عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-29-6
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٠

(لا يَشْعُرُونَ) باشتغالهم بأمور الدنيا وإنكارهم لها. (١)

عن أبي جعفر صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) ـ الآية ـ قال : هي ساعة قيام القائم عليه‌السلام. (٢)

[٦٧] (الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧))

(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ) ؛ أي : الذين تحابّوا وتواصلوا في الدنيا على الكفر ، يتعادون يوم القيامة لما يرى كلّ واحد منهم من العذاب بسبب تلك المصادقة. (٣)

قال الصادق عليه‌السلام : واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض وإن أفنيت عمرك في طلبهم. فإنّ الله لم يخلق أفضل منهم على وجه الأرض بعد النبيّين عليهم‌السلام. وما أنعم الله على عبد بمثل ما أنعم به من صحبتهم. قال الله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ) ـ الآية. (٤)

(الْأَخِلَّاءُ). عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : فأمّا الخليلان المؤمنان فتخالّا في الدنيا في طاعة الله وتوادّا عليها فمات أحدهما قبل صاحبه فأراه الله منزلته في الجنّة ، يشفع لصاحبه فيقول : يا ربّ خليلي كان يأمرني بطاعتك ويعينني عليها وينهاني عن معصيتك. فثبّته على ما ثبّتّني عليه من الهدى حتّى تريه ما أريتني. فيستجيب الله له حتّى يلتقيا عند الله فيقول كلّ واحد منهما لصاحبه : جزاك الله من خليل خيرا. كنت تأمرني بطاعة الله وتنهاني عن معصية الله. وأمّا الكافران فتخالّا بمعصية الله وتباذلا عليها ، فمات أحدهما قبل صاحبه فأراه الله منزله في النار فيقول : يا ربّ خليلي فلان كان يأمرني بمعصيتك وينهاني عن طاعتك. فثبّته على ما ثبّتّنى عليه من المعاصي حتّى تريه ما أريتني من العذاب. فيلتقيان عند الله يوم القيامة يقول كلّ واحد لصاحبه : جزاك الله من خليل شرّا. كنت تأمرنى بمعصية الله وتنهاني عن طاعة الله. ثمّ قرأ : (الْأَخِلَّاءُ) ـ الآية. (٥)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٧٧.

(٢) تأويل الآيات ٢ / ٥٧١ ، ح ٤٦.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٨٤.

(٤) مصباح الشريعة / ١٥٠ ـ ١٥١.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٨٧.

٤٤١

[٦٨ ـ ٦٩] (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩))

(يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ) ؛ أي : يقال لهم وقت الخوف : لا خوف عليكم من العذاب (وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) من فوات الثواب. (الَّذِينَ آمَنُوا). في محلّ النصب على البدل من عبادي أو الصفة. (بِآياتِنا) : بحججنا ودلائلنا واتّبعوها. (وَكانُوا مُسْلِمِينَ) : مستسلمين لأمرنا. (١)

«يا عبادي» بالياء في الحالين أبو جعفر ونافع وابن عامر وأبو عمرو. وقرأ حمّاد وأبو بكر بفتح الياء ، والباقون بغير ياء في الحالين. (٢)

[٧٠] (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠))

(أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) ؛ أي : نساؤكم المؤمنات. (تُحْبَرُونَ) ؛ أي : تسرّون سرورا يظهر حباره ـ أي : أثره ـ على وجوهكم. أو : تزيّنون. من الحبر وهو حسن الهيئة. (٣)

[٧١] (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١))

(بِصِحافٍ) ؛ أي : بقصاع (مِنْ ذَهَبٍ) فيها ألوان الأطعمة. (وَأَكْوابٍ) ؛ أي : كيزان لا عرى فيها. اكتفى سبحانه بذكر الصحاف والأكواب عن ذكر الطعام والشراب. (وَفِيها) ؛ أي : في الجنّة. (تَلَذُّ الْأَعْيُنُ) ؛ أي : تلذّه الأعين بالنظر إليها. (وَأَنْتُمْ فِيها) ؛ أي : في الجنّة وفي هذه الأنواع من الملاذّ. (خالِدُونَ). أهل المدينة وابن عامر وحفص : (ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) بزيادة الهاء. والباقون : (تَشْتَهِي) بحذفها. (٤)

عن القائم عليه‌السلام أنّه سئل عن أهل الجنّة هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا ، فأجاب عليه‌السلام : انّ الجنّة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفوليّة (وَفِيها ما

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) تفسير النيسابوريّ ٢٥ / ٧١.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٧٧.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٨٥ و ٨٤.

٤٤٢

تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ). فإذا اشتهى المؤمن ولدا ، خلقه الله بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم عليه‌السلام. (١)

(وَأَكْوابٍ) : جمع كوب ، وهو الإبريق لا عروة له. وقد يدور في الخلد أنّ العروة للكوز أمر زائد على مصلحة الشرب وإنّما هو لدفع حاجة كتعليق وتعلّق وفيها أيضا منع الشرب من هناك وأهل الجنّة برآء من أمثال ذلك فلهذا كانت أكوازها أكوابا. (٢)

[٧٢] (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢))

(أُورِثْتُمُوها) ؛ أي : أعطيتموها. قال ابن عبّاس : الكافر يرث نار المؤمن والمؤمن يرث جنّة الكافر. (٣)

[٧٣] (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣))

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : انّ الرجل في الجنّة يبقى على مائدته أيّام الدنيا ويأكل بأكلة واحدة بمقدار أكله في الدنيا. (٤)

[٧٤] (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦))

(مُبْلِسُونَ) ؛ أي : آيسون من كلّ خير. (هُمُ الظَّالِمِينَ) لنفوسهم. (٥)

عن أبي عبد الله : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) بتركهم ولاية أهل البيت عليهم‌السلام. (٦)

[٧٧] (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧))

(مالِكُ) : خازن جهنّم. (لِيَقْضِ عَلَيْنا) ؛ أي : ليمتنا ربّك حتّى نستريح من هذا العذاب.

__________________

(١) الاحتجاج / ٤٨٨.

(٢) تفسير النيسابوريّ ٢٥ / ٧٥.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٨٥.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٨٨.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٨٥ و ٨٧.

(٦) تأويل الآيات ٢ / ٥٧١ ، ح ٤٧.

٤٤٣

فيقول لهم مالك : إنّكم في العذاب مخلّدون. وعن ابن عبّاس : يجيبهم مالك بذلك بعد ألف سنة. في الشواذّ : «يا مال» وروي ذلك عن عليّ عليه‌السلام. (١)

(وَنادَوْا يا مالِكُ). وقرئ : «يا مال» على الترخيم مكسورا ومضموما. ولعلّه إشعار بأنّهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللّفظ بالتمام. (لِيَقْضِ عَلَيْنا) ؛ أي : سل ربّنا ليقض علينا. من قضى عليه ، إذا أماته. وهو لا ينافي إبلاسهم ، فإنّه تمنّ للموت من فرط الشدّة. (٢)

[٧٨ ـ ٨٠] (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠))

(لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ) ؛ أي : يقول الله : لقد أرسلنا إليكم الرسل ، ولكنّ أكثركم ـ معاشر الخلق ـ تكرهون الحقّ لأنّكم ألفتم الباطل فكرهتم مفارقته. (٣)

(جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ) ؛ أي : بالإرسال والإنزال. (٤)

(بِالْحَقِّ) ؛ يعني : بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ). ثمّ ذكر على أثر هذا خبرهم وما تعاهدوا عليه في الكعبة أن لا يردّوا الأمر في أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال جلّ ذكره : (أَمْ أَبْرَمُوا) ـ الآية. (٥)

(أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) : بل أحكموا أمرا في كيد محمّد. (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) ؛ أي : محكمون أمرا في مجازاتهم. (أَمْ يَحْسَبُونَ) : بل يظنّون هؤلاء الكفّار. (وَرُسُلُنا) ؛ أي : الحفظة. (٦)

عن بريدة الأسلميّ : انّ النبيّ قال لبعض أصحابه : سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين. فقال رجل من القوم : لا والله لا تجتمع النبوّة والخلافة في أهل بيت أبدا. فأنزل الله : (أَمْ أَبْرَمُوا) ـ الآية. (٧)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٨٧ و ٨٦.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٧٨.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٨٧.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٧٨.

(٥) تفسير القميّ ٢ / ٢٨٩.

(٦) مجمع البيان ٩ / ٨٧.

(٧) تأويل الآيات ٢ / ٥٧٢ ، ح ٤٨.

٤٤٤

(أَمْ أَبْرَمُوا). وذلك أنّهم اجتمعوا في دار الندوة وأجمعوا على الاغتيال بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وتناجوا في ذلك ، فكفّ عنه شرّهم وواعدهم عليه بأنّه يعلم سرّهم ونجواهم. (١)

السرّ ما حدّث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال. والنجوى : ما تكلّموا به فيما بينهم. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : نزلت في فلان وفلان وأبي عبيدة بن الجرّاح ـ وكان كاتبهم ـ وعبد الرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة حيث كتبوا الكتاب بينهم وتواثقوا وتعاهدوا لئن مضى محمّد ، لا تكون الخلافة في بني هاشم ولا النبوّة أبدا. قال أبو عبد الله : لعلّك ترى أنّه [كان] يوم يشبه يوم كتب الكتاب إلّا يوم قتل الحسين عليه‌السلام وهكذا كان في سابق علم الله عزوجل الذي أعلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن إذا كتب الكتاب قتل الحسين وخرج الملك من بني هاشم فقد كان ذلك كلّه. (٣)

[٨١] (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١))

(إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ). فيه أقوال. [أحدها :] انّ معناه إن كان للرحمن ولد في قولكم وزعمكم ، فأنا أوّل من عبد الله ، ومن عبده فقد دفع أن يكون له ولد. والمعنى : أنا أوّل الموحّدين المنكرين لقولكم. وثانيها : انّ معناه : لو كان له ولد ، لكنت أوّل الآنفين عن عبادته. لأنّ من يكون له ولد لا يكون إلّا جسما محدثا ، ومن كان كذلك لا يستحقّ العبادة. وثالثها : انّ إن بمعنى النفي. أي : ما كان للرحمن ولد وأنا أوّل المقرّين بذلك. عن ابن عبّاس. ورابعها : انّه لو كان له ولد ، لكنت أوّل من يعبده بأنّ له ولدا ولكن لا ولد له. وهذا تحقيق لنفي الولد. (٤)

(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) قضيّة شرطيّة شرطها وجزاؤها ممتنعان إلّا أنّ الملازمة صادقة. نظيره قولك : إن كانت الخمسة زوجا ، فهي منقسمة بمتساويين. وهذا على سبيل

__________________

(١) تفسير النيسابوريّ ٢٠ / ٧٦.

(٢) الكشّاف ٤ / ٢٦٥.

(٣) الكافي ٨ / ١٧٩ ـ ١٨٠ ، ح ٢٠٢.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٨٧ ـ ٨٨.

٤٤٥

الفرض والتقدير. (١)

(إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) : إن صحّ وثبت ببرهان صحيح ، فأنا أوّل من يعظّم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له كما يعظّم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه. وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض وهو المبالغة في نفي الولد. لأنّه علّق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلّق بها محالا مثلها. وقيل : معناه : أنا أوّل الآنفين من أن يكون له ولد. من عبد يعبد ، إذا اشتدّ أنفه. (٢)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ؛ أي : الجاحدين. والتأويل في هذا القول باطنه مضادّ لظاهره. (٣)

(أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ؛ أي : القائلين بأنّ الله تعالى ليس له ولد. (٤)

[٨٢] (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢))

(عَمَّا يَصِفُونَ) من اتّخاذ الولد. لأنّ من قدر على ذلك ، استغنى عن الولد. (٥)

[٨٣] (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣))

(يَخُوضُوا) في باطلهم (وَيَلْعَبُوا) في دنياهم. (يُوعَدُونَ) فيه بعذاب الأبد. (٦)

[٨٤] (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤))

(فِي السَّماءِ إِلهٌ) ؛ أي : هو الذي تحقّ له العبادة في السماء وتحقّ له العبادة في الأرض. (٧)

[٨٥] (وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥))

__________________

(١) تفسير النيسابوريّ ٢٥ / ٧٦.

(٢) الكشّاف ٤ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦.

(٣) الاحتجاج / ٢٥٠.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٨٩.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٨٨.

(٦) مجمع البيان ٩ / ٨٨.

(٧) مجمع البيان ٩ / ٨٨.

٤٤٦

(وَتَبارَكَ) ؛ أي : دامت بركته فمنه البركات وإيصال السعادات. (عِلْمُ السَّاعَةِ) ؛ أي :

علم يوم القيامة. لأنّه لا يعلم وقته على التعيين غيره. (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يوم القيامة فيجازي كلّا على قدر عمله. ابن كثير وأهل الكوفة غير عاصم : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) بالياء ، والباقون بالتاء. (١)

[٨٦] (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦))

(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ) ؛ أي : الذي يدعوه الكفّار إلها ويوجّهون عبادتهم إليه من الأصنام وغيرها. (الشَّفاعَةَ) لمن يعبدهم كما توهّمه الكفّار. (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ). وهم عيسى وعزير والملائكة. استثناهم ممّن عبد من دون الله. فإنّ لهم منزلة الشفاعة. وقيل : معناه : لا يملك أحد من الملائكة وغيرهم الشفاعة إلّا لمن شهد بالحقّ ؛ أي : شهد ألّا إله إلّا الله. وذلك أنّ النضر بن الحارث وجماعة من قريش قالوا : إن كان ما يقوله محمّد حقّا ، فنحن نتولّى الملائكة وهم أحقّ بالشفاعة ، فنزلت الآية. فالمعنى أنّهم يشفعون للمؤمنين بإذن الله. (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ؛ أي : يعلمون بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم. (٢)

(إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ) ؛ أي : ولكن من شهد بالحقّ ـ وهو توحيد الله ـ هو الذي يملك الشفاعة. وهو استثناء منقطع. ويجوز أن يكون متّصلا. لأنّ في جملة الذين يدعون من دون الله الملائكة. (٣)

[٨٧] (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧))

(لَيَقُولُنَّ اللهُ). لأنّهم يعلمون ضرورة أنّ أصنامهم لم تخلقهم. (فَأَنَّى) يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره؟ (٤)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٨٨ و ٨٦.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٩٠.

(٣) الكشّاف ٤ / ٢٦٨.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٩٠.

٤٤٧

[٨٨] (وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨))

(وَقِيلِهِ يا رَبِّ). قال قتادة : هذا نبيّكم يشكو قومه إلى ربّه وينكر عليهم تخلّفهم عن الإيمان. وذكر أنّ قراءة عبد الله : وقال الرسول يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون» وعلى هذا فالهاء في قيله يعود إلى النبيّ. عاصم وحمزة : (وَقِيلِهِ) بالجرّ ، والباقون بالنصب. (١)

(وَقِيلِهِ). قرئ بالحركات الثلاث. وذكر في النصب عن الأخفش أنّه حمله على : أم يحسبون أنّا لا نسمع سرّهم ونجواهم وقيله؟ وعنه : وقال قيله. وعطفه الزجّاج على محلّ (السَّاعَةِ) ، وحمل الجرّ على لفظ (السَّاعَةِ) والرفع على الابتداء والخبر ما بعده. وجوّز عطفه على (عِلْمُ السَّاعَةِ) على تقدير حذف المضاف. أي : عنده علم الساعة وعلم قيله. والذي قالوه ليس بقويّ في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر النظم. وأقوى من ذلك وأوجهها أن يكون الجرّ والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه ، والرفع على قولهم : أيمن الله وقوله : (إِنَّ هؤُلاءِ) جواب القسم. كأنّه قيل : وأقسم بقيله : يا ربّ إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون. والضمير في قوله : (قِيلِهِ) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإقسام الله بقيله رفع منه وتعظيم لدعائه والتجائه إليه. (٢)

[٨٩] (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩))

(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) ؛ أي : أعرض ـ يا محمّد ـ عنهم بصفح وجهك. (وَقُلْ سَلامٌ) ؛ أي : مداراة ومتاركة. وقيل : هو سلام هجران ومجانبة لا سلام تحيّة وإكرام. وقيل : معناه : قل ما تسلم به من شرّهم وأذاهم. وهذا منسوخ بآية السيف. وقيل : معناه : فاصفح عن سفههم ولا تقابلهم بمثله. ندبه سبحانه إلى الحلم ، فلا يكون منسوخا. «فسوف تعلمون» يعني يوم القيامة. وأهل المدينة والشام : «فسوف تعلمون» بالتاء ، والباقون بالياء. (٣)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٩٠ و ٨٩.

(٢) الكشّاف ٤ / ٢٦٨.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٩٠ و ٨٩.

٤٤٨

٤٤.

سورة الدخان

الدخان : من حملها ، كان مهابا محبوبا آمنا من شرّ كلّ ملك. ومن شربها ، أمن من كلّ نمّام. وإن علّقت على طفل حين طهوره ، أمن من الجنّ والهوامّ. (١)

وعن الباقر عليه‌السلام : من قرأها في فرائضه ونوافله ، بعث من الآمنين وأظلّه الله تحت عرشه وحاسبه حسابا يسيرا وأعطاه كتابه بيمينه. (٢)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها في ليلة جمعة ، غفر الله له وكان له بكلّ حرف منها مائة ألف رقبة واستغفر له سبعون ألف ملك. ومن قرأها في ليلة الجمعة ويومها ، بنى الله له بيتا في الجنّة. (٣)

وعن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث يقول له السائل : كيف أعرف ليلة القدر يكون في كلّ سنة ليلة؟ قال : فإذا أتى شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في كلّ ليلة مائة مرّة. فإذا أتت ليلة ثلاث وعشرين ، فإنّك ناظر إلى تصديق الذي سألت. (٤)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * حم (١))

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : وأمّا (حم) فمعناه : الحميد المجيد. (٥)

[٢ ـ ٣] (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣))

__________________

(١) المصباح / ٦١٠.

(٢) المصباح / ٥٩١ ، عن الصادق عليه‌السلام.

(٣) المصباح / ٥٩١.

(٤) الكافي ١ / ٢٥٢ ، ح ٨.

(٥) معاني الأخبار / ٢٢ ، ح ١.

٤٤٩

أقسم سبحانه بالقرآن وجعل جواب القسم : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ). هي ليلة القدر. [وإنّما وصفها بأنّها مباركة] لأنّ فيها يقسّم الله النعم على العباد. (مُنْذِرِينَ) ؛ أي : مخوّفين بما أنزلناه من تعذيب العصاة. (١)

وعن الكاظم عليه‌السلام أنّه سأله رجل نصرانيّ من تفسير (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) في الباطن فقال : أمّا حم ، فهو محمّد صلوات الله عليه وآله وهو في كتاب هود عليه‌السلام الذي أنزل عليه وهو منقوص الحروف. وأمّا الكتاب المبين ، فهو أمير المؤمنين عليه‌السلام. وأمّا اللّيل ، ففاطمة عليها‌السلام. وأمّا قوله : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يقول : يخرج منها خير كثير ؛ فرجل حكيم ورجل حكيم ورجل حكيم ـ الحديث. (٢)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) ؛ يعني : القرآن (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ). هي ليلة القدر ؛ أنزل الله القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ثمّ أنزل من البيت المعمور على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في طول عشرين سنة. (٣)

[٤] (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤))

(يُفْرَقُ) ؛ أي : يقضى كلّ أمر محكم لا يلحقه الزيادة والنقصان ، وهو الأرزاق والآجال من السنة إلى مثلها. (٤)

(فِيها يُفْرَقُ) : في ليلة القدر يقدّر الله [كلّ أمر] من الحقّ والباطل وما يكون في تلك السنة. وله فيه البداء والمشيّة ؛ يقدّم منه ما يشاء ويؤخّر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا [و] يزيد فيه وينقص ما يشاء ويلقيه رسول الله إلى أمير المؤمنين عليهما‌السلام وهو إلى الأئمّة وهكذا إلى أن ينتهي إلى صاحب الزمان عليه‌السلام. ويشترط فيه البداء والمشيّة. (٥)

(كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ؛ أي : محكم ليس فيه اختلاف. فمن حكم بما ليس فيه اختلاف ، فحكمه

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٩٢ ـ ٩٣.

(٢) الكافي ١ / ٤٧٨ ـ ٤٧٩ ، ح ١.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٩٠.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٩٣.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٩٠ ، عن الباقر عليه‌السلام.

٤٥٠

من حكم الله. ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب ، فقد حكم بحكم الطاغوت. إنّه في ليلة القدر لينزل إلى وليّ الله تفسير الأمور سنة [سنة]. وإنّه ليحدث في وليّ الله (١) سوى ذلك كلّ يوم علم الله مثل ما ينزل في تلك اللّيلة من الأمر. هكذا روي عن أبي جعفر عليه‌السلام. (٢)

[٥ ـ ٦] (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦))

(مُرْسِلِينَ) أي محمّدا إلى عبادنا وفيمن قبله من الأنبياء ، رحمة منّا بخلقنا. (٣)

[٧ ـ ٩] (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩))

(إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) بهذا الخبر محقّقين له وهو أنّه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ؛ أي : لا يستحقّ العبادة سواه. (بَلْ هُمْ) ؛ أي : هؤلاء الكفّار (فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) : ليسوا بموقنين بما أخبرناك به بل هم منه في شكّ ومع ذلك يستهزئون بك وبالقرآن. وقيل : يشتغلون بالدنيا ويتردّدون في أحوالها. (٤)

فإن قلت : ما معنى الشرط الذي هو قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)؟ قلت : كانوا يقرّون بأنّ للسموات والأرض ربّا وخالقا فقيل لهم : إنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب ، من الربّ الذي أنتم تعترفون بأنّه ربّ السموات والأرض إن كان إقراركم عن علم وإيقان. ثمّ ردّ أن يكونوا موقنين بقوله : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) وأنّ إقرارهم غير صادر عن علم ولا جدّ وحقيقة بل هو قول مخلوط بهزء ولعب. (٥)

[١٠ ـ ١١] (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١))

__________________

(١) المصدر : ليحدث لوليّ الأمر.

(٢) الكافي ١ / ٢٤٨ ، ح ٣.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٩٣.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٩٣.

(٥) الكشّاف ٤ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

٤٥١

(فَارْتَقِبْ) : فانتظر يا محمّد (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ). وذلك أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا على قومه لمّا كذّبوه فقال : اللهمّ اجعل عليهم سنينا كسنين يوسف. فأجدبت الأرض وأصابت قريش المجاعة. فكان الرجل لما به من الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان وأكلوا الميتة والعظام. فقالوا له : جئت تأمرنا بصلة الرحم وقومك قد هلكوا! فسأل الله الخصب فكشف عنهم فعادوا إلى الكفر. عن ابن عبّاس. وقيل : إنّ الدخان آية من أشراط الساعة يدخل في مسامع الكفّار والمنافقين. وإنّه يأتي قبل قيام الساعة ويصيب المؤمن منه مثل الزكمة. يمكث أربعين يوما. (يَغْشَى النَّاسَ) ؛ يعني : الدخان يعمّ جميع الناس. وعلى الأوّل المراد أهل مكّة وهم الذين يقولون : (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ). (١)

(يَوْمَ). مفعول به. (٢)

(يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ). قال : ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر. (يَغْشَى النَّاسَ) كلّهم الظلمة. (٣)

(تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ). لأنّ الهواء يظلم في عام القحط لقلّة الأمطار وكثرة الغبار ، أو لأنّ العرب تسمّي الشرّ الغالب دخانا. وقد قحطوا حتّى أكلوا جيف الكلاب وعظامها. (٤)

[١٢ ـ ١٤] (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤))

(رَبَّنَا اكْشِفْ) ؛ أي : يقولون عند ذلك : إنّا مؤمنون بمحمّد والقرآن. فأجابهم الله : من أين لهم الاتّعاظ وحالهم أنّه جاءهم رسول ظاهر الصدق فأعرضوا وقالوا : معلّم [مجنون] بادّعائه النبوّة. (٥)

(رَبَّنَا اكْشِفْ). مقدّر بقول وقع حالا. (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) بيّن لهم ما هو أعظم

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٩٣ ـ ٩٤.

(٢) الكشّاف ٤ / ٢٧٢.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٩٠.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٨١.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٩٥.

٤٥٢

منها في إيجاب الاذّكار من الآيات والمعجزات. (مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ). قال بعضهم : يعلّمه غلام أعجميّ لبعض ثقيف. وقال آخرون : مجنون. (١)

(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) في ذلك اليوم وقد جاءهم رسول بيّن لهم؟ (مَجْنُونٌ). قالوا ذلك لمّا نزل الوحي على رسول الله فأخذه الغشاء فقالوا : هو مجنون. (٢)

[١٥] (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥))

(كاشِفُوا الْعَذابِ) أي : عذاب الجوع والدخان زمانا قليلا إلى يوم بدر. (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) في كفركم وتكذيبكم. هذا إذا كان الدخان وقت النبيّ. وعلى القول الآخر معناه : انّكم عائدون إلى العذاب الأكبر وهو عذاب جهنّم. والقليل مدّة ما بين العذابين. (٣)

(كاشِفُوا الْعَذابِ) بدعاء النبيّ. فإنّه دعا فرفع القحط زمانا قليلا وهو ما بقي من أعمارهم. (٤)

(إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ). لأنّه مشى إليه أبو سفيان ونفر معه وناشدوه الله والرحم وو اعدوه إن دعا لهم وكشف عنهم أن يؤمنوا ، فرجعوا إلى الشرك. (٥)

(عائِدُونَ). يعني إلى القيامة. ولو كان قوله : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ) في القيامة ، لم يقل : (عائِدُونَ) لأنّه ليس بعد القيامة حالة يعودون إليها. (٦)

[١٦] (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦))

(يَوْمَ نَبْطِشُ) ؛ أي : اذكر لهم ذلك اليوم ، وهو يوم بدر. لأنّه انتقم سبحانه منهم [يوم بدر]. وعلى القول الآخر البطشة الكبرى يوم القيامة. والبطش : الأخذ بشدّة. (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) ذلك اليوم منهم. (٧)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٨١.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٩١.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٩٥.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٨١.

(٥) الكشّاف ٤ / ٢٧٣.

(٦) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٩١.

(٧) مجمع البيان ٩ / ٩٥.

٤٥٣

(يَوْمَ نَبْطِشُ). منصوب بما دلّ عليه (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ). (١)

[١٧] (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧))

أقسم سبحانه أنّه فتن قبل قوم النبيّ قوم فرعون ؛ أي : اختبرهم وشدّد التكليف عليهم. وقيل : إنّ الفتنة معاملة المختبر ليجازي بما يظهر دون ما يعلم ممّا لا يظهر. (رَسُولٌ كَرِيمٌ) : كريم الأخلاق والأفعال بالتجاوز والصفح. وقيل : شريف في قومه من بني إسرائيل. (٢)

(فَتَنَّا قَبْلَهُمْ) : امتحنّاهم بإرسال موسى إليهم. أو : أوقعناهم في الفتنة بالإمهال وتوسيع الرزق عليهم. (٣)

[١٨] (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨))

(أَنْ أَدُّوا). هذا قول موسى لفرعون وقومه. أي : أطلقوا بني إسرائيل من العذاب والتسخير ، فإنّهم أحرار. فهو كقوله : (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ). (٤) فيكون (عِبادَ اللهِ) مفعول أدّوا. وقال الفرّاء : معناه : أدّوا إليّ ما آمركم به يا عباد الله. (أَمِينٌ). أي على ما أدعوكم إليه. (٥)

(أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) ؛ أي : بأنّ أدّوهم. أو : بأن أدّوا إليّ الإيمان وقبول الدعوة يا عباد الله. (٦)

(أَنْ أَدُّوا). أن هي المفسّرة. لأنّ مجيء الرسل متضمّن لمعنى القول. أو المحفّفة من المثقّلة ومعناه : وجاءهم بأنّ الشأن والحديث أن أدّوا إليّ. و (عِبادَ اللهِ) مفعول به وهم بنو إسرائيل. (٧)

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٢٧٤.

(٢) الكشّاف ٤ / ٢٧٤.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٨٢.

(٤) الإسراء (٧) / ١٠٥.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٩٥.

(٦) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٨٢.

(٧) الكشّاف ٤ / ٢٧٤.

٤٥٤

[١٩] (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩))

(لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) ؛ أي : لا تتكبّروا على الله بترك طاعته. أو : لا تتكبّروا على أولياء الله بالبغي عليهم. (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ؛ أي : حجّة واضحة على صدق نبوّتي. (١)

[٢٠] (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠))

(أَنْ تَرْجُمُونِ) ؛ أي : تقتلون. ومعناه أنّه عائذ بربّه متّكل على أنّه يعصمه منهم ومن كيدهم فهو غير مبال بما كانوا يتوعّدونه به من الرجم والقتل. (٢)

[٢١] (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١))

(فَاعْتَزِلُونِ). يريد : انّكم إن لم تؤمنوا لي فخلّوني كفافا لا عليّ ولا لي ولا تتعرّضوا لي بشرّكم. (٣)

[٢٢] (فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢))

(أَنَّ هؤُلاءِ) : بأنّ هؤلاء. أي دعا ربّه بذلك. قيل : كان دعاؤه : اللهمّ عجّل لهم ما يستحقّونه بأجرامهم. وقيل : هو قوله : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). (٤) وإنّما ذكر الله تعالى السبب الذي استوجبوا به الهلاك وهو كونهم مجرمين. (٥)

[٢٣] (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣))

(فَأَسْرِ بِعِبادِي) ؛ أي : قال : أسر بعبادي. أو يكون جواب شرط محذوف. أي : إن كان الأمر كما تقول ، فأسر بعبادي. فقد دبّر الله أن تتقدّموا ويتّبعكم فرعون وجنوده فينجي المتقدّمين ويغرق التابعين. (٦)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٩٥ ـ ٩٦.

(٢) الكشّاف ٤ / ٢٧٤.

(٣) الكشّاف ٤ / ٢٧٤.

(٤) يونس (١٠) / ٨٥.

(٥) الكشّاف ٤ / ٢٧٥.

(٦) الكشّاف ٤ / ٢٧٥.

٤٥٥

[٢٤] (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤))

(رَهْواً). فيه وجهان. أحدهما : انّ الرهو الساكن. أراد موسى لمّا جاوز البحر أن يضربه بعصاه فينطبق كما ضربه فانفلق ، فأمر بأن يتركه قارّا على حاله من كون الطريق يبسا لا يضربه بعصاه ولا يغيّر منه شيئا ليدخله [القبط] ، فإذا دخلوه طبّقه [الله] عليهم. والثاني : انّ الرهو الفجوة الواسعة. أي : اتركه مفتوحا على حاله منفرجا. (١)

[٢٥ ـ ٢٦] (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦))

(وَمَقامٍ كَرِيمٍ) : ما كان لهم من المجالس والمنازل الحسنة. (٢)

[٢٧] (وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧))

(وَنَعْمَةٍ). النعمة بالفتح من التنعّم ، وبالكسر [من] الإنعام. (٣)

(وَنَعْمَةٍ) قال : النعمة في الأبدان. وقوله : (فاكِهِينَ) ؛ أي : مفاكهين للنساء. (٤)

[٢٨] (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨))

(كَذلِكَ). الكاف منصوبة على معنى : مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها وأورثناها. أو في موضع الرفع على : الأمر كذلك. (قَوْماً آخَرِينَ) ليسوا منهم في قرابة ولا دين ولا ولاء. وهم بنو إسرائيل كانوا مستعبدين في أيديهم وأورثهم ملكهم وديارهم. (٥)

[٢٩] (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩))

إذا مات رجل خطير ، قالت العرب في تعظيم مهلكه : بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح وأظلمت له الشمس. وفي حديث رسول الله : ما من مؤمن مات في غربة غابت

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٢٧٥.

(٢) الكشّاف ٤ / ٢٧٦.

(٣) الكشّاف ٤ / ٢٧٦.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٩١.

(٥) الكشّاف ٤ / ٢٧٦.

٤٥٦

فيها بواكيه إلّا بكت عليه السماء والأرض. وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه. وكذلك ما يروى عن ابن عبّاس من بكاء مصلّى المؤمن وآثاره في الأرض ومصاعد عمله ومهابط رزقه في السماء تمثيل. ونفي ذلك عنهم في قوله : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ) فيه تهكّم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال فيه : بكت عليه السماء والأرض. وقيل : ما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون بل كانوا لهلاكهم مسرورين. يعني : فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض. (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) ؛ أي : لمّا [جاء] وقت هلاكهم ، لم ينظروا إلى وقت آخر ولم يمهلوا إلى الآخرة بل عجّل لهم في الدنيا. (١)

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ). عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه مرّ عليه رجل عدوّ لله ولرسوله فقال : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ). ثمّ مرّ الحسين بن عليّ عليهما‌السلام فقال : لكنّ هذا لتبكينّ عليه السماء والأرض. وما بكت إلّا على [يحيى بن زكريّا والحسين بن عليّ عليهما‌السلام. (٢)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : بكت السماء على] يحيى بن زكريّا وعلى الحسين بن عليّ عليهما‌السلام أربعين صباحا. وبكاؤها أنّها كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء. (٣)

وعن الصادق عليه‌السلام قال : بكت السماء على الحسين بن عليّ أربعين صباحا بالدم. (٤)

عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا مات المؤمن ، بكت عليه بقاع الأرض التي كان يعبد الله فيها والباب الذي يصعد منه عمله وموضع سجوده. (٥)

[٣٠ ـ ٣١] (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١))

(مِنْ فِرْعَوْنَ). بدل من العذاب ؛ كأنّه في نفسه كان عذابا مهينا. أو يكون المعنى : من

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٩١.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٩٨ ـ ٩٩.

(٤) المناقب ٤ / ٥٤.

(٥) الفقيه ١ / ٨٤ ، ح ٣٨٤.

٤٥٧

العذاب المهين واقعا من جهة فرعون. (عالِياً) ؛ أي : بليغا في إسرافه. أو : متكبّرا. (١)

[٣٢] (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢))

(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) ؛ أي : بني إسرائيل. و (عَلى عِلْمٍ) في موضع الحال. أي : عالمين بمكان الخيرة وبأنّهم أحقّاء بأن يختاروا. أو المعنى : مع علم منّا بأنّهم يزيغون ويفرط منهم الفرطات في بعض الأحوال. (عَلَى الْعالَمِينَ) ؛ أي : عالمي زمانهم. وقيل : على الناس جميعا لكثرة الأنبياء منهم. (٢)

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قوله : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) قال : الأئمّة من المؤمنين ، وفضّلناهم على من سواهم. (٣)

[٣٣] (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣))

(مِنَ الْآياتِ) من نحو فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المنّ والسلوى وغير ذلك من الآيات العظام. بلاء مبين» : نعمة ظاهرة. لأنّ الله يبلو بالنعمة كما يبلو بالمصيبة. أو : اختبار ظاهر لننظر كيف تعملون. (٤)

[٣٤ ـ ٣٥] (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥))

(إِنَّ هؤُلاءِ). إشارة إلى كفّار قريش. فإن قلت : كان الكلام واقعا في الحياة الثانية لا في الموت. فهلّا قيل : إن هي إلّا حياتنا الأولى كما قيل : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)(٥)؟ وما معنى قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ)؟ وما معنى ذكر الأولى؟ كأنّهم وعدوا موتة أخرى حتّى نفوها وجحدوها وأثبتوا الأولى! قلت : معناه : إنّه قيل : إنّكم تموتون موتة تتعقّبها حياة كما تتقدّمكم موتة تتعقّبها حياة. وذلك قوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٢٧٨.

(٢) الكشّاف ٤ / ٢٧٨.

(٣) تأويل الآيات ٢ / ٥٧٤.

(٤) الكشّاف ٤ / ٢٧٨.

(٥) الأنعام (٦) / ٢٩.

٤٥٨

فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ). (١) فقالوا : (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى). يريدون : ما الموتة التي من شأنها أن يتعقّبها حياة إلّا الموتة الأولى دون الموتة الثانية. وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقّب الحياة لها إلّا الموتة الأولى خاصّة. فلا فرق إذن بين قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) وبين هنا في المعنى. (بِمُنْشَرِينَ). يقال : أنشر الله الموتى ونشرهم ، إذا بعثهم. (٢)

(إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) ؛ أي : ما العاقبة ونهاية الأمر إلّا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيويّة. ولا قصد فيه إلى إثبات ثانية. كما في قولك : حجّ زيد الحجّة الأولى ومات. (٣)

[٣٦] (فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦))

(فَأْتُوا بِآبائِنا) الذين ماتوا قبلنا وأعيدوهم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أنّ الله يقدر على إعادة الأموات وإحيائهم. وقيل : إنّ هذا قول أبي جهل بن هشام قال : إن كنت صادقا فابعث جدّك قصيّ بن كلاب ـ فإنّه كان رجلا صالحا صادقا ـ لنسأله عمّا يكون بعد الموت. وهذا جهل منه. لأنّ الإعادة إنّما هي للجزاء لا للتكليف وليست هذه الدار دار جزاء. فكأنّه قال : إن كنت صادقا في إعادتهم للجزاء فأعدهم للتكليف. (٤)

[٣٧] (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧))

(أَهُمْ خَيْرٌ) ؛ أي : مشركو قريش أظهر نعمة وأكثر أموالا وأعزّ في القوّة والقدرة (أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) الحميريّ الذي سار بالجيوش حتّى حيّر الحيرة ثمّ أتى سمرقند فهدمها وبناها. وكان إذا كتب كتب : باسم الذي ملك برّا وبحرا وريحا وضحى. وسمّي تبّعا لكثرة أتباعه من الناس. وقيل : لأنّه تبع من قبله من ملوك اليمن والتبابعه اسم ملوك اليمن فتبّع لقب له. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تسبّوا تبّعا. فإنّه كان قد أسلم ولهذا ذمّ الله قومه ولم يذمّه. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ تبّعا قال للأوس والخزرج : كونوا هاهنا حتّى يخرج هذا النبيّ. أمّا أنا لو أدركته

__________________

(١) البقرة (٢) / ٢٨.

(٢) الكشّاف ٤ / ٢٧٩.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٨٣.

(٤) مجمع البيان ٩ / ١٠١.

٤٥٩

لخدمته وخرجت معه. (مِنْ قَبْلِهِمْ) من قوم نوح وعاد وثمود (أَهْلَكْناهُمْ) وقريش ليسوا بأفضل منهم وإهلاكهم أيسر. (مُجْرِمِينَ) ؛ أي : كافرين. وهؤلاء مثلهم. (١)

[٣٨] (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨))

(لاعِبِينَ) بل خلقناهما لغرض حكميّ وهو انتفاع المكلّفين بهما. (٢)

[٣٩] (ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩))

(إِلَّا بِالْحَقِّ) ؛ أي : العلم الداعي إلى خلقهما ، والعلم لا يدعو إلّا إلى الصواب. وقيل : معنى بالحقّ أي : الامتحان بالأمر والنهي والتمييز بين المحسن والمسيء. كقوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا). (٣)(لا يَعْلَمُونَ). أي صحّة ما قلناه لعدولهم عن الاستدلال على صحّته. (٤)

[٤٠] (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠))

(يَوْمَ الْفَصْلِ). هو يوم القيامة ، لأنّه يفصل بين المحقّ والمبطل. (أَجْمَعِينَ). يعني كفّار قريش ومن تقدّمهم. (٥)

[٤١ ـ ٤٢] (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢))

(مَوْلًى). المولى : الصاحب الذي من شأنه أن يتولّى معونة صاحبه على أموره. فيدخل في ذلك ابن العمّ والناصر والحليف وغيرهم. وهذا لا ينافي ما تذهب إليه أكثر الأمّة من إثبات الشفاعة للنبيّ والأئمّة عليهم‌السلام والمؤمنين. لأنّ الشفاعة لا تحصل إلّا بأمر الله وإذنه ولا

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ١٠٠ ـ ١٠١.

(٢) مجمع البيان ٩ / ١٠١.

(٣) النجم (٥٣) / ٣١.

(٤) مجمع البيان ٩ / ١٠١.

(٥) مجمع البيان ٩ / ١٠١.

٤٦٠