عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-30-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٥١٨

٨٧.

سورة الأعلى

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من قرأ سورة الأعلى في فريضة أو نافلة ، قيل له يوم القيامة : ادخل الجنّة من أيّ باب شئت ، إن شاء الله تعالى. (١) والواجب على كلّ مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبّح اسم ربّك. (٢)

عن أبي جعفر عليه‌السلام (٣) أنّه قرأ في صلاته عشرين ليلة سبّح اسم ربّك وقال : لو تعلمون ما فيها ، لقرأها الرجل كلّ يوم عشرين مرّة. وإنّ من قرأها فكأنّها قرأ صحف إبراهيم وموسى. (٤)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها ، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ حرف أنزل على إبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلوات الله عليهم. (٥)

الأعلى : تقرأ على الأذن الدويّة وعلى البواسير وعلى الموضع المنتفخ يزول ذلك. (٦)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١))

سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن قول الله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فقال : مكتوب على قائم العرش قبل أن يخلق الله السموات والأرض بألف عام : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٥٠ ، ح ١.

(٢) ثواب الأعمال / ١٤٦ ، ح ١.

(٣) المصدر : عن أبي حميصة عن عليّ عليه‌السلام.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٧١٧.

(٥) المصباح / ٥٩٨.

(٦) المصباح / ٦١٤.

٤٠١

محمّدا عبده ورسوله فاشهدوا بهما وانّ عليّا وصيّ محمّد عليهما‌السلام. (١)

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ). تسبيح اسمه تنزيهه عمّا لا يصحّ فيه من المعاني التي هي إلحاد في أسمائه كالجبر والتشبيه ؛ مثل أن يفسّر الأعلى بمعنى العلوّ الذي هو القهر والاقتدار لا بمعنى العلوّ في المكان والاستواء على العرش حقيقة ، وأن يصان عن الابتذال والذكر لا على وجه الخشوع والتعظيم. ويجوز أن يكون الأعلى صفة للربّ والاسم. وقرأ عليّ عليه‌السلام : سبحان ربي الأعلى» (٢)

[٢ ـ ٣] (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣))

(خَلَقَ) كلّ شيء (فَسَوَّى) خلقه تسوية ولم يأت بها متفاوتا ولكن على إحكام واتّساق ودلالة على أنّه صنعة حكيم. (قَدَّرَ فَهَدى) : قدّر لكلّ حيوان ما يصلحه فهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع به. (٣)

[٤ ـ ٥] (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥))

(أَخْرَجَ الْمَرْعى) : أنبته (فَجَعَلَهُ) بعد خضرته ورفيفه (غُثاءً) ؛ أي : هشيما (أَحْوى) ؛ أي : أسود. ويجوز أن يكون أحوى حالا من المرعى. أي : أخرجه أسود من شدّة الخضرة فجعله غثاء بعد حويّه. (٤)

[٦ ـ ٧] (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧))

(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) بشّره الله بإعطاء آية بيّنة وهي أن يقرأ عليه جبرئيل ما يقرأ عليه من الوحي وهو أمّيّ لا يقرأ فيحفظه ولا ينساه. (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) فذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته. وقيل : كان يعجل بالقرآن إذا لقّنه جبرئيل ، فقيل : لا تعجل ؛ فإنّ جبرئيل

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٤١٧.

(٢) الكشّاف ٤ / ٧٣٧ ـ ٧٣٨.

(٣) الكشّاف ٤ / ٧٣٧ ـ ٧٣٨.

(٤) الكشّاف ٤ / ٧٣٨.

٤٠٢

مأمور بأن يقرأه عليك قراءة مكرّرة إلى أن تحفظه ثمّ لا تنساه إلّا ما شاء الله ثمّ تذكره بعد النسيان. أو قال : إلّا ما شاء الله ، والغرض نفي النسيان رأسا. (يَعْلَمُ الْجَهْرَ). يعني : انّك تجهر بالقراءة مع قراءة جبرئيل مخافة التفلّت. والله يعلم جهرك معه وما في نفسك ممّا يدعوك إلى الجهر. فلا تفعل ؛ فأنا أكفيك ما تخافه. أو : [يعلم] ما أسررتم وما أعلنتم من الأقوال والأفعال ، فينسي من الوحي ما يشاء ويترك محوطا ما يشاء. (١)

[٨] (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨))

(نُيَسِّرُكَ). عطف على (سَنُقْرِئُكَ). وقوله : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ) اعتراض. ومعناه : ونوفّقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل. يعني حفظ القرآن بالوحي. وقيل : للشريعة التي هي أيسر الشرائع وأسهلها مأخذا. وقيل : نوفّقك لعمل الجنّة. (٢)

[٩] (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩))

(إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى). فإن قلت : كان مأمورا بالذكرى نفعت أو لم تنفع. فما معنى اشتراط النفع؟ قلت : هو على وجهين. أحدهما : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلّا طغيانا وكان يزداد جدّا في تذكيرهم وحرصا عليه فقيل : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ). (٣)(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى). وذلك بعد إلزام الحجّة بتكرّر التذكير. والثاني أن يكون ظاهره شرطا ومعناه ذمّا للمذكّرين وإخبارا عن حالهم واستبعادا لتأثير الذكرى فيهم وتسجيلا عليهم بالطبع على قلوبهم. فيكون القصد بهذا الشرط استبعاد ذلك وأنّه لن يكون. (٤)

(إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى). أي وإن لم تنفع ؛ من باب : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)(٥) أي وسرابيل

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٧٣٨ ـ ٧٣٩.

(٢) الكشّاف ٤ / ٧٣٩.

(٣) ق (٥٠) / ٤٥.

(٤) الكشّاف ٤ / ٧٣٩.

(٥) النحل (١٦) / ٨١.

٤٠٣

تقيكم البرد. (١)

[١٠] (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠))

(سَيَذَّكَّرُ) ؛ أي : سيتّعظ بالقرآن من يخاف الله. (٢)

(سَيَذَّكَّرُ) ؛ أي : يقبل التذكّر وينتفع بها (مَنْ يَخْشى) الله. فأمّا هؤلاء فغير خاشعين. (٣)

[١١] (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١))

(وَيَتَجَنَّبُهَا) ؛ أي : الذكرى والموعظة. (الْأَشْقَى) ؛ أي : أشقى العصاة. فإنّ للعاصين درجات في الشقاوة ، فأعظمهم من كفر بالله وعبد غيره. (٤)

(الْأَشْقَى) ؛ أي : الكافر. لأنّه أشقى من الفاسق. أو : الذي هو أشقى الكفرة لتوغّله في عداوة رسول الله. وقيل : نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة. (٥)

[١٢ ـ ١٣] (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣))

(يَصْلَى النَّارَ) ؛ أي : يلزم النار. (الْكُبْرى) : العظمى. وهي نار جهنّم. والنار الصغرى نار الدنيا. وقيل : النار الكبرى الطبقة السفلى من جهنّم.

(ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح (وَلا يَحْيى) حياة ينتفع بها ، بل [صارت] حياته وبالا عليه. وقيل : (وَلا يَحْيى) ؛ أي : لا يجد روح الحياة. (٦)

[١٤ ـ ١٥] (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥))

(أَفْلَحَ) ؛ أي : فاز (مَنْ تَزَكَّى) ؛ أي : تطهّر من الشرك. أو : من صار زاكيا بالأعمال الصالحة. وقيل : أعطى زكاة ماله. وقيل : أراد صدقة الفطرة وصلاة العيد. ومتى قيل : على

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٢١.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٧٢١.

(٣) الكشّاف ٤ / ٧٣٩ ـ ٧٤٠.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٧٢١.

(٥) الكشّاف ٤ / ٧٤٠.

(٦) مجمع البيان ١٠ / ٧٢١.

٤٠٤

هذا القول كيف يصحّ ذلك والسورة مكّيّة ولم يكن هناك صلاة عيد ولا زكاة قطّ؟ قلنا : يحتمل أن يكون أوائلها بمكّة وختمت بالمدينة. (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ؛ أي : وحّد الله. وقيل : ذكر الله بقلبه عند صلاته فرجا ثوابه وخاف عقابه. وقيل : أن يفتتح ببسم الله الرحمن الرحيم ويصلّي الصلوات الخمس المكتوبة. (١)

سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى). قال : من أخرج زكاة الفطرة. وقيل : (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)؟ قال : خرج إلى الجبّانة فصلّى. (٢)

[١٦ ـ ١٧] (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧))

(بَلْ تُؤْثِرُونَ). يعني الكفّار. أي : تعملون للدنيا وتتركون العمل للآخرة. وقيل : عامّ في المؤمن والكافر ، بناء على الأعمّ الأغلب في أمر الناس. (وَالْآخِرَةُ) ؛ أي : والدار الآخرة هي الجنّة. (وَأَبْقى) : وأدوم من الدنيا. (٣)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) قال : ولايتهم. (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى). قال ولاية عليّ عليه‌السلام. (٤)

[١٨ ـ ١٩] (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩))

(إِنَّ هذا) الذي ذكر من قول الله : (قَدْ أَفْلَحَ) إلى أربع آيات ، لفي الكتب التي أنزلت قبل القرآن ذكر فيها فلاح المصلّي والمتزكّي وإيثار الخلق الأولى على الآخرة. وقيل : معناه أنّ من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلّى ، فهو ممدوح في الصحف الأولى ، كما هو ممدوح في القرآن. وعن أبي ذرّ قال : قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء؟ فقال : مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرون ألفا. المرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر. وأربعة منهم عرب : هود وصالح وشعيب ونبيّك. قلت : كم أنزل [الله] من كتاب؟ قال : مائة وأربعة كتب. أنزل منها على آدم عشرة صحف ،

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٢١ ـ ٧٢٢.

(٢) الفقيه ١ / ٣٢٣ ، ح ١٣٧٨.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٢.

(٤) الكافي ١ / ٤١٨ ، ح ٣٠.

٤٠٥

وعلى شيث خمسين صحيفة ، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وهو أوّل من خطّ بالقلم ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان. وقيل : إنّ كتب الله تعالى كلّها أنزلت في شهر رمضان. (١)

عن أبي ذرّ قال : قلت : يا رسول الله ، فما كانت صحف إبراهيم عليه‌السلام؟ قال : كانت أمثالا. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : صحف إبراهيم وموسى هي الألواح. (٣)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٢.

(٢) نور الثقلين ٥ / ٥٦١ ، عن كتاب جعفر بن محمّد الدوريستيّ.

(٣) بصائر الدرجات / ١٥٧ ، ح ٨.

٤٠٦

٨٨.

سورة الغاشية

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من أدمن قراءة الغاشية في فريضة أو نافلة ، غشاه الله برحمته في الدنيا والآخرة وآتاه الأمن يوم القيامة من عذاب النار. (١)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها ، حاسبه الله حسابا يسيرا. (٢)

الغاشية : إذا قرئت على مأكول ، أمن فيه من النكد ، وعلى ما يولد ، سلّمه الله تعالى. (٣)

[١ ـ ٤] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً (٤))

(هَلْ أَتاكَ). خطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. يريد : قد أتاك حديث القيامة. لأنّها تغشى الناس أهوالها بغتة. وقيل : الغاشية النار. (تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ). (٤)(خاشِعَةٌ) : ذليلة بالعذاب الذي يغشاها. والمراد أهل الوجوه. ذكر الوجوه لأنّ الذلّ يظهر فيها. وقيل : المراد بالوجوه الكبراء. تقول : جاءني وجوه بني تميم ، يعني ساداتهم. وقيل : عنى بها وجوه الكفّار لأنّها تكبّرت عن عبادة الله. (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) فيها. لأنّها لم تعمل لله في الدنيا فأعملها وأنصبها ـ أي : أتعبها ـ في النار بمعالجة السلاسل والأغلال. قيل : إنّهم يكلّفون ارتقاء جبل من حديد في النار. أو : عاملة في الدنيا بالمعاصي ، ناصبة في النار يوم القيامة. أو : إنّها عاملة ناصبة في الدنيا يعملون ويتعبون على خلاف ما أمرهم الله ، وهم أهل البدع والآراء

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٥٠ ، ح ١.

(٢) المصباح / ٥٩٨.

(٣) المصباح / ٦١٤.

(٤) إبراهيم (١٤) / ٥٠.

٤٠٧

الباطلة. (حامِيَةً) : قد حميت فهي تتلظّى على أعداء الله. أهل البصرة : (تَصْلى) بضمّ التاء. (١)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام [قلت :](هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ)؟ قال : يغشاهم القائم عليه‌السلام بالسيف. قلت : (خاشِعَةٌ)؟ قال : خاضعة لا تطيق الامتناع. قلت : (عامِلَةٌ)؟ قال : عملت بغير ما أنزل الله. قلت : (ناصِبَةٌ)؟ قال : نصبت غير ولاة الأمر. قلت : (ناراً حامِيَةً)؟ قال : نار الحرب في الدنيا على عهد القائم [و] في [الآخرة] نار جهنّم. (٢)

وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام قال : (الْغاشِيَةِ) الذين يغشون الإمام عليه‌السلام. (٣)

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : كلّ ناصب ـ وإن تعبّد واجتهد ـ منسوب إلى هذه الآية : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) ـ الآية. (٤)

[(عامِلَةٌ ناصِبَةٌ). وهم»] الذين خالفوا دين الله وصلّوا وصاموا ونصبوا لأمير المؤمنين عليه‌السلام. وهو قوله : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) فلا تقبل أعمالهم. (٥)

[٥] (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥))

(مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) ؛ أي : حارّة قد بلغت إناها وانتهت حرارتها. [قال الحسن :] قد أوقدت عليها جهنّم منذ خلقت فدفعوا إليها عطاشا. (٦)

(آنِيَةٍ). قال : لها أنين من شدّة حرّها. (٧)

[٦ ـ ٧] (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧))

(ضَرِيعٍ). هو نوع من الشوك وأهل الحجاز يسمّونه الضريع إذا يبس. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة و

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٥ ـ ٧٢٦ و ٧٢٤.

(٢) الكافي ٨ / ٥٠ ، ح ١٣.

(٣) الكافي ٨ / ١٧٨ ، ح ٢٠١.

(٤) الكافي ٨ / ٢١٣ ، ح ٢٥٩.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٤١٨.

(٦) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٦.

(٧) تفسير القمّيّ ٢ / ٤١٨.

٤٠٨

أشدّ حرّا من النار. قيل : إنّ الله يرسل على أهل النار الجوع حتّى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصّة. (لا يُسْمِنُ) ؛ أي : لا يدفع جوعا ولا يسمن أحدا. [قاله] ردّا لقول الكفّار إنّ إبلنا تسمن من الضريع. وكذبوا في ذلك لأنّ الإبل لا ترعاه. (١)

(ضَرِيعٍ). قال : عرق أهل النار وما يخرج من فروج الزواني. (٢)

[٨ ـ ١١] (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١))

(ناعِمَةٌ) : منعمة في اللّذّات ظاهر عليها أثر النعمة والسرور. (لِسَعْيِها) في الدنيا (راضِيَةٌ) حين أعطيت الجنّة بعملها. (عالِيَةٍ) : مرتفعة القصور والدرجات. (لاغِيَةً) ؛ أي : كلمة ساقطة لا فائدة فيها. أهل البصرة : (لا تَسْمَعُ) بضمّ التاء و (لاغِيَةً) بالرفع. (٣)

[١٢] (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢))

(فِيها) ؛ أي : في تلك الجنّة. (عَيْنٌ جارِيَةٌ). عين اسم جنس. والعيون تجري من كلّ شراب يشتهيه وفيها من اللّذّة والمنفعة ما لا يكون في الواقفة. (٤)

[١٣ ـ ١٦] (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦))

(فِيها) ؛ أي : في تلك الجنّة (سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) ألواحها من ذهب مكلّلة بالزبرجد والدرّ والياقوت مرتفعة. فإذا أراد أن يجلس عليها ، تواضعت له حتّى يجلس عليها ، ثمّ يرتفع إلى موضعها. والسرر : جمع سرير وهو مجلس السرور. وقيل : إنّما رفعت ليرى المؤمنون

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٦.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٤١٨.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٦ ـ ٧٢٧ و ٧٢٤.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٧.

٤٠٩

بجلوسهم عليها جميع ما حولهم من الملك. (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) على حافة العيون الجارية كلّما أراد المؤمن شربها وجدها مملوّة. وهي الأباريق ليس لها خراطيم ولا عرى تتّخذ للشراب. وقيل : هي أواني الشراب من الذهب والفضّة والجواهر يتمتّعون بالنظر إليها بين أيديهم ويشربون بها. (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) ؛ أي : وسائد يتّصل بعضها ببعض. (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ). وهي البسط الفاخرة. والمبثوثة : المنشورة. أو إنّها مفرّقة بالمجالس. (١)

(وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ). قال : البسط والوسائد. (وَزَرابِيُّ). قال : كلّ شيء خلقه الله في الجنّة ، له مثال في الدنيا إلّا الزرابيّ ؛ فإنّه لا يدرى ما هي. (٢)

(مَرْفُوعَةٌ). من رفعة المقدار. وقيل : مخبوءة لهم. من رفع الشيء ، إذا خبأه. (وَزَرابِيُّ). هي الطنافس التي لها خمل رقيق. جمع زربيّة. (٣)

[١٧] (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧))

ولمّا نعت الله الجنّة وما فيها ، عجب من ذلك أهل الضلال ، فأنزل : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ) ؛ أي : أفلا ينظرون إلى ما أخرج الله من ضروعها من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين؟ يعني : فكما صنعت هذا لهم [فكذلك] أصنع لأهل الجنّة في الجنّة. وقيل : معناه : أفلا يعتبرون بنظرهم إلى الإبل وما ركّب الله فيها وانقيادها للولد الصغير وبروكها للحمل ليستدلّوا على توحيد الله بذلك؟ وسئل الحسن [عن هذه الآية وقيل له :] إنّ الفيل أعظم من الإبل. فقال : أمّا الفيل ، فالعرب بعيدة العهد بها ؛ ثمّ هو خنزير لا يركب ظهرها ولا يؤكل لحمها ولا يحلب درّها. عن عليّ عليه‌السلام أنّه قرأ : «خلقت» و «رفعت» و «نصبت» و «سطحت» بفتح أوائلها وضمّ التاء. (٤)

[١٨ ـ ٢٠] (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٧.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٤١٨.

(٣) الكشّاف ٤ / ٧٤٤.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٧ ـ ٧٢٨ و ٧٢٤.

٤١٠

كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠))

(كَيْفَ رُفِعَتْ) فوق الأرض وجعل بينهما الفضاء الذي به قوام الخلق وحياتهم.

(نُصِبَتْ) أوتادا للأرض ولولاها لمادت بأهلها. (سُطِحَتْ) ؛ أي : بسطت. ولو تفكّروا فيها ، لعلموا أنّ لها صانعا. (١)

[٢١ ـ ٢٢] (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢))

(فَذَكِّرْ) يا محمّد. أي : عرّفهم بالبيان. (مُذَكِّرٌ) لهم بنعم الله عندهم وما يجب عليهم في مقابلتها من الشكر. (بِمُصَيْطِرٍ) ؛ أي : لست عليهم بمتسلّط تسلّطا يمكنك أن تدخل الإيمان في قلوبهم وتجبرهم عليه. (٢)

(بِمُصَيْطِرٍ). عن الكسائيّ بالسين على الأصل ، وحمزة بالإشمام. (٣)

[٢٣ ـ ٢٤] (إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤))

(إِلَّا مَنْ تَوَلَّى). استثناء منقطع. (تَوَلَّى) ؛ أي : أعرض عن الذكر. فكل أمره إلى الله. وقيل : معناه : إلّا من تولّى وكفر فلست له بمذكّر لأنّه لا يقبل منك. (الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) : الخلود في النار. (٤)

[٢٥ ـ ٢٦] (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦))

(إِيابَهُمْ) ؛ أي : مصيرهم بعد الموت. فلا يهمّنّك أمرهم ، وإن آذوك ، فإنّ مرجعهم إلينا. (إِيابَهُمْ). أبو جعفر بالتشديد. (٥)

قرأ أبو جعفر : «إيابهم» بالتشديد. ووجهه أن يكون فيعالا مصدر أيّب فيعل من الإياب ؛ أو أن يكون أصله إوّابا فعّالا من أوّب ، ثمّ قيل إيوابا كديوان في دوّان ، ثمّ فعل به ما

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٨.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٨.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٩٢.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٨ ـ ٧٢٩ و ٧٢٥.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٧٢٩ و ٧٢٤.

٤١١

فعل بأصل سيّد. (١)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة ، وكلنا الله بحساب شيعتنا. فما كان لله ، سألنا الله أن يهبه لنا ، فهو لهم. وما كان للآدميّين ، سألنا الله أن يعوّضهم بدله ، فهو لهم. وما كان لنا ، فهو لهم. ثمّ قرأ : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) ـ الآيات. (٢)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة ، جمع الأوّلين والآخرين لفصل الخطاب. فيدعى رسول الله فيكسى حلّة ورديّة ويكسى عليّ مثله. ثمّ يدعى بنا فيدفع إلينا حساب الناس. فنحن ـ والله ـ ندخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار. (٣)

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٧٤٥.

(٢) تأويل الآيات ٢ / ٧٨٨ ، ح ٤.

(٣) الكافي ٨ / ١٥٩ ، ح ١٥٤.

٤١٢

٨٩.

سورة الفجر

عن أبي عبد الله : اقرؤوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم. فإنّها سورة الحسين عليه‌السلام. من قرأها ، كان معه عليه‌السلام يوم القيامة في درجته في الجنّة. (١)

من قرأها إحدى عشرة مرّة على ذكره ثمّ جامع ، رزق ولدا تقرّ عينه به. (٢)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها في ليالي عشر ذي الحجّة ، غفر الله له. ومن قرأها في سائر الأيّام ، كانت له نورا في القيامة. (٣)

[١ ـ ٣] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣))

(وَالْفَجْرِ). أقسم سبحانه بفجر النهار. وقيل : أراد بالفجر النهار كلّه. عن ابن عبّاس. (وَلَيالٍ عَشْرٍ). يعني من ذي الحجّة. وروي ذلك مرفوعا. (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ). قيل : الشفع الخلق. لأنّه قال : (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً). (٤) والوتر الله تعالى. وهو مرويّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقيل : الشفع والوتر الصلاة ؛ منها شفع ومنها وتر. وهو مرويّ عنه أيضا. وقيل : الشفع يوم النحر. والوتر يوم عرفة. وهو مرويّ أيضا عنه. وقيل : الشفع يوم التروية. والوتر يوم عرفة. وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (٥)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : الفجر هو القائم. واللّيالي العشر الأئمّة عليهم‌السلام من الحسن إلى الحسن. و

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٥٠ ، ح ١.

(٢) المصباح / ٦١٤.

(٣) المصباح / ٥٩٨.

(٤) النبأ (٧٨) / ٨.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٥ ـ ٧٣٦.

٤١٣

الشفع أمير المؤمنين وفاطمة عليهما‌السلام والوتر هو الله. واللّيل دولة حبتر ، تسري إلى قيام القائم عليه‌السلام. (١)

(وَلَيالٍ عَشْرٍ). هي عشر ذي الحجّة. فإن قلت : فما بالها منكّرة من بين ما أقسم به؟ قلت : لأنّها ليال مخصوصة من بين جنس اللّيالي العشر بعض منها ، أو مخصوصة بفضيلة ليست لغيرها. و [إن قلت : فهلّا عرّفت بلام العهد لأنّها ليال معلومة معهودة؟ قلت :] لو عرّفت بلام العهد ، لم تستقلّ بمعنى الفضيلة التي في التنكير. ولأنّ الأحسن أن يكون اللّامات متجانسة ليكون الكلام أبعد من الإلغاز والتعمية. (٢)

(وَالْفَجْرِ). أقسم سبحانه بفجر النهار وهو انفجار الصبح كلّ يوم. وجواب القسم قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ). وقيل : جوابه محذوف. أي : ليقبضنّ على كلّ ظالم. أو : ليقتصّنّ كلّ مظلوم من ظالمه. أما رأيت كيف فعلنا بعاد وفرعون وثمود لمّا ظلموا؟ (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ). قيل : الشفع عليّ وفاطمة. والوتر محمّد عليهم‌السلام. (٣)

وفي حديث آخر : الشفع الحسن والحسين. والوتر أمير المؤمنين عليهم‌السلام. (٤)

[٤] (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤))

(وَاللَّيْلِ). أراد جنس اللّيل إذا مضى بظلامه فيذهب حتّى ينقضي بالضياء. وقيل : إذا يسري : إذا جاء وأقبل إلينا. وقيل : المراد بها ليلة المزدلفة ، وخصّها لاجتماع الناس فيها بطاعة الله. وفيها يسري الحاجّ من عرفة إلى مزدلفة. (٥)

(وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ). قال : ليلة الجمعة. (٦)

[٥] (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥))

__________________

(١) تأويل الآيات ٢ / ٧٩٢ ، ح ١.

(٢) الكشّاف ٤ / ٧٤٦.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٥ ـ ٧٣٦.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٤١٩.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٦ ـ ٧٣٧.

(٦) تفسير القمّيّ ٢ / ٤١٩.

٤١٤

(هَلْ فِي ذلِكَ) ؛ أي : هل فيما ذكر من الأقسام مقنع لذي عقل ولبّ يعقل القسم والمقسم به. وهذا تعظيم لما وقع القسم به. والمعنى : انّ من كان ذا لبّ ، علم أنّ ما أقسم الله به من هذه الأشياء فيه دلائل على توحيد الله توضح عن بدائع حكمته. (١)

وقوله : (لِذِي حِجْرٍ). يقول : لذي عقل. (٢)

[٦ ـ ٨] (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨))

ثمّ اعترض بين القسم وجوابه بقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ) ـ الآية. خطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. وعاد قوم هود. وإرم اسم لقبيلته. قال أبو عبيدة : هما عادان. فالأولى هي إرم ؛ وهي التي قال الله فيهم : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى). (٣) وقيل : هو جدّ عاد وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. وقيل : إرم اسم بلد. وقيل : هو دمشق. وقيل : مدينة الإسكندريّة. وقيل : هو لقب عاد وكان يعرف به. وقرأ الحسن : «بعاد إرم» على الإضافة وقال : هو اسم آخر لعاد. ومن جعله بلدا فالتقدير : بعاد صاحب إرم. وقوله : (ذاتِ الْعِمادِ) يعني أنّهم كانوا أهل عمد سيّارة في الربيع فإذا هاج النبت رجعوا إلى منازلهم. وقيل : معناه : ذات الطول والشدّة. من قولهم : رجل طويل العماد. وهم الذين قالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً). (٤) وقيل : (ذاتِ الْعِمادِ) ؛ أي : ذات الأبنية العظام. وأمّا قصّة إرم ذات العماد ، فقال وهب بن منبّه : إنّه خرج عبد الله بن قلابة في طلب إبل له. فبينما هو في صحارى عدن ، إذ قد طلع على مدينة عليها حصن وحول الحصن قصور. فلمّا دخلها ، إذا هو ببابين عظيمين والبابان مرصّعان بالياقوت الأبيض والأحمر. [فلمّا رأى ذلك ...] وإذا [هو] قصور كلّ قصر فوقه غرفة مبنيّة بالذهب والفضّة واللّؤلؤ والياقوت مفروشة باللّآلي وبنادق المسك. [فلمّا رأى الرجل ما رأى ... ثمّ نظر إلى الأزقّة] وإذا فيها أشجار مثمرة وأنهار مطّردة يجري ماؤها من قنوات من فضّة. فقال

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٧.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٤١٩.

(٣) النجم (٥٣) / ٥٠.

(٤) فصّلت (٤١) / ١٥.

٤١٥

الرجل : هذه الجنّة التي وصفها الله في كتابه. فحمل من لؤلؤها ومسكها ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ولا من ياقوتها. فرجع إلى اليمن واتّصل خبره بمعاوية فأحضره وقصّ عليه القصّة. فبعث إلى كعب الأحبار وقال : هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضّة؟ قال : نعم ، مدينة بناها شدّاد بن عاد وهي إرم ذات العماد التي في القرآن. وقال : إنّ عادا الأولى ليس بعاد قوم هود. وإنّما هود وقومه ولد لذلك. وكان عاد له ابنان شدّاد وشديد. فهلك عاد فبقيا وملكا البلاد وقهرا. ومات شديد وملك شدّاد وحده ودانت له ملوك أهل الأرض فدعته نفسه إلى بناء مثل الجنّة عتوّا على الله. فأمر بصنعة المدينة إرم ذات العماد. وأمر على صنعتها مائة قهرمان مع كلّ قهرمان ألف من الأعوان. وكتب إلى كلّ ملك في الدنيا أن يجمع ما في بلده من الجواهر. فلمّا فرغوا من بنائها ، جعلوا عليها حصنا وحول الحصن ألف قصر. ثمّ سار الملك إليها في جنده. فلمّا كان منها على مسيرة يوم وليلة ، بعث الله عليهم صيحة من السماء فأهلكتهم جميعا وسيدخلها رجل في زمانك من المسلمين أحمر أشقر قصير على حاجبه خال يخرج في طلب إبل له. والرجل عند معاوية ، فالتفت إليه وقال : هو هذا. (١)

(ذاتِ الْعِمادِ). إذا كانت إرم صفة للقبيلة ، فالمعنى أنّهم كانوا بدويّين أهل عمد أو طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة. وإن كانت صفة للبلدة ، فالمعنى ذات أساطين. (لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها) : مثل عاد (فِي الْبِلادِ) عظم أجرام وقوّة. كان [طول] الرجل منهم أربعمائة ذراع وكان يأتي الصخرة العظيمة فيحملها فيلقيها على الحيّ فيهلكهم. (٢)

[٩] (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩))

(وَثَمُودَ) ؛ أي : كيف فعل بثمود الذي قطعوا الصخر وبنوها بواد القرى وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا؟ (٣)

(جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ). بنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلّها من الحجارة. (٤)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٧ ـ ٧٣٨.

(٢) الكشّاف ٤ / ٧٤٧ ـ ٧٤٨.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٨ ـ ٧٣٩.

(٤) الكشّاف ٤ / ٧٤٨.

٤١٦

[١٠] (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠))

(وَفِرْعَوْنَ) : وكيف فعل بفرعون ذي الأوتاد ؛ أي : صاحب الجنود الذين كانوا يشيّدون أمره. وقيل : كان يشدّ الرجل بأربعة أوتاد على الأرض إذا أراد تعذيبه. (١)

[١١ ـ ١٢] (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢))

(طَغَوْا فِي الْبِلادِ) ؛ أي : تجبّروا فيها على الأنبياء. (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) من القتل والمعاصي. (٢)

[١٣] (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣))

(سَوْطَ عَذابٍ) ؛ أي : جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب. وقيل : صبّ عليهم قسط عذاب. (٣)

(سَوْطَ عَذابٍ). ذكر السوط إشارة إلى أنّ ما أحلّه بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعدّ لهم في الآخرة كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذّب به. (٤)

[١٤] (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤))

(لَبِالْمِرْصادِ) ؛ أي : على طريق العذاب ، لا يفوته أحد كما لا يفوت من هو بالمرصاد. وعن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة أحد. (٥)

«المرصاد» : المكان الذي يترقّب فيه الرصد. من رصده ، كالميقات من وقته. وهذا مثل لإرصاد العصاة بالعقاب وأنّهم لا يفوتونه. (٦)

[١٥] (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥))

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٩.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٩.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٩.

(٤) الكشّاف ٤ / ٧٤٨.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٩.

(٦) الكشّاف ٤ / ٧٤٨.

٤١٧

(ابْتَلاهُ رَبُّهُ) : اختبره وامتحنه. (فَأَكْرَمَهُ) بالمال (وَنَعَّمَهُ) بالإفضال. (أَكْرَمَنِ) ؛ أي : فيفرح ويقول : ربّي أعطاني ذلك لكرامتي عنده. (١)

فإن قلت : فقد قال : (فَأَكْرَمَهُ) فأثبت إكرامه ، ثمّ أنكر قوله : (رَبِّي أَكْرَمَنِ) وذمّه عليه كما ذمّه على قوله : (أَهانَنِ). قلت : إنّما ذمّه على قوله : (أَكْرَمَنِ) لأنّه قال على قصد خلاف ما صحّحه الله عليه وأثبته ، وهو قصده إلى أنّ الله أعطاه إكراما له مستحقّا ومستوجبا على عادة افتخارهم وجلالة أقدارهم عندهم. كقوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي). (٢) وإنّما أعطاه الله على وجه التفضّل من غير استيجاب منه له ولا سابقة ممّا لا يعتدّ الله إلّا به وهو التقوى دون الأنساب التي كانوا يفتخرون بها ويرون استحقاق الكرامة من أجلها. (٣)

ابن عامر والكوفيّون : (أَكْرَمَنِ) و (أَهانَنِ) بغير ياء في الوقف والوصل. ووافقهم نافع في الوقف. (٤)

[١٦] (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦))

(وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) بالفقر (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) ؛ أي : قتّره عليه. (أَهانَنِ) ؛ أي : فعل بي ذلك بهواني عليه. أبو جعفر : (فَقَدَرَ) بالتشديد. (٥)

[١٧] (كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧))

(كَلَّا) ؛ أي : ليس كما ظنّ. فإنّي لا أغني المرء لكرامته عليّ ولا أفقره لمهانته عندي ، ولكن أوسّع وأضيّق على ما تقتضيه الحكمة ابتلاء بالشكر والصبر. وإنّما الإكرام والإهانة حقيقة بالطاعة والمعصية. ثمّ بيّن ما يستحقّ عليه الهوان. (لا تُكْرِمُونَ) ؛ أي : لا تقطعونهم ممّا أعطاكم الله حتّى تغنوهم عن ذلّ السؤال. وقال عليه‌السلام : أنا وكافل اليتيم كهاتين [في الجنّة. و

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٩.

(٢) القصص (٢٨) / ٧٨.

(٣) الكشّاف ٤ / ٧٥٠.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٩٥.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٧٣٩ ـ ٧٤٠.

٤١٨

أشار ب] السبّابة والوسطى. قيل : كان قدامة بن مظعون في حجر أميّة وكان يدفعه عن حقّه. فيكون المعنى أنّكم لا تكرمونه بإيصال ميراثه إليه. أهل البصرة (تُكْرِمُونَ) وما بعده بالياء. (١)

[١٨] (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨))

(وَلا تَحَاضُّونَ) ؛ أي : لا تدعون. وهم الذين غصبوا آل محمّد حقّهم وأكلوا مال أيتامهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم. (٢)

أهل الكوفة وأبو جعفر : (تَحَاضُّونَ). والباقون : «تحضون» «ولا تحاضون» أي : لا يحضّ بعضكم بعضا على ذلك. والمعنى : انّ الإهانة على ما فعلتموه من ترك إكرام اليتيم ومنع الصدقة عن الفقير لا ما توهّمتموه. (٣)

[١٩ ـ ٢٠] (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠))

(التُّراثَ) ؛ أي : الميراث. وقيل : أموال اليتامى. وكان الرجل يأكل نصيبه ونصيب اليتيم. (أَكْلاً لَمًّا) ؛ أي : شديدا يلمّون جميعه إلى الأكل. وقيل : هو أن يأكل نصيبه ونصيب غيره. (جَمًّا) : كثيرا شديدا. [قيل : يحبّون كثرة المال و] لا يبالون أن يجمعوه من غير وجهه. (٤)

[٢١] (كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١))

(كَلَّا) ؛ أي : لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا. وقيل : معناه : لا يفعلون ما أمروا به في اليتيم والمسكين. (دُكَّتِ الْأَرْضُ) ؛ أي : كسر كلّ شيء على ظهرها من جبل أو بناء أو شجر حتّى زلزلت ولم يبق عليها شيء يفعل [ذلك] مرّة بعد مرّة. وقيل : دقّت جبالها حتّى استوت. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٧٤٠ و ٧٣١.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٢٠.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٤٠ و ٧٣١.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٧٤٠.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٧٤٠.

٤١٩

(دُكَّتِ الْأَرْضُ). قال : هي الزلزلة. (١)

[٢٢] (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢))

(وَجاءَ رَبُّكَ) ؛ أي : أمر ربّك. وقيل : وجاء ظهور ربّك لضرورة المعرفة. أي زالت الشبهة وارتفع الشكّ. (صَفًّا صَفًّا). يريد صفوف الملائكة وأهل كلّ سماء صفّ على حدة. (٢)

[٢٣] (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣))

(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) ؛ أي : أحضرت ليرى أهل الموقف هولها. وعن أبي سعيد الخدريّ قال : لمّا نزلت هذه الآية ، تغيّر وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتي إليه عليّ عليه‌السلام فقال له : بأمّي وأبي ؛ ما الذي حدث؟ قال : أقرأني جبرئيل : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ). يجيء سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام. فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع. فلا يبقى أحد إلّا ويقول : نفسي نفسي ، وإنّ محمّدا يقول : أمّتي أمّتي. (٣)

(يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) ؛ أي : يتذكّر ما فرّط فيه. أو : يتّعظ. (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) ؛ أي : منفعة الذكرى. ولا بدّ من تقدير المضاف ، وإلّا فبين (يَتَذَكَّرُ) وبين (أَنَّى لَهُ الذِّكْرى) تناف وتناقض. (٤)

[٢٤] (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤))

(قَدَّمْتُ لِحَياتِي) هذه وهي حياة الآخرة. أو : وقت حياتي في الدنيا. وهذا أبين دليل على أنّ الاختيار كان بأيديهم وأنّهم لم يكونوا محجورين عن الطاعات مجبّرين على المعاصي كما يقول أهل الأهواء والبدع. وإلّا فما معنى التحسّر؟ (٥)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٢٠.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٧٤١.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٧٤١.

(٤) الكشّاف ٤ / ٧٥٢.

(٥) الكشّاف ٤ / ٧٥٢.

٤٢٠