عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٣

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٣

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-28-9
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٦١

(قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) ؛ أي : نقوّيك به ونعينك. (سُلْطاناً) : غلبة وتسلّطا. أو : حجّة واضحة. (بِآياتِنا). متعلّق بنحو ما تعلّق به (فِي تِسْعِ آياتٍ). (١) أي : اذهبا بآياتنا. أو بنجعل لكما سلطانا. أي : نسلّطكما بآياتنا. أو بلا يصلون. أي : تمتنعون منهم بآياتنا. أو هو بيان للغالبون. (٢)

[٣٦] (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦))

(سِحْرٌ مُفْتَرىً) ؛ أي : سحر تعمله أنت ثمّ تفتريه على الله ، أو موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر وليس بمعجزة عند الله. (٣)

(ما سَمِعْنا بِهذا) ؛ أي : لم نسمع بما تدعو إليه (فِي آبائِنَا) الذين كانوا قبلنا. وإنّما قالوا ذلك مع اشتهار قصّة نوح وهود وصالح وغيرهم من الأنبياء الذين دعوا إلى توحيد الله ، إمّا للفترة التي دخلت بين الوقتين والزمان الطويل ، وإمّا لأنّ آباءهم ما صدّقوا بشيء من ذلك ولا دانوا به. فيكون المعنى : ما سمعنا بآبائنا أنّهم صدّقوا الرسل فيما جاؤوا به. ووجه شبهتهم في ذلك أنّهم قالوا : إنّهم الكبراء ، فلو كان حقّا لأدركوه. (٤)

[٣٧] (وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧))

(رَبِّي أَعْلَمُ) ؛ أي : ربّي أعلم منكم بحال من أهّله الله للفلاح الأعظم حيث جعله نبيّا وبعثه بالهدى ووعده حسن العقبى. يعني نفسه. ولو كان ـ كما تزعمون ـ كاذبا ساحرا مفتريا ، لما أهّله لذلك. لأنّه غنيّ عن إرسال الكاذبين والساحرين. و (عاقِبَةُ الدَّارِ) هي

__________________

(١) النمل (٢٧) / ١٢.

(٢) الكشّاف ٣ / ٤١٠.

(٣) الكشّاف ٣ / ٤١١.

(٤) مجمع البيان ٧ / ٣٩٧.

٦٠١

العاقبة المحمودة ؛ لقوله : (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ). (١) وأراد بالدار الدنيا ، وعاقبتها وعقباها أن يختم للعبد بالرحمة. و [قرأابن كثير :] «قال موسى» بغير واو. وهي قراءة حسنة. لأنّ الموضع موضع سؤال عمّا أجابهم به موسى تسميتهم الآيات الباهرات سحرا مفترى. ووجه الأخرى أنّهم قالوا ذلك وقال موسى هذا ليوازن الناظر بين القول والمقول ويتبصّر فساد أحدهما وصحّة الآخر. (٢)

(أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى) ؛ أي : أعلم بأنّي جئت بهذه الآيات الدالّة على الهدى من عنده ، فهو شاهد لي على ذلك إن كذّبتموني ويعلم أنّ العاقبة الحميدة لنا ولأهل الحقّ. وهذا كما يقال على سبيل المظاهرة : الله أعلم بالمحقّ منّا والمبطل. وحجّتي ظاهرة. (وَقالَ مُوسى) ابن كثير : (قالَ مُوسى). بغير واو. وكذلك هو في مصاحف مكّة. (٣)

[٣٨] (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨))

(وَقالَ فِرْعَوْنُ) منكرا لما أتى به موسى من آيات الله لمّا أعياه الجواب : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ). يريد به أشراف قومه. (عَلَى الطِّينِ) ؛ أي : أجّج النار على الطين واتّخذ الآجر. قيل : إنّه أوّل من بنى الآجر وشوّاه. (صَرْحاً) ؛ أي : قصرا عاليا لعلّي أصعد إلى إله موسى وأقف على حاله. وهذا تلبيس من فرعون على العوامّ أنّ الذي يدعو إليه موسى يجري مجراه في الحاجة إلى المكان والجهة. (مِنَ الْكاذِبِينَ) في ادّعائه إلها غيرى وأنّه رسوله. (٤)

(صَرْحاً). روي أنّه لمّا أمر ببناء الصرح ، جمع هامان العمّال حتّى اجتمع خمسون ألف بنّاء سوى الأتباع والأجراء فشيّدوه في الهواء. فبعث الله جبرئيل فضربه فقطّعه ثلاث قطع وقعت قطعة على عسكر فرعون قتلت ألف ألف رجل ، ووقعت قطعة في البحر وقطعة في

__________________

(١) الرعد (١٣) / ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) الكشّاف ٣ / ٤١١ ـ ٤١٢.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨ و ٣٩٦.

(٤) مجمع البيان ٧ / ٣٩٨.

٦٠٢

المغرب وهلك العمّال. وروي : انّ فرعون قد ارتقى فوقه فرمى بنشّابة نحو السماء. وأراد الله أن يفتنهم فردّت إليه وهو ملطوخة بالدم. فقال : قد قتلت إله موسى. فعندها بعث الله جبرئيل لهدمه. (ما عَلِمْتُ لَكُمْ). قصد بنفي علمه بإله غيره نفي وجوده. ويجوز أن يكون على ظاهره وأنّ إلها غيره غير معلوم ولكنّه مظنون ، بدليل قوله : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ). فإذا لم يعلم كذب موسى ، فقد ظنّ أنّ في الوجود إلها غيره. ولو لم يكن المخذول [ظانّا] ظنّا [كاليقين] بل عالما بصحّة قول موسى ، لقول موسى له : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ) ـ الآية ـ (١) لما تكلّف ذلك البنيان العظيم وإن كان جاهلا بصفاته حيث حسب أنّه في مكان وأنّه يطّلع عليه كما [كان] يطّلع عليه إذا قعد في علّيّته. (٢)

(فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً). فبنى له هامان في الهواء صرحا حتّى بلغ مكانا لا يتمكّن الإنسان أن يقيم عليه من الرياح وقال لفرعون : لا نقدر أن نزيد على هذا. فبعث الله رياحا رمت به. فأخذ فرعون التابوت وعمد إلى أربعة أنسر فراخا [و] ربّاها. حتّى إذا بلغت واشتدّت ، عمدوا إلى جوانب التابوت الأربعة فغرزوا في كلّ جانب منه خشبة وجعلوا على كلّ خشبة لحما. وجوّعوا الأنسر وشدّوا أرجل كلّ نسر بخشبة. فنظرت الأنسر إلى اللّحم فوثبت إليه وصفقت (٣) بأجنحتها وارتفعت في الهواء. فطار يومها فقال لهامان : انظر إلى السماء هل بلغناها. فقال : أراها كما كنت أراها وأنا على الأرض في البعد. [فقال : انظر إلى الأرض.] فقال : لا أرى الأرض ولكنّى أرى البحار. حتّى جنّهم اللّيل ، قال فرعون لهامان : هل بلغنا السماء؟ قال : أرى الكواكب كما كنت أراها وأنا على الأرض. ثمّ جالت الرياح القائمة في الهواء فأقبلت (٤) التابوت. فلم يزل يهوي إلى الأرض. فكان في ذلك أشدّ ما كان عتوّا. (٥)

[٣٩] (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩))

__________________

(١) الإسراء (١٧) / ١٠٢.

(٢) الكشّاف ٣ / ٤١٣ ـ ٤١٤.

(٣) كذا في كنز الدقائق ١٠ / ٧٢. وفي النسخة : «سفت». وفي المصدر المطبوع : (... إلى اللحم فأهوت إليه بأجنحتها ...)

(٤) كذا في النسخة والمصدر.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ١٤٠ ـ ١٤١.

٦٠٣

(بِغَيْرِ الْحَقِّ) ؛ أي : بغير استحقاق. لأنّ الاستكبار بالحقّ إنّما هو لله. كما قال : والكبرياء ردائي. والعظمة إزاري. فمن نازعني واحدا منهما ، ألقيته في النار. (١)

(لا يُرْجَعُونَ). نافع وحمزة والكسائيّ : (لا يُرْجَعُونَ) بفتح الياء وكسر الجيم ، والباقون بضمّ الياء وفتح الجيم. (٢)

[٤٠] (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠))

(فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ). وهو نيل مصر أو بحر من ورائه يقال له أساف. (٣)

وفيه تعظيم لشأن الآخذ واستحقار للمأخوذين كأنّه أخذهم مع كثرتهم فطرحهم في اليمّ كحصيات أخذهنّ آخذ فطرحهنّ في البحر. ونظير : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ) ـ الآية. (٤) وما هي إلّا تصويرات وتمثيلات لاقتداره. (٥)

[٤١] (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١))

معناه : ودعوناهم أئمّة دعاة إلى النار وقلنا إنّهم أئمّة دعاة إلى النار كما يدعى خلفاء الحقّ أئمّة دعاة إلى الجنّة. وهو من قولك : جعله بخيلا وفاسقا ، إذا دعاه. ومنه : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً). (٦) ومعنى دعوتهم إلى النار دعوتهم إلى موجباتها من الكفر والمعاصي. (لا يُنْصَرُونَ) : لا يدفع العذاب عنهم. ويجوز : خذلناهم حتّى كانوا أئمّة الكفر. ومعنى الخذلان منع الألطاف. وإنّما يمنعها من علم أنّها لا تنفع فيه وهو المصمّم على الكفر حتّى كانوا أئمّة فيه ودعاة إليه. (٧)

[٤٢] (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢))

__________________

(١) الكشّاف ٣ / ٤١٤.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٣ ، ومجمع البيان ٧ / ٣٩٦.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٣٩٨.

(٤) الزمر (٣٩) / ٦٧.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٣ ، والكشّاف ٣ / ٤١٥.

(٦) الزخرف (٤٣) / ١٩.

(٧) الكشّاف ٣ / ٤١٦ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٤.

٦٠٤

(لَعْنَةً) ؛ أي : طردا عن الرحمة. أو : لعن اللّاعنين يلعنهم الملائكة واللّاعنون. (مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) ؛ أي : المطرودين. (١)

(الْمَقْبُوحِينَ) ؛ أي : المشوّهين في الخلقة بسواد الوجوه وزرقة الأعين. (٢)

[٤٣] (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣))

(الْكِتابَ) ؛ يعني : التوراة. (الْقُرُونَ الْأُولى) من الكفّار مثل قوم نوح وعاد وثمود ، أو قوم فرعون ، لأنّه سبحانه أعطاه التوراة بعد إهلاكهم بمدّة. (بَصائِرَ) ؛ أي : حججا وبراهين ـ منصوب على الحال ، أو بدل من الكتاب ـ يبصرون بها أمر دينهم. (وَهُدىً) ؛ أي : دلالة لمن اتّبعه (وَرَحْمَةً) لمن آمن به. (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) : ليكونوا على حال يرجى منهم التذكّر. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة غير أهل القرية التي مسخوا قردة. ثمّ قرأهذه الآية. (٣)

[٤٤] (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤))

(بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ) من الجبل الذي كلّم الله فيه موسى. (إِذْ قَضَيْنا) ؛ أي : عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه. (مِنَ الشَّاهِدِينَ) : الحاضرين حتّى تخبر قومك عن مشاهدة وعيان. (٤)

عن ابن عبّاس في قول الله عزوجل : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) قال : بالخلافة ليوشع بن نون من بعده. ثمّ قال لنبيّه : لن أدع نبيّا من غير وصيّ. وأنا باعث

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٤.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٣٩٨.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٤٠٠ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٤.

(٤) مجمع البيان ٧ / ٤٠٠.

٦٠٥

نبيّا عربيّا وجاعل وصيّه عليّا. قال ابن عبّاس : وحدّث الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بما هو كائن. وحدّثه باختلاف هذه الأمّة من بعده. فمن زعم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مات بغير وصيّ ، فقد كذب على الله عزوجل. (١)

[٤٥] (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥))

(وَلكِنَّا أَنْشَأْنا). معنى هذا الاستدراك وكيفيّة اتّصاله بما قبله : إنّا أنشأنا بعد عهد الوحي إلى عهدك قرونا كثيرة فتطاول على آخرهم ـ وهو القرن الذي أنت فيهم ـ العمر ؛ أي : مدّ انقطاع الوحي واندرست العلوم ، فوجب إرسالك إليهم فأرسلناك وعلّمناك قصص الأنبياء وقصّة موسى وما جرى عليه ، ولكنّا أوحيناه إليك. فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودلّ به على المسبّب على عادة الله في اختصاراته. فإذا هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده. (ثاوِياً) ؛ أي : مقيما. (أَهْلِ مَدْيَنَ) : شعيب والمؤمنون. «تتلوا عليهم» : تقرأ عليهم (آياتِنا) تعلّما منهم. يريد الآيات التي فيها قصّة شعيب وقومه. (وَلكِنَّا) أرسلناك وعلّمناكها. (٢)

[٤٦] (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦))

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) ـ اه. عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) قال : كتاب الله كتبه الله في ورقة [آس] قبل أن يخلق آدم بألفي عام ، فيها مكتوب : يا شيعة آل محمّد عليهم‌السلام أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني. من أتى منكم بولاية محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم ، أسكنته جنّتي برحمتي. وفي تفسير العسكريّ عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا بعث الله موسى بن عمران واصطفاه بالمعجزات والكرامات ـ و

__________________

(١) تأويل الآيات ١ / ٤١٦.

(٢) الكشّاف ٣ / ٤١٧ ـ ٤١٨.

٦٠٦

ساق الحديث في فضل محمّد وأهل بيته عليهم‌السلام إلى أن قال : ـ فهل عندك أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من أمّتي ظللت عليهم الغمام وأنزلت عليهم المنّ والسلوى؟ فقال : يا موسى ، أمّة محمّد أفضل خلقي. فقال موسى : ليتني كنت أراهم. فأوحى الله إليه : تراهم في الجنّات. وهذا ليس أوان ظهورهم. أفتحبّ أن تسمع كلامهم؟ قال : نعم. فنادى ربّنا : يا أمّة محمّد. فأجابوه بالتلبية الموضوعة للحجّ. فقال الله : من أتاني منكم يقرّ بأنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أخو النبيّ ووصيّه ووليّه ، أدخله جنّتي. فلمّا بعث الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا محمّد ، (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) أمّتك بهذه الكرامة. ثمّ قال الله : يا محمّد ، قل الحمد لله ربّ العالمين على ما اختصّني من هذه الفضيلة. (١)

[٤٧] (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧))

فإن قلت : القول هو السبب في الإرسال لا العقوبة. فكيف دخل حرف الامتناع عليها؟ قلت : القول هو المقصود بأن يكون سببا لإرسال الرسل ولكنّ العقوبة لمّا كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها ، جعلت العقوبة كأنّها سبب الإرسال بواسطة القول فأدخلت عليها لو لا وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية للسببيّة. ويؤول معناه إلى قولك : ولو لا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة ، ما أرسلناك ؛ ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة وهي أنّهم لو لم يعاقبوا مثلا على كفرهم وقد عاينوا ما ألجئوا به إلى العلم اليقين ، لم يقولوا : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) وإنّما السبب في قولهم هذا ، هو العقاب لا غير لا التأسّف على ما فاتهم من الإيمان. وفي هذا شهادة على استحكام كفرهم. (٢)

[٤٨] (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨))

__________________

(١) تأويل الآيات ١ / ٤١٧ ـ ٤٢٠.

(٢) الكشّاف ٣ / ٤١٨ ـ ٤١٩.

٦٠٧

(الْحَقُّ) ؛ أي : محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن. (قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ) ؛ أي : [هلّا] أعطي محمّد مثل ما أعطي موسى من فلق البحر واليد البيضاء والعصا والكتاب جملة واحدة. وإنّما قاله اليهود أو قريش بتعليم اليهود ، فاحتجّ الله عليهم بقوله : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) ؛ أي : وقد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمّد. و (قالُوا سِحْرانِ). يعني التوراة والقرآن. وذلك حين بعثوا الرهط منهم إلى رؤوس اليهود بالمدينة فسألوهم عن محمّد فأخبروهم بنعته وصفته في كتابهم التوراة ، فرجعوا إلى قريش وأخبروهم بقول اليهود ، فقالوا عند ذلك : (سِحْرانِ تَظاهَرا). (١)

(سِحْرانِ). قرأالكوفيّون : «سحران» بغير ألف ، والباقون : «ساحران» (٢)

(فَلَمَّا جاءَهُمُ) بإرسال الرسول ، (قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ) ؛ أي : جاؤوا بالاقتراحات المبنيّة على التعنّت والعناد. كما قالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ). (٣)(أَوَلَمْ يَكْفُرُوا) يعني أبناء جنسهم ومن مذهبهم مذهبهم وعنادهم عنادهم ، وهم الكفرة في زمن موسى (بِما أُوتِيَ مُوسى)؟ وقيل : كان للعرب أصل في أيّام موسى. فمعناه على هذا : أو لم يكفر آباؤهم. قالوا ساحران أي : قالوا في موسى وهارون : ساحران. (تَظاهَرا) ؛ أي : تعاونا. و (سِحْرانِ) بمعنى ذو اسحر ، أو على المبالغة. (بِكُلٍّ) ؛ أي : بكلّ واحد. فإن قلت : بم علّقت قوله : (مِنْ قَبْلُ) في هذا التفسير؟ قلت : بأولم يكفروا. ولي أن أعلّقه بأوتي فينقلب المعنى إلى أنّ أهل مكّة الذين قالوا هذه المقالة ، كما كفروا بمحمّد عليه‌السلام أو بالقرآن ، فقد كفروا بموسى وبالتوراة وقالوا في موسى ومحمّد : ساحران تظاهرا ، أو في التوراة والقرآن : سحران تظاهرا. وذلك حين بعثوا الرهط إلى اليهود بالمدينة يسألونهم عن صفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فحكوا لهم نعته. (٤)

[٤٩] (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩))

(قُلْ فَأْتُوا) ؛ أي : قل ـ يا محمّد ـ لكفّار قومك : فأتوا بكتاب هو أهدى من التوراة و

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٤٠١ ـ ٤٠٢.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٣٩٩ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٥.

(٣) هود (١١) / ١٢.

(٤) الكشّاف ٣ / ٤١٩ ـ ٤٢٠.

٦٠٨

القرآن حتّى أتّبعه إن صدقتم أنّ التوراة والقرآن سحران. (١)

[٥٠] (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠))

ثمّ قال لنبيّه : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) ؛ أي : فإن لم يأتوا بمثل التوراة والقرآن. أو : فإن لم يستجيبوا لك إلى الإيمان مع ظهور الحقّ ، فاعلم أنّهم إنّما يتّبعون ما يميل إليه طباعهم. قال الزجّاج : أي : فاعلم أنّ ما ركبوه من الكفر لا حجّة لهم فيه وإنّما آثروا فيه الهوى. ثمّ ذمّهم فقال : (وَمَنْ أَضَلُّ) ؛ أي : لا أحد أضلّ ممّن يتّبع هواه بغير رشاد ولا بيان جاءه من الله. (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إلى طريق الجنّة ، أو لا يحكم بهدايتهم. أو إنّهم إذا لم يهتدوا بهدى الله ، فكأنّه لم يهدهم. (٢)

قوله : (مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ) ؛ أي : من يتّخذ دينه برأيه بغير إمام من الله من أئمّة الهدى عليهم‌السلام. (٣)

[٥١] (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١))

(وَلَقَدْ وَصَّلْنا) ؛ أي : فصّلناه وبيّنّاه. يعني : أتينا بآية بعد آية وبيان بعد بيان وأخبرناهم بأخبار الأنبياء والمهلكين من أممهم. (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ويتفكّرون في الحقّ. (٤)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) قال : إمام بعد إمام. ومعنى (وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) هو القول في الإمامة. أي : جعله الله متّصلا من إمام إلى إمام من لدن آدم إلى القائم عليه‌السلام. والقول هو قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً). (٥) وما زال لله في الأرض خليفة لئلّا يكون للناس على الله حجّة. ومعنى قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) من ذكرى ؛ مثل قوله : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ). (٦) ومعنى آخر :

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٤٠٢.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٤٠٢.

(٣) تأويل الآيات ١ / ٤٢٠.

(٤) مجمع البيان ٧ / ٤٠٣.

(٥) البقرة (٢) / ٣٠.

(٦) الذاريات (٥١) / ٥٥.

٦٠٩

يتذكّرون القول في الإمامة بأنّه متّصل من إمام إلى إمام إلى القائم عليه‌السلام. (١)

[٥٢ ـ ٥٣] (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣))

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ). قيل : نزلت وما بعدها في عبد الله بن سلام وتميم الداريّ وسلمان الفارسيّ والجارود العبديّ. فإنّهم لمّا أسلموا نزلت فيهم الآيات. وقيل : نزلت في أربعين رجلا من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل مبعثه ؛ اثنان وثلاثون من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما وقت قدومه ، وثمانية قدموا من الشام. (مِنْ قَبْلِهِ) ؛ أي : من قبل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (هُمْ بِهِ) ؛ أي : بمحمّد (يُؤْمِنُونَ). لأنّهم وجدوا صفته في التوراة. أو : من قبل القرآن ، هم بالقرآن يصدّقون. والمراد بالكتاب التوراة والإنجيل. فهؤلاء لم يعاندوا. (٢)

[٥٤] (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤))

(مَرَّتَيْنِ) : مرّة بتمسّكهم بدينهم حتّى أدركوا محمّدا فآمنوا به ؛ ومرّة بإيمانهم به. وقيل : بما صبروا بتمسّكهم بدينهم على أذى الكفّار. (بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) ؛ أي : يدفعون بالحسنة من الكلام [الكلام] القبيح الذي يسمعونه من الكفّار ، أو بالمعروف المنكر ، أو بالحلم جهل الجاهل ، أو بالمداراة [مع الناس] أذاهم عن أنفسهم ، وروي مثل ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام. (٣)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) قال : الأئمّة. عليهم‌السلام وقال : نحن صبر. وشيعتنا أصبر. لأنّا صبرنا على [ما] نعلم وصبروا على ما لا يعلمون. (٤)

__________________

(١) تأويل الآيات ١ / ٤٢٠ ـ ٤٢٢.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٤٠٣.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٤٠٤.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ١٤١.

٦١٠

[٥٥] (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥))

(اللَّغْوَ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اللّغو الكذب. واللهو الغناء. (١)

(اللَّغْوَ) ؛ أي : السفه من الناس ، (أَعْرَضُوا عَنْهُ) ولم يقابلوه بمثله. (لَنا أَعْمالُنا) ؛ أي : لا نسأل نحن عن أعمالكم ولا تسألون عن أعمالنا. أو معناه : لنا ديننا ولكم دينكم. أو : لنا حلمنا ولكم سفهكم. (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ؛ أي : أمان منّا لكم أن نقابل لغوكم بمثله. وقيل : هي كلمة حلم واحتمال بين المؤمنين والكافرين ، وهي كلمة تحيّة بين المؤمنين. (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) : لا نطلب مجالستهم ومعاونتهم. وإنّما نبتغي الحكماء والعلماء. أو : لا نبتغي دين الجاهلين. (٢)

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ). سلام متاركة لهم وتوديع ودعة (٣) لهم بالسلامة عمّا هم فيه. (٤)

[٥٦] (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦))

(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ). قيل : إنّها نزلت في أبي طالب. فإنّه كان يحبّ إسلامه. وكان يكره إسلام وحشيّ قاتل حمزة ، فنزلت فيه : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) ـ الآية. (٥) وفي هذا نظر. فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجوز أن يخالف الله في إرادته ، كما لا يجوز أن يخالفه في أوامره ونواهيه. وقد تقدّم في سورة الأنعام أنّ أهل البيت عليهم‌السلام أجمعوا على أنّ أبا طالب مات مسلما وتظافرت الروايات بذلك عنهم. وحينئذ فمعنى الآية أنّه لمّا تقدّم ذكر الرسول والقرآن وأنّه أنزل لهدى الخلق ، بيّن سبحانه أنّه ليس عليه فقال : إنّك لا تهدي من أحببت هدايته أو [أحببته] لقرابته. والمراد بالهداية هنا اللّطف الذي يختار عنده الإيمان ، فإنّه لا يقدر عليه إلّا الله. وأمّا الهداية التي هي الدعوى والبيان ، فقد أضافها إلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ١٤٢.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٤٠٤.

(٣) المصدر : «أو دعاء» بدل «ودعة»

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٦.

(٥) الزمر (٣٩) / ٥٣.

٦١١

قوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). (١) أو المراد بالهداية في الآية الإجبار على الاهتداء. وقيل : معناه : ليس عليك اهتداؤهم وقبولهم الحقّ ؛ (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بلطفه. وقيل : هو على وجه الإجبار. (٢)

[٥٧] (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧))

(نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) ؛ أي : نخرج منها. نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف. أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : نحن نعلم أنّك على الحقّ ، ولكن نخاف إن اتّبعناك وخالفنا العرب ـ وإنّما نحن أكلة رأس ـ أن يتخطّفونا من أرضنا. فردّ الله عليهم بقوله : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ) ؛ أي : ألم نجعل مكانهم حرما ذا أمن لحرمة البيت الذي فيه تتقاتل العرب حوله وهم آمنون فيه؟ (يُجْبى إِلَيْهِ) ؛ أي : يحمل. (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا). فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام ، فكيف نعرضهم للتخوّف والتخطّف إذا ضمّوا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد؟ ولكنّ أكثرهم جهلة لا يتفطّنون. أهل المدينة : تجبى إليه بالتاء. وانتصاب (رِزْقاً) على الحال من الثمرات لتخصيصها بالإضافة ـ أي : مرزوقة ـ أو على المصدر من معنى يجبى. (٣)

(كُلِّ شَيْءٍ) ؛ أي : كلّ أرض وبلد. (٤)

[٥٨] (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨))

(مِنْ قَرْيَةٍ) ؛ أي : من أهل قرية. (بَطِرَتْ). البطر : الطغيان. (مَعِيشَتَها) ؛ أي : في معيشتها بأن أعرضت عن الشكر وتكبّرت. أي أعطيناهم المعيشة الواسعة فكفروا النعمة فأهلكناهم. (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً). إشارة إلى ما يعرفونه من ديار عاد وثمود و

__________________

(١) الشورى (٤٢) / ٥٢.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٦.

(٤) مجمع البيان ٧ / ٤٠٧.

٦١٢

قوم لوط. فإنّها صارت خالية من أهلها وهي قريبة منكم ، لأنّها كانت بين الشام واليمن يمرّون عليها في تجاراتهم. وقوله : (إِلَّا قَلِيلاً) أراد به المارّة ؛ فإنّهم يسكنونها يوما أو بعض يوم. (نَحْنُ الْوارِثِينَ). لأنّه لم يخلفهم أحد يتصرّف تصرّفهم. وفي هذه الآية بيّن أنّ الأمر بالعكس. يعني أنّه ينبغي أن يخافوا من بأس الله وعذابه لا من تخطّف الأرض. (١)

[٥٩] (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩))

(وَما كانَ رَبُّكَ) ؛ أي : ما كان عادة ربّك يا محمّد. (فِي أُمِّها) ؛ أي : في أصلها وقصبتها. لأنّ أهلها يكون أفطن وأنبل. أو المراد أمّ القرى وهي مكّة. (ظالِمُونَ). أي لنفوسهم بالكفر والمعاصي. (٢)

[٦٠] (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠))

(وَما أُوتِيتُمْ). خطاب للعباد. أي : ما أعطيتموه من شيء (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ؛ أي : تتمتّعون وتزيّنون به مدّة حياتكم المنقضية. (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب (خَيْرٌ) في نفسه من ذلك. لأنّه لذّة خالصة وبهجة كاملة. (وَأَبْقى). لأنّه أبديّ. (أَفَلا تَعْقِلُونَ). أبو عمرو : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) بالتاء والياء كيف شئت ، والباقون بالتاء. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ (٣)

[٦١] (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١))

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٤٠٧ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٦ ـ ١٩٧.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٤٠٧ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٧ ، والكشّاف ٣ / ٤٢٤.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٤٠٧ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٧.

٦١٣

(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ). قيل : إنّها نزلت في حمزة بن عبد المطّلب وأمير المؤمنين عليه‌السلام وفي أبي جهل. (وَعْداً حَسَناً) من ثواب الجنّة ونعيمها جزاء على طاعته. (فَهُوَ لاقِيهِ) ؛ أي : مدركه لا محالة. (كمن متعناه في الدنيا) من الأموال وغيرها. (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) للجزاء والعقاب أو في النار. يعني لا يكون حالهما سواء ، لأنّ نعم الدنيا ليست كنعم الآخرة. (١)

(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً) قال : الموعود أمير المؤمنين عليه‌السلام. وعده الله أن ينتقم له من أعدائه في الدنيا ووعده الجنّة [له و] لأوليائه في الآخرة. (٢)

[٦٢] (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢))

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) ؛ أي : واذكر يوم ينادي الله الكفّار وهو يوم القيامة. وهذا تقريع وتبكيت. (تَزْعُمُونَ) ـ أي في الدنيا ـ أنّهم شركائي في الإلهيّة وتدّعون أنّهم ينفعونكم. (٣)

[٦٣] (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣))

(الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) ؛ أي : الشياطين أو أئمّة الكفر. ومعنى (حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) : وجب عليهم مقتضاه وثبت. وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). (٤)(هؤُلاءِ) مبتدأ و (الَّذِينَ أَغْوَيْنا) صفته. والراجع إلى الموصول محذوف. و (أَغْوَيْناهُمْ) الخبر. والكاف صفة مصدر محذوف تقديره : أغويناهم فغووا غيّا مثل ما غوينا. يعنون : انّا لم نغو إلّا باختيارنا ، لا أنّ فوقنا مغوين أغوونا بقسر منهم وإلجاء أو دعونا إلى الغيّ وسوّلوه. فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم. لأنّ إغواءنا لهم لم يكن إلّا وسوسة لا قسرا وإلجاء. فلا فرق

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٤٠٨.

(٢) تأويل الآيات ١ / ٤٢٢.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٤٠٨.

(٤) هود (١١) / ١١٩.

٦١٤

إذن بين غيّنا وغيّهم. وإن كان تسويلنا داعيا لهم إلى الكفر ، فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلّة العقل وإرسال الرسل. وناهيك بذلك صارفا عن الكفر وداعيا إلى الإيمان. وهذا معنى ما حكاه الله عن الشيطان : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ) ـ الآية. (١) والله قدّم هذا المعنى أوّل شيء [حيث] قال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) ـ اه. (٢)(تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم وممّا اختاروه من الكفر بأنفسهم هوّى منهم للباطل ومقتا للحقّ لا بقوّة منّا على استكراههم ولا سلطان. (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ). إنّما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم. (٣)

[٦٤] (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤))

(وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) ؛ أي : يقال للأتباع : ادعوا الذين عبد تموهم من دون الله وزعمتم أنّهم شركائي ليدفعوا عنكم العذاب. (فَدَعَوْهُمْ) من فرط الحيرة. (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) لعجزهم عن الإجابة والنصرة. (وَرَأَوُا الْعَذابَ) لأربابهم. (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) لوجه من الحيل يدفعون به العذاب ، أو إلى الحقّ ، لما رأوا العذاب. وقيل : لو للتمنّي. أو يكون تقديره : لو أنّهم كانوا يهتدون لرأوا العذاب ، أي لاعتقدوا أنّ العذاب حقّ. وهذا القول أولى لدلالة الكلام على المحذوف. (٤)

[٦٥] (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥))

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ). عطف على الأوّل. فإنّه تعالى يسأل أوّلا عن إشراكهم به ثمّ عن تكذيبهم الأنبياء. (٥)

__________________

(١) إبراهيم (١٤) / ٢٢.

(٢) الحجر (١٥) / ٤٢.

(٣) الكشّاف ٣ / ٤٢٦.

(٤) مجمع البيان ٧ / ٤٠٩ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٨.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٨.

٦١٥

(يَوْمَ يُنادِيهِمْ). أمّا العامّة فتقول : ذلك في القيامة. وأمّا الخاصّة فرووا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : إنّ العبد إذا أدخل قبره ، دخل عليه منكر وفزع منه. فيقول : ما تقول في هذا النبيّ الذي بين أظهركم؟ فإن كان مؤمنا يشهد أنّه رسول الله بالحقّ ، فيقول له : ارقد ، ويتنحّى عنه الشيطان وفسح له في قبره سبعة أذرع ويرى مكانه في الجنّة. وإذا كان كافرا قال : لا أدري ، فيضرب ضربة يسمعها كلّ من خلق إلّا الإنسان ، ويسلّط عليه شيطان يقول له : أنا قرينك ، ويسلّط عليه الحيّات والعقارب. (١)

[٦٦] (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦))

(فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) ؛ أي : خفيت واشتبهت عليهم طرق الجواب يومئذ فصاروا كالأعمى. وقيل : معناه : فالتبست عليهم الحجج فهم لا يحتجّون ولا ينطقون بحجّة. لأنّ الله أدحض حجّتهم وأكلّ ألسنتهم فسكتوا. فذلك قوله : (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) ؛ أي : لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج أو عن العذر الذي يعتذر به في الجواب. أو : لا يسأل بعضهم بعضا كما يتساءل الناس في المشكلات لأنّهم يتساوون جميعا في عمى الأنباء عليهم والعجز عن الجواب. والمراد بالنبأ الخبر عمّا أجاب به المرسل إليه ورسوله. وإذا كانت الأنبياء لهول ذلك اليوم يتعتعون في الجواب عن مثل هذا السؤال ويفوّضون الأمر إلى علم الله ـ وذلك قوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) إلى : (عَلَّامُ الْغُيُوبِ)(٢) ـ فما ظنّك بالضلّال من أممهم؟ (٣)

[٦٧] (فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧))

(مَنْ تابَ) من المشركين وجمع بين الإيمان والعمل الصالح ، فعسى أن يفلح عند الله. وعسى من الكرام تحقيق. ويجوز أن يراد ترجّي التائب. كأنّه قال : فليطمع أن يفلح. أو يقال : إنّه ليس بمقطوع بفلاحه. لأنّه على رجاء أن يدوم على ذلك فيفلح وقد يجوز أن يزلّ فيما بعد

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ١٤٣.

(٢) المائدة (٥) / ١٠٩.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٤٠٩ ، والكشّاف ٣ / ٤٢٧.

٦١٦

فيهلك. (١)

[٦٨] (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨))

وقوله : (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) قال : يختار الله الإمام. ما كان لهم أن يختاروه. (٢)

الخيرة من التخيّر [كالطيرة بمعنى التطيّر] تستعمل بمعنى المصدر وهو التخيّر وبمعنى المتخيّر ، كقولهم : محمّد خيرة الله من خلقه. (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ). بيان لقوله : (يَخْتارُ) لأنّ معناه : يختار ما يشاء. ولهذا لم يدخل العاطف. والمعنى أنّ الخيرة له في أفعاله وهو أعلم بوجوه الحكمة فيه ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. قيل : السبب فيه قول المشركين : لو لا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (٣) فاختاروا الوليد بن المغيرة من مكّة وعروة بن مسعود الثقفيّ من الطائف. يعني لا يبعث الله الرسل باختيار المرسل إليهم. وقيل : معناه : يختار الذي لهم فيه الخيرة. أي : يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح وهو أعلم بمصالحهم من أنفسهم. والأصل : ما كان لهم الخيرة فيه ، فحذف فيه الراجع من الصلة إلى الموصول. (سُبْحانَ اللهِ) ؛ أي : الله بريء من إشراكهم وما يحملهم عليه الجرأة على الله واختيارهم عليه ما لا يختار. (٤)

[٦٩] (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩))

(ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) من عداوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وحسده. (وَما يُعْلِنُونَ) من مطاعنهم فيه وقولهم : هلّا اختير عليه غيره في النبوّة؟ (٥)

[٧٠] (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ

__________________

(١) الكشّاف ٣ / ٤٢٧ ، ومجمع البيان ٧ / ٤١٠.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ١٤٣.

(٣) الزخرف (٤٣) / ٣١.

(٤) الكشّاف ٣ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

(٥) الكشّاف ٣ / ٤٢٨.

٦١٧

تُرْجَعُونَ (٧٠))

(وَهُوَ اللهُ) المختصّ بالإلهيّة. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ). تقرير لذلك. (فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ). المراد بحمد الآخرة قول أهل الجنّة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ). (١)(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ). (٢)(وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). (٣) والتحميد هناك على وجه اللّذّة لا الكلفة. وفي الحديث : يلهمون التحميد والتقديس. (وَلَهُ الْحُكْمُ) : القضاء بين عباده. (٤)

[٧١ ـ ٧٢] (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢))

(سَرْمَداً) ؛ أي : دائما. من السرد وهو المتابعة ، والميم زائدة كدلامص من الدلاص. (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) بإسكان الشمس تحت الأرض أو تحريكها فوق الأفق الغائر. (أَفَلا تَسْمَعُونَ) سماع تدبّر واستبصار؟ ابن كثير : (بِضِياءٍ) بهمزتين. (النَّهارَ سَرْمَداً) بإسكانها في وسط السماء أو تحريكها على مدار فوق الأفق. (تَسْكُنُونَ فِيهِ) ؛ أي : تستريحون فيه من التعب. (أَفَلا تُبْصِرُونَ). من البصيرة. أي : أفلا تعلمون؟ وقيل : أفلا تشاهدون اللّيل والنهار وتتدّبرون فيهما فتعلموا أنّهما من صنع مدبّر حكيم؟ (٥)

[٧٣] (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣))

(لِتَسْكُنُوا فِيهِ) ؛ أي : في اللّيل. (وَلِتَبْتَغُوا) أي بالنهار بأنواع المكاسب. (وَلَعَلَّكُمْ

__________________

(١) فاطر (٣٥) / ٣٤.

(٢) الزمر (٣٩) / ٧٤.

(٣) الزمر (٣٩) / ٧٥.

(٤) الكشّاف ٣ / ٤٢٨.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٨ ـ ١٩٩ ، ومجمع البيان ٧ / ٤١١.

٦١٨

تَشْكُرُونَ) : ولكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه عليها. (١)

[٧٤] (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)

(أَيْنَ شُرَكائِيَ). تقريع بعد تقريع للإشعار بأنّه لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك. أو الأوّل لتقرير فساد رأيهم والثاني لبيان أنّه لم يكن عن سند وإنّما كان محض تشهّ وهوى. (٢)

[٧٥] (وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)

(وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) ؛ أي : أخرجنا من كلّ أمّة من الأمم رسولها الذي يشهد عليهم بالتبليغ وبما كان منهم. وقيل : هم عدول الآخرة ـ ولا يخلو كلّ زمان منهم ـ يشهدون على الناس بما عملوا. (فَقُلْنا). أي للأمم. (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) على صحّة ما كنتم تدينون به. (فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) ؛ أي : بهتوا وتحيّروا لمّا لم يكن لهم حجّة يقيمونها وعلموا أنّ الحقّ ما أنزل الله. لأنّ المشهود عليه إذا لم يأت بمخلص من بيّنة الخصم ، توجّهت القضيّة عليه ولزمه الحكم. (وَضَلَّ عَنْهُمْ) ؛ أي : غاب عنهم غيبة الضائع (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الباطل. (٣)

[٧٦] (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)

(مِنْ قَوْمِ مُوسى) ؛ أي : من بني إسرائيل ثمّ من سبط موسى. وهو ابن خالته. وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وقيل : كان ابن عمّ موسى أو عمّ موسى. (فَبَغى عَلَيْهِمْ) ؛ أي : استطال عليهم بكثرة كنوزه. ولم يكن أقرأمنه للتوراة ولكنّ عدوّ الله نافق كما نافق

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٩.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٩.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٤١٢ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٩.

٦١٩

السامريّ فبغى عليهم. وقيل : كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل وكان يبغي عليهم. وقيل : إنّه زاد عليهم الثياب شبرا. وقيل : إنّه حسد موسى وهارون وقال : إذا كانت النبوّة لموسى والمذبح والقربان إلى هارون ، فما لي؟ وقيل : إنّه لمّا جاوز موسى بهم البحر وصارت الرسالة والحبورة لهارون يقرّب القربان ويكون رأسا فيهم ـ وكان القربان إلى موسى فجعله موسى إلى أخيه ـ غضب قارون في نفسه وحسدهما فقال لموسى : الأمر لكما ولست على شيء! إلى متى أصبر؟ قال موسى : هذا صنع الله. قال : والله لا أصدّقك حتّى تأتي بآية. فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يجيء كلّ واحد بعصاه ، فحزمها وألقاها في القبّة التي كان الوحي ينزل عليه فيها. وكانوا يحرسون عصيّهم باللّيل. فأصبحوا وإذا بعصا هارون تهتزّ ولها ورق أخضر وكانت من شجر اللّوز. فقال قارون : ما هو بأعجب ممّا تصنع من السحر. (مَفاتِحَهُ). المفاتح : جمع مفتح ـ بالكسر ـ وهو ما يفتح به. وقيل : هي الخزائن وقياس واحدها مفتح ـ بالفتح. (لَتَنُوأُ) ؛ أي : تثقل. ويقال : ناء به الحمل ، إذا أثقله حتّى أماله. والعصبة» : الجماعة الكثيرة. واعصو صبوا : اجتمعوا. وكانت تحمل مفاتيح خزائنه ستّون بغلا لكلّ خزانة مفتاح ولا يزيد المفتاح على إصبع. وكانت من جلود. وقد بولغ في ذلك بلفظ الكنوز والمفاتح والنوء والعصبة وأولي القوّة. وما موصولة بمعنى الذي وصلتها إنّ مع اسمها وخبرها. أي : أعطيناه من الأموال المدخّرة القدر الذي تنوء مفاتحه العصبة. (إِذْ قالَ). منصوب بتنوء. (لا تَفْرَحْ). لأنّه لا يفرح بالدنيا إلّا من رضي بها واطمأنّ. وأمّا من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنّه مفارق ما فيه عن قريب ، لم تحدّثه نفسه بالفرح. (١)

(مَفاتِحَهُ). قال أبو مسلم : المراد من المفاتح العلم والإحاطة. كقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ). (٢) والمراد أنّ حفظ أمواله والاطّلاع عليها يثقل على العصبة (أُولِي الْقُوَّةِ) والمتانة في الرأي. وظاهر الكنوز ، وإن كان من جهة العرف المال المدفون ، إلّا أنّه يقع على المال

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٤١٥ ـ ٤١٦ ، والكشّاف ٣ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠.

(٢) الأنعام (٦) / ٥٩.

٦٢٠