عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-30-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٥١٨

عمرو : يا أبا الأبتر. وكان الرجل في الجاهليّة إذا لم يكن له ولد ، سمّي أبتر. ثمّ قال عمرو : إنّي لأشنأ محمّدا. أي : أبغضه. فأنزل الله : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ـ السورة. يعني أنّ مبغضك عمرو بن العاص هو الأبتر. يعني لا دين له [ولا نسب]. (١)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٤٥.

٥٠١
٥٠٢

١٠٩.

سورة الكافرون

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من قرأ يا أيّها الكافرون وقل هو الله أحد في فريضة من الفرائض ، غفر الله له ولوالديه وما ولد ، وإن كان شقيّا ، محي من ديوان الأشقياء وأثبت في ديوان السعداء وأحياه الله سعيدا وأماته شهيدا وبعثه شهيدا. (١)

[١ ـ ٦] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦))

روي : انّ رهطا من قريش قالوا : يا محمّد ، هلمّ فاتّبع ديننا ونتّبع دينك ؛ تعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة. فقال : معاذ الله أن أشرك بالله غيره. فنزلت. فغدا إلى المسجد الحرام فقرأها عليهم فأيسوا. (لا أَعْبُدُ). أريد به العبادة فيما يستقبل. لأنّ لا لا تدخل إلّا على مضارع في معنى الاستقبال. والمعنى : لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه منّي من عبادة آلهتكم. ولا أنتم فاعلون فيه ما أطلب منكم من عبادة إلهي. (وَلا أَنا عابِدٌ) ؛ أي : وما كنت قطّ عابدا فيما سلف (ما عَبَدْتُّمْ) فيه. يعني : لم تعهد منّي عبادة صنم في الجاهليّة ، فكيف ترجى منّي في الإسلام؟ (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) : ما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته. (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ؛ أي : لكم شرككم ولي توحيدى. إنّي مبعوث إليكم لأدعوكم إلى الحقّ والنجاة.

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٥٥ ، ح ١.

٥٠٣

فإذا لم تقبلوا منّي ، فدعوني كفافا ولا تدعوني إلى الشرك. (١)

(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) ـ السورة. قال : سأل أبو شاكر أبا جعفر الأحول عن التكرار الواقع في هذه السورة وقال : إنّ الحكيم لا يتكلّم بمثله. فلم يكن عند أبي جعفر الأحول جواب ، فسأل أبا عبد الله عليه‌السلام في المدينة ، فقال : كان سبب نزولها وتكرارها أنّ قريشا قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة. وتعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة. فأجابهم الله بمثل ما قالوا فقال فيما قالوا تعبد إلهنا سنة : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ* لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) وفيما قالوا نعبد إلهك سنة : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) وفيما قالوا تعبد إلهنا سنة : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) وفيما قالوا ونعبد إلهك سنة : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). فرجع الأحول إلى أبي شاكر فأخبره بذلك ، فقال أبو شاكر : هذا حملته الإبل من الحجاز. وكان عليه‌السلام إذا فرغ من قراءتها يقول : ديني الإسلام. (٢)

(وَلِيَ دِينِ). نافع وابن كثير وحفص عن عاصم : «ولي» بفتح الياء ، والباقون بالسكون. (٣)

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٨٠٨ ـ ٨٠٩.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٨٤٠.

٥٠٤

١١٠.

سورة النصر

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من قرأ سورة النصر في نافلة أو فريضة ، نصره الله على جميع أعدائه وجاء يوم القيامة ومعه كتاب ينطق قد أخرجه الله من جوف قبره فيه أمان من حبس جهنّم ومن النار ومن زفير جهنّم. فلا يمرّ على شيء يوم القيامة إلّا بشّره وأخبره بكلّ خير حتّى يدخل الجنّة ويفتح له في الدنيا من أسباب الخير ما لم يخطر على باله. (١)

[١ ـ ٣] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣))

(إِذا جاءَ). مفعوله محذوف. أي : إذا جاءك. وجواب إذا محذوف ـ أي : حضر أجلك ـ أو الفاء في قوله : (فَسَبِّحْ). يعني : إذا جاءك النصر على قريش بفتح مكّة. وهذه البشارة له بالفتح قبل وقوعه. (أَفْواجاً) : جماعة جماعة. وذلك أنّه لمّا فتح مكّة قالت العرب : أما إذا ظفر محمّد بأهل الحرم ـ وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل ـ فليس لكم به يدان. فكانوا يدخلون في دين الله جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا. (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ؛ أي : نزّهه عمّا لا يليق به. والاستغفار هنا للانقطاع إلى الله لا من جهة الذنب. قال ابن عبّاس : لمّا نزلت هذه السورة ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعيت إلى نفسي. فإنّها مقبوضة في هذه السنة. وكذلك قاله العبّاس وابنه. وذلك لأنّ تقديره : فسبّح بحمد ربّك فإنّك [حينئذ] لاحق بالله ،

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٥٥ ، ح ١.

٥٠٥

أو لأنّه سبحانه أمره بتجديد التوحيد واستدراك الفائت والاستغفار وذلك لازم عند الانتقال من هذه الدار. وكان كثيرا بعدها يقول : سبحانك اللهمّ وبحمدك. اللهمّ اغفر لي. إنّك أنت التوّاب الرحيم. (١)

لمّا صالح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قريشا عام الحديبية ، كان في اشتراطهم أنّه من أحبّ أن يدخل في عهد رسول الله دخل فيه. فدخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودخلت بنو بكر في عهد قريش. وكان بين القبيلتين شرّ قديم. ثمّ وقعت فيما بعد [بين] بني بكر وخزاعة مقاتلة ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل باللّيل مستخفيا. وكان ممّن أعان بني بكر على خزاعة بنفسه عكرمة بن أبي جهل. فركب عمرو بن سالم الخزاعيّ وقدم المدينة وأنشد شعرا متضمّن الشكاية من قريش ونقضها العهد. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا نصرت إن لم أنصركم. ثمّ قام إلى فتح مكّة. (٢)

عن جابر بن عبد الله أنّه بكى ذات يوم فقيل له في ذلك ، فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : دخل الناس في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا. (٣)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٨٤٣ ـ ٨٤٤.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٨٤٥.

(٣) جوامع الجامع / ٥٥٥.

٥٠٦

١١١.

سورة أبي لهب

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١))

عن ابن عبّاس : لمّا نزل قوله سبحانه : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(١) صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الصفا وقال : يا صباحاه! فأقبلت إليه قريش فقالوا : ما لك؟ قال : أرأيتكم إن أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم ، ما كنتم تصدّقوني؟ قالوا : بلى. قال : فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال أبو لهب : تبّا لك! لهذا دعوتنا جميعا؟ فأنزل الله عزوجل : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) ؛ أي : خسرت يداه وخسر هو. وقال : خسرت يداه ، لأنّ أكثر الأعمال يكون باليد. فالمراد : خسر عمله وخسر نفسه بالوقوع في النار. وقال الفرّاء : الأوّل دعاء. والثاني خبر. فكأنّه قال : أهلكه الله وقد هلك. وأبو لهب عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان شديد العداوة له. قال طارق المحاربيّ : كنت في سوق ذي المجاز وإذا [أنا] بشابّ يقول : أيّها الناس ، قولوا : لا إله إلّا الله ، تفلحوا ، ورجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه يقول : إنّه كذّاب فلا تصدّقوه. فسألت فقالوا : هذا محمّد. وهذا عمّه أبو لهب. وذكر الله كنيته لأنّها كانت أغلب عليه. وقيل : بل كنيته اسمه ؛ سمّي به لحسنه وكانت وجنتاه كأنّهما يلتهبان. (٢)

(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) ؛ أي : خسرت ، لمّا اجتمع مع قريش في دار الندوة وبايعهم على قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان كثير المال. وكان اسم أبي لهب عبد مناف فكنّاه الله لأنّ منافا صنم

__________________

(١) الشعراء (٢٦) / ٢١٤.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٨٥١ ـ ٨٥٢.

٥٠٧

يعبدونه. (١)

التباب : الهلاك. أي : هلكت يداه. لأنّه فيما يروى أخذ الحجر ليرمي به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. (وَتَبَّ) : وهلك كلّه. فإن قلت : لم كنّاه والتكنية تكرمة؟ قلت : لأنّه مشتهر بالكنية دون الاسم. ويؤيّده قراءة من قرأ : يدا أبو لهب» كما قيل : عليّ بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان لئلّا يغيّر منه شيء فيشكل على السامع. (٢)

[٢] (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢))

(ما أَغْنى عَنْهُ) ؛ أي : لم يدفع عنه عذاب الله ماله وما كسبه. وقيل : معناه : أيّ شيء أغنى عنه ماله وما كسب؟ يعني ولده. لأنّ ولد الرجل من كسبه. وذلك أنّه لمّا أنذر بالنار قال : إن كان ما يقول محمّد حقّا ، فأنا أفتدي بمالي. (٣)

(وَما كَسَبَ) من أرباح أمواله. (٤)

[٣] (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣))

(سَيَصْلى ناراً) ؛ أي : سيدخل نارا (ذاتَ لَهَبٍ) ؛ أي : ذات قوّة واشتعال تلتهب عليه وهي نار جهنّم. (٥)

[٤] (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤))

(وَامْرَأَتُهُ). وهي أمّ جميل أخت أبي سفيان. (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ). كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا خرج إلى الصلاة ليعقره وكان كالحرير تحت قدميه. وقيل : إنّها كانت تمشي بالنميمة ، فسمّيت النميمة حطبا. (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ). عاصم بنصب (حَمَّالَةَ) على الذمّ ، والباقون بالرفع على الوصفيّة. (٦)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٤٨.

(٢) الكشّاف ٤ / ٨١٣ ـ ٨١٤.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٨٥٢.

(٤) الكشّاف ٤ / ٨١٤.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٨٥٢.

(٦) مجمع البيان ١٠ / ٨٥٢ و ٨٥٠.

٥٠٨

(حَمَّالَةَ الْحَطَبِ). قال : كانت أمّ جميل تنمّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتنقل أحاديثه إلى الكفّار. (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) ؛ أي : احتطبت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. (١)

[٥] (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥))

(حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) ؛ أي : في عنقها حبل من ليف. [وإنّما وصفها بهذه الصفة] تحقيرا لها. وقيل : حبل في جهنّم يكون له خشونة اللّيف وحرارة النار وثقل الحديد ، يجعل في عنقها زيادة في عذابها. وقيل : كانت لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت : لأنفقنّها في عداوة محمّد ، فيكون عذابا في عنقها يوم القيامة. فإن قلت : هل يلزم أبا لهب الإيمان بعد هذه السورة مع أنّه لو آمن كان فيه تكذيب قوله : (سَيَصْلى ناراً)؟ قلت : تكليف الإيمان ثابت عليه. وإنّما توعّده الله بشرط أن لا يؤمن. كما قال سبحانه في فرعون : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ)؟ (٢) فدلّ على أنّه لو تاب قبل ذلك الوقت ، كان مقبول التوبة. (٣)

(فِي جِيدِها) ؛ أي : في عنقها (حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) ؛ أي : من نار. (٤)

(مِنْ مَسَدٍ). المسد : الذي فتل من الحبال فتلا شديدا من ليف كان أو غيره. أي : إنّها تحمل تلك الحزمة من الشوك التي كانت تلقيها في طريق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتربطها في جيدها كما يفعله الحطّابون ، تحقيرا لها وتصويرا [لها] بصورة بعض الحطّابات لتغضب هي وبعلها من ذلك. ويحتمل أن يكون معناه : انّ حالهما يكون في نار جهنّم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك. فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقّوم وفي جيدها حبل ممّا مسد من سلاسل النار كما يعذّب كلّ مجرم بما يجانس حاله في جرمه. (٥)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٤٨.

(٢) يونس (١٠) / ٩١.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٨٥٢ ـ ٨٥٣.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٤٨.

(٥) الكشّاف ٤ / ٨١٥ ـ ٨١٧.

٥٠٩
٥١٠

١١٢.

سورة الإخلاص

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١))

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : انّ اليهود سألوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : انسب لنا ربّك. فمكث ثلاثا لا يجيبهم فنزلت السورة. والمعنى : قل ـ يا محمّد ـ : الذي سألتم عن نسبته (أَحَدٌ) ؛ أي : واحد في صفة ذاته لا يشركه في وجوب صفاته أحد. وقيل : الأحد : الذي لا يتجزّى ولا ينقسم في ذاته ولا [في] معنى صفاته. ولفظ هو اسم مكنّى مشار إلى غائب. فالهاء تنبيه عن معنى ثابت والواو إشارة إلى الغائب عن الحواسّ. لأنّ الكفّار أشاروا إلى آلهتهم بهذا المشار فيه إلى الحاضر المدرك. (أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ). أبو عمرو بغير تنوين الدال من أحد. (١)

[٢] (اللهُ الصَّمَدُ (٢))

عن الحسين عليه‌السلام : الصمد الذي لا جوف له والذي لا ينام والذي لم يزل ولا يزال. (٢)

وقال الباقر عليه‌السلام : هو السيّد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه. (٣)

وعن الحسين عليه‌السلام : انّ الله فسّره بقوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) ـ السورة. (٤)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : لو وجدت لعلمي حملة ، لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان والدين والشرائع من الصمد. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٨٥٩ ـ ٨٦٠ و ٨٥٦.

(٢) التوحيد / ٩٠ ، ح ٣.

(٣) التوحيد / ٩٠ ، ح ٣.

(٤) التوحيد / ٩٠ ـ ٩١ ، ح ٥.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٨٦٢.

٥١١

[٣] (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣))

(لَمْ يَلِدْ) فيدلّ على حاجته. فإنّ الإنسان يشتهي الولد لحاجته. (وَلَمْ يُولَدْ) فيدلّ على حدوثه. (١)

[٤] (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤))

(كُفُواً أَحَدٌ) : عديلا ومثيلا. نافع وحمزة : (كُفُواً) ساكنة الفاء مهموزة. وحفص مضمومة الفاء مفتوحة الواو. والباقون بالهمزة وضمّ الفاء. (٢)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : رأيت الخضر عليه‌السلام في المنام قبل بدر بليلة فقلت : علّمني شيئا أنتصر به على الأعداء. فقال : قل : يا هو ، يا من لا إله إلّا هو. (٣) فلمّا أصبحت ، قصصتها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : يا عليّ ، علّمت الاسم الأعظم. فكان على لساني يوم بدر ـ الحديث. (٤)

عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ بن أبي طالب : إنّما مثلك مثل قل هو الله أحد. فإنّ من قرأها مرّة ، فكأنّما قرأ ثلث القرآن. ومن قرأها مرّتين ، فكأنّما قرأ ثلثي القرآن. ومن قرأها ثلاث مرّات ، فكأنّما قرأ القرآن كلّه. وكذلك أنت. من أحبّك بقلبه كان له ثلث ثواب العباد. ومن أحبّك بقلبه ولسانه ، كان له ثلثا ثواب العباد. ومن أحبّك بقلبه ولسانه ويده ، كان له ثواب العباد أجمع. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٨٦٢.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٨٦٢ و ٨٥٦.

(٣) المصدر والمجمع ١٠ / ٨٦٠ : يا من لا هو إلّا هو.

(٤) التوحيد / ٨٩ ، ح ٢.

(٥) تأويل الآيات ٢ / ٨٦١ ـ ٨٦٢ ، ح ٤.

٥١٢

١١٣.

سورة الفلق

[١ ـ ٣] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣))

(قُلْ) يا محمّد. والمراد جميع أمّته. (أَعُوذُ) ؛ أي : أعتصم. (بِرَبِّ الْفَلَقِ) ؛ أي : الصبح ؛ لانفلاق عموده بالضياء عن الظلام. (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) ؛ أي : من أهل الشرّ منهم. (غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) ؛ أي : اللّيل إذا دخل ظلامه. فيكون المراد ما يحدث باللّيل. وقيل : معنى الغاسق كلّ هاجم بضرره. (١)

(بِرَبِّ الْفَلَقِ). الفلق جبّ في جهنّم يتعوّذ أهل النار من شدّة حرّه. سأل الله أن يأذن له أن يتنفّس ، فأذن له. فلمّا تنفّس ، أحرق جهنّم. وفي ذلك الجبّ صندوق من نار يتعوّذ منه أهل الجبّ. وفي ذلك الجبّ ستّة من الأوّلين : ابن آدم قاتل أخيه ونمرود وفرعون والسامريّ والذي هوّد اليهود والذي نصّر النصارى ؛ وستّة من الآخرين : الأوّل والثاني والثالث والرابع وصاحب الخوارج وابن ملجم. (إِذا وَقَبَ). قال : الذي يلقى في الجبّ يقب فيه. (٢)

[٤ ـ ٥] (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥))

(النَّفَّاثاتِ) ؛ أي : النساء الساحرات اللّاتي ينفثن في العقد لإيهامهم أنّهم يمرضون و

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٨٦٥ ـ ٨٦٦.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٤٩.

٥١٣

يصحّون ويفعلون أشياء من الضرر والنفع وعامّة الناس يصدّقونهم. وقيل : المراد من النفّاثات اللّاتي يمكرن بالرجال ويردّدنهم إلى رأيهنّ. (١)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٨٦٦.

٥١٤

١١٤.

سورة الناس

[١ ـ ٣] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣))

(بِرَبِّ النَّاسِ) ؛ أي : خالقهم ومدبّرهم. (مَلِكِ النَّاسِ) : سيّدهم والقادر عليهم. وإنّما خصّ سبحانه الناس وإن كان ربّا لجميع الخلائق ، لأنّ في الناس عظماء ، ولأنّه أمر بالاستعاذة من شرّهم ، ولأنّ في الناس ملوكا فذكر أنّه ملّكهم ، وفي الناس من يعبد غيره فذكر أنّه المستحقّ للعبادة. قال جامع العلوم البصير : ليس قوله : (النَّاسِ) تكرارا. لأنّ المراد بالأوّل الأجنّة ، ولهذا قال : (بِرَبِّ النَّاسِ) لأنّه يربّيهم. والمراد بالثاني الأطفال ، ولذلك قال : [(مَلِكِ النَّاسِ) لأنّه يملكهم. والمراد بالثالث البالغون المكلّفون ، ولذلك قال :](إِلهِ النَّاسِ) لأنّهم يعبدونه. والمراد بالرابع العلماء لأنّ الشيطان يوسوس إليهم ، لأنّ الوسوسة يقع في قلب العالم. كما قال : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ)(١). (٢)

[٤ ـ ٦] (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦))

(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) ؛ أي : ذي الوسواس وهو الشيطان. كما جاء في الأثر أنّه يوسوس فإذا ذكر العبد ربّه خنس. ثمّ وصفه بقوله : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) أي بالكلام

__________________

(١) طه (٢٠) / ١٢٠.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٨٦٨ ـ ٨٦٩.

٥١٥

الخفيّ الذي يصل مفهومه إلى قلوبهم من غير سماع. ثمّ ذكر أنّ هذا الشيطان الذي يوسوس (مِنَ الْجِنَّةِ) وهم الشياطين. وعطف قوله : (وَالنَّاسِ) على الوسواس ، والمعنى : من شرّ الوسواس ومن شرّ الناس. كأنّه أمر أن يستعيذ من شرّ الجنّ والإنس و [على فرض عطف الناس على الجنّة ،] في وسواس الإنس وجهان : أحدهما أنّه وسوسة الإنسان نفسه. والثاني أنّه إغواء من يغويه من الناس. فشيطان الجنّ يوسوس وشيطان الإنس يأتي علانية ويري أنّه ينصح وقصده الشرّ. (١)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : ما من مؤمن إلّا ولقلبه أذنان ؛ أذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس ، وأذن ينفث فيها الملك. فيؤيّد الله المؤمن بالملك. وذلك قوله : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(٢). (٣)

وعنه عليه‌السلام : من أكل حبّة من الرمّان ، أمرضت شيطان الوسواس أربعين يوما. (٤)

وعن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم. فإذا ذكر الله خنس ، وإذا نسي التقم قلبه. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٨٦٩.

(٢) المجادلة (٥٨) / ٢٢.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٨٧٠.

(٤) الكافي ٦ / ٣٥٣ ، ح ٨.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٨٦٩.

٥١٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين. وسلام على عباده الذين اصطفى محمّد وآله المعصومين.

وبعد : فإنّ المذنب الجاني قليل البضاعة كثير الإضاعة ، نعمة الله الحسينيّ الجزائريّ ـ وفّقه الله تعالى لجميع مراضيه وجعل مستقبل أحواله خيرا من ماضيه ـ يقول :

قد كان دار في خلدي بأعوام سابقة أن أكتب على هامش القرآن ما يحتاج إليه كما ترى ، وعاقني عنه بعض العوائق شفعا لما أردنا تأليفه من شروح كتب الحديث. ثمّ وفّق الله سبحانه لما أردنا كما أردنا ، فجاء على منوال عجيب وطور غريب لم يسبقنا إليه أحد من الأوّلين ولا صنّفه أحد من المتأخّرين. ومن حمل مثل هذا القرآن معه ، استغنى عن جملة التفاسير وكتب القراءة وما ألّفه أصحابنا المتأخّرون رضوان الله عليهم من التفسير بأحاديث أهل البيت عليهم‌السلام. وقد أخذنا صفوة ما في الكتب وإلّا فكتابة الحواشي يسهل على أكثر الممارسين.

ووسمنا هذه الحواشي بعقود المرجان لحواشي القرآن. وقد كنّا قبل هذا كتبنا على هامش نهج البلاغة حواشي مثل هذا وأخذنا لباب ما في الشروح مع ما سنح لنا وصار كتابا قريب التناول لمتعاطيه. وكتبنا قبله حواشي على هامش الصحيفة السجّاديّة مختصرا من شرحنا عليها مبيّنا فيه ما يتعلّق بالألفاظ والمعاني.

٥١٧

وكان الفراغ من هذه الحواشي بعد الفراغ من صلاة الجمعة سادس عشر شهر ربيع الثاني أحد شهور عام الثاني بعد المائه والألف الهجريّة ـ على مشرّفها وآله ألف صلاة وتحيّة ـ في دار المؤمنين شوشتر في دارنا الواقعة بجوار الجامع الأعظم ، والمرجّو ممّن نظر فيه وانتفع بحواشيه أن يجرينا على صفحات خاطره في مظانّ إجاباته. والحمد الله. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

كتبت نقيصة هذا المصحف الشريف المحشّى بحاشية عقود المرجان من مؤلّفات جدّي العلّامة الأوّاه السيّد نعمة الله من أوّله وآخره متنا على يد العالم الفاضل عمّي الكامل المتّقي السيّد محمّد تقيّ بن علي أصغر الموسويّ وحاشية على يد الأحقر ابن أحمد الموسويّ محمّد تقيّ الموسويّ حكيم في ١٩ جمادى الثانية ١٣٧٥ الهجريّ مطابق ١٢ / ١١ / ١٣٣٤ شمسى.

٥١٨