عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-29-6
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٠

[٢٣ ـ ٢٤] (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤))

(ذلِكَ) ؛ أي : الفضل الكبير (يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) ليستعجلوا بذلك السرور في الدنيا. (قُلْ) يا محمّد : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). فيه أقوال. أحدها : لا أسألكم على تبليغ الرسالة [إلّا] التوادّ فيما يقرّب إلى الله من العمل الصالح. فالمودّة بمعنى التودّد إلى الله بالطاعة. وثانيها : انّ معناه : إلّا أن تودّوني في قرابتي منكم ـ أي : لأجلها ـ وتحفظوني لها. عن ابن عبّاس وجماعة. قالوا : وكلّ قريش كانت بينه وبين رسول الله قرابة وهذا لقريش خاصّة. أي : إن لم تودّونى لأجل النبوّة ، فودّوني لأجل القرابة. وثالثها : انّ معناه : إلّا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم. عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام وجماعة. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام. وعن ابن عبّاس : لمّا نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودّتهم؟ قال : عليّ وفاطمة وولدهما. وعلى الأقوال الثلاثة فقد قيل في (إِلَّا الْمَوَدَّةَ) قولان : أحدهما أنّه استثناء منقطع ، لأنّ هذا إنّما يجب بالإسلام فلا يكون أجرا للنبوّة. والآخر أنّه استثناء متّصل والمعنى : لا أسألكم عليه أجرا إلّا هذا. فقد رضيت به أجرا. فالمعنى : لا أسألكم عليه أجرا إلّا هذا ، ونفعه أيضا عائد عليكم. فكأنّي لم أسألكم أجرا ، كما تقدّم في قوله : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ). (١) وعن ابن عبّاس : انّ رسول الله حين قدم المدينة واستحكم الإسلام ، قالت الأنصار فيما بينها : نأتي رسول الله فنقول له : إن يعرض لك أمور ، فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور. فأتوه في ذلك ، فنزلت الآية فقرأها عليهم فقال : تودّون قرابتي من بعدي. (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) ؛ أي : من فعل طاعة ، نزد له في تلك الطاعة حسنا بأن نوجب له الثواب. وعن الحسن عليه‌السلام : اقتراف

__________________

(١) سبأ (٣٤) / ٤٧.

٤٠١

الحسنة مودّتنا أهل البيت أصحاب الكساء. (غَفُورٌ) أي للسيّئات (شَكُورٌ) للطاعات ، يعامل عباده معاملة الشاكر في توفية الحقّ حتّى كأنّه ممّن وصل إليه النفع فشكره. (١)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : لمّا نزلت : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ) ـ الآية ـ قالت طائفة من المنافقين : هذا افتراء منه. كما حكى الله عنهم بقوله : (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً). فقال الله : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ). قال : لو افتريت. (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ). يعني يبطله. (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ). يعني بالأئمّة والقائم من آل محمّد صلوات الله عليهم. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لمّا نزل قوله (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ) ـ الآية ـ قام رسول الله فقال : أيّها الناس ، إنّ الله قد فرض عليكم فرضا. فهل أنتم مؤدّوه؟ فلم يجبه أحد فانصرف. فقال في اليوم الثاني مثل ذلك ، فلم يجبه أحد. فقام في اليوم الثالث فقال : إنّه ليس من ذهب ولا فضّة ولا مطعم ولا مشرب. قالوا : فألقه إذا. قال : إنّ الله أنزل عليّ : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ) ـ الآية. فقالوا : أمّا هذه فنعم. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فو الله ما وفى بها إلّا سبعة نفر : سلمان وأبوذرّ وعمّار والمقداد وجابر الأنصاريّ ومولى لرسول الله يقال له البنت (٣) وزيد بن أرقم. (٤)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : لمّا نزل : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ) ـ الآية ـ قال المنافقون بعضهم لبعض : أما يكفي محمّدا أن يكون قهرنا عشرين سنة حتّى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا؟ فقالوا : ما هذا إلّا كذب. ولئن قتل محمّد ، لننزعنّها من أهل بيته ثمّ لا نعيدها فيهم أبدا. وأراد الله أن يعلم نبيّه الذي أخفوا في صدورهم وأسرّوا به فقال في كتابه : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ؛ أي : بما ألقوه من العداوة لأهل بيتك في صدورهم والظلم بعدك. (٥)

(أَمْ يَقُولُونَ) : بل يقولون : افترى محمّد على الله كذبا في ادّعاء الرسالة على الله. (يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) ؛ أي : لو حدّثت نفسك بأن تفتري على الله كذبا ، لطبع الله على قلبك ولأنساك

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٤٢ ـ ٤٤.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٧٥.

(٣) المصدر : الثبت.

(٤) قرب الإسناد / ٣٨.

(٥) الكافي ٨ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ، ح ٥٧٤.

٤٠٢

القرآن. فكيف تقدر على الافتراء؟ كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) ـ الآية. (١) وقيل : معناه : فإن يشأ الله ، يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتّى لا يشقّ عليك قولهم انّه مفتر وساحر. فعلى هذا لا يحتاج إلى إضمار وحذف. (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) ؛ أي : يزيله بإقامة الدلائل على بطلانه. وحذف الواو في المصاحف على اللّفظ في ذهابها لالتقاء الساكنين وليس بعطف على قوله : (يَخْتِمْ) ، لأنّه مرفوع. يدلّ عليه : (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) ؛ أي : يثبت الحقّ بأقواله التي ينزلها على نبيّه بهذا القرآن. (٢)

[٢٥] (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥))

(يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) وإن جلّت معاصيهم. فكأنّه قال : من نسب محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الافتراء ثمّ تاب قبلت توبته. (٣)

[٢٦] (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦))

(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا). أي لهم. فحذف اللّام. والمراد إجابة الدعاء والإثابة في الطاعة ؛ فإنّها كدعاء وطلب لما يترتّب عليه. (٤)

[٢٧] (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧))

(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ) ؛ أي : لو وسّع الله الرزق على عباده على حسب ما يطلبونه ، لبطروا النعمة وتنافسوا وتغالبوا وظلموا في الأرض وتغلّب بعضهم على بعض وخرجوا عن الطاعة. وعن ابن عبّاس : بغيهم في الأرض طلبهم منزلة بعد منزلة ودابّة بعد دابّة. (وَلكِنْ

__________________

(١) الزمر (٣٩) / ٦٥.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٤٤ ـ ٤٥.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٤٥.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٣.

٤٠٣

يُنَزِّلُ) ؛ أي : ولكنّه ينزّل من الرزق قدر صلاحهم ما يشاء نظرا منه لهم. والمعنى أنّه يوسّع الرزق على من يكون مصلحته فيه ويضيّق على من يكون مصلحته فيه. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيل ، عن الله تعالى : وإنّ من عبادي من لا يصلح له إلّا الغنى ، ولو أفقرته لأفسدته. وإنّ من عبادي من لا يصلح له إلّا الفقر ، ولو أغنيته لأفسدته ـ الحديث. (إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) ؛ أي : عليم بأحوالهم بصير بما يصلحهم وما يفسدهم. (١)

[٢٨] (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨))

ثمّ بيّن سبحانه حسن نظره بعباده فقال : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) ؛ أي : ينزّله عليهم من بعد ما أيسوا من نزوله. والغيث ما كان نافعا في وقته. والمطر قد يكون نافعا وقد يكون غير نافع بل ضارّا في وقته وغير وقته. ووجه إنزاله بعد القنوط أنّه أدعى إلى شكر الآتي بعده وتعظيمه والمعرفة بموقع إحسانه. (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) ؛ أي : يفرّق نعمته ويبسطها بإخراج النبات والثمار التي يكون سببها المطر. (وَهُوَ الْوَلِيُّ) : الذي يتولّى تدبير عباده وتقدير أمورهم ومصالحهم المالك لهم. (الْحَمِيدُ) : المحمود على جميع أفعاله [لكون جميعها] إحسانا ومنافع. (٢)

[٢٩] (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩))

(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). فإنّها بذاتها وصفاتها تدلّ على وجود صانع حكيم قادر. (وَما بَثَّ فِيهِما). عطف على السموات أو خلق. (مِنْ دابَّةٍ) ؛ أي : من حيّ ؛ [على] إطلاق المسبّب على المسبب. أو : ممّا يدبّ على الأرض. وما يكون في أحد الشيئين يصدق أنّه فيهما في الجملة. (إِذا يَشاءُ) ؛ أي : في أيّ وقت يشاء. (٣)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٤٦.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٤٦ ـ ٤٧.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٤.

٤٠٤

[٣٠] (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠))

(فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) ؛ أي : بسبب معاصيكم. والفاء لأنّ ما شرطيّة أو متضمّنة معناه. نافع وابن عامر : «بما كسبت» بدون الفاء ، استغناء بما في الباء من معنى السببيّة. (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) من الذنوب فلا يعاقب عليها. والآية مخصوصة بالمجرمين. فإنّ ما أصاب غيرهم فلأسباب آخر منها تعريضه للأجر العظيم بالصبر عليه. (١)

عن ابن رئاب قال : سألت عن قول الله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ) ـ الآية ـ : أرأيت ما أصاب عليّا وأهل بيته عليهم‌السلام من بعده أهو بما كسبت أيديهم وهم معصومون؟ فقال : إنّ رسول الله كان يتوب إلى الله ويستغفر كلّ يوم وليلة مائة مرّة من غير ذنب. إنّ الله يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب. (٢)

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : ليس من التواء عرق ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم ولا خدش عمود إلّا بذنب. وما يعفو الله أكثر. فمن عجّل الله عقوبة ذنبه في الدنيا ، فإنّ الله أجلّ وأكرم من أن يعود في عقوبته في الآخرة. (٣)

قال أهل التحقيق : إنّ ذلك خاصّ وإن خرج مخرج العموم ؛ لما يلحق من مصائب الأطفال والمجانين ومن لا ذنب له من المؤمنين ، ولأنّ الأنبياء والأئمّة ممتحنون بالمصائب وإن كانوا معصومين من الذنوب ، لما يحصل لهم على الصبر عليها من الثواب. (٤)

[٣١] (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١))

(بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) ؛ أي : فائتين ما قضي عليكم من المصائب. (مِنْ وَلِيٍّ) يحرسكم عنها. (وَلا نَصِيرٍ) يدفعها عنكم. (٥)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٤.

(٢) الكافي ٢ / ٤٥٠ ، ح ٢.

(٣) الكافي ٢ / ٤٤٥ ، ح ٦.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٤٧.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٤.

٤٠٥

[٣٢] (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢))

(الْجَوارِ) : السفن الجارية. (كَالْأَعْلامِ) : كالجبال. (١)

[٣٣] (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣))

(فَيَظْلَلْنَ) : يبقين. (رَواكِدَ) : ثوابت على ظهر البحر. (صَبَّارٍ شَكُورٍ). لكلّ من وكل همّته وحبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكّر في آلائه. أو لكلّ مؤمن كامل. فإنّ الإيمان نصفان ؛ نصف صبر ونصف شكر. (٢)

[٣٤] (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤))

(أَوْ يُوبِقْهُنَّ) ؛ أي : يهلكهنّ بإرسال الرياح العاصفة المغرقة. والمراد إهلاك أهلها ؛ لقوله : (بِما كَسَبُوا). وأصله : أو يرسلها فيوبقهنّ ـ لأنّه قسيم (يُسْكِنِ) ـ فاقتصر فيه على المقصود ، كما في قوله : (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) ، إذ المعنى : أو يرسلها عاصفة فيوبق ناسا بذنوبهم وينجي ناسا على العفو عنهم. (٣)

[٣٥] (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥))

(وَيَعْلَمَ). عطف على علّة مقدّرة ـ مثل : لينتقم منهم ـ أو على الجزاء ونصب [نصب] الواقع جوابا للأشياء الستّة لأنّه أيضا غير واجب. (مَحِيصٍ) : محيد من العذاب. والجملة معلّق عنها الفعل. (٤)

[٣٦] (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦))

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٤.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٤.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٤.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٤.

٤٠٦

(فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) : تمتّعون به مدّة حياتكم. (وَما عِنْدَ اللهِ) من ثواب الآخرة (خَيْرٌ وَأَبْقى) لخلوص نفعه ودوامه. وما الأولى تضمّنت معنى الشرط من حيث إنّ إيتاء ما أوتوا سبب للتمتّع بها في الحياة الدنيا فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية. (١)

[٣٧] (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧))

(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ). عطف على (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أو مدح منصوب أو مرفوع. وبناء (يَغْفِرُونَ) على ضمير (هُمْ) خبرا للدلالة على أنّهم الأخصّاء بالمغفرة حال الغضب. حمزة والكسائيّ : كبير الإثم». (٢)

(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ). يجوز أن يكون في محلّ الجرّ عطفا على قوله : (لِلَّذِينَ آمَنُوا) ويجوز أن يكون في موضع رفع على الابتداء فيكون الخبر محذوفا. أي : لهم مثل ذلك. والفواحش : جمع فاحشة ؛ وهو أقبح القبائح. (٣)

[٣٨] (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨))

(وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا). نزلت في الأنصار ؛ دعاهم رسول الله إلى الإيمان فاستجابوا. (وَأَمْرُهُمْ شُورى) : ذو شورى ، لا ينفردون برأي حتّى يتشاوروا ويجتمعوا عليه. وذلك من فرط تدبّرهم في الأمور. وهو مصدر بمعنى التشاور. (٤)

(وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) فيما دعاهم [إليه] من أمور الدنيا. (٥)(وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) ؛ أي : يتشاورون بينهم. وهي المفاوضة في الكلام لظهور الحقّ. أي : لا يتفرّدوا بأمر حتّى يشاوروا غيرهم فيه. وقيل : المعنيّ في الآية الأنصار ؛ كانوا قبل الإسلام وقدوم النبيّ

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٥.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٥٠.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٥.

(٥) المصدر : الدين.

٤٠٧

إذا أرادوا أمرا اجتمعوا وتشاوروا ثمّ عملوا ، فأثنى الله عليهم بذلك. وقيل : هو تشاورهم حين سمعوا برسول الله وورود النقباء عليه حتّى اجتمعوا في دار أبي أيّوب على الإيمان به والنصرة له. وفيه دلالة على فضل المشاورة في الأمور. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من أحد يشاور أحدا إلّا هدي إلى الرشد. (١)

(وَأَمْرُهُمْ شُورى) ؛ أي : يقبلون ما أمروا به ويشاورون الإمام عليه‌السلام فيما يحتاجون إليه. (٢)

[٣٩] (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩))

(يَنْتَصِرُونَ) ممّن بغى عليهم من غير أن يعتدوا. أو : يتناصرون ينصر بعضهم بعضا. وقيل : يعني به المؤمنين الذين أخرجهم الكفّار من مكّة وبغوا عليهم ثمّ مكّنّهم الله في الأرض حتّى انتصروا ممّن ظلمهم. وقيل : جعل الله المؤمنين صنفين : صنف يعفون عمّن ظلمهم ، وهم الذين ذكروا قبل هذه الآية وهو قوله : (إِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) ؛ وصنف ينتصرون ممّن ظلمهم ، وهم الذين ذكروا في هذه الآية. فمن انتصر وأخذ بحقّه ولم يتجاوز ما حدّ الله ، فهو مطيع لله ومن أطاع الله فهو محمود. (٣)

(هُمْ يَنْتَصِرُونَ) على ما جعله الله لهم كراهة التذلّل. وهو وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمّهات الفضائل. وهو لا يخالف وصفهم بالغفران. فإنّه ينبىء عن عجز المغفور والانتصار عن مقاومة الخصم. والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلّب مذموم ، لأنّه إغراء على البغي. (٤)

[٤٠] (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠))

ثمّ ذكر حدّ الانتصار فقال : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها). قيل : هي جواب القبيح ، إذا

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٥٠ ـ ٥١.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٧٧.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٥١.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٥.

٤٠٨

قال : أخزاك الله ، [يقول : أخزاك الله ،] من غير أن يعتدي. وقيل : يعني القصاص في الجراحات والدماء. وسمّى الثاني سيّئة لأنّها في مقابلة الأولى. (فَمَنْ عَفا) عمّا له وأصلح أمره فيما بينه وبين الله ، فثوابه على الله. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان يوم القيامة ، نادى مناد : من كان أجره على الله ، فليدخل الجنّة. فيقال : من ذا الذي أجره على الله؟ فيقال : العافون عن الناس يدخلون الجنّة بغير حساب. (١)

(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ). سمّى الثانية سيّئة لأنّها تسوء من تنزل به. (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ) بينه وبين عدوّه. (لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) : المبتدئين بالسيّئة والمتجاوزين في الانتقام. (٢)

[٤١] (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١))

(بَعْدَ ظُلْمِهِ) ؛ أي : ظلم الغير له. (مِنْ سَبِيلٍ) ؛ أي : إثم وعقوبة. (٣)

عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ) ـ الآية ـ قال : ذلك القائم ؛ إذا قام ، انتصر من بني أميّة ومن المكذّبين والنصّاب. (٤)

عن عليّ بن الحسين : وحقّ من أساءك أن تعفو عنه ، وإن علمت أنّ العفو يضرّ انتصرت. قال الله : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ). (٥)

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة إن لم تظلمهم ظلموك : السفلة ، والزوجة ، والمملوك. (٦)

[٤٢] (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢))

(يَظْلِمُونَ النَّاسَ) : يبتدئونهم بالإضرار. (٧)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٥١.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٥.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٥٢.

(٤) تأويل الآيات ٢ / ٥٤٩ ـ ٥٥٠.

(٥) الخصال / ٥٧٠ ، ح ١.

(٦) الخصال / ٨٦ ، ح ١٥.

(٧) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٥.

٤٠٩

[٤٣] (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣))

(وَلَمَنْ صَبَرَ) ؛ أي : تحمّل المشقّة في رضا الله فلم ينتصر. (فَإِنَّ ذلِكَ) الصبر والتجاوز لمن ثابت الأمور التي أمر الله بها فلم تنسخ. وقيل : عزم الأمور هو الأخذ بأعلاها في باب نيل الثواب والأجر. (١)

[٤٤] (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤))

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن رحمته وجنّته ، (فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ) يدفع عنه العذاب. (وَتَرَى الظَّالِمِينَ) يا محمّد (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) : عذاب النار. (يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ) إلى الدنيا ، تمنّيا منهم لذلك. (٢)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : (وَتَرَى الظَّالِمِينَ) لآل محمّد صلوات الله عليهم حقّهم. (٣)

عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قرأ : وترى ظالمي آل محمد حقهم». (٤)

عن أبي جعفر عليه‌السلام (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) : وعليّ عليه‌السلام هو العذاب في هذا الوجه. (٥)(يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) فنوالي عليّا عليه‌السلام؟ (٦)

عن أبي جعفر عليه‌السلام (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) : وعليّ هو العذاب. (يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ). يعني أنّه سبب العذاب. لأنّه قسيم الجنّة والنار. (٧)

[٤٥] (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥))

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٥٢.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٥٣.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٧٧.

(٤) تأويل الآيات ٢ / ٥٥٠ ، ح ١٩.

(٥) في النسخة : في هذه الرجعة.

(٦) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٧٨.

(٧) تأويل الآيات ٢ / ٥٥٠ ، ح ١٩.

٤١٠

(يُعْرَضُونَ عَلَيْها) ؛ أي : على النار قبل دخولها. (خاشِعِينَ) ؛ أي : ساكتين متواضعين في حال العرض. (خَفِيٍّ) ؛ أي : خفيّ النظر ، لما عليهم من الهوان يسارقون النظر إلى النار خوفا منها. وقيل : من عين لا تفتح كلّها وإنّما نظروا ببعضها إلى النار. (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) لمّا رأوا عظيم ما نزل بالظالمين : (إِنَّ الْخاسِرِينَ) في الحقيقة هم الذين فوّتوا أنفسهم الانتفاع بالجنّة.

(وَأَهْلِيهِمْ) ؛ أي : أولادهم وأزواجهم وأقاربهم لا ينتفعون بهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) لما حيل بينهم وبينهم. وقيل : وأهليهم من الحور العين في الجنّة لو آمنوا. (١)

(خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ) لعليّ ، ينظرون إلى عليّ من طرف خفيّ. (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا). يعني آل محمّد وشيعتهم. (إِنَّ الْخاسِرِينَ). قال : والله يعني النصّاب الذين نصبوا العداوة لأمير المؤمنين وذرّيّته عليهم‌السلام. (٢)

وعنه عليه‌السلام في قول الله : (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) : يعني إلى القائم عليه‌السلام. (٣)

(يَوْمَ الْقِيامَةِ). إمّا يتعلّق بخسروا ويكون قول المؤمنين واقعا في الدنيا. وإمّا أن يتعلّق بقال. أي : يقولون يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة. (٤)

[٤٦] (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦))

(مِنْ سَبِيلٍ) يوصل إلى الجنّة. (٥)

[٤٧] (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧))

(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) ؛ أي : أجيبوا داعي ربّكم ـ يعني محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فيما دعاكم إليه و

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٥٣.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٧٨ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٣) تأويل الآيات ٢ / ٥٥٠ ، ح ٢٠.

(٤) الكشّاف ٤ / ٢٣٠.

(٥) مجمع البيان ٩ / ٥٤.

٤١١

رغّبكم فيه من المصير إلى طاعته. (لا مَرَدَّ لَهُ) ؛ أي : لا رجوع بعده إلى الدنيا. (وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) ؛ أي : إنكار وتغيير للعذاب. أو : من نصير ينكر ما يحلّ بكم. (١)

(مِنَ اللهِ). من صلة لا مردّ. أي : لا يردّه الله بعد ما حكم به. أو من صلة يأتي. أي : من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على ردّه. (مِنْ نَكِيرٍ). النكير : الإنكار. أي : ما لكم من مخلص من العذاب ولا تقدرون أن تنكروا شيئا ممّا اقترفتموه ودوّن في صحائف أعمالكم. (٢)

[٤٨] (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨))

(فَإِنْ أَعْرَضُوا). يعني الكفّار. أي : عدلوا عمّا دعوتهم إليه. (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) ؛ أي : مأمورا بحفظهم لئلّا يخرجوا عمّا دعوتهم إليه كما يحفظ الراعي غنمه. فلا تحزن لإعراضهم. (فَرِحَ بِها) ؛ أي : بطر. لأنّ الفرح المراد هنا ما قارنه أشر أو جحود وإنكار. لأنّه خرج مخرج الذمّ. (٣)

(الْإِنْسانَ). أراد به الجمع لا الواحد. ولم يرد إلّا المجرمين. لأنّ إصابة السيّئة بما قدّمت أيديهم إنّما يستقيم فيهم. والرحمة : النعمة والغنى والأمن. والسيّئة : البلاء من المرض والفقر والمخاوف. (كَفُورٌ). وهو البليغ الكفران. ولم يقل : فإنّه كفور ، ليسجّل على أنّ هذا الجنس موسوم بكفران النعمة. والمعنى أنّه يذكر البلاء وينسى النعمة. (٤)

[٤٩ ـ ٥٠] (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠))

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٥٤.

(٢) الكشّاف ٤ / ٢٣١.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٥٤.

(٤) الكشّاف ٤ / ٢٣٢.

٤١٢

(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ). أي يقسم النعمة والبلاء كيف أراد ويهب لعباده من الأولاد ما يقتضيه مشيّته فيخصّ بعضا بالإناث وبعضا بالذكور وبعضا بالصنفين جميعا ويعقّم آخرين. قيل : نزلت في الأنبياء حيث وهب لشعيب ولوط إناثا ولإبراهيم ذكورا ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكورا وإناثا وجعل يحيى وعيسى عقيمين. (١)

(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ) [أي : يجمع لهم بين البنين والبنات. تقول العرب : زوّجت إبلي ؛ أي : جمعت] بين صغارها وكبارها. وقيل : هو أن تلد المرأة غلاما ثمّ جارية ثمّ غلاما ثمّ جارية ، أو تلد توأما ذكرا وأنثى. (٢)

عن الرضا عليه‌السلام في علّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه : وليس ذلك للولد. لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله تعالى : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) ـ الآية. مع أنّه المأخوذ بمؤونته صغيرا وكبيرا والمدعوّ له لقوله تعالى : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ)(٣). (٤)

لعلّ تقديم الإناث لأنّها أكثر لتكثير النسل ، أو لأنّ مساق الآية للدلالة على أنّ الواقع ما يتعلّق به مشيّة الله لا مشيّة الإنسان والإناث كذلك ، أو لأنّ الكلام في البلاء والعرب تعدّهنّ بلاء ، أو لتطييب قلوب آبائهنّ. (٥)

عن أبى الحسن العسكريّ قال : يزوّج ذكران المطيعين إناثا من الحور العين وإناث المطيعات من الإنس من ذكران المطيعين. (٦)

[٥١] (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١))

(إِلَّا وَحْياً) ؛ أي : ما صحّ لأحد من البشر أن يكلّمه الله إلّا على ثلاثة أوجه : إمّا على طريق الوحي وهو الإلهام والقذف في القلب أو المنام ، كما أوحى إلى أمّ موسى وإلى إبراهيم

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٢٣٢.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٥٤.

(٣) الأحزاب (٣٣) / ٥.

(٤) عيون الأخبار ٢ / ٩٤ ، ح ١.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٦.

(٦) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٧٩.

٤١٣

في ذبح ولده. وإمّا على أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام من غير أن يبصر السامع من يكلّمه. وقوله : (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) مثل. أي : كما يكلّم الملك المحتجب بعض خواصّه وهو من وراء الحجاب فيسمع صوته ولا يرى شخصه. وذلك كما كلّم موسى ويكلّم الملائكة. وإمّا على أن يرسل إليه رسولا من الملائكة فيوحي الملك ، كما كلّم غير موسى من الأنبياء. وقيل : (إِلَّا وَحْياً) كما أوحى إلى الرسل بواسطة الملائكة. (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) ؛ أي : نبيّا ، كما كلّم أمم الأنبياء على ألسنتهم. (وَحْياً) و (أَنْ يُرْسِلَ) مصدران واقعان موقع الحال. لأنّ (أَنْ يُرْسِلَ) في معنى إرسالا. و (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ظرف واقع موقع الحال أيضا. والتقدير : وما صحّ أن يكلّم أحدا إلّا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسلا. وروي أنّ اليهود قالت للنبيّ عليه‌السلام : ألا تكلّم الله وتنظر إليه إن كنت نبيّا كما كلّمه موسى ونظر إليه؟ فإنّا لن نؤمن لك حتّى تفعل ذلك. فقال : لم ينظر موسى إلى الله. فنزلت. (إِنَّهُ عَلِيٌّ). أي عن صفات المخلوقين. (حَكِيمٌ) يجري أفعاله على موجب الحكمة. فيكلّم تارة بواسطة وتارة بغير واسطة إمّا إلهاما وإمّا خطابا. (١)

(إِلَّا وَحْياً). قال : وحي مشافهة ووحي إلهام وهو الذي يقع في القلب. (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) كما كلّم موسى وكما كلّم نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله. (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً). قال : وحي مشافهة. يعني إلى الناس. (٢)

قال الخليل : نصب (أَوْ يُرْسِلَ) للعطف على أن يوحي الذي يدلّ عليه (وَحْياً). فصار التقدير : ما كان لبشر أن يكلّمه الله إلّا أن يوحي وحيا أو يرسل رسولا. قرأ نافع : (أَوْ يُرْسِلَ) بالرفع (فَيُوحِيَ) بسكون الياء ، والباقون : (أَوْ يُرْسِلَ) (فَيُوحِيَ) بالنصب. (٣)

[٥٢ ـ ٥٣](وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٧٩.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٥٥.

٤١٤

مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣))

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا) ؛ أي : مثل ما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا إليك. (رُوحاً). وهو القرآن. لأنّه يهتدى به ففيه حياة من موت الكفر. وقيل : روح القدس. وقيل : ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام. قالا : ولم يصعد إلى السماء وهو معنا. (ما كُنْتَ) ـ يا محمّد ـ (تدري قبل الوحي) ما القرآن ولا الشرائع. وقيل : معناه : ولا أهل الإيمان ؛ أي : من الذي يؤمن ومن الذي لا يؤمن. (وَلكِنْ) جعلنا القرآن الذي هو الروح نورا ، لأنّ فيه معالم الدين ، وجعلنا الإيمان نورا ، لأنّه طريق النجاة. (نَهْدِي بِهِ) إلى الجنّة (مَنْ نَشاءُ). (صِراطِ اللهِ). تفسير للصراط المستقيم. (١)

(ما كُنْتَ تَدْرِي). أي قبل الوحي. وهو دليل على أنّه لم يكن متعبّدا قبل النبوّة بشرع. وقيل : المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلّا السمع. (وَلكِنْ جَعَلْناهُ) ؛ أي : الروح. أو : الكتاب. أو : الإيمان. (٢)

عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). يعني لتأمر بولاية علي عليه‌السلام. (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً). يعني عليّا عليه‌السلام. وعليّ هو النور. (نَهْدِي بِهِ) ؛ أي : بعليّ (مَنْ نَشاءُ) من عبادنا. (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ). لأنّه جعل خازنه على ما في السموات والأرض من شيء وائتمنه عليه. (٣)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٥٨.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٧.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٨٠.

٤١٥
٤١٦

٤٣.

سورة الزخرف

من سقاها للزوجة المخالفة ، أطاعت. وماؤها ينفع المعصوم من البطن ويسهّل المخرج. ومن حملها ، أمن من كلّ شرّ. وإن وضعت تحت رأس نائم ، لم ير في نومه إلّا خيرا. (١)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ سورة الزخرف ، كان ممّن يقال له يوم القيامة : يا عبادي ، لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. ادخلوا الجنّة بغير حساب. (٢)

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : من أدمن قراءة حم الزخرف ، آمنه الله في قبره من هوامّ الأرض ومن ضغطة القبر حتّى يقف بين يدي الله ، ثمّ جاءت حتّى تكون هي التي تدخله الجنّة بأمر الله. (٣)

[١ ـ ٣] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣))

أقسم بالقرآن على أنّه جعله قرآنا عربيّا. ومن البدائع تناسب المقسم والمقسم عليه. (٤)

(وَالْكِتابِ الْمُبِينِ). أقسم بالقرآن المبيّن للحلال والحرام. (إِنَّا جَعَلْناهُ) ؛ أي : أنزلناه (قُرْآناً عَرَبِيًّا) على طريقة العرب ، ومع ذلك فإنّه لا يتمكّن أحد منهم من إنشاء مثله.

__________________

(١) المصباح / ٦١٠.

(٢) مستدرك الوسائل ٤ / ٣٤٨.

(٣) ثواب الأعمال / ١٤١ ، ح ١.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٨.

٤١٧

(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ؛ أي : لكي تعقلوا وتتفكّروا فتعلموا صدق من ظهر على يده. (١)

[٤] (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤))

(وَإِنَّهُ) : القرآن. (فِي أُمِّ الْكِتابِ) ؛ أي : اللّوح المحفوظ. وإنّما سمّي أمّا لأنّ سائر الكتب تنسخ منه. والقرآن مثبوت في اللّوح المحفوظ وهو [الكتاب] الذي كتب [الله] فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة لما رأى في ذلك من صلاح ملائكته بالنظر فيه. (لَدَيْنا) ؛ أي : عندنا. (لَعَلِيٌّ) ؛ أي : عال في البلاغة مظهر ما يحتاج إليه العباد. وقيل : عليّ على كلّ الكتب ناسخ لها. وقيل : [عليّ ؛ أي : عظيم الشأن] تعظّمه الملائكة والمؤمنون. (حَكِيمٌ) ؛ أي : مظهر الحكمة. وصف الله القرآن بهاتين الصفتين على سبيل التوسّع لأنّهما من صفات الحيّ. (٢)

[٥] (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥))

(أَفَنَضْرِبُ). الفاء للعطف على محذوف. أي : أنهملكم فنضرب. (صَفْحاً). مصدر من غير لفظه. فإنّ تنحية الذكر عنهم إعراض. (أَنْ كُنْتُمْ). قرأ نافع بكسر الهمزة ، على أنّ الجملة شرطيّة مخرجة للمحقّق مخرج المشكوك استجهالا لهم وما قبلها دليل الجزاء. (٣)

(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ) ؛ أي : القرآن. أي : أفنترك الوحي (صَفْحاً) فلا نأمركم ولا ننهاكم ولا نرسل إليكم رسولا؟ وهذا استفهام إنكار. وأصل ضربت عنه الذكر أنّ الراكب إذا ركب دابّة فأراد أن يصرفه عن وجهه ، ضربه بعصا أو سوط ليعدل به إلى جهة أخرى ، ثمّ وضع الضرب موضع الصرف. وقيل : إنّ الذكر بمعنى العذاب. ومعناه : أحسبتم أن لا نعذّبكم أبدا؟ (أَنْ كُنْتُمْ) ؛ أي : كنتم مسرفين في كفركم. أهل المدينة والكوفة غير عاصم : (أَنْ كُنْتُمْ) بكسر الهمزة ، والباقون بفتحها. (٤)

[٦ ـ ٨] (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٦٠.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٦٠ ـ ٦١.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٦١ و ٦٠.

٤١٨

يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨))

ثمّ عزّى سبحانه نبيّه بقوله : (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ) في الأمم الماضية وكانوا يكفرون بالأنبياء ويسخرون منهم لفرط جهلهم كما استهزأ قومك بك. أي : فلم نضرب عنهم الصفح لاستهزائهم برسلهم ، بل كرّرنا الحجج وأرسلنا الرسل. (فَأَهْلَكْنا) من أولئك الأمم من كان أشدّ قوّة من قومك. فلا يغترّ هؤلاء المشركون بالقوّة والنجدة. (وَمَضى) ؛ أي : سبق فيما أنزلنا إليك تشبيه حال الكفّار الماضية بحال هؤلاء في التكذيب. ولمّا أهلكوا أولئك بتكذيبهم رسلهم ، فعاقبة هؤلاء أيضا الهلاك. (١)

[٩] (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩))

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) ؛ أي : سألت قومك يا محمّد. (خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ). لأنّه لا يمكنهم أن يجعلوا في ذلك شركة للأوثان والأصنام. وهذا إخبار عن غاية جهلهم إذ اعترفوا أنّ الله خالق السموات والأرض ثمّ عبدوا معه غيره وأنكروا قدرته على البعث. (٢)

[١٠] (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠))

(مَهْداً). قرأ غير الكوفيّين : (مِهاداً) بالألف. (٣)

(لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ؛ أي : لتهتدوا على مقاصدكم في أسفاركم. وقيل : معناه : لتهتدوا إلى الحقّ في الدين بالاعتبار الذي حصل لكم بالنظر فيها. (٤)

[١١] (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١))

(مَيْتاً). تذكيره لأنّ البلدة بمعنى البلد والمكان. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ : (تُخْرَجُونَ) بفتح التاء وضمّ الراء. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٦١ ـ ٦٢.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٦٢.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٩.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٦٢.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٦٩.

٤١٩

(بِقَدَرٍ) ؛ أي : بقدر الحاجة. (فَأَنْشَرْنا) ؛ أي : أحيينا بذلك المطر بلدة يابسة بإخراج النبات والزروع. (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) ؛ أي : مثل إخراج النبات تخرجون يوم البعث. (١)

[١٢ ـ ١٤] (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤))

(الْأَزْواجَ). يعني أزواج الحيوان من ذكر وأنثى. أو : خلق الأشكال جميعها من الحيوان والجماد. فمن الحيوان الذكر والأنثى ، ومن غير الحيوان ما هو كالمقابل كالحلو والمرّ والرطب واليابس وغير ذلك. (مِنَ الْفُلْكِ) ؛ أي : السفن. (وَالْأَنْعامِ) : الإبل والبقر. (ما تَرْكَبُونَ) في البرّ والبحر. (عَلى ظُهُورِهِ) ؛ أي : ظهور ما جعل الله لكم. (مُقْرِنِينَ) ؛ أي : مطيقين مقاومين في القوّة. (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا) ؛ أي : ولتقولوا : إنّا إلى ربّنا راجعون آخر عمرنا على مراكب أخر وهو الجنازة. [قال قتادة : قد](٢) علّمكم كيف تقولون إذا ركبتم. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ذكر النعمة أن تقول : الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلّمنا القرآن ومنّ علينا بمحمّد وآله الأماجد الكرام صلوات الله عليه وعليهم. ويقولون بعده : (سُبْحانَ الَّذِي) ـ الآية. (٣)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا ركبتم الدوابّ ، فاذكروا الله تعالى وقولوا : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) ـ الآية. (٤)

وعن أبي الحسن عليه‌السلام : ما من عبد يقولها عند ركوبه فيقع من بعير أو دابّة فيصيبه شيء بإذن الله تعالى. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٦٣.

(٢) في النسخة : «يعني أن» بدل ما بين المعقوفتين.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٦٣.

(٤) الخصال / ٦٣٤.

(٥) الكافي ٣ / ٤٧١ ـ ٤٧٢ ، ح ٥.

٤٢٠