عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-29-6
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٠

ألف ملك ثمّ لا يعودون إليه أبدا. (١)

عن الباقر عليه‌السلام : انّ الله وضع تحت العرش أربع أساطين وسمّاهنّ الضراح ـ وهو البيت المعمور ـ وقال للملائكة : طوفوا به. ثمّ بعث ملائكة فقال : ابنوا في الأرض بيتا بمثاله وقدره. وأمر من في الأرض أن يطوفوا بالبيت. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث يذكر فيه معنى السّلام على رسول الله : لمّا خلق محمّدا وأهل بيته وشيعتهم ، أخذ عليهم الميثاق بأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا وأن يتّقوا الله ووعد أن يسلّم لهم الأرض وأن ينزل لهم البيت المعمور ويريحهم الله من عدوّهم ويسلّم لهم الأرض لا خصومة فيها ـ الحديث. (٣)

[٥] (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥))

(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) : السماء. (٤)

[٦] (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦))

(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) ؛ أي : الموقد المحمى بمنزلة التنّور. لأنّ البحار تحمى يوم القيامة فتجعل نيرانا ثمّ يفجر بعضها في بعض ثمّ يفجر إلى النار. وورد به الحديث. (٥)

(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) : المملوّ. وقيل : الموقد. من قوله : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ). (٦)

وروي أنّ الله يجعل يوم القيامة البحار كلّها نارا تسجر بها نار جهنّم. وعن عليّ عليه‌السلام أنّه سأل يهوديّا : أين موضع النار في كتابكم؟ قال : في البحر. قال عليّ عليه‌السلام : ما أراه إلّا صادقا ؛ لقوله : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ). (٧)

(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ). قال : يسجر يوم القيامة. (٨)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٣١.

(٢) فقه القرآن ١ / ٢٩٢.

(٣) الكافي ١ / ٤٥١ ، ح ٣٩.

(٤) الكشّاف ٤ / ٤٠٨.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨.

(٦) التكوير (٨١) / ٦.

(٧) الكشّاف ٤ / ٤٠٨.

(٨) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٣١.

٦٠١

[٧ ـ ٨] (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨))

(إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ). أي للمشركين. (١)

(لَواقِعٌ) ؛ أي : لنازل. (٢)

[٩] (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩))

(تَمُورُ) ؛ أي : تضطرب وتجيء وتذهب. (٣)

[١٠] (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠))

(وَتَسِيرُ الْجِبالُ) ؛ أي : تسير عن وجه الأرض فتصير هباء. (٤)

[١١] (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١))

(فَوَيْلٌ) ؛ أي : إذا كان هذا ، فويل لمن يكذّب بالله ورسوله. (٥)

[١٢] (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢))

(فِي خَوْضٍ) ؛ أي : في حديث باطل يخوضون. وهو الحديث الذي كان يخوض فيه الكفّار من إنكار البعث. (٦)

[١٣] (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣))

[١٤] (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤))

(هذِهِ النَّارُ) ؛ أي : يقول لهم خزنتها إذا دفعوا إليها : (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) في

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٢٤٨.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤٠٩.

(٣) الكشّاف ٤ / ٤٠٩.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٤.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٢٤٨.

(٦) مجمع البيان ٩ / ٢٤٨.

٦٠٢

الدنيا. (١)

[١٥] (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥))

ثمّ وبّخهم لمّا عاينوا ما كانوا يكذّبون به بقوله : (أَفَسِحْرٌ هذا)؟ وذلك أنّهم كانوا ينسبون محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السحر وإلى أنّه يغطّي على الأبصار. (٢)

[١٦] (اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦))

ثمّ يقال لهم : (اصْلَوْها) ؛ أي : قاسوا شدّتها. (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ) في الدنيا من المعاصي. (٣)(إِنَّما تُجْزَوْنَ). تعليل للاستواء. فإنّه لمّا كان الجزاء واجب الوقوع ، كان الصبر وعدمه سيّان في عدم النفع. (٤)

[١٧] (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧))

(فِي جَنَّاتٍ) ؛ أي : بساتين تجنّها الأشجار. (٥)

(فِي جَنَّاتٍ) ؛ أي : أيّة جنّات وأيّ نعيم. أو : في جنّات ونعيم مخصوصة بهم. (٦)

[١٨] (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨))

(فاكِهِينَ) ؛ أي : ناعمين متلذّذين. (٧)

فإن قلت : علام عطف قوله : (وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ)؟ قلت : على قوله : (فِي جَنَّاتٍ) أو على (آتاهُمْ رَبُّهُمْ) على أن تجعل ما مصدريّة والمعنى : فاكهين بإيتائهم ربّهم ووقايتهم عذاب الجحيم. ويجوز أن يكون الواو للحال وقد بعدها مضمرة. (٨)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٢٤٨.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٢٤٨.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٢٤٨.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٤.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٢٥٠.

(٦) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٤.

(٧) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٤.

(٨) الكشّاف ٤ / ٤١٠.

٦٠٣

[١٩] (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩))

(هَنِيئاً) : مأمون العاقبة من التخمة والسقم. (١)

(هَنِيئاً) ؛ أي : طعاما وشرابا هنيئا. وهو الذي لا تنغيص فيه. (٢)

[٢٠] (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠))

(مَصْفُوفَةٍ) ؛ أي : مصفّة متّصل بعضها ببعض. وقيل : تقديره : متّكئين على نمارق موضوعة على سرير. وحذف لدلالة الكلام عليه. لأنّ الاتّكاء للراحة إنّما يكون عليه. (بِحُورٍ عِينٍ). الحور : البيض النقيّات في حسن وكمال. والعين : الواسعات الأعين في صفاء وبهاء. وعن زيد بن أرقم قال : جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا أبا القاسم ، تزعم أنّ أهل الجنّة يأكلون ويشربون؟ فقال : والذي روحي بيده ، إنّ الرجل منهم ليؤتى قوّة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع. قال : فإنّ الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة. فقال : عرق يفيض مثل ريح المسك. فإذا كان ذلك ضمر بطنه. (٣)

(وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ). الباء لما في التزويج من معنى الوصل والإلصاق. (٤)

[٢١] (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١))

أبو عمرو : (أَتْبَعْناهُمْ) بالنون والألف وقطع الهمزة «ذرياتهم» بالألف وكسر التاء (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) كذلك. وقرأ أهل المدينة : (وَاتَّبَعَتْهُمْ) بالتاء ووصل الهمزة (ذُرِّيَّتُهُمْ) بالرفع (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ). وابن عامر : اتبعتهم ذرياتهم و (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) أيضا. وابن كثير : (وَما أَلَتْناهُمْ) بكسر اللّام. (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ). المراد بالذرّيّة أولادهم الصغار والكبار. لأنّ الكبار يتّبعون الآباء بإيمان منهم والصغار يتّبعون الآباء [بإيمان من الآباء].

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٢٥٠.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤١٠.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٢٥٠.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٤.

٦٠٤

فالولد يحكم له بالإسلام تبعا لوالده. وأتبع بمعنى تبع. ومن قرأ : (وَأَتْبَعْناهُمْ) فهو منقول من تبع يتعدّى إلى المفعولين والمعنى : انّا نلحق الأولاد بالآباء في الجنّة والدرجة من أجل إيمان الآباء لتقرّ أعين الآباء باجتماعهم معهم في الجنّة كما كانت تقرّبهم في الدنيا. وفي رواية أخرى عن ابن عبّاس : انّهم البالغون ألحقوا بدرجة آبائهم وإن قصرت أعمالهم تكرمة لآبائهم. والمراد أنّهم مجتمعون معهم لا في الثواب والرتبة. وعن الصادق عليه‌السلام : أطفال المؤمنين يهدون إلى آبائهم يوم القيامة. (وَما أَلَتْناهُمْ) ؛ أي : لم ننقص الآباء من الثواب [حين] ألحقنا بهم ذرّيّاتهم. (بِما كَسَبَ). تمّ الكلام ، ثمّ ذكر سبحانه أهل النار فقال : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) ؛ أي : كلّ امرئ كافر مرتهن في النار بما كسب. والمؤمن لا يكون مرتهنا لقوله : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ). (١) وقيل : كلّ إنسان يعامل بما يستحقّه من الطاعات والمعاصي. (٢)

(وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ). اعتراض للتعليل. (أَلْحَقْنا بِهِمْ) في دخول الجنّة أو في الدرجة. (وَما أَلَتْناهُمْ) بهذا لإلحاق. فإنّه كما يحتمل أن يكون بنقص مرتبة الآباء [أو] بإعطاء الأبناء بعض مثوباتهم ، يحتمل أن يكون بالتفضّل عليهم ، وهو اللّائق بكمال لطفه. وقرأ ابن كثير بكسر اللّام من ألت يألت والمعنى واحد. (٣)

عن الصادق عليه‌السلام : (الَّذِينَ آمَنُوا) النبيّ وأمير المؤمنين وذرّيّته الأئمّة والأوصياء عليهم‌السلام. (أَلْحَقْنا بِهِمْ) ولم ننقص ذرّيّتهم الحجّة التي جاء بها محمّد في عليّ وحجّتهم واحدة وطاعتهم واحدة. (٤)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام في هذه الآية : قصرت الأبناء عن أعمال الآباء فألحق الأبناء بالآباء لتقرّ بذلك أعينهم. (٥)

وفي حديث آخر : أطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم. وأطفال المشركين يلحقون بآبائهم.

__________________

(١) المدّثر (٧٤) / ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٢٤٩ ـ ٢٥١.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥.

(٤) الكافي ١ / ٢٧٥ ، ح ١ ، وتفسير القمّيّ ٢ / ٣٣٢.

(٥) الكافي ٣ / ٢٤٩ ، ح ٥.

٦٠٥

وهو قول الله : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ). (١)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : انّ أطفال شيعتنا من المؤمنين تربّيهم فاطمة عليها‌السلام. (٢)

وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام : انّ الله كفّل إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين يغذوانهم بشجرة من الجنّة لها أخلاف كأخلاف البقر في قصر من درّة. فإذا كان يوم القيامة ، لبسوا وأطيبوا وأهدوا إلى آبائهم. فهم ملوك في الجنّة مع آبائهم. وهذا قول الله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ). (٣)

[٢٢] (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢))

(وَأَمْدَدْناهُمْ) ؛ أي : أعطيناهم حالا بعد حال. (٤)

[٢٣] (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣))

(يَتَنازَعُونَ) ؛ أي : يتعاطون كأس الخمر. ثمّ وصف الكأس فقال : (لا لَغْوٌ فِيها) ؛ أي : لا يجري بينهم باطل ولا ما فيه إثم كما يجري في الدنيا بين شرب الخمر. والتأثيم تفعيل من الإثم. يعني تلك الكأس لا تجعلهم آثمين. (٥)

[٢٤] (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤))

(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ) للخدمة. (مَكْنُونٌ) ؛ أي : مصون مخزون. قيل : يا رسول الله ، الخادم كاللّؤلؤ ، فكيف المخدوم؟ فقال : والذي نفسي بيده ، إنّ فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. (٦)

[٢٥ ـ ٢٧] (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ

__________________

(١) الكافي ٣ / ٢٤٨ ، ح ٢.

(٢) الفقيه ٣ / ٤٩٠.

(٣) الفقيه ٣ / ٣١٦.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٢٥١.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٢٥١.

(٦) مجمع البيان ٩ / ٢٥١.

٦٠٦

(٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧))

(يَتَساءَلُونَ) ؛ أي : يتذاكرون ما كانوا فيه من الخوف في الدنيا. وهو قوله : (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) ؛ أي : خائفين في دار الدنيا من العذاب. (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالمغفرة ووقانا عذاب جهنّم. والسموم من أسماء جهنّم. وقيل : إنّ المعنى : يسأل بعضهم بعضا عمّا فعلوه في الدنيا فاستحقّوا به المصير إلى الجنّة فيقولون : إنّا كنّا في دار التكليف خائفين رقيقي القلب. (١)

[٢٨] (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨))

(مِنْ قَبْلُ) ؛ أي : في دار الدنيا. (نَدْعُوهُ) ـ أي الله ـ ونوحّده. (الْبَرُّ) ؛ أي : اللّطيف. أو : الصادق فيما وعده. (٢)

(إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ). نافع والكسائي : (إِنَّهُ) بالفتح. (٣)

[٢٩] (فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩))

(فَذَكِّرْ) يا محمّد. أي : فعظ هؤلاء المكلّفين ولا تترك دعوتهم وإن أساؤوا قولهم فيك. (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) ؛ أي : بإنعامه عليك. وهذا قسم. (بِكاهِنٍ). وهو الذي يوهم أنّه يعلم [الغيب] من خدمة الجنّ. وقد علم الكفّار أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس بكاهن ولا مجنون ، لكن قالوا ذلك على جهة التكذيب عليه ليستريحوا إلى ذلك. (٤)

(فَذَكِّرْ) ؛ أي : اثبت على التذكير ولا تكترث بقولهم. (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) ؛ أي : بحمد الله وإنعامه. (٥)

[٣٠] (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠))

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٢٥٢.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٥.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٢٥٣.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٥.

٦٠٧

(أَمْ يَقُولُونَ) ؛ أي : بل أيقولون. (نَتَرَبَّصُ) ؛ أي : ننتظر [به] حوادث (الْمَنُونِ) ؛ أي : الدهر. وهو أن يموت كما يموت من تقدّمه من الشعراء. (١)

(الْمَنُونِ) : ما يقلق النفوس [من] حوادث الدهر. (٢)

(رَيْبَ الْمَنُونِ) ؛ أي : الموت. من منّه : إذا قطعه. لأنّ الموت قطوع. قالوا : ننتظر هلاكه كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة. (٣)

[٣١] (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١))

(قُلْ تَرَبَّصُوا) على جهة التهديد لهم. أي : إن تربّصتم فيّ حوادث الدهر ، فإنّي منتظر بكم مثل ذلك. (٤)

(مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) لهلاككم كما تتربّصون هلاكي. (٥)

[٣٢] (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢))

(أَحْلامُهُمْ) ؛ أي : عقولهم. (بِهذا) ؛ أي : بما يقولون لك. وكانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول ، فأزرى الله سبحانه بعقولهم حيث لم تميّز لهم بين الحقّ والباطل. (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) ؛ أي : الذي حملهم على تكذيبك هو الطغيان لا الأحلام والعقول. (٦)

(أَحْلامُهُمْ بِهذا) ؛ أي : بهذا التناقض في القول. فإنّ الكاهن يكون ذا فطنة ودقّة نظر والمجنون مغطّى عقله ، والشاعر يكون ذا كلام موزون ولا يتأتّى ذلك من المجنون. وأمر الأحلام به مجاز عن أدائها إليه. (طاغُونَ) : مجاوزون الحدّ في العناد. (٧)

[٣٣] (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣))

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٢٥٣.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٥.

(٣) الكشّاف ٤ / ٤١٣.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٢٥٤.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٦.

(٦) مجمع البيان ٩ / ٢٥٤.

(٧) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٦.

٦٠٨

(تَقَوَّلَهُ) : افتعل القرآن وتكذّبه من تلقاء نفسه. والتقوّل : تكلّف القول. ولا يقال ذلك إلّا في الكذب. (لا يُؤْمِنُونَ) ؛ أي : ثبت أنّه من عند الله ولكنّهم لا يصدّقون به عنادا وحسدا. (١)

(بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) فيرمون بهذه المطاعن لكفرهم وعنادهم. (٢)

[٣٤] (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤))

(مِثْلِهِ) ؛ أي : مثل القرآن. (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في أنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله تقوّله. (٣)

(إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في زعمهم. إذ فيهم كثير ممّن عدوّا [فصحاء]. فهو ردّ للأقوال المذكورة بالتحدّي. ويجوز أن يكون ردّا للقول الأخير. لأنّ سائر الأقوال ظاهرها الفساد. (٤)

[٣٥ ـ ٣٦] (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦))

(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) ؛ أي : خلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون. وقيل : معناه : أخلقوا من غير خالق ومدبّر؟ (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) لأنفسهم فلا يجب عليهم لله أمر. عن ابن عبّاس. (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) فلذلك لا يقرّون بالله وبأنّه خالقهم؟ (بَلْ لا يُوقِنُونَ) بأنّ لهم إلها يستحقّ العبادة وأنّك نبيّ من جهته. (٥)

(أَمْ خَلَقُوا) ؛ أي : أحدثوا من غير محدث فلذلك لا يعبدونه. أو : من أجل لا شيء من عبادة ومجازاة. (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ). يؤيّد الأوّل. فإنّ معناه : خلقوا أنفسهم. ولذلك عقّبه بقوله : (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ). وأم في هذه الآيات منقطعة. ومعنى الهمزة فيها

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٢٥٤.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٦.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٢٥٤.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٦.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٢٥٤.

٦٠٩

الإنكار. (لا يُوقِنُونَ) ؛ أي : إذا سئلوا من خلقكم ومن خلق السموات والأرض قالوا الله. إذ لو أيقنوا ذلك ، لما أعرضوا عن عبادته. (١)

[٣٧] (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧))

(خَزائِنُ رَبِّكَ) ؛ أي : مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاؤوا. وقيل : المطر والرزق. وقيل : خزائن مقدوراته فلا يأتيهم إلّا ما يحبّون. (الْمُصَيْطِرُونَ) ؛ أي : الأرباب المسلّطون على الناس فليس عليهم مسيطر ولا لهم ملزم ومقوّم. و [قيل :] معناه : أم هم المالكون للناس القاهرون لهم؟ ابن كثير بالسين. وحمزة بالإشمام. والباقون بالصاد. (٢)

(خَزائِنُ رَبِّكَ) : خزائن رزقه حتّى يرزقوا النبوّة من شاؤوا. أو : خزائن علمه حتّى يختاروا لها من اختارته حكمته. (الْمُصَيْطِرُونَ) : الغالبون على الأشياء يدبّرونها كيف شاؤوا. (٣)

(الْمُصَيْطِرُونَ) ؛ أي : الأرباب الغالبون حتّى يدبّروا أمر الربوبيّة ويبنوا الأمور على إرادتهم ومشيّتهم. (٤)

[٣٨] (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨))

(سُلَّمٌ) ؛ أي : مرقى إلى السماء ومصعد. (يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) الوحي من السماء. فقد وثقوا بما هم عليه وردّوا ما سواه. (بِسُلْطانٍ) ؛ أي : بحجّة واضحة على ما يقولون. (٥)

(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ) منصوب إلى السماء يستمعون صاعدين فيه إلى كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب حتّى يعلموا ما هو كائن من تقدّم هلاكه على هلاكهم وظفرهم في العاقبة دونه كما يزعمون؟ (٦)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٦.

(٢) مجمع البيان / ٢٥٤ ـ ٢٥٥ و ٢٥٣.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٦.

(٤) الكشّاف ٤ / ٤١٤.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٢٥٥.

(٦) الكشّاف ٤ / ٤١٤.

٦١٠

[٣٩] (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩))

(أَمْ لَهُ الْبَناتُ). تسفيه لأحلامهم وإشعار بأنّ من هذا رأيه لا يعدّ من العقلاء فضلا أن يترقّى روحه إلى عالم الملكوت فيطّلع على الغيب. (١)

(أَمْ لَهُ الْبَناتُ). تسفيه لأحلامهم حيث أثبتوا له الولد واختاروا له ما أنفوا منه وهو البنات. (٢)

(أَمْ لَهُ الْبَناتُ). وهو ما قالت قريش إنّ الملائكة بنات الله. (٣)

[٤٠] (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠))

(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) أي : ثوابا على أداء الرسالة وتعليم الأحكام فيكون قد أثقلهم ذلك الغرم الذي تسألهم عن الإيمان بك؟ (٤)

[٤١] (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١))

(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) حتّى علموا أنّ محمّدا يموت قبلهم؟ (٥)

(الْغَيْبُ) ؛ أي : اللّوح المحفوظ. (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) ما فيه حتّى يقولوا لا نبعث وإن بعثنا لا نعذّب. (٦)

[٤٢] (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢))

(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً). وهو كيدهم في دار الندوة برسول الله وبالمؤمنين. (فَالَّذِينَ كَفَرُوا). إشارة إليهم. أو أريد بهم كلّ من كفر بالله. (هُمُ الْمَكِيدُونَ) ؛ أي : الذين يعود عليهم وبال كيدهم ويحيق بهم. وذلك أنّهم قتلوا يوم بدر. أو : المغلوبون في الكيد. من كايدته

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٦.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٢٥٥.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٣٣.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٢٥٥.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٢٥٦.

(٦) الكشّاف ٤ / ٤١٤.

٦١١

فكدته. (١)

[٤٣] (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣))

[٤٤] (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤))

(كِسْفاً). الكسف : القطعة. وهو جواب قولهم : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً). (٢) يريد أنّهم لشدّة طغيانهم وعنادهم لو أسقطناه عليهم لقالوا : (سَحابٌ مَرْكُومٌ) بعضه فوق بعض يمطرنا ، ولم يصدّقوا أنّه كسف ساقط للعذاب. (٣)

[٤٥] (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥))

(يُصْعَقُونَ) : يموتون. وذلك عند النفخة الأولى نفخة الصعق. (٤)

ابن عامر وعاصم : (يُصْعَقُونَ) بضمّ الياء ، والباقون بفتحها. (٥)

[٤٦] (يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦))

[٤٧] (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧))

(لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) ؛ أي : لهؤلاء الظلمة. (عَذاباً دُونَ ذلِكَ) : دون يوم القيامة. وهو القتل ببدر والقحط سبع سنين وعذاب القبر. (٦)

(لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) آل محمّد حقّهم (عَذاباً دُونَ ذلِكَ). قال : عذاب الرجعة بالسيف. (٧)

[٤٨] (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨))

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٤١٤.

(٢) الإسراء (١٧) / ٩٢.

(٣) الكشّاف ٤ / ٤١٥.

(٤) الكشّاف ٤ / ٤١٥.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٢٥٥.

(٦) الكشّاف ٤ / ٤١٥.

(٧) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٣٤.

٦١٢

(لِحُكْمِ رَبِّكَ) بإمهالهم وما يلحقك فيه من المشقّة والكلفة. (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا). هذا مثل. أي : بحيث نراك ونكلؤك. وجمع العين لأنّ الضمير بلفظ ضمير الجماعة. ألا ترى إلى قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي)؟ (١)(حِينَ تَقُومُ) من أيّ مكان قمت. وقيل : من منامك. (٢)

(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ). قال : صلاة اللّيل. (٣)

[٤٩] (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩))

(وَإِدْبارَ النُّجُومِ) : إذا أدبرت النجوم. والمراد الأمر بقوله (سبحان الله وبحمد) في هذه الأوقات. وقيل : التسبيح الصلاة إذا قام من نومه. و (مِنَ اللَّيْلِ) صلاة العشاءين. و (إِدْبارَ النُّجُومِ) صلاة الفجر. (٤)

وعن الرضا عليه‌السلام قال : (أَدْبارَ السُّجُودِ)(٥) أربع ركعات بعد المغرب و (إِدْبارَ النُّجُومِ) ركعتان قبل صلاة الفجر. (٦)

__________________

(١) طه (٢٠) / ٣٩.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤١٥.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٣٣.

(٤) الكشّاف ٤ / ٤١٥.

(٥) ق (٥٠) / ٤٠.

(٦) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٣٣.

٦١٣
٦١٤

٥٣.

سورة النجم

عن أبي عبد الله : من كان يدمن قراءة والنجم في كلّ ليلة ، عاش محمودا بين الناس ، وكان مغفورا ، وكان محبوبا بين الناس. (١)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ سورة والنجم ، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بمحمّد ومن جحد به. (٢)

قوله تعالى : (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ) إلى : (سامِدُونَ)(٣) يكتب ويعلّق لبكاء الأطفال. (٤)

[١ ـ ٢] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢))

أقسم بجنس النجوم أو الثريّا ـ فإنّه غالب فيه ـ إذا غرب أو انتثر يوم القيامة أو انقضّ أو طلع ، أو بالنجم من نجوم القرآن إذا نزل ، أو النبات إذا سقط على الأرض وإذا نما. (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ) : ما عدل محمّد عن الطريق المستقيم. والخطاب للقريش. (وَما غَوى) : وما اعتقد باطلا. والمراد نفي ما ينسبون إليه. (٥)

عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله (وَالنَّجْمِ) : أقسم بقبر (٦) محمّد إذا قبض. (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ)

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٤٣.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٢٥٨.

(٣) النجم (٥٣) / ٥٩ ـ ٦١.

(٤) المصباح / ٦١١.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٨.

(٦) المصدر : بقبض.

٦١٥

بتفضيله أهل بيته. (١)

(وَالنَّجْمِ). قال : النجم رسول الله لمّا أسري به إلى السماء وهو في الهواء. (٢)

[٣ ـ ٤] (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤))

(وَما يَنْطِقُ) ؛ أي : ما يصدر نطقه بالقرآن (عَنِ الْهَوى). (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ). احتجّ من لم ير الاجتهاد به. وأجيب عنه بأنّه إذا أوحى إليه بأن يجتهد ، كان اجتهاده وما يستند إليه وحيه. وفيه نظر. لأنّ ذلك حينئذ يكون بالوحي لا الوحي. (٣)

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لمّا أخذ رسول الله بيد عليّ عليهما‌السلام يوم الغدير ، صرخ إبليس صرخة فلم يبق منهم في برّ ولا بحر إلّا أتوه فقالوا : يا سيّدهم ومولاهم ، ماذا دهاك؟ فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه! فقال لهم : فعل هذا النبيّ فعلا إن تمّ له لم يعص الله. فقالوا : يا سيّدهم ، أنت كنت لآدم. فلمّا قال المنافقون : إنّه ينطق عن الهوى وقال أحدهما لصاحبه : أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنّه مجنون ـ يعنون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ صرخ إبليس صرخة بطرب فجمع أولياءه فقال لهم : أما علمتم أنّي كنت لآدم من قبل؟ قالوا : نعم. قال : آدم نقض العهد [ولم يكفر بالربّ وهؤلاء نقضوا العهد] وكفروا بالرسول صلوات الله عليه وآله. (٤)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لمّا مرض النبيّ مرضه الذي قبض فيه ، اجتمع أهل بيته وأصحابه فقالوا : يا رسول الله ، إن حدث بك حدث ، فمن القائم بأمرك بعدك؟ فلم يجبهم. ففعلوا معه ثلاثة أيّام فقال لهم : إذا كان غدا ، هبط نجم من السماء في دار رجل من أصحابي. فانظروا من هو. فهو خليفتي عليكم من بعدي والقائم فيكم. فلمّا كان اليوم الرابع ، جلس كلّ رجل منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم إذ انقضّ نجم من السماء قد غلب ضوؤه على ضوء الدنيا حتّى وقع في حجرة عليّ عليه‌السلام. فهاج القوم وقالوا : والله لقد ضلّ هذا الرجل! فنزلت الآية :

__________________

(١) الكافي ٨ / ٣٨٠ ، ح ٥٧٤.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٣٣.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٨.

(٤) الكافي ٨ / ٣٤٤ ، ح ٥٤٢.

٦١٦

(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى). (١)

وعن ابن عبّاس قال : صلّينا العشاء الآخرة ذات ليلة مع رسول الله. فلمّا سلّم أقبل علينا فقال : إنّه سينقضّ كوكب من السماء مع طلوع الفجر فيسقط في دار أحدكم. فمن سقط في داره ، فهو الإمام والخليفة من بعدي. فلمّا كان قرب الفجر ، جلس كلّ واحد منّا في داره وكان أطمع القوم في ذلك أبي العبّاس. فلمّا طلع الفجر ، انقضّ الكوكب في دار عليّ عليه‌السلام. فقال رسول الله لعليّ عليهما‌السلام : يا عليّ ، والذي بعثني بالنبوّة ، لقد وجبت لك الوصيّة والخلافة والإمامة بعدي. فقال المنافقون ـ عبد الله بن أبيّ وأصحابه ـ : لقد ضلّ محمّد في محبّة ابن عمّه وغوى. وما ينطق في شأنه إلّا بالهوى. فأنزل الله : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى). يقول : [و] خالق النجم إذا هوى ، (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ) في محبّة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام [(وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) يعني في شأنه. (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)]. (٢)

[٥ ـ ٧] (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧))

(شَدِيدُ الْقُوى) ؛ أي : جبرئيل. (ذُو مِرَّةٍ) ؛ أي : قوّة وشدّة. من قوّته أنّه اقتلع قرى قوم لوط من الماء الأسود فرفعها إلى السماء ، ثمّ قلبها. وقيل : (شَدِيدُ الْقُوى) في ذات الله. (ذُو مِرَّةٍ) ؛ أي : صحّة وخلق في الجسم. وقيل : (ذُو مِرَّةٍ) ؛ أي : مرور في الهوى ذاهبا وجائيا. (فَاسْتَوى) جبرئيل على صورته التي خلق عليها بعد انحداره إلى محمّد. وقيل : ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير محمّد مرّتين ؛ مرّة في السماء ، ومرّة في الأرض. (٣)

وقيل : «استوى» بقوّته على ما جعل له من الأمر. (وَهُوَ) ؛ أي : جبرئيل (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) : أفق السماء. (٤)

__________________

(١) أمالي الصدوق / ٤٦٨ ، ح ١.

(٢) أمالي الصدوق / ٤٥٣ ، ح ٤. ويوجد في النسخة بعده : «وروي هذا الحديث عن الصادق عليه‌السلام». ولا وجه لهذه العبارة حيث حديث الصادق عليه‌السلام قبل هذا الخبر.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٢٦١ ـ ٢٦٢.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٨.

٦١٧

عن أبي الحسن عليه‌السلام : ما بعث الله نبيّا إلّا صاحب مرّة سوداء صافية. وقوله : (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) يعني رسول الله من ربّه. (١)

[٨ ـ ٩] (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩))

(ثُمَّ دَنا) من النبيّ (فَتَدَلَّى) : فتعلّق به. وهو تمثيل لعروجه بالرسول. وقيل : ثمّ تدلّى من الأفق الأعلى فدنا من الرسول. فيكون إشعارا بأنّه عرج به غير منفصل عن محلّه وتقريرا لشدّة قوّته. فإنّ التدلّي استرسال مع تعلّق كتدلّي الثمرة. (فَكانَ). أي جبرئيل ـ كقولك : هو منّي معقد الإزار ـ أو المسافة بينهما. (قابَ قَوْسَيْنِ) : مقدارهما. (أَوْ أَدْنى) على تقديركم. كقوله : (أَوْ يَزِيدُونَ). (٢) والمقصود تمثيل ملكة الاتّصال وتحقيق استماعه لما أوحى إليه بنفي البعد الملبّس. (٣)

(فَتَدَلَّى). قال : إنّما نزلت : ثمّ دنا فتدانى. (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى). قال : كان من الله كما بين مقبض القوس إلى رأس السية. (أَوْ أَدْنى). أي من نعمته ورحمته. قال : بل أدنى من ذلك. وفيه : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى). كان بين لفظه وبين سماع محمّد كما بين وتر القوس وعوده. (٤)

عن زين العابدين عليه‌السلام في قوله : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) قال : ذلك أنّ رسول الله دنا من حجب النور فرأى ملكوت السموات ، ثمّ تدلّى فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتّى ظنّ أنّه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى. (٥)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا سأله يهوديّ أنّ سليمان سخّر الله له الرياح غدوّها شهر ورواحها شهر ، قال : إنّ الله عرج بمحمّد في ملكوت السموات مسيرة خمسين ألف عام في أقلّ من ثلث ليلة حتّى انتهى إلى ساق العرش فدنا بالعلم. (٦)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٣٤.

(٢) الصافّات (٣٧) / ١٤٧.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٣٤.

(٥) علل الشرائع / ١٣١ ـ ١٣٢ ، ح ١.

(٦) الاحتجاج / ٢٢٠.

٦١٨

قال رسول الله : لمّا عرج بي إلى السماء ودنوت من ربّي ، كان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى. قال لي : [يا] محمّد ، من تحبّ من الخلق؟ قلت : عليّ بن أبي طالب. قال : التفت يا محمّد. فالتفتّ عن يساري ، فإذا عليّ بن أبي طالب. (١)

[قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا أسري بي إلى السماء ، كنت من ربّي كقاب قوسين أو أدنى فأوحى إليّ ربّي ما أوحى.] ثمّ قال لي : يا محمّد ، اقرأ عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين إنّي ما سمّيت بهذا أحدا قبله ولا أسمّي به أحدا بعده. (٢)

[١٠] (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠))

(فَأَوْحى) جبرئيل (إِلى عَبْدِهِ) ؛ أي : عبد الله (ما أَوْحى) جبرئيل ـ وفيه تفخيم للموحى به ـ أو الله إليه. وقيل : الضمائر كلّها لله. وهو المعنيّ بشديد القوّة ـ كقوله : (هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)(٣) ـ ودنوّه منه برفع مكانته ، وتدلّيه جذبه بشراشره إلى جناب القدس. (٤)

(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى). قال رسول الله : أوحى إليّ أنّ عليّا عليه‌السلام سيّد المؤمنين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين. (٥)

عن أبي عبد الله (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) قال : دفع إليه كتاب أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، فنظر في الصحيفتين وقرأ أهل الجنّة وأهل النار. ثمّ نزل ومعه الصحيفتان فدفعهما إلى عليّ بن أبي طالب. (٦)

[١١] (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١))

أبو جعفر : (كَذَبَ) بالتشديد. (٧)

__________________

(١) أمالي الطوسيّ ١ / ٣٦٢.

(٢) أمالي الطوسيّ ١ / ٣٠١.

(٣) الذاريات (٥٢) / ٥٨.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٩.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٣٤.

(٦) بصائر الدرجات / ٢١٠ ـ ٢١١ ، ح ١.

(٧) مجمع البيان ٩ / ٢٦٣.

٦١٩

(ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) : ما رأى ببصره من صورة جبرئيل أو الله تعالى. أي : ما كذب بصره بما حكاه له. فإنّ الأمور القدسيّة تدرك أوّلا بالقلب ثمّ ينتقل منه إلى البصر. أو : ما قال فؤاده لما رآه : لم أعرفك. ولو قال ذلك كان كاذبا. لأنّه عرفه بقلبه كما رآه ببصره. أو : ما رآه بقلبه. والمعنى : لم يكن تخيّلا كاذبا. ويدلّ عليه أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل : هل رأيت ربّك؟ فقال : رأيته بفؤادي. (١)

عن الرضا عليه‌السلام : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى). يقول : ما كذب فؤاد محمّد ما رأت عيناه. ثمّ أخبر بما رأى فقال : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى). وآيات الله غير الله. (٢)

[١٢] (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢))

(أَفَتُمارُونَهُ) ؛ أي ؛ تجادلونه عليه. حمزة والكسائيّ : أفتمرونه أي ؛ افتغلبونه في المراد. من ماريته فمريته. أو : أفتجحدونه. من مراه حقّه ، إذا جحده. و (عَلى) لتضمّن الفعل معنى الغبلة. فإنّ المماري والجاحد يقصدان بفعلهما غلبة الخصم. (٣)

[١٣] (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣))

(نَزْلَةً أُخْرى) : مرّة أخرى. فعلة من النزول أقيمت مقام المرّة ونصبت نصبها إشعارا بأنّ الرؤية في هذه المرّة كانت أيضا بنزلة ودنوّ. وقيل : تقديره : ولقد رآه نازلا نزلة أخرى. ونصبها على المصدر. والمراد به نفي الريبة عن المرّة الأخيرة. (٤)

[١٤] (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤))

(عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) التي ينتهي إليها علم الخلائق وأعمالهم وما ينزل من فوقها ويصعد من تحتها. وروي أنّها في السماء السابعة. (٥)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٩.

(٢) الكافي ١ / ٩٦ ، ح ٢.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٩.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٩.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٣٩.

٦٢٠