عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-30-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٥١٨

وضعتم التكذيب موضع الشكر. وقيل : نزلت في الأنواء ونسبتهم السقيا إليها. والرزق المطر. يعني : وتجعلون شكر ما يرزقكم من الغيث أنّكم تكذّبون بكونه من الله حيث تنسبونه إلى النجوم. (١)

عن عليّ عليه‌السلام أنّه قرأ بهم الواقعة في الصلاة فقال : وتجعلون شكركم أنكم تكذبون» وقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قرأها هكذا. وكانوا إذا أمطروا قالوا : أمطرنا بنوء كذا وكذا. (٢) فأنزل الله. وتجعلون شكركم أنكم تكذبون» (٣)

روى بعضهم عن عاصم : (تُكَذِّبُونَ) بالتخفيف. (٤)

[٨٣] (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧))

(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ). ترتيب الآية : فلو لا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم ، إن كنتم [غير] مدينين. و (فَلَوْ لا) الثانية مكرّرة للتأكيد. والضمير في (تَرْجِعُونَها) للنفس وهي الروح. وفي (أَقْرَبُ إِلَيْهِ) للمحتضر. (غَيْرَ مَدِينِينَ) : غير مربوبين. من دان السلطان الرعيّة ، إذا ساسهم. (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) يا أهل الميّت بقدرتنا وعلمنا أو بملائكة الموت. والمعنى : انّكم في جحود أفعال الله وآياته في كلّ شيء : إن أنزل عليكم كتابا معجزا ، قلتم : سحر وافتراء. وإن أرسل إليكم رسولا صادقا ، قلتم : ساحر. وإن رزقكم مطرا يحييكم به ، قلتم : صدق بنوء كذا ، على مذهب يؤدّي إلى الإهمال والتعطيل. فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن بعد بلوغه الحلقوم إن لم يكن ثمّ قابض وكنتم [صادقين] في تعطيلكم وكفركم بالمحيي المميت المبدئ المعيد؟ (٥)

(غَيْرَ مَدِينِينَ) ؛ أي : مجزيّين يوم القيامة. (٦)

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٤٦٩.

(٢) بنوء كذا ؛ أي : بنظرات الكواكب. (هامش النسخة)

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٩.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٣٣٩.

(٥) الكشّاف ٤ / ٤٧٠.

(٦) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٤.

٤١

[٨٨ ـ ٨٩] (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩))

(إِنَّكَ إِنْ). أي المتوفّى. (مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) : من السابقين من الأزواج الثلاثة المذكورة في أوّل السورة. (فَرَوْحٌ) ؛ أي : استراحة. وقيل : البقاء. والريحان : الرزق. (١)

(فَرَوْحٌ) بالضمّ. وهو قراءة النبيّ والباقر عليهما‌السلام. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ. يعني في قبره. (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ. يعني في الآخرة. (٣)

[٩٠] (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠))

(فَسَلامٌ لَكَ) ؛ أي : فسلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين ؛ أي : يسلّمون عليك. (٤)

(فَسَلامٌ لَكَ) ؛ أي : إن كان المتوفّى من أصحاب اليمين ، فسلام لك ـ أيّها الإنسان الذي هو من أصحاب اليمين ـ من عذاب الله ، أو سلّمت عليك ملائكة الله. وقيل : معناه : فسلام [لك] من أصحاب اليمين في الجنّة. لأنّهم يكونون معك ويكونون لك لا عليك. (٥)

عن الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : فأما إن كان من أصحاب اليمين قال : قال رسول الله لعليّ عليهما‌السلام : هم شيعتك ، فسلم ولدك منهم أن يقتلوهم. (٦)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : فأما إن كان من أصحاب اليمين* فسلام لك من أصحاب اليمين فقال عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : هم شيعتك. (٧)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : فأما إن كان من أصحاب اليمين» يعني من كان من أصحاب عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام (فَسَلامٌ لَكَ) يا محمّد (مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) أن لا يعذّبوا. (٨)

[٩٢ ـ ٩٤] (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٤٧٠.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٣٤٣.

(٣) أمالي الصدوق / ٢٣٩ ، ح ١٢.

(٤) الكشّاف ٤ / ٤٧٠.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٣٤٤.

(٦) الكافي ٨ / ٢٦٠ ، ح ٣٧٣.

(٧) الكافي ٨ / ٢٦٠.

(٨) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٥٠.

٤٢

جَحِيمٍ (٩٤))

(مِنَ الْمُكَذِّبِينَ). أي بالبعث والرسل. (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) ؛ أي : فنزلهم الذي أعدّ لهم من الطعام والشراب من حميم جهنّم. (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) ؛ أي : إدخال نار عظيمة. (١)

وعنه عليه‌السلام : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ). هم أعداء آل محمّد. (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) في قبره. (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) في الآخرة. (٢)

(فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ* وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ). وذلك ما يجد في القبر من سموم النار ودخانها. (٣)

عن ابن أذينة قال : كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فذكرنا رجلا من أصحابنا فقلنا : فيه حدّة. فقال : من علامة المؤمن أن يكون فيه حدّة. فقلنا له : إنّ عامّة أصحابنا فيهم حدّة. فقال : إنّ الله في وقت ما ذرأهم ، أمر أصحاب اليمين ـ وأنتم هم ـ أن يدخلوا النار. فدخلوها ، فأصابهم وهج. فالحدّة من ذلك الوهج. وأمر أصحاب الشمال ـ وهم مخالفوهم ـ أن يدخلوا النار ، فلم يفعلوا. فمن ثمّ لهم سمت ولهم وقار. (٤)

في الحديث : يطغي عنك وهج المعدة. أي : حرّها واتّقادها. السمت : [الحالة] التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار. (مجمع البحرين)

[٩٥] (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥))

(إِنَّ هذا) ؛ أي : الذي أنزل في هذه السورة ، لهو الحقّ الثابت من اليقين. (٥)

[٩٦] (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦))

(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) ؛ أي : نزّه الله تعالى عن السوء والشرك وعظّمه بحسن الثناء عليه. وقيل : معناه : نزّه اسمه عمّا لا يليق به فلا تضف إليه صفة نقص أو عملا قبيحا. وقيل : معناه : قولوا سبحان ربّي العظيم. (٦)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٣٤٤.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٥٠ ، عن الصادق عليه‌السلام.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٥.

(٤) علل الشرائع ١ / ٨٥.

(٥) الكشّاف ٤ / ٤٧٠.

(٦) مجمع البيان ٩ / ٣٤٤.

٤٣
٤٤

٥٧.

سورة الحديد

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من قرأ سورة الحديد والمجادلة في صلاة فريضة أدمنها ، لم يعذّبه الله حتّى يموت أبدا ولا يرى في نفسه ولا أهله سوءا أبدا ولا خصاصة في بدنه. (١)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها ، كتب من الذين آمنوا بالله ورسله. (٢)

وعن الباقر عليه‌السلام : من قرأ المسبّحات كلّها قبل أن ينام ، لم يمت حتّى يدرك القائم عليه‌السلام. وإن مات كان في جوار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٣)

الحديد : من علّقها عليه ، أمن من الحديد في القتال. وإذا قرئت على الحديد ، خرج من غير ألم. ويغسل الحمرة والورم والجروح بمائها ، تبرأ بإذن الله. ومن حملها ، لم يره خصمه. (٤)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١))

(سَبَّحَ لِلَّهِ) ؛ أي : نزّهه وأثنى عليه بما هو أهله وبرّأه من كلّ سوء. (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من العقلاء وغيرهم ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم. وذلك أنّ العقلاء يسبّحونه قولا واعتقادا لفظا ومعنى وما ليس بعاقل من الحيوانات والجمادات فتسبيحه ما فيه من الدلالة الدالّة على وحدانيّته وعلى الصفات التي بها باين جميع خلقه. (٥)

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٤٥ ، ح ١.

(٢) المصباح / ٥٩٣.

(٣) المصباح / ٥٩٣ ، عن الصادق عليه‌السلام.

(٤) المصباح / ٦١١.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٣٤٦.

٤٥

(سَبَّحَ لِلَّهِ). ذكره هنا وفي الحشر والصفّ بلفظ الماضي ، وفي الجمعة والتغابن بلفظ المضارع ، إشعارا بأنّ من شأن ما أسند إليه أن يسبّحه في جميع أوقاته ، لأنّه دلالة جبلّيّة لا تختلف باختلاف الحالات. ومجيء المصدر مطلقا في بني إسرائيل أبلغ من حيث إنّه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كلّ شيء وفي كلّ حال. وإنّما عدّي باللّام وهو متعدّ بنفسه وهو مثل نصحت له في نصحته ، إشعارا بأنّ إيقاع الفعل لأجل الله وخالصا لوجهه. (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). حال يشعر بما هو المبدأ للتسبيح. (١)

[٢] (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢))

(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). فإنّه الموجد لهما والمتصرّف فيهما ، (يُحْيِي وَيُمِيتُ). استئناف. أو خبر لمبتدأ محذوف. أو حال من المجرور في له. (٢)

[٣] (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣))

(هُوَ الْأَوَّلُ) : السابق على سائر الموجودات من حيث إنّه موجدها ومحدثها. (وَالْآخِرُ) : الباقي بعد فنائها ، ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها. أو : هو الأوّل الذي يبتدئ الأسباب ، والآخر الذي ينتهي إليه المسبّبات. أو : الأوّل خارجا ، والآخر ذهنا. (وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) : الظاهر وجوده لكثرة دلائله ، والباطن حقيقة ذاته فلا يكتنهها العقول. أو : الغالب على كلّ شيء ، العالم بباطنه. (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يستوي عنده الظاهر والخفيّ. (٣)

أقول : الوجهان المذكوران في معنى الظاهر مرويّان عن الرضا عليه‌السلام. (٤)

(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ). قال البلخيّ : هو كقول القائل : فلان أوّل هذا الأمر وآخره و

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٦.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٦ ، والكشّاف ٤ / ٤٧٢.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٦.

(٤) لم نجده فيما حضرنا من المصادر.

٤٦

ظاهره وباطنه ؛ أي : عليه يدور الأمر ويتمّ به. (١)

عن جابر بن عبد الله قال : لقيت عمّارا في المدينة فأخبرني أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل علينا ، فبينا نحن كذلك وقد بزغت الشمس ، إذ أقبل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فقام إليه النبيّ فقبّل بين عينيه وأجلسه في جنبه. ثمّ قال : قم ـ يا عليّ ـ إلى الشمس فكلّمها ، فإنّها تكلّمك. فقال عليه‌السلام للشمس : كيف أصبحت يا خلق الله؟ فقالت : بخير يا رسول رسول الله ، يا أوّل ، يا آخر ، يا ظاهر ، يا باطن ، يا من هو بكلّ شيء عليم. فرجع إلى النبيّ. فقال : أمّا قولها لك : يا أوّل ، فأنت أوّل من آمن بالله. وقولها : يا آخر ، فأنت آخر من يعاينني على مغسلي. وقولها : يا ظاهر ، فأنت آخر من يظهر على مخزون سرّي. وقولها : يا باطن ، فأنت المستنبط (٢) لعلمي. وأمّا العليم بكلّ شيء ، فما أنزل الله تعالى علما إلّا وأنت به عليم. (٣)

وروي هذا الحديث عن الباقر عليه‌السلام وفيه : وأنت آخر الأوصياء. ليس بعدي نبيّ ولا بعد وصيّي وصيّ. وأنت الظاهر على أعدائك. وأنت [الباطن] في العلم الظاهر عليه. (٤)

ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن معنى الآخر فقال : إنّه ليس شيء إلّا يبيد أو يتغيّر أو يدخله التغيير والزوال أو ينتقل من لون إلى لون ومن صفة إلى صفة إلّا ربّ العالمين. فإنّه لم يزل ولا يزال بحالة واحدة. هو الأوّل قبل كلّ شيء. وهو الآخر على ما لم يزل. ولا يختلف عليه الصفات والأسماء كما يختلف على غيره مثل الإنسان الذي يكون ترابا مرّة ، و [مرّة] لحما ودما ، ومرّة رفاتا ورميما ، والله عزوجل بخلاف ذلك. (٥)

[٤] (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤))

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٣٤٧.

(٢) المصدر : المستبطن.

(٣) تأويل الآيات ٢ / ٦٥٤ ـ ٦٥٥ ، ح ١.

(٤) تأويل الآيات ٢ / ٦٥٥ ـ ٦٦٦ ، ح ٢.

(٥) الكافي ١ / ١١٥ ، ح ٥.

٤٧

(فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) لما في ذلك من اعتبار الملائكة بظهور شيء بعد شيء من جهته ، ولما في الإخبار به من المصلحة للمكلّفين. ولو لا ذلك لكان يخلقهما في لحظة واحدة. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) المعروف بالسماء. وقيل : استوى على الملك. فمن قال بالأوّل قال : استواؤه عليه كونه قادرا على خلقه وإنشائه وإفنائه وتصريفه. وقيل : معناه : عمد وقصد إلى خلق العرش. (وَما يَعْرُجُ فِيها) ؛ أي : ما يرفع إليها من أعمال الخلق. (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) بالعلم الذي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأحوالكم. (١)

(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) كالبذور (وَما يَخْرُجُ مِنْها) كالزروع (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) كالأمطار (وَما يَعْرُجُ فِيها) كالأبخرة. (وَهُوَ مَعَكُمْ) : لا ينفكّ علمه وقدرته عنكم بحال.

(بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم عليه. (٢)

[٥] (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥))

(مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). ذكره مع الإعادة كما ذكره مع الإبداء لأنّه كالمقدّمة لهما. (٣)

[٦] (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦))

[٧] (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧))

(مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ) : من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرّف فيها فهي في الحقيقة له لا لكم ، أو التي استخلفكم عمّن قبلكم في تملّكها والتصرّف فيها. وفيه حثّ على الإنفاق وتهوين له على النفس. (٤)

(جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ) ؛ يعني : انّ الأموال التي في أيديكم إنّما هي أموال الله وما أنتم فيها إلّا بمنزلة الوكلاء. فأنفقوا في حقوق الله. وليهن عليكم الإنفاق كما يهون على الرجل الإنفاق

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٣٤٧.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٧.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٧.

٤٨

من مال غيره. (١)

[٨] (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨))

(وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ؛ أي : وما تصنعون غير مؤمنين به؟ كقولك : ما لك قائما؟ (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ). حال من ضمير لا تؤمنون. والمعنى : أيّ عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه بالحجج والآيات؟ وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان قبل ذلك بنصب الأدلّة والتمكين من النظر! والواو للحال من مفعول يدعوكم. أبو عمرو : (أَخَذَ) بالبناء للمفعول. (٢)

[٩] (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩))

(لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ؛ أي : يخرجكم الله بآياته من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. أو : ليخرجكم الرسول بدعوته. (٣)

[١٠] (وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠))

(أَلَّا تُنْفِقُوا) : في أن لا تنفقوا. (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : يرث كلّ شيء فيهما من مال وغيره. يعني : وأيّ غرض لكم في ترك الإنفاق في سبيل الله والله مهلككم ووارث أموالكم؟ وهو من أبلغ البعث على الإنفاق في سبيل الله. ثمّ بيّن التفاوت بين المنفقين منهم

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٤٧٣.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٧.

(٣) الكشّاف ٤ / ٤٧٣.

٤٩

فقال : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ) قبل فتح مكّة قبل عزّ الإسلام وقوّة أهله ودخول الناس في دين الله أفواجا وقلّة الحاجة على القتال والنفقة فيه ومن أنفق من بعد الفتح. فحذف لوضوح الدلالة. [(أُولئِكَ) :] الذين أنفقوا قبل الفتح ـ وهم السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار الذين قال فيهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ، ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه ـ [(أَعْظَمُ دَرَجَةً)]. (وَكُلًّا) : وكلّ واحد من الفريقين (وَعَدَ اللهُ) المثوبة (الْحُسْنى). وهي الجنّة مع تفاوت الدرجات. (١)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يخرج من ولدي موسى رجل اسمه اسم أمير المؤمنين عليهما‌السلام إلى أرض طوس ـ وهي بخراسان ـ يقتل فيها بالسمّ فيدفن فيها غريبا. من زاره عارفا بحقّه ، أعطاه الله أجر من أنفق قبل الفتح وقاتل. (٢)

ابن عامر : «وكل» بالرفع على الابتداء. (٣)

[١١] (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١))

(قَرْضاً حَسَناً). وهو الإنفاق في سبيله. شبّه ذلك بالقرض على سبيل المجاز ، لأنّه إذا أعطى ماله لوجهه ، فكأنّه أقرضه إيّاه. (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) ؛ أي : يعطيه أجره على إنفاقه مضاعفا أضعافا من فضله. (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ). يعني ذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه. (٤)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال الله : إنّي أعطيت [الدنيا] بين عبادي قيضا. فمن أقرضني [منها] قرضا ، أعطيته لكلّ واحدة منهنّ عشرا إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك. (٥)

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : انّ الله تبارك وتعالى يقول : يابن آدم ، تطوّلت عليك بثلاث :

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٤٧٤.

(٢) عيون الأخبار ٢ / ٢٥٨ ، ح ٣.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٨.

(٤) الكشّاف ٤ / ٤٧٤.

(٥) الخصال ١ / ١٣٠ ، ح ١٣٥.

٥٠

سترت عليك ما لو علم به أهلك ما واروك. وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدّم خيرا. (١)

قال الصادق عليه‌السلام : على باب الجنّة مكتوب : القرض بثمانية عشر. والصدقة بعشرة. وذلك أنّ القرض لا يكون إلّا لمحتاج والصدقة ربما وقعت على يد غير المحتاج. (٢)

عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قال : صلة الإمام في دولة الفسّاق. (٣)

قال أهل التحقيق : القرض الحسن يجمع عشرة أوصاف : أن يكون من الحلال ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّ الله تعالى طيّب لا يقبل إلّا الطيّب. وأن يكون من أطيب ما يملكه دون أن بقصد الردي. بالإنفاق ؛ لقوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ). (٤) وأن يتصدّق وهو يحبّ المال ويرجو الحياة ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا سئل عن أفضل الصدقة : أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل [العيش] وتخشى الفقر ولا تمهل حتّى إذا بلغت النفس التراقي قلت : لفلان كذا ، ولفلان كذا. وأن تضعه في الأحوج الأولى. ولذلك خصّ الله أقواما بأخذ الصدقات وهم أهل السهمات. وأن يكتمه ما أمكن ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ). (٥) وأن لا يتبعه بالمنّ والأذى ؛ لقوله : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ»)(٦) وأن يقصد به وجه الله. وأن يستحقر ما يعطي وإن كثر ، لأنّ متاع الدنيا قليل. وأن يكون من أحبّ ماله إليه ؛ لقوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ). (٧) فإذا كملت هذه العشرة ، كان ذلك قرضا حسنا. (٨)

قرأ عاصم : «فيضاعفه» بالنصب ، على جواب الاستفهام باعتبار المعنى. كأنّه قال : أيقرض الله أحد فيضاعفه له؟ ابن كثير : «يضعفه» مرفوعا. وابن عامر : «يضعفه»

__________________

(١) الخصال ١ / ١٣٦ ، ح ١٥٠.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٥٠ ـ ٣٥١.

(٣) الكافي ٨ / ٣٠٢ ، ح ٤٦١.

(٤) البقرة (٢) / ٢٦٧.

(٥) البقرة (٢) / ٢٧١.

(٦) البقرة (٢) / ٢٦٤.

(٧) آل عمران (٣) / ٩٢.

(٨) مجمع البيان ٩ / ٣٥٤.

٥١

منصوبا. (١)

[١٢] (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢))

(يَوْمَ تَرَى). ظرف لقوله : (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ). أو منصوب بإضمار اذكر تعظيما لذلك اليوم. وإنّما قال : (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) لأنّ السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين كما أنّ الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم فيجعل النور في الجهتين شعارا لهم وآية. فإذا ذهب بهم إلى الجنّة ومرّوا على الصراط ، يسعون ويسعى بسعيهم ذلك النور متقدّما لهم. (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ). يعني يتلقّاهم الملائكة بهذا القول. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : يسعى نورهم من بين أيديهم قال : نور أئمّة المؤمنين يسعى بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم ومنازلهم من الجنّة. (٣)

[١٣] (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣))

(يَوْمَ يَقُولُ). بدل من (يَوْمَ تَرَى). (انْظُرُونا) : انتظرونا. لأنّهم يسرع بهم إلى الجنّة كالبروق الخاطفة على ركاب تزفّ بهم وهؤلاء مشاة. أو : انظروا إلينا. لأنّهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم والنور بين أيديهم فيستضيئون به. (قِيلَ ارْجِعُوا). طرد لهم وتهكّم بهم. (بِسُورٍ لَهُ بابٌ) : بحائل بين شقّ الجنّة وشقّ النار. قيل : هو الأعراف. لذلك السور باب لأهل الجنّة يدخلون منه. (باطِنُهُ). أي السور أو الباب. وهو الشقّ الذي يلي الجنّة. (وَ

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٨.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤٧٥.

(٣) تأويل الآيات ٢ / ٦٥٩ ـ ٦٦٠ ، ح ٩. وفي آخره : ... وبأيمانهم حتّى ينزلوا بهم منازلهم من الجنّة.

٥٢

ظاهِرُهُ) : ما ظهر لأهل النار (مِنْ قِبَلِهِ) : من عنده (الْعَذابُ). وهو الظلمة والنار. (١)

(لِلَّذِينَ آمَنُوا) ظاهرا وباطنا. (انْظُرُونا). وذلك أنّه يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور ، فإذا سبقهم المؤمنون قالوا : انظرونا نستضئ بنوركم. وقيل : إنّهم إذا خرجوا من قبورهم ، اختلطوا فيسعى المنافقون في نور المؤمنين. فإذا ميّزوا ، بقوا في الظلمة فيقولون هذا القول استغاثة. فيقال للمنافقين : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) ؛ أي : إلى المحشر حيث أعطينا النور (فَالْتَمِسُوا نُوراً). فيرجعون فلا يجدون نورا. عن ابن عبّاس. وقيل : معناه : ارجعوا إلى الدنيا إن أمكنكم فاطلبوا النور منها. فإنّا حملنا النور منها بالإيمان والطاعات. (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ) ؛ أي : بين المؤمنين والمنافقين بحائل وهو حائط بين الجنّة والنار. ولذلك السور باب باطن ذلك السور فيه الرحمة ـ أي : الجنّة ـ وخارجه فيه العذاب ؛ أي : النار. (٢)

(نُوراً). قال : النور يقسم بين الناس يوم القيامة على قدر إيمانهم. يقسم للمنافق فيكون نوره في إبهام رجله اليسرى. فينظر نوره ثمّ يقول للمؤمنين : مكانكم حتّى أقتبس من نوركم. فيقول المؤمنون لهم : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ). فيرجعون فيضرب بينهم بسور له باب فينادون من وراء السور للمؤمنين : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ)؟ قال : والله ما عنى بذلك إلّا أهل القبلة. (٣)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا السور. وعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام الباب. وليس يؤتى السور إلّا من قبل الباب. (٤)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : سمعت رسول الله يقول : تحشر أمّتي يوم القيامة على خمس رايات ، فأوّل راية ترد عليّ مع فرعون هذه الأمّة وهو معاوية. والثانية مع سامريّ هذه الأمّة وهو عمرو بن العاص. والثالثة مع جاثليق هذه الأمّة وهو أبو موسى الأشعريّ. والرابعة مع أبي الأعور السلميّ. وأمّا الخامسة فمعك يا عليّ وتحتها المؤمنون. يقول الله

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٤٧٥ ـ ٤٧٦.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٥١.

(٤) تأويل الآيات ٢ / ٦٦٢ ، ح ١٣.

٥٣

للأربعة : ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ). وهم شيعتي ومن قاتل معي. ترد شيعتي الحوض وبيدي عصا عوسج أطرد بها أعدائي طرد غريبة الإبل. (١)

[١٤] (يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤))

(يُنادُونَهُمْ). أي المنافقون المؤمنين. (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الدنيا نصوم ونصلّي مثلكم؟ (قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) في الكفر والنفاق (وَتَرَبَّصْتُمْ) بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله الموت وقلتم : يوشك أن يموت فنستريح. وقيل : تربّصتم بالمؤمنين الدوائر. (وَارْتَبْتُمْ) ؛ أي : شككتم في الدين. (أَمْرُ اللهِ) ؛ أي : الموت. أو الإلقاء في النار. (٢)

(وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ) ؛ أي : طول الآمال والطمع في امتداد الأعمار. (٣)

[١٥] (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥))

[(لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) ؛ أي : بدل بأن تفدوا] أنفسكم من العذاب. (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ؛ أي : سائر الكفّار. (مَوْلاكُمْ) ؛ أي : أولى بكم. أي إنّها التي تلي أمركم فهي أولى بكم من كلّ شيء. (لا يُؤْخَذُ). ابن عامر بالتاء. (٤)

(مَوْلاكُمْ). يجوز أن يراد : هي ناصركم. أي : لا ناصر لكم غيرها. والمراد نفي الناصر على البتات. ومنه قوله تعالى : (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ). (٥) وقيل : تتولّاكم كما تولّيتم في الدنيا أعمال أهل النار. (٦)

__________________

(١) الخصال ٢ / ٥٧٥ ، ح ١.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٣٥٥.

(٣) الكشّاف ٤ / ٤٧٦.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٣٥٥ و ٣٥١.

(٥) الكهف (١٨) / ٢٩.

(٦) الكشّاف ٤ / ٤٧٦.

٥٤

[١٦] (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦))

(أَلَمْ يَأْنِ). من أنى الأمر يأني ، إذا جاء أناه ؛ أي : وقته. عن ابن عبّاس : انّ الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن. (١)

(أَلَمْ يَأْنِ). نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة. وذلك أنّهم سألوا سلمان الفارسيّ ذات يوم فقالوا : حدّثنا عمّا في التوراة. فنزلت : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) إلى قوله : (لَمِنَ الْغافِلِينَ). (٢) فخبّرهم أنّ هذا القرآن أحسن القصص وأنفع لهم من غيره. فكفّوا عن سؤال سلمان ما شاء الله. ثمّ عادوا فسألوا سلمان عن ذلك. فنزلت : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) ـ الآية. (٣) فكفّوا عن سؤال سلمان ما شاء الله. ثمّ عادوا ، فنزلت هذه الآية. أي : أماحان للمؤمنين (أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ) ؛ أي : ترقّ وتلين. (لِذِكْرِ اللهِ) ؛ أي : لما ذكّرهم به من المواعظ. (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ). يعني القرآن. (أُوتُوا الْكِتابَ) من اليهود والنصارى. (عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) للجزاء. أي لم يعاجلوا بالجزاء فاغترّوا بذلك (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ). وقيل : طالت أعمارهم وساءت أعمالهم فقست قلوبهم. (٤)

(نَزَلَ). نافع وحفص بالتخفيف. والباقون بالتشديد. (٥)

(وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : نزلت في أهل زمان الغيبة. و (الْأَمَدُ) أمد الغيبة. (٦)

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لم يزل بنو إسماعيل ولاة البيت ويقيمون للناس حجّهم وأمر دينهم يتوارثونه كابر عن كابر حتّى كان زمن عدنان فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم و

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٤٧٧.

(٢) يوسف (١٢) / ١ ـ ٣.

(٣) الزمر (٣٩) / ٢٣.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٩.

(٦) تأويل الآيات ٢ / ٦٦٢ ، ح ١٤.

٥٥

أفسدوا وأخرج بعضهم بعضا. (١)

[١٧] (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧))

(يُحْيِ الْأَرْضَ). قيل : تمثيل لأثر الذكر في القلوب وأنّه يحييها كما يحيي الغيث الأرض. (٢)

(يُحْيِ الْأَرْضَ) بالنبات. (الْآياتِ) ؛ أي : الحجج الواضحات. (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فترجعون إلى طاعتنا. (٣)

(يُحْيِ الْأَرْضَ). تمثيل لإحياء [القلوب القاسية بالذكر والتلاوة بإحياء] الأموات ، ترغيبا في الخشوع وزجرا عن القساوة. (٤)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) قال : العدل بعد الجور. (٥)

عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله : (اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) قال : يحييها الله بالقائم (بَعْدَ مَوْتِها) يعني كفر أهلها. (٦)

[١٨] (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨))

ابن كثير وأبو بكر : (الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) بتحفيف الصاد. (وَأَقْرَضُوا اللهَ) ؛ أي : أنفقوا في وجوه الخير. (يُضاعَفُ) ؛ أي : يجازون أمثال ذلك. (٧)

(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) ؛ أي : المتصدّقين والمتصدّقات. وقراءة تخفيف الصاد معناه : الذين صدّقوا الله ورسوله. (وَأَقْرَضُوا اللهَ). عطف على معنى الفعل في المحلّى باللّام. لأنّ معناه : الذين أصدقوا ، أو صدّقوا. وهو على الأوّل للدلالة على أنّ المعتبر هو التصدّق

__________________

(١) الكافي ٤ / ٢١٠ ، ح ١٧.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤٧٨.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٣٥٨.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٩.

(٥) الكافي ٨ / ٢٦٧ ، ح ٣٩٠.

(٦) كمال الدين ٢ / ٦٦٨ ، ح ١٣.

(٧) مجمع البيان ٩ / ٣٥٦ و ٣٥٨.

٥٦

المقرون بالإخلاص. (١)

[١٩] (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩))

(هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ). فقال مجاهد : كلّ من آمن بالله ورسوله ، فهو صدّيق شهيد. وقرأ هذه الآية. والصدّيق : الكثير الصدق المبالغ فيه. (أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) ؛ أي : ثواب طاعتهم ونور إيمانهم الذي يهتدون به إلى طريق الجنّة. وعن منهال القصّاب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ادع الله أن يرزقني الشهادة. فقال : إنّ المؤمن شهيد. وقرأ هذه الآية. قال الحارث : كنّا عند أبي جعفر عليه‌السلام فقال : العارف منكم بهذا الأمر المنتظر له المحتسب فيه الخير ، كمن جاهد ـ والله ـ مع القائم بسيفه. ثمّ قال : بل ـ والله ـ كمن جاهد مع رسول الله بسيفه. ثمّ قال الثالثة : كمن استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في فسطاطه. وفيكم آية من كتاب الله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ) ـ الآية. صرتم ـ والله ـ صادقين شهداء عند ربّكم. وقيل : (الشُّهَداءُ) منفصل عمّا قبله مستأنف. والمراد بهم إمّا الأنبياء ، لأنّهم يشهدون للأمم وعليهم ـ وهو قول ابن عبّاس ـ أو الذين استشهدوا في سبيل الله. (٢)

(هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ). وهم المبالغون في الصدق ـ فإنّهم آمنوا وصدّقوا جميع أخبار الله ورسله ـ والقائمون بالشهادة لله ولهم أو على الأمم. (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) : مثل أجر الصدّيقين والشهداء ومثل نورهم ، لكن من غير تضعيف ، ليحصل التفاوت. أو : الأجر والنور الموعودان لهم. (أَصْحابُ الْجَحِيمِ). وفيه دليل على أنّ الخلود في النار مخصوص بالكفّار ؛ من حيث إنّ التركيب يشعر بالاختصاص والصحبة تدلّ على الملازمة. (٣)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فيموت حتّى يبتلى ببليّة تمحّص بها ذنوبه ـ إمّا في مال أو ولد أو نفس ـ حتّى يلقى الله وما له ذنب. [و] إنّه ليبقى

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٩.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠.

٥٧

عليه الشيء من ذنوبه فيشدّد عليه عند موته. الميّت من شيعتنا صدّيق شهيد ؛ صدّق بأمرنا وأحبّ فينا وأبغض فينا يريد بذلك وجه الله ، يؤمن بالله ورسوله. قال الله : (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ـ الآية. (١)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال لرجل من الشيعة : أنتم الطيّبون. ونساؤكم الطيّبات. كلّ مؤمنة حوراء عيناء. وكلّ مؤمن صدّيق. (٢)

عن الحسين عليه‌السلام : ما من شيعتنا إلّا صدّيق شهيد. قال له رجل : جعلت فداك ؛ أنّى يكون ذلك وعامّتهم يموتون على فرشهم؟ فقال : أما تتلو كتاب الله في الحديد : (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ـ الآية؟ [قال :] فكأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله! فقال : لو كان الشهداء كما يقولون ، كان الشهداء قليلا. (٣)

[٢٠] (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠))

بيّن أنّ أمور الدنيا خياليّة قليلة النفع سريعة الزوال لأنّها (لَعِبٌ) يتعب الناس فيه أنفسهم جدّا إتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة (وَلَهْوٌ) يلهون به أنفسهم عمّا يهمّهم (وَزِينَةٌ) كالملابس الحسنة والمنازل الرقيعة (وَتَفاخُرٌ) بالأسباب (وَتَكاثُرٌ) بالعدد والعدد. ثمّ قرّر ذلك بقوله : (كَمَثَلِ غَيْثٍ) ـ الآية. وهو تمثيل بحال سرعة تقضّيها وقلّة جدواها. (٤)

(لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ؛ أي : بمنزلة اللهو واللّعب. وكلّ لعب لهو. وقيل : اللّعب ما رغّب في الدنيا. واللهو ما ألهى عن الآخرة. (وَزِينَةٌ) تتزيّنون بها في الدنيا. (وَتَفاخُرٌ) ؛ أي : يتفاخر الرجل

__________________

(١) الخصال ٢ / ٦٣٥ ـ ٦٣٦.

(٢) الكافي ٨ / ٣٦٥ ، ح ٥٥٦.

(٣) المحاسن / ١٦٣ ـ ١٦٤ ، ح ١١٥.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٧٠.

٥٨

بها قرينه وجاره. (وَتَكاثُرٌ) ؛ يعني : يتكاثر الرجل بها أولياء الله بماله وولده وخدمه. يعني أنّه يفني عمره في هذه الأشياء. ثمّ بيّن لهذه الحالة شبها فقال : (كَمَثَلِ غَيْثٍ) ؛ أي : مطر (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ [نَباتُهُ) ؛ أي : أعجب الزرّاع] ما نبت من ذلك الغيث. وقيل : المراد الكافر بالله لأنّه أشدّ إعجابا بالدنيا من غيره. (يَهِيجُ) ؛ أي : ييبس. (مُصْفَرًّا). وهو إذا قارب اليبس. (حُطاماً) ينكسر بعد يبسه. وشرح هذا تقدّم في سورة يونس. (عَذابٌ شَدِيدٌ) لأعداء الله. (وَمَغْفِرَةٌ) لأهل الطاعة. (مَتاعُ الْغُرُورِ) لمن اغترّ بها ولم يعمل لآخرته. (١)

قال المفسّر في سورة يونس عند قوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ) ـ الآية (٢) ـ : إنّما شبّه الحياة الدنيا في سرعة فنائها كالمطر الذي أنزل من السماء. (٣)

[٢١] (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١))

(سابِقُوا) : سارعوا مسارعة السابق في المضمار. (إِلى مَغْفِرَةٍ) : إلى موجبها. (عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ؛ أي : عرضها كعرضهما. وإذا كان العرض كذلك ، فما ظنّك بالطول! وقيل : المراد البسطة ؛ كقوله : (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ). (٤)(أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا). فيه دلالة على أنّ الإيمان وحده كاف في استحقاقه. (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ) ؛ أي : ذلك الموعود يتفضّل به على من يشاء من غير إيجاب. (ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). فلا يبعد من التفضّل بذلك وإن عظم قدره. (٥)

في ذكر العرض دون الطول أوجه. أحدها : انّ عظم العرض يدلّ على عظم الطول. والآخر : انّ الطول قد يكون بلا عرض ولا يكون عرض بلا طول. وثالثها : انّ المراد به أنّ العرض مثل السموات والأرض وطولها لا يعلمه إلّا الله. قال الحسن : إنّ الله يفني الجنّة ثمّ يعيدها على ما وصفه. فلذلك صحّ وصفها بأنّ عرضها كعرض السماء والأرض. وقال

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٣٥٩.

(٢) يونس (١٠) / ٢٤.

(٣) مجمع البيان ٥ / ١٥٥.

(٤) فصّلت (٤١) / ٥١.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٧٠.

٥٩

غيره : إنّها في السماء الرابعة (١). قال الله : (عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ). فلا تنافي. (٢) (من ج ، حسن)

[٢٢] (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢))

(مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) كجدب وعاهة. (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) كمرض وآفة. (إِلَّا فِي كِتابٍ) ؛ أي : مكتوبة [في] اللّوح ، مثبتة في علم الله. (نَبْرَأَها) ؛ أي : نخلقها. والضمير للمصيبة ، أو للأرض أو الأنفس. (إِنَّ ذلِكَ) ؛ أي : ثبته في كتاب. (٣)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : تعتلج النطفتان في الرحم فأيّتها كانت أكثر ، جاءت تشبهها. فإن كانت نطفة الرجل أكثر ، جاءت تشبه أعمامه. وإن كانت نطفة المرأة أكثر ، جاءت تشبه أخواله. وقال : تحول النطفة في الرحم أربعين يوما. فمن أراد أن يدعو الله ، ففي تلك الأربعين قبل أن يخلق. ثمّ يبعث الله ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها إلى الله فيقف ما شاء الله.

فيقول : إلهى ، أذكر أم أنثى؟ فيوحي الله بذلك ما يشاء فيكتب الملك. فيقول : اللهمّ كم رزقه؟ وما أجله؟ ثمّ يكتبه ويكتب كلّ ما يصيبه في الدنيا بين عينيه. ثمّ يرجع فيردّه في الرحم. فذلك قول الله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ) ـ الآية. (٤)

[٢٣] (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣))

(لِكَيْلا تَأْسَوْا) ؛ أي : أثبت وكتب لئلّا تحزنوا على ما فاتكم من نعم الدنيا ولا تفرحوا بما أعطاكم الله منها. فإنّ من علم أنّ الكلّ مقدّر ، هان عليه الأمر. والمراد به نفي الأسى المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاختيال. ولذلك عقّبه بقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُ

__________________

(١) المصدر : السابعة.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٣٦١.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٧٠.

(٤) علل الشرائع / ٩٥ ، ح ٤.

٦٠