دخل البيت وخرج بالسيف وقتل المنافق (٨) ، فأخبر الله عن حال المنافق وقال (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) وهو كعب بن الأشرف ، وسمي به لتجاوزه في الطغيان (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) أي بالطاغوت ، وهو يذكر ويؤنث (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ) أي كعب بن الأشرف أو حقيقة الشيطان (أَنْ يُضِلَّهُمْ) عن الهداية (ضَلالاً بَعِيداً) [٦٠] أي لا غاية له فلا يهتدون.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١))

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا) بفتح اللام ، أصله تعاليوا أمر لهم ، أي جيؤا (إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ) أي إلى ما أمره الله (٩) في كتابه (وَإِلَى الرَّسُولِ) أي وإلى ما أمره رسوله (رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ) أي يعرضون (عَنْكَ صُدُوداً) [٦١] أي إعراضا عن الحق.

__________________

(١) المؤمنين ، م : المؤمنون ، ب س.

(٢) أخرجه مسلم ، الإمارة ، ٣٢ ، ٣٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٩٤.

(٣) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٦٣.

(٤) أخرجه البخاري ، الأحكام ، ٤ والجهاد ، ١٠٨ ؛ ومسلم ، الإمارة ، ٣٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٩٤.

(٥) نقله عن البغوي ، ٢ / ٩٤.

(٦) سننه ، س م : سنته ، ب.

(٧) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٣٦٣.

(٨) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ١٣٧ ؛ والبغوي ، ٢ / ٩٧.

(٩) الله ، م : ـ ب س.

٢٢٠