عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-30-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٥١٨

محذوف. تقديره : ولأنت سوف يعطيك. فيكون اللّام لتأكيد الجملة. وأمّا الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير ، فمعناه أنّ العطاء كائن لا محالة وإن تأخّر لما في التأخير من المصلحة. (١)

[٦ ـ ٨] (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨))

(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً). سئل الصادق عليه‌السلام : لم أوتم النبيّ عن أبويه؟ قال : لئلّا يكون لمخلوق عليه حقّ. روى العيّاشيّ بإسناده عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في قوله : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) قال : فردا لا مثل لك في المخلوقين فآوى الناس إليك. (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) في قوم لا يعرفون فضلك فهداهم إليك. (وَوَجَدَكَ عائِلاً) تعول أقواما بالعلم فأغناهم بك. (٢)

عن الرضا عليه‌السلام يقول للمأمون في قوله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) : يقول : ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس. (وَوَجَدَكَ ضَالًّا). يعني عند قومك ، فهداهم إلى معرفتك. (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى). يقول : بأن جعل دعاءك مستجابا. (٣)

(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً). عدّد عليه نعمه وأياديه وأنّه لم يخله منها من أوّل تربيته [و] ابتداء نشئه ، ترشيحا لما أراد به ، ليقيس المترقّب على ما سلف فلا يتوقّع إلّا الحسنى ولا يضيق صدره ولا يقلّ صبره. و (أَلَمْ يَجِدْكَ) من الوجود الذي بمعنى العلم. وذلك أنّ أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستّة أشهر وماتت أمّه وهو ابن ثمان سنين فكفله عمّه أبو طالب. ومن بدع التفاسير أنّه من قولهم : درّة يتيمة وأنّ المعنى : ألم يجدك واحدا في قريش عديم النظير فآواك. (ضَالًّا). معناه الضلال عن علم الشريعة وما طريقه السمع. كقوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ). (٤) وقيل : ضلّ في صباه في بعض شعاب مكّة فردّه أبو جهل إلى عبد المطّلب. (فَهَدى) ؛ أي : فهداك وعرّفك القرآن والشرائع. أو : فأزال ضلالك عن جدّك وعمّك. (عائِلاً) ؛ أي : فقيرا فأغناك بمال خديجة أو بما أفاء عليك من الغنائم. كما قال عليه‌السلام : جعل رزقي

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٧٦٦ ـ ٧٦٧.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٧٦٥ و ٧٦٧.

(٣) عيون الأخبار ١ / ١٥٨ ـ ١٥٩ ، ح ١.

(٤) الشورى (٤٢) / ٥٢.

٤٤١

تحت رمحي. (١)

[٩ ـ ١٠] (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠))

عن أبي أوفى قال : كنّا جلوسا عند رسول الله ، فأتاه غلام فقال : يتيم ، وأخت لي يتيمة ، وأمّ لي أرمله. أطعمنا ممّا أطعمك الله. أعطاك الله ممّا عنده حتّى ترضى. قال : ما أحسن ما قلت يا غلام! اذهب يا بلال فأتنا بما عندنا. فجاء بواحدة وعشرين تمرة فقال : يا غلام ، لكلّ واحد منكم سبع. فقام معاذ ومسح رأسه وقال : جبر الله يتمك. فقال له رسول الله : رأيتك [و] ما صنعت. قال : رحمته. قال : لا يلي أحد منكم يتيما فأحسن ولايته ويضع يده على رأسه إلّا كتب الله له بكلّ شعرة حسنة ومحا عنه بكلّ شعرة سيّئة ورفع له بكلّ شعرة درجة. عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله : لقد سألت ربّي مسألة وددت أنّي لم أسأله. قلت : أي ربّ إنّه كانت أنبياء قبلي منهم من سخّرت له الريح ، ومنهم من كان يحيي الموتى ، ومنهم ومنهم. فقال : ألم أجدك يتيما فآويتك؟ قال : قلت : بلى. قال : ألم أجدك ضالّا فهديتك؟ قال : قلت : بلى أي ربّ. قال : ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قال : قلت : بلى أي ربّ. والمعنى : ألم نوسّع قلبك بالنبوّة والعلم حتّى قمت بأداء الرسالة وصبرت على المكاره واطمأننت إلى الإيمان فلم تضق به ذرعا؟ فشرح سبحانه صدره بأن ملأه علما وحكمة ورزقه حفظ [القرآن و] شرائع الإسلام. (٢)

(فَلا تَقْهَرْ) ؛ أي : لا تغلبه على ماله وحقّه لضعفه. (٣)

[١١] (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١))

(فَحَدِّثْ). التحديث بنعمة الله شكرها وإشاعتها. والمعنى : انّك كنت يتيما وضالّا وعائلا فآواك الله وهداك وأغناك. ومهما يكن من شيء فلا تنس نعمة الله عليك في هذه

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٧٦٧ ـ ٧٦٨.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٧٦٧ و ٧٧٠.

(٣) الكشّاف ٤ / ٧٦٨.

٤٤٢

الثلاث. واقتد بالله فتعطّف على اليتيم وآوه فقد ذقت اليتم ورأيت كيف فعل الله بك. وترحّم على السائل بالإحسان إليه ولا تزجره عن بابك ، كما رحمك ربّك فأغناك بعد الفقر. وحدّث بنعمة الله كلّها. ويدخل تحته هدايته الضلّال وتعليمه الشرائع والقرآن مقتديا بالله في أن هداه من الضلال. (١)

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٧٦٩.

٤٤٣
٤٤٤

٩٤.

سورة الانشراح

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها ، أعطي من الأجر كمن لقي النبيّ مغتمّا ففرّج عنه. (١)

شرب مائها يفتّت الحصاة ويفتح المثانة وينفع من البرودة. وقراءتها على الصدر والفؤاد ، يسكّن ألمهما. (٢)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١))

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) بذهاب الشواغل الذي تصدّك عن إدراك الحقّ. عن ابن عبّاس : قيل : يا رسول الله ، أينشرح [الصدر]؟ قال : نعم ، وعلامته التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والإعداد للموت قبل نزوله. ومعنى الاستفهام التقرير. (٣)

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) بعليّ عليه‌السلام فجعلناه وصيّك؟ (٤)

[٢] (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢))

(وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) ؛ أي : حططنا عنك وزرك. (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) ؛ أي : أثقله حتّى سمع له نقيض ؛ أي : صوت. يعني : لو كان حملا ، لسمع نقيض ظهرك. وقيل : المراد تخفيف أعباء النبوّة التي يثقل الظهر من القيام بأمرها. سهّل الله ذلك عليه حتّى تيسّر له. وقيل : معناه : أزحنا عنك همومك التي أثقلك من أذى الكفّار. وقيل : معناه : عصمناك عن احتمال

__________________

(١) المصباح / ٥٩٩.

(٢) المصباح / ٦١٥.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٧٠.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٢٨.

٤٤٥

الوزر. فإنّ المقصود من الوضع أن لا يكون ثقل. وقال علم الهدى : لا يمتنع أن يكون الوزر في الآية إنّما أراد به غمّه بما كان عليه قومه من الشرك وأنّه وأصحابه مقهور بينهم ومستضعف. فلمّا أعلى [الله] كلمته وشرح صدره ، خاطبه بهذا الخطاب تذكيرا له بموقع النعمة ليقابله بالشكر. وإعلاء الكلمة ، وإن كان بالمدينة وهذه السورة مكّيّة ، لكن يجوز أن يراد بلفظ الماضي هنا الاستقبال ، أو يكون وعدا له أنّه سيفعل به هذا. (١)

(وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ). قال : بعليّ الحرب. (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) ؛ أي : أثقله. (٢)

[٤] (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤))

(وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) ؛ يعني : قرنّا ذكرك بذكرنا ، فلا أذكر إلّا وتذكر معي. يعني في الأذان والإقامة والتشهّد والخطبة. (٣)

(وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) : تذكر إذا ذكرت بالشهادة. (٤)

[٥ ـ ٦] (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦))

(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً). وعده الرخاء بعد الشدّة. وذلك أنّه كان بمكّة ذا شدّة. أي : مع الفقر سعة. وقيل : معناه : انّ مع الشدّة التي أنت فيها من مزاولة المشركين يسرا ورخاء بأن يظهرك الله عليهم حتّى ينقادوا للحقّ الذي جئتهم به طوعا أو كرها. ثمّ كرّر ذلك. وعن ابن عبّاس قال : يقول الله : خلقت عسرا واحدا وخلقت يسرين. فلن يغلب عسر يسرين. قال الفرّاء : إنّ العرب تقول : إذ ذكرت نكرة وأعدتها نكرة مثلها ، صارتا اثنتين. كقولك : كسبت درهما وأنفقت درهما. وإذا أعدتها معرفة ، تكون عينها. وقيل : إنّ الله بعث نبيّه وهو مقلّ وكانت قريش تعيّره بذلك ، فظنّ أنّهم إنّما يكذّبوه لفقره ، فوعده الله الغنى ليزيل عنه الغمّ وأنجز له وعده بفتح البلاد. ثمّ ابتدأ فضلا آخر فقال ثانيا : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٧٠ ـ ٧٧١.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٢٨.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٧١.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٢٨.

٤٤٦

فهو وعد لجميع المؤمنين. يعني بذلك أنّ مع العسر في الدنيا للمؤمن يسرا في الآخرة ، وربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكر في الآية الأولى ويسر الآخرة وهو ما ذكر في الآية الثانية. وهذا الذي ذهب إليه المرتضى لأنّ الأصل تغاير الكلامين. (١)

(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً). إن قلت : إنّ مع للصحبة. فما معنى اصطحاب العسر واليسر؟ قلت : أراد أنّ الله يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب ، فقرّب اليسر المترقّب حتّى جعله كالمقارن للعسر زيادة في التسلية وتقوية القلوب. وأمّا تنكير (يُسْراً) فللتعظيم. (٢)

[٧] (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧))

(فَإِذا فَرَغْتَ) من الصلاة المكتوبة (فَانْصَبْ) إلى ربّك في الدعاء. وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وهو من النصب بمعنى التعب. أي : لا تشتغل بالراحة. وقال الصادق عليه‌السلام : هو الدعاء في دبر الصلوات وأنت جالس. (٣)

(فَإِذا فَرَغْتَ) من حجّة الوداع (فَانْصَبْ) أمير المؤمنين (٤) وصيّك وأعلمهم فضله علانية. فقال : (٥) من كنت مولاه ، فعليّ مولاه ـ الحديث.

ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنّه قرأ : «فإذا فرغت فانصب» ـ بكسر الصاد ـ أي : فانصب عليّا للإمامة. ولو صحّ هذا للرافضيّ ، لصحّ للناصبيّ أن يقرأ هكذا ويجعله أمرا من النصب الذي هو بغض عليّ وعداوته. (٦)

أقول : لا يخفى أنّ هذا الرجل كان مضمرا لهذه الكلمة الخبيثة ولم يتمكّن من إظهارها لعدم مناسبة المقام ، والآن انتهز الفرصة. وإلّا فالرافضيّ ذكر القراءة وروى بمضمونها

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٧١ ـ ٧٧٢.

(٢) الكشّاف ٤ / ٧٧١ ـ ٧٧٢.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٧٢.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٢٨. وما يأتي بعده في المتن لا يوجد فيه.

(٥) في النسخة زيادة : «عليه».

(٦) الكشّاف ٤ / ٧٧٢.

٤٤٧

حديثا عن أئمّته الطاهرين الصادقين عندك وعند غيرك ؛ أمّا الناصبيّ فلا يقول ما علّمته أنت إلّا عن نصب وتشد (١) وتعليم شيطان كأمثالك.

[٨] (وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨))

(وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) ؛ أي : فارفع حوائجك إلى ربّك. وقيل : تضرّع إليه راهبا من النار ، راغبا إلى الجنّة. (٢)

__________________

(١) هكذا في النسخة.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٧٧٣.

٤٤٨

٩٥.

سورة التين

من قرأها على طعام ، جعل فيه الشفاء. (١)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها ، أعطاه الله خصلتين : العافية واليقين ، ما دام حيّا. فإذا مات ، أعطاه الله من الأجر بعدد من قرأها صيام يوم. (٢)

وعن الصادق عليه‌السلام : من قرأها في الصلاة ، أعطي [من] الجنّة حيث يرضى. (٣)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١))

(وَالتِّينِ). أراد التين الذي يؤكل والزيتون الذي يعصر منه الزيت. وإنّما أقسم بالتين لأنّه فاكهة خالصة من شوائب التنغيص وفيه أعظم العبر ، لأنّه على مقدار اللّقمة. وأكلها ـ كما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقطع البواسير. وأمّا الزيتون ، فإنّه [يعتصر منه الزيت الذي] يدور في أكثر الأطعمة. وقيل : التين الجبل الذي عليه دمشق. والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس. سمّيا بهما لأنّهما منابتهما. وقيل : التين مسجد دمشق. والزيتون بيت المقدس.

وقيل : التين المسجد الحرام. والزيتون المسجد الأقصى. (٤)

[٢] (وَطُورِ سِينِينَ (٢))

سينين وسيناء واحد. وقيل : إنّ سينين معناه المبارك. فهو جبل الخير الكثير. وقيل :

__________________

(١) المصباح / ٦١٤.

(٢) المصباح / ٥٩٩.

(٣) المصباح / ٥٩٩.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٧٧٥.

٤٤٩

معناه : كثير النبات والشجر. وقيل : إنّ كلّ جبل فيه شجر مثمر فهو سينين وسيناء بلغة النبط. (١)

[٣] (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣))

(الْبَلَدِ الْأَمِينِ). يعني مكّة يأمن فيه الخائف. فالأمين يعني المؤمن ؛ يؤمن من يدخل فيه. (٢)

عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّ التين المدينة ، والزيتون بيت المقدس ، وطور سينين الكوفة ، والبلد الأمين مكّة. (٣)

[٤ ـ ٦] (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦))

(لَقَدْ خَلَقْنَا). جواب القسم. وأراد بالإنسان الجنس ، آدم وذرّيّته. (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) : في أحسن صورة. وقيل : منتصب القامة. (أَسْفَلَ سافِلِينَ) : إلى الخرف وأرذل العمر ونقصان العقل في زمان الشيخوخة. وقيل : معناه : إلى النار. لأنّ بعضها أسفل من بعض. فيكون المراد الكفّار. (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا). فإنّهم لا يردون النار. وعلى الأوّل إنّ المؤمن لا يرد إلى الخرف وإن عمّر طويلا. قال إبراهيم : إذا بلغ المؤمن من الكبر ما يعجز عن العمل ، كتب له ما كان يعمل. وهو قوله : (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ؛ أي : غير منقوص أو غير مقطوع. (٤)

[٧] (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧))

(فَما يُكَذِّبُكَ) أيّها الانسان بعد هذه الحجج (بِالدِّينِ) الذي هو الجزاء والحساب؟ أي : ما يحملك على تكذيب المعاد؟ فإنّ الذي قدر على خلقك شابّا وردّك إلى أرذل العمر ، يقدر

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٧٥.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٧٧٥.

(٣) الخصال / ٢٢٥ ، ح ٥٨.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٧٧٥ ـ ٧٧٦.

٤٥٠

على بعثك للجزاء. وقيل : إنّ الخطاب للنبيّ. أي : فمن يكذّبك ـ أيّها الرسول ـ بعد هذه الدلائل بالدين الذي هو الإسلام؟ أي : لا شيء يكذّبك. (١)

[٨] (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨))

(بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ). فإذا كان أحكمهم ، فكيف يترك جزاء الخلائق على أعمالهم؟ وقيل : إنّه يحكم بينك ـ يا محمّد ـ وبين أهل التكذيب بك. (٢)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٧٦ ـ ٧٧٧.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٧٧٧.

٤٥١
٤٥٢

٩٦.

سورة العلق

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من قرأ في يومه أو ليلته اقرأ باسم ربّك ، ثمّ مات في يومه أو ليلته ، مات شهيدا وبعثه الله شهيدا وأحياه شهيدا ، وكان كمن ضرب بسيفه في سبيل الله عزوجل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. (١)

عن الرضا عليه‌السلام : أوّل سورة نزلت اقرأ باسم ربّك. وآخر سورة نزلت إذا جاء نصر الله والفتح. (٢)

[١ ـ ٢] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢))

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ). أمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقرأ باسم ربّه وأن يدعوه بأسمائه الحسنى. وفي تعظيم الاسم تعظيم المسمّى. والباء هنا زائدة. أي : اقرأ اسم ربّك. وأكثر المفسّرين على أنّ هذه السورة أوّل ما نزل من القرآن. وقيل : فاتحة الكتاب. (الَّذِي خَلَقَ). أي جميع المخلوقات. ثمّ خصّ الإنسان بالذكر تشريفا له فقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ). أراد به جنس بني آدم خلقهم من دم جامد بعد النطفة. وقيل : معناه : خلق آدم من طين يعلق باليد. والأوّل أصحّ. (٣)

(بِاسْمِ رَبِّكَ). [محلّه] النصب على الحال. أي : اقرأ مفتتحا باسم ربّك قل : بسم الله ، ثمّ

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٥١ ، ح ١.

(٢) عيون الأخبار ٢ / ٥ ـ ٦ ، ح ١٢.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٨٠ ـ ٧٨١.

٤٥٣

اقرأ : (خَلَقَ). (خَلَقَ الْإِنْسانَ). يجوز أن يراد : الذي خلق [الإنسان ، فقيل : (الَّذِي خَلَقَ)] مبهما ثمّ فسّره بقوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) تفخيما لخلق الإنسان. (١)

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : نزل جبرئيل فقال : يا محمّد (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ). يعني : خلق نورك القديم قبل الأشياء. (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ). يعني خلقك من نطفة وشقّ منك عليّا. (٢)

[٣] (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣))

ثمّ أكّد الأمر بالإعادة فقال : (اقْرَأْ). وقيل : أمره في الأوّل بالقراءة لنفسه وفي الثاني بالقراءة للتبليغ. فليس بتكرار. ومعناه : اقرأ القرآن وربّك الأكرم الأعظم كرما. (٣)

[٤ ـ ٥] (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥))

(عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) ؛ أي : علّم الكاتب أن يكتب بالقلم ما لم يعلم من الشرائع والأحكام وأنواع الهدايات. (٤)

(عَلَّمَ بِالْقَلَمِ). يعني علّم عليّ بن أبي طالب. يعني علّمه من الكتابة ما لم يعلموا قبل ذلك. (٥)

[٦ ـ ٧] (كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧))

(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ). ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه. (٦)

(كَلَّا) ؛ أي : حقّا (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) ؛ أي : يتجاوز حدّه ويستكبر على ربّه. (أَنْ رَآهُ)

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٧٧٥.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٣٠.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٨١.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٧٨١.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٣٠ ، عن الباقر عليه‌السلام. وفيه : «عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ يعني علّم عليّا ما لم يعلم قبل ذلك» بدل : «يعني علّمه من الكتابة ...».

(٦) الكشّاف ٤ / ٧٧٧.

٤٥٤

أي : لأن رأى نفسه مستغنية عن ربّه بعشيرته وأمواله. وقيل : إنّما نزلت في أبي جهل بن هشام من هنا إلى آخر السورة. (١)

[٨] (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨))

(الرُّجْعى) ؛ أي : مرجع كلّ أحد. فهذا الطاغي كيف يعصي ربّه وهو قادر على إهلاكه وعلى مجازاته إذا رجع إليه. (٢)

(إِنَّ إِلى رَبِّكَ). واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان تهديدا له من عاقبة الطغيان. روي أنّ أبا جهل قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتزعم أنّ من استغنى طغى؟ فاجعل لنا جبال مكّة فضّة وذهبا لعلّنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتّبع دينك. فنزل جبرئيل فقال : إن شئت فعلنا ذلك ، ثمّ إن لم يؤمنوا ، فعلنا بهم ما فعلنا بأصحاب المائدة. فكفّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الدعاء إبقاء عليهم. (٣)

[٩ ـ ١٤] (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤))

(يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى). قال : كان الوليد بن المغيرة لينهى الناس عن الصلاة وأن يطاع الله. (٤)

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى). تقرير للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وإعلام له بما يفعله بمن ينهاه عن الصلاة. فقد روي أنّ أبا جهل قال : هل يعفّر محمّد وجهه بين أظهركم؟ قالوا : نعم. قال : فبالذي يحلف به أبو جهل ، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته! فقيل له : ها هو ذلك يصلّي. فانطلق ليطأ على رقبته. فجاءه ثمّ نكص على عقبيه. فقالوا : ما لك؟ قال : إنّ بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة. قال نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو دنا منّي ، لاختطفته الملائكة عضوا

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٨٢.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٧٨٢.

(٣) الكشّاف ٤ / ٧٧٧.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٣٠.

٤٥٥

عضوا. فأنزل الله سبحانه : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى) ـ الآية. والمعنى : أرأيت ـ يا محمّد ـ من يمنع عن الصلاة ما ذا يكون جزاؤه وما الذي يستحقّه من العذاب؟ فحذف لدلالة الكلام عليه. والآية عامّة في كلّ من ينهى عن الصلاة. (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى). كرّر هذه اللّفظة للتأكيد في التعجّب. يعني : أرأيت إن كان العبد المنهيّ وهو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى). يعني بالإخلاص والتوحيد. وهاهنا حذف أيضا. أي : كيف يكون حال من ينهاه عن الصلاة ويزجره عنها؟ (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ) أبو جهل (وَتَوَلَّى) عن الإيمان وأعرض عن قبوله والإصغاء إليه. (بِأَنَّ اللهَ يَرى) ؛ أي : يرى ما يفعله ويعلم ما يصنعه. والتقدير : أرأيت الذي فعل هذا الفعل ما الذي يستحقّ بذلك من الله تعالى من العقاب؟ (١)

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً) ؛ أي : أخبرني عن من ينهى بعض عباد الله عن صلاته ، إن كان [ذلك] الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله ، أو كان آمرا بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد ، وكذلك أخبرني إن كان على التكذيب للحقّ والتولّي عن الدين الصحيح كما نقول نحن (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) ويطّلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب ذلك؟ وهذا وعيد. (٢)

[١٥ ـ ١٦] (كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦))

(كَلَّا). ردع لأبي جهل وخسء له عن نهيه عن عبادة الله وأمره بعبادة اللّات. (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) عمّا هو فيه (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) : لنأخذنّ بناصيته ولنسحبنّه بها إلى النار. والسفع : القبض على الشيء وجذبه بشدّة. (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ). بدل من الناصية. [وجاز بدلها عن المعرفة وهي نكرة] لأنّها نكرة موصوفة. ووصفها بالكذب والخطاء على الإسناد المجازيّ وهما في الحقيقة لصاحبها. (٣)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٨٢.

(٢) الكشّاف ٤ / ٧٧٧ ـ ٧٧٨.

(٣) الكشّاف ٤ / ٧٧٨.

٤٥٦

[١٧ ـ ١٨] (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨))

والنادي : المجلس الذي ينتدي فيه القوم ؛ أي : يجتمعون. والمراد أهل النادي. روي أنّ أبا جهل مرّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصلّي فقال : ألم أنهك؟ فأغلظ له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقال : أتهدّدنّني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا؟ فنزلت : (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ). من الزبن وهو الدفع. والمراد بهم ملائكة العذاب. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو دعا ناديه ، لأخذته الزبانية عيانا. (١)

وقوله : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) قال : لمّا مات أبو طالب نادى أبو جهل والوليد : هلمّوا واقتلوا محمّدا. فقد مات الذي كان ناصره. فقال الله : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ). قال : كما دعا إلى قتل محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نحن أيضا ندع الزبانية. (٢)

(سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ). قيل : إنّه إخبار بأنّه يدعو الزبانية دعا ناديه أو لم يدع. وصدق سبحانه في ذلك فقتل يوم بدر. يعني أبا جهل. (٣)

[١٩] (كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩))

(كَلَّا). ردع لأبي جهل. (لا تُطِعْهُ) ؛ أي : اثبت على ما أنت عليه من عصيانه ـ كقوله : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ)(٤) ـ ودم على سجودك. يريد الصلاة. (وَاقْتَرِبْ) : وتقرّب إلى ربّك. وفي الحديث : أقرب ما يكون العبد إلى ربّه إذا سجد. (٥)

وقد روي أنّه يقول في سجدة العزائم : لا إله إلّا الله إيمانا وتصديقا. لا إله إلّا الله عبوديّة ورقّا. سجدت لك يا ربّ تعبّدا ورقّا لا مستنكفا ولا مستكبرا ؛ بل أنا عبد ذليل خائف مستجير. ثمّ يرفع رأسه ثمّ يكبّر. (٦)

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٧٧٨ ـ ٧٧٩.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٣١.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٨٣.

(٤) القلم (٦٨) / ٨.

(٥) الكشّاف ٤ / ٧٧٩.

(٦) الفقيه ١ / ١٣٤ ، ح ٦٢٨.

٤٥٧
٤٥٨

٩٧.

سورة القدر

عن أبي جعفر عليه‌السلام : من قرأ إنّا أنزلناه فجهر بها صوته ، كان كالشاهر سيفه في سبيل الله عزوجل. ومن قرأها سرّا ، كان كالمتشحّط بدمه في سبيل الله. ومن قرأها عشر مرّات ، محا الله عنه ألف ذنب من ذنوبه. ومن قرأها عشر مرّات ، مرّت له على محق ألف ذنب من ذنوبه. (١)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : من قرأ إنّا أنزلناه في فريضة من فرائض الله ، نادى مناد : يا عبد الله ، غفر الله لك ما مضى. فاستأنف العمل. (٢)

قال الرضا عليه‌السلام : ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عندها إنّا أنزلناه سبع مرّات ، إلّا غفر الله له ولصاحب القبر. (٣)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من قرأ إنّا أنزلناه اثنتين وثلاثين مرّة في إناء جديد ورشّ [به] ثوبه الجديد إذا لبسه ، لم يزل يأكل في سعة ما بقي [منه سلك]. (٤)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١))

(أَنْزَلْناهُ) ؛ أي : القرآن. قال ابن عبّاس : أنزل الله القرآن جملة واحدة في اللّوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ثمّ نزل تدريجا في ثلاث وعشرين سنة. وقيل : معناه : ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. سمّيت ليلة القدر لأنّ الله يقضي ويقدّر فيها جميع أمور السنة. أو لأنّها

__________________

(١) الكافي ٢ / ٦٢١ ، ح ٦.

(٢) ثواب الأعمال / ١٥٢ ، ح ٢.

(٣) الفقيه ١ / ١١٥ ، ح ٥٤١.

(٤) الكافي ٦ / ٤٥٩ ، ح ٤.

٤٥٩

ليلة القدر ؛ أي : الخطر والشرف. من قولهم : رجل له قدر. أو لأنّ من لم يكن له قدر ، إذا أحياها صار ذا قدر. أو لأنّ الأرض تضيق فيها بالملائكة. من قوله : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)(١). (٢)

[٢] (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢))

(وَما أَدْراكَ) ـ يا محمّد ـ خطر ليلة القدر؟ وهذا حثّ على العبادة فيها. (٣)

[٣] (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣))

(خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ؛ أي : قيام ليلة القدر والعمل فيها خير من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر. وعن ابن عبّاس قال : ذكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر ، فعجب من ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عجبا شديدا وتمنّى أن يكون ذلك في أمّته ، فقال : يا ربّ أمّتي أقصر أعمارا وأقلّ الناس عملا. فأعطاه الله ليلة القدر وقال : (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) الذي حمل الإسرائيليّ السلاح في سبيل الله لك ولأمّتك من بعدك إلى يوم القيامة في كلّ رمضان. (٤)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) تملكها بنو أميّة ليس فيها ليلة القدر. (٥)

[٤ ـ ٥] (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥))

(وَالرُّوحُ). يعني جبرئيل. ينزلون إلى الأرض ليسمعوا الثناء على الله وقراءة القرآن. وقيل : ليسلّموا على المسلمين. (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) ؛ أي : بأمره. (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) ؛ أي : بكلّ أمر من الخير والبركة والرزق والأجل إلى مثلها من العام القابل. فعلى هذا يكون الوقف هنا تامّا ، ثمّ

__________________

(١) الطلاق (٦٥) / ٧.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٧٨٦.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٨٩.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٧٨٩.

(٥) انظر : مقدّمة الصحيفة الكاملة السجّادية.

٤٦٠