عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٣

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٣

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-28-9
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٦١

[٧٩] (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩))

(أَلَمْ يَرَوْا). ابن عامر وحمزة بالتاء. (١)

(مُسَخَّراتٍ) ؛ أي : مذلّلات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المواتية لذلك. والجوّ : الهواء المتباعد من الأرض. (ما يُمْسِكُهُنَّ) في قبضهنّ وبسطهنّ ووقوفهنّ (إِلَّا اللهُ) بقدرته. (٢)

(ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ). لأنّ ثقل جسدها يقتضي سقوطها ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها. (٣)

[٨٠] (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠))

(سَكَناً) ؛ أي : موضعا تسكنون فيه ممّا يتّخذ من الحجر والمدر. وذلك أنّه سبحانه خلق الخشب والمدر والآلة التي يمكن بها تسقيف البيوت وبناؤها. (مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ). يعني الأنطاع والآدم. (بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها) : قبابا وخياما يخفّ عليكم حملها في أسفاركم. (ظَعْنِكُمْ) ؛ أي : ارتحالكم من مكان إلى مكان. (وَمِنْ أَصْوافِها) ؛ أي : الضأن. (وَأَوْبارِها) ؛ أي : الإبل. (وَأَشْعارِها) أي : المعز. (أَثاثاً) ؛ أي : أنواعا من متاع البيت من الفرش والأكسية. (إِلى حِينٍ) ؛ أي : يوم القيامة. أو : وقت الموت أو موت المالك والأنعام. وفيه إشارة إلى أنّها فانية فلا ينبغي للعاقل أن يختارها على نعيم الآخرة. (٤)

(ظَعْنِكُمْ). ابن عامر ساكنة. والباقون مفتوحة العين. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٧٩ ـ ٥٨٠.

(٢) الكشّاف ٢ / ٦٢٤.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٥٣.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٨١.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٧٩.

٤١

[٨١] (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١))

(مِمَّا خَلَقَ) من الأشجار والأبنية. (ظِلالاً) تستظلّون به. (أَكْناناً) : مواضع تسكنون بها من كهوف وثقوب. (سَرابِيلَ) ؛ أي : قميصا من القطن والكتّان والصوف. ولم يقل : وتقيكم البرد ، لأنّ ما وقى الحرّ وقى البرد. وإنّما خصّ الحرّ بذلك مع أنّ وقاءها للبرد أكثر ، لأنّ الذين خوطبوا بذلك أهل حرّ في بلادهم فحاجتهم لما يقي الحرّ أكثر. على أنّ العرب تكتفي بذكر أحد الشيئين عن الآخر للعلم به. (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) ؛ يعني : دروع الحديد تقيكم شدّة الطعن والضرب وتدفع عنكم سلاح أعدائكم. (كَذلِكَ) ؛ أي : مثل ما أنعم عليكم بهذه النعم. (نِعْمَتَهُ) : نعمة الدنيا. (لَعَلَّكُمْ) يا أهل مكّة (تُسْلِمُونَ) ؛ أي : توحّدوه وتعلموا أنّه لا يقدر على هذا غيره. (١)

[٨٢] (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢))

(فَإِنْ تَوَلَّوْا) ؛ أي : فإن أعرضوا عن الإيمان ـ يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وعن التدبّر لما عدّد في هذه السورة من النعم ، فلا لوم عليك. وإنّما عليك البلاغ الظاهر. وهذا تسلية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٢)

[٨٣] (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣))

قال : يعرفون ولاية عليّ عليه‌السلام وأكثرهم كافرون بالولاية. (٣)

(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) أي : يعرفون نعم الله عليهم بما يجدونه من خلق نفوسهم وإكمال عقولهم وخلق أنواع المنافع التي ينتفعون بها ، [ثمّ] إنّهم مع ذلك ينكرون تلك النعم أن تكون من جهة الله خاصّة بل يضيفونها إلى الأوثان ويشكرون الأوثان عليها

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٨٢ ـ ٥٨٣.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٨٣.

(٣) الكافي ١ / ٤٢٧ ، ح ٧٧.

٤٢

ويقولون رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا فيشركونهم معه فيها. وقيل : معناه : يعرفون محمّدا وهو من نعم الله ، ثمّ يكذّبونه ويجحدونه. (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ). إنّما قال : (أَكْثَرُهُمُ) لأنّ منهم من لم تقم الحجّة عليه إذ لم يبلغ حدّ التكليف لصغره ، أو [كان] ناقص العقل ، أو لم تبلغه الدعوة ، فلا يقع عليه اسم الكفر. وقيل : إنّما ذكر الأكثر لأنّه علم سبحانه أنّ فيهم من يؤمن. (١)

(ثُمَّ). معنى ثمّ الدلالة على أنّ إنكارهم أمر مستبعد بعد حصول المعرفة. (٢)

[٨٤] (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤))

(وَيَوْمَ) ؛ أي : اذكر يوم. يعني يوم القيامة. بيّن سبحانه أنّه يبعث من كلّ أمّة شهيدا وهم الأنبياء والعدول من كلّ عصر يشهدون على الناس بأعمالهم. وقال الصادق عليه‌السلام : لكلّ زمان وأمّة إمام ، تبعث كلّ أمة مع إمامها. وفائدة بعث الشهداء مع علمه سبحانه بذلك أنّ ذلك أهول في النفس وأعظم في تصوّر الحال إذا قامت الشهادة بحضرة الملأ مع جلالة الشهود وعدالتهم. [ولأنّهم] إذا علموا أنّ العدول عند الله يشهدون عليهم بين الخلائق ، فإنّ ذلك يكون زاجرا لهم عن المعاصي. (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ) في الكلام والاعتذار. أو : لا يؤذن لهم في الرجوع إلى الدنيا. أو : لا يسمع منهم العذر. (يُسْتَعْتَبُونَ) ؛ أي : لا يسترضون ولا يستصلحون كما كان يفعل بهم في دار الدنيا. لأنّ الآخرة ليست بدار تكليف. ومعناه : لا يسألون أن يرضوا الله بالكفّ عن معصية يرتكبونها. (٣)

(شَهِيداً). عن أبي جعفر عليه‌السلام : نحن الشهود على هذه الأمّة. (٤)

(ثُمَّ لا يُؤْذَنُ). وهو أسوأ من الشهادة عليهم. وهو معنى ثمّ. (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ؛ أي :

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٨٣.

(٢) الكشّاف ٢ / ٦٢٦.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٨٣ ـ ٥٨٤.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤ / ١٧٩.

٤٣

لا يقال لهم ارضوا ربّكم. لأنّ الآخرة ليست بدار عمل. (١)

[٨٥] (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥))

(الَّذِينَ ظَلَمُوا) ؛ أي : الكفّار. (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ؛ أي : لا يؤخّرون بل عذابهم دائم. (٢)

[٨٦] (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦))

(شُرَكاءَهُمْ) مع الله في العبادة. (هؤُلاءِ) ؛ أي : هؤلاء الذين أضلّونا عن دينك ، فحمّلهم بعض عذابنا ، (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) ؛ أي : قالت الأصنام وسائر ما كانوا يعبدون من دون الله بإنطاق الله إيّاهم. (لَكاذِبُونَ) في أنّا أمرناكم بعبادتنا ، ولكنّكم اخترتم الضلال بسوء اختياركم لأنفسكم. (٣)

(شُرَكاءَهُمْ) ؛ أي : آلهتهم. (فَأَلْقَوْا). فإن قلت : لم قالوا : (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) وكانوا يعبدونهم على الصحّة؟ قلت : لمّا كانوا غير راضين بعبادتهم ، فكأنّ عبادتهم لم تكن عبادة. والدليل عليه قول الملائكة : (كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ). (٤) يعنون أنّ الجنّ كانوا راضين بعبادتهم لا نحن ، فهم المعبودون دوننا. أو كذّبوهم في تسميتهم شركاء وآلهة تنزيها له من الشريك. وإن أريد بالشركاء الشياطين ، جاز أن يكونوا كاذبين في قولهم : (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ). (٥)

[٨٧] (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧))

(وَأَلْقَوْا). يعني الذين ظلموا. وإلقاء السلم الاستسلام لأمر الله وحكمه بعد الإباء والاستكبار في الدنيا. (وَضَلَّ عَنْهُمْ) : وبطل عنهم. (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من أنّ لله شركاء وأنّهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذّبوهم وتبرّؤوا منهم. (٦)

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٦٢٦ ـ ٦٢٧.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٨٤.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٨٥.

(٤) سبأ (٣٤) / ٤١.

(٥) الكشّاف ٢ / ٦٢٧.

(٦) الكشّاف ٢ / ٦٢٧.

٤٤

[٨٨] (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨))

(الَّذِينَ كَفَرُوا) في أنفسهم وحمّلوا غيرهم على الكفر ، يضاعف الله عقابهم كما ضاعفوا كفرهم. وقيل في زيادة عذابهم : حيّات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال يلسع إحداهنّ اللّسعة فيجد صاحبها حمّتها أربعين خريفا. وقيل : يخرجون من النار إلى الزمهرير فيبادرون من شدّة برده إلى النار. (يُفْسِدُونَ) ؛ أي : بكونهم مفسدين الناس بصدّهم عن سبيل الله. (١) قال : (الَّذِينَ كَفَرُوا) بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (وَصَدُّوا) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام. (٢)

[٨٩] (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩))

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : نحن ـ والله ـ نعلم ما في السموات وما في الأرض وما في الجنّة وما في النار وما بين ذلك. إنّ ذلك في كتاب الله ـ ثلاث مرّات. ثمّ تلا هذه الآية : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ) ـ الآية. إنّه من كتاب الله ؛ فيه تبيان لكلّ شيء. (٣)

قال : وقوله : (شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ؛ يعني : من الأئمّة. قال لنبيّه : (وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) ؛ يعني : وجئنا بك ـ يا محمّد ـ شهيدا على هؤلاء ؛ يعني : على الأئمّة. فرسول الله شهيد على الأئمّة وهم شهداء على الناس. (٤)

(مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ؛ أي : من أمثالهم من البشر. ويجوز أن يكون ذلك الشهيد نبيّهم الذي أرسل إليهم. ويجوز أن يكون المؤمنين العارفون يشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي. (وَجِئْنا بِكَ) يا محمّد (شَهِيداً) على قومك وأمّتك. (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ؛ أي : بيانا لكلّ شيء ؛ أي : بيانا لكلّ أمر مشكل. أي : ليبيّن كلّ شيء يحتاج إليه من أمور الشريعة. فإنّه ما من شيء يحتاج إليه الخلق إلّا وهو مبيّن في الكتاب إمّا بالتنصيص عليه أو بالإحالة على ما يوجب

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٦٢٧.

(٢) تفسير القمّيّ ١ / ٣٨٨.

(٣) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٦٦ ، ح ٥٧.

(٤) تفسير القمّيّ ١ / ٣٨٨.

٤٥

العلم من بيان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والحجج القائمين مقامه وإجماع الأمّة فيكون حكم الجميع مستفادا من القرآن. (وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى) ؛ أي : دلالة إلى الرشد ونعمة على الخلق وبشارة لهم بالثواب الدائم. (١)

(وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ). وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال الله لموسى : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ). (٢) فعلمنا أنّه لم

يكتب لموسى الشيء كلّه. وقال الله لعيسى : لتبين لهم بعض الذي يختلفون فيه». (٣) وقال الله لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : (نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ). (٤)

(تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) لكن لا يعلم إلّا حجج الله ، كما وردت به الأخبار. (ع)

[٩٠] (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠))

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) ـ الآية. وحين أسقطت من الخطب لعنة الملاعين على أمير المؤمنين عليه‌السلام أقيمت هذه الآية مقامها. وهي : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ) ـ الآية. ولعمري إنّها كانت فاحشة ومنكرا وبغيا. ضاعف الله لمن سنّها غضبا ونكالا وخزيا إجابة لدعوة نبيّه عليه‌السلام : وعاد من عاداه. (٥)

قال : العدل شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. والعدل أمير المؤمنين عليه‌السلام.

والفحشاء والمنكر والبغي فلان وفلان وفلان. (٦)

(بِالْعَدْلِ). عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : العدل الإنصاف والإحسان التفضّل. (٧)

(بِالْعَدْلِ). وهو الإنصاف بين الخلق والتعامل بالاعتدال الذي ليس فيه ميل ولا عوج. (وَالْإِحْسانِ). وهو التفضّل. ولفظ الإحسان جامع لكلّ خير. وقيل : العدل

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٨٦.

(٢) الأعراف (٧) / ١٤٥.

(٣) الزخرف (٤٣) / ٦٣ : «... وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ».

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٦٦ ، ح ٥٨.

(٥) الكشّاف ٢ / ٦٢٩ ـ ٦٣٠.

(٦) تفسير القمّيّ ١ / ٣٨٨.

(٧) معاني الأخبار / ٢٥٧ ، ح ١.

٤٦

التوحيد. والإحسان أداء الفرائض. وقيل : العدل في الأفعال. والإحسان في الأقوال. وقيل : العدل أن ينصف وينتصف. والإحسان أن ينصف ولا ينتصف. (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) ؛ أي : بصلة القربى. وهذا عامّ. وقيل : المراد قرابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المذكورون في آية الخمس. وهو المرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام. (عَنِ الْفَحْشاءِ). وهو ما يفعلها الإنسان في نفسه من القبيح ما لا يظهره. (وَالْمُنْكَرِ) : ما يظهره للناس ممّا يجب عليهم إنكاره. (وَالْبَغْيِ) : ما يتطاول به من الظلم لغيره. (١)

(ذِي الْقُرْبى). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : هكذا نزلت : ذي القربى حقه». وهو أداء الإمام إلى الإمام. (٢)

(وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) ؛ أي : الإفراط في متابعة القوّة الشهويّة كالزنى. (وَالْمُنْكَرِ). وهو ما ينكر على متعاطيه في إثارة القوّة الغضبيّة. (وَالْبَغْيِ) : الاستيلاء على الناس والتجبّر عليهم. فإنّها الشيطنة التي هي مقتضى القوّة الوهميّة. (٣)

(يَعِظُكُمْ) بما تضمّنت هذه الآية من مكارم الأخلاق. (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) : لكي تتذكّروا وتتفكّروا وترجعوا إلى الحقّ. وهذه الآية كانت السبب في إسلام عثمان بن مظعون. (٤)

[٩١] (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١))

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ). قال ابن عبّاس : الوعد من العهد. وقال المفسّرون : العهد الذي يجب الوفاء به هو الذي يحسن فعله وعاهد الله ليفعلنّه. فإنّه يصير واجبا عليه. (وَلا تَنْقُضُوا). وهو أن ينقضها بمخالفة موجبها. (تَوْكِيدِها) ؛ أي : تغليظها بالعزم والعقد على اليمين بخلاف لغو اليمين. (كَفِيلاً). قيل : إنّه قولهم : الله عليّ كفيل أو وكيل. وهذه الآية نزلت في الذين تابعوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على الإسلام فقال سبحانه لهم : لا يحملنّكم قلّة المسلمين وكثرة المشركين على

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٨٧.

(٢) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٦٧ ، ح ٦٠.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٥٥.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٨٧.

٤٧

نقض البيعة. فإنّ الله حافظ لكم. (١)

(بِعَهْدِ اللهِ). هي البيعة لرسول الله عليه‌السلام على الإسلام. (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) ـ الآية. (٢)(تَوْكِيدِها) ؛ أي : توثيقها باسم الله. (٣)

(لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لمّا قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للأوّل والثاني يوم الغدير : قوموا وسلّموا على عليّ عليه‌السلام بإمرة المؤمنين ، قالوا : من الله أو من رسول الله؟ قال : منهما جميعا. فلمّا سلّما عليه وخرجا قالا : والله لا نسلّم له ما قال أبدا. فأنزل الله : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) ـ الآية ـ بقولكم : أمن الله أو من رسوله؟ (٤)

(وَلا تَنْقُضُوا). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : نزلت في ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام بغدير خمّ. فكان ممّا أكّد عليهما قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قوما وسلّما عليه بإمرة المؤمنين عليه‌السلام. فقالا : من الله أو من رسوله؟ فأنزل الله : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) ـ الآية. يعني به قول رسول الله وقولهما : أمن الله أم من رسوله؟ ثمّ قال : أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم». قال زيد بن الجهم : فإنّا نقرأ : (أَرْبى)! قال : ما أربى؟ فأومى بيده وطرحها. (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ). يعني بعليّ. (٥)

[٩٢] (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢))

(وَلا تَكُونُوا) في نقض الأيمان كالتي نقضت غزلها بعد أن أحكمته وأبرمته فجعلته أنكاثا. جمع نكث وهو ما ينكث فتله. قيل : هي ريطة بنت سعد ، وكانت خرقاء اتّخذت مغزلا قدر ذراع وصنارة مثل إصبع وفلكة عظيمة على قدرها ، وكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثمّ تأمرهنّ فينقضن ما غزلن. (تَتَّخِذُونَ). حال و (دَخَلاً)

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٨٩.

(٢) الفتح (٤٨) / ١٠.

(٣) الكشّاف ٢ / ٦٣٠.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٦٨ ، ح ٦٤.

(٥) الكافي ١ / ٢٩٢ ، ح ١.

٤٨

مفعول اتّخذ. يعني : ولا تنقضوا أيمانكم متّخذيها دخلا بينكم ؛ أي : مفسدة ودغلا. (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ). يعني جماعة قريش. (هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) : هى أزيد عددا وأوفر مالا من أمّة من جماعة المؤمنين. (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ). الضمير لقوله : (أَنْ تَكُونَ [أُمَّةٌ) لأنّه في معني المصدر. أي : إنّما يختبركم بكونهم] أربى لينظر أتتمسّكون بحبل الوفاء بعهد الله وما عقدتم على أنفسكم ووكّدتم من أيمان البيعة لرسول الله أم تغترّون بكثرة قريش وثروتهم وقوّتهم وقلّة المؤمنين وفقرهم. وليبين لكم». إنذار وتحذير من مخالفة الإسلام. (١)

(نَقَضَتْ) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «التي نقضت غزلها» عائشة. هي نكثت أيمانها. (٢)

(مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ). متعلّق بنقضت. أي نقضت غزلها من بعد إبرام وإحكام. (أَنْكاثاً) : طاقات نكث فتلها ، جمع نكث. وانتصابه على الحال من غزلها. (تَتَّخِذُونَ). حال من الضمير في (وَلا تَكُونُوا). أي : لا تكونوا متشبّهين بامرأة هذا شأنها متّخذي [أيمانكم] مفسدة. وأصل الدخل ما يدخل في الشيء ولم يكن منه. (٣)

(أَنْكاثاً). منصوب لأنّه في معنى المصدر. (دَخَلاً). مفعول له. أي : للدغل. (أَنْ تَكُونَ) [يجوز أن] تكون كان هذا تامّة. (أَنْكاثاً) : جمع نكث ، وهو الغزل من الصوف والشعر يبرم ثمّ ينكث وينقض فيغزل ثانية. (دَخَلاً) ؛ أي : خيانة ومكرا. وذلك أنّهم كانوا يحلفون في عهودهم ويضمرون الخيانة وكان الناس يسكنون إلى عهدهم ثمّ ينقضون العهد. (يَبْلُوكُمُ) ؛ أي : يختبركم بالأمر بالوفاء. والهاء في (بِهِ) عائدة على الأمر. أي : يعاملكم معاملة المختبر ليقع الجزاء بحسب العمل. (فِيهِ) ؛ أي : في صحّته. (٤)

[٩٣] (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣))

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) حنيفة مسلمة على طريق الإلجاء والاضطرار. وهو

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٦٣١.

(٢) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٦٩.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٥٥.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٨٩ ـ ٥٩٠.

٤٩

قادر على ذلك ، لكنّ الحكمة اقتضت أن يضلّ من يشاء ، وهو أن يخذل من عرف أنّه يختار الكفر ويصمّم عليه ، ويهدي من يشاء ، وهو أن يلطف بمن علم أنّه يختار الإيمان. يعني أنّه بنى الأمر على الاختيار وعلى ما يستحقّ به اللّطف والخذلان والثواب والعقاب ولم يبنه على الإجبار الذي لا يستحقّ به شيء من ذلك. وحقّقه بقوله : (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). ولو كان هو المضطرّ إلى الضلال والاهتداء ، لما أثبت لهم عملا يسألون عنه. (١)

[٩٤] (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤))

(وَلا تَتَّخِذُوا). ثمّ كرّر النهي عن اتّخاذ الأيمان دخلا بينهم تأكيدا عليهم. (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) ؛ أي : فتزلّ أقدامكم عن محجّة الإسلام بعد ثبوتها عليها. (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) في الدنيا بصدودكم عن سبيل الله وخروجكم من الدين ، أو بصدّ غيركم. لأنّهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدّوا ، لاتّخذوا نقضها سنّة لغيرهم يستنّون بها. (عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة. كأنّ قوما ممّن أسلموا بمكّة زيّن لهم الشيطان ـ لجزعهم ممّا رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين وإيذائهم ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد ـ أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله ، فثبّتهم الله. (قَدَمٌ). فإن قلت : لم وحّدت القدم ونكّرت؟ قلت : لاستعظام أن تزلّ قدم واحدة عن طريق الحقّ بعد أن ثبتت عليه فكيف بأقدام كثيرة. (٢)

(قَدَمٌ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : يعني بعد مقالة رسول الله في عليّ عليه‌السلام. (٣)

(صَدَدْتُمْ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : يعني به عليّا عليه‌السلام. (٤)

[٩٥] (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥))

(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ) ؛ أي : لا تستبدلوا بعهد الله وبيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (ثَمَناً قَلِيلاً) ؛ أي :

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٦٣١ ـ ٦٣٢.

(٢) الكشّاف ٢ / ٦٣٢ ـ ٦٣٣.

(٣) الكافي ١ / ٢٩٢ ، ح ١.

(٤) الكافي ١ / ٢٩٢ ، ح ١.

٥٠

عرضا من الدنيا يسيرا. وهو [ما] كانت قريش يعدونهم إن رجعوا. (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) من إظهاركم وتغنيمكم وثواب الآخرة خير لكم من أعراض الدنيا. (١)

(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ). النزول : قال ابن عبّاس : إنّ رجلا من حضر موت يقال له عبدان قال : يا رسول الله ، إنّ امرأ القيس الكنديّ جاورني في أرضي فاقتطع منها. والقوم يعلمون أنّي لصادق ، لكنّه أكرم عليهم منّي. فأنكر امرؤ القيس ، فأمره أن يحلف. فلمّا قام ليحلف ، أنظره. فنزلت الآية. فقال امرؤ القيس : أمّا ما عندي فينفد. [وهو صادق] لقد اقتطعت أرضه. ولا أدري كم هي. فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها. فنزلت : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً). (٢)

[٩٦] (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦))

(ما عِنْدَكُمْ) من أعراض الدنيا. (ما عِنْدَ اللهِ) من خزائن الأرض. (٣)

(صَبَرُوا) على الطاعات والوفاء بالعهود. (بِأَحْسَنِ) ؛ أي : بالطاعات من الواجبات والمندوبات. فإنّ أفعال المكلّف قد تكون طاعة وقد تكون مباحا لا يقع الجزاء عليه ولا يستحقّ أجر ولا حمد. فلذلك قال سبحانه : (بِأَحْسَنِ). فإنّ الطاعة أحسن من المباح. (٤)(بِأَحْسَنِ) ؛ أي : بجزاء أحسن من أعمالهم. (٥)

[٩٧] (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧))

(حَياةً طَيِّبَةً). قال : القناعة. (٦)

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٦٣٢.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٩٢.

(٣) الكشّاف ٢ / ٦٣٢.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٩٢.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٥٦.

(٦) تفسير القمّيّ ١ / ٣٩٠.

٥١

(طَيِّبَةً). قيل : الرزق الحلال. وقيل : القناعة والرضا بما قسم الله. وقيل : رزق يوم بيوم. وقيل : الجنّة. لأنّه لا تطيب لأحد حياة إلّا فيها. (١)

(ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى). بيّنه بالنوعين دفعا للتحصيص. (حَياةً طَيِّبَةً) في الدنيا ، يعيش عيشا طيّبا. فإنّه إن كان موسرا فظاهر ، وإن كان معسرا يطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة وتوقّع الثواب العظيم في الآخرة. بخلاف الكافر ، فإنّه إن كان معسرا فظاهر ، وإن كان موسرا لم يدع الحرص وخوف الفراق [أن] يتهنّأ بعيشه. وقيل : في الآخرة. (٢)

[٩٨] (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨))

(فَإِذا قَرَأْتَ) ؛ أي : يا محمّد ، إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان المرجوم المطرود الملعون. وتأويله : استعذ بالله من وسوسة الشيطان عند قراءتك لتسلم في التلاوة من الزلل وفي التأويل من الخطل. والاستعاذة عند التلاوة مستحبّة غير واجبة بلا خلاف في الصلاة وخارج الصلاة. (٣)

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ). عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة طويلة قال فيها : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. ثمّ قرأمن القرآن. هكذا في الكافي. (٤) وفي عوالي اللّآلي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (٥) وفي قرب الإسناد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان [الرجيم] وأعوذ بالله أن يحضرون. ثمّ قرأ. (٦) وفي تفسير العيّاشيّ عنه عليه‌السلام : أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم. (٧)

وفي معاني الأخبار عن العسكريّ عليه‌السلام : معنى الرجيم أنّه مرجوم باللّعن ، مطرود من الخير ، لا يذكره مؤمن إلّا لعنه. وإنّ [في] العلم السابق إذا خرج القائم عليه‌السلام لا يبقى مؤمن في

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٩٣.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٥٦.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٩٢.

(٤) الكافي ٨ / ١٧٥ ، ح ١٩٤.

(٥) عوالي اللّآلي ٢ / ٤٧ ، ح ١٢٤.

(٦) قرب الإسناد / ٥٨.

(٧) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٧٠ ، ح ٦٧.

٥٢

زمانه إلّا رجمه بالحجارة ، كما كان قبل ذلك مرجوما باللّعن. (١)

[٩٩] (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩))

(سُلْطانٌ) : تسلّط وقدرة (عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) بأن يكرههم على الكفر والمعاصي. وقيل : معناه : ليس له حجّة على ما يدعوهم إليه من المعاصي. (٢)

(سُلْطانٌ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ليس له سلطان على دينه ، وله سلطان على بدنه. (٣)

(عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا). فإنّهم لا يطيعون وساوسه إلّا على ندرة وغفلة. (٤)

[١٠٠] (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠))

(يَتَوَلَّوْنَهُ) ؛ أي : يطيعونه. (بِهِ مُشْرِكُونَ) ؛ أي : بسببه يشركون بالله. (٥)

[١٠١] (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١))

(وَاللهُ). جملة معترضه. (يُنَزِّلُ). قرأابن كثير وأبو عمرو : «ينزل» بالتخفيف. (٦)

(وَإِذا بَدَّلْنا) ؛ أي : إذا نسخنا آية وأثبتنا مكانها آية أخرى ؛ إمّا نسخ الحكم والتلاوة ، وإمّا نسخ الحكم مع بقاء التلاوة. (يُنَزِّلُ) ؛ أي : الله أعلم بمصالح ما ينزّل فينزّل في كلّ وقت ما توجبه المصلحة. وقد تختلف المصالح باختلاف الأوقات. (أَنْتَ مُفْتَرٍ) ؛ أي : قال المشركون : أنت كاذب على الله. قال ابن عبّاس : كانوا يقولون : يسخر محمّد بأصحابه ؛ يأمرهم اليوم بأمر وغدا بأمر. وإنّه لكاذب ويأتيهم بما يقول من عند نفسه. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أنّه من عند الله. أو : لا يعلمون جواز النسخ ولأيّ سبب ورد. (٧)

__________________

(١) معاني الأخبار / ١٣٩ ، ح ١.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٩٣.

(٣) الكافي ٨ / ٢٨٨ ، ح ٤٣٣.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٥٧.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٩٣.

(٦) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٥٧.

(٧) مجمع البيان ٦ / ٥٩٤ ـ ٥٩٥.

٥٣

[١٠٢] (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢))

(الْقُدُسِ). قرأابن كثير بتخفيف القدس. (١)

(رُوحُ الْقُدُسِ) : جبرئيل عليه‌السلام. أضيف إلى القدس ـ وهو الطهر ـ كما يقال : حاتم الجود. والمقدّس : المطهّر من المآثم. (بِالْحَقِّ). في موضع الحال. أي : أنزله متلبّسا بالحكمة. يعني أنّ النسخ من جملة الحقّ. (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ) ؛ أي : ليبلوهم بالنسخ حتّى إذا قالوا فيه هو الحقّ من ربّنا حكم لهم بثبات القدم وصحّة اليقين على أنّ الله حكيم فلا يفعل إلّا ما هو صواب. (وَهُدىً وَبُشْرى). مفعول لهما معطوفان على محلّ ليثبّت. أي : تثبيتا لهم وإرشادا وبشارة. (٢)

(قُلْ نَزَّلَهُ) ؛ أي : الناسخ. (رُوحُ الْقُدُسِ) : جبرئيل عليه‌السلام. (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) بما فيه من الحجج والآيات فيزدادوا تصديقا ويقينا. (وَهُدىً) ؛ أي : وهو هدى. (وَبُشْرى) ؛ أي : بشارة لهم في الجنّة والثواب. (٣)

[١٠٣] (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣))

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ) ؛ أي : إنّا نعلم أنّ الكفار يقولون إنّ القرآن ليس من عند الله إنّما يعلّم النبيّ بشر. قال ابن عبّاس : قالت قريش إنّما يعلّمه بلعام. وكان بمكّة ، روميّا نصرانيّا. وقيل : سلمان الفارسيّ. قالوا : إنّه تعلّم القصص منه. وقيل : كان غلامان في الجاهليّة نصرانيّان ، اسم أحدهما بشار والآخر بشر ، وكانا صيقلين يقرآن كتابا لهما بلسانهم. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ربما مرّ بهما واستمع لقراءتهما ، فقالوا إنّما يتعلّم منهما. ثمّ ألزمهم الله الحجّة فقال : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ) ؛ أي : لغة الذى يضيفون إليه التعليم ويميلون إليه القول (أَعْجَمِيٌّ) وهو لا يفصح ولا يتكلّم بالعربيّة. فكيف يتعلّم منه ما هو في أعلى طبقات

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٥٧.

(٢) الكشّاف ٢ / ٦٣٤ ـ ٦٣٥.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٩٥.

٥٤

البيان؟ (يُلْحِدُونَ). بفتح الياء أهل الكوفة غير عاصم. والباقون بالضمّ وكسر الحاء. (١)

(مُبِينٌ) ؛ أي : ذوبيان وفصاحة. والجملتان مستأنفتان لإبطال طعنهم. وتقريره يحتمل وجهين. أحدهما : انّ ما يسمعه منه كلام أعجميّ لا يفهمه هو ولا أنتم ، والقرآن عربيّ تفهمونه بأدنى تأمّل. فكيف يكون مما تلقّفه منه؟ وثانيهما : هب أنّه تعلّم منه المعنى باستماع كلامه ، ولكن لم يتلقّف منه اللّفظ لأنّ ذلك أعجميّ وهذا عربيّ. والقرآن كما هو معجز باعتبار المعنى ، فهو معجز من حيث اللّفظ. مع أنّ العلوم الكثيرة التي في القرآن لا يمكن تعلّمها إلّا بملازمة معلّم فائق في تلك العلوم مدّة متطاولة. فكيف تعلّم جميع ذلك من غلام سوقيّ سمع منه بعض أوقات مروره عليه كليمات أعجميّة؟ وطعنهم في القرآن بأمثال هذه الكلمات الركيكة دليل على غاية عجزهم. (٢)

[١٠٤] (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤))

(لا يُؤْمِنُونَ) : لا يصدّقون أنّها من عند الله. (٣)

(لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) : لا يلطف بهم لأنّهم من أهل الخذلان في الدنيا والعذاب في الآخرة. (٤)

(لا يَهْدِيهِمُ) إلى طريق الجنّة. (٥)

[١٠٥] (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٠٥))

(إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ). ردّ لقولهم : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ). يعني إنّما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن ، لأنّه لا يترقّب عقابا عليه. (وَأُولئِكَ). إشارة إلى قريش. (هُمُ الْكاذِبُونَ) ؛ أي : هم الذين لا يؤمنون ، فهم الكاذبون. أو إلى الذين لا يؤمنون. أي : أولئك هم الكاملون في الكذب. لأنّ تكذيب آيات الله تعالى أعظم الكذب. (٦)

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٩٥ و ٥٩٤.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٥٧.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٥٨.

(٤) الكشّاف ٢ / ٦٣٥.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٩٦.

(٦) الكشّاف ٢ / ٦٣٨ ـ ٦٣٩.

٥٥

[١٠٦] (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦))

(مَنْ كَفَرَ). بدل من الذين لا يؤمنون ، على أن يجعل (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) اعتراضا بين البدل والمبدل منه. والمعنى : إنّما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه. واستثنى منه المكره فلم يدخل تحت حكم الافتراء. (بِالْكُفْرِ صَدْراً) ؛ أي : طاب به نفسا واعتقده.

(فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ). ويجوز أن يكون بدلا من المبتدأ الذي هو أولئك ، أو من الخبر. ويجوز أن ينتصب على الذمّ. روي : انّ أناسا من أهل مكّة فتنوا وارتدّوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه. وكان فيهم من أكره فأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان. منهم عمّار وأبواه ياسر وسميّة ، فقتلا ، وأمّا عمّار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها. فقالوا : يا رسول الله ، إنّ عمّارا كفر. فقال : كلّا! إنّ عمّارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه. ولمّا أتى إليه عمّار يبكي فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن عادوا لك ، فعد. (١)

[١٠٧] (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧))

(ذلِكَ). إشارة إلى الوعيد وأنّ العذاب والغضب يلحقانهم بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم. (٢)

[١٠٨] (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٠٨))

(الْغافِلُونَ) : الكاملون في الغفلة لغفلتهم عن العاقبة. (٣)

[١٠٩] (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩))

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٦٣٦.

(٢) الكشّاف ٢ / ٦٣٦.

(٣) الكشّاف ٢ / ٦٣٦.

٥٦

[١١٠] (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠))

(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ). دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك وهم عمّار وأصحابه. أي : إنّه وليّهم وناصرهم من بعد ما فتنوا بالعذاب والإكراه على الكفر. (مِنْ بَعْدِ ما) ؛ أي : من بعد هذه الأفعال وهي الهجرة والجهاد والصبر. (١)

(فُتِنُوا). قرأابن عامر بالفتح. أي : بعد ما عذّبوا المؤمنين. كالحضرميّ أكره مولاه جبرا حتّى ارتدّ ثمّ أسلما وهاجرا. (٢)

(فُتِنُوا) بإظهار التقيّة. (٣)

[١١١] (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١))

(كُلُّ نَفْسٍ) ؛ أي : كلّ إنسان يجادل عن ذاته. (٤)

(يَوْمَ). منصوب برحيم أو بالذكر. (تُجادِلُ) ؛ أي : تخاصم الملائكة عن نفسها وتحتجّ بما ليس فيه حجّة فيقول : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ). (٥) ويقول أتباعهم : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ). (٦)(ما عَمِلَتْ) ؛ أي : جزاء ما عملت. (٧)

[١١٢] (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢))

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً) ـ الآية. قال : نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له البلبان وكانت

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٦٣٧ ـ ٦٣٨.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٥٩.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٩٧ : ومن قرأ : «فتنوا» فيكون على معنى : فتن نفسه بإظهار ما أظهر من التقيّة.

(٤) الكشّاف ٢ / ٦٣٨.

(٥) الأنعام (٦) / ٢٣.

(٦) الأعراف (٧) / ٣٨.

(٧) مجمع البيان ٦ / ٦٠٠.

٥٧

بلادهم خصيبة كثيرة الخير وكانوا يستنجون بالعجين ويقولون هو ألين ، فكفروا بأنعم الله واستخفّوا بنعمة الله. فحبس الله عليهم البلبان فجدبوا حتّى أحوجهم الله إلى ما كانوا يستنجون به حتّى كانوا يتقاسمون عليه. (١)

وفي محاسن البرقيّ (٢) وتفسير العيّاشيّ (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام بهذا المضمون.

(رَغَداً) ؛ أي : واسعا.

(قَرْيَةً). بلبلان ، فغارت ماؤها بسبب كفر النعمة.

(الْخَوْفِ). عن أبي عمرو : (وَالْخَوْفِ) بالنصب. (٤)

[١١٣] (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣))

(وَلَقَدْ جاءَهُمْ) ؛ أي : أهل مكّة. (وَهُمْ ظالِمُونَ) ؛ أي : في حال كونهم ظالمين وعذابهم ما حلّ [بهم] من الخوف والجوع المذكورين وما نالهم يوم بدر وغيره من القتل. ومن قال إنّ المراد بالقرية غير مكّة ، قال : هذه صورة القرية المذكورة. (٥)

[١١٤] (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤))

ثمّ خاطب سبحانه المؤمنين فقال : كلوا ممّا رزقكم الله من الغنائم وأحلّها لكم. (٦)

[١١٥] (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥))

(إِنَّما حَرَّمَ). مرّ تفسيرها في سورة البقرة. (٧)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ / ٣٩١.

(٢) المحاسن / ٨٨ ، ح ٨٨.

(٣) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٧٣ ، ح ٧٨.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٩٩.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٦٠١.

(٦) مجمع البيان ٦ / ٦٠١.

(٧) مجمع البيان ٦ / ٦٠١.

٥٨

(وَما أُهِلَّ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ما ذبح لصنم أو وثن أو شجرة. (١)

وعنه عليه‌السلام : العادي : السارق. والباغي : الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا لا ليعود به على عياله. (٢)

قيل : المراد بالباغي الخارج على الإمام ، والعادي قاطع الطريق ؛ كما يدلّ عليه مرسلة ابن أبي نصر. وقيل : المراد بالباغي الذي يبغي الميتة ؛ أي : يرغب في أكلها ، والعادي الذي يعدو شبعه. ونقل الطبريّ رحمه‌الله أنّه باغي اللّذّة وعادي سدّ الجوع. (م ق ـ ر ه).

الباغي : الخارج على الإمام. والعادي : الصائد للّغو.

[١١٦] (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦))

(وَلا تَقُولُوا) ؛ أي : لا تقولوا لما أحللتموه بأنفسكم ـ مثل الميتة ـ : هذا حلال ، ولما حرّمتموه ـ مثل السائبة ـ : هذا حرام ، لتكذبوا على الله في إضافة التحريم إليه. (٣)

(الْكَذِبَ). ولك أن تنصب الكذب بتصف وتجعل ما مصدريّة وتعلّق (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) بلا تقولوا. أي : لا تقولوا هذا حرام لتصف ألسنتكم الكذب. أي : لا تحلّلوا ولا تحرّموا لأجل قول تنطق به ألسنتكم ويجول في أفواهكم لا لأجل الحجّة ولكن قول ساذج ودعوى فارغة. (٤)

[١١٧] (مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧))

[١١٨] (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨))

(وَعَلَى الَّذِينَ). متّصل بما قبله لبيان أنّ ما كانوا يحرّمونه ويحلّلونه بزعمهم ليس في

__________________

(١) الفقيه ٣ / ٣٤٣.

(٢) الفقيه ٣ / ٣٤٣.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٦٠١ ـ ٦٠٢.

(٤) الكشّاف ٢ / ٦٤١.

٥٩

التوراة ، كما أنّ ذلك ليس في القرآن. (ما قَصَصْنا عَلَيْكَ) في سورة الأنعام من قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ـ الآية. (١)

(وَما ظَلَمْناهُمْ) بتحريم ذلك عليهم. (٢)

[١١٩] (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩))

(بِجَهالَةٍ) ؛ أي : بداعي الجهل. فإنّه يدعو إلى القبيح ، كما أنّ داعي العلم يدعو إلى الحسن. وقيل : بجهالة الشباب. وقيل : بجهالة أنّها سوء. (٣)

(بِجَهالَةٍ). في موضع الحال. أي : عملوا السوء جاهلين غير عارفين بالله وعقابه ، أو غير متدبّرين للعاقبة لغلبة الشهوة عليهم. (مِنْ بَعْدِ) ؛ أي : التوبة. (٤)

[١٢٠] (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠))

(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) ؛ أي : كان وحده أمّة من الأمم لكماله في جميع صفات الخير. وعن مجاهد : كان مؤمنا وحده والناس كلّهم كفّار. أو بمعنى مأموم ، أي : يؤمّه [الناس] ليأخذوا منه الخير. والقانت : المطيع لله ورسوله. والحنيف : المائل إلى ملّة الإسلام. ونفى عنه الشرك تكذيبا لكفّار قريش في زعمهم أنّهم على ملّة أبيهم إبراهيم. (٥)

عن العبد الصالح عليه‌السلام قال : لقد كانت الدنيا وما فيها إلّا واحد يعبد الله. ولو كان معه غيره ، لأضافه إليه ؛ حيث يقول : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ). فصبر بذلك ما شاء الله ، ثمّ آنسه بإسماعيل وإسحاق فصاروا ثلاثة. (٦)

[١٢١] (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١))

__________________

(١) الأنعام (٦) / ١٤٦.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٦٠٢.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٦٠٢.

(٤) الكشّاف ٢ / ٦٤١.

(٥) الكشّاف ٢ / ٦٤١ ـ ٦٤٣.

(٦) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٧٤ ، ح ٨٤.

٦٠