عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-30-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٥١٨

٦٩.

سورة الحاقّة

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من قرأ الحاقّة ، فإنّ قراءتها في الفرائض والنوافل من الإيمان بالله ورسوله. لأنّها إنّما نزلت في عليّ عليه‌السلام ومعاوية. ولم يسلب قارئها دينه حتّى يلقى الله. (١)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من قرأها ، حاسبه الله حسابا يسيرا. (٢)

وعن الباقر عليه‌السلام : أكثروا تلاوتها في الفرائض والنوافل. لأنّ ذلك من الإيمان بالله ورسوله. ولم يسلب قارئها دينه حتّى يموت. (٣)

الحاقّة : يحفظ الجنين تعليقا من كلّ آفة. وإذا سقي الجنين منها ساعة وضعه ، زكّاه وحفظ من الهوامّ والشيطان. (٤)

[١ ـ ٢] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢))

(الْحَاقَّةُ) : الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها ، أو التي فيها حواقّ الأمور من الثواب والعقاب. وارتفاعها على الابتداء وخبرها (مَا الْحَاقَّةُ). أي : الحاقّة ما هي؟ أي : أيّ شيء هي؟ تفخيما لشأنها وتعظيما لهولها. فوضع الظاهر موضع المضمر لأنّه أهول لها. (٥)

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٤٧ ، ح ١.

(٢) المصباح / ٥٩٥.

(٣) المصباح / ٥٩٥ ، عن الصادق عليه‌السلام.

(٤) المصباح / ٦١٢.

(٥) الكشّاف ٤ / ٥٩٨.

٢٠١

[٣] (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣))

(وَما أَدْراكَ) ؛ أي : أيّ شيء أعلمك ما الحاقّة؟ يعني أنّه لا علم لك بكنهها ومدى عظمها. (١)

[٤] (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤))

(بِالْقارِعَةِ). وهي التي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال والسماء بالانشقاق. (٢)

[٥] (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥))

ذكر من كذّب بها وما حلّ بهم بسبب التكذيب ، تخويفا لأهل مكّة عن عاقبة تكذيبها. (بِالطَّاغِيَةِ) : بالواقعة المجاوزة للحدّ في الشدّة. قيل : هي الرجفة. وعن ابن عبّاس : الصاعقة. وقيل : بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم. وقيل : الطاغية مصدر كالعافية. أي : بطغيانهم. وليس بذلك لعدم الطباق بينها وبين قوله : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ). (٣)

[٦] (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦))

والصرصر : الشديدة الصوت لها صرصرة. وقيل : الباردة. من الصرّ. كأنّها التي كرّر فيها البرد وكثر فهي تحرق لشدّة بردها. (عاتِيَةٍ) : شديدة العصف والعتوّ. استعارة. أو عتت على عاد فما قدروا على ردّها بحيلة من استتار ببناء أو اختفاء في حفرة فإنّها كانت تنزعهم من مكانهم وتهلكهم. وقيل : عتت على خزّانها فخرجت بلا كيل ولا وزن. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّ الماء والريح لا يخرج إلّا بمكيال إلّا يوم عاد ويوم نوح فإنّه عتى عن الخزّان. ثمّ قرأ : (لَمَّا طَغَى الْماءُ) ـ الآية (٤) ـ وقرأ : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ). (٥)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : وأمّا الريح العقيم ، فإنّها ريح عذاب لا تلقح شيئا من الأرحام و

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٥٩٨.

(٢) الكشّاف ٤ / ٥٩٨.

(٣) الكشّاف ٤ / ٥٩٨ ـ ٥٩٩.

(٤) الحاقّة (٦٩) / ١١.

(٥) الكشّاف ٤ / ٥٩٩.

٢٠٢

النبات. وهي تخرج من تحت الأرضين السبع. وما خرجت منها ريح قطّ إلّا على قوم عاد حين غضب الله عليهم فأمر الخزّان أن يخرجوا منها على مقدار سعة الخاتم ، فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيّظا منها على قوم عاد فضجّ الخزّان إلى الله وقالوا : عتت علينا ونخاف أن تهلك من لم يعصك. فبعث الله إليها جبرئيل فردّها بجناحه إلى موضعها فخرجت على ما أمرت فأهلكت [قوم] عاد ومن بحضرتهم. (١)

[٧] (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧))

(حُسُوماً). إمّا أن يكون جمع حاسم كقعود أو مصدرا كشكور. فإن كان جمعا فمعنى حسوما : نحسات حسمت كلّ خير واستأصلت كلّ بركة ، أو متتابعة هبوب الرياح ما خفتت ساعة حتّى أتت عليهم. وإن كان مصدرا ، فإمّا أن ينتصب بفعله مضمرا ، أي : تحسم حسوما بمعنى تستأصل استئصالا ، أو يكون صفة كقولك : ذات حسوم ، أو يكون مفعولا له ، أي : سخّرها عليهم للاستئصال. وقيل : هي أيّام العجوز. وذلك أنّ عجوزا من عاد توارت في سرب فانتزعتها الريح في اليوم الثامن فأهلكتها. وقيل : هي أيّام العجز وهي آخر الشتاء. ومعنى سخّرها عليهم : سلّطها [عليهم كما شاء. (فِيها) :] في اللّيالي والأيّام. (٢)

(سَبْعَ لَيالٍ). قال : كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيّام حتى هلكوا. (٣)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الأربعاء يوم نحس مستمرّ لأنّه أوّل يوم وآخر يوم من الأيّام التي قال الله : (سَخَّرَها) ـ الآية. (٤)

[٨] (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨))

__________________

(١) الكافي ٨ / ٩٢ ـ ٩٣ ، ح ٦٤.

(٢) الكشّاف ٤ / ٥٩٩ ـ ٦٠٠.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٣.

(٤) علل الشرائع / ٣٨١ ، ح ٢.

٢٠٣

(باقِيَةٍ) ؛ أي : بقيّة. أو : من نفس باقية. أو : بقاء ، كالطاغية بمعنى الطغيان. (١)

[٩] (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩))

أهل البصرة والكسائيّ : (وَمَنْ قَبْلَهُ) بكسر القاف وفتح الباء واللّام. (٢)

(مَنْ قَبْلَهُ) ؛ أي : من تقدّمه. وقرئ : «ومن قبله» فمعناه : من عنده وتابعه. (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) : قرى قوم لوط. (بِالْخاطِئَةِ) : بالخطأ. أو : بالفعلة الخاطئة. (٣)

(وَالْمُؤْتَفِكاتُ) : البصرة. و (بِالْخاطِئَةِ) : فلانة. (٤)

عن الباقر عليه‌السلام : (وَجاءَ فِرْعَوْنُ). يعني الثالث. (مَنْ قَبْلَهُ). يعني الأوّلين. (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) : أهل البصرة. (بِالْخاطِئَةِ) : عائشة. (٥)

[١٠] (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠))

(رابِيَةً) : شديدة زائدة كما زادت قبائحهم في القبح. يقال : ربا الشيء ، إذا زاد. (٦)

(رابِيَةً). وهي التي أربت على ما صنعوا. (٧)

[١١] (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١))

(حَمَلْناكُمْ) : حملنا آباءكم. (فِي الْجارِيَةِ) : سفينة نوح. لأنّهم إذا كانوا من نسل المحمولين الناجين ، كان حمل آبائهم منّة عليهم وكأنّهم هم المحمولون ، لأنّ نجاتهم سبب ولادتهم. (٨)

وقوله : (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام وأصحابه. (٩)

[١٢] (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢))

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٦٠٠.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٥١٥.

(٣) الكشّاف ٤ / ٦٠٠.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

(٥) تأويل الآيات ٢ / ٧١٤ ، ح ١.

(٦) الكشّاف ٤ / ٦٠٠.

(٧) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٥.

(٨) الكشّاف ٤ / ٦٠٠.

(٩) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

٢٠٤

(لِنَجْعَلَها). الضمير للفعلة وهي نجاة المؤمنين وإغراق الكافرين. (تَذْكِرَةً) : عظة وعبرة. (١)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعليّ عليه‌السلام عند نزول هذه الآية : سألت الله أن يجعلها أذنك يا عليّ. فما نسيت شيئا بعد وما كان لي أن أنسى. (٢)

ابن كثير : (وَتَعِيَها) بسكون العين مختلسا وهو بين الكسر والسكون. (٣)

[١٣] (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣))

(نُفِخَ فِي الصُّورِ) ـ الآية. يظهر من إرشاد المفيد برواية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها النفخة الثانية. (٤)

[١٤] (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤))

(حُمِلَتِ) ؛ أي : رفعت من أماكنها. (فَدُكَّتا) ؛ أي : كسرتا كسرة واحدة لا تثنى حتّى يستوي ما عليها من شيء مثل الأديم الممدود. (٥) (حسن)

[١٥] (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥))

(وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) ؛ أي : قامت القيامة. (٦) (حسن)

[١٦] (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦))

(وَانْشَقَّتِ السَّماءُ) ؛ أي : انفرجت بعضها من بعض. (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) ؛ أي : شديدة الضعف بانتقاض أبنيتها. وقيل : هو أنّ السماء ينشقّ بعد صلابتها فتصير بمنزلة الصوف في الوهي والضعف. (٧) (حسن)

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٦٠٠.

(٢) جوامع الجامع / ٥٠٦ ـ ٥٠٧.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٥١٨.

(٤) الإرشاد / ٧٣.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٠.

(٦) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٠.

(٧) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٠.

٢٠٥

[١٧] (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧))

(وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) أي : الخلق الذي يقال له الملك. وقوله : (وَالْمَلَكُ) أعمّ من الملائكة. لأنّ قولك : ما من ملك إلّا وهو شاهد ، أعمّ من قولك : ما من ملائكة. (أَرْجائِها) أي : أطرافها. يعني أنّها تنشقّ وهي مسكن الملائكة فينضوون إلى أطرافها. (ثَمانِيَةٌ) ؛ أي : ثمانية منهم. وهم اليوم أربعة ، فإذا كان يوم القيامة ، أيّدهم بأربعة أخرى. (١)

قال : حملة العرش ثمانية ؛ أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين. فأمّا الأربعة من الأوّلين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى. وأمّا الآخرين فمحمّد وعليّ والحسن والحسين عليهم‌السلام. يحملون العرش يعني العلم. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : حملة العرش ـ والعرش العلم ـ ثمانية ؛ أربعة منّا ، وأربعة ممّن شاء الله. (٣)

أقول : لا منافاة بين الأخبار ، بل ينبغي أن يقال : إنّ العرش بمعنى العلم يحمله هؤلاء الثمانية صلوات الله عليهم. والعرش بمعنى الجسم المحيط بالسموات ، تحمله الملائكة الثمانية. فإنّ العرش على ما ورد في الأخبار له معان كثيرة.

قال الشيخ : اعتقادنا في العرش أنّه جملة جميع الخلق. والعرش في وجه آخر هو العلم. وسئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٤) فقال عليه‌السلام : استوى من كلّ شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء. فأمّا العرش الذي هو جملة جميع الخلق ، فحملته ثمانية من الملائكة لكلّ واحد منهم ثمانية أعين كلّ عين طباق الدنيا. واحد منهم على صورة بني آدم يسترزق الله لولد آدم. وواحد منهم على صورة الثور يسترزق الله للبهائم. وواحد منهم على صورة الأسد يسترزق الله للسباع. وواحد منهم على صورة الديك يسترزق الله للطيور. فهم اليوم هؤلاء الأربعة. فإذا كان يوم القيامة ، صاروا ثمانية. وأمّا العرش الذي هو

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٦٠١ ـ ٦٠٢.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

(٣) الكافي ١ / ١٣٢ ، ح ٦.

(٤) طه (٢٠) / ٥.

٢٠٦

العلم فحملته أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين : إبراهيم وموسى ونوح وعيسى ومحمّد وعليّ والحسن والحسين عليهم‌السلام. (١) (م ح)

[١٨] (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨))

(لا تَخْفى). حمزة والكسائيّ : «لا يخفى» بالياء. والباقون : (تَخْفى) بالتاء. (٢)

(تُعْرَضُونَ). العرض عبارة عن المحاسبة والمساءلة. شبّه ذلك لعرض السلطان العسكر لتعرّف أحواله. (خافِيَةٌ) : سريرة وحالة كانت تخفى في الدنيا بستر الله عليكم. (٣)

[١٩] (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩))

(هاؤُمُ) ؛ أي : تعالوا. يقوله مسرورا لعلمه بأنّه ليس فيه إلّا الطاعات. (٤)

والهاء في (كِتابِيَهْ) للسكت. وكذلك في (حِسابِيَهْ) و (مالِيَهْ) و (سُلْطانِيَهْ). وحقّ هذه الهاءات أن تثبت في الوقف وتسقط في الوصل. وقد استحبّ إيثار الوقف إيثارا لثباتها في المصحف. وقيل : لا بأس بالوصل والإسقاط. (٥)

[٢٠] (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠))

(ظَنَنْتُ) ؛ أي : علمت وأيقنت في الدنيا (أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) فكنت أعمل بما أصل به إلى هذه المثوبة. والهاء لنظم رؤوس الآي وهي هاء الاستراحة. (٦)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : الظنّ ظنّان ؛ ظنّ شكّ ، وظنّ يقين. فما كان من أمر المعاد من الظنّ ، فهو يقين. وما كان من أمر الدنيا ، فهو ظنّ شكّ. (٧)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (إِنِّي ظَنَنْتُ) ؛ أي : تيقّنت. (٨)

__________________

(١) بحار الأنوار ٥٥ / ٧.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٥١٨.

(٣) الكشّاف ٤ / ٦٠٢.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٥١٨.

(٥) الكشّاف ٤ / ٦٠٢ ـ ٦٠٣.

(٦) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٠.

(٧) التوحيد / ٢٦٧ ، ح ٥.

(٨) الاحتجاج / ٢٤٤.

٢٠٧

قال الصادق عليه‌السلام : كلّ أمّة يحاسبها إمام زمانها. ويعرف الأئمّة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم. وهو قوله : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ). (١) وهم الأئمّة ؛ يعرفون كلّا بسيماهم فيعطوا أولياءهم كتابهم بيمينهم فيمرّوا إلى الجنّة بلا حساب ويعطوا أعداءهم كتابهم بشمالهم فيمرّوا إلى النار بلا حساب. فإذا نظر أولياؤهم في كتابهم يقولون لإخوانهم : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ). (٢)

[٢١] (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١))

(راضِيَةٍ) ؛ أي : حالة من العيش يرضاها. (٣)

(راضِيَةٍ) : منسوبة إلى الرضا. كالدارع والنابل. والنسبة نسبتان ؛ نسبة بالحرف ونسبة بالصيغة. أو جعل الفعل لها مجازا وهو لصاحبها. (٤)

(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ؛ أي : مرضيّة. فوضع الفاعل مكان المفعول. (٥)

[٢٢] (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢))

(عالِيَةٍ) : رفيعة القدر والمكان. (٦)

(عالِيَةٍ) : رفيعة المباني والقصور والأشجار. (٧)

[٢٣] (قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣))

(قُطُوفُها) ؛ أي : ثمارها. (دانِيَةٌ) ؛ أي : قريبة ممّن يتناولها. عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يدخل أحد الجنّة إلّا بجواز : بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله لفلان بن فلان. أدخلوه جنّة عالية قطوفها دانية. (٨)

__________________

(١) الأعراف (٧) / ٤٦.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٠.

(٤) الكشّاف ٤ / ٦٠٣.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

(٦) مجمع البيان ١٠ / ٥٢١.

(٧) الكشّاف ٤ / ٦٠٣.

(٨) مجمع البيان ١٠ / ٥٢١.

٢٠٨

[٢٤] (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤))

(كُلُوا وَاشْرَبُوا) ؛ أي : يقال لهم : كلوا واشربوا بما قدّمتم من أعمالكم الصالحة. (فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) ؛ أي : الماضية. يعني أيّام الدنيا. ويعني بقوله : (هَنِيئاً) أنّه ليس فيه ما يؤذي من إخراج بول ولا غائط. (١)

(هَنِيئاً) ؛ أي : أكلا هنيئا. [أو : هنئتم هنيئا] على المصدر. (فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) : أيّام الدنيا. قيل : أيّام الصيام. أي : كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله. (٢)

سأل يهوديّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أوّل ما يأكله أهل الجنّة إذا دخلوها ، قال : كبد الحوت. وشرابهم على أثر ذلك السلسبيل. (٣)

[٢٥ ـ ٢٦] (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦))

(كِتابَهُ بِشِمالِهِ). هذا حال أهل النار. وكتابه هو صحيفة أعماله. فيتمنّى أنّه لم يعط ذلك الكتاب لما يرى فيه من قبائح الأعمال التي يسودّ وجهه. (وَلَمْ أَدْرِ) أيّ شيء حسابي. لأنّه لا حاصل له في ذلك الكتاب والحساب. (٤)

(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ). قال : نزلت في معاوية. (٥)

[٢٧] (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧))

(يا لَيْتَها). أي الحالة التي هم فيها. (٦) وقيل : كناية عن الموتة الأولى ، و (الْقاضِيَةَ) القاطعة للحياة. أي : ليت الموتة الأولى التي متنا لم نحي بعدها. يتمنّى دوام الموت وأنّه لم يبعث للحساب. (٧)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٥٢١.

(٢) الكشّاف ٤ / ٦٠٣.

(٣) علل الشرائع / ٩٦ ، ح ٥.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٢.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

(٦) المصدر : الهاء في «لَيْتَها» كناية عن الحال التي هم فيها.

(٧) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٢.

٢٠٩

[الضمير في (لَيْتَها) للموتة. أي : يا ليت الموتة التي متّها (كانَتِ] الْقاضِيَةَ) ؛ أي : القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها ولم ألق ما ألقى. أو للحالة. أي : ليت هذه الحالة [كانت] الموتة التي قضت عليّ. لأنّه يرى تلك الحالة أبشع وأمرّ ممّا ذاقه من مرارة الموت فتمنّاه عندها. (١)

(يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ). يعني الموت. (٢)

[٢٨] (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨))

(ما أَغْنى عَنِّي) ؛ أي : ما دفع عنّي مالي من عذاب الله شيئا. (٣)

(ما أَغْنى عَنِّي). نفي أو استفهام على وجه الإنكار. (٤)

(مالِيَهْ). يعني ماله الذي جمعه. (٥)

[٢٩] (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩))

(سُلْطانِيَهْ) ؛ أي : حجّتي. يعني : ضلّ عنّي ما كنت أعتقده حجّة. وقيل : معناه : هلك عنّي تسلّطي وأمري ونهيي في الدنيا على ما كنت مسلّطا عليه فلا أمر لي ولا نهي. (٦)

عن ابن عبّاس : نزلت في أسود بن عبد الأسد. (٧)

[٣٠] (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠))

(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) ؛ أي : يقول الله للملائكة : أو ثقوه بالغلّ. وهو أن تشدّ إحدى يديه ورجليه إلى عنقه بجامعة. (٨)

[٣١] (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١))

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٦٠٣ ـ ٦٠٤.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٢.

(٤) الكشّاف ٤ / ٦٠٤.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

(٦) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٢.

(٧) الكشّاف ٤ / ٦٠٤. وفيه : عبد الأشد.

(٨) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٢.

٢١٠

(ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ). ثمّ أدخلوه النار العظيمة وأصلوه إيّاها. (١)

[٣٢] (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢))

(ذَرْعُها) ؛ أي : طولها. (فَاسْلُكُوهُ) ؛ أي : اجعلوه فيها. لأنّه يدخل عنقه فيها ثمّ يجرّ بها. وقيل : إنّها تدخل في فيه وتخرج من دبره. فيكون المعنى : ثمّ اسلكوا السلسلة فيه ، فقلب. قيل : كلّ ذراع سبعون باعا. والباع أبعد ممّا بين الكوفة إلى مكّة. ولو أنّ حلقة منها وضعت على جبل ، لذاب من حرّها. (٢)

(سَبْعُونَ ذِراعاً). جعلها سبعين ذراعا إرادة الوصف بالطول. كما قال : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً). (٣) يريد مرّات كثيرة. ومعنى (ثُمَّ) تفاوت المراتب لا تراخي الزمان. (٤)

(فِي سِلْسِلَةٍ). قال : يعني بالسلسلة السبعين ذراعا في الباطن الجبابرة السبعون. (٥)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : بينا [أنا] وأبي متوجّهان إلى مكّة وأبي قد تقدّمني ـ في موضع يقال له ضجنان ـ إذ جاء رجل في عنقه سلسلة يجرّها فقال لي : اسقني. فصاح بي أبي : لا تسقه. لا سقاه الله! وكان معه رجل فجذبه وطرحه في أسفل درك من النار. (٦) وكان ذلك المغلول معاوية لعنه الله.

[٣٣] (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣))

(بِاللهِ الْعَظِيمِ) شأنه ؛ أي : لم يكن يوحّد الله في دار التكليف. (٧)

[٣٤] (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤))

(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ). يعني كان يمنع الزكاة والحقوق الواجبة. (٨)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٢.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٢ ـ ٥٢٣.

(٣) التوبة (٩) / ٨٠.

(٤) الكشّاف ٤ / ٦٠٥.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

(٦) بصائر الدرجات / ٣٠٥ ، ح ٢.

(٧) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٣.

(٨) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٣.

٢١١

(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ). قال : حقوق آل محمّد عليهم‌السلام التي غصبوها. (١)

وفي قوله : (وَلا يَحُضُّ) دليلان قويّان على عظم جرم حرمان المسكين : أحدهما عطفه على الكفّار. والثاني ذكر الحضّ دون الفعل. (٢)

[٣٥ ـ ٣٦] (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦))

(حَمِيمٌ) ؛ أي : صديق ينفعه. (غِسْلِينٍ). وهو صديد أهل النار. وقيل : إنّ أهل النار طبقات. فمنهم من طعامه الغسلين. ومنهم من طعامه الزقّوم. ومنهم من طعامه الضريع. ويجوز أن يكون المراد : وليس لهم طعام إلّا من ضريع ولا شراب إلّا من غسلين. كقول الشاعر : (علفتها تبنا وماء باردا) أي : وسقيتها ماء باردا. (٣)

(مِنْ غِسْلِينٍ). قال : عرق الكفّار. (٤)

والغسلين : غسالة أهل النار وما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم. فعلين من الغسل. (٥)

[٣٧] (لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧))

(لا يَأْكُلُهُ) ؛ أي : لا يأكل هذا الغسلين (إِلَّا الْخاطِؤُنَ). وهم الجائرون عن الحقّ عامدين. والفرق بين الخاطئ والمخطئ أنّ المخطئ قد يكون من غير تعمّد والخاطئ المذنب المتعمّد. (٦)

والخاطئون : الآثمون أصحاب الخطايا. وهم المشركون. [عن ابن عبّاس]. ويجوز أن يراد الذين يتخطّون الحقّ إلى الباطل. (٧)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

(٢) الكشّاف ٤ / ٦٠٥.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٣.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

(٥) الكشّاف ٤ / ٦٠٦.

(٦) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٣.

(٧) الكشّاف ٤ / ٦٠٦.

٢١٢

[٣٨ ـ ٤٠] (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠))

(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ) ـ الآية. قيل فيه وجوه : أحدها : أن يكون قوله : (لا) ردّا لكلام المشركين. فكأنّه قيل : ليس الأمر كما يقول المشركون. أقسم بالأشياء كلّها ما يبصرون منها وما لا يبصرون ـ ويدخل فيها جميع المكوّنات ـ (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ). يعني محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله. وثانيها : انّ لا مزيدة مؤكّدة. أي : فأقسم بما ترون وما لا ترون إنّه لقول رسول كريم. وثالثها : انّه نفي للقسم. أي : لا يحتاج إلى القسم لوضوح الأمر أنّه قول رسول كريم. فإنّه أظهر من أن يحتاج إلى قسم في إثباته. ورابعها : انّه كقول القائل : [لا] والله لا أفعل ذلك. ولا والله لأفعلنّ ذلك. وقال الجبّائيّ : إنّما يراد أنّه لا يقسم بالأشياء المخلوقات ما يرى وما لا يرى وإنّما يقسم بربّها. لأنّ القسم لا يجوز إلّا بالله. (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [قال :] وهو قول الله على الحقيقة ، ولكن [الملك و] جبرئيل والرسول يحكون ذلك فلذلك أسنده إليهم. والرسول الكريم جبرئيل. والكريم : الجامع الخصال الخير. (١)

[٤١ ـ ٤٢] (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢))

(بِقَوْلِ شاعِرٍ). قول الشاعر ما ألّفه بوزن وجعله مقفّى. وقول الكاهن السجع. طهّره الله من الشعر والكهانة لأنّ الغالب من حال الشعر أن يدعو إلى الهوى. (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) ؛ أي : لا تصدّقون بأنّ القرآن من عند الله. ويريد بالقليل نفي إيمانهم أصلا. أي لا يؤمنون به ولا يتذكّرون فيعلموا أنّه إعجاز ويفصّلوا بين الشعر والكهانة وبينه. (قَلِيلاً) في الموضعين صفة لمصدر محذوف. و (ما) مزيدة. أي : إيمانا وتذكّرا قليلا. ويجوز أن يكون صفة لظرف محذوف. أي : وقتا قليلا. ابن كثير ويعقوب : «يؤمنون» و «يذكرون» بالياء. والباقون بالتاء خطابا للكفّار. (٢)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٥.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٥ و ٥٢٤.

٢١٣

[٤٣] (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣))

(مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ). بيّن أنّه منزّل من عنده على لسان جبرئيل حتّى لا يتوهّم أنّه كلام جبرئيل. (١)

[٤٤ ـ ٤٥] (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥))

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لمّا أخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ عليه‌السلام فأظهر ولايته ، قالا جميعا : والله ما هذا من تلقاء الله. وإنّما هو من نفسه. أراد أن يشرّف به ابن عمّه. فأنزل الله : (وَلَوْ تَقَوَّلَ) ـ الآية. (مُكَذِّبِينَ). يعني فلانا وفلانا. (٢)

(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا) محمّد ؛ أي : لو تكلّف القول وأتى به من عند نفسه. (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) على وجه الإذلال. أو : لقطعنا يده اليمنى ، فتكون الباء زائدة. أو : لأخذنا منه بالقوّة والقدرة. أي : لأخذناه ونحن قادرون عليه مالكون له. و [إنّما أقام](٣) اليمين مقام القوّة والقدرة ، لأنّ قوّة كلّ شيء في ميامنه. (٤)

(لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) ؛ أي : لو ادّعى علينا شيئا لم نقله ، لقتلناه صبرا كما يفعل الملوك بمن يكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام. فصوّر قتل الصبر بصورته ليكون أهول ؛ وهو أن يؤخذ بيده وتضرب عنقه. وخصّ اليمين عن اليسار ، لأنّ القتّال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف ـ وهو أشدّ على المصبور لنظره إلى [السيف] ـ أخذ بيمينه. ومعنى (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) : لأخذنا يمينه ، كما أنّ قوله : (لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) : لقطعنا وتينه. (٥)

[٤٦] (ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦))

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٥.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ٢٦٩ ، ح ٦٤.

(٣) في النسخة : «قال الزجّاج لأخذنا منه» بدل ما بين المعقوفتين.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٥ ـ ٥٢٦.

(٥) الكشّاف ٤ / ٦٠٧.

٢١٤

(الْوَتِينَ) ؛ أي : ولكنّا نقطع وتينه ونهلكه. وهو عرق في القلب متّصل بالظهر ومنه حبل القلب. (١)

الوتين : عرق في الظهر يكون منه الولد. (٢)

[٤٧] (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧))

(حاجِزِينَ) ؛ أي : فما منكم أحد يحجزنا عنه. يعني أنّه لو تكلّف الكذب لأجلكم ، لعاقبناه ثمّ لم تقدروا على دفع عقوبتنا عنه. (٣)

وقيل : (حاجِزِينَ) في وصف (أَحَدٍ). لأنّه في معنى الجماعة وهو اسم يقع في النفي العامّ مستويا فيه الواحد والجمع والمذكّر والمؤنّث. ومنه قوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ»)(٤) الضمير في (عَنْهُ) للقتل أو للرسول عليه‌السلام. (٥)

[٤٨] (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨))

(وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ) ؛ أي : القرآن عظة لمن اتّقى عقاب الله. (٦)

[٤٩] (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩))

(مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) أي بالقرآن ، وبعضكم يصدّقه. (٧)

[٥٠] (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠))

[٥١] (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١))

(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ). والحقّ هو اليقين ، وإنّما أضافه إلى نفسه ـ كما يقال مسجد الجامع ـ

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٦.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٤.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٦.

(٤) البقرة (٢) / ٢٨٥.

(٥) الكشّاف ٤ / ٦٠٦.

(٦) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٦.

(٧) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٦.

٢١٥

لاختلاف اللّفظ. (١)

[٥٢] (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢))

(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ) ؛ أي : نزّهه عمّا لا يجوز عليه من الصفات. (٢)

عن الكاظم عليه‌السلام : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) يعني جبرئيل عن الله في ولاية عليّ عليه‌السلام. (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ). قالوا : إنّ محمّدا كذب على ربّه وما أمره الله بهذا في عليّ. فقال : إنّ ولاية عليّ (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ). وإنّ ولاية عليّ (لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ). وإنّ عليّا (لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ). وإنّ ولايته (لَحَقُّ الْيَقِينِ). (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) ؛ أي : اشكر ربّك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل. (٣)

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٦.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٥٢٦.

(٣) الكافي ١ / ٤٣٣ ، ح ٩١.

٢١٦

٧٠.

سورة المعارج

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من أكثر من قراءة سأل سائل ، لم يسأله الله يوم القيامة عن ذنب عمله وأسكنه الجنّة مع محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (١)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها ، أعطي ثواب الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلاتهم يحافظون. (٢)

المعارج : من قرأها ، أمن من الاحتلام والأحلام المفزعة وحفظ إلى أن يصبح. (٣)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١))

عن الصادق عليه‌السلام : لمّا نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام يوم غدير [خمّ] طار ذلك في البلاد. فقدم النعمان بن الحارث على النبيّ فقال : أمرتنا بالشهادة والرسالة والحجّ والجهاد ففعلنا. ثمّ لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام فقلت : من كنت مولاه فعليّ مولاه! فهذا شيء منك أو من الله؟ فقال : من الله. فولّى النعمان وهو يقول : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) ـ الآية. (٤) فلمّا خرج من المدينة ، رماه الله بحجر على رأسه فقتله. فأنزل الله : (سَأَلَ سائِلٌ). أهل المدينة : (سَأَلَ) بغير همز. (بِعَذابٍ). الباء تتعلّق بسأل. لأنّ معناه : دعا داع بعذاب. وقيل : الباء بمعنى عن. وهذا هو النضر بن الحارث دعا على نفسه بعذاب واقع مستعجلا له. ومن قرأ بالألف من سال يسيل ، فهو على لغة قريش ومعناه معنى المهموز. وقيل : سائل اسم واد في جهنّم سمّى به

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٤٧ ، ح ١.

(٢) المصباح / ٥٩٥.

(٣) المصباح / ٦١٢.

(٤) الأنفال (٨) / ٣٢.

٢١٧

لأنّه يسيل بالعذاب. (١)

[٢ ـ ٣] (لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣))

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ) بولاية أمير المؤمنين. هكذا نزل بها جبرئيل ـ والله ـ على محمّد. (٢)

(لَيْسَ لَهُ دافِعٌ* مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ) ؛ أي : ليس له دافع من الله بل وقوعه واجب لاقتضاء الحكمة. [وذي المعارج صفة الله سبحانه. وقيل : فيه وجوه. أحدها ... وثانيها أنّها معارج السماء ، أي مواضع](٣) عروج الملائكة. ومنه ليلة المعراج لأنّه عرج بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء. (٤)

(ذِي الْمَعارِجِ) : ذي المصاعد ، وهي الدرجات التي يصعد فيها الكلم الطيّب والعمل الصالح أو يترقّى فيها المؤمنون في سلوكهم أو في دار ثوابهم. (٥)

[٤] (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤))

(تَعْرُجُ). الكسائيّ : «يعرج» بالياء. والروح هو جبرئيل. خصّه بالذكر تشريفا له. (إِلَيْهِ) ؛ أي : إلى الموضع الذي لا يجري لأحد سواه فيه حكم. جعل الله عروجهم إلى ذلك الموضع عروجا إليه. (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ). اختلف في معناه. فقيل : تعرج الملائكة إلى الموضع الذي يأمرهم الله في يوم كان مقداره من عروج غيرهم خمسين ألف سنة. وذلك من أسفل الأرضين إلى فوق السموات السبع. والمراد أنّ الآدميّين لو احتاجوا إلى [قطع] هذا المقدار الذي قطعته الملائكة في يوم واحد ، لقطعوه في هذه المدّة. وقيل : إنّه يعني يوم القيامة وأنّه يفعل فيه [من] الأمور ويقضي [فيه] من الأحكام بين العباد ما لو فعل في الدنيا ، لكان

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٥٣٠ و ٥٢٨ ـ ٥٢٩.

(٢) الكافي ١ / ٤٢٢ ، ح ٤٧.

(٣) في النسخة : «أو معارج السماء موضع» بدل ما بين المعقوفتين.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٥٣٠.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٢٥.

٢١٨

مقداره خمسين ألف سنة. روى أبو سعيد الخدريّ قال : قيل : يا رسول الله ، ما أطول هذا اليوم! فقال : والذي نفس محمّد بيده ، إنّه ليخفّ على المؤمن حتّى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا. وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لو ولي الحساب غير الله ، لمكثوا فيه خمسين ألف سنة من قبل أن يفرغوا. والله يفرغ من ذلك في ساعة. وعنه عليه‌السلام : لا ينتصف ذلك اليوم حتّى يقبل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار. وقيل : معناه : انّ أوّل نزول الملائكة في الدنيا بأمره ونهيه إلى آخر خروجهم إلى السماء ـ وهو القيامة ـ هذه المدّة. فيكون مقدار الدنيا خمسين ألف سنة لا يدرون كم مضى وكم بقي وإنّما يعلمها الله. (١)

(تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) في صبح ليلة القدر من عند النبيّ والوصيّ عليهما‌السلام. (٢)

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّ النبيّ عرج به في ملكوت السموات مسيرة خمسين ألف عام في أقلّ من ثلث ليلة حتّى انتهى إلى ساق العرش. (٣)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : انّ للقيامة خمسين موقفا كلّ موقف مقدار ألف سنة. ثمّ تلا : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ) ـ الآية. (٤)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : لو ولي الحساب ـ (٥) وقد مرّ من مجمع البيان آنفا.

(تَعْرُجُ). استئناف لبيان ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على التمثيل والتخييل. والمعنى أنّها [بحيث] لو قدّر قطعها في زمان لكان في زمان [يقدّر] خمسين ألف سنة من سني الدنيا. وقيل : معناه : تعرج الملائكة والروح إلى عرشه في يوم كان مقداره كمقدار خمسين ألف سنة من حيث إنّهم يقطعون فيه ما يقطعه الإنسان فيها لو فرض. لأنّ ما بين أسفل العالم وأعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة. لأنّ ما بين مركز الأرض ومعقّر سماء الدنيا ـ على ما قيل ـ مسيرة خمسمائة عام وثخن كلّ واحد من السموات السبع والعرش والكرسيّ كذلك. وحيث قال : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ)(٦) يريد به زمان عروجهم من

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٥٣٠ ـ ٥٣١.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٦.

(٣) الاحتجاج / ٢٢٠.

(٤) الكافي ٨ / ١٤٣ ، ح ١٠٨.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٥٣١.

(٦) السجدة (٣٢) / ٥.

٢١٩

الأرض إلى محدّب سماء الدنيا. وقيل : (فِي يَوْمٍ) متعلّق بواقع أو سأل إذا جعل من السيلان. والمراد به يوم القيامة واستطالته إمّا لشدّته على الكفّار ، أو لكثرة ما فيه من الحالات والمحاسبات ، أو لأنّه على الحقيقة كذلك. قيل : فيه خمسون موطنا كلّ موطن ألف سنة. وما قدر ذلك على المؤمن إلّا كما بين الظهر والعصر. (١)

[٥] (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥))

(فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً). متعلّق بسأل سائل. لأنّ استعجال النضر بالعذاب إنّما كان على وجه الاستهزاء برسول الله وكان ذلك ممّا يضجر منه رسول الله ، فأمر بالصبر عليه. ومن قرأ : (سَأَلَ سائِلٌ) فمعناه : جاء العذاب لقرب وقوعه. فاصبر ؛ فقد شارفت الانتقام. (٢)

(فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) لتكذيب من كذّب أنّ ذلك يكون. (٣)

[٦ ـ ٧] (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧))

والضمير في (يَرَوْنَهُ) للعذاب الواقع أو ليوم القيامة فيمن علّق (فِي يَوْمٍ) بواقع. أي : يستبعدونه على جهة الإحالة ونحن نراه قريبا هيّنا في قدرتنا. فالمراد من البعيد البعيد من الإمكان وبالقريب [القريب] منه. (٤)

[٨] (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨))

(يَوْمَ تَكُونُ). منصوب بقريبا. أي يمكن ولا يتعذّر في ذلك اليوم. (كَالْمُهْلِ) : كدرديّ الزيت أو الفضّة المذابة في تلوّنها. (٥)

(كَالْمُهْلِ). قال : الرصاص الذائب والنحاس. كذلك تذوب السماء. (٦)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٢٥ ـ ٥٢٦ ، والكشّاف ٤ / ٦٠٩.

(٢) الكشّاف ٤ / ٦٠٩.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٦.

(٤) الكشّاف ٤ / ٦٠٩.

(٥) الكشّاف ٤ / ٦٠٩.

(٦) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٨٦.

٢٢٠