عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-30-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٥١٨

٦٤.

سورة التغابن

من قرأها ودخل على حاكم ، كفيه. (١)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ التغابن في فرائضه ، كانت شفيعة [له] يوم القيامة وشاهد عدل عند من يجيز شهادتها ، ثمّ لا تفارقه حتّى يدخل الجنّة. (٢)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١))

تسبيح المكلّفين بالقول. وتسبيح الجمادات بالدلالة. (لَهُ الْمُلْكُ) دون غيره. والألف واللّام للاستغراق. (٣)

[٢] (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢))

(فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ؛ أي : انقسمتم قسمين. [ولا يجوز حمله على أنّ](٤) الله خلقهم مؤمنين وكافرين. لأنّه أضاف الكفر والإيمان إليهم وإلى فعلهم. (بِما تَعْمَلُونَ) من الكفر والإيمان (بَصِيرٌ) فيجازيكم عليه. (٥)

(فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ؛ أي : فمنكم آت بالكفر فاعل له ، ومنكم آت بالإيمان فاعل

__________________

(١) المصباح / ٦١٢.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٤٤٦.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٤٤٧.

(٤) في النسخة : «لأنّ» بدل ما بين المعقوفتين.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٤٤٧.

١٤١

له. كقوله : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ). (١) والدليل عليه : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ؛ أي : عالم بكفركم وإيمانكم اللّذين هما من عملكم. والمعنى : هو الذي تفضّل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد ، فيجب أن تكونوا بأجمعكم عبادا شاكرين. فما فعلتم مع تمكّنكم بل تفرّقتم فرقا فمنكم كافر ومنكم مؤمن. وقدّم الكفر لانّه الأغلب والأكثر. وقيل : هو الذي خلقكم. فمنكم كافر بالخلق وهو الدهريّة. ومنكم مؤمن به. فإن قلت : نعم ، إنّ العباد هم الفاعلون للكفر ، ولكن سبق في علم الحكيم أنّه إذا خلقهم لم يفعلوا إلّا الكفر ولم يختاروا غيره. فما دعاه إلى خلقهم مع علمه بما يكون منهم؟ وهل خلق القبيح وخلق فاعل القبيح إلّا واحد؟ وهل مثله إلّا مثل من وهب سيفا باترا لمن شهر بقطع السبيل وقتل النفس المحرّمة فقتل به مؤمنا؟ أما يطبق العقلاء على ذمّ الواهب كما يذمّون القاتل؟ قلت : قد علمنا أنّ الله عليم حكيم بقبح القبيح عالم بغناه عنه. فقد علمنا أنّ أفعاله كلّها حسنة. وخلق فاعل القبيح فعله ، فوجب أن يكون له وجه حسن. وخفاء وجه الحسن علينا لا يقدح في حسنه ؛ كما لا يقدح في حسن أكثر مخلوقاته جهلنا بداعي الحكمة إلى خلقها. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) فقال : عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بها يوم أخذ الميثاق عليهم في صلب آدم عليه‌السلام وهم ذرّ. (٣)

[٣] (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣))

(بِالْحَقِّ) ؛ أي : العدل وإحكام الصنعة وصحّة التقدير. (٤)

(بِالْحَقِّ) ؛ أي : الغرض الصحيح ، وهو أن جعلها مقارّ المكلّفين ليعملوا فيجازيهم. (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ). هو أن جعلهم أحسن الحيوان كلّها ؛ بدليل أنّ الإنسان لا يتمنّى أن يكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور. فإن قلت : فكم من دميم مشوّه الصورة

__________________

(١) الحديد (٥٧) / ٢٦.

(٢) الكشّاف ٤ / ٥٤٦.

(٣) الكافي ١ / ٤١٣ ، ح ٤.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٤٤٧.

١٤٢

سمج الخلقة. قلت : لا سماجة ، ولكنّ الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب. فلانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقها انحطاطا بيّنا وإضافتها إلى الموفى عليها لا تستملح وإلّا فهي داخلة في حيّز الحسن غير خارجة من حدّه. وقالت الحكماء : شيئان لا غاية لهما : الجمال والبيان. (١)

[٤] (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤))

(بِذاتِ الصُّدُورِ) ؛ أي : بأسرار الصدور وبواطنها. (٢)

[٥] (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥))

(وَبالَ أَمْرِهِمْ) ؛ أي : عاقبة كفرهم من العذاب بالإهلاك والاستئصال. (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) يوم القيامة. (٣)

(كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ). كقوم نوح وعاد وصالح. (وَبالَ أَمْرِهِمْ) : ضرر كفرهم في الدنيا. وأصله : الثقل. ومنه الوبيل لطعام يثقل على المعدة. والوابل : المطر الثقيل الأقطار. (٤)

[٦] (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦))

(ذلِكَ) ؛ أي : المذكور من الوبال والعذاب (بِأَنَّهُ) : بسبب أنّ الشأن. (٥)

(ذلِكَ) ؛ أي : العذاب الذي نالهم في الدنيا والذي ينالهم في الآخرة. (بِالْبَيِّناتِ) ؛ أي : المعجزات. (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا). لفظه واحد والمراد به الجمع. أي : أخلق مثلنا يهدوننا إلى الحقّ ويدعوننا إلى غير دين آبائنا؟ استصغارا منهم للبشر أن يكونوا رسلا من الله ، استكبارا و

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٥٤٦ ـ ٥٤٧.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٤٤٨.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٤٤٨.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٩٨.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٩٨.

١٤٣

أنفة من اتّباعهم. (وَاسْتَغْنَى اللهُ) عن طاعة عباده وإنّما كلّفهم لنفعهم لا لحاجته إليهم. وقيل : معناه : واستغنى الله بما أظهر لهم من البرهان وأوضحه من البيان عن زيادة تدعو إلى الرشد وتهدي إلى الإيمان. (وَاللهُ غَنِيٌّ) عن أعمالكم مستحمد إليكم بما ينعم به عليكم. (١)

(أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا). أنكروا أن يكون الرسل بشرا ولم ينكروا أن يكون الله حجرا! (وَاسْتَغْنَى اللهُ). أطلق ليتناول كلّ شيء ومن جملته إيمانهم وطاعاتهم. فإن قلت : قوله : (وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ) يوهم وجود التولّي والاستغناء معا. والله تعالى لم يزل غنيّا. قلت : معناه : وظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان ولم يضطرّهم إليه مع قدرته على ذلك. (٢)

عن العبد الصالح عليه‌السلام قال : (الْبَيِّناتِ) هم الأئمّة عليهم‌السلام. (٣)

[٧] (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧))

(لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ) ؛ أي : لتحاسبنّ بأعمالكم. (٤)

(زَعَمَ الَّذِينَ). الزعم ادّعاء العلم. ومنه قوله عليه‌السلام : زعموا مطيّة الكذب. و (الَّذِينَ كَفَرُوا) أهل مكّة. (٥)

[٨] (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨))

(وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا). وهو القرآن. (٦)

عن أبي خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) قال : يا أبا خالد ، النور ـ والله ـ الأئمّة من آل محمّد عليهم‌السلام إلى يوم القيامة. وهم ـ والله ـ نور الله في السموات وفي

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٤٤٩.

(٢) الكشّاف ٤ / ٥٤٧.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٧٢.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٤٥٠.

(٥) الكشّاف ٤ / ٥٤٨.

(٦) مجمع البيان ١٠ / ٤٥٠.

١٤٤

الأرض. والله لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار. وهم ـ والله ـ ينوّرون قلوب المؤمنين. ويحجب الله نورهم عن من يشاء فتظلم قلوبهم. (١)

[٩] (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩))

(يَجْمَعُكُمْ). يعقوب بالنون. (٢)

(لِيَوْمِ الْجَمْعِ). وهو يوم القيامة. (يَوْمُ التَّغابُنِ). تفاعل من الغبن وهو أخذ خير وترك شرّ أو بالعكس. فالمؤمن ترك حظّه من الدنيا وأخذ حظّه من الآخرة ، والكافر بالعكس ، فكان المؤمن غابنا والكافر مغبونا. وقيل : يوم التغابن غبن أهل الجنّة أهل النار. وقد روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في تفسير هذا : ما من عبد مؤمن يدخل الجنّة إلّا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا. وما من عبد يدخل النار إلّا أري مقعده من الجنّة لو أحسن ليزداد حسرة. (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ). أهل المدينة وابن عامر : نكفر عنه و «ندخله» بالنون. (٣)

(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ). منصوب بقوله : (لَتُنَبَّؤُنَّ) أو بخبير لما فيه من معنى الوعيد. كأنّه قال : والله معاقبكم يوم يجمعكم. (التَّغابُنِ). مستعار من تغابن القوم في التجارة ـ وهو أن يغبن بعضهم بعضا ـ لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء. (وَيَعْمَلْ صالِحاً) ؛ أي : عملا صالحا. (٤)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (يَوْمُ التَّغابُنِ) يوم يغبن أهل الجنّة أهل النار. (٥)

__________________

(١) الكافي ١ / ١٩٤ ، ح ١.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٩٩.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٤٥٠ و ٤٤٩.

(٤) الكشّاف ٤ / ٥٤٨ ـ ٥٤٩.

(٥) معاني الأخبار / ١٥٦ ، ح ١.

١٤٥

[١٠] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠))

(الْمَصِيرُ) ؛ أي : المرجع. (١)

[١١] (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١))

(مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ). المصيبة : المضرّة التي يلحقها صاحبها. وإنّما عمّ ذلك سبحانه ـ وإن كان في المصائب ما هو ظلم وهو سبحانه لا يأذن بالظلم ـ لأنّه ليس منها إلّا ما أذن الله في وقوعه والتمكّن منه ، وذلك إذن للملك الموكّل به. وقيل : لا يمنع من وقوع هذه المصيبة وقد يكون ذلك بفعل التمكين من الله فكأنّه يأذن له أن يكون. وقيل : معناه : إلّا بتخلية الله بينكم وبين من يريد فعلها. وقيل : إنّه خاصّ فيما يفعله الله ويأمر به. وقيل : معناه : إلّا بعلم الله. أي إنّه تعالى عالم بها. (يُؤْمِنْ بِاللهِ) ؛ أي : بتوحيد الله ويصبر لأمر الله عند نزول المصيبة. (يَهْدِ قَلْبَهُ) للاسترجاع حتّى يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون. عن ابن عبّاس. وقيل : معناه : يهد قلبه فإن ابتلي صبر وإن أعطي شكر وإن ظلم غفر. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ القلب ليترجّح (٣) فيما بين الصدر والحنجرة حتّى يعقد على الإيمان. فإذا عقد على الإيمان قرّ. وذلك قول الله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) ـ الآية. (٤)

(عَلِيمٌ) : يعلم ما يؤثّر فيه اللّطف من القلوب ممّا لا يؤثّر فيه فيمنحه ويمنعه. (٥)

[١٢] (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢))

(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) : فليس عليه إذ تولّيتم إلّا تبليغ الرسالة وقد فعل. لأنّه لم يكتب عليه

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٤٥٠.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(٣) المصدر : ليترجّج.

(٤) الكافي ٢ / ٤٢١ ، ح ٤.

(٥) الكشّاف ٤ / ٥٤٩.

١٤٦

طاعتكم وإنّما كتب عليه أن يبلّغ. (١)

[١٣] (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣))

[١٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤))

(وَإِنْ تَعْفُوا) عنهم إذا اطّلعتم عليهم وعلى عداوتهم ولم تقابلوهم بمثلها. وقيل : إنّ ناسا أرادوا الهجرة من مكّة فثبّطهم أزواجهم وأولادهم وقالوا : تنطلقون وتضيّعوننا؟

فرقّوا لهم ووقفوا. فلمّا هاجروا بعد ذلك ورأوا الذين سبقوهم قد تفقّهوا في الدين ، أرادوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم فزيّن لهم العفو. وقيل : قالوا لهم : أين تذهبون وتدعون بلدكم وعشيرتكم وأموالكم؟ فغضبوا عليهم وقالوا : لئن جمعنا الله في دار الهجرة ، لم نصبكم بخير. فلمّا قدموا ، منعوهم الخير. فحثّوا أن يعفوا عنهم ويؤدّوا إليهم البرّ والصلة. (٢)

(إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ) ـ الآية. لأنّ من الأزواج من يتمنّى موت الزوج ومن الأولاد من يتمنّى موت الوالد ليرث ماله. وكذلك [يكون] من يحملك على معصية الله لمنفعة نفسه. (٣)

[١٥] (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥))

(فِتْنَةٌ) ؛ أي : بلاء ومحنة. لأنّهم يوقعون في الإثم والعقوبة. وفي الحديث : يؤتى برجل يوم القيامة فيقال : أكل عياله حسناته. وعن بعض السلف : العيال سوس الطاعات. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما‌السلام وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان. فنزل إليهما فأخذهما ووضعهما في حجره على المنبر فقال : صدق الله. (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ). رأيت هذين الصبيّين فلم أصبر عنهما. ثمّ أخذ على خطبته. (٤)

وقال عليه‌السلام : لا يقولنّ أحدكم : اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة. لأنّه ليس أحد إلّا وهو

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٤٥٢ ، والكشّاف ٤ / ٥٤٩.

(٢) الكشّاف ٤ / ٥٥٠.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٤٥٢.

(٤) الكشّاف ٤ / ٥٥٠.

١٤٧

مشتمل على فتنة. ولكن من استعاذ ، فليستعذ من مضلّات الفتن. فإنّ الله يقول : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ) ـ الآية. (١)

[١٦] (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦))

(مَا اسْتَطَعْتُمْ) ؛ أي : جهدكم ووسعكم. (خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ). نصب بمحذوف تقديره : ائتوا خيرا لأنفسكم وافعلوا ما هو خير لها. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه كان يطوف من أوّل اللّيل إلى الصباح وهو يقول : اللهمّ قني شحّ نفسي. فقلت : جعلت فداك ؛ ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء! قال : وأيّ شيء أشدّ من الشحّ؟ إنّ الله يقول : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). (٣)

قال الصادق عليه‌السلام : من أدّى الزكاة ، فقد وقي شحّ نفسه. (٤)(فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

[١٧ ـ ١٨] (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))

(يُضاعِفْهُ لَكُمْ) ؛ أي : يعطي بدله أضعاف ذلك من واحد إلى سبعمائة إلى ما لا يتناهى. (وَاللهُ شَكُورٌ) ؛ أي : مثيب مجاز على الشكر. (٥)

__________________

(١) نهج البلاغة / ٤٨٣ ـ ٤٨٤ ، الحكمة ٩٣.

(٢) الكشّاف ٤ / ٥٥٠ ـ ٥٥١.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٤٥٣.

(٥) مجمع البيان ١٠ / ٤٥٣.

١٤٨

٦٥.

سورة الطلاق

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها ، مات على سنّة النبيّ. (١)

وعن الصادق عليه‌السلام : من قرأها مع التحريم في فرائضه ، أعيذ يوم القيامة من الخوف والحزن والنار ـ الخبر. (٢)

الطلاق : إذا كتبت [على] شقفة نيّة وسحقت ورميت في بيت أو رشّ ماؤها في موضع ، لم يسكن. وإن رشّ في موضع مسكون ، أثار القتال والبغضاء وربما كان الفراق. (٣)

من قرأ سورة الطلاق والتحريم في فرائضه ، أعيذ من أن يكون يوم القيامة ممّن يخاف أو يحزن وعوفي من النار وأدخله الله الجنّة بثواب تلاوته إيّاهما ومحافظته عليهما. لأنّهما للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٤)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١))

(إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) ؛ أي : إذا أردتم طلاق النساء. (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ). [ذلك] بأن

__________________

(١) المصباح / ٥٩٤.

(٢) المصباح / ٥٩٤.

(٣) المصباح / ٦١٢.

(٤) ثواب الأعمال / ١٤٦ ، ح ١.

١٤٩

يطلّقها في طهر لم يجامعها فيه. عن ابن عبّاس. فهذا هو الطلاق للعدّة ، لأنّها تعتدّ بذلك الطهر والعدّة بعد الطلاق. فالمعنى : طلّقوهنّ لطهرهنّ الذي يحصينه من عدّتهنّ ولا تطلّقوهنّ لحيضهنّ الذي لا يعتدّون به من قروئهنّ. فعلى هذا يكون العدّة الطهر على ما ذهب إليه أصحابنا ، وهو مذهب الشافعيّ. وقيل : المعنى : قبل عدّتهنّ ؛ أي : في طهر لم يجامعها فيه والعدّة الحيض. كما يقال : توضّأت للصلاة. وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه. وقيل : إنّ اللّام للسبب. فكأنّه قيل : فطلّقوهنّ ليتعددن. وهذا الحكم للمدخول بها. لأنّه قبل المسيس إذا طلّقها لا عدّة عليها. كما قال في سورة الأحزاب : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها). (١) وظاهر الآية يقتضي أنّه إذا طلّقها في الحيض أو في طهر قد جامعها فيه ، لا يقع الطلاق وإنّ الأمر يقتضي الإيجاب كما قاله أصحابنا الشيعة. وقال باقي الفقهاء : يقع الطلاق وإن كان بدعة وخلاف المأمور به. وكذلك إن جمع بين التطليقات ، فإنّه بدعة عند أبي حنيفة وإن كانت واقعة. وعند المحقّقين من أصحابنا تقع واحدة عند حصول الشرائط. (وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) فيما أمركم. (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) في زمان العدّة. لا يجوز أن تخرج المطلّقة من مسكنه الذي كان يسكنها فيه قبل الطلاق. وعلى المرأة أيضا ألّا تخرج في عدّتها إلّا لضرورة. فإن خرجت أثمت. وعن النبيّ وعليّ بن الحسين وجعفر بن محمّد عليهم‌السلام فطلقوهن في قبل عدتهن» (بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ؛ أي : ظاهرة. قيل : إنّها الزنى ؛ تخرج لإقامة الحدّ عليها. وقيل : هي البذاء على أهله فيحلّ لهم إخراجها. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام. وعن الرضا عليه‌السلام الفاحشة أن تؤذي أهل زوجها وتسبّهم. وقيل : هي النشوز. فإذا طلّقها على نشوز ، فلها أن تتحوّل عن بيت زوجها. وعن ابن عبّاس : انّ كلّ معصية لله تعالى ظاهرة ، فهي فاحشة. (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ). يعني ما ذكره سبحانه من أحكام الطلاق. (وَمَنْ يَتَعَدَّ) بأن يطلّق على غير ما أمر الله. (ظَلَمَ نَفْسَهُ) ؛ أي : أثم وخرج عن الطاعة. (بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) أي يغيّر رأي الزوج في محبّة الطلاق ويوقع في قلبه المحبّة لرجعتها فيما بين الطلقة

__________________

(١) الأحزاب (٣٣) / ٤٩.

١٥٠

الواحدة والثانية وفيما بين الثانية والثالثة. وقيل : لعلّ الله يحدث الرجعة في العدّة. وفي قوله : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) تقرير لحقّ الزوج. لأنّها إذا لم تبرح في بيتها ، تمكّن الزوج من مراجعتها. (١)

(فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ). العدّة : الطهر عن الحيض. (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ). وذلك أن يدعها حتّى تحيض ، فإذا حاضت ثمّ طهرت واغتسلت ، طلّقها تطليقة من غير أن يجامعها. ويشهد على طلاقها إذا طلّقها. ثمّ إن شاء راجعها ويشهد على رجعتها. وهكذا إلى الطلقة الثالثة ـ الحديث. (٢)

عن صاحب الزمان عليه‌السلام أنّه قال : الفاحشة المبيّنة السحق دون الزنى. فإنّ المرأة إذا سحقت ، وجب الرجم. والرجم خزي. ومن أخزاه الله ، فقد أبعده الله. (٣)

[٢ ـ ٣] (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣))

(بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) ؛ أي : قاربن أجلهنّ الذي هو الخروج من العدّة. (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ؛ أي : راجعوهنّ بما يجب لهنّ من النفقة والكسوة وحسن الصحبة. (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) بأن تتركوهنّ حتّى يخرجن من العدّة فتبين منكم. (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ). قال المفسّرون : أمروا أن يشهدوا عند الطلاق والمراجعة شاهدي عدل حتّى لا تجحد المرأة المراجعة بعد انقضاء العدّة ولا الرجل الطلاق. وقيل : معناه : وأشهدوا على الطلاق صيانة لدينكم. وهو المرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام. وهذا أليق بالظاهر. لأنّا إذا حملناه على الطلاق ، كان الأمر للوجوب وهو من شرائط صحّة الطلاق. ومن قال : إنّ ذلك راجع إلى المراجعة ، حمله

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٤٥٦ و ٤٥٨ و ٤٥٥.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٧٣.

(٣) كمال الدين / ٤٥٩ ـ ٤٦٠ ، ح ٢١.

١٥١

على الندب. (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ). خطاب للشهود. أي : أقيموها لوجه الله لا لطلب رضا المشهود [له]. (ذلِكُمْ) ؛ أي : الأمر بالحقّ. (يُوعَظُ بِهِ) ؛ أي : ينزجر به. (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) فيما أمره به ونهاه ، (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) من كلّ كرب في الدنيا والآخرة. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : يجعل له مخرجا من شبهات الدنيا وغمرات الموت وشدائد القيامة. وقيل : معناه : من يطلّق ، يجعل له مخرجا في الرجعة. (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ). نزلت في عون بن مالك أسر العدوّ ابنا له فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكر له ذلك وشكا إليه الفاقة. فقال : اتّق الله واصبر. وأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله» ففعل الرجل ذلك. فبينا هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه [العدوّ] فأصاب إبلا جاء بها إليه. فذلك قوله : (مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ). وعن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) ؛ أي : يبارك له فيما آتاه. (بالِغُ أَمْرِهِ) ؛ أي : يبلغ أمره ما أراد من قضاياه وتدابيره على ما أراد. غير عاصم : (بالِغُ أَمْرِهِ) بالتنوين والنصب. (قَدْراً) ؛ أي : أجلا لا زيادة فيه ولا نقصان. وقيل : بيّن لكلّ شيء مقدارا بحسب المصلحة في الإباحة والإيجاب والترغيب والترهيب. (١)

[٤] (وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤))

(يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) ؛ أي : يحضن. (إِنِ ارْتَبْتُمْ) فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهنّ أم لعارض. (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ). وهنّ اللّواتي أمثالهنّ يحضن. وهذا هو المرويّ عن أئمّتنا. وقيل : معناه : إن شككتم فلم تدروا أدمهنّ [دم] حيض أو استحاضة ، فعدّتهنّ ثلاثة أشهر. عن مجاهد والزهريّ. وقيل : معناه : إن ارتبتم في حكمهنّ فلم تدروا ما الحكم فيهنّ. (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) إن ارتبتم ، فعدّتهنّ أيضا ثلاثة أشهر. وحذف لدلالة الكلام الأوّل عليه. و

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٤٦٠ ـ ٤٦١ و ٤٥٥.

١٥٢

هنّ اللّاتي لم يبلغن المحيض ومثلهنّ تحيض. (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ). هذا في المطلّقات. كما هو المرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام. فأمّا المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حاملا ، فعدّتها أبعد الأجلين من وضع الحمل ومضيّ أربعة أشهر وعشر. وأكثر الفقهاء أنّه عامّ في المطلّقات والمتوفّى عنها زوجها. (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) فيما أمر به. (يُسْراً) ؛ أي : يسهّل عليه أمور الدارين. وقيل : يسهّل عليه فراق أهله ويزيل الهمّ عن قلبه. (١)

[٥] (ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٥))

(ذلِكَ). يعني ما ذكر من أحكام الطلاق والرجعة والعدّة. (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) بطاعته (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة. (٢)

[٦] (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦))

(أَسْكِنُوهُنَّ) ؛ أي : المطلّقات (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) من المساكن (مِنْ وُجْدِكُمْ) ؛ أي : من ملككم وما تقدرون عليه. وقيل : هو من الوجدان. أي : ممّا تجدونه من المساكن. وقيل : من سعتكم وطاقتكم. قال الفرّاء : يعول على ما يجد. فإن كان موسعا وسّع عليها في المسكن والنفقة. وإن كان فقيرا ، فعلى قدر ذلك. عن يعقوب : (وُجْدِكُمْ) بكسر الواو. وتجب السكنى والنفقة للمطلّقة الرجعيّة بلا خلاف. فأمّا المبتوتة ، ففيها خلاف. فذهب أهل العراق إلى أنّ لها السكنى والنفقة معا. وذهب الشافعيّ إلى أنّ لها السكنى بلا نفقة ، وأبو ثور إلى أنّه لا سكنى لها ولا نفقة ، وهو المرويّ عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام. (وَلا تُضآرُّوهُنَّ) ؛ أي : لا تدخلوا الضرر عليهنّ بالتقصير في السكنى والنفقة والكسوة طالبين بالإضرار التضييق عليهنّ ليخرجن. وقيل : أعطوهنّ من المسكن ما يكفيهنّ لجلوسهنّ وطهارتهنّ ولا تضايقوهنّ

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٤٦١.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٤٦١.

١٥٣

حتّى يتعذّر عليهنّ السكنى. (حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ). لأنّ عدّتهنّ إنّما تنقضي بوضع حملهنّ. أمر سبحانه بالإنفاق على المطلّقة الحامل سواء كان الطلاق رجعيّا أو بائنا. (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) بعد البينونة ، فأعطوهنّ أجرة الرضاع أجرة المثل. (١)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا يضارّ الرجل امرأته إذا طلّقها فيضيّق عليها حتّى تنتقل قبل أن تنقضي عدّتها. فإنّ الله قد نهى عن ذلك فقال : (وَلا تُضآرُّوهُنَّ) ـ الآية. (٢)

[٧] (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧))

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) ـ الآية ـ قال : إن أنفق الرجل على امرأته ما يقيم ظهرها مع الكسوة ، وإلّا فرّق بينهما. (٣)

[٨] (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨))

(وَكَأَيِّنْ) ؛ أي : وكم من قرية. ابن كثير : (وَكَأَيِّنْ) بالمدّ والهمزة. (فَحاسَبْناها). قال مقاتل : حاسبها الله بعملها في الدنيا فجازاها بالعذاب. وهو قوله : (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً). فجعل المجازاة بالعذاب محاسبة. وهو عذاب الاستئصال. وقيل : هو عذاب النار. فإنّ اللّفظ ماض بمعنى المستقبل. والنكر : المنكر الفظيع. وقيل : إنّ في الآية تقديما وتأخيرا. أي : عذّبناها في الدنيا بالجوع والقحط والسيف وسائر المصائب والبلايا وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا ليس فيه عفو. (٤)

(عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها) : أعرضت عنه على وجه العتوّ والعناد. (حِساباً شَدِيداً) بالاستقصاء والمناقشة. (عَذاباً نُكْراً) : منكرا عظيما. والمراد حساب الآخرة وعذابها.

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٤٦٣ ـ ٤٦٤ و ٤٦٢.

(٢) الكافي ٦ / ١٢٣ ، ح ١.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٧٥.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٤٦٥.

١٥٤

وجيء به على لفظ الماضي لأنّ كلّ ما هو كائن قد كان. (١)

[٩] (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩))

(وَبالَ أَمْرِها) : عقوبة كفرها ومعاصيها. (خُسْراً) لا ربح فيه أصلا. (٢)

[١٠ ـ ١١] (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً (١١))

(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً). تكرير للوعيد وبيان لما يوجب التقوى المأمور به في قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ). ويجوز أن يكون المراد بالحساب استقصاء ذنوبهم وإثباتها في صحف الحفظة وبالعذاب ما أصيب به عاجلا. (ذِكْراً رَسُولاً). يعني بالذكر جبرئيل ، لكثرة ذكره ، أو لنزوله بالذكر وهو القرآن ، [أو] لأنّه مذكور في السموات أو : ذا ذكر ، أي شرف ، أو محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله لمواظبته على تلاوة القرآن أو تبليغه. وعبّر عن إرساله بالإنزال ترشيحا أو لأنّه مسبّب عن إنزال الوحي وأبدل عنه رسولا للبيان. أو أراد به القرآن ورسولا منصوب بمقدّر مثل أرسل. أو ذكرا [مصدر و] الرسول مفعول له أو بدله على أنّه بمعنى الرسالة. (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ). حال من اسم الله أو صفة رسولا. (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ) ؛ أي : ليحصل لهم ما هم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح. أو : ليخرج من علم أو قدّر أنّه يؤمن. (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) : من الضلالة إلى الهدى. (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً). فيه تعجّب وتعظيم لما رزقوا من الثواب. (٣)

(يُدْخِلْهُ). أهل المدينة والشام بالنون. (٤)

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٥٦٠.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٠٣.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٠٣.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٤٦٦.

١٥٥

[١٢] (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢))

(اللهُ الَّذِي). مبتدأ وخبر. (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) ؛ أي : خلق مثلهنّ في العدد من الأرض. (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ) ؛ أي : يجري أمر الله وقضاؤه بينهنّ [و] ينفذ حكمه فيهنّ. (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ الآية. علّة لخلق أو يتنزّل. (١)

لا خلاف في السموات أنّها سماء فوق سماء. وأمّا الأرضون ، فقال قوم : إنّها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض. لأنّها لو كانت مصمتة ، لكانت أرضا واحدة. وفي كلّ أرض خلق خلقهم الله كما شاء. وعن ابن عبّاس : انّها سبع أرضين ليس بعضها فوق بعض تفرق بينهنّ البحار وتظلّ جميعهنّ السماء. وعن الرضا عليه‌السلام أنّه بسط كفّه ثمّ وضع اليمنى عليها فقال : هذه أرض الدنيا ، والسماء الدنيا عليها قبّة. والأرض الثانية فوق السماء الدنيا ، والسماء الثانية فوقها قبّة. والأرض الثالثة فوق السماء الثانية ، والسماء الثالثة فوقها قبّة. حتّى ذكر الرابعة والخامسة والسادسة فقال : والأرض السابعة فوق السماء السادسة ، والسماء السابعة فوقها قبّة. وعرش الرحمن فوق السماء السابعة. وهو قوله : (سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ). وإنّما صاحب الأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على وجه الأرض وإنّما ينزل [الأمر] من فوق من بين السموات والأرضين. فعلى هذا يكون المعنى : ينزل الملائكة بأوامره إلى الأنبياء. وقيل : معناه : ينزل الأمر بين السموات والأرضين من الله سبحانه بحياة بعض وموت بعض وتصريف الأمور على الحكمة. (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) بالتدبير في خلق السموات والأرض والاستدلال بذلك على أنّ صانعهما قادر [لذاته عالم] لذاته. وذلك قوله : (وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً). يعني أنّ معلوماته متميّزة [له] بمنزلة ما قد أحاط [به] فلم يفته شيء منه. (٢)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٠٤.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧.

١٥٦

٦٦.

سورة التحريم

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها ، أعطاه الله توبة نصوحا. (١)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من قرأ سورة الطلاق والتحريم ـ وقد مضى.

التحريم : يقرأ على المريض والملسوع والمصروع والسهران والرجفان يذهب ما بهم. ومن أدمن قراءتها ، لم يبق عليه دين. (٢)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١))

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) ـ الآية ـ قال : اطّلعت عائشة وحفصة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع مارية. فقال : والله ما أقربها. فأمره الله أن يكفّر عن يمينه. قال عليّ بن إبراهيم : كان سبب نزولها : انّ رسول الله كان في بعض بيوت نسائه وكانت معه مارية القبطيّة تخدمه. وكان ذات يوم في بيت حفصة ، فذهبت في حاجة لها ، فتناول رسول الله مارية. فعلمت حفصة بذلك فغضبت وأقبلت على رسول الله وقالت : هذا في يومي وفي داري وعلى فراشي! فاستحيا رسول الله فقال : كفى. فقد حرّمت مارية على نفسي ولا أطؤها بعد هذا أبدا. وأنا أفضي إليك سرّا إن أنت أخبرت به فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فقالت : نعم ؛ ما هو؟ فقال : إنّ أبا بكر يلي الخلافة بعدي ، ثمّ بعده أبوك. فقالت :

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٤٦٨.

(٢) المصباح / ٦١٢.

١٥٧

من أنبأك هذا؟ قال : نبّأني العليم الخبير. فأخبرت حفصة به عائشة من يومها ذلك ، فأخبرت عائشة أبا بكر. فجاء أبو بكر إلى عمر فقال له : إنّ عائشة أخبرتني عن حفصة بشيء ولا أثق بقولها. فاسأل ابنتك حفصة. فجاء عمر إلى حفصة فقال لها : ما هذا الرأي الذي أخبرت عنك عائشة؟ فأنكرت ذلك وقالت : ما قلت لها من ذلك شيئا. فقال لها عمر : إن كان هذا حقّا ، فأخبرينا حتّى نتقدّم فيه. فقالت : نعم ؛ قد قال رسول الله. فاجتمعوا أربعة على أن يسمّوه. فنزل جبرئيل بهذه الآية إلى قوله : (تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ). يعني قد أباح الله لك أن تكفّر عن يمينك. (١)

(لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ). ليس فيه دلالة على وقوع ذنب منه. لأنّ تحريم الرجل بعض نسائه أو بعض الملاذّ لسبب أو لغير سبب ليس بقبيح. ولا يمتنع أن يكون خرج هذا القول مخرج التوجّع له عليه‌السلام إذ بالغ على إرضاء أزواجه وتحمّل ذلك المشقّة. ولو أنّ إنسانا أرضى بعض نسائه بتطليق بعضهنّ ، لجاز أن يقال له : لم فعلت ذلك؟ وإن لم يكن قبيحا. اختلف العلماء فيمن قال لامرأته : أنت عليّ حرام. فقال مالك : هو ثلاث تطليقات. وقال أبو حنيفة : إن نوى به الظهار ، فهو ظهار. وإن نوى الإيلاء ، فهو إيلاء. وإن نوى الطلاق ، فهو طلاق بائن. وإن نوى ثلاثا ، كان ثلاثا. وكذا إن نوى الاثنتين أو الواحدة. وإن لم يكن له نيّة ، فهو يمين. وقال الشافعيّ : إن نوى الطلاق ، كان طلاقا. وإن نوى الظهار ، كان ظهارا. وإن لم يكن [له] نيّة فهو يمين. وقال أصحابنا : إنّه لا يلزمه شيء ووجوده كعدمه. وإنّما أوجب الله فيه الكفّارة لأنّ النبيّ كان حلف أن لا يقرب جاريته أو لا يشرب الشراب المذكور ، فأوجب الله أن يكفّر عن يمينه ويعود إلى استباحة ما كان حرّمه. (٢)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : انّ حفصة لمّا أخبرت أباها بتحريم مارية القبطيّة على نفسه وأنّ أبا بكر وعمر يملكان أمر هذه الأمّة ، عاتب صلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة وحفصة في أمر مارية وما أفشتا

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٤٧٢ ـ ٤٧٣.

١٥٨

عليه من ذلك وأعرض عن أن يعاتبهما في الأمر الآخر. (١)

[٢] (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢))

(قَدْ فَرَضَ اللهُ) ؛ أي : قد قدّر الله لكم ما تحلّون به أيمانكم إذا فعلتموها وشرع لكم الحنث فيها. لأنّ اليمين بالحنث ينحلّ ، فسمّى ذلك تحلّة. وقيل : معناه : قد بيّن الله لكم كفّارة أيمانكم في سورة المائدة. أمر الله نبيّه أن يكفّر يمينه ويراجع وليدته ، فأعتق رقبة. (وَاللهُ مَوْلاكُمْ) ؛ أي : أولى بكم بأن تبتغوا رضاه. (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بما قالت حفصة لعائشة. (٢)

عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) قال : جعلها يمينا وكفّرها رسول الله بأن أطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ. قلنا : فمن وجد الكسوة؟ قال : ثوب يواري عورته. (٣)

[٣] (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣))

(وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ) ؛ أي : أطلعه وأعلمه به. (عَرَّفَ) حفصة بعض ما ذكرت وأفشت (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) لأنّه من مكارم الأخلاق. وأمّا (عَرَّفَ) بالتخفيف ، فمعناه : غضب عليها وجازاها بأن طلّقها تطليقة ثمّ راجعها. (نَبَّأَها) ؛ أي : أخبر حفصة بما قالت. الكسائيّ وحده : (عَرَّفَ) بالتخفيف. واختاره أبو بكر بن عيّاش وهو من الحروف العشرة التي قال : إنّي أدخلتها في قراءة عاصم من قراءة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام حتّى استخلصت قراءة عليّ عليه‌السلام. (٤)

[٤] (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤))

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٢ / ٢٢٩.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤.

(٣) الكافي ٦ / ١٣٤ ـ ١٣٥ ، ح ١.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٤٧٤ و ٤٦٩.

١٥٩

(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ). خطاب إلى عائشة وحفصة. يعني التوبة من التعاون على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإيذاء. (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) ؛ أي : مالت إلى الإثم. وقيل : تقديره : إن تتوبا إلى الله ، يقبل توبتكما. وقيل : إنّه شرط في معنى الأمر. أي : توبا إلى الله ، فقد صغت قلوبكما. (تَظاهَرا عَلَيْهِ) ؛ أي : على إيذائه. وقرئ : «تتظاهرا». (١)

ابن عبّاس : سألت عمر بن الخطّاب من اللّتان تظاهرتا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : حفصة وعائشة. (٢)

عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : صالح المؤمنين هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. (٣)

[٥] (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥))

(عَسى رَبُّهُ) ؛ أي : واجب من الله ربّه. (مُسْلِماتٍ) ؛ أي : منقادات لأوامر الله. (قانِتاتٍ) : مطيعات لله ورسوله. (تائِباتٍ) عن الذنوب. أو : راجعات إلى أمر الرسول. (سائِحاتٍ) ؛ أي : ماضيات في طاعة الله. وقيل : صائمات. وقيل : مهاجرات. وسمّي الصائم سائحا لأنّه [يستمرّ في الإمساك عن الطعام كما] يستمرّ السائح في الأرض. (٤)

عن سعد بن عبد الله القمّيّ قال : دخلت على أبي محمّد عليه‌السلام بسرّ من رأى. فوجدت على فخذه الأيمن مولانا القائم وهو غلام. وقد كنت اتّخذت طومارا فيه مسائل. فقال : اسأله هذا الغلام. فقال الغلام : سل عمّا بدا لك. فقلت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه‌السلام حتّى قال يوم الجمل : إن كففت وإلّا طلّقتك. وطلاق نسائه وفاته. قال : ما الطلاق؟ قلت : تخلية السبيل. قال : فلم لا يحلّ لهنّ الأزواج بعده؟ قلت : فما معنى الطلاق؟

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٤٧٤ و ٤٦٩. وفيه : ... والباقون : «تظّاهرا» بالتشديد.

(٢) أمالي الطوسيّ ١ / ١٥٠.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٧٧.

(٤) مجمع البيان ١٠ / ٤٧٥.

١٦٠