عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٣

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٣

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-28-9
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٦١

طلبه من أهله لأنّه أولى ببذل النصح له. ثمّ بيّن الوزير فقال : (هارُونَ أَخِي) وكان بمصر. (١)

[٣١] (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١))

(اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) ؛ أي : قوّ به ظهري وأعنّي به. (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) : اجمع بيني وبينه في النبوّة ، ليكون أحرص على موازرتي. وسمّي الوزير وزيرا لأنّه يعين الأمير على ما هو بصدده من الأمور ، من الموازرة بمعنى المعاونة ، أو لأنّه يتحمّل الوزر ـ أي : الثقل ـ عن الأمير ، مأخوذ من الوزر. وهارون كان أكبر من موسى بثلاث سنين وأتمّ طولا وأبيض جسما وأفصح لسانا. ومات قبل موسى بثلاث سنين. (٢)

ابن عامر : (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) بقطع الهمزة وفتحها. (وَأَشْرِكْهُ) بضمّها. والباقون : (اشْدُدْ) بهمزة الوصل. (وَأَشْرِكْهُ) بالفتح. الوجه في قراءة ابن عامر أنّه جعله خبرا وسائر القرّاء جعلوه دعاء. وضمّ الهمزة في (أَشْرِكْهُ) ضعيف جدّا. لأنّه ليس إلى موسى إشراك هارون في النبوّة. بل ذلك إلى الله. فالوجه فتح الهمزة على الدعاء. (٣)

وقوله : (أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) فعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا عليّ ، إنّ الله أشهدك معي في مواطن منها ليلة أسرى بي إلى السماء فقال لي جبرئيل : أين أخوك؟ قلت : ودّعته خلفي. فقال : فادع الله فليأتك به. فدعوت الله ، فإذا أنت معي والملائكة صفوف وقوف. (٤)

[٣٣ ـ ٣٥] (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥))

(كَيْ نُسَبِّحَكَ) ؛ أي : ننزّهك عمّا لا يليق. فإنّ التعاون يهيّج الرغبات ويؤدّي إلى كثرة الخير وتزايده. (بَصِيراً) ؛ أي : عالما بأحوالنا وأنّ التعاون ممّا يصلحنا وأنّ هارون نعم المعين لي. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ١٥.

(٢) مجمع البيان ٧ / ١٦.

(٣) مجمع البيان ٧ / ١٢.

(٤) تأويل الآيات ١ / ٣١١ ـ ٣١٢ ، ح ٤

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦.

٢٤١

[٣٦] (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦))

(سُؤْلَكَ) ؛ أي : مسؤولك. (١)

[٣٧] (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧))

(وَلَقَدْ مَنَنَّا) ؛ أي : أنعمنا عليك في وقت آخر. (٢)

[٣٨] (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨))

(أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى) ؛ أي : ألهمناها ما يلهم. (٣)

[(إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ) بإلهام ، أو في منام ، أو على لسان نبيّ في وقتها] أو بتوسّط ملك كريم. (ما يُوحى) ؛ أي : ما لا يعلم إلّا بالوحي ، أو ممّا ينبغي أن يوحى ولا يخلّ به لعظم شأنه. (٤) أو يكون ما مصدريّة. أي : إيحاء. (٥)

[٣٩] (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩))

(أَنِ اقْذِفِيهِ) ؛ أي : بأن اقذفيه. والقذف يقال للإلقاء والوضع. واليمّ النيل. (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ). لمّا كان إلقاء البحر إيّاه إلى الساحل أمر واجب الحصول ، لتعلّق الإرادة به ، جعل البحر كأنّه ذو تمييز أمره بذلك كما أمر أمّ موسى. والمراد به الخبر. أي : حتّى يلقيه البحر بالشطّ. (يَأْخُذْهُ). جواب فليلقه. وتكرير عدوّ للمبالغة ، أو لأنّ الأوّل باعتبار الواقع والثاني باعتبار المتوقّع. لأنّ فرعون كان يقتل غلمان بني إسرائيل ثمّ خشي أن يفنى نسلهم فكان يقتل بعد ذلك في سنة ولا يقتل في سنة أخرى ، فولد موسى في السنة التي كان يقتل الغلمان فيها فنجّاه الله منه. قيل : إنّ أمّه جعلت في التابوت قطنا ووضعته فيه ثمّ قيّرته وألقته

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٦.

(٣) مجمع البيان ٧ / ١٧.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٧.

(٥) مجمع البيان ٧ / ١٧.

٢٤٢

في النيل. وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر ، فرفعه الماء إليه. فأمر ففتح التابوت ، فإذا هو صبيّ. فأحبّه فرعون. (مَحَبَّةً مِنِّي) ؛ أي : جعلتك بحيث يحبّك من يراك ، حتّى أحبّك فرعون فسلمت من شرّه وأحبّتك آسية امرأته فتبنّتك وربّتك في حجرها. وقال قتادة : ملاحة كانت في عين موسى. فما رآه أحد إلّا عشقه. (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) ؛ أي : ولتربّى ويحسن إليك وأنا راعيك وراقبك وأنت بمرأى منّي. وذلك أنّ من صنع لإنسان شيئا وهو ينظر إليه ، صنعه كما يحبّ. وقيل : لتربّى ويطلب لك الرضاع على علم منّي ومعرفة لتصل إلى أمّك. والعطف على علّة مضمرة ـ مثل : لتعطف عليك ـ أو على الجملة السابقة بإضمار فعل معلّل مثل فعلت. وأمّا على قراءة الجزم ، فهو على الأمر والمأمور غائب غير مخاطب ، مثل لتعن بحاجتي. (١)

(لِتُصْنَعَ). أبو جعفر بالجزم. والباقون بكسر اللّام والنصب. (٢)

[٤٠] (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠))

(إِذْ تَمْشِي). ظرف لألقيت. أو : لتصنع على عيني وقت مشي أختك. وقولها : (هَلْ أَدُلُّكُمْ) لأنّ هذا كان من أسباب تربية موسى. لأنّ أمّها أمرتها أن تتّبع التابوت على أثر الماء. فلمّا ألقاه الماء في بركة في بستان فرعون وهو مع امرأته آسية جالسان وفتحوا التابوت فرأوا موسى ، بكى لطلب اللّبن. فأمر فرعون بإحضار النساء اللّواتي كنّ حول داره ، فلم يرضع منهنّ. وكانت أخت موسى واقفة هناك فقالت : إنّي [آتي] لكم بامرأة ترضعه. (يَكْفُلُهُ) ؛ أي : يربّيه ويرضعه. (وَلا تَحْزَنَ) بفراقك وأنت على فراقها وفقد إشفاقها. (وَقَتَلْتَ نَفْساً). هو القبطيّ الكافر الذي استغاثه عليه الإسرائيليّ. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قتله

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ١٨ و ١٧ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٤٧.

(٢) مجمع البيان ٧ / ١٧.

٢٤٣

خطأ. (مِنَ الْغَمِّ) لأن يقتل به فآمنه الله منه بالهجرة إلى مدين. (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) : اختبرناك اختبارا حتّى خلصت للاصطفاء بالرسالة. أو : خلّصناك من محنة بعد محنة من محن فرعون. أو : شددنا عليك التعمّد في أمر المعاش حتّى رعيت لشعيب وهجرت أو طانك. (سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ). لبث فيهم عشر سنين في مدين على ثمان مراحل من مصر. (عَلى قَدَرٍ) ؛ أي : في الوقت الذي قدّر لإرسالك نبيّا. أو معناه : جئت على الوقت الذي يوحى فيه إلى الأنبياء وهو على رأس أربعين سنة. (١)

(مِنَ الْغَمِّ). اغتمّ بسبب القتل خوفا من عقاب الله ومن اقتصاص فرعون ، فغفر الله له باستغفاره حين قال : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي)(٢) ونجّاه من فرعون بالمهاجرة إلى مدين. (٣)

[٤١] (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١))

(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) ؛ أي : لوحيي ورسالتي حتّى صرت في التبليغ عنّي بمنزلي لو كنت أنا خاطبتهم واحتججت عليهم. (٤)

[٤٢] (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢))

(بِآياتِي) ؛ أي : بمعجزاتي. وقيل : بالآيات التسع. (وَلا تَنِيا) ؛ أي : لا تضعفا في رسالتي ولا تفترا في أمري خوفا من فرعون. (٥)

[٤٣] (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣))

[٤٤] (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤))

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ١٨ ـ ١٩ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٤٧.

(٢) القصص (٢٨) / ١٦.

(٣) الكشّاف ٣ / ٦٤.

(٤) مجمع البيان ٧ / ١٩.

(٥) مجمع البيان ٧ / ١٩ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٤٨.

٢٤٤

(قَوْلاً لَيِّناً). نحو قوله : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى). (١) لأنّ ظاهره الاستفهام والمشورة وعرض ما فيه الفوز العظيم. وقيل : وعداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا ينزع إلّا بالموت وأن تبقى له لذّة المطعم والمنكح إلى حين موته فإذا مات دخل الجنّة. فأعجبه ذلك. وكان لا ينقطع أمرا دون هامان. فلمّا حضر أخبره فرعون أنّه يريد أن يقبل منه فقال هامان : قد كنت أرى أنّ لك عقلا بيّنا! أنت ربّ [و] تريد أن تكون مربوبا! فقلبه عن [رأيه]. وقيل : لا تجبهاه بما يكره لما له من حقّ تربية موسى ولما ثبت له من حقّ مثل حقّ الأبوّة. وقيل : كنّياه. وهو من ذوي الكنى الثلاث : أبو العبّاس وأبو الوليد وأبو مرّة. (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ). الترجّي لهما. أي : اذهبا على رجائكما وطمعكما ، وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه فهو يجتهد بأقصى وسعه. وفائدة إرسالهما إليه مع العلم بأنّه لا يؤمن إلزام الحجّة. (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ). (٢) أي : يتذكّر ويتأمّل فيذعن للحقّ. (أَوْ يَخْشى) أن يكون الأمر كما تصفان. (٣)

قد ذهب بعض المعتزلة إلى أنّه تعالى لم يعلم أنّ فرعون يتذكّر أو يخشى. وقد أخطؤوا في تأويلهم. ولكن قوله ذلك ليكون أحرص لموسى وأخيه على الذهاب. (٤)

يحتمل أن يكون إنّما أمره بالقول اللّيّن لأنّه كان في موسى حدّة بحيث إذا غضب اشتعلت قلنسوته نارا فعالج حدّته باللّين ليكون حليما. وروي عن كعب أنّه قال : والذي يحلف به كعب ، إنّه مكتوب في التوراة : فقولا له قولا ليّنا وسأقسي قلبه فلا يؤمن. (٥)

عن سفيان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يجوز أن يطمع الله عباده في كون ما لا يكون؟ قال : لا. فقلت : فكيف قال الله لموسى وهارون : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) وقد علم أنّ فرعون لا يتذكّر ولا يخشى؟ فقال : إنّ فرعون تذكّر وخشي ولكن عند رؤية البأس حيث لم ينفعه

__________________

(١) النازعات (٧٩) / ١٨ ـ ١٩.

(٢) طه (٢٠) / ١٣٤.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٢٠ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٤٨ ، والكشّاف ٣ / ٦٥ ـ ٦٦.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٦٠.

(٥) تفسير النيسابوريّ ١٦ / ١١٠.

٢٤٥

الإيمان. ألا تسمع يقول الله : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ)(١) فلم يقبل الله إيمانه. (٢)

[٤٥] (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥))

(يَفْرُطَ عَلَيْنا) ؛ أي : يعجل علينا بالعقوبة من جبروته واستكباره. (أَوْ أَنْ يَطْغى) بالتخطّي إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لقسوة قلبه. (٣)

[٤٦] (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦))

(إِنَّنِي مَعَكُما) بالنصرة والحفظ. (أَسْمَعُ) ما يسألكم فألهمكم جوابه. (وَأَرى) ما يقصد كما به فأدفعه عنكما. (٤)

[٤٧ ـ ٤٨] (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨))

ثم فسّر سبحانه ما أجمله فقال : (فَأْتِياهُ). (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) ؛ أي : أطلقهم. (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) بالتكاليف الصعبة وقتل الولدان. فإنّهم كانوا في أيدي القبطة يستخدمونهم ويقتلون أولادهم في عام دون عام. وتعقيب الإتيان بذلك دليل على أنّ تخليص المؤمنين من الكفرة أهمّ من دعوتهم إلى الإيمان. ويجوز أن يكون للتدريج في الدعوة. (بِآيَةٍ) ؛ أي : بدلالة واضحة ومعجزة من ربّك تشهد لنا بالنبوّة. (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ). قال الزّجاج : لم يرد هنا بالسلام التحيّة. وإنّما معناه أنّ من اتّبع الهدى ، سلم من عذاب الله. ويدلّ عليه قوله بعده : (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) ؛ أي : إنّما يعذّب الله من

__________________

(١) يونس (١٠) / ٩٠.

(٢) معاني الأخبار / ٣٨٥.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٨ ، والكشّاف ٣ / ٦٦.

(٤) مجمع البيان ٧ / ٢٢.

٢٤٦

كذّب بما جئنا به ومن اتّبعه سلم من العذاب. (١)

[٤٩] (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩))

(قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) وهارون. وإنّما خاطب الاثنين وخصّ موسى [بالنداء] لأنّه الأصل وهارون وزيره وتابعه أو لأنّه عرف أنّ له رتّة ولأخيه فصاحة فأراد أن يفحمه. كما قال : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ). (٢) وأراد : أي جنّس من الأجناس ربّكما حتّى أفهم. فبيّن موسى أنّ الله ليس له جنس وإنّما يعرف سبحانه بأفعاله. (٣)

[٥٠] (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠))

(كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) ؛ أي : صورته وشكله الذي يطابق كماله الممكن له. أو : أعطى خليقته كلّ شيء يحتاجون إليه. فقدّم المفعول الثاني لأنّه المقصود بيانه. وقيل : أعطى كلّ حيوان نظيره في الخلق والصورة [زوجا]. (ثُمَّ هَدى) ؛ أي : عرّفه [كيف يرتفق بما أعطي و] كيف يتوصّل به إلى بقائه وكماله اختيارا أو طبعا. (٤)

[٥١] (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١))

(فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) ؛ أي : ما حال الأمم الماضية مثل قوم نوح وعاد وثمود؟ فإنّها عبدة الأوثان. (٥)

[٥٢] (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢))

(عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) ؛ أي : أعمالهم محفوظة عنده يجازيهم بها مكتوبة في اللّوح المحفوظ. وقيل : المراد [بالكتاب] ما تكتبه الملائكة. وقيل : إنّ فرعون إنّما قال : (فَما بالُ الْقُرُونِ) حين

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٢٢ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٤٨.

(٢) الزخرف (٤٣) / ٥٢.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٢٢ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٤٩.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٩.

(٥) مجمع البيان ٧ / ٢٣.

٢٤٧

دعاه موسى إلى الإقرار بالبعث. أي : فما بالهم لم يبعثوا؟ (لا يَضِلُّ رَبِّي) ؛ أي : لا يذهب عليه شيء ولا ينسى ما كان من أمرهم بل يجازيهم بأعمالهم. ويجوز أن يكون سؤاله دخلا على إحاطة قدرة الله بالأشياء كلّها وتخصيصه أبعاضها بالصور والخواصّ المختلفة بأنّ ذلك يستدعي علمه بتفاصيل الأشياء وجزئيّاتها والقرون الخالية مع كثرتهم وتمادي مدّتهم كيف أحاط علمه بهم وأحوالهم. فيكون معنى الجواب أنّ علمه محيط بذلك كلّه وأنّه مثبت عنده لا يضلّ ولا ينسى. (١)

[٥٣] (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣))

(الَّذِي جَعَلَ). صفة ربّي. (مَهْداً) ؛ أي : فرشا. «ومهادا» (٢) ؛ أي : فراشا. (وَسَلَكَ لَكُمْ) ؛ أي : سهّل لكم في الأرض طرقا تسلكونها. (أَزْواجاً) ؛ أي : أصنافا. سمّيت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض. (مِنْ نَباتٍ شَتَّى) ؛ أي : متفرّقات في الصور والأغراض والمنافع. (٣)

[٥٤] (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤))

(كُلُوا). حال من ضمير فأخرجنا على إرادة القول. أي : أخرجنا أصناف النبات قائلين : كلوا وارعوا. والمعنى : معدّيهما لانتفاعكم بالأكل والعلف آذنين فيه. (٤)

(إِنَّ فِي ذلِكَ) ؛ أي : فيما ذكر لدلالات لأولي العقول الذين ينتهون عمّا حرّم الله عليهم. إنّما قيل لأولي العقول [أولو النهى] لأنّهم ينهون الناس عن القبائح. وقيل : لأنّه ينتهى إلى آرائهم. (٥)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : نحن ـ والله ـ أولو النهى. وهو ما أخبر الله ورسوله ممّا يكون بعده

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٢٣ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٤٩.

(٢) قرأأهل الكوفة و... : «مَهْداً» والباقون : «مِهاداً». (مجمع البيان ٧ / ٢١)

(٣) مجمع البيان ٧ / ٢٣ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٤٩.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٠.

(٥) مجمع البيان ٧ / ٢٣ و ٢١.

٢٤٨

من ادّعاء الأوّل الخلافة والقيام بها والآخر بعده والثالث بعدهما وبني أميّة. فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا بذلك وكان ما أخبر الله رسوله وقد انتهى إلينا عن عليّ عليه‌السلام. فنحن أولو النهى [انتهى] إلينا علم ذلك كلّه ـ الحديث. (١)

[٥٥] (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥))

(مِنْها) ؛ أي : من الأرض (خَلَقْناكُمْ). لأنّ آدم مخلوق من الأرض. أو لأنّ بني آدم خلقوا من النطفة ودم الطمث المتولّدين من الأغذية المنتهية إلى العناصر الغالبة عليها الأرضيّة. أو لما ورد في الخبر أنّ الملك يأخذ من تربة المكان الذي يدفن فيه من الأرض فيذرّها على النطفة. (وَفِيها نُعِيدُكُمْ) بالموت. لأنّ الجسد يصير ترابا فيختلط بالأرض إلّا من رفعه الله إلى السماء. (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ) بالحشر والبعث بأن نخرجكم ترابا وطينا ثمّ نحييكم بعد الإخراج. (٢)

[٥٦] (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦))

(أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها) ؛ أي : بصّرناه إيّاها. أو : عرّفناه صحّتها. وأراد بالآيات كلّها التسع المختصّة بموسى. أو إنّه عليه‌السلام أراه آياته وعدّ عليه ما أوتي غيره من المعجزات. (٣)

[٥٧] (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧))

(مِنْ أَرْضِنا) ؛ أي : أرض مصر. هذا تعلّل وتحيّر ودليل على أنّه علم كونه محقّا حتّى خاف منه على ملكه. فإنّ ساحرا لا يقدر أن يخرج ملكا مثله من أرضه. (٤)

[٥٨] (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨))

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٦١.

(٢) تفسير النيسابوريّ ١٦ / ١١٥.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٠.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٠.

٢٤٩

(فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ) ؛ أي : اضرب بيننا وبينك موعدا مكانا يعدّ لحضورنا لا يقع بيننا في حضوره خلاف. ثمّ وصف المكان بأنّه تستوي مسافته على الفريقين. و (مَكاناً) بدل من موعد. ويكون طباق الجواب في قوله : (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) من حيث المعنى. فإنّ يوم الزينة يدلّ على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم. ويكون يوم عيد لهم فسمّي يوم الزينة لأنّ الناس يتزيّنون فيه ويزيّنون فيه الأسواق. (١)

(مَكاناً سُوىً). قال ابن زيد : أي : مستويا لا يحجب شيئا بارتفاعه وانخفاضه ليسهل على كلّ الحاضرين ما يجري بين الفريقين. (٢)

(لا نُخْلِفُهُ). أبو بكر بالجزم. وأهل الحجاز وأبو عمرو : (سُوىً) بكسر السين. (٣)

[٥٩] (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩))

(وَأَنْ يُحْشَرَ). عطف على اليوم أو الزينة. يعني ضحى ذلك اليوم. وإنّما عيّن موسى ذلك اليوم ليظهر الحقّ وليزهق الباطل على رؤوس الأشهاد ويشيع ذلك في الأقطار. (٤)

(يَوْمُ الزِّينَةِ). قال القاضي : الأظهر عندي أنّ قوله : (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) من قول فرعون لأنّه الطالب للاجتماع. وقال الرازيّ : إنّه من كلام موسى ليكون الكلام مبنيّا على السؤال والجواب ولأنّ تعيين يوم الزينة إنّما يليق بالواثق بالغلبة لا بالمبطل المزوّر. على أنّ موعدكم خطاب الجمع وليس هناك إلّا موسى وهارون. ويوم الزينة ، قيل : يوم النوروز ، وقيل : يوم عاشوراء ، وقيل : يوم عيد لهم. (٥)

(يَوْمُ الزِّينَةِ). بالنصب [هبيرة] عن حفص. والباقون بالرفع. (٦)

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٢٩ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٥٠.

(٢) تفسير النيسابوريّ ١٦ / ١١٧.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٢٤.

(٤) مجمع البيان ٧ / ٢٩ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٥٠.

(٥) تفسير النيسابوريّ ١٦ / ١١٧.

(٦) مجمع البيان ٧ / ٢٤.

٢٥٠

[٦٠ ـ ٦١] (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١))

(فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ) ؛ أي : انصرف وفارق موسى على هذا الوعيد. (كَيْدَهُ) ؛ أي : حيلته ومكره. فوعظهم فقال : (وَيْلَكُمْ) ؛ أي : ألزمكم الله الويل والعذاب. (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ) بأن تنسبوا معجزتي إلى السحر وسحركم أنّه حقّ ، أو أن تنسبوا فرعون إلى أنّه إله معبود.

(فَيُسْحِتَكُمْ) ؛ أي : يستأصلكم بعذاب. (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى). كما خاب فرعون. فإنّه احتال ليبقى الملك عليه فلم ينفعه. (١)

(فَيُسْحِتَكُمْ). أهل الكوفة غير أبي بكر بضمّ الياء. والباقون بفتح الياء والحاء. (٢)

[٦٢] (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢))

(فَتَنازَعُوا) ؛ أي : تنازعت السحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه فقال بعضهم : هذا ليس بكلام ساحر. وقيل : تشاورت السحرة فيما يهيّئوه من الحبال والعصيّ وفيمن يبتدئ بالإلقاء. (وَأَسَرُّوا النَّجْوى). يعني أنّ السحرة أخفوا كلامهم وتناجوا فيما بينهم سرّا من فرعون فقالوا : إن غلبنا موسى ، اتّبعناه. (٣)

[٦٣] (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣))

(إِنْ هذانِ). أبو عمرو : إن هذين وهو ظاهر. وابن كثير وحفص : (إِنْ هذانِ) بتشديد إنّ وهذان اسم إنّ على لغة بلحارث بن كعب. فإنّهم جعلوا الألف للتثنية وأعربوا المثنّى تقديرا. وقيل : اسمها ضمير الشأن المحذوف. و (هذانِ لَساحِرانِ) خبرها. وقيل : إنّ بمعنى نعم وما بعدها مبتدأ وخبر. وفيهما أنّ اللّام لا يدخل خبر المبتدأ. وقيل : أصله : إنّه

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٣٠ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٥١.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٢٤.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٣٠ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٥١.

٢٥١

هذان لهما ساحران ، فحذف الضمير. وفيه أنّ المؤكّد باللّام لا يليق به الحذف. (١)

(أَنْ يُخْرِجاكُمْ) بالاستيلاء على أرضكم ويذهبا بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب بإظهار مذهبه وإعلاء دينه. لقوله : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ). (٢) وقيل : أرادوا أهل طريقتكم ، وهم بنو إسرائيل ، فإنّهم كانوا أرباب علم فيها بينهم. لقول موسى : (أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ)(٣). (٤)

[٦٤] (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤))

(فَأَجْمِعُوا). أبو عمرو بقطع الهمزة وفتح الميم. (٥) ويؤيّده قوله : (فَجَمَعَ كَيْدَهُ). (٦)

(فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) ؛ أي : اجعلوه مجمعا عليه لا يتخلّف عنه واحد منكم. (صَفًّا) : مصطفّين. لأنّه أهيب في صدور الرائين. قيل : كانوا سبعين ألفا مع كلّ واحد منهم حبل وعصا وأقبلوا عليه إقبالة واحدة. (٧)

[٦٥ ـ ٦٦] (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦))

(قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) ، مراعاة للأدب. (قالَ بَلْ أَلْقُوا) ، مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بهم. (٨)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : كان موعدهم يوم عيد لهم. فلمّا ارتفع النهار ، جمع فرعون الخلق والسحرة. وكانت له قبّة طولها في السماء ثمانون ذراعا وقد كانت كسيت بالفولاذ المصقول وإذا وقعت الشمس عليها ، لم يقدر أحد أن ينظر إليها من لمع الحديد ووهج الشمس. وجاء فرعون وهامان وقعدا عليه ينظران. وأقبل موسى ينظر إلى السماء. فقالت السحرة

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥١.

(٢) غافر (٤٠) / ٢٦.

(٣) الشعراء (٢٦) / ١٧.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥١.

(٥) مجمع البيان ٧ / ٢٥.

(٦) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥١.

(٧) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥١.

(٨) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥١.

٢٥٢

لفرعون : إنّا نرى رجلا ينظر إلى السماء ولم يبلغ سحرنا السماء. وضمنت السحرة من في الأرض. فلمّا ألقوا حبالهم وعصيّهم ، أقبلت تضطرب مثل الحيّات. فألقى موسى العصا فذابت في الأرض مثل الرصاص ، ثمّ طلع رأسها وفتحت فاها فوضعت شدقها العليا على رأس قبّة فرعون. ثمّ دارت والتقمت عصيّ السحرة وحبالهم. وانهزم الناس حين رأوا هولها. فقتل في الهزيمة من الازدحام عشرة آلاف رجل وامرأة وصبّي. ودارت على قبّة فرعون. قال : فأحدث [فرعون] وهامان في ثيابهما وشاب رأسهما من الفزع. ومرّ موسى في الهزيمة مع الناس فناداه الله : (لا تَخَفْ). فرجع موسى ولفّ على يديه عباءة كانت عليه ، ثمّ أدخل يده في فمه ، فإذا هي عصا كما كانت. (١)

(فَإِذا حِبالُهُمْ) ؛ أي : فألقوا فإذا حبالهم وعصيّهم. وذلك أنّهم لطخوها بالزئبق ، فلمّا ضربت عليها الشمس ، اضطربت فخيّل إليه أنّها تتحرّك ، والضمير في إليه راجع إلى موسى ، وقيل إلى فرعون. (٢)

(يُخَيَّلُ). ابن عامر : «تخيل» بالتاء ، على إسناده إلى ضمير الحبال والعصيّ وإبدال (أَنَّها تَسْعى) منه بدل الاشتمال. (٣)

[٦٧] (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧))

(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ) : فأضمر فيها خوفا من مفاجأته على ما هو مقتضى الجبلّة البشريّة ، أو من أن يختلج الناس شكّ فلا يتّبعوه. (٤)

لم يوجس موسى خيفة على نفسه. [بل] أشفق من غلبة الجهّال ودول الضلّال. (٥)

[٦٨] (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨))

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ١٢٠ ـ ١٢١.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥١ ـ ٥٢ ، ومجمع البيان ٧ / ٣١.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٢.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٢.

(٥) نهج البلاغة / ٥١ ، الخطبة ٤.

٢٥٣

(أَنْتَ الْأَعْلى) بالظفر والغلبة. (١)

[٦٩] (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩))

(ما فِي يَمِينِكَ). يعني العصا. (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) ؛ أي : تبتلع ما صنعوا من الحبال والعصيّ. ولمّا ألقى عصاه صارت حيّة وطافت حول الصفوف حتّى رآها الناس كلّهم ثمّ قصدت الحبال فابتلعتها كلّها. ثمّ أخذها موسى فعادت عصا كما كانت. (كَيْدُ ساحِرٍ) ؛ أي : مكره وحيلته. (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ) ؛ أي : لا يظفر بمطلوبه إذ لا حقيقة للسحر. (حَيْثُ أَتى) ؛ أي : حيث كان من الأرض. (٢)

(تَلْقَفْ). ابن عامر بالرفع على الحال أو الاستئناف. وحفص بالجزم والتخفيف ، على أنّه من لقفته بمعنى تلقّفته. والآخرون مشدّدة مجزومة أصله تتلقّف فحذفت إحدى التاءين. وتاء التأنيث يحتمل التأنيث والخطاب على إسناد الفعل إلى المسبّب. (كَيْدُ ساحِرٍ). حمزة والكسائيّ : «سحر» بمعني ذي سحر ، أو بتسمية الساحر سحرا على المبالغة ، أو بإضافة الكيد إلى السحر للبيان. وإنّما وحّد الساحر لأنّ المراد به الجنس المطلق. (٣)

(وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ). لم يقل عصاك ، تصغيرا لشأن العصا وتهوينا لأمر السحرة. أي : ألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك. فإنّه بقدرة الله يبتلع (ما صَنَعُوا) ؛ أي : زوّروا وافتعلوا ، على وحدته وكثرتها وصغره وعظمها. أو هو تعظيم لشأنها. أي : لا تحتفل لهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة. فإنّ في يمينك شيئا أعظم شأنا من كلّها. (٤)

[٧٠] (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠))

(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ). لمّا تلقّفت ما صنعوا ، تحقّق عند السحرة أنّه ليس بسحر وأنّه من

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٣٤.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٣٤.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٢.

(٤) الكشّاف ٣ / ٧٤.

٢٥٤

آيات الله. فألقاهم ذلك على وجوههم سجّدا لله توبة عمّا صنعوا وتعظيما لما رأوا. (بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى). قدّم هارون لكبر سنّه ، أو لرويّ الآية ، أو لأنّ فرعون ربّ موسى في صغره فلو اكتفى على موسى أو قدّم ذكره فربما توهّم أنّ المراد فرعون وذكر هارون على الاستتباع. روي أنّهم رأوا في سجودهم الجنّة ومنازلهم فيها. (١)

[٧١] (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١))

(آمَنْتُمْ لَهُ) ؛ أي : لموسى. واللّام لتضمين الفعل معنى الاتّباع. (أَنْ آذَنَ لَكُمْ). أي في الإيمان له. (لَكَبِيرُكُمُ) ؛ أي : لعظيمكم في فنّكم وأعلاكم به. أو : لأستادكم وقد تواطأتم على ما فعلتم. (مِنْ خِلافٍ) : اليد اليمنى والرجل اليسرى. وهو في محلّ النصب على الحال. أي : لأقطّعنّها مختلفات. (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ). شبّه تمكّن المصلوب بالجذع بتمكّن المظروف بالظرف. وهو أوّل من صلب. (أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً) ؛ إنّا على إيمانكم أم ربّ موسى على ترككم الإيمان؟ (٢)

[٧٢] (قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢))

(لَنْ نُؤْثِرَكَ) : لن نختارك على ما أتانا من الأدلّة الدالّة على صدق موسى. (وَالَّذِي فَطَرَنا). عطف على ما جاءنا. أو قسم. (ما أَنْتَ قاضٍ) : ما أنت قاضيه ؛ أي : صانعه ، أو حاكم به. (إِنَّما تَقْضِي) ؛ أي : إنّما تصنع بسلطانك أو تحكم في هذه الحياة الدنيا دون الآخرة. (٣)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٢.

(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٢ ، ومجمع البيان ٧ / ٣٤.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٣٤ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٥٣.

٢٥٥

[٧٣ ـ ٧٤] (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤))

(خَطايانا) من الكفر والمعاصي. (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ). لأنّ الملوك كانوا يجبرونهم على تعليم السحر كيلا يخرج السحر من أيديهم. وقيل : إنّ السحرة قالوا لفرعون : أرنا موسى. فأراهم إيّاه وهو نائم وعصاه تحرسه. فقالوا : ليس هذا بسحر. إنّ الساحر إذا نام بطل سحره. فأبى عليهم إلّا أن يعملوا. فذلك إكراههم. (خَيْرٌ وَأَبْقى) ؛ أي : خير لنا منك ، وثوابه أبقى لنا من ثوابك. وهذا جواب لقوله : (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى). وهاهنا انتهى الإخبار عن السحرة. ثمّ قال الله : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ). ويحتمل أن يكون الآيات الثلاث من كلام السحرة. (مُجْرِماً) ؛ أي : كافرا. (لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح من العذاب. (وَلا يَحْيى) حياة فيها راحة. (١)

[٧٥] (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥))

(عَمِلَ الصَّالِحاتِ) ؛ أي : أدّى الفرائض. (الدَّرَجاتُ الْعُلى) : المنازل الرفيعة. (٢)

[٧٦] (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦))

(جَنَّاتُ عَدْنٍ). بدل من الدرجات. (تَزَكَّى) ؛ أي : تطهّر من أدناس الكفر والمعاصي. (٣)

[٧٧] (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧))

(أَوْحَيْنا إِلى مُوسى) بعد ما رأى فرعون من الآيات. (أَسْرِ بِعِبادِي) ؛ أي : سر بهم ليلا من أرض مصر. (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً) ؛ أي : اجعل لهم طريقا في البحر يابسا بضربك العصا

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٣٥ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٥٣.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٣٥ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٥٣.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٣.

٢٥٦

لينفلق البحر. (لا تَخافُ دَرَكاً). حال من المأمور. أي : آمنا من أن يدرككم فرعون. (وَلا تَخْشى) من البحر غرقا. (١)

(لا تَخافُ). قرأحمزة : «لا تخف» على أنّه جواب الأمر. فيكون قوله : (وَلا تَخْشى) مرفوعا على الاستثناف. أي : وأنت لا تخشى. أو يكون معطوفا على ما قبله والألف للإطلاق كقوله : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا)(٢). (٣)

[٧٨] (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨))

(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) ؛ أي : أتبعهم فرعون نفسه مع جنوده. فحذف المفعول الثاني.

(فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ) ؛ أي : غطّاهم من اليمّ ما غطّاهم. وفيه مبالغة ووجازة. أي : غشيهم ما سمعت قصّته ولا يعرف كنهه إلّا الله. (٤)

[٧٩] (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩))

(وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) ؛ أي : أضلّهم في الدارين (٥). وهو تكذيب لفرعون في قوله لقومه : (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ). (٦) أو : أضلّهم في البحر وما نجّاهم. (٧)

[٨٠] (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠))

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ). خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك فرعون على إضمار قلنا ، أو للّذين منهم في عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بما فعل بآبائهم. (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ). وهو أنّ الله وعد موسى بعد أن أغرق فرعون ليأتي جانب الطور الأيمن فيؤتيه التوراة فيها الشرائع و

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٣٨.

(٢) الأحزاب (٣٣) / ١٠.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٣ ـ ٥٤.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٤.

(٥) المصدر : في الدين.

(٦) غافر (٤٠) / ٢٩.

(٧) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٤.

٢٥٧

الأحكام. (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ). يعني في التيه. (١)

أهل الكوفة غير عاصم : أنجيتكم وواعدتكم ورزقتكم» (٢)

وقرئ : (الْأَيْمَنَ) بالجرّ على الجوار ؛ مثله : جحر ضبّ خرب. (٣)

(جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) ؛ أي : الواقع على يمين من انطلق من مصر إلى الشام. ومنفعة المواعدة عائدة إليهم وان كان لنبيّهم. (٤)

[٨١] (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١))

(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) ؛ أي : لذائذه. صورته صورة الأمر والمراد به الإباحة. (٥)

(لا تَطْغَوْا فِيهِ) ؛ أي : لا تعتدوا فيه فتأكلوا على الوجه المحرّم عليكم. وقيل : معناه : لا تتناولوا من الحلال للاستعانة على المعصية. (فَيَحِلَّ) ؛ أي : فيجب. ومن ضمّ الحاء فالمعنى : فينزل عليكم. أو المعنى : فلا تطغوا فيما رزقناكم بالإخلال بشكره والتعدّي فيما أحلّ الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحقّ. (٦)

قرأالكسائيّ : «يحل» و «يحلل» بالضمّ ، من حلّ يحلّ ، إذا نزل. (٧)

(غَضَبِي) : عقوبتي. (فَقَدْ هَوى) ؛ أي : هلك. لأنّ من هوى من علوّ إلى أسفل فقد هلك. أو : هوى إلى النار. أو : صار إلى الهاوية. (٨)

[٨٢] (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢))

(لِمَنْ تابَ). أي عن الشرك. (وَعَمِلَ صالِحاً) ؛ أي : أدّى الفرائض. (ثُمَّ اهْتَدى) ؛ أي : استمرّ على الإيمان ، أو لم يسلك سبيل البدعة. وقال أبو جعفر بن عليّ بن الحسين عليهم‌السلام : ثمّ

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٤ ، ومجمع البيان ٧ / ٣٨.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٣٦.

(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٤.

(٤) تفسير النيسابوريّ ١٦ / ١٢٥.

(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٤ ، ومجمع البيان ٧ / ٣٨.

(٦) مجمع البيان ٧ / ٣٨ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٥٤.

(٧) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٤.

(٨) مجمع البيان ٧ / ٣٨.

٢٥٨

اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت عليهم‌السلام. فو الله لو أنّ رجلا عبد الله عمره ما بين الركن والمقام ثمّ مات ولم يجئ بولايتنا ، كبّه الله في النار على وجهه. (١)

[٨٣] (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣))

(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ). كانت المواعدة أن يوافي الميعاد هو وقومه أو مع جماعة من وجوه قومه. وهو متّصل بقوله : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ). فعجل موسى من بينهم شوقا وخلّفهم ليلحقوا به. فقيل : بأيّ سبب خلّفت قومك وسبقتهم وجئت وحدك. (٢)

(عَنْ قَوْمِكَ). روي أنّ موسى قد مضى مع النقباء السبعين إلى الطور على الموعد المضروب ثمّ تقدّمهم شوقا إلى كلام ربّه ، فاستنكر تقدّمه. وليس المراد جميع قومه ؛ لقوله : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي). (٣)

[٨٤] (قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤))

(قالَ) موسى في الجواب : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) ؛ أي : من ورائي يدركونني عن قريب وليس بيني وبينهم إلّا مسافة قريبة يتقدّم بها الرفقة بعضهم بعضا. وقيل : معناه : هم على ديني ومنهاجي. وقيل : إنّه قال : هم ينتظرون بعدي ما الذي آتيهم به وليس يريد أنّهم يتّبعونه. (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ) ؛ أي : سبقتهم إليك حرصا على تحصيل رضاك. (٤)

[٨٥] (قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥))

(فَتَنَّا قَوْمَكَ) : ابتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم. وهم الذين خلّفهم مع هارون وكانوا ستّمائة ألف ما نجا من عبادة العجل إلّا اثنا عشر ألفا. وقيل : معنى (فَتَنَّا قَوْمَكَ) : عاملناهم معاملة المختبر ليظهر لغيرنا المخلص منهم من المنافق فيوالي المخلص و

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٣٩.

(٣) تفسير النيسابوريّ ١٦ / ١٢٦.

(٤) مجمع البيان ٧ / ٣٩ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٥٤.

٢٥٩

يعادي المنافق. (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) ؛ أي : دعاهم إلى الضلال فقبلوا منه وضلّوا عند دعائه. فأضاف الضلال إلى السامريّ والفتنة إلى نفسه ، ليدلّ سبحانه على أنّ الفتنة غير الإضلال. والسامريّ منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة. وقيل : كان علجا من كرمان. وقيل : من أهل موصل. واسمه موسى بن ظفر. وكان منافقا. (١)

(فَتَنَّا). الفتنة هنا بمعنى الامتحان بتشديد التكليف. وذلك أنّ السامريّ لمّا أخرج لهم ذلك العجل ، صاروا مكلّفين بأن يستدلّوا بحدوث جملة الأجسام على أنّ العجل لا يصلح للإلهيّة. (٢)

[المراد بقوله :](فَتَنَّا قَوْمَكَ) هو خلق العجل للامتحان. أي : امتحنّاهم بخلق العجل. وحملهم السامريّ على الضلال وأوقعهم فيه حيث قال لهم : (هذا إِلهُكُمْ). (٣)

[٨٦] (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦))

(فَرَجَعَ مُوسى) ؛ أي : رجع من الميقات إلى بني إسرائيل بعد ما أخذ التوراة واستوفى الأربعين (غَضْبانَ) عليهم (أَسِفاً) : حزينا على ما فعلوا. (أَلَمْ يَعِدْكُمْ). أي بأن يعطيكم التوراة فيها هدى ونور. (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) ؛ أي : مدّة مفارقتي إيّاكم. (غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) بعبادة العجل. (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) : وعدكم إيّاي بالثبات على الإيمان بالله والقيام على ما أمرتكم به. وقيل : إخلافهم موعده أنّه أمرهم أن يتمسّكوا بطريقة هارون وطاعته إلى أن يرجع. (٤)

(أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ). لأنّ مريد السبب ـ أعني خلف الموعد ـ مريد للمسبّب

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٤ ـ ٥٥ ، ومجمع البيان ٧ / ٣٩.

(٢) تفسير النيسابوريّ ١٦ / ١٢٦.

(٣) الكشّاف ٣ / ٨٣.

(٤) مجمع البيان ٧ / ٣٩ ـ ٤٠ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٥٥.

٢٦٠