عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٣

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٣

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-28-9
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٦١

١

٢

١٦.

سورة النحل

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأسورة النحل ، لم يحاسبه الله بالنعم التي أنعمها عليه وأعطي من الأجر كالذي مات وأحسن الوصيّة. وإن مات في يوم تلاها وليلته ، كان له من الأجر مثل ذلك. (١)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : من قرأسورة النحل في كلّ شهر ، كفي سبعين نوعا من أنواع البلاء ، وكان مسكنه في جنّة عدن وهي وسط الجنان. (٢)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١))

(أَتى). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أوّل من يبايع القائم عليه‌السلام جبرئيل ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه ثمّ يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلا على بيت المقدس ثمّ ينادي بصوت ذلق تسمعه الخلائق : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ). (٣)

(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ). كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرسول من قيام الساعة أو إهلاك الله إيّاهم كما فعل يوم بدر ، استهزاء وتكذيبا ويقولون : إن صحّ ما يقوله ، فالأصنام تشفع لنا وتخلّصنا. فنزلت. والمعنى : انّ الأمر الموعود به بمنزلة الآتي المتحقّق من حيث إنّه واجب الوقوع. فلا تستعجلوا وقوعه. فإنّه لا خير لكم فيه ولاخلاص لكم منه. (سُبْحانَهُ وَ

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٣٥.

(٢) ثواب الأعمال / ١٣٣ ، ح ١.

(٣) كمال الدين ٢ / ٦٧١ ، ح ١٨.

٣

تَعالى) : تبرّأ وجلّ أن يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم. (يُشْرِكُونَ). قرأحمزة والكسائيّ بالتاء على وفق قوله : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ). (١)

(عَمَّا يُشْرِكُونَ). لأنّ استعجالهم استهزاء وتكذيب. وذلك من الشرك. (٢)

[٢] (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢))

(بِالرُّوحِ) ؛ أي : بالوحي ، أو القرآن. فإنّه تحيى به القلوب الميّتة بالجهل ، أو يقوم [في] الدين مقام الروح في الجسد. (يُنَزِّلُ). ابن كثير وأبو عمرو : (يُنَزِّلُ) من أنزل. وعن يعقوب : «تنزل» بمعنى تتنزّل. وأبو بكر : «تنزل» على المضارع المبنيّ للمفعول من التنزيل. (أَنْ أَنْذِرُوا) : بأن أنذروا ؛ أي : أعلموا. من نذرته بكذا ، إذا أعلمته. (٣)

(أَنْ أَنْذِرُوا). بدل من الروح. أي : ينزّل بأن أنذروا. وتقديره : بأنّه أي الشأن أقول لكم : أنذروا. أو يكون أن مفسّرة. لأنّ تنزيل الملائكة بالوحي فيه معنى القول. (٤)

[٣] (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)

(بِالْحَقِّ) ؛ أي : بالحكمة. (عَمَّا يُشْرِكُونَ) ممّا لا يقدر على خلقها. (٥)

[٤] (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)

(مِنْ نُطْفَةٍ) : من جماد لا حسّ بها ولا حراك سيّالة لا تحفظ الوضع والشكل. (خَصِيمٌ مُبِينٌ) ؛ أي : منطيق مجادل مبين للحجّة. أو : خصيم مكافح لخالقه قائل : من يحيي العظام وهي رميم؟ روي أنّ أبيّ بن خلف أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعظم رميم وقال : يا محمّد ، أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمّ؟ فنزلت الآية. (٦)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٧.

(٢) الكشّاف ٢ / ٥٩٣.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٧.

(٤) الكشّاف ٢ / ٥٩٣.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٨.

(٦) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٨.

٤

[٥] (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥))

(وَالْأَنْعامَ) : الإبل والبقر والغنم. وانتصابه بمضمر يفسّره (خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) ؛ أي : ما يدفأ به فيقي البرد. (وَمَنافِعُ) : نسلها ودرّها وظهورها. (تَأْكُلُونَ). أي كاللّحوم والشحوم والألبان. وأمّا الأكل من سائر الحيوانات المأكولة ، فعلى سبيل التداوي أو التفكّه. (١)

(دِفْءٌ) ؛ أي : لباس. (٢)

[٦] (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦))

(جَمالٌ) ؛ أي : زينة. (تُرِيحُونَ) : تردّونها من مراعيها إلى مراحها بالعشيّ. (حِينَ تَسْرَحُونَ) : تخرجونها بالغداة إلى المراعي. فإنّ الأفنية تتزيّن بها في الوقتين فيجلّ أهلها في أعين الناظرين إليها. وتقديم الإراحة لأنّ الجمال فيها أظهر فإنّها تقبل ملأى البطون حافلة الضروع ثمّ تأوي إلى الحظائر حاضرة لأهلها. (٣)

[٧] (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧))

(أَثْقالَكُمْ) ؛ أي : أحمالكم. (٤)

(إِلى بَلَدٍ) : إلى مكّة والمدينة وجميع البلدان. (٥)

(بِشِقِّ). بكسر الشين وفتحها. قيل : هما لغتان في معنى المشقّة. وبينهما فرق ؛ وهو أنّ المفتوح مصدر شقّ الأمر عليه شقّا ، وأمّا الشقّ فالنصف ؛ كأنّه يذهب نصف قوته لما يناله من الجهد. ومعناه : وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه في التقدير لو لم تخلق الإبل إلّا

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٨.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٣٩.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٨.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٨.

(٥) تفسير القمّيّ ١ / ٣٨٢.

٥

بجهد أنفسكم. لأنّهم لم يكونوا بالغيه في الحقيقة. (١)

(وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ما من ملك ولا سوقيّ يصل إلى الحجّ إلّا بمشقّة في تغيير مطعم أو مشرب أو ريح أو شمس ولا يستطيع ردّها. وذلك قوله عزوجل : (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) ـ الآية. (٢) والحديث طويل.

(بِشِقِّ). أبو جعفر بفتح الشين ، والباقون بكسرها. (٣)

[٨] (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨))

(وَالْخَيْلَ). عطف على الأنعام. أي : وخلق هؤلاء للركوب والزينة. ونصب (زِينَةً) على أنّه مفعول له وهو معطوف على محلّ (لِتَرْكَبُوها). فإن قلت : فهلّا ورد المعطوف والمعطوف عليه على سنن واحد؟ قلت : لأنّ الركوب فعل المخاطبين ، وأمّا الزينة ففعل الزائن وهو الخالق. (ما لا تَعْلَمُونَ). أخبر بأنّ له من الخلائق ما لا علم لنا به ليزيدنا دلالة على اقتداره بالإخبار بذلك. (٤)

[٩] (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)

(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) ؛ أي : بيان قصد السبيل. (وَمِنْها جائِرٌ) ؛ أي : من السبيل ما هو عادل عن الحقّ. (٥)

(عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ). معناه : انّ هداية الطريق الموصل إلى الحقّ واجبة عليه. [وقرأ عبد الله : ومنكم جائر» يعنى : ومنكم] جائر جار عن القصد بسوء اختياره والله بريء منه. (لَهَداكُمْ). أي قسرا وإلجاء. (٦)

[١٠] (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠))

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٥٩٤ ـ ٥٩٥.

(٢) الكافي ٤ / ٢٥٣ ، ح ٧.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٣٨.

(٤) الكشّاف ٢ / ٥٩٥.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٤٢.

(٦) الكشّاف ٢ / ٥٩٦.

٦

(شَرابٌ) : ما يشرب. (شَجَرٌ) ؛ أي : الشجر الذي ترعاه المواشي. (تُسِيمُونَ). من سامت الماشية ، إذا رعت. فهي سائمة. وأسامها صاحبه. وهو من السومة ، وهي العلامة. لأنّها تؤثّر بالرعي علامات في الأرض. (١)

(وَمِنْهُ شَجَرٌ) ؛ أي : ومنه يكون شجر ترعاه المواشي. وقيل : كلّ ما ينبت على الأرض شجر. (٢)

[١١] (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١))

(يُنْبِتُ). قرأأبو بكر بالنون على التفخيم. (٣)

(وَمِنْ كُلِّ). من للتبعيض. لأنّ كلّ الثمرات لا يكون إلّا في الجنّة. (يَتَفَكَّرُونَ) : ينظرون فيستدّلون بها عليه وعلى حكمته. (٤)

[١٢] (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢))

(وَالشَّمْسَ). ابن عامر : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ) كلّ ذلك بالرفع. وقرأ حفص عن عاصم : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) بالنصب (وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ) بالرفع. وقرأ الباقون كلّ ذلك بالنصب. (إِنَّ فِي ذلِكَ) ؛ أي : التسخير (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) : لدلالات لمن يتفكّر. (٥)

قرئت كلّها بالنصب على : وجعل النجوم مسخّرات ، أو على أنّ معنى تسخيرها للناس تصييرها نافعة لهم حيث يسكنون باللّيل ويبتغون من فضله بالنهار ويعلمون عدد السنين

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٥٩٧.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٩.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٩.

(٤) الكشّاف ٢ / ٥٩٧.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٤٠ و ٥٤٣.

٧

والحساب بمسير الشمس والقمر ويهتدون بالنجوم. كأنّه قيل : وينفعكم بها في حال كونها مسخّرات لما خلقهنّ له بأمره. ويجوز أن يكون المعنى أنّه سخّرها أنواعا من التسخير. كأنّه قيل : وسخّرها لكم تسخيرات بأمره. (١)

(مُسَخَّراتٌ). حال من الجميع. أي : نفعكم بها حال كونها مسخّرات لله خلقها الله ودبّرها كيف شاء. أي : لمّا خلقهنّ له بإيجاده وتقديره أو بحكمه. وعلى تقدير قراءة حفص : (وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ) بالابتداء والخبر [يكون] تعميما للحكم بعد تخصيصه. (٢)

[١٣] (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣))

(وَما ذَرَأَ) ؛ أي : سخّر لكم ما خلقه لكم في الأرض لقوام أبدانكم من المطاعم والملابس والمناكح وسائر النعم. (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) لا يشبه بعضه بعضا. (يَذَّكَّرُونَ) ؛ أي :

يتذّكرون الأدلّة فينظرون فيها ويعتبرون بها. (٣)

[١٤] (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤))

(سَخَّرَ الْبَحْرَ) ؛ أي : جعله بحيث تتمكّنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص. (طَرِيًّا). هو السمك. (حِلْيَةً). كاللّؤلؤ والمرجان. (تَلْبَسُونَها) ؛ أي : تلبسها نساؤكم. فأسندها إليهم لأنّهنّ من جملتهم ولأنّهنّ يتزيّنّ بها لأجلهم. (مَواخِرَ فِيهِ) : [جواري فيه تشقّه بحيزومها. من المخر وهو شقّ الماء ، وقيل :] صوت جري الفلك فيه. (٤)

(مَواخِرَ). المخر : شقّ الماء عن يمين وشمال. يقال : مخرت السفينة الماء مخرا فهي ماخرة. والمخر أيضا : صوت هبوب الريح إذا اشتدّ هبوبها. أي : وترى ـ أيّها الإنسان ـ السفن شقّاقة في البحر وقواطع لمائه. وقيل : جواري. (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) ؛ أي : ولتركبوه للتجارة وتطلبوا

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٥٩٧.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٩.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٤٣.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٤٠.

٨

من فضل الله. (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) : لكي تشكروا الله على نعمه ليزيدكم منها ويثيبكم. (١)

[١٥] (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥))

(رَواسِيَ) ؛ أي : جبالا عالية ثابتة. (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) ؛ أي : لئلّا تميد بكم الأرض. أو : كراهة أن تميد بكم ؛ أي : تتحرّك وتضطرب. (وَأَنْهاراً) ؛ أي : جعل فيها أنهارا. (وَسُبُلاً) ؛ أي : طرقا لكي تجروا الماء في الأنهار إلى بساتينكم وتهتدوا بالطرق إلى حيث ما شئتم من البلاد. وقيل : أراد بالأنهار النيل والفرات ودجلة وسيحان وجيحان وأمثالها. (تَهْتَدُونَ) : لتهتدوا بها إلى توحيد الله. (٢)

(أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ). وذلك لأنّ الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال ، كانت كرة خفيفة بسيطة الطبع وكان من حقّها أن تتحرّك بالاستدارة كالأفلاك أو أن تتحرّك بأدنى سبب للتحريك. فلمّا خلقت الجبال [تفاوتت جوانبها وتوجّهت الجبال] بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد التي تمنعها عن الحركة. وقيل : لمّا خلق الله الأرض ، جعلت تمور. فقالت الملائكة : ما هي بمقرّ أحد على ظهرها. فأصبحت وقد أرسيت بالجبال. (٣)

[١٦] (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦))

(وَعَلاماتٍ) ؛ أي : جعل لكم علامات ؛ أي : معالم يعلم بها الطرق. وقيل : العلامات الجبال يهتدى بها نهارا وبالنجوم يهتدون ليلا. وقيل : المراد به الاهتداء وأراد بالنجم الجنس. وقيل : تمّ الكلام عند قوله : (وَعَلاماتٍ) ثمّ ابتدأ : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ). وقيل : المراد به الاهتداء في القبلة. وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : نحن العلامات. والنجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقال : إنّ الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء ، وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض. (٤)

(وَبِالنَّجْمِ). عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو الجديّ لأنّه نجم لا يزول وعليه بناء القبلة وبه يهتدون

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٤٤ ـ ٥٤٥.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٤٥.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٤٠.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٤٥.

٩

أهل البرّ والبحر. (١)

(وَبِالنَّجْمِ). خطاب لقريش لأنّهم كانوا كثيري الأسفار للتجارة مشهورين بالاهتداء في مسائرهم بالنجوم. (٢)

[١٧] (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧))

(أَفَمَنْ يَخْلُقُ) هذه الأشياء في استحقاق العبادة والإلهيّة كالأصنام التي لا تخلق شيئا حتّى يسوّى بينها في العبادة وبين خالق جميع ذلك؟ (٣)

[١٨] (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨))

(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ). أي إنّ ما ذكر بعض نعمه ، وإن أردتم التفصيل ، فهو غير ممكن. (ع)

(لَغَفُورٌ). أي لما حصل منكم من تقصير في شكر نعمه. (٤)

(رَحِيمٌ) حيث لم يقطعها عنكم بترك شكرها. (ع)

[١٩] (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩))

[٢٠] (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠))

عن أبي جعفر عليه‌السلام : (الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الأوّل والثاني والثالث. كذّبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : والوا عليّا عليه‌السلام واتّبعوه. فعادوا ولم يوالوه ودعوا الناس إلى ولاية أنفسهم. وأمّا قوله : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) فإنّه يعني : لا يعبدون شيئا (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) ؛ يعني : وهم يعبدون. (٥)

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٦ ، ح ١٢.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٤٠.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٤٥.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٤٦.

(٥) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٦ ، ح ١٤.

١٠

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ). أي الأصنام. (يَدْعُونَ). عاصم بالياء. والباقون بالتاء. (١)

[٢١] (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١))

وأمّا قوله : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) ؛ يعني : كفّار غير مؤمنين. وأمّا قوله : (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) فإنّه يعني أنّهم لا يؤمنون أنّهم يشركون. (٢)

(أَمْواتٌ) ؛ أي : الأصنام هي أموات (غَيْرُ أَحْياءٍ) ؛ أي : لم يسبق لها حياة وما تشعر هذه الأصنام متى تبعث. وقيل في الآية : هم أموات ، يعني [أنّ] الكفّار في حكم الأموات لذهابهم عن الحقّ ولا يدرون متى يبعثون. وقيل : إنّ المعنى : ولا تدري الأصنام متى يبعث الخلق. (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ). أيّان في موضع نصب بيبعثون. (٣)

[٢٢] (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢))

(إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لا يقدر على ما يستحقّ به العبادة من خلق أصول النعم سواه. فاثبتوا على عبادته. (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) ؛ أي : جاحدة للحقّ تستبعد ما يرد عليها من المواعظ. (مُسْتَكْبِرُونَ). أي عن الانقياد للحقّ. (٤)

(لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ؛ يعني : لا يؤمنون بالرجعة لأنّها حقّ. (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) ؛ يعني : كافرة. (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن ولاية عليّ عليه‌السلام. قال الله لمن فعل ذلك وعيدا منه : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ). (٥)

[٢٣] (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣))

(لا جَرَمَ) ؛ أي : حقّا. وهو بمنزلة اليمين. وقال الخليل : هو كلمة تحقيق. وقال الزجّاج :

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٤٦.

(٢) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٦ ، ح ١٤ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٤٧.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٤٧.

(٥) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٧ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

١١

معناه : حقّ أنّ الله ووجب أنّ الله ، ولا ردّ لفعلهم. وقال أبو مسلم : أصله من الكسب. فكأنّه قال : لا يحتاج في معرفة هذا الأمر إلى اكتساب علم بل هو معلوم. المستكبرون عن متابعة الأنبياء. (١)

المستكبرون فضلا عن المتكبّرين. (٢)

[٢٤] (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤))

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) ؛ أي : لمشركي قريش : (ما ذا) الذي (أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) على محمّد؟ قالوا : هذا المنزل في زعمكم هو عندنا أحاديث الأوّلين الكاذبة. وروي أنّها نزلت في المقتسمين وهم ستّة عشر رجلا خرجوا إلى عقاب مكّة يوم الحجّ على طريق الناس [على] كلّ عقبة أربعة منهم ليصدّوا الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سألهم الناس : ما أنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قالوا : أحاديث الأوّلين وأكاذيبهم. (٣)

(وَإِذا قِيلَ). عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : نزّل جبرئيل عليه‌السلام هذه الآية هكذا : وإذا قيل لهم ما ذا أنزل ربكم في علي قالوا أساطير الأولين» يعني سجع أهل الجاهليّة في جاهليّتهم. (٤)

[٢٥] (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥))

(لِيَحْمِلُوا). اللّام للعاقبة. أي : كان عاقبة أمرهم حين فعلوا ذلك [أن] حملوا أوزار كفرهم تامّة يوم القيامة ويحملون بعض أوزار الذين أضلّوهم. وهو وزر الإضلال لا الضلال. (ساءَ) ؛ أي : بئس الحمل حملهم وهو الآثام. (٥)

وأمّا قوله : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً) ؛ يعني : ليستكملوا الكفر يوم القيامة. (٦)

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٤٧.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٤١.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٤٩.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٧ ، ح ١٧ و ١٨.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٤٩.

(٦) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٨ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

١٢

(أَوْزارَهُمْ). [قال : يحملون آثامهم] ـ يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ وآثام كلّ من اقتدى بهم. وهو قول الصادق عليه‌السلام : والله ما أهريقت محجمة من دم ولا قرع عصا بعصا ولا غصب فرج حرام ولا أخذ مال من غير حلّه إلّا [و] وزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيء. (١)

(بِغَيْرِ عِلْمٍ). حال من المفعول. أي : يضلّون من لا يعلم أنّهم ضلّال. وإنّما وصف بالضلال واحتمال الوزر من أضلّوه وإن لم يعلم ، لأنّه كان عليه أن يبحث وينظر بعقله حتّى يميز بين المحقّ والمبطل. (٢)

[٢٦] (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦))

(مِنَ الْقَواعِدِ). هي أساطين البناء. وقيل : الأساس. وهذا تمثيل. يعني أنّهم سوّوا منصوبات ليمكروا بها الله ورسوله ، فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات ، كحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين فأتي البنيان من الأساطين بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف وهلكوا. ونحوه : من حفر بئرا لأخيه ، وقع فيه منكبّا. (٣)

عن عليّ عليه‌السلام : يعني إرسال العذاب عليهم. (٤)

(فَأَتَى اللهُ). روي عن أهل البيت عليهم‌السلام : فأتى الله بيتهم من القواعد». (٥)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : كان بيت غدر يجتمعون فيه إذا أرادوا الشرّ. (٦)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : بيت مكرهم. (٧)

(فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) ؛ أي : أتى أمر الله بنيانهم التي بنوها من جوانب قواعدها

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ / ٣٨٣.

(٢) الكشّاف ٢ / ٦٠١.

(٣) الكشّاف ٢ / ٦٠٢.

(٤) التوحيد / ٢٦٦ ، ح ٥.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٤٨ ، وفيه : فأتى بنيتهم ...»

(٦) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٨ ، ح ٢٣.

(٧) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٨ ، ح ٢٠.

١٣

فهدمها. قال ابن عبّاس : يعني نمرود بن كنعان ؛ بنى صرحا طويلا ورام منه الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه. فأرسل الله ريحا فألقت رأس الصرح في البحر وخرّ عليهم الباقي. وقيل : إنّ هذا مثل ضربه الله لاستئصالهم ولا قاعدة هناك ولا سقف. والمعنى : فأتى الله مكرهم من أصله. أي : عاد ضرر المكر عليهم. وهذا الوجه أليق بكلام العرب. (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ) ؛ أي : عذاب الاستئصال ، من حيث لا يعلمون. لأنّهم ظنّوا أنّهم على حقّ فكانوا لا يتوقّعون العذاب. (١)

[٢٧] (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧))

(تُشَاقُّونَ). نافع بكسر النون. (تُشَاقُّونَ) ؛ أي : تعادون المؤمنين فيهم ، على قراءة فتح النون. وعلى الكسر : تعادونني فيهم. (أُوتُوا الْعِلْمَ). أي بالشرائع من المؤمنين. وقيل : هم الملائكة. (إِنَّ الْخِزْيَ) ؛ أي : الهوان والعذاب. (٢)

(الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ). يعني الأئمّة عليهم‌السلام. (٣)

[٢٨] (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨))

(تَتَوَفَّاهُمُ). حمزة بالياء في الموضعين. (الَّذِينَ) في موضع جرّ ، بدل من (الْكافِرِينَ) أو صفة لهم. (تَتَوَفَّاهُمُ) ؛ أي : تقبض أرواحهم. (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بالإصرار على الكفر. (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) ؛ أي : استسلموا للحقّ وانقادوا حين لا ينفعهم الانقياد. (ما كُنَّا نَعْمَلُ) ؛ أي : يقولون : ما كنّا نعمل من معصية. فكذّبهم الله وقال : بلى قد فعلتم. وقيل : إنّه يقول لهم ذلك المؤمنون أو الملائكة. (٤)

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٤٩ ـ ٥٥٠.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٤٨ و ٥٥٠.

(٣) تفسير القمّيّ ١ / ٣٨٤.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٤٨ و ٥٥٠.

١٤

[٢٩] (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩))

(أَبْوابَ جَهَنَّمَ) ؛ أي : دركاتها وطبقاتها. (فَلَبِئْسَ). اللّام للتوكيد. (١)

[٣٠] (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠))

(قالُوا خَيْراً). يعني إذا سألهم الوافد عليهم من القرآن. (ع)

(اتَّقَوْا). أي الشرك والمعاصي. (خَيْراً) ؛ أي : أنزل الله خيرا. لأنّ القرآن كلّه شفاء وهدى وخير للّذين أحسنوا. يجوز أن يكون ابتداء كلام من الله تعالى. وحسنة الدنيا الثناء والمدح على ألسنة المؤمنين والهدى والتوفيق للإحسان ، وفي الآخرة الثواب ، وهو خير ممّا يصل إليهم في الدنيا. ويجوز أن يكون الجميع من كلام المتّقين. (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) ؛ أي : الآخرة. وقيل : الدنيا. لأنّهم نالوا بالعمل فيها الثواب والجزاء. وقيل : معناه : ولنعم دار المتّقين (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها). كما يقال : نعم الدار دار ينزلها. (٢)

(دارُ الْمُتَّقِينَ). عن أبي جعفر عليه‌السلام : الدنيا. (٣)

[٣١] (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١))

(جَنَّاتُ عَدْنٍ) ؛ أي : هي جنّات عدن. ويجوز أن يكون جنّات مرتفعة بالابتداء وتكون المخصوصة بالمدح. أي : جنّات عدن نعم دار المتّقين. (ما يَشاؤُنَ) ؛ أي : ما يشتهون من النعم. (كَذلِكَ) يجازي الله الذين اتّقوا معاصيه. (٤)

[٣٢] (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٥٠.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٥١ ـ ٥٥٢.

(٣) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٨ ، ح ٢٤.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٥١ ـ ٥٥٢.

١٥

تَعْمَلُونَ (٣٢))

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : ليس من الناس من يفارق روحه من جسده حتّى يعلم إلى [أيّ] المنزلين يصير ؛ إلى الجنّة أم إلى النار ، أعدوّ لله أم وليّ. فإن كان عدوّا لله ، فتحت له أبواب النار وشرع له طرقها ونظر إلى ما أعدّ الله له فيها فاستقبل كلّ مكروه. وإن كان وليّا لله ، فتحت له أبواب الجنّة ونظر إلى ما أعدّ الله له فيها ففرغ من كلّ شغل. وكلّ هذا يكون عند الموت. قال الله عزوجل : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) ـ الآية. (١)

(طَيِّبِينَ) ؛ أي : طيّبي الأعمال ، طاهري القلوب من دنس الشرك. أو : طيّبة نفوسهم بالمصير إليه لعلمهم بما لهم عنده من الثواب. أو : طيّبة وفاتهم فلا يكون صعوبة فيها. (يَقُولُونَ) ؛ أي : تقول الملائكة : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ؛ أي : سلامة لكم من كلّ سوء. (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ). يعني أنّها حصلت لكم وأنتم فيها. أو يقولون ذلك عند خروجهم من قبورهم. (٢)

[٣٣] (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣))

(هَلْ يَنْظُرُونَ). أي الكفّار المارّ ذكرهم. (تَأْتِيَهُمُ). حمزة بالياء. (٣)

(الْمَلائِكَةُ) لقبض الأرواح. (أَمْرُ رَبِّكَ) ؛ أي : العذاب المستأصل. أو : القيامة. (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بإهلاكهم. (٤)

(فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من تكذيب الرسل وإنكار التوحيد. (أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بالمعاصي. (٥)

[٣٤] (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤))

__________________

(١) أمالي الطوسيّ ١ / ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٥٢.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٤٣.

(٤) الكشّاف ٢ / ٦٠٣ ـ ٦٠٤.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٥٢.

١٦

(سَيِّئاتُ) ؛ أي : عقاب سيّئاتهم. (حاقَ) ؛ أي : حلّ. (١)

(ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : جزاء استهزائهم. (٢)

[٣٥] (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥))

(لَوْ شاءَ اللهُ) ؛ أي : لو أراد الله ما عبدنا من دونه الأصنام نحن ولا آباؤنا الذين اقتدينا بهم ولا حرّمنا البحيرة ولا السائبة ولا غيرهما ، بل شاء ذلك منّا وأراد بذلك فعلنا. فأنكر الله سبحانه ذلك القول عليهم وقال : (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الكفّار ، كذّبوا رسل الله وقالوا مثل قولهم وفعلوا مثل فعلهم. (٣)

(لَوْ شاءَ اللهُ). هذا مذهب المجبّرة بعينه. (إِلَّا الْبَلاغُ) ؛ أي : إلّا أن يبلغوا الحقّ وأنّ الله يشاء الشرك والمعاصي بالبيان والبرهان ويطلعوا على [بطلان] الشرك وبراءة الله من أفعال العباد وأنّهم فاعلوها باختيارهم والله باعثهم على جميلها وزاجرهم عن قبيحها. (٤)

[٣٦] (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦))

عن أبي جعفر عليه‌السلام : ما بعث الله نبيّا قطّ إلّا بالبراءة من أعدائنا والتولّي بولايتنا. وذلك قوله في كتابه : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) ـ الآية. (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) بتكذيبهم آل محمّد عليهم‌السلام. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٥٢.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٤٢.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٥٤.

(٤) الكشّاف ٢ / ٦٠٥.

(٥) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٨ ، ح ٢٥.

١٧

(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ) ؛ أي : في كلّ جماعة وقرن (رَسُولاً) كما بعثناك إلى أمّتك. (أَنِ اعْبُدُوا) ؛ أي : ليقول لهم : اعبدوا الله واجتنبوا عبادة الطاغوت ؛ أي : الشيطان. (مَنْ هَدَى اللهُ) ؛ أي : هداه الله بأن لطف له بما علم أنّه يؤمن عنده فآمن. فسمّى ذلك اللّطف هداية. أو : منهم من هداه الله بإيمانه إلى الجنّة. ومنهم من أعرض عمّا دعاه الرسول إليه فخذله الله فثبتت عليه الضلالة. وهي العذاب والهلاك. وقيل : معناه : منهم من حقّت عليه عقوبة الضلالة. (حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) ؛ أي : حلّت عليهم العقوبة ، فلا تسلكوا طريقتهم. (فِي الْأَرْضِ) ؛ أي : أرض المكذّبين الذين عاقبهم الله ، إن لم تصدّقوني. (١)

(الْمُكَذِّبِينَ) حتّى لا يبقى لكم شبهة في أنّي لا أشاء الشرّ حيث أفعل بالأشرار ما أفعل. (٢)

[٣٧] (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧))

(عَلى هُداهُمْ) ؛ أي : على أن يؤمنوا بك. (لا يَهْدِي). تسلية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعائه لمن لا يفلح بالإجابة لانهما كه في الكفر ، وإشارة إلى أنّ ذلك ليس لتقصير وقع من جهته عليه‌السلام ، وإعلام له أنّهم لا يؤمنون أبدا وإذا كانوا هكذا ، فإنّ الله لا يهديهم وما لهم ناصر يخلّصهم من العقاب. (لا يَهْدِي). أهل الكوفة : (لا يَهْدِي) بفتح الياء ، والباقون بضمّها وفتح الدال. (٣)

(لا يَهْدِي) ؛ أي : لا يلطف بمن يخذل لأنّه عبث والله متعال عنه. (٤)

[٣٨] (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨))

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : يا أبا بصير ، لو قد قام قائمنا ، بعث الله قوما من شيعتنا سيوفهم على عواتقهم. فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا فيقولون : بعث فلان و

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٥٤.

(٢) الكشّاف ٢ / ٦٠٥.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٥٤ و ٥٥٣.

(٤) الكشّاف ٦ / ٦٠٥.

١٨

فلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم. فيبلغ ذلك قوما من عدوّنا فيقولون : يا معشر الشيعة ، ما أكذبكم؟ هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب؟ لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة. فحكى الله قولهم : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) ـ الآية. (١)

(وَأَقْسَمُوا) ـ الآية. عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما يقول الناس فيها؟ قال : يقولون : نزلت في الكفّار. قال : إنّ الكفّار لا يحلفون بالله وإنّما يحلفون باللّات والعزّى. وإنّما نزلت في قوم من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قيل لهم : ترجعون بعد الموت قبل القيامة في زمن المهديّ عليه‌السلام ، فيحلفون أنّهم لا يرجعون. فردّ الله عليهم فقال : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ). يعني في الرجعة ؛ يردّهم فيقتلهم ويشف صدور المؤمنين. (٢)

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ). معطوف على (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) إيذانا بأنّهما كفرتان عظيمتان : إحالة ذنوبهم على مشيّة الله ، وإنكارهم البعث مقسمين عليه. (٣)

(جَهْدَ أَيْمانِهِمْ). مصدر وضع موضع الحال. أي : يجتهدون اجتهادا في أيمانهم. وقالوا في النزول : إنّه كان لرجل من المسلمين على مشرك دين. فتقاضاه فوقع في كلامه : والذي أرجوه بعد الموت إنّه لكذا. فقال المشرك : وإنّك لتزعم أنّك تبعث بعد الموت. وأقسم بالله لا يبعث الله من يموت. فأنزل الله الآية. (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) ؛ أي : بلغوا في القسم كلّ مبلغ. (لا يَبْعَثُ اللهُ) ؛ أي : لا يحشر الله أحدا يوم القيامة. فكذّبهم الله سبحانه وقال : (بَلى) يحشرهم الله. (وَعْداً) وعدهم (عَلَيْهِ) تحقيقه من حيث الحكمة. (حَقًّا). أي ذلك الوعد. (لا يَعْلَمُونَ) صحّته لكفرهم بالله. أو لا يعلمون وجه الحكمة في البعث فلا يؤمنون به. (٤)

[٣٩] (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩))

(لِيُبَيِّنَ لَهُمُ) ؛ أي : إنّما يحشر الخلائق يوم القيامة ليبيّن لهم الحقّ فيما كانوا يختلفون فيه في دار الدنيا. لأنّه يخلق فيهم العلم الضروريّ يوم القيامة الذي يزول معه التكليف. (وَلِيَعْلَمَ

__________________

(١) الكافي ٨ / ٥١.

(٢) تفسير القمّيّ ١ / ٣٨٥.

(٣) الكشّاف ٢ / ٦٠٦.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٥٥.

١٩

الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) في الدنيا في قولهم إنّ الله لا يبعث أحدا بعد موته. ويجوز أن يتعلّق اللّام بقوله : (وَلَقَدْ بَعَثْنا). أي : بعثنا إلى كلّ أمّة رسولا ليبيّن لهم ذلك الرسول ما يختلفون فيه ويهديهم إلى طريق الجنّة. (١)

[٤٠] (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠))

(إِنَّما قَوْلُنا). مبتدأ و (أَنْ نَقُولَ) خبره. (كُنْ فَيَكُونُ). كلاهما من كان التامّة. وهذا مثل لأنّ مرادا لا يمتنع على الله وأنّ وجوده عند إرادته من غير أن يكون ثمّة قول. أو المعنى : انّ إيجاد كلّ مقدور على الله بهذه السهولة. فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من المقدورات؟ (٢)

(إِذا أَرَدْنا). عن أبي الحسن عليه‌السلام ، الإرادة من الله إحداثه الفعل لا غير ذلك. لأنّه جلّ اسمه لا يهمّ ولا يتفكّر. (٣)

[٤١] (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١))

(وَالَّذِينَ هاجَرُوا). هم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، ظلمهم أهل مكّة ففرّوا بدينهم إلى الله. منهم من هاجر إلى الحبشة ثمّ إلى المدينة فجمع بين الهجرتين. ومنهم من هاجر إلى المدينة. وقيل : هم الذين كانوا محبوسين معذّبين بعد هجرة رسول الله وكلّما خرجوا تبعوهم فردّوهم ؛ منهم بلال وعمّار. (فِي اللهِ) ؛ أي : في حقّه ولوجهه. (حَسَنَةً). صفة للمصدر. أي :

لنبوّئنّهم تبوئة حسنة. وقيل : لننزلنّهم في الدنيا منزلة حسنة ؛ وهي الغلبة على أهل مكّة الذين ظلموهم وعلى العرب قاطبة وعلى أهل المشرق والمغرب. (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ). أي الكفّار. أي : لو علموا أنّ الله يجمع هؤلاء المستضعفين الدنيا والآخرة ، لرغبوا في دينهم. أو

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٥٦.

(٢) الكشّاف ٢ / ٦٠٦.

(٣) أمالي الطوسيّ / ٢١١.

٢٠