عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٤

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-29-6
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٠

لأنّهما يصفان لأبنائهما وأبناؤهما غير محارم. (١)

(وَلا نِسائِهِنَّ). عن ابن عبّاس : يريد نساء المؤمنين لا نساء اليهود والنصارى فيصفن نساء النبيّ لأزواجهنّ إن رأينهنّ. وقيل : يريد جميع النساء. (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ). يعني العبيد والإماء ، أو الإماء خاصّة كما تقدّم في سورة النور. (وَاتَّقِينَ اللهَ) يا أزواج النبيّ من دخول الأجانب عليكنّ. (شَهِيداً) ؛ أي : حفيظا لا يغيب عنه شيء. (٢)

[٥٦] (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦))

إنّ الله يصلّي على النبيّ ويثني عليه بالثناء الجميل ويبجّله بأعظم التبجيل. وملائكته يثنون عليه بأحسن الثناء. وعن ابن مسعود : إذا صلّيتم على النبيّ ، فأحسنوا الصلاة عليه. فإنّكم لا تدرون لعلّ ذلك يعرض عليه. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : صلاة الله عليه تزكيته له في السموات العلى. وأمّا التسليم ، فهو الانقياد له في الأمور. وقيل : معنى وسلّموا عليه : قولوا : السّلام عليك يا رسول الله. (٣)

أقول : قوله : (لعل ذلك يعرض عليه) إشارة إلى ما ورد في الأخبار من قولهم : بلّغوه السّلام ، فإنّه يبلغه. وذلك إمّا بتبليغ الملائكة له وهم ملائكة مخصوصون يسيحون في الأرض ليبلّغوه صلاة المصلّين وتسليم المسلّمين عليه (٤) ، وإمّا أنّ ريحا من الرياح هي الصبا أو غيرها تبلّغه السّلام فيجيب صلى‌الله‌عليه‌وآله بالدعاء له. (٥) والكلّ وارد في الأخبار. ويدخل فيه تحميل السّلام مع الزائرين وإرساله بكتابة مقصورة على التسليم أو يرفع معه حوائجه إليه. وقد فصّلنا الكلام في هذا البحث في شرحنا على تهذيب الحديث وعلى كتاب التوحيد.

(صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ؛ أي : قولوا الصلاة على الرسول والسلام. ومعناه الدعاء

__________________

(١) الكشّاف ٣ / ٥٥٧.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٥٧٧ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥١.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٥٧٨ ـ ٥٧٩.

(٤) انظر : بحار الأنوار ٩٧ / ١٨١.

(٥) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

١٠١

بأن يترحّم عليه الله ويسلّم. وقد اختلف في وجوب الصلاة عليه. فمنهم من أوجبها كلّما جرى ذكره. وفي الحديث : من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار ، فأبعده الله. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّ الله وكّل بي ملكين. فلا أذكر عند عبد مسلم فيصلّي إلّا قال ذلك الملكان : غفر الله لك. وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين : آمين. وإذا لم يصلّ عليّ ، قال ذانك الملكان : لا غفر الله لك. وقال الله وملائكته لذينك الملكين. آمين. ومنهم من قال : يجب في كلّ مجلس مرّة وإن تكرّر ذكره ، كما قيل في آية السجدة. وكذلك في كلّ دعاء في أوّله وآخره. ومنهم من أوجبها في العمر مرّة. وكذا قال في إظهار الشهادتين. والذي يقتضيه الاحتياط الصلاة عليه عند كلّ ذكر لما ورد من الأخبار. وأمّا كونها شرطا في جواز الصلاة ، فقال به الشافعيّ. وأبو حنيفة لا يراها شرطا. وأمّا الصلاة على غيره ، فالقياس يقتضي جوازها على كلّ مؤمن ؛ لقوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ). (١)

وقوله : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ). (٢) ولكنّ للعلماء تفصيلا في ذلك ؛ وهو : انّها إن كانت على سبيل التبع ـ كقولك : اللهمّ صلّ على النبيّ وآله ـ فلا كلام فيها. وأمّا إذا أفرد غيره من أهل بيته بالصلاة كما يفرد هو ، فمكروه. لأنّ ذلك صار شعارا لذكر رسول الله ولأنّه يؤدّي إلى الاتّهام بالرفض. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يقفنّ مواقف التهم. (٣)

أقول : ما ذكره من الخلاف في كيفيّة وجوب الصلاة ، هو موجود أيضا بين علمائنا. والذي دلّت عليه أكثر الأخبار ، هو الوجوب مطلقا كلّما ذكر وإن كان بالاسم أو الكنية أو الضمير. وفي الكلّ خلاف. وأمّا قوله : (فإنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض) فلا يخفى ما فيه من شدّة العناد والعصبيّة. وكان عليه أن لا يقرّ بكلمة الشهادة ولا يأتي بعبادة يفعلها الروافض. وسيعلم الذين ظلموا ، بل كفروا ، أيّ منقلب ينقلبون.

__________________

(١) الأحزاب (٣٣) / ٤٣.

(٢) التوبة (٩) / ١٠٣.

(٣) الكشّاف ٣ / ٥٥٧ ـ ٥٥٨.

١٠٢

[٥٧] (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧))

قيل : هم المنافقون والكافرون والذين وصفوا الله بما لا يليق به. فيكون إيذاء الله مخالفة أمره. وقيل : معناه : يؤذون رسول الله. فقدّم ذكر الله على وجه التعظيم تشريفا وتكريما. (لَعَنَهُمُ اللهُ) ؛ أي : أبعدهم عن رحمته بحرمان زيادات الهدى في الدنيا والخلود في النار في الآخرة. (وَأَعَدَّ لَهُمْ). أي في الآخرة. وعن أرطاة بن حبيب قال : حدّثني الواسطيّ وهو آخذ بشعره قال : حدّثني زيد بن عليّ وهو آخذ بشعره قال : حدّثني عليّ بن الحسين وهو آخذ ... عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : حدّثني رسول الله وهو آخذ بشعره فقال : من آذى شعرة منك ، فقد آذاني. ومن آذاني ، فقد آذى الله. ومن آذى الله ، فعليه لعنة الله. (١)

(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ). نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين حقّه وأخذ حقّ فاطمة. (٢)

[٥٨] (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨))

(بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) ؛ أي : من غير أن يعملوا ما يوجب أذاهم. (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً) : فعلوا ما هو أعظم الإثم مع البهتان وهو الكذب على الغير يواجهه به. جعل إيذاء المؤمنين مثل البهتان. وقيل : يعني بذلك أذيّة اللّسان ليحقّق فيها البهتان. (إِثْماً مُبِيناً) ؛ أي : معصية ظاهرة. وقيل : نزلت في قوم من الزناة كانوا يمشون ليلا فإذا أرادوا امرأة غمزوها. (٣)

[٥٩] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩))

(جَلَابِيبِهِنَّ). الجلباب : ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٧٩ ـ ٥٨٠.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ١٩٦.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٥٨٠.

١٠٣

رأسها وتبقي منه ما ترسله على صدرها. وعن ابن عبّاس : الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل. وقيل : كلّ ما يتستّر به من كساء أو غيره. ومعنى (يُدْنِينَ) أي : يرخينها عليهنّ ويغطّين بها وجوههنّ وأعطافهنّ. وذلك أنّ النساء في أول الإسلام كنّ متبذّلات تبرز المرأة في درع وخمار لا فصل بين الحرّة والأمة. وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرّضون إذا خرجن باللّيل إلى مقاضي حوائجهنّ في النخيل والغيطان للإماء وربما تعرّضوا للحرّة بعلّة الأمة. فأمرن أن يخالفن بزيّهنّ عن زيّ الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الوجوه والرؤوس ليعرفن فلا يطمع فيهنّ طامع. ومن للتبعيض. أي : أن يتجلببن ببعض ما لهنّ من الجلابيب. لأنّه لا يكون جلبابان فصاعدا. (١) أو معناه : أن ترخي المرأة بعض جلبابها على وجهها تتقنّع حتّى تتميّز من الأمة. (٢)

[٦٠] (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠))

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ). هم الزناة وأهل الفجور. من قوله : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ). (وَالْمُرْجِفُونَ) : قوم كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرايا رسول الله فيقولون .... (٣)

(لَنُغْرِيَنَّكَ) ؛ أي : نأمرك بقتلهم حتّى تخلو منهم المدينة. وقد حصل الإغراء بهم بقوله : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ)(٤) وقيل : لم يحصل الإغراء بهم لأنّهم انتهوا. عن الجبّائيّ. [قال :] ولو حصل الإغراء لقتلوا وشرّدوا وأخرجوا من المدينة. (إِلَّا قَلِيلاً) ؛ أي : زمانا قليلا. وهو ما بين الأمر بالقتل وبين قتلهم. (٥)

[٦١] (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١))

__________________

(١) كذا. وفي المصدر بدل العبارة الأخيرة : والمراد أن لا تكون الحرّة متبذّلة في درع وخمار ـ كالأمة والماهنة ـ ولها جلبابان فصاعدا في بيتها.

(٢) الكشّاف ٣ / ٥٥٩ ـ ٥٦٠.

(٣) الكشّاف ٣ / ٥٦٠.

(٤) التوبة (٩) / ٧٣.

(٥) مجمع البيان ٨ / ٥٨١ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٢.

١٠٤

(مَلْعُونِينَ) ؛ أي : مطرودين عن المدينة مبعدين عن رحمة الله. (أَيْنَ ما ثُقِفُوا) ؛ أي : [أينما] وجدوا وظفر بهم ، [أخذوا] وقتلوا أبلغ القتل. وملعونين نصب على الشتم أو على الحال. والاستثناء شامل له أيضا. أي : لا يجاورونك إلّا ملعونين. (١)

[٦٢] (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢))

(سُنَّةَ اللهِ). مصدر مؤكّد. أي : سنّ الله ذلك في الأمم الماضية ؛ وهو أن يقتل الذين نافقوا الأنبياء وسعوا في وهنهم بالإرجاف ونحوه. (تَبْدِيلاً). لأنّه لا يبدّلها ولا يقدر أحد أن يبدّلها. (٢)

(سُنَّةَ اللهِ) ؛ أي : سنّ الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا حيثما ثقفوا. يعني كما قتل أهل بدر وأسروا. (٣)

[٦٣] (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣))

(عَنِ السَّاعَةِ) ؛ أي : عن وقت قيامها استهزاء أو تعنّتا أو امتحانا. (عِنْدَ اللهِ) لم يطلع عليه ملكا ولا نبيّا. (٤)

(يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ). كان المشركون يسألونه على سبيل الاستهزاء واليهود يسألونه امتحانا ، لأنّ الله عمّى وقتها في التوراة وفي كلّ كتاب. فأمر رسول الله بأن يجيبهم بأنّه قد استأثر الله به ، ثمّ بيّن لرسوله أنّه قريب الوقوع تهديدا لمن استعجلها وإسكاتا للممتحنين. (قَرِيباً) : [شيئا قريبا]. أو لأنّ الساعة في معنى اليوم. (٥)

(تَكُونُ قَرِيباً) ؛ أي : قريبا مجيئها. ويجوز أن يكون أمره أن يجيب كلّ من سأله عن

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٨١ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٢.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣.

(٣) الكشّاف ٣ / ٥٦١.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٣.

(٥) الكشّاف ٣ / ٥٦٢.

١٠٥

الساعة بهذا فيقول : لعلّ ما تستبطئه قريب وما تنكره كائن. ويجوز أن يكون تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله. أي : فاعلم أنّه قريب فلا يضيقنّ صدرك باستهزائهم بإخفائها. (١)

[٦٤] (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤))

(سَعِيراً) ؛ أي : نارا تتسعّر وتلتهب. (٢)

[٦٥] (خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥))

(وَلِيًّا) يحفظهم. (وَلا نَصِيراً) يدفع العذاب عنهم. (٣)

[٦٦] (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦))

(يَوْمَ تُقَلَّبُ). العامل في (يَوْمَ تُقَلَّبُ) قوله : (وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً). ومعنى تقلّب : تصرّف من جهة إلى جهة ـ كاللّحم يشوى بالنار ـ أو من حال إلى حال فتسودّ وتصفرّ وتصير كالحة بعد أن لم تكن. (يَقُولُونَ) متمنّين متأسّفين : يا ليتنا أطعنا الله ورسوله فلن نبتلى بهذا العذاب. (٤)

(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ). معنى تقليبها تصريفها في الجهات ، كما ترى البضعة تدور في القدر إذا غلت فترامى بها الغليان من جهة إلى جهة. وخصّت الوجوه بالذكر لأنّها أكرم موضع من الجسد. ويجوز أن يكون الوجه عبارة عن الجملة. (الرَّسُولَا) و (السَّبِيلَا). زيادة الألف لإطلاق الصوت. جعلت فواصل الآي كقوافي الشعر وفائدتها الوقف والدلالة على أنّ الكلام قد انقطع وأنّ ما بعده مستأنف. (٥)

(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ). كناية عن الذين غصبوا آل محمّد حقّهم. (أَطَعْنَا الرَّسُولَا). يعني في أمير المؤمنين عليه‌السلام. (٦)

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٨٢.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٥٨٢.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٣.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٥٨٣ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٣.

(٥) الكشّاف ٣ / ٥٦٢.

(٦) تفسير القمّيّ ٢ / ١٩٧.

١٠٦

[٦٧] (وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧))

(سادَتَنا وَكُبَراءَنا). يعنون قادتهم الذين لقّنوهم الكفر. (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) بما زيّنوا لنا. ابن عامر ويعقوب : «ساداتنا» على الجمع ، للدلالة على الكثرة. (١)

(وَكُبَراءَنا). وهما رجلان. والسادة والكبراءهما أوّل من بدأ بظلمهم وغصبهم. (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) ؛ أي : طريق الجنّة. والسبيل أمير المؤمنين. (٢)

[٦٨] (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨))

(ضِعْفَيْنِ) ؛ أي : مثلي ما آتيتنا منه. لأنّهم ضلّوا وأضلّوا. (كَبِيراً) ؛ أي شديد اللّعن. (٣)

[٦٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لا تؤذوا رسول الله في عليّ والأئمّة ، كما آذوا موسى (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا). كانوا يقولون : ليس لموسى ما للرجال. فاغتسل يوما ووضع ثيابه على صخرة [فأمر الله الصخرة] فتباعدت عنه حتّى نظر بنو إسرائيل فعلموا أنّه ليس كما قالوا. (٤)

(كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) ؛ أي : لا تؤذوا محمّدا كما آذى بنو إسرائيل موسى. فإنّ حقّ النبيّ أن يعظّم ويبجّل. واختلفوا فيما آذوا به موسى. فقيل : إنّ موسى وهارون صعدا الجبل فمات هارون ، فقالت بنو إسرائيل : قتله. فأمر الله الملائكة فحملوه حتّى مرّوا به [على] بني إسرائيل وتكلّمت الملائكة بموته حتّى عرفوا أنّه قد مات وبرّأه الله من ذلك. عن عليّ عليه‌السلام. وقيل : إنّ موسى [كان] حييّا ستيرا يغتسل وحده. فقالوا : ما تستتر منّا إلّا لعيب بجلده إمّا برص وإمّا أدرة. فذهب مرّة يغتسل فوضع ثوبه على حجر فمرّ الحجر بثوبه. فطلبه موسى فرآه بنو إسرائيل عريانا كأحسن الرجال خلقا. فبرّأه الله ممّا قالوا. وقال قوم : لا يجوز

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٣.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ١٩٧.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٣.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ١٩٧.

١٠٧

ذلك. لأنّ فيه إبداء سوأة النبيّ على رؤوس الأشهاد وذلك ينفّر عنه. وقيل : إنّ قارون حرّض امرأة على قذفه بنفسها ، فعصمه الله ، كما مرّ في القصص. وقيل : إنّهم آذوه من حيث نسبوه إلى السحر والجنون والكذب بعد ما رأوا الآيات. (١)

(وَجِيهاً) : ذا قربة ووجاهة. (٢)

[٧٠ ـ ٧١] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) ؛ أي : عقابه ، باجتناب معاصيه. (سَدِيداً) ؛ أي : صوابا بريئا من الفساد. وقيل : (سَدِيداً) يعني صادقا وهو كلمة التوحيد. و (يُصْلِحْ لَكُمْ) ؛ أي : إن فعلتم ذلك يلطف لكم في أعمالكم حتّى تستقيموا على الطريقة المستقيمة السليمة من الفساد ويزكّ أعمالكم ويتقبّل حسناتكم. (فَقَدْ فازَ) ؛ أي : ظفر برضوان الله. (٣)

[٧٢] (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢))

(الْأَمانَةَ). قيل : الأمانة الطاعات. وعن ابن عبّاس : هي الأحكام والفرائض. وقيل : هو أمانات الناس والوفاء بالعهود. وأمّا عرض الأمانة على هذه الأشياء ، فقيل : المراد العرض على أهلها. وعرضها عليهم هو تعريفه إيّاهم أنّ في تضييع الأمانة الإثم العظيم. فبيّن سبحانه جرأة الإنسان على المعاصي وإشفاق الملائكة من ذلك. فيكون المعنى : عرضنا الأمانة على أهل السموات والأرض والجبال من الملائكة والإنس والجنّ ، فأبى أهلها أن يحملوا تركها وعقابها وأشفق أهلهنّ من حملها. (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً) لنفسه بارتكاب المعاصي (جَهُولاً) بموضع الأمانة في استحقاق العقاب على الخيانة فيها. فيكون

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٨٣.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٣.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٥٨٤.

١٠٨

المراد بحمل الأمانة تضييعها. لأنّ نفس الأمانة قد حملتها الملائكة وقامت بها. قال الزجّاج : كلّ من خان الأمانة ، فقد حملها. ومن لم يحمل الأمانة ، فقد أدّاها. ومنه قولهم : الكافر والمنافق حملا الأمانة ؛ أي : خانا ولم يطيعا. وقيل : معنى عرضنا : عارضنا وقابلنا. فإنّ عرض الشيء [على الشيء] ومعارضته به سواء. والأمانة التكليف. يعني أنّ هذه الأمانة في عظم شأنها لو قيست إلى السموات والأرض وعورضت بها ، لكانت هذه الأمانة أرجع وأثقل وزنا. ومعنى قوله : (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) : ضعفن عن حملها. كذلك (وَأَشْفَقْنَ). لأنّ الشفقة ضعف القلب. ثمّ قال : إنّ هذه الأمانة التي صفتها أنّها أعظم من هذه الأشياء تقلّدها الإنسان فلم يحفظها بل حملها وضيّعها لظلمه على نفسه ولجهله بمبلغ الثواب والعقاب. وقيل : إنّه على وجه التقدير والفرض. أي : لو كانت السموات والأرض عاقلة ثمّ عرضت عليها الأمانة ، وهي أصول الدين وفروعها ، لاستثقلت ذلك مع كبر أجسامها وقوّتها ولا متنعت من حملها خوفا من القصور عن أداء حقّها. ثمّ حملها الإنسان مع ضعف جسمه ولم يخف الوعيد لظلمه وجهله. وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن عبّاس أنّها عرضت على نفس السموات والأرض فامتنعت من حملها. وقيل : معنى العرض والإباء ليس هو ما يفهم بظاهر الكلام. بل المراد تعظيم شأن الأمانة لا مخاطبة الجماد. تقول : خاطبت الدار فامتنعت عن الجواب. فالأمانة على هذا ما أودع الله السموات والأرض والجبال من الدلائل على وحدانيّته وربوبيّته فأظهرنها والإنسان الكافر جحدها لظلمه وجهله. ولم يرد بقوله : (الْإِنْسانُ) جميع الإنسان بل الكافر منهم. (١)

(الْأَمانَةَ). يريد بالأمانة الطاعة. فعظّم أمرها وفخّم شأنها. وفيه وجهان. أحدهما : انّ هذه الأجرام العظام من السموات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله انقياد مثلها من الجمادات وأطاعت له الطاعة التي يليق بها حيث لم يمتنع على إرادته إيجادا وتكوينا على هيآت مختلفة وأنواع متنوّعة. كما قال : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ). (٢) وأمّا الإنسان ، فلم يكن

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٨٤ ـ ٥٨٦.

(٢) فصّلت (٤١) / ١١.

١٠٩

حاله فيما يصحّ منه من الطاعة و [يليق به من الانقياد لأمر الله](١) مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منه ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع. والمراد بالأمانة الطاعة لأنّها لازمة الوجود. كما أنّ الأمانة لازمة الأداء. وعرضها على الجمادات وإباؤها وإشفاقها مجاز. وأمّا حمل الأمانة ، فمن قولك : فلان حامل للأمانة ؛ أي : لا يؤدّيها إلى صاحبها حتّى تزول عن ذمّته ويخرج عن عهدتها. فمعنى (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) : فأبين أن لا يؤدّينها وأبى الإنسان إلّا أن يكون محتملا لها لا يؤدّيها. ثمّ وصفه بالظلم لكونه تاركا لأداء الأمانة ، وبالجهل لإخطائه ما يسعده مع تمكّنه منه وهو أداؤها. الثاني : إنّ ما كلّفه الإنسان بلغ من عظمه وثقل محمله أنّه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام أن يحمله فأبى حمله وأشفق منه ، وحمله الإنسان على ضعفه. (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) حيث حملها ولم يف بها. والممثّل به في الآية مفروض والمفروضات تتخيّل في الذهن. ومثّلت حال التكليف في صعوبته وثقل محمله بحاله المفروضة لو عرضت [على] السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها. (٢)

(الْأَمانَةَ). هي الإمامة والأمر والنهي. والدليل على أنّ الأمانة هي الإمامة قوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(٣) يعني الإمامة. والإمامة عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يدّعوها أو يغصبوها. (٤)

أقول : قد استفاض في الروايات عن الأئمّة عليهم‌السلام أنّ المراد بالأمانة هنا خلافة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام والمراد بالإنسان الظلوم الذي يحملها هو الأعرابيّ الأوّل. (٥)

[٧٣] (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣))

__________________

(١) في النسخة : «أمر الله» بدل ما بين المعقوفتين.

(٢) الكشّاف ٣ / ٥٦٤ ـ ٥٦٥.

(٣) النساء (٤) / ٥٨.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ١٩٨.

(٥) العيون ١ / ٣٠٦ ، ح ٦٦ ، والكافي ١ / ٤١٣ ، ح ٢ ، والمعاني الأخبار / ١١٠ ، ح ٢ ، وبصائر الدرجات / ٩٦ ، ح ٣.

١١٠

بيّن سبحانه الحكمة البالغة في عرض هذه الأمانة فقال : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ) ـ الآية. يعني بتضييع الأمانة. قال الحسن : هما اللّذان حملاها ظلما وجهلا. (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) بحفظهم الأمانة ووفائهم بها. وهذا هو الغرض بالتكليف. فالمعنى : إنّا عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافقين وشرك المشركين فيعذّبهم الله ويظهر إيمان المؤمنين فيتوب الله عليهم إن حصل منهم تقصير في الطاعات. (١)

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٨٦ ـ ٥٨٧.

١١١
١١٢

٣٤.

سورة السبأ

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من قرأ الحمدين جميعا ـ سبأ وفاطر ـ في ليلته ، لم يزل ليلته في حفظ الله وكلائه. فإن قرأهما في نهاره ، لم يصبه في نهاره مكروه وأعطي من خير الدنيا وخير الآخرة ما لم يخطر على قلبه ولم يبلغ مناه. (١)

سبأ : عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها ، لم يبق نبيّ ولا رسول إلّا كان له يوم القيامة رفيقا ومصافحا. (٢)

من كتبها في قرطاس وجعلها في خرقة بيضاء وحملها ، أمن من الهوامّ ومن العقوبة والنبل والحجارة والحديد. (٣)

سبأ اسم البلاد. وقيل : اسم الملك ، لأنّه كان يسبي كلّ يوم نبيّا. وقيل : إنّه أوّل من سبا. (تفسير م ح)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١))

(الْحَمْدُ لِلَّهِ). معناه : قولوا : الحمد لله. وهو تعريف لوجوب الشكر على نعم الله وتعليم لكيفيّة الشكر. (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ؛ أي : يملك التصرّف فيهما. (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) على أفعاله الحسنى. يستحقّ الحمد في الدارين لكونه منعما فيهما. والآخرة ، و

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٨٨.

(٢) المصباح / ٥٨٨.

(٣) المصباح / ٦٠٩.

١١٣

إن كانت ليست بدار تكليف ، فلا يسقط فيها الحمد والاعتراف بنعم الله تعالى بل العباد ملجؤون إلى ذلك لمعرفتهم الضروريّة بنعم الله عليهم من الثواب والعوض. وقيل : إنّما يحمده أهل الجنّة لا على جهة التعبّد لكن على جهة السرور على نعمه وفضله ، ويحمده أهل النار على عدله. (١)

[٢] (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢))

(فِي الْأَرْضِ) ؛ أي : ما يدخل فيها من مطر أو كنز. (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من زرع ونبات. (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من مطر ورزق. (وَما يَعْرُجُ) ؛ أي : يصعد (فِيها) من الملائكة وأعمال العباد. (الرَّحِيمُ) بعباده فلا يعاجلهم بالعقوبة. (الْغَفُورُ) ؛ أي : الساتر عليهم ذنوبهم في الدنيا المتجاوز عنها في العقبى. (٢)

[٣] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣))

(الَّذِينَ كَفَرُوا). يعني منكري البعث والنشور. (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) ؛ يعني : القيامة. (قُلْ) لهم يا محمّد : (بَلى وَرَبِّي) الذي خلقني (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) القيامة. (عالِمِ الْغَيْبِ). وهو ما يغيب عن العباد. (كِتابٍ مُبِينٍ). يعني اللّوح المحفوظ. أهل المدينة والشام : (عالِمِ الْغَيْبِ) بالرفع. وحمزة والكسائيّ : «علام» بالجرّ واللّام قبل الألف. والباقون : (عالِمِ الْغَيْبِ) بالجرّ. قال أبو عليّ : الجرّ على قوله : الحمد لله عالم الغيب. وقال غيره : صفة لقوله : (وَرَبِّي) أو بدل منه. فأمّا على الرفع ، فيجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ـ وتقديره : هو عالم الغيب ـ وأن يكون مبتدأ و

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٩٠.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٥٩٠.

١١٤

خبره (لا يَعْزُبُ). (١)

[٤] (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))

(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) ؛ أي : إنّما أثبت ذلك في الكتاب المبين ليكافيهم بما يستحقّونه من الثواب على صالح أعمالهم. (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) لا تنغيص فيه ولا تكوير. وقيل : هو الجنّة. (٢)

[٥] (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥))

(مُعاجِزِينَ) ؛ أي : عملوا بجهدهم وجدّهم في إبطال حجّتنا وفي تزهيد الناس عن قبولها مقدّرين إعجاز ربّهم وظانّين أنّهم يفوتونه. (مِنْ رِجْزٍ) ؛ أي : سيّىء العذاب. (أَلِيمٌ). ابن كثير وحفص ويعقوب : (أَلِيمٌ) بالرفع ، والباقون بالجرّ. ووجه اتّصال قوله : (عالِمِ الْغَيْبِ) بما قبله أنّه سبحانه لمّا حكى عن المشركين ما يضادّ الإقرار له بالربوبيّة والاعتراف بالنعمة من إنكار القيامة ، ذكر بعده أنّ من يعلم أفعال العباد وما يستحقّونه من الجزاء ، لو لم يجعل دارا أخرى يجازي فيها المحسن والمسيء وينتصف للمظلوم من الظالم ، كان ذلك خروجا عن موجب الحكمة. (٣)

(مُعاجِزِينَ). ابن كثير وأبو عمرو : «معجزين» أي : مثبّطين عن الإيمان من أراده. و (مُعاجِزِينَ) بمعنى : مسابقين كي يفوتوا. (٤)

[٦] (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦))

(أُوتُوا الْعِلْمَ). هو أمير المؤمنين عليه‌السلام صدّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٥)

(أُوتُوا الْعِلْمَ). يحتمل أن يكون «يرى» منصوبا عطفا على ليجزي. ويحتمل أن يكون

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٩٠ و ٥٨٩.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٥٩٠.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٥٩٠ ـ ٥٩١ و ٥٨٩.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٦.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ١٩٨ ـ ١٩٩.

١١٥

مرفوعا على الاستئناف. و (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ) في موضع نصب لأنّه مفعول يرى. [و](هُوَ) فصل. و (الْحَقَّ) مفعول ثان. والمعنى : ويعلم الذين أعطوا المعرفة بوحدانيّة الله وهم أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقيل : المؤمنون من أهل الكتاب. وقيل : هم العلماء. (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ). يعني القرآن. (هُوَ الْحَقَّ). لأنّهم يتفكّرون فيه فيعلمون بالاستدلال أنّه ليس من قبل البشر. (وَيَهْدِي) ؛ أي : يعلمون أنّه يهدي. (١)

[٧] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧))

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا). أي بعضهم لبعض والقادة للأتباع على وجه الاستبعاد والتعجّب. (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ). يعنون محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله. (يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ). أي يريد (٢) أنّكم تبعثون بعد أن تكونوا عظاما ورفاتا وترابا. وهو قوله : (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) ؛ أي : فرّقتم كلّ تفريق وقطّعتم كلّ تقطيع وأكلتكم الأرض والسباع والطيور. والجديد : المستأنف. والمعنى أنّكم يجدّد خلقكم بأن تنشروا وتبعثوا. (٣)

[٨] (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨))

(أَفْتَرى عَلَى اللهِ). معناه : هل كذب على الله متعمّدا حين زعم أنّا نبعث بعد الموت؟ وهو استفهام تعجّب وإنكار. (بَلِ الَّذِينَ) ؛ أي : ليس الأمر على ما قالوا من الافتراء والجنون. (وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) من الحقّ في الدين. (٤)

(جِنَّةٌ) ؛ أي : جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه. واستدلّ بجعلهم إيّاه قسيم الافتراء غير معتقدين صدقه ، على أنّ بين الصدق والكذب واسطة وهو كلّ خبر لا يكون عن

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٩٢ ـ ٥٩٣.

(٢) المصدر : يزعم.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٥٩٣.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٥٩٣.

١١٦

بصيرة للمخبر عنه. وضعفه بيّن لأنّ الافتراء أخصّ من الكذب. (١)

[٩] (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩))

(أَفَلَمْ يَرَوْا) ؛ أي : أفلم ينظر هؤلاء الكفّار (إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) كيف أحاطت بهم؟ وذلك لأنّ الإنسان حيثما نظر رأى السماء والأرض [قدّامه] وخلفه وعن يمينه وشماله فلا يقدر على الخروج منها. وقيل : معناه : أفلم يتدبّروا ويتفكّروا في السماء والأرض فيستدلّوا بذلك على قدرة الله؟ ثمّ ذكر قدرته على إهلاكهم فقال : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) كما خسفنا بقارون. (كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) تغطّيهم فتهلكهم. (إِنَّ فِي ذلِكَ) ؛ أي : فيما ترون من السماء والأرض لدلالة على قدرة الله تعالى على البعث وعلى ما يشاء من الخسف. (مُنِيبٍ) تاب إلى الله ورجع إلى طاعته. فلا يرتدع هؤلاء عن التكذيب بآيات الله والإنكار لقدرته على البعث. حمزة والكسائيّ : أن يشأ يخسف بهم الأرض أو يسقط بالياء في الجميع ، والباقون بالنون. وأدغم الكسائيّ وحده الفاء [في الباء] في (يخسف بهم» (٢)

[١٠] (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠))

(فَضْلاً) ؛ أي : إحسانا بأن فضّلناه على غيره بالنبوّة والمعجزات. ثمّ فصّل سبحانه ما أعطاه فقال : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) ؛ أي : [قلنا للجبال : يا جبال] سبّحي معه إذا سبّح. فكانت تسبّح معه. و [تأويله عند أهل اللّغة :](٣) رجّعي معه التسبيح ، من آب يؤوب. ويجوز أن يكون سبحانه فعل في الجبال ما يأتي به منها التسبيح معجزا له. وأمّا الطير ، فيجوز أن يسبّح ويحصل له من التمييز ما يأتي منه ذلك. وقيل : معناه : سيري معه أينما سار. وكان ذلك

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٦.

(٢) مجمع البيان ٨ / ٥٩٣ ـ ٥٩٤ و ٥٩١.

(٣) في النسخة : «ولغته» بدل ما بين معقوفتين.

١١٧

معجزة له. والتأويب السير بالنهار. وقيل : معناه : ارجعي إلى مراد داوود فيما يريده من حفر واستنباط عين واستخراج معدن. (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) فصار في يده كالشمع يعمل به ما شاء من غير أن يدخله النار ولا أن يضربه بالمطرقة. يعقوب : (وَالطَّيْرَ) بالرفع ، والباقون بالنصب. أمّا الرفع ، فعلى أنّه عطف على الياء في أوّبي. أي : [يا] جبال ، رجّعي التسبيح معه أنت والطير. أو يكون معطوفا على لفظ جبال. أي : [يا جبال والطير. وأمّا النصب ، فعلى أن يكون عطفا على فضلا ، أو على محلّ جبال. كأنّه قال :] ادعوا الجبال والطير. أو منصوبا على معنى مع. (١)

ومعنى تسبيح الجبال أنّ الله يخلق تسبيحا فيها كما خلق الكلام في الشجرة فيسمع منها ما يسمع من المسبّح معجزة لداوود. وقيل : كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها. (٢)

[١١] (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١))

(أَنِ) هاهنا في تأويل التفسير والقول وهي تدعى المفسّرة. كأنّه قيل : وألنّا له الحديد [أي اعمل سابغات. والتقدير : قلنا له : اعمل. ويكون في معنى :] لأن يعمل من الحديد دروعا تامّات. وألان له الحديد لأنّه أحبّ أن يأكل من كسب يده فألان له الحديد وعلّمه صنعة الدروع. وكان أوّل من اتّخذها. وعن الصادق عليه‌السلام أوحى الله إلى داوود : نعم العبد أنت إلّا أنّك تأكل من بيت المال. فبكى داوود أربعين صباحا ، فألان له الحديد. كان يعمل كلّ يوم درعا يبيعها بألف درهم. فعمل ثلاثمائة وستّين درعا فاستغنى من بيت المال. (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) ؛ أي : عدّل في نسج الدروع. أي : لا تجعل المسامير دقاقا ولا غلاظا. وقيل : السرد المسامير التي في حلق الدروع. (اعْمَلُوا صالِحاً) ؛ أي : قلنا اعمل أنت وأهلك الصالحات ـ وهي الطاعات ـ شكرا لله سبحانه على عظيم نعمه. (٣)

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٩٧ و ٥٩٥.

(٢) الكشّاف ٣ / ٥٧١.

(٣) مجمع البيان ٨ / ٥٩٦ ـ ٥٩٨.

١١٨

[١٢] (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢))

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) ؛ أي : سخّرناها وكانت تسير في اليوم مسيرة شهرين. كان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر من أرض همدان ، ويروح من اصطخر فيبيت بكابل تحمله الريح مع جنوده. (عَيْنَ الْقِطْرِ) ؛ أي : أذبنا له عين النحاس وأظهرناها له. قالوا : أجريت له عين الصفر ثلاثة أيّام بلياليهنّ جعلها الله كالماء. وإنّما يعمل الناس بما أعطي سليمان. (وَمِنَ الْجِنِّ) ؛ أي : سخّرنا له من الجنّ من يعمل بحضرته وأمام عينه ما يأمرهم به من الأعمال. وكان يكلّفهم الأعمال الشاقّة. (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ) ؛ أي : من يعدل من هؤلاء الجنّ المسخّرين عن طاعته ، نذقه العذاب في الآخرة. وقيل : في الدنيا. لأنّ الله سبحانه وكّل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان ، ضربه ضربة أحرقته. (١)

[١٣] (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣))

(مِنْ مَحارِيبَ). هي القصور والمساجد يتعبّد فيها. وكان ممّا عملوه بيت المقدس. لأنّ داوود رفعه بالبناء وبعد موته أتمّه سليمان وفصّص (٢) سقوفه بأنواع الجواهر وكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر. فلم يزل كذلك حتّى خرّبه بخت نصّر وأخذ ما فيه من الجواهر إلى أرض العراق دار مملكته. و (تَماثِيلَ) : صور من نحاس وزجاج ورخام تعملها الجنّ صورا للحيوانات. وقيل : صور السباع والبهائم على كرسيّه. فإذا أراد أن يصعد الكرسيّ ، بسط الأسدان ذراعيهما ، وإذا [علا] على الكرسيّ ، نشر النسران أجنحتهما فظلّلاه من الشمس. وكان ذلك ممّا لا يعرفه أحد من الناس. ولمّا حاول بخت نصّر صعود الكرسيّ بعد سليمان ، لم يعرف كيف يصعد. فرفع الأسد ذراعيه فضرب ساقه فقدّها. فما جسر أحد بعده

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٩٨.

(٢) المصدر : فضّض.

١١٩

أن يصعد ذلك الكرسيّ. ولم تكن التصاوير يومئذ محرّمة. وعن ابن عبّاس : كانوا يعملون صور الأنبياء والعلماء في المساجد ليقتدى بهم. وعن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : والله ما هي تماثيل النساء والرجال ، ولكنّه الشجر وما أشبهه. (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) ؛ أي : صحاف كالحياض التي يجبي فيه الماء ؛ أي : يجمع. وكان يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان لكثرتهم. وكان يجمع على كلّ جفنة ألف رجل يأكلون بين يديه. (راسِياتٍ) ؛ أي : ثابتات لا يزلن عن أمكنتهنّ لعظمهنّ وكانت باليمن. وقيل : كانت عظيمة كالجبال يحملونها مع أنفسهم. ثمّ نادى سبحانه آل داوود وأمرهم بالشكر على ما أنعم به عليهم من هذه النعم العجيبة لأنّ نعمته على سليمان نعمة عليهم [فقال :](اعْمَلُوا آلَ داوُدَ) ؛ أي : قلنا لهم : يا آل داوود ، اعملوا شكرا على النعم. (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ). عن ابن عبّاس : أراد به الموحّد. وفيه دلالة على أنّ المؤمن الشاكر يقلّ في كلّ عصر. (١)

(وَتَماثِيلَ). عملوا له أسدين أسفل كرسيّه ونسرين فوقه. (٢)

[١٤] (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤))

(قَضَيْنا) ؛ أي : حكمنا وأوجبنا [(عَلَيْهِ الْمَوْتَ)] ما دلّ الجنّ على موته إلّا الأرضة ولم يعلموا موته حتّى أكلت عصاه فسقط بعد سنة. وقيل : [إنّ] في إماتته قائما وبقائه كذلك أغراضا منها إتمام بناء مسجد بيت المقدس. فإنّه لمّا مات بقي من عمل الجنّ فيه مقدار عمل سنة. ومنها أن يعلم الإنس أنّ الجنّ لا تعلم الغيب وأنّهم في ادّعاء ذلك كاذبون. وروي أنّه أطلعه الله على حضور وفاته ، فاغتسل وتحنّط وتكفّن والجنّ في عملهم. وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّ سليمان أمر الشيطان فبنوا له قبّة من قوارير. فبينا هو قائم متّكىء على عصاه في القبّة ينظر إلى الجنّ كيف يعملون وهم ينظرون إليه لا يصلون إليه ، إذا رجل معه

__________________

(١) مجمع البيان ٨ / ٥٩٨ ـ ٦٠٠.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٥٨.

١٢٠