عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٥

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-30-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٥١٨

١

٢

٥٥.

سورة الرحمن

من قرأ الرحمن ، رحم الله ضعفه وأدّى شكر ما أنعم الله عليه. (١)

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّ لكلّ شيء عروسا. وعروس القرآن الرحمن. (٢)

وعن الصادق عليه‌السلام : من قرأها ، بيّض الله وجهه. (٣)

الرحمن : يشرب للطحال ووجع الفؤاد. ويعلّق على الرمد والمصروع. ويكتب على حائط البيت يذهب هوامّه. (٤)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تدعوا قراءة سورة الرحمن والقيام بها. لأنّها لا تقرّ في قلوب المنافقين ويؤتى بها يوم القيامة في صورة آدميّ في أحسن صورة وأطيب ريح حتّى تقف من الله موقفا لا يكون أحد أقرب إلى الله منها ، فيقول لها : من كان يقوم بك في الحياة الدنيا ويدمن قراءتك؟ فتقول : يا ربّ فلان وفلان. فتبيضّ وجوههم فيقول لهم : اشفعوا فيمن أحببتم. فيشفعون حتّى لا يبقى لهم غاية ولا أحد يشفعون له. فيقول لهم : ادخلوا الجنّة واسكنوا فيها حيث شئتم. (٥)

لمّا قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الرحمن على الناس ، سكتوا فلم يقولوا شيئا. فقال رسول الله : الجنّ أحسن جوابا منكم. لمّا قرأت عليهم : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) قالوا : لا بشيء من آلاء ربّنا نكذّب. (٦)

__________________

(١) المصباح / ٥٩٣.

(٢) المصباح / ٥٩٣.

(٣) المصباح / ٥٩٣. وفيه : من أدمن قراءتها.

(٤) المصباح / ٦١١.

(٥) ثواب الأعمال / ١٤٣ ـ ١٤٤ ، ح ١.

(٦) بحار الأنوار ١٨ / ٧٨.

٣

[١ ـ ٢] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢))

لمّا كانت السورة مقصورة على تعداد النعم ، صدّرها بالرحمن وقدّم ما هو أصل النعم الدينيّة وأجلّها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه. فإنّه أساس الدين. (١)

[٣ ـ ٤] (خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤))

عن الرضا عليه‌السلام في قوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) قال : ذاك أمير المؤمنين. قلت : (علم البيان) قال : علّمه بيان كلّ شيء يحتاج إليه الناس. (٢)

قال الصادق عليه‌السلام : (الْبَيانَ) : الاسم الأعظم الذي علم به كلّ شيء. (٣)

(عَلَّمَهُ الْبَيانَ). إيماء بأنّه خلق البشر وما تميّز به عن سائر الحيوان من البيان وهو التعبير عمّا في الضمير وإفهام الغير لما أدركه لتلقّي الوحي وتعرّف الحقّ وتعلّم الشرع. وإخلاء الجمل الثلاث التي هي أخبار للرحمن عن العاطف لمجيئها على وجه التعديد. (٤)

[٥] (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥))

(بِحُسْبانٍ) : يجريان بحساب معلوم مقدّر في بروجهما ومنازلهما وتتّسق بذلك أمور الكائنات السفليّة. (٥)

قلت : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ)؟ قال : هما بعذاب الله. قلت : الشمس والقمر يعذّبان؟ قال : إنّهما آيتان من آيات الله مطيعان له ، ضوؤهما من نور عرشه وحرّهما من جهنّم. فإذا كانت القيامة ، عاد إلى العرش نورهما وعاد إلى النار حرّهما فلا يكون شمس ولا قمر. وإنّما عناهما لعنهما الله. أو ليس قد روى الناس أنّ رسول الله قال : «إنّ الشمس والقمر نوران في النار»؟ قلت : بلى. قال : أما سمعت [قول الناس :] «فلان وفلان شمسا هذه الأمّة ونورها»؟

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥١.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٣.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٢٩٩.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥١.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥١.

٤

فهما في النار. والله ما عنى غيرهما. (١)

[٦] (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦))

قلت : (النَّجْمُ وَالشَّجَرُ)؟ قال : النجم رسول الله. كما قال : (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ). (٢) فالنجم رسول الله. والعلامات هم الأئمّة. وقوله : (يَسْجُدانِ) ؛ أي : يعبدان. (٣)

(وَالنَّجْمُ) : النبات الذي ينجم ؛ أي : يطلع من الأرض ولا ساق لها. (وَالشَّجَرُ) : الذي له ساق. (يَسْجُدانِ) ؛ أي : ينقادان لله فيما يريد بهما طبعا انقياد الساجد من المكلّفين طوعا. (٤)

[٧] (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧))

(رَفَعَها) : خلقها مرتفعة محلّا ورتبة. (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) ؛ أي : العدل بأن وفّر على كلّ مستعدّ مستحقّه وفي كلّ ذي حقّ حقّه حتّى انتظم أمر العالم. كما قال عليه‌السلام : بالعدل قامت السموات والأرض. أو : ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان ومكيال ونحوهما. (٥)

وقوله : (وَالسَّماءَ رَفَعَها) قال : السماء رسول الله ؛ رفعه الله إليه. والميزان أمير المؤمنين ؛ نصبه لخلقه. (٦)

[٨ ـ ٩] (أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩))

(أَلَّا تَطْغَوْا) ؛ أي : لأن لا تطغوا ؛ أي : لا تعتدوا ولا تجاوزوا الإنصاف. (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) ؛ أي : لا تنقصوه. وتكريره مبالغة في التوصية به وزيادة حثّ على استعماله. (٧)

(أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ). قال : لا تعصوا الإمام. (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ). قال : أقيموا

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٣ ، عن الرضا عليه‌السلام.

(٢) النحل (١٦) / ١٦.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٣ ، عن الرضا عليه‌السلام.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥١.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(٦) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٣ ، عن الرضا عليه‌السلام.

(٧) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٢.

٥

الإمام العدل ولا تبخسوا الإمام حقّه. (١)

[١٠ ـ ١١] (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١))

(الْأَكْمامِ) : كلّ ما يكمّ ـ أي : يغطّي ـ من ليفة وسعفة وكفرّاة وكلّه نتعع به كما ينتفع به كما ينتفع بالمكموم من ثمره وجماره وجذوعه. وقيل الأكمام : أوعية التمر. (٢)

[١٢] (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢))

و (الْعَصْفِ) : ورق الزرع. وقيل : التبن. (وَالرَّيْحانُ) : الرزق. وهو اللّبّ. أراد أنّ فيها الحبّ ذا العصف الذي هو علف الأنعام والريحان الذي هو مطعم الناس. (٣)

(وَالْحَبُّ) : الحنطة والشعير والحبوب. (الْعَصْفِ) : التبن. (٤)(وَالرَّيْحانُ) : ما يؤكل. (٥)

ابن عامر : والحب ذا العصف والريحان بالنصب فيها جميعا. أي : وخلق الحبّ والريحان. وحمزة والكسائيّ : (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ) بالرفع (وَالرَّيْحانُ) بالجرّ. والباقون بالرفع في الجميع. (٦)

[١٣] (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣))

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ). الخطاب للثقلين بدلالة الأنام عليهما وقوله : «سنفرغ لكم أيّها الثقلان». (٧)

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ). قال : في الظاهر مخاطبة الجنّ والإنس. وفي الباطن فلان وفلان. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام ؛ أي : فبأيّ النعمتين تكذّبان؟ بمحمّد أم بعليّ عليهما‌السلام؟ (٨)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٣ ، عن الرضا عليه‌السلام.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤٤٤.

(٣) الكشّاف ٤ / ٤٤٤.

(٤) في النسخة والمصدر : «التين». ولا وجه له.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٤.

(٦) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٢ ، ومجمع البيان ٩ / ٢٩٧.

(٧) الكشّاف ٤ / ٤٤٥.

(٨) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٤. والحديث الأوّل آخر فقرة من رواية الإمام الرضا عليه‌السلام المذكورة متفرّقة ذيل الآيات السابقة.

٦

فأمّا الوجه لتكرار (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإنّما هو التقرير بالنعم المعهودة والتأكيد في التذكير بها. فكلّما ذكر سبحانه نعمة قرّر عليها ووبّخ على التكذيب بها. كما يقول الرجل لغيره : أما أحسنت إليك حين أطلقت لك مالا؟ أما أحسنت إليك حين ملّكتك عقارا؟ أما أحسنت إليك حين بنيت لك دارا؟ فيحسن فيه التكرير. (١)

[١٤] (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤))

(صَلْصالٍ) : هو الطين اليابس له صلصلة. و «الفخّار» : الطين المطبوخ بالنار ، وهو الخزف. وقد خلقه من تراب جعله طينا ثمّ حمأ مسنونا ثمّ صلصالا. (٢)

[١٥ ـ ١٦] (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦))

(وَخَلَقَ الْجَانَّ) : أبا الجنّ. قيل : هو إبليس. والمارج : اللهب الصافي لا دخان فيه. وقيل : المختلط بسواد النار. وقوله : (مِنْ نارٍ) بيان لمارج. كأنّه قيل : من صاف من نار أو مختلط من نار. أو أراد نارا مخصوصة. (٣)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد سئل عن اسم أبي الجنّ فقال : شومان. وهو الذي خلق من مارج من نار. (٤)

[١٧] (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧))

(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ). أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربهما. (٥)

(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ). إنّما كان نعمة لما في ذلك من الفوائد التي لا تحصى كاعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كلّ فصل فيه إلى غير ذلك. (٦)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (الْمَشْرِقَيْنِ) رسول الله وأمير المؤمنين عليهما‌السلام. و (الْمَغْرِبَيْنِ)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٣٠١.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤٤٥.

(٣) الكشّاف ٤ / ٤٤٥.

(٤) عيون الأحبار الرضا ١ / ١٨٩ ، ح ١.

(٥) الكشّاف ٤ / ٤٤٥.

(٦) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٢.

٧

الحسن والحسين. (١)

[١٩] (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩))

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) ؛ أي : أرسل البحر الملح والبحر العذب متجاورين متلاقيين لا فصل بينهما في مرأى العين. (٢)

(الْبَحْرَيْنِ) ؛ أي : بحر فارس والروم. (يَلْتَقِيانِ) في المحيط لأنّهما خليجان ينشعبان منه. (٣)

[٢٠ ـ ٢١] (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١))

(بَرْزَخٌ) ؛ أي : حاجز من الأرض لا يبغي أحدهما على الأخر بالممازجة وإبطال الخاصيّة. (٤)

(بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) ؛ أي : حاجز من قدرة الله. (لا يَبْغِيانِ) : لا يتجاوزان حدّيهما ولا يبغي أحدهما على الأخر بالممازجة. (٥)

[٢٢ ـ ٢٣] (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣))

(اللُّؤْلُؤُ) : الدرّ. و (الْمَرْجانُ) : هذا الخرز الأحمر. وقيل : اللّؤلؤ كبار الدرّ ، والمرجان صغاره. فإن قلت : لم قال : (مِنْهُمَا) وإنّما يخرجان من الملح؟ قلت : لمّا التقيا وصارا كالشيء الواحد ، جاز أن يقال : يخرجان منهما. وقيل : لا يخرجان إلّا من ملتقى الملح والعذب. (٦)

عن أمير المؤمنين في قوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) قال : من ماء السماء ومن ماء البحر. فإذا مطرت ، فتحت الأصداف أفواههما في البحر فيقع فيها من ماء المطر فتخلق

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٤ / ٩٦.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤٤٥.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٢.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٣.

(٥) الكشّاف ٤ / ٤٤٥.

(٦) الكشّاف ٤ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦.

٨

اللّؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة واللّؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة. (١)

وعن سلمان الفارسيّ وسعيد بن جبير وسفيان الثوريّ : انّ (الْبَحْرَيْنِ) عليّ وفاطمة.

(بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) : محمّد. (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) : الحسن والحسين عليهم‌السلام. أهل البصرة والكوفة : (يَخْرُجُ) بفتح الراء وضمّ الياء. (٢)

[٢٤ ـ ٢٥] (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥))

(الْجَوارِ) : السفن. (الْمُنْشَآتُ) : المرفوعات الشرع. وقرئ بكسر الشين. أي : الرافعات الشرع ، أو اللّاتي ينشئن الأمواج بجريهنّ. (كَالْأَعْلامِ) ؛ أي : الجبال. (٣)

حمزة : «منشئات» بكسر الشين. (٤)

[٢٦ ـ ٢٨] (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨))

(كُلُّ مَنْ عَلَيْها) ؛ أي : على الأرض من المركّبات والحيوانات أو الثقلين (فانٍ). (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) ؛ أي : ذاته. ولو استقرأت جهات الموجودات وتفحّصت وجوهها ، وجدتها بأسرها فانية في حدّ ذاتها إلّا وجه الله ؛ أي : الوجه الذي يلي جهته. (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) : ذو الاستغناء المطلق والفضل العام (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما) من إبقاء ما لا يحصى ممّا هو على صدر الفناء رحمة منه وفضلا ، أو ممّا ترتّب على إفناء الكلّ من الإعادة والحياة الدائمة والنعيم المقيم. (٥)

(وَجْهُ رَبِّكَ) ؛ أي : ذاته. والوجه يعبّر به عن الجملة والذات. (ذُو الْجَلالِ). صفة الوجه. أي : الذي يجلّه الموحّدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم. أو : الذي يقال له : ما أجلّك و

__________________

(١) قرب الإسناد / ٦٤.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٣٠٥ و ٣٠٣.

(٣) الكشّاف ٤ / ٤٤٦.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٣٠٣.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٣.

٩

أكرمك! أو : من عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده. وهذه الصفة من عظيم صفات الله. فإن قلت : ما النعمة في ذلك؟ قلت : أعظم النعمة وهي مجيء وقت الجزاء عقيب ذلك. (١)

عن الرضا عليه‌السلام : وجه الله أنبياؤه وحججه عليهم‌السلام الذين بهم يتوجّه إلى الله وإلى دينه وإلى معرفته. (٢)

عن عليّ عليه‌السلام : (إِلَّا وَجْهَهُ)(٣) : إلّا دينه. (٤)

[٢٩] (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩))

(يَسْئَلُهُ). المراد بالسؤال ما يدلّ على الحاجة إلى تحصيل شيء ، نطقا كان أم غيره. (فِي شَأْنٍ) : يحدث أشخاصا ويجدّد أحوالا. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما) ؛ أي : ما يسعف به سؤالكما وما يخرج لكما من مكمن العدم شيئا. (٥)

(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ). يسأله أهل السموات ما يتعلّق بدينهم وأهل الأرض ما يتعلّق بدينهم ودنياهم. (هُوَ فِي شَأْنٍ). عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا تلاها قيل له : وما ذلك الشأن؟ فقال : من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرّج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين. وقيل : نزلت في اليهود حين قالوا : إنّ الله لا يقضي يوم السبت شيئا. وسأل عبد [الله] بن طاهر الحسين بن فضل عن هذه الآية وقال : قد صحّ أنّ القلم جفّ بما هو كائن إلى يوم القيامة. فقال الحسين : إنّها شؤون يبديها لا شؤون يبتدئها. (٦)

[٣١] (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١))

(سَنَفْرُغُ). مستعار من قول الرجل لمن يتهدّده : سأفرغ لك. يريد : سأتجرّد للإيقاع بك

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧.

(٢) عيون الأخبار ١ / ٩٤ ، ح ٣.

(٣) القصص (٢٨) / ٨٨.

(٤) الاحتجاج ١ / ٢٥٣.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٣.

(٦) الكشّاف ٤ / ٤٤٨.

١٠

من كلّ ما يشغلني عنك حتّى لا يكون لي شغل سواه. والمراد التوفّر على الانتقام منه. ويجوز أن يريد : ستنتهي الدنيا وتنتهي عند ذلك شؤون الخلق الذي أرادها بقوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فلا يبقى إلّا شأن واحد وهو جزاؤكم. فجعل ذلك فراغا لهم على طريق المثل.

(الثَّقَلانِ) : الإنس والجنّ. سمّيا بذلك لأنّهما ثقلا الأرض. (١)

(أَيُّهَ الثَّقَلانِ). قال : نحن وكتاب الله. والدليل على ذلك قول رسول الله : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي. (٢)

أهل الكوفة غير عاصم : «سيفرغ» بالياء. (٣)

[٣٣] (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣))

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ). كالترجمة لقوله : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ). (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) أن تهربوا من قضائي وتخرجوا من ملكوتي ومن سمائي وأرضي ، فافعلوا. ثمّ قال : لا تقدرون على النفوذ. (إِلَّا بِسُلْطانٍ) ؛ يعني : بقوّة وقهر. وأنّى لكم ذلك؟ وروي أنّ الملائكة تنزل فتحيط بجميع الخلائق ، فإذا رآهم الجنّ والإنس هربوا ، فلا يأتون وجها إلّا رأوا الملائكة أحاطوا به. (٤)

(تَنْفُذُوا) ؛ أي : تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من الله. (إِلَّا بِسُلْطانٍ) ؛ أي : بقوّة وقهر. أو : إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا ما في السموات والأرض ، فانفذوا لتعلموا لكن لا تنفذون ولا تعلمون إلّا ببيّنة نصبها الله فتعرجون عليها بأفكاركم. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما). أي من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة ، أو ما نصب من المصاعد العقليّة والمعارج النقليّة فتنفذون بها إلى ما فوق السموات العلى. (٥)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة ، جمع الله العباد في صعيد واحد. وذلك أنّه

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٤٤٨.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٥.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٣٠٧.

(٤) الكشّاف ٤ / ٤٤٨ ـ ٤٤٩.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٤.

١١

يوحي إلى السماء الدنيا أن اهبطي بما فيك ، فيهبط أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجنّ والإنس والملائكة. [ثمّ يهبط أهل السماء الثانية بمثل الجميع مرّتين.] فلا يزالون كذلك حتّى يهبط أهل سبع سموات فيصير الجنّ والإنس في سبع سرادقات من الملائكة ثمّ ينادي مناد : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الآية]. فينظرون ، فإذا قد أحاط بهم سبعة أطواق من الملائكة. (أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ) ؛ أي : تخرجوا هاربين من الموت. والمعنى : حيث ما كنتم أدرككم الموت ولا تخرجون من سلطاني فأنا آخذكم بالموت. (١)

[٣٥ ـ ٣٦] (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦))

(شُواظٌ). وهو اللهب الخالص. والنحاس : الدخان. وقيل : الصفر المذاب يصبّ على رؤوسهم. وعن ابن عبّاس : إذا خرجوا من قبورهم ، ساقهم شواظ إلى المحشر. (فَلا تَنْتَصِرانِ) ؛ أي : فلا تمتنعان. (٢)

(شُواظٌ). قرأ ابن كثير بكسر الشين. ابن كثير وأهل البصره : (وَنُحاسٌ) بالجرّ. (٣)

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما). فإنّ التهديد لطف والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء والانتقام من الكفّار في عداد الآلاء. (٤)

[٣٧ ـ ٣٨] (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨))

(كَالدِّهانِ) : كدهن الزيت. وهو جمع دهن ، أو اسم لما يدهن به. وقيل : الدهان : الأديم الأحمر. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٣١١ و ٣١٠.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤٤٩.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٣٠٧.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٤.

(٥) الكشّاف ٤ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

١٢

(وَرْدَةً كَالدِّهانِ) : مذابة كالدهن.

[٣٩ ـ ٤٠] (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠))

(وَلا جَانٌّ). أي بعضهم. أي لا يسألون لأنّهم يعرفون بسيما المجرمين وهي سواد الوجوه وزرقة العيون. فإن قلت : هذا خلاف قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ). (١) قلت : ذاك يوم طويل وفيه مواطن ، فيسألون في موطن ولا يسألون في آخر. قال قتادة : قد كانت مسألة ، ثمّ ختم على أفواه القوم فتكلّمت أيديهم وأرجلهم. وقيل : لا يسأل عن ذنبه ليعلم من جهته ولكن يسأل سؤال توبيخ. (٢)

(لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ). قال : منكم. يعني من الشيعة. (إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) قال : معناه : من توالى أمير المؤمنين عليه‌السلام وتبرّأ من أعدائه وآمن بالله وأحلّ حلاله وحرّم حرامه ، ثمّ دخل في الذنوب ولم يتب في الدنيا ، عذّب بها في البرزخ ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسأل عنه يوم القيامة. (٣)

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما). أي ممّا أنعم الله على عباده المؤمنين في هذا اليوم. (٤)

[٤١ ـ ٤٢] (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢))

(فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ). عن الضحّاك : يجمع بين ناصيته وقدمه في سلسلة. (٥)

(بِسِيماهُمْ). وهو ما يعلوهم من الكآبة والحزن. (بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) مجموعا بينهما. وقيل : يؤخذون بالنواصي تارة وبالأقدام أخرى. (٦)

عن معاوية الدهنيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) قال :

__________________

(١) الحجر (١٥) / ٩٢.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤٥٠.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٥.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٤.

(٥) الكشّاف ٤ / ٤٥١.

(٦) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٤٥.

١٣

يا معاوية ، ما يقولون في هذا؟ قلت : يزعمون أنّ الله يعرف المجرمين بسيماهم في القيامة فيأمر بهم فيؤخذون بنواصيهم وأقدامهم فيلقون في النار. فقال لي : وكيف يحتاج تبارك وتعالى إلى معرفة [خلق] أنشأهم وهو خلقهم؟ فقلت : جعلت فداك ؛ وما ذلك؟ قال : لو قام قائمنا ، أعطاه الله السيماء فيأمر بالكافرين فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ثمّ يخبط بالسيف. (١)

[٤٣ ـ ٤٥] (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥))

عن الرضا عليه‌السلام أنّه قيل له : إنّ قوما يقولون : إنّ الجنّة والنار اليوم مقدّرتان غير مخلوقتين. فقال عليه‌السلام : لا هم منّا ولا نحن منهم. من أنكر خلق الجنّة والنار ، فقد كذّب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذّبنا وليس من ولايتنا في شيء ويخلّد في النار. قال الله : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي) ـ الآية. (٢)

(حَمِيمٍ آنٍ) : ماء حارّ قد انتهى حرّه ونضجه. أي : يعاقب عليهم بين التصلية بالنار وبين شرب الحميم. وقيل : إذا استغاثوا من النار ، جعل غياثهم الحميم. وقيل : إنّ واديا من أودية جهنّم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الأغلال فيغمسون فيه حتّى تنخلع أوصالهم ثمّ يخرجون منها وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا. (٣)

(فَبِأَيِّ) ـ الآية. الوجه في ذلك أنّ التذكير بفعل العقاب والإنذار به من أكبر النعم.

[لأنّ] في ذلك زجرا عمّا يستحقّ به العذاب وبعثا وحثّا على فعل ما يستحقّ به الثواب. (٤)

[٤٦ ـ ٤٧] (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧))

(مَقامَ رَبِّهِ) : توقّفه الذي يقف فيه. أو : مقامه بين يدي ربّه فترك المعصية والشهوة. وقال الصادق عليه‌السلام : من علم أنّ الله يراه ويسمع ما يقول من خير وشرّ فيحجزه ذلك عن

__________________

(١) بصائر الدرجات / ٣٧٦ ، ح ٨.

(٢) عيون الأخبار ١ / ٩٤ ، ح ٣.

(٣) الكشّاف ٤ / ٤٥١.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٣١٢.

١٤

القبيح من الأعمال ، فله (جَنَّتانِ)(١) ؛ أي : جنّة النعيم وجنّة عدن. [عن مقاتل]. وقيل : إحدى الجنّتين منزله والأخرى منزل أزواجه وخدمه. وقيل : جنّة من فضّة وجنّة من ذهب. (٢)

(مَقامَ رَبِّهِ) : موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة. من قوله : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ). (٣) ويجوز أن يراد بمقام ربّه أنّ الله قائم عليه ؛ أي : حافظ مهيمن ـ من قوله : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ)(٤) ـ فهو يراقب ذلك فلا يجسر على معصيته. وقيل : هو مقحم. كما تقول : أخاف جانب فلان. فإن قلت : لم قال : (جَنَّتانِ)؟ قلت : الخطاب للثقلين. فكأنّه قيل : لكلّ خائفين منكما جنّتان ، جنّة للخائف الإنسيّ وجنّة للخائف الجنّيّ. ويجوز أن يقال : جنّة لفعل الطاعات وجنّة لترك المعاصي ، وأن يقال : جنّة يثاب بها ، وجنّة على وجه التفضّل لقوله : (وَزِيادَةٌ)(٥). (٦)

[٤٨] (ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨))

ثمّ وصف الجنّتين فقال : (ذَواتا أَفْنانٍ) ؛ أي : ذواتا ألوان من النعيم والفواكه. وقيل : ذواتا أغصان. (٧)

(ذَواتا أَفْنانٍ). خصّ الأفنان بالذكر ، وهي الغصنة التي يتشعّب من فروع الشجرة ، لأنّها هي التي تورق وتثمر فمنها يمتدّ الظلال ومنها يجتنى الثمار. (٨)

[٥٠ ـ ٥١] (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١))

__________________

(١) كذا في المصدر أيضا. والحديث مرويّ في الكافي ٢ / ٨٠ ، ح ١ أيضا وفي آخره : «... من الأعمال ، فذلك الذي خاف مقام ربّه و....» وقد أدغم في المجمع بين كلامه عليه‌السلام وكلام مقاتل.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٣١٤.

(٣) المطفّفين (٨٣) / ٦.

(٤) الرعد (١٣) / ٣٣.

(٥) يونس (١٠) / ٢٦.

(٦) الكشّاف ٤ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(٧) مجمع البيان ٩ / ٣١٤.

(٨) الكشّاف ٤ / ٤٥٢.

١٥

(فِيهِما) ؛ أي : في الجنّتين (عَيْنانِ) من الماء (تَجْرِيانِ) بين أشجارهما. وقيل : عينان [إحداهما من ماء غير آسن والأخرى] من خمر لذّة للشاربين. (١)

(عَيْنانِ تَجْرِيانِ) بالماء الزلال إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل. (٢)

[٥٢ ـ ٥٣] (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣))

(زَوْجانِ) : نوعان وضربان يتشاكلان تشاكل الذكر والأنثى. فلذلك سمّاهما زوجين. وذلك كالرطب واليابس من العنب والزبيب والرطب واليابس من التين. وكذلك سائر الأنواع لا يقصر يابسه عن رطبه في الفضل والطيب. (٣)

(زَوْجانِ) : صنفان. قيل : صنف معروف وصنف غريب. (٤)

[٥٤ ـ ٥٥] (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥))

(مُتَّكِئِينَ). حال ممّن ذكر في قوله : (لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ). أي : جالسين كالملوك (عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) ؛ أي : ديباج غليظ. وأمّا الظهائر فهي من سندس وهو الديباج الرقيق. (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ). الجنى : الثمر الجنيّ. أي تدنو الشجرة حتّى يجتنيها وليّ الله. (٥)

(بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) وظواهرها من نور. (٦)

[٥٦ ـ ٥٧] (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧))

(قاصِراتُ الطَّرْفِ) : قصرن طرفهنّ على أزواجهنّ لم يردن غيرهنّ. والطرف : جفن العين. (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ) ؛ أي : لم يفتضّهن. أي إنّهنّ أبكار. قرأ الكسائيّ وحده : «لم يطمثهن» بكسر

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٣١٤.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤٥٢.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٣١٤.

(٤) الكشّاف ٤ / ٤٥٢.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٣١٤ ـ ٣١٥.

(٦) الكشّاف ٤ / ٤٥٢.

١٦

الميم في إحداهما وضمّها في الأخرى ، والباقون بكسر الميم في الحرفين معا. (١)

(فِيهِنَّ) ؛ أي : في هذه الآلاء المعروفة من الجنّتين والعينين والفاكهة والفرش. أو : في الجنّتين ، لاشتمالهما على أماكن وقصور ومجالس. (قاصِراتُ الطَّرْفِ) ؛ أي : نساء قصرن أبصارهنّ على أزواجهنّ. (٢)

(قاصِراتُ الطَّرْفِ). قال : الحور العين يقصر الطرف عنها من ضوء نورها. (٣)

[٥٨ ـ ٥٩] (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩))

(الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) في الصفاء والبياض. وقال الحسن : المرجان أشدّ من اللّؤلؤ بياضا. وفي الحديث : انّ المرأة من أهل الجنّة يرى مخّ ساقها من وراء سبعين حلّة من حرير. (٤)

(الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ). أي في حمرة الوجه وبياض البشرة وصفائها. (٥)

[٦٠] (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠))

(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ) في العمل (إِلَّا الْإِحْسانُ) في الثواب. (٦)

(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ) ؛ أي : ليس جزاء من أحسن في الدنيا إلّا أن يحسن إليه في الآخرة. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : يقول سبحانه : هل جزاء من أنعمنا عليه بالتوحيد إلّا الجنّة. وقيل : معناه : هل جزاء من أحسن إليكم بهذه النعم إلّا أن تحسنوا في شكره وعبادته. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : آية في كتاب الله مسجّلة. قول الله : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ). جرت في الكافر والمؤمن والبرّ والفاجر. ومن صنع إليه معروف ، فعليه أن يكافئ به. وليس المكافاة أن تصنع كما صنع حتّى يرضى. (٧) فإن صنعت كما صنع ، كان له الفضل

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٣١٥ و ٣١٣.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤٥٣.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٦.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٣١٥.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٦.

(٦) الكشّاف ٤ / ٤٥٣.

(٧) المصدر : يربي.

١٧

بالابتداء. (١)

عن الصادق عليه‌السلام : لعن الله قاطعي طريق المعروف. قيل : وما قاطعي سبيل المعروف؟ قال : الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره. (٢)

[٦٢ ـ ٦٣] (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣))

(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) ؛ أي : من دون تلك الجنّتين الموعودتين للمقرّبين جنّتان لمن دونهم من أصحاب اليمين. (٣)

(وَمِنْ دُونِهِما) ؛ أي : من دون الجنّتين اللّتين ذكرناهما لمن خاف مقام ربّه ، جنّتان أخراوان دون الأوليين. فإنّهما أقرب إلى قصره ليتضاعف له السرور بالنقل من جنّة إلى جنّة على ما هو معروف من طبع البشر. ومعنى دون هنا مكان قريب من الشيء بالإضافة إلى غيره. وقيل : المعنى أنّهما دون الجنّتين في الفضل. فقد روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : جنّتان من فضّة آنيتهما وما فيهما. وجنّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما. وعن العلاء بن سيابة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الناس يتعجّبون منّا اذا قلنا يخرج قوم من النار فيدخلون الجنّة ، فيقولون لنا : فيكونون مع أولياء الله في الجنّة! فقال : يا علاء ، إنّ الله يقول : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ). لا والله ما يكونون مع أولياء الله. قلت : كانوا كافرين؟ قال : لا. قلت : مؤمنين؟ قال : لا. لو كانوا كافرين ، لا يدخلون الجنّة. ولو كانوا مؤمنين ، لا يدخلون النار. ولكن بين ذلك. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : إنّ المؤمنين يدخلان الجنّة فيكون أحدهما أرفع مكانا من الآخر فيشتهي أن يلقى صاحبه. قال : من كان فوقه ، فله أن يهبط. ومن كان تحته ، فلم يكن له أن يصعد. لأنّه لم يبلغ ذلك المكان. ولكنّهم إذا أحبّوا ذلك واشتهوه ، التقوا على الأسرّة. (٤)

(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ). قال : جنّتان خضراوتان في الدنيا يأكل المؤمنون منهما حتّى

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٣١٥ ـ ٣١٦.

(٢) الفقيه ٢ / ٣١ ، ح ١٢٣.

(٣) الكشّاف ٤ / ٤٥٣.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٣١٨ ـ ٣١٩.

١٨

يفرغ من الحساب. (١)

[٦٤ ـ ٦٥] (مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥))

(مُدْهامَّتانِ) : قد ادهامّتا من شدّة الخضرة. (٢)

(مُدْهامَّتانِ) : خضراوان تضربان إلى السواد من شدّة الخضرة. وفيه إشعار بأنّ الغالب على هاتين الجنّتين النبات والرياحين المنبسط على وجه الأرض وعلى الأوليين الأشجار والفواكه دلالة على ما بينهما من التفاوت. (٣)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله : (مُدْهامَّتانِ) قال : تتّصل ما بين مكّة والمدينة. (٤)

[٦٦] (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦))

(نَضَّاخَتانِ). فوّارتان بالماء. (٥)

[٦٨ ـ ٦٩] (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩))

(وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ). وإنّما عطفهما على الفاكهة لأنّ النخل فاكهة وغذاء ورمّان فاكهة ودواء فلم يخلصا للتفكّه. ومنه قال أبو حنيفة : إذا حلف لا يأكل فاكهة فأكل رمّانا أو رطبا ، لم يحنث. وخالفه صاحباه. (٦)

[٧٠ ـ ٧١] (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١))

(خَيْراتٌ) : خيّرات ، فخفّف. وقرئ على الأصل. والمعنى فاضلات الأخلاق حسان الخلق. (٧)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٥ ، عن الصادق عليه‌السلام.

(٢) الكشّاف ٤ / ٤٥٣.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٦.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٦.

(٥) الكشّاف ٤ / ٤٥٣.

(٦) الكشّاف ٤ / ٤٥٣.

(٧) الكشّاف ٤ / ٤٥٤.

١٩

(خَيْراتٌ حِسانٌ). قال : جوار نابتات على شطّ الكوثر كلّما أخذت واحدة نبتت مكانها أخرى. (١)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (خَيْراتٌ حِسانٌ) قال : هنّ صوالح المؤمنات العارفات. (٢)

وقال عليه‌السلام في قول الرجل للرجل : جزاك الله خيرا ، قال : إنّ خيرا نهر في الجنّة مخرجه من الكوثر. والكوثر مخرجه من ساق العرش. عليه منازل الأوصياء وشيعتهم. على حافتي ذلك النهر جوار نابتات كلّما قلعت واحدة نبتت أخرى. يسمّى (٣) بذلك النهر. وذلك قوله : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ). فإذا قال الرجل للرجل : جزاك الله خيرا ، فإنّما يعني بذلك المنازل التي أعدّها الله لصفوته وخيرته. (٤)

وقال الصادق عليه‌السلام : الخيرات الحسان نساء أهل الدنيا. وهنّ أجمل من الحور العين. (٥)

[٧٢ ـ ٧٣] (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣))

(مَقْصُوراتٌ) : قصرن في خدورهنّ. يقال : امرأة مقصورة ؛ أي : مخدّرة. وقيل : إنّ الخيمة من خيامهنّ درّة مجوّفة. (٦)

(مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ). قال : لكلّ خيمة أربعة أبواب ، على كلّ باب سبعون كاعبا حجّابا لهنّ. (٧)

(مَقْصُوراتٌ) : مقصورات الطرف على أزواجهنّ. (٨)

[٧٤ ـ ٧٥] (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥))

(قَبْلَهُمْ) ؛ أي : قبل أصحاب الجنّتين. دلّ عليهم ذكر الجنّتين. (٩)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٦.

(٢) الكافي ٨ / ١٥٦ ، ح ١٤٧.

(٣) المصدر : سمّي. وفي كنز الدقائق ١٢ / ٥٩١ : سمّين تلك الجواري باسم ذلك النهر.

(٤) الكافي ٨ / ٢٣٠ ، ح ٢٩٨.

(٥) الفقيه ٣ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، ح ١٤٣٢.

(٦) الكشّاف ٤ / ٤٥٤.

(٧) الكافي ٨ / ١٥٦ ـ ١٥٧ ، ح ١٤٧ ، عن الصادق عليه‌السلام.

(٨) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٥٦ ـ ٤٥٧.

(٩) الكشّاف ٤ / ٤٥٤.

٢٠