عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-29-6
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٠

بالحجّة ، وبالغلبة في المحاربة ، وبالألطاف وتقوية القلب ، ويكون بإهلاك العدّو. وقد يكون النصر بالانتقام لهم ، كما نصر يحيى بن زكريّا لمّا قتل حين قتل به سبعون ألفا. (١)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) قال : ذاك ـ والله ـ في الرجعة. أما علمت أنّ أنبياء كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا وأئمّة بعدهم قتلوا ولم ينصروا؟ وذلك في الرجعة. (٢)

(فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) ؛ أي : في الدنيا والآخرة بالظفر على مخالفيهم. وإن غلبوا في بعض الأحيان ، فالعاقبة لهم. (الْأَشْهادُ). [يريد] الحفظة من الملائكة والأنبياء والمؤمنين من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٣)

(الْأَشْهادُ) : الذين يشهدون بالحقّ للمؤمنين وعلى المبطلين والكافرين يوم القيامة. وفي ذلك سرور للمحقّ وفضيحة للمبطل في ذلك الجمع العظيم. وقيل : هم الأنبياء وحدهم يشهدون للناس وعليهم. (٤)

[٥٢] (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢))

ثمّ أخبر عن ذلك اليوم فقال : (لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) إن اعتذروا من كفرهم ولن تنفعهم التوبة. (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) ؛ أي : البعد من الرحمة والحكم عليهم بالعقوبة ودوامها. (سُوءُ الدَّارِ) : جهنّم. (٥)

[٥٣] (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣))

(الْهُدى) ؛ أي : أعطيناه التوراة فيها أدلّة واضحة على معرفة الله وتوحيده. (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) ؛ أي : أورثنا بعد موسى بني إسرائيل التوراة وما فيه من البيان. (٦)

[٥٤] (هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤))

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٢٠.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٣) الكشّاف ٤ / ١٧٢.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٨٢٠.

(٥) مجمع البيان ٨ / ٨٢٠ ـ ٨٢١.

(٦) مجمع البيان ٨ / ٨٢١.

٣٤١

(هُدىً) ؛ أي : هو هدى ؛ أي : دلالة يعرفون بها معالم دينهم. (وَذِكْرى) ؛ أي : وتذكير لأولي العقول. ويجوز نصب هدى وذكرى على أنّهما مصدران وضعا موضع الحال من الكتاب. أي : هاديا ومذكّرا. ويجوز أن يكون للمفعول له. أي : للهدى والتذكير. (١)

[٥٥] (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥))

(فَاصْبِرْ) يا محمّد على أذى قومك وتحمّل المشاقّ في تكذيبهم إيّاك. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) الذي وعدك من النصر في الدنيا والثواب في الآخرة [حقّ] ولا خلف فيه. (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ). هذا تعبّد من الله لنبيّه بالدعاء والاستغفار لكي يزيد في الدرجات وليصيّره سنّة لمن بعده. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ؛ أي : نزّه الله [تعالى واعترف بشكره وإضافة النعم إليه ونفي التشبيه عنه. وقيل :] نزّه صفاته عن صفات المحدثين وأفعاله عن أفعال الظالمين. وقيل : معناه : صلّ بأمر ربّك. (بِالْعَشِيِّ) : من زوال الشمس إلى اللّيل. (وَالْإِبْكارِ) : من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس. وقيل : يريد الصلوات الخمس. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله : يابن آدم ، اذكرني بعد الغداة ساعة وبعد العصر ساعة ، أكفك ما أهمّك. (٢)

(وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) ؛ أي : أقبل على أمر دينك وتدارك فرطاتك كترك الأولى والاهتمام بأمر العدوّ بالاستغفار. فإنّه تعالى كافيك في النصر وإظهار الأمر. (بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) ؛ أي : دم على التسبيح والتحميد لربّك. وقيل : صلّ بهذين الوقتين. إذ كان الواجب بمكّة ركعتين بكرة وركعتين عشيّا ؛ أي : عصرا. (٣)

[٥٦] (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦))

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٢١.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٨٢١.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٤٣.

٣٤٢

(يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ). عامّ في كلّ مجادل مبطل وإن نزلت في مشركي مكّة أو اليهود حين قالوا : لست صاحبنا بل هو المسيح بن داوود ـ يعني الدجّال ـ يبلغ سلطانه البرّ والبحر وتسير معه الأنهار. (إِلَّا كِبْرٌ) ؛ أي : تكبّر عن الحقّ أو إرادة الرئاسة وأنّ النبوّة والملك لا يكون إلّا لهم. (بِبالِغِيهِ) ؛ أي : ببالغي دفع الآيات. (١)

(يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) ؛ أي : يخاصمون في إبطال آيات الله (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) ؛ أي : حجّة (أَتاهُمْ) الله إيّاها. (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ) ؛ أي : ليس في صدورهم إلّا عظمة وتكبّر على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هم ببالغي مقتضى تلك العظمة. لأنّ الله قد أذلّهم. وقيل : معناه : إنّ في قلوبهم كبرا وهو حسدك على النبوّة ولا ينالونها. وقيل : ما هم ببالغي وقت خروج الدجّال. لأنّ اليهود كانوا يقولون : سيخرج الدجّال فيعين على محمّد وأصحابه فنستريح منهم. (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) من شرّ اليهود والدجّال. (٢)

[٥٧] (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧))

(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مع عظمتهما وكثرة أجزائهما (أَكْبَرُ) ؛ أي : أعظم (مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) وإن كان عظيما. (لا يَعْلَمُونَ) لعدولهم عن التفكّر والاستدلال على صحّته. والمعنى : انّهم إذا أقرّوا بأنّ الله خلق السماء والأرض ، فكيف أنكروا قدرته على إحياء الموتى؟ ولكنّهم أعرضوا عن التدبّر. (٣)

[٥٨] (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨))

(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) : الغافل والمستبصر. (وَالَّذِينَ آمَنُوا). فينبغي أن

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٨٢٢.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٨٢٣.

٣٤٣

يكون لهم حال يظهر فيه التفاوت وهي فيما بعد البعث. (١)

(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى) ؛ أي : لا يستوي من أهمل نفسه ومن تفكّر فعرف الحقّ. شبّه الذي لا يتفكّر في الدلائل بالأعمى والذي يستدلّ بها بالبصير. (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ؛ أي : ما يستوي المؤمنون الصالحون ولا الكافر الفاسق في الكرامة والإهانة والهدى والضلال. أهل الكوفة : (تَتَذَكَّرُونَ) بالتاء ، والباقون بالياء. (٢)

«يتذكرون» أي : تذكّرا ما قليلا يتذكّرون. والضمير للناس أو الكفّار. (٣)

[٥٩] (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩))

(إِنَّ السَّاعَةَ) ؛ أي : القيامة. (لا يُؤْمِنُونَ) ؛ أي : لا يصدّقون بها لجهلهم بالله تعالى. (٤)

[٦٠] (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠))

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل قال له السائل : تقول : قال الله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). وقد يرى المضطرّ يدعوه فلا يستجاب له. قال : ويحك! ما يدعوه واحد إلّا استجاب له. أمّا الظالم ، فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه. وأمّا المحقّ ، فإنّه إذا دعاه استجاب له وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلم أو ادّخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه. وإن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيرا له إن أعطاه ، أمسك عنه. والمؤمن العارف بالله ربما عزّ عليه أن يدعوه فيما لا يدري صواب ذلك أم خطأ. (٥)

(أَسْتَجِبْ لَكُمْ). يعني إذا اقتضت المصلحة إجابتكم. وكلّ من يسأل الله شيئا ، فلا بدّ أن يشترط المصلحة في ذلك إمّا لفظا أو إضمارا ، وإلّا كان قبيحا. لأنّه ربما كان داعيا لما فيه

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٤٤.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٨٢٣ و ٨٢٢.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٤٤.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٨٢٣.

(٥) الاحتجاج / ٣٤٣.

٣٤٤

مفسدة ولا يشترط انتفاءها فيكون قبيحا. (عَنْ عِبادَتِي) ؛ أي : دعائي. (داخِرِينَ) ؛ أي : صاغرين ذليلين. وعن أبي جعفر عليه‌السلام : انّ العبادة في هذه الآية الدعاء. (١)

عن الصادق عليه‌السلام : إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئا إلّا أعطاه ، فلييأس من الناس كلّهم ولا يكون له رجاء إلّا عند الله عزوجل. فإذا علم الله ذلك من قلبه ، لم يسأله شيئا إلّا أعطاه. (٢)

عثمان بن عيسى ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : آيتين في كتاب الله أطلبهما فلا أجدهما. قال : وما هما؟ قلت : قول الله عزوجل : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). فندعوه فلا نرى إجابة. قال : أفترى الله عزوجل أخلف وعده؟ قلت : لا. قال : فممّ ذلك؟ قلت : لا أدري. قال : لكنّي أخبرك. من أطاع الله عزوجل فيما أمره ، ثمّ دعاه من جهة الدعاء ، أجابه. قلت : وما جهة الدعاء؟ قال : تبدأ فتحمد الله وتذكر نعمه عليك ، ثمّ تشكره ، ثمّ تصلّي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ تذكر ذنوبك فتقرّبها ، ثمّ تستعيذ منها. فهذا جهة الدعاء. (٣)

وعنه عليه‌السلام : إنّ العبد الوليّ لله يدعو الله في الأمر ينوبه ، فيقول للملك : اقض لعبدي حاجته ولا تعجّلها. فإنّي أشتهي أن أسمع نداءه وصوته. وإنّ العبد العدوّ لله ليدعو الله في الأمر ينوبه ، فيقول للملك الموكّل : اقض حاجته وعجّلها. فإنّي أكره أن أسمع نداءه وصوته. فيقول الناس : ما أعطي هذا إلّا لكرامته ، ولا منع هذا إلّا لهوانه. (٤)

وعنه عليه‌السلام : انّ المؤمن ليدعو الله [في] حاجته ، فيقول الله : أخّروا إجابته ، شوقا إلى صوته ودعائه. فإذا كان يوم القيامة ، يقول : عبدي ، دعوتني فأخّرت إجابتك ، وثوابك كذا وكذا. قال : فيتمنّى المؤمن أنّه لم يستجب له دعوة في الدنيا ممّا يرى من حسن الثواب. (٥)

وعنه عليه‌السلام : من كانت له إلى الله حاجة ، فليبدأ بالصلاة على محمّد وآله ، ثمّ يسأل حاجته ، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد وآل محمّد. فإنّ الله أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٢٣.

(٢) الكافي ٢ / ١٤٨.

(٣) الكافي ٢ / ٤٨٦ ، ح ٨.

(٤) الكافي ٢ / ٤٩٠ ، ح ٧.

(٥) الكافي ٢ / ٤٩٠ ـ ٤٩١ ، ح ٩.

٣٤٥

الوسط ؛ إذ كانت الصلاة على محمّد وآل محمّد لا تحجب عنه. (١)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : من قرأ مائة آية من القرآن ، من أيّ القرآن شاء ، ثمّ قال : يا الله ـ سبع مرّات ـ ثمّ دعا ، فلو دعا على الصخرة ، لقلعها إن شاء الله. (٢)

عن الكاظم عليه‌السلام : قال قوم للصادق عليه‌السلام : إنّا ندعو فلا يستجاب لنا. قال : لأنّكم تدعون من لا تعرفونه. (٣)

[٦١] (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١))

[٦٢] (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢))

(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ). أي الذي أظهر هذه الدلالات وأنعم بهذه النعم. (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ؛ أي : فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره مع وضوح الدلالة على توحيده؟ (٤)

[٦٣] (كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣))

(كَذلِكَ) ؛ أي : مثل ما صرف وأفك هؤلاء (يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ). وهم من تقدّمهم من الكفّار ، صرفهم أكابرهم ورؤساؤهم. (٥)

[٦٤] (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤))

(قَراراً) تستقرّون عليه. (وَالسَّماءَ بِناءً) مرتفعا فوقها. (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ). لأنّ صورة ابن آدم أحسن صور الحيوان. لأنّه يأكل بيده ويتناول بيده ، وكلّ ما خلق الله يتناول بفيه.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤٩٤ ، ح ١٦.

(٢) ثواب الأعمال / ١٣٠ ، ح ١.

(٣) التوحيد / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، ح ٧.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٨٢٤.

(٥) مجمع البيان ٨ / ٨٢٤.

٣٤٦

(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) ؛ أي : فاعل هذه الأشياء خالقكم. (فَتَبارَكَ اللهُ) ؛ أي : جلّ الله بأنّه الدائم الثابت. (١)

[٦٥] (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥))

عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : إذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله ، فليقل : الحمد لله ربّ العالمين. فإنّ الله يقول : (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). (٢)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). خبر فيه إضمار. كأنّه قال : ادعوه واحمدوه على هذه النعم وقولوا : الحمد لله ربّ العالمين. (٣)

[٦٦] (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦))

(قُلْ) ـ يا محمّد ـ للكفّار : إنّي نهاني الله عن عبادة الأصنام لمّا جاءني البراهين من الله دلّتني على ذلك. (أَنْ أُسْلِمَ) ؛ أي : أستسلم لأمره. (٤)

[٦٧] (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧))

(مِنْ تُرابٍ) ؛ أي : خلق أباكم من تراب وأنتم نسله وإليه ينتمون. (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) : ثمّ أنشأ من ذلك الأصل الذي خلقه من تراب النطفة ، وهي ماء الرجل والمرأة. (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ). وهي قطعة من الدم. (طِفْلاً) ؛ أي : [أطفالا] واحدا بعد واحد. فلذلك ذكره بالتوحيد. قال يونس : العرب تجعل الطفل للواحد والجمع. قال الله : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٢٤ ـ ٨٢٥.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٦٠.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٨٢٥.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٨٢٦.

٣٤٧

النِّساءِ). (١)(ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ). وهو حال استكمال القوّة. (مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) ؛ أي : من قبل أن يصير شيخا. (وَلِتَبْلُغُوا) [أي : ليبلغ] كلّ منكم ما سمّي له من الأجل الذي يموت عنده. وقيل : هذا للقرن الذي تقوم عليهم القيامة. والأجل المسمّى هو القيامة. (تَعْقِلُونَ). أي : إنّه خلقكم لهذه الأغراض التي ذكرها ولكي تتفكّروا في ذلك. (٢)

قرأ نافع وأبو عمرو وحفص وهشام : (شُيُوخاً) بضمّ الشين. و [قرئ :] «شيخا» كقوله : (طِفْلاً). (٣)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يؤتى بالشيخ يوم القيامة فيدفع إليه كتابه فلا يرى إلّا مساوئ. فيطول ذلك عليه فيقول : يا ربّ أتأمربي إلى النار؟ فيقول الجبّار : يا شيخ ، إنّي أستحيي أن أعذّبك وقد كنت تصلّي لي في دار الدنيا. اذهبوا بعبدي إلى الجنّة. (٤)

[٦٨] (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨))

(يُحْيِي وَيُمِيتُ) ؛ أي : يحييكم ويميتكم. فأوّلكم من تراب وآخركم إلى تراب. (٥)

[٦٩] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩))

(الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ). يعني المشركين الذين يخاصمون في إبطال حجج الله. (أَنَّى يُصْرَفُونَ) ؛ أي : إلى أين ينقلبون عن الطريق المستقيم إلى الضلال؟ ولو كانوا يخاصمون في آيات الله بالنظر في صحّتها والتفكّر فيها ، لما ذمّهم الله. (٦)

[٧٠] (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠))

(كَذَّبُوا بِالْكِتابِ) ؛ أي : القرآن وجحدوه. (وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) ؛ أي : الكتب و

__________________

(١) النور (٢٤) / ٣١.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٨٢٦.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٤٥.

(٤) الخصال / ٥٤٦ ، ح ٢٦.

(٥) مجمع البيان ٨ / ٨٢٦.

(٦) مجمع البيان ٨ / ٨٢٦.

٣٤٨

الشرائع. (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة أمرهم. (١)

[٧١ ـ ٧٢] (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢))

(إِذِ الْأَغْلالُ) ؛ أي : يعلمون وبال أمرهم في حال تكون الأغلال في أعناقهم. (يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ) ؛ أي : يجرّون في الماء الحارّ الذي انتهت حرارته ، (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) : يقذفون في النار. وقيل : يصيرون وقود النار. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : بينما أنا وأبي متوجّهان إلى مكّة [وأبي] قد تقدّمني في موضع يقال له ضجنان ، إذ جاء رجل في عنقه سلسلة يجرّها فقال لي : اسقني! اسقني! فصاح بي أبي : لا تسقه. لا سقاه الله! ورجل يتبعه حتّى جذب سلسلة وطرحه في أسفل درك من النار. وكان ذلك الرجل معاوية. ويقال : إنّ وادي ضجنان من أودية جهنّم. (٣)

[٧٣] (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣))

(ثُمَّ قِيلَ) لهؤلاء الكفّار إذا دخلوا النار على وجه التوبيخ : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ) ؛ أي : أين ما كنتم تزعمون أنّها تنفع وتضرّ من أصنامكم التي عبدتموها؟ (٤)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ) ؛ أي : أين إمامكم الذي اتّخذتموه دون الإمام الذي خلّفه الله لكم وللناس إماما. (٥)

[٧٤] (مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ (٧٤))

(ضَلُّوا عَنَّا) ؛ أي : هلكوا ولا نقدر عليهم. ثمّ يستدركون ويقولون : (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٢٦.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٨٢٨.

(٣) بصائر الدرجات / ٣٠٥ ، ح ٢.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٨٢٨.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٦١.

٣٤٩

مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) يستحقّ العبادة ولا [ما] ينتفع بعبادته. وقيل : معناه : ضاعت عبادتنا لهم فلم نكن نصنع شيئا إذ عبدناها. (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ) ؛ أي : كما أضلّ الله أعمال هؤلاء وأبطل ما كانوا يأملونه ، كذلك يفعل بجميع من يتديّن بالكفر فلا ينتفعون بشيء من أعمالهم. وقيل : يضلّ الكافرين عن طريق الجنّة والثواب ، كما أضلّهم عمّا اتّخذوه إلها بأن صرفهم عن الطمع في منفعة من جهتها. (١)

(ضَلُّوا عَنَّا) ؛ أي : غابوا عنّا. وذلك قبل أن يقرن به آلهتهم. أو : ضاعوا عنّا فلم نجد منهم ما كنّا نتوقّع منهم. (بَلْ لَمْ نَكُنْ) ؛ أي : تبيّن لنا أن لم نكن نعبد شيئا بعبادتهم. فإنّهم ليسوا شيئا يعتدّ به. (كَذلِكَ) ؛ أي : مثل هذا الضلال (يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) حتّى لا يهتدوا إلى شيء ينفعهم في الآخرة أو يضلّهم عن آلهتهم حتّى لو يطالبوا لم يتصادفوا. (٢)

[٧٥] (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥))

(ذلِكُمْ) الإضلال. (تَفْرَحُونَ) : تبطرون وتتكبّرون. (بِغَيْرِ الْحَقِّ). وهو الشرك والطغيان. (تَمْرَحُونَ) : تتوسّعون في الفرح. والعدول إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ. (٣)

(ذلِكُمْ) العذاب الذي نزل بكم. (بِغَيْرِ الْحَقِّ) ؛ أي : بما كان يصيب أنبياء الله تعالى وأولياءه من المكاره. (٤)

[٧٦] (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦))

(ادْخُلُوا) ؛ أي : يقال لهم : ادخلوا. (أَبْوابَ جَهَنَّمَ). وهي سبعة أبواب. (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) ؛ أي : بئس مقام الذين تكبّروا عن عبادة الله وتجبّروا عن الانقياد له. (٥)

[٧٧] (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٢٨.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٤٦.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٤٦.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٨٢٨.

(٥) مجمع البيان ٨ / ٨٢٩.

٣٥٠

يُرْجَعُونَ (٧٧))

(فَاصْبِرْ) يا محمّد على أذى قومك وتكذيبهم إيّاك. ومعناه : اثبت على الحقّ. فسمّاه صبرا للمشقّة التي تلحق به كما تلحق بتجرّع المرّ. ولذلك لا يوصف أهل الجنّة بالصبر وإن وصفوا بالثبات على الحقّ. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) وهو ما وعده الله المؤمنين على الصبر من الثواب في الجنّة (حَقٌّ) لا شكّ فيه. (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من المعجّل من عذابهم في الدنيا. وهو بعض ما يستحقّون من العقاب. [(أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل] أن يحلّ بهم ذلك. (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) يوم القيامة فنفعل بهم ما يستحقّون من العقاب. (١)

(إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بهلاك الكفّار. (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) : فإن نرك. وما مزيدة لتأكيد الشرطيّة ولذلك لحقت النون الفعل ولا تلحق مع إن وحدها. (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ). وهو القتل والأسر. (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل أن تراه. (يُرْجَعُونَ) يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم. وهو جواب نتوفّينّك وجواب نرينّك محذوف مثل فذاك. ويجوز أن يكون جوابا لهما بمعنى : إن نعذّبهم في حياتك أو لم نعذّبهم ، فإنّا نعذّبهم في الآخرة أشدّ العذاب. (٢)

[٧٨] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨))

ثمّ زاد في تسلية النبيّ بقوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا). (قَصَصْنا عَلَيْكَ) قصصهم وأخبارهم. (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) أخبارهم. وعن عليّ عليه‌السلام : إنّ الله بعث نبيّا أسود لم يقصّ علينا قصّته. واختلفت الأخبار في عدد الأنبياء. فروى بعضهم أنّ عددها مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. وفي بعضها أنّ عددهم ثمانية آلاف ؛ أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من غيرهم. (بِآيَةٍ) ؛ أي : بمعجزة ودلالة. (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) وأمره ؛ أي : إنّ الإتيان

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٢٩ ـ ٨٣٠.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٤٦.

٣٥١

بالمعجزات ليس إلى الرسول ، ولكنّه إلى الله تعالى يأتي بها على وجه المصلحة. (أَمْرُ اللهِ). وهو القيامة. (قُضِيَ بِالْحَقِّ) بين المسلمين والكفّار والأبرار والفجّار. (وَخَسِرَ هُنالِكَ) : عند ذلك (الْمُبْطِلُونَ). لأنّهم يخسرون الجنّة ويحصلون النار بدلا منها. (١)

(بِإِذْنِ اللهِ). فإنّ المعجزات عطايا قسّمها الله بينهم على ما اقتضته حكمته كسائر القسم ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها. (الْمُبْطِلُونَ) : المعاندون باقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان في المدينة رجل بطّال يضحك الناس. فقال : قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه. يعني عليّ بن الحسين عليهما‌السلام. [فمرّ عليّ عليه‌السلام] وخلفه موليان له ، فجاء الرجل حتّى انتزع من رقبته رداءه ثمّ مضى. فلم يلتفت إليه عليّ بن الحسين عليهما‌السلام. فأتبعوه وأخذوا الرداء منه فجاؤوا به فطرحوه عليه. فقال لهم : من هذا؟ قالوا : هذا رجل يضحك أهل المدينة. فقال : قولوا له : إنّ لله يوما يخسر فيه المبطلون. (٣)

[٧٩] (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩))

(لِتَرْكَبُوا مِنْها) ؛ أي : لتنتفعوا بركوبها. (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ؛ أي : إنّ بعضها للركوب والأكل كالإبل والبقر وبعضها للأكل كالأغنام. وقيل : المراد بالأنعام الإبل خاصّة. واللّام في قوله : (لِتَرْكَبُوا) لام الغرض. (٤)

[٨٠] (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠))

(مَنافِعُ) من جهة ألبانها وأصوافها وأوبارها. (حاجَةً) بأن تركبوها لتبلغوا المواضع

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٣٠.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧.

(٣) أمالي الصدوق / ١٨٣ ، ح ٦.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٨٣٠.

٣٥٢

التي تقصدونها. (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ). يعني على الإبل في البرّ وعلى الفلك في البحر. (١)

[٨١] (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ (٨١))

(وَيُرِيكُمْ) أيّها الكفّار (آياتِهِ) كإهلاك الأمم الماضية بكفرهم وخلق الأنعام وما فيها من المنافع. (٢)

[٨٢] (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢))

(وَآثاراً) ؛ أي : الأبنية العظيمة التي بنوها. (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ؛ أي : لم ينفعهم ما كسبوا من الأموال والبنيان ولم يدفع عنهم العذاب. وقيل : إنّ [ما في قوله :](فَما أَغْنى) بمعنى أيّ. فالمعنى : فأيّ شيء أغنى عنهم كسبهم؟ ويكون موضع ما الأولى نصبا وموضع الثانية رفعا. (٣)

[٨٣] (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣))

(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي فجحدوها ، (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ) ؛ أي : فرح الرسل بما عندهم (مِنَ الْعِلْمِ) بذلك. وقيل : معناه : فرح الكفّار بما عندهم من العلم ؛ أي : بما كان عندهم أنّه علم وهو جهل على الحقيقة. لأنّهم قالوا : نحن أعلم منهم ولا نبعث ولا نعذّب ، واعتقدوا أنّه علم ، فأطلق لفظ العلم على اعتقادهم. كما قال : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ). (٤) وقيل : معناه : فرحوا بالشرك الذي كانوا عليه وعجبوا به وظنّوا أنّه علم وهو جهل وكفر. والمراد بالفرح شدّة الإعجاب. (وَحاقَ بِهِمْ) ؛ أي : حلّ بهم ونزل بهم جزاء استهزائهم برسلهم من

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٣٠.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٨٣١.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٨٣١ ـ ٨٣٢.

(٤) الشورى (٤٢) / ١٦.

٣٥٣

العذاب. (١)

(فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ). أراد العلم الوارد على طريق التهكّم في قوله : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ). (٢) وعلمهم في الآخرة أنّهم كانوا يقولون : لا نعذّب ولا نبعث. (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً). (٣) وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به البيّنات وعلم الأنبياء. كما قال : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ). (٤) أو يريد به علم الفلاسفة والدهريّين من بني يونان وكانوا إذا سمعوا بوحي الله ، دفعوه وصغّروا علم الأنبياء إلى علمهم. وعن سقراط أنّه سمع بموسى عليه‌السلام وقيل له : لو هاجرت [إليه]. فقال : نحن قوم مهذّبون. فلا حاجة لنا إلى من يهذّبنا. [و] يجوز أن يجعل الفرح للرسل ومعناه : انّ الرسل لمّا رأوا جهلهم المتمادي واستهزاءهم بالحقّ وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم ، فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه. (٥)

[٨٤] (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤))

عن جعفر بن رزق (٦) قال : قدّم إلى المتوكّل رجل نصرانيّ فجر بامرأة مسلمة ، فأراد أن يقيم عليه الحدّ ، فأسلم. فاختلف فيه فقهاؤهم. فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام وسأله عن ذلك. فلمّا قرأ الكتاب كتب : يضرب حتّى يموت. فأنكره فقهاء العسكر فقالوا : يا أمير المؤمنين ، اسأله عن هذا. فإنّه شيء لم ينطق به كتاب الله. فسأله عن ذلك ، فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم. (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) ـ الآية. فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات. (٧)

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٣٢.

(٢) النمل (٢٧) / ٦٦.

(٣) الكهف (١٨) / ٣٦.

(٤) الروم (٣٠) / ٣٢.

(٥) الكشّاف ٤ / ١٨٢.

(٦) المصدر : رزق الله.

(٧) الكافي ٧ / ٢٣٨ ، ح ٢.

٣٥٤

(بَأْسَنا) ؛ أي : عذابنا النازل بهم. (وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) ؛ أي : كفرنا بالأصنام والأوثان. (١)

[٨٥] (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥))

(لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا). لأنّهم يصيرون بذلك ملجئين إلى الإيمان. (سُنَّتَ اللهِ). نصب على المصدر. أي : سنّ الله هذه السنّة في الأمم الماضية أن لا ينفعهم إيمانهم إذا رأوا العذاب. والمراد بالسنّة هنا الطريقة المستمرّة من فعله بأعدائه. (٢)

عن الهمدانيّ قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : لأيّ علّة غرّق الله فرعون وقد آمن به وأقرّ بتوحيده؟ قال : لأنّه آمن عند رؤية البأس. والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول. وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف. قال الله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) إلى : (الْكافِرُونَ). وهكذا فرعون لمّا أدركه الغرق قال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). فقيل له : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ) ـ الآية (٣). (٤)

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٣٢.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٨٣٢.

(٣) يونس (١٠) / ٩١.

(٤) عيون الأخبار ٢ / ٧٦ ، ح ٧.

٣٥٥
٣٥٦

٤١.

سورة فصّلت

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من قرأ حم السجدة ، كانت له نورا يوم القيامة مدّ بصره وسرورا ، وعاش في الدنيا محمودا مغبوطا. (١)

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ حم السجدة ، أعطي بعدد كلّ حرف منها عشر حسنات. (٢)

فصّلت : من كتبها بماء المطر ومحاها وسحق بمائها كحلا واكتحل به ، نفع من الرمد والبياض وأوجاع العين. (٣)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * حم (١))

عن الصادق عليه‌السلام : وأمّا (حم) فمعناه : الحميد المجيد. (٤)

إن جعلت (حم) اسما للسورة ، كانت في موضع المبتدأ و (تَنْزِيلٌ) خبره. وإن جعلتها تعديدا للحروف ، كان (تَنْزِيلٌ) خبرا لمبتدأ محذوف و (كِتابٌ) بدل من (تَنْزِيلٌ) أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف. وجوّز الزجّاج أن يكون (تَنْزِيلٌ) مبتدأ و (كِتابٌ) خبره لتخصيصه بالصفة. (فُصِّلَتْ آياتُهُ) ميّزت وجعلت تفاصيل في معان مختلفة من أحكام وأمثال ومواعظ ووعد ووعيد وغير ذلك. (٥)

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٤٠ ، ح ١.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٣.

(٣) المصباح / ٦١٠.

(٤) معاني الأخبار / ٢٢ ، ح ١.

(٥) الكشّاف ٤ / ١٨٤.

٣٥٧

(قُرْآناً) نصبت قرآنا على الحال بمعنى : بيّنت آياته في حال جمعه و (بَشِيراً وَنَذِيراً) من صفته. (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) اللّسان العربيّ ويعجزون عن مثله فيعرفون إعجازه. وقيل : يعلمون أنّ القرآن من عند الله. (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ). يعني أهل مكّة عدلوا عن الإيمان. (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) سماع قبول فكأنّهم لا يسمعونه حقيقة. (١)

[٥] (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥))

(فِي أَكِنَّةٍ) ؛ أي : في أغطية. (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) فلا نفقه ما تقول. وإنّما قالوا ذلك ليؤيسوا النبيّ من قبولهم دينه. فكأنّهم شبّهوا قلوبهم بما يكون في غطاء فلا يصل إليه شيء ممّا وراءه. (وَقْرٌ) ؛ أي : ثقل عن استماع القرآن وصمم. (حِجابٌ) ؛ أي : بيننا وبينك فرقة في الدين وحاجز في النحلة فلا نوافقك على ما تقول. وقيل : إنّه تمثيل بالحجاب ليؤيسوه من الإجابة. (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ). قيل : إنّ أبا جهل رفع ثوبا بينه وبين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمّد ، أنت من ذلك الجانب ونحن من هذا الجانب. فاعمل أنت على دينك ومذهبك وإنّنا عاملون على ديننا. وقيل : معناه : فاعمل في هلاكنا ؛ إنّنا عاملون في هلاكك. وقيل : فاعمل في إبطال أمرنا ؛ إنّنا عاملون في إبطال أمرك. وهذا غاية في العناد. (٢)

فإن قلت : هل لزيادة (مِنْ) في قوله (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) فائدة؟ قلت : نعم. لأنّه لو قيل : بيننا وبينك حجاب ، لكان المعنى أنّ حجابا حاصل وسط الجهتين ؛ وأمّا بزيادة (مِنْ) فالمعنى أنّ الحجاب ابتدأ منّا وابتدأ منك فالمسافة المتوسّطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها. (٣)

[٦ ـ ٧] (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَ

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٤.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٤ ـ ٥.

(٣) الكشّاف ٤ / ١٨٥ ـ ١٨٦.

٣٥٨

اسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧))

ثمّ قال لنبيّه : (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء الكفّار : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) من ولد آدم. وإنّما خصّني الله بنبوّته وميّزني منكم بالوحي. ولو لا الوحي ما دعوتكم. (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) ؛ أي : لا تميلوا عن سبيله وتوجّهوا إليه بالطاعة. (وَاسْتَغْفِرُوهُ) من الشرك. [(الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) ؛ أي : الزكاة المفروضة. وقيل : معناه : لا يطهّرون أنفسهم من الشرك] بقول (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ). فإنّها زكاة الأنفس. وقال الفرّاء : الزكاة في هذا الموضع أنّ قريشا كانت تطعم الحاجّ وتسقيهم فحرّموا ذلك على من آمن بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) ؛ أي : ومع ذلك ينكرون البعث. (١)

فإن قلت : من أين كان قوله : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ) جوابا لقولهم : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ)؟ قلت : من حيث إنّه قال لهم : لست بملك. وإنّما أنا بشر مثلكم وقد أوحي إليّ دونكم. وإذا صحّت نبوّتي ، وجب عليكم اتّباعي. وفيما يوحى إليّ أنّ إلهكم إله واحد. (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) : فاستووا إليه بالتوحيد وإخلاص العبادة غير ذاهبين يمينا ولا شمالا ولا ملتفتين إلى ما يسوّل لكم الشيطان من اتّخاذ الأولياء والشفعاء. فإن قلت : لم خصّ من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة؟ قلت : لأنّ أحبّ الأشياء إلى الإنسان ماله وهو شقيق روحه ، فإذا بذله في سبيل الله ، فذاك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيّته. وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة وتخويف شديد من منعها حيث جعل المنع من أوصاف المشركين. (٢)

عن أبان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبان ، أترى أنّ الله طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به حيث يقول : (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ)؟ ثمّ قال : معناه : ويل للمشركين الذين أشركوا بالإمام الأوّل وهم بالأئمّة الآخرين كافرون. يا أبان ، إنّما دعا الله العباد إلى

__________________

(١) مجمع البيان ٩ / ٥ ـ ٦.

(٢) الكشّاف ٤ / ١٨٦ ـ ١٨٧.

٣٥٩

الإيمان به. فإذا آمنوا بالله وبرسوله ، افترض عليهم الفرائض. (١)

[٨] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨))

(آمَنُوا) ؛ أي : صدّقوا بالآخرة من الثواب والعقاب. (غَيْرُ مَمْنُونٍ) ؛ أي : لهم جزاء غير مقطوع. ويجوز أن يكون معناه أنّه لا أذى فيه. من المنّ الذي يكدّر الصنيعة. (٢)

قيل : نزلت في المرضى والزمنى والهرمى ؛ إذا عجزوا عن الطاعة ، كتب لهم الأجر كأصحّ ما كانوا يعملون. (٣)

[٩] (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩))

(قُلْ) يا محمّد لهم على وجه الإنكار عليهم : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ). وهو استفهام تعجّب. أي : كيف تستجيزون أن تكفروا نعمة من خلق الأرض في مقدار يومين. عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الله خلق الأرض في يوم الأحد والاثنين. وخلق الجبال يوم الثلاثاء. وخلق الشجرة والماء والعمران والخراب يوم الأربعاء. فتلك أربعة أيّام. وخلق يوم الخميس السماء. وخلق يوم الجمعة الشمس والقمر والنجوم والملائكة وآدم. (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) ؛ أي : أمثالا وأشباها تعبدونهم. (ذلِكَ) الذي خلق الأرض في يومين ، خالق العالمين ومالك التصرّف فيهم. (٤)

وقوله : (فِي يَوْمَيْنِ) ؛ أي : وقتين ، ابتداء الخلق وانقضائه. (٥)

[١٠] (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠))

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٦٢.

(٢) مجمع البيان ٩ / ٦.

(٣) الكشّاف ٤ / ١٨٧.

(٤) مجمع البيان ٩ / ٦ ـ ٧.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٦٢.

٣٦٠