عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-29-6
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٠

إطلاقه فيما عدا الشرك قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)(١) والتعليل بقوله : (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) على المبالغة وإفادة الحصر. (٢)

(أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) بارتكاب الذنوب. (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) ؛ أي : لا تيأسوا من مغفرة الله. وقيل : إنّ هذه الآية نزلت في وحشيّ قاتل حمزة رحمه‌الله ، حيث أراد أن يسلم وخاف أن لا تقبل توبته. فلمّا نزلت الآية أسلم. فقيل : يا رسول الله ، هذه له خاصّة أم للمسلمين عامّة؟ فقال : بل للمسلمين عامّة. لأنّ الله سبحانه يغفر جميع الذنوب للتائب لا محالة. فإن مات الموحّد من غير توبة ، فهو [في] مشيّة الله ؛ إن شاء عذّبه بعدله ، وإن شاء غفر له بفضله. كما قال : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)(٣). (٤)

بعث وحشيّ وجماعة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يمنعنا من دينك إلّا أنّنا سمعناك تقرأ أنّ من يدعو مع الله إلها آخر ويقتل النفس ويزني ، يلق أثاما ويخلد في العذاب. ونحن قد فعلنا هذا كلّه. فبعث الله إليهم بقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ [عَمَلاً] صالِحاً). (٥) فقالوا : نخاف أن لا نعمل صالحا. فبعث إليهم : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فقالوا : نخاف أن لا ندخل في المشيّة. فبعث إليهم : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) ـ الآية. فجاؤوا وأسلموا. (٦)

روي : الحمزة وقاتله في الجنّة. والزبير وقاتله في النار.

عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال لأبي بصير : لقد ذكركم الله في كتابه إذ يقول : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) ـ الآية. والله ما أراد بهذه غيركم. (٧)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : لا يعذر أحد يوم القيامة بأن يقول : يا ربّ لم أعلم أنّ ولد فاطمة الولاة. وفي ولد فاطمة نزلت هذه الآية خاصّة : (قُلْ يا عِبادِيَ) ـ الآية. (٨)

__________________

(١) النساء (٤) / ٤٨ و ١١٦.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٢٨.

(٣) النساء (٤) / ٤٨ و ١١٦.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٧٨٤ ـ ٧٨٥.

(٥) الفرقان (٢٥) / ٧٠.

(٦) سعد السعود / ٢١١.

(٧) الكافي ٨ / ٣٥.

(٨) معاني الأخبار / ١٠٧.

٣٠١

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : الذنوب ثلاثة : فذنب مغفور ، وذنب غير مغفور ، وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه. فأمّا الذنب المغفور ، فعبد عاقبه الله على ذنبه في الدنيا. والله أكرم من أن يعاقب عبده مرّتين. وأمّا الذنب الذي لا يغفر ، فمظالم العباد بعضهم لبعض حتّى النطيحة بين القرناء والجمّاء. وأمّا الثالث ، [فذنب] وفّق الله سبحانه صاحبه للتوبة فأصبح خائفا من ذنبه راجيا لربّه ، فنحن نرجو له الرحمة ونخاف عليه العقاب. (١)

[٥٤] (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤))

(وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) ؛ أي : ارجعوا إليه من الشرك. أو : اجعلوا أنفسكم خالصة له. (وَأَسْلِمُوا) ؛ أي : انقادوا له بالطاعة. (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) عند نزول العذاب بكم. (٢)

[٥٥] (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥))

(ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ). أي من الحلال والحرام والأمر والنهي. فمن أتى بالمأمور به وترك المنهيّ عنه ، فقد اتّبع الأحسن. وقيل : أراد بالأحسن الواجبات والنوافل دون المباحات. وقيل : أراد بالأحسن الناسخ دون المنسوخ. (٣)

[٥٦] (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦))

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين : أنا الهادي. وأنا المهديّ. وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده. وأنا جنب الله الذي يقول : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ). من عرفني وعرف حقّي ، فقد عرف ربّه. لأنّي وصيّ نبيّه. (٤)

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤٤٣ ، ح ١.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٧٨٥.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٧٨٥.

(٤) التوحيد / ١٦٤ ، ح ٢.

٣٠٢

لمّا أمر الله سبحانه باتّباع الطاعات واجتناب المقبّحات ، بيّن الغرض في ذلك [بقوله :](أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) ؛ أي : خوف أن تقول. أو : حذرا من أن تقول. والمعنى : كراهة أن يصيروا إلى حال يقولون فيها : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) ؛ أي : يا ندامتي على ما ضيّعت من ثواب الله أو قصّرت في أمر الله. وقيل : في طاعة الله. وقال الفرّاء : الجنب : القرب. أي : في قرب الله وجواره ، وهو الجنّة. وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : نحن جنب الله. (لَمِنَ السَّاخِرِينَ) ؛ أي : من المستهزئين بالنبيّ وبالقرآن وبالمؤمنين عليهم‌السلام في دار الدنيا ، أو بمن يدعوني إلى الإيمان. أبو جعفر : يا حسرتاي بياء مفتوحة بعد الألف. والباقون بغير ياء. (١)

(نَفْسٌ). تنكير نفس لأنّ القائل بعض الأنفس ، أو للتكثير. (فِي جَنْبِ اللهِ) : في جانبه. أو : في حقّه وهو طاعته. و [محلّ](إِنْ كُنْتُ) نصب على الحال. كأنّه قال : فرّطت وأنا ساخر. (٢)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : انّ الله يقول في أصفيائه : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) ـ الآية ـ تعريفا للخليقة قربهم. ألا ترى أنّك تقول : فلان إلى جنب فلان ، إذا أردت أن تصف قربه منه. إنّما جعل الله هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وأنبياؤه وحججه لعلمه ما يحدثه في كتابه المبدّلون بإسقاط حججه منه ليعينوا على باطلهم. فأثبت فيه الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم عنها. (٣)

[٥٧] (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧))

(أَوْ تَقُولَ) ؛ أي : فعلنا ذلك كراهة أن تقول : لو أراد الله هدايتي ، لكنت ممّن يتّقي معاصيه خوفا من عقابه. وقيل : إنّهم لمّا لم ينظروا في الأدلّة وأعرضوا عن القرآن واشتغلوا بالدنيا ، توهّموا أنّ الله لم يهدهم فقالوا ذلك بالظنّ. ولهذا ردّ الله عليهم بقوله : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٧٨٧ و ٧٨٦.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٢٩.

(٣) الاحتجاج / ٢٥٢.

٣٠٣

آياتِي). وقيل : معناه : لو أنّ الله هداني إلى النجاة بأن يردّني إلى حال التكليف ، لكنت ممّن يتّقي المعاصي. لأنّهم يضطرّون يوم القيامة إلى العلم بأنّ الله قد هداهم. (١)

(هَدانِي). أي بالإرشاد إلى الحقّ. (مِنَ الْمُتَّقِينَ) الشرك والمعاصي. (٢)

[٥٨] (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨))

(أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى). وأو للدلالة على أنّه لا يخلو من هذه الأقوال تحيّرا أو تعلّلا بما لا طائل تحته. (٣)

(لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) ؛ أي : رجعة إلى الدنيا فأكون من الموحّدين. (٤)

[٥٩] (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥٩))

(بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) ؛ أي : ليس كما قلت ، بل جاءك حججي (فَكَذَّبْتَ بِها). (٥)

[٦٠] (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠))

(كَذَبُوا عَلَى اللهِ) ؛ أي : زعموا أنّ له شريكا وولدا. (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) للّذين تكبّروا عن الإيمان بالله؟ وهذا استفهام تقرير. أي فيها مثواهم ومقامهم. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : من حدّث عنّا بحديث ، فنحن سائلوه عنه يوما. فإن صدق علينا ، فإنّما يصدق على الله وعلى رسوله. وإن كذب علينا ، فإنّما كذب على الله وعلى رسوله. لأنّا إذا حدّثنا لا نقول : قال فلان ، وقال فلان ؛ إنّما نقول : قال الله ، وقال رسوله. ثمّ تلا : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) ـ الآية. وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كلّ إمام انتحل إمامة ليست له من الله. قلت : وإن كان علويّا؟ وإن كان فاطميّا؟ قال : نعم. (٦)

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٧٨٧.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٢٩.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٢٩.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٧٨٧.

(٥) مجمع البيان ٨ / ٧٨٧.

(٦) مجمع البيان ٨ / ٧٨٧ ـ ٧٨٨.

٣٠٤

(وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) بما ينالهم من الشدّة ، أو بما يتخيّل عليها من ظلمة الجهل. (١)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : انّ في جهنّم لواديا للمتكبّرين يقال له سقر ؛ شكا إلى الله شدّة حرّه وسأله أن يتنفّس ، فأذن له ، فتنفّس فحرقت جهنّم. (٢)

[٦١](وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١))

(الَّذِينَ اتَّقَوْا). أي معاصيه. (بِمَفازَتِهِمْ) ؛ أي : بمنجاتهم من النار. وأصل المفازة : المنجاة. فبذلك سمّيت المفازة على وجه التفؤّل بالنجاة منها. (السُّوءُ) ؛ أي : المكروه. (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما فاتهم من لذّات الدنيا. قرأ أهل الكوفة غير حفص : بمفازاتهم». (٣)

(بِمَفازَتِهِمْ) ؛ أي : بفلاحهم. والباء للسببيّة. (٤)

[٦٢](اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢))

(وَكِيلٌ) ؛ أي : حافظ مدبّر. (٥)

[٦٣](لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣))

(مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ؛ أي : مفاتيحها بالرزق والرحمة. وقيل : خزائن السموات والأرض ، يفتح الرزق على من يشاء ويغلقه عمّن يشاء. (الْخاسِرُونَ). لأنّهم يخسرون الجنّة ونعيمها. (٦)

(مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). لا يملك أمرها ولا يتمكّن من التصرّف فيها غيره. وهو كناية عن قدرته وحفظه لها. وفيها مزيد دلالة على الاختصاص. لأنّ الخزائن لا يدخلها ولا يتصرّف فيها إلّا من بيده مفاتيحها. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا). متّصل بقوله : (يُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٣٠.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٥١.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٧٨٩ و ٧٨٨.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٣٠.

(٥) مجمع البيان ٨ / ٧٨٩ ـ ٧٩٠.

(٦) مجمع البيان ٨ / ٧٩٠.

٣٠٥

اتَّقَوْا) وما بينهما اعتراض للدلالة على أنّه مطّلع على العباد. (١)

[٦٤](قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤))

(قُلْ) يا محمّد : أتامرونّي ـ أيّها الجاهلون ـ بعبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرّ؟ وأهل المدينة : (تَأْمُرُونِّي) خفيفة النون مفتوحة الياء. (٢)

(تَأْمُرُونِّي). أي بعد هذه الدلائل والمواعيد. وتأمرونّي اعتراض [للدلالة] على أنّهم أمروه به عقيب ذلك وقالوا : استسلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك ، لفرط غباوتهم. وقرأ ابن عامر : تأمرونني بإظهار النونين على الأصل. (٣)

[٦٥](وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥))

(أُوحِيَ إِلَيْكَ) يا محمّد (وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) من الأنبياء والمرسلين. في هذا أدب من الله لنبيّه وتهديد لغيره. لأنّ الله تعالى قد عصمه من الشرك ومن مداهنة الكفّار. وليس في هذا ما يدلّ على صحّة القول بالإحباط على ما يذهب إليه أهل الوعيد. لأنّ المعنى فيه أنّ من أشرك في عبادة الله غيره من الأصنام وغيرها ، وقعت عبادته على وجه لا يستحقّ عليها الثواب ، ولذلك وصفها بأنّها محبطة. (٤)

عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) : معناه : إن أمرت بولاية أحد مع ولاية عليّ من بعدك ، ليحبطنّ عملك. (٥)

عن الرضا عليه‌السلام : قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ممّا نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة. (٦)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٣٠.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٧٩٠ و ٧٨٨.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٣٠.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٧٩٠.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٥١.

(٦) عيون الأخبار ١ / ١٥٥ ـ ١٦١.

٣٠٦

[٦٦] (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦))

[٦٧] (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧))

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : نزلت في الخوارج. (١)

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ؛ أي : ما عظّموه حقّ عظمته إذ عبدوا معه غيره وأمروا نبيّه بعبادة غيره. وقيل : معناه : وما وصفوا الله حقّ صفته إذ جحدوا البعث فوصفوه بأنّه خلق الخلق عبثا وأنّه عاجز عن البعث. (جَمِيعاً قَبْضَتُهُ). [أخبر] سبحانه عن كمال قدرته فذكر أنّ الأرض كلّها مع عظمتها في مقدوره كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفّه. وهذا تفيهم لنا على عادة التخاطب [فيما بيننا]. لأنّا نقول : [هذا] في قبضة فلان ، إذ هان عليه التصرّف فيه وإن لم يقبض عليه. وكذا قوله : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ). أي يطويها بقدرته كما يطوي الواحد منّا الشيء المقدور له في طيّه بيمينه. وذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار والتحقيق للملك. وقيل : معناه أنّها محفوظات مصونات بقوّته. واليمين : القوّة. (عَمَّا يُشْرِكُونَ) ؛ أي : يضيفون إليه من المثل والشبه. (٢)

(جَمِيعاً). نصب على الحال. والعامل محذوف. تقديره : والأرض إذا كانت مجتمعة قبضته. وكان هنا تامّة. (٣)

فيما علّم أمير المؤمنين عليه‌السلام أصحابه من الأربعمائة : من خاف منكم الغرق ، فليقرأ : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ). (٤) بسم الله الملك القويّ. (وَما قَدَرُوا اللهَ) ـ الآية. (٥)

عن العسكريّ عليه‌السلام في قوله : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً) ـ الآية ـ فقال : ذلك تعيير الله لمن شبّهه

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٧٩١ ـ ٧٩٢.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٧٩١.

(٤) هود (١١) / ٤١.

(٥) الخصال / ٦١٩.

٣٠٧

بخلقه. ألا ترى أنّه قال : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)؟ ومعناه [إذ قالوا إنّ الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويّات بيمينه. كما قال عزوجل : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ] إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ). (١) ثم نزّه نفسه عن القبضة فقال : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ). (٢)

وفي خبر آخر عن الصادق عليه‌السلام (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ) : يعني ملكه. وقوله : (مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ؛ أي : بقدرته وقوّته. (٣)

[٦٨] (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨))

(فِي الصُّورِ). وهو قرن ينفخ فيه إسرافيل. ووجه الحكمة في ذلك أنّها علامة جعلها الله ليعلم بها العقلاء آخر أمرهم في دار التكليف ثمّ تجديد الخلق. فشبّه ذلك بما يتعارفونه من بوق الرحيل والنزول ولا تتصوّره النفوس بأحسن من هذه الطريقة. (فَصَعِقَ) ؛ أي : يموت من شدّة تلك الصيحة التي تخرج من الصور إلّا من شاء الله. قيل : هم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت. وقيل : الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله. (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى). وما بين النفختين أربعون سنة. (٤)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : انّ الأرواح [باقية] بعد فراق الأبدان إلى أن ينفخ في الصور. فعند ذلك تبطل الأشياء كلّها. وبين النفختين أربعمائة سنة. (٥)

(قِيامٌ يَنْظُرُونَ) ؛ أي : يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب. وقيل : ينظرون ما ذا يفعل بهم. ويجوز أن يكون القيام بمعنى الوقوف والجمود في مكان لتحيّرهم. (٦)

__________________

(١) الأنعام (٦) / ٩١.

(٢) التوحيد / ١٦٠ ـ ١٦١ ، ح ١.

(٣) التوحيد / ١٦١ ـ ١٦٢ ، ح ٢.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٧٩٢.

(٥) الاحتجاج / ٣٥٠.

(٦) الكشّاف ٤ / ١٤٥.

٣٠٨

(نُفِخَ فِي الصُّورِ). عن زين العابدين عليه‌السلام قال : أمّا النفخة الأولى ، فإنّ الله يأمر إسرافيل يهبط إلى الدنيا ومعه الصور وله طرفان ما بينهما مثل ما بين السماء إلى الأرض. فإذا رأت الملائكة إسرافيل هبط ومعه الصور قالوا : قد أذن الله في موت أهل الأرض. فيهبط في بيت المقدس ويستقبل الكعبة. فيقول أهل الأرض : أذن الله في موت أهل الأرض. فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض ومن الطرف الذي يلي السموات. فلا يبقى ذو روح إلّا صعق ومات إلّا إسرافيل. فيقول الله له : مت. فيموت. فيمكث ما شاء الله. فتمور السماء وتسير الجبال وتبدّل الأرض بأرض لم يكتسب عليها الذنوب ويعيد عرشه على الماء كما كان. فعند ذلك ينادي الجبّار بصوت من قبله جهوريّ : لمن الملك اليوم؟ فتجيب نفسه : لله الواحد القهّار. إلى أن قال : فينفخ الجبّار نفخة أخري في الصور فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي السموات. فلا يبقى أحد إلّا حيي وقام ـ الحديث. (١)

[٦٩] (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩))

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إذا قام قائمنا ، أشرقت الأرض بنور ربّها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة. (٢) وفي حديث آخر : ويجتزون بنور الإمام. (٣)

(بِنُورِ رَبِّها). قيل : بنور يخلقه الله يضيء به أرض القيامة من غير شمس ولا قمر. (وَوُضِعَ الْكِتابُ) ؛ أي : كتب الأعمال التي كتبها الملائكة على بني آدم ليقرؤوها عليهم. (٤)(وَالشُّهَداءِ). عن ابن عبّاس : هم الأنبياء يشهدون (٥) على الأمم بأنّهم قد بلّغوا وأنّ الأمم كذّبوا. (٦)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣.

(٢) الإرشاد / ٣٤٢.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٥٣.

(٤) المصدر : توضع في أيديهم ليقرؤا منها أعمالهم بدل : (ليقرؤها عليهم»).

(٥) المصدر : هم الذين يشهدون للأنبياء ....

(٦) مجمع البيان ٨ / ٧٩٢ ـ ٧٩٣.

٣٠٩

(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ). استعار الله النور للحقّ والقرآن والبرهان في مواضع من التنزيل. وهذا من ذلك. والمعنى : أشرقت الأرض بما يقيمه فيها من الحقّ والعدل ويبسطه من القسط في الحساب ووزن الحسنات والسيّئات. [وينادي عليه بأنّه مستعار إضافته إلى اسمه ... وإضافة اسمه إلى الأرض ...] ـ ولا ترى أزين للبقاع من العدل ، ولا أعمر لها منه ـ ثمّ ما عطف على إشراق الأرض من وضع الكتاب والمجيء بالنبيّين والشهداء والقضاء بالحقّ وهو النور المذكور. وترى الناس يقولون للملك العادل : أشرقت الآفاق بعد لك وأضاءت الدنيا بقسطك ؛ كما يقولون : أظلمت البلاد بجور فلان. و (الْكِتابُ) : صحائف الأعمال ، ولكنّه اكتفى بالجنس. وقيل : اللّوح المحفوظ. و (الشُّهَداءِ) : الذين يشهدون للأمم وعليهم من الحفظة والأخيار. وقيل : المستشهدون في سبيل الله. (١)

[٧٠] (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠))

(وَوُفِّيَتْ) ؛ أي : يعطي جزاء أعمالهم كاملا. (٢)

[٧١] (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١))

(زُمَراً). الزمر : الأفواج المتفرّقة بعضها في أثر بعض. وقيل في زمر الذين اتّقوا : هي الطبقات المختلفة ؛ الشهداء والزهّاد والعلماء والقرّاء وغيرهم. فإن قلت : لم أضيف إليهم اليوم؟ قلت : أرادوا لقاء وقتكم هذا ، وهو دخولهم النار لا يوم القيامة. وقد جاء استعمال اليوم والأيّام مستفيضا في أوقات الشدّة. (قالُوا بَلى) أتونا وتلوا علينا ، ولكن وجبت علينا كلمة الله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ)(٣) لسوء أعمالنا. كما قالوا : (غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ١٤٥.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٧٩٣.

(٣) هود (١١) / ١١٩.

٣١٠

ضالِّينَ)(١) فذكروا عملهم الموجب لكلمة العذاب وهو الكفر والضلال. (٢)

(فُتِحَتْ) «وفتحت» أهل الكوفة بالتخفيف فيهما ، والباقون بالتشديد. (أَبْوابُها). وهي سبعة أبواب. (رُسُلٌ مِنْكُمْ) ؛ أي : من أمثالكم من البشر. (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ) ؛ أي : وجب العقاب على من كفر بالله تعالى. لأنّه أخبر بذلك وعلم من يكفر ويوافي بكفره فقطع على عقابه ، فلم يكن شيء وقع خلاف ما علمه وأخبر به. فصار كوننا في جهنّم موافقا لما أخبر به تعالى ولما علمه. (٣)

[٧٢](قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢))

(فَبِئْسَ). المخصوص بالذمّ محذوف. أي جهنّم. (٤)

[٧٣] (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣))

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ). قيل : أكثر أهل الجنّة البله فيحتاجون إلى السوق لأنّهم لا يعرفون ما فيه صلاحهم. وقيل : إنّهم يقولون : لا ندخلها حتّى يدخلها أحبّاؤنا. فيتأخّرون لهذا السبب ، فحينئذ يحتاجون إلى أن يساقوا إلى الجنّة. وقال أهل العرفان : المتّقون عبدوا الله لا للجنّة ، فيصير شدّة استغراقهم في مشاهدة مطالع الجمال والجلال مانعة لهم من الرغبة في الجنّة ، فلا جرم يفتقرون إلى السوق. وقال الحكيم : كلّ خصلة ذميمة أو شريفة في الإنسان ، فإنّها تجرّه من غير اختياره إلى ما يضاهيه حاله. فذاك معنى السوق. سؤال : لم قيل في صفة أهل النار : (فُتِحَتْ) بغير واو وفي صفة أهل الجنّة (وَفُتِحَتْ) بالواو؟ فالجواب : انّ أبواب جهنّم مغلقة لا تفتح إلّا عند دخول أهلها فيها. وأمّا أبواب الجنّة فمتقدّم فتحها لقوله :

__________________

(١) المؤمنون (٢٣) / ١٠٦.

(٢) الكشّاف ٤ / ١٤٦.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٧٩٤ ـ ٧٩٥.

(٤) الكشّاف ٤ / ١٤٦.

٣١١

(جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ). (١) فلذلك جيء بالواو ؛ كأنّه قيل : حتّى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها. وعلى هذا فجواب (حَتَّى إِذا) محذوف بعد (خالِدِينَ) أي : كان ما كان من أصناف الكرامات والسعادات. (طِبْتُمْ فَادْخُلُوها) ؛ أي : طبتم من دنس المعاصي وطهرتم من خبث الخطايا. ولهذا عقّبه بقوله : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) ليعلم أنّ الطهارة من المعاصي هي السبب في دخول الجنّة والخلود فيها. لأنّها دار طهّرها الله من كلّ دنس فلا يدخلها إلّا من هو موصوف بصفتها. (٢)

(زُمَراً). عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : اعلموا ـ عباد الله ـ أنّ أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين وإنّما يحشرون إلى جهنّم زمرا. وإنّما تنصب الدواوين لأهل الإسلام. (٣)

فإن قلت : كيف عبّر عن الذهاب بالفريقين جميعا بلفظ السوق؟ قلت : المراد بسوق أهل النار طردهم إليها بالهوان والعنف كما يفعل بالأسارى ، وبسوق أهل الجنّة سوق مراكبهم ـ لأنّه لا يذهب بهم إلّا راكبين ـ وحثّها إسراعا لهم إلى دار الكرامة والرضوان كما يفعل بمن يشرّف ويكرّم من الوافدين على بعض الملوك. فشتّان ما بين السوقين. (حَتَّى إِذا جاؤُها). حتّى هي التي يحكى بعدها الجمل. [والجملة] المحكيّة بعدها هي الشرطيّة إلّا أنّ جزاءها محذوف. وإنّما حذف لأنّه في صفة ثواب أهل الجنّة فدلّ بحذفه على أنّه شيء لا يحيط به الوصف. وحقّ موقعه بعد (خالِدِينَ). (٤)

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ). الذين كانت أعمالهم زاكية وأعينهم باكية ، وكان ليلهم في دنياهم نهارا تخشّعا واستغفارا ، وكان نهارهم ليلا توحّشا وانقطاعا ، فجعل الله لهم الجنّة ثوابا. (٥)

(طِبْتُمْ فَادْخُلُوها). قيل : إنّهم إذا قربوا من الجنّة ، يردون على عين من الماء فيغتسلون

__________________

(١) ص (٣٨) / ٥٠.

(٢) تفسير النيسابوريّ ٢٤ / ٢٠ ـ ٢١.

(٣) الكافي ٨ / ٧٥ ، ح ٢٩.

(٤) الكشّاف ٤ / ١٤٧.

(٥) نهج البلاغة / ٢٨٢ ، الخطبة ١٩٠.

٣١٢

بها ويشربون منها فيطهّر الله أجوافهم ، فلا يكون بعد ذلك منهم حدث وأذى ولا تتغيّر ألوانهم. فتقول لهم الملائكة : (طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ). (١)

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ). عن عليّ عليه‌السلام : فأمّا قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(٢) فإنّ ذلك في موضع ينهض فيه أولياء الله بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر سمّي الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقا فيذهب عنهم كلّ قذى ووعث ثمّ يؤمرون بدخول الجنّة. فمن هذا المقام ينظرون إلى ربّهم كيف يثيبهم ومنه يدخلون. فذلك قوله في تسليم الملائكة عليهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ). فعند ذلك ينظرون إلى ثواب ربّهم. (٣)

[٧٤] (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤))

(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ) ؛ أي : قال المتّقون. (صَدَقَنا وَعْدَهُ) بدخول الجنّة وأورثنا أرض الجنّة. عبّر عن التمليك بالإيراث. (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ). لأنّ لكلّ متّق جنّة لا يوصف صفتها فيتبوّأ من جنّته كما يريد من غير منازع. (٤)

(وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ). لأنّهم ورثوها [من أهل النار]. (٥)

[٧٥] (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥))

(وَتَرَى) أيّها الرائي أو النبيّ. (حَافِّينَ) ؛ أي : محدقين. وهو نصب على الحال. (مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ). من زائدة أو ابتدائيّة. أي : مبدأ حفوفهم من هناك إلى حيث شاء الله. (يُسَبِّحُونَ

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٧٩٦.

(٢) القيامة (٧٥) / ٢٢ ـ ٢٣.

(٣) التوحيد / ٢٦٢ ، ح ٥.

(٤) تفسير النيسابوريّ ٢٤ / ٢١.

(٥) مجمع البيان ٨ / ٧٩٦.

٣١٣

بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) تلذّذا لا تعبّدا. (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ؛ أي : بين العباد بإدخال بعضهم النار وبعضهم الجنّة. وقيل : بين الأنبياء وأممهم. وقيل : هو حال وقد مقدّرة. أي : يسبّحون بحمد ربّهم وقد قضي بينهم ـ يعني الملائكة ـ على أنّ ثوابهم ليس على سنن واحد. ويحتمل عندي أن يعود الضمير إلى الملائكة والبشر جميعا والقضاء بينهم هو إنزال البشر مقامهم من الجنّة وإنزال الملائكة حول العرش. (وَقِيلَ الْحَمْدُ). القائل المقضيّ بينهم وهم جميع العباد. كقوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١). (٢)

(قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). أهل الجنّة يقولون ذلك شكرا لله على نعمه. وقيل : إنّها من كلام الله. قال في ابتداء الخلق : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض. وقال بعد استقرار أهل الجنّة : الحمد لله ربّ العالمين. فوجب الأخذ بأدبه في ابتداء كلّ أمر بالحمد وختمه بالحمد. (٣)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : ثمّ إنّ الله ـ وله الحمد ـ افتتح الكتاب بالحمد لنفسه وختم أمر الدنيا ومجيء الآخرة بالحمد لنفسه فقال : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). (٤)

__________________

(١) يونس (١٠) / ١٠.

(٢) تفسير النيسابوريّ ٢٤ / ٢٢.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٧٩٦.

(٤) التوحيد / ٣٢ ـ ٣٣ ، ح ١.

٣١٤

٤٠.

سورة المؤمن

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها ، لم يبق روح نبيّ ولا صدّيق ولا مؤمن إلّا صلّوا عليه واستغفروا له. (١)

وعن الباقر عليه‌السلام : من قرأها في كلّ ثلاث ، غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر وألزمه كلمة التقوى وجعل الآخرة خيرا له من الدنيا. (٢)

ومن كتبها ليلا وجعلها في دكّان ، كثر ربوته ، أو بستان ، كثر ثمرته. وإن حملها ذو قروح أو دمّل برئ بإذن الله. (٣)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : من قرأ المؤمن في كلّ ليلة ، غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر وألزمه كلمة التقوى وجعل الآخرة خيرا له من الأولى. (٤)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : الحواميم رياحين القرآن. فإذا قرأتموها فاحمدوا الله واشكروه كثيرا لحفظها وتلاوتها. إنّ العبد ليقوم ويقرأ الحواميم فيخرج من فيه أطيب من المسك الأذفر والعنبر الأشهب. وإنّ الله عزوجل ليرحم تاليها وقارئها ويرحم جيرانه وأصدقاءه و [كلّ حميم و] قريب له ، وإنّه في القيامة يستغفر له العرش والكرسيّ وملائكة الله المقرّبين. (٥)

__________________

(١) المصباح / ٥٩٠.

(٢) المصباح / ٥٩٠.

(٣) المصباح / ٦٠٩ ـ ٦١٠.

(٤) ثواب الأعمال / ١٤٠ ، ح ١.

(٥) ثواب الأعمال / ١٤١ ـ ١٤٢ ، ح ١.

٣١٥

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * حم (١))

أهل الكوفة غير عاصم : (حم) بإمالة الألف ، والباقون بالفتح. (١)

(حم). وأمّا (حم) فمعناه الحميد المجيد. (٢)

(حم). أقسم الله بحكمه (٣) وملكه لا يعذّب من عاذ به وقال : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) مخلصا. وقيل : هو افتتاح أسمائه حليم حميد حيّ حكيم حنّان ملك مجيد مبدئ معيد. (٤)

[٢ ـ ٣] (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣))

(الْعَزِيزِ) في ملكه. (وَقابِلِ التَّوْبِ) : يقبل توبة من تاب إليه على وجه التفضّل منه. ولذلك كان صفة مدح. ولو كان سقوط العقاب عندها واجبا ، لما كان فيه مدح. (ذِي الطَّوْلِ) ؛ أي : النعم على عباده. (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) حيث لا يملك أحد النفع والضرّ والأمر والنهي غيره تعالى. وهو يوم القيامة. (٥)

[٤] (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤))

(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) ؛ أي : لا يخاصم في دفع حجج الله وإنكارها (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله وآياته. (تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) ؛ أي : تصرّفهم في البلاد للتجارات سالمين أصحّاء بعد كفرهم. فإنّ الله لا يخفى عليه حالهم. (٦)

[٥] (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥))

(قَوْمُ نُوحٍ). يعني كذّبوا رسولهم نوحا. (وَالْأَحْزابُ). وهم الذين تحزّبوا على أنبيائهم

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٧٩٨.

(٢) معاني الأخبار / ٢٢ ، ح ١ ، عن الصادق عليه‌السلام.

(٣) المصدر : بحلمه.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٧٩٩.

(٥) مجمع البيان ٨ / ٧٩٩ ـ ٨٠٠.

(٦) مجمع البيان ٨ / ٨٠٠.

٣١٦

بالتكذيب نحو عاد وثمود. (وَهَمَّتْ) ؛ أي : قصدت قتل رسولهم. وإنّما قال : «رسولهم» ولم يقل : برسولها ، لأنّ المراد الرجال. (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ) ؛ أي : خاصموا رسلهم بأن قالوا : ما أنتم إلّا بشر مثلنا ، وهلّا أرسل الله إلينا ملكا رسولا ، ونحو ذلك. (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) ؛ أي : ليبطلوه ويزيلوه. (فَأَخَذْتُهُمْ) ؛ أي : أهلكتهم. فانظر كيف كان عقابي لهم. وهذا استفهام تقرير لعقوبتهم الواقعة بهم. (١)

(عِقابِ). فإنّكم تمرّون على ديارهم وترون أثره. وهو تقرير فيه تعجيب. (٢)

[٦] (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦))

(وَكَذلِكَ حَقَّتْ) ؛ أي : مثل ما حقّ العذاب على الأمم المكذّبة ، حقّ على الذين كفروا من قومك ؛ أي : أصرّوا على كفرهم. (أَنَّهُمْ) ؛ أي : لأنّهم. أو : بأنّهم. (٣)

(كَلِمَةُ رَبِّكَ) : وعيده أو قضاؤه بالعذاب. (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ). بدل من (كَلِمَةُ رَبِّكَ) بدل الكلّ أو الاشتمال على إرادة اللّفظ أو المعنى. (٤)

[٧] (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧))

(وَمَنْ حَوْلَهُ). يعني الملائكة المطيفين بالعرش ، وهم الكرّوبين وسادة الملائكة. (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ؛ أي : ينزّهون ربّهم عمّا يصفه به هؤلاء المجادلون. أو إنّهم يسبّحون بالتسبيح المعهود. (لِلَّذِينَ آمَنُوا) من أهل الأرض. (وَعِلْماً). المراد بالعلم المعلوم. وهو تعليم للثناء عليه قبل السؤال. (لِلَّذِينَ تابُوا) من الشرك والمعاصي. (سَبِيلَكَ). وهو دين الإسلام. (وَقِهِمْ) ؛ أي : ادفع عنهم. وفي هذه الآية دلالة على أنّ إسقاط العقاب عند التوبة

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٠٠.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٣٥.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٨٠٢.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٣٥.

٣١٧

تفضّل من الله ؛ إذ لو كان واجبا ، لكان لا يحتاج فيه إلى مسألتهم بل كان يفعله الله لا محالة. (١)

(يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ). الكرّوبيّون أعلى طبقات الملائكة وأوّلهم وجودا. وحملهم إيّاه وحفيفهم حوله ، مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له ، وكناية عن قربهم من ذي العرش ومكانهم عنده وتوسّطهم في نفاذ أمره. (يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا). استغفارهم شفاعتهم وحملهم على التوبة وإلهامهم ما يوجب المغفرة. وفيه تنبيه على أنّ المشاركة في الإيمان توجب النصح والشفقة وإن تخالفت الأجناس ، لأنّها أقوى المناسبات. كما قال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(٢). (٣)

فإن قلت : ما فائدة قوله : (وَيُؤْمِنُونَ) ولا يخفى على أحد أنّ حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبّحون بحمده مؤمنون؟ قلت : فائدته إظهار شرف الإيمان وفضله والترغيب فيه. كما وصف الأنبياء في غير موضع من كتابه بالصلاح لذلك. وفائدة أخرى وهي التنبيه على أنّ الأمر [لو كان] كما تقول المجسّمة ، لكان حملة العرش ومن حوله مشاهدين معاينين ولما وصفوا بالإيمان لأنّه يوصف بالإيمان الغائب. فلمّا وصفوا به على سبيل الثناء عليهم ، علم أنّ إيمانهم وإيمان من في السموات وكلّ من غاب عن ذلك المكان سواء في أنّ إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال وأنّه منزّه عن صفات الأجرام. وقد روعي التناسب في قوله [(وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا). كأنّه قيل :] ويؤمنون ويستغفرون لمن في مثل حالهم وصفتهم. (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا). فإن قلت : فما الفائدة في استغفارهم لهم وهم تائبون صالحون موعودون المغفرة والله لا يخلف الميعاد؟ قلت : هذا بمنزلة الشفاعة وفائدته زيادة الكرامة والثواب. (٤)

قوله في الكشّاف : (علم أن إيمانهم وإيمان من في السماوات) ـ اه ـ استحسن معنى الكلام الإمام فخر [الدين] الرازيّ في تفسيره الكبير حتّى ترحّم عليه وقال : لو لم يكن في

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٨٠٢.

(٢) الحجرات (٤٩) / ١٠.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٣٥.

(٤) الكشّاف ٤ / ١٥٢ ـ ١٥٣.

٣١٨

كتابه إلّا هذه النكتة ، لكفى به فخرا وشرفا. وإنّا نقول : لا نسلّم أنّ الإيمان لا يكون إلّا بالغائب ، وإلّا لم يكن الإيمان بالنبيّ وقت تحدّيه بالقرآن إيمانا. وإن شئت فتأمّل قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ). (١) فلو لم يكن إيمان بالشهادة ، لم يكن لقوله : (بِالْغَيْبِ) فائدة. ويمكن أن يكون محمول الشيء محجوبا من ذلك الشيء. فمن أين يلزم تكذيب المجسّمة؟ (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ما من ملك إلّا ويتقرّب كلّ يوم إلى الله تعالى بولايتنا أهل البيت ويستغفر لمحبّينا ويلعن أعداءنا. [... عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله ...] وقوله : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ). يعني رسول الله والأوصياء من بعده يحملون علم الله. (وَمَنْ حَوْلَهُ). يعني الملائكة. (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا). يعني شيعة آل محمّد. (لِلَّذِينَ تابُوا) من ولاية فلان وفلان وبني أميّة. (سَبِيلَكَ) ؛ أي : ولاية وليّ الله. (٣)

عن الرضا عليه‌السلام : (لِلَّذِينَ آمَنُوا) بولايتنا. (٤)

عن ابن أبي عمير رفعه قال : إنّ الله أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطى خصلة منها جميع أهل السموات والأرض لنجوا بها. قوله : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) إلى قوله : (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). (٥)

[٨] (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨))

(وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ). يعني من تولّى عليّا عليه‌السلام. فذلك صلاحهم. (٦)

(وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) ليتمّ لهم سرورهم. (٧)

[٩] (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ

__________________

(١) البقرة (٢) / ٣.

(٢) تفسير النيسابوريّ ٢٤ / ٢٧ ـ ٢٨.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٥٥.

(٤) عيون الأخبار ١ / ٢٦٢.

(٥) الكافي ٢ / ٤٣٢ ، ح ٥.

(٦) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٥٥.

(٧) مجمع البيان ٨ / ٨٠٢.

٣١٩

الْعَظِيمُ (٩))

(وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) ؛ أي : العقوبات. أو : جزاء السيّئات ، على أنّ السيّئات هي الصغائر أو الكبائر المتوب منها ، والوقايه منها التكفير أو قبول التوبة. (١)

(وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ) ؛ أي : ومن تصرف عنه شرّ معاصيه فتفضّلت عليه بإسقاط عقابها ، فقد أنعمت عليه. (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ؛ أي : الظفر بالبغية والفلاح العظيم. (٢)

(الْفَوْزُ). يعني لمن نجّاه الله من ولاية فلان وفلان. (٣)

[١٠] (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠))

(يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ) ؛ أي : ينادون يوم القيامة فيقال لهم : لمقت الله أكبر. والتقدير : لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم. و (إِذْ تُدْعَوْنَ) منصوب بالمقت الأوّل. والمعنى أنّه يقال لهم يوم القيامة : كان الله يمقت أنفسكم الأمّارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر أشدّ ممّا تمقتونهنّ اليوم وأنتم في النار إذ أوقعتكم فيها باتّباعكم هواهنّ. وعن الحسن : لمّا رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم فنودوا : (لَمَقْتُ اللهِ). وقيل : معناه : لمقت الله إيّاكم أكبر من مقت بعضكم لبعض. كقوله : (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً). (٤) و (إِذْ تُدْعَوْنَ) تعليل. والمقت : أشدّ البغض. فوضع في موضع أبلغ الإنكار وأشدّه. (٥)

(إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ). يعني إلى ولاية عليّ عليه‌السلام. (٦)

__________________

(١) الكشّاف ٤ / ١٥٣.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٨٠٢.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٥٥.

(٤) العنكبوت (٢٩) / ٢٥.

(٥) الكشّاف ٤ / ١٥٤.

(٦) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٥٥.

٣٢٠