عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-27-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٣

لوط. (لَمُنَجُّوهُمْ). قرأ أهل الكوفة غير عاصم بالتخفيف. (١)

(إِلَّا آلَ لُوطٍ). استثناء من (قَوْمٍ) ، فيكون منقطعا. لأنّ القوم موصوفون بالإجرام واختلف لذلك الجنسان. ويجوز أن يكون استثناء من الضمير في (مُجْرِمِينَ) فيكون متّصلا. كأنّه قيل : إلى قوم قد أجرموا كلّهم إلّا آل لوط وحدهم. كما قال : (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٢). (٣)

(آلَ لُوطٍ). عن أبي جعفر عليه‌السلام : انّه كان لإبراهيم ولوط رقّة على قوم لوط ، فأخّر الله عذابهم مرّة لأجلهما. فلمّا اشتدّ أسف الله على قوم لوط وقدّر عذابهم وقضاه ، أحبّ أن يعوّض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط ، فبعث الله رسلا إلى إبراهيم. (٤)

[٦٠] (إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ)

(إِلَّا امْرَأَتَهُ). لأنّها كانت كافرة. (لَمِنَ الْغابِرِينَ) ؛ أي : الباقين في المدينة للإهلاك.

(قَدَّرْنا). قرأ أبو بكر بالتخفيف عن عاصم. (٥)

(قَدَّرْنا إِنَّها). قالته الملائكة مع أنّ المقدّر هو الله ، لأنّهم أهل القرب والاختصاص بالله. (٦)

[٦١] (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ)

(فَلَمَّا جاءَ) ؛ أي : خرج الملائكة عند إبراهيم وأتوا لوطا يبشّرونه بهلاك قومه. (٧)

[٦٢] (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ)

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٢٤ و ٥٢٢.

(٢) الذاريات (٥١) / ٣٦.

(٣) الكشّاف ٢ / ٥٨١.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٤٦.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٢٤ و ٥٢٢.

(٦) الكشّاف ٢ / ٥٨٢.

(٧) مجمع البيان ٦ / ٥٢٥.

٦٤١

(قَوْمٌ مُنْكَرُونَ). إنّما قال لهم لوط ذلك لأنّهم جاؤوه على صفة المرد على هيئة وجمال لم ير مثلهم فأنكر شأنهم وهيئتهم. وقيل : أراد : انّي أنكركم فعرّفوني أنفسكم ليطمئنّ قلبي. (١)

[٦٣] (قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ)

(يَمْتَرُونَ). أي بالعذاب الذي كانوا يشكّون فيه إذا خوّفتهم به. (٢)

[٦٤] (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ)

(بِالْحَقِّ) ؛ أي : بالعذاب المستيقن به. (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما أخبرناك به. وقيل : معناه : وأتيناك بأمر الله ، ولا شكّ أنّ أمره سبحانه حقّ. (٣)

[٦٥] (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ)

(فَأَسْرِ) ؛ أي : سر بأهلك بعد ما يمضي أكثر اللّيل ويبقى قطعة منه. (وَاتَّبِعْ) ؛ أي : اقتف (أَدْبارَهُمْ) ؛ أي : آثارهم وكن وراءهم لتكون عينا عليهم ولا يتخلّف أحد منهم. (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) ؛ أي : لا يلتفت أحد منكم إلى ما خلّف وراءه في المدينة. وهذا كما يقول القائل : امض لشأنك ولا تعرج على شيء. وقيل : لا ينظر أحد منكم وراءه لئلّا يروا العذاب فيفزعوا ولا يحتمل قلبهم ذلك. (حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) ؛ أي : الموضع الذي أمركم الله بالذهاب إليه وهو الشام. (٤)

(وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ). وذلك أنّ الله بعث الهلاك على قومه ونجّاه وأهله إجابة لدعوته عليهم وخرج مهاجرا فلم يكن له [بدّ] من الاجتهاد في شكر الله و

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٢٥.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٢٥.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٢٥.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٢٥.

٦٤٢

إدامة ذكر الله وتفريغ باله لذلك ، فأمر بأن يقدّمهم لئلّا يشتغل بمن خلفه قلبه وليكون مطّلعا عليهم وعلى أحوالهم فلا تفرط منهم التفاتة احتشاما منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحالة المهولة ولئلّا يتخلّف منهم أحد لغرض فيصيبه العذاب ، وليكون مسيره مسير الهارب الذي يقدّم سربه ويفوت به. ونهوا عن الالتفات ليوطّنوا نفوسهم على المهاجرة ويمضوا غير ملتفتين. (١)

[٦٦] (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ)

(وَقَضَيْنا) ؛ أي : أعلمنا لوطا وأوحينا إليه ما ينزل بهم من العذاب. (أَنَّ دابِرَ). موضع أنّ نصب بأنّه بدل من ذلك الأمر ، لأنّه تفسيره. ويجوز أن يكون نصبا على حذف الجارّ.

أي : قضينا إليه بأنّ دابر [هؤلاء مقطوع] ؛ يعني أنّ آخر من يبقى منهم يهلك وقت الصبح ، وهو قوله : (مُصْبِحِينَ) ؛ أي : داخلين في وقت الصبح. أو المراد : انّهم مستأصلون بالعذاب وقت الصباح على وجه لا يبقى منهم أثر ولا نسل ولا عقب. (مُصْبِحِينَ). نصب على الحال. (٢)

[٦٧] (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ)

(يَسْتَبْشِرُونَ) بنزول الأضياف بلوط طمعا في أن ينالوا الفجور منهم. (٣)

[٦٨] (قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ)

(فَلا تَفْضَحُونِ) ؛ أي : لا تلزموني فيهم عارا بقصدكم إيّاهم بالسوء. (٤)

[٦٩] (وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ)

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٥٨٣.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٢٥ ـ ٥٢٦.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٢٦.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٢٦.

٦٤٣

(وَلا تُخْزُونِ) في ضيفي. (١)

[٧٠] (قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ)

(أَوَلَمْ نَنْهَكَ) أن تجير أحدا أو تضيف أحدا. (٢)

(عَنِ الْعالَمِينَ) ؛ أي : عن أن تمنع بيننا وبينهم. فإنّهم كانوا يتعرّضون لكلّ أحد. وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينهاهم عن ذلك فأوعدوه وقالوا : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ) المخرجين. (٣)

[٧١] (قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ)

(هؤُلاءِ بَناتِي). أشار إلى بناته لصلبه فتزوّجوهنّ إن كان لكم رغبة في التزويج. (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) : إن [كان] لكم رغبة في التزويج. وقيل : إنّما قال ذلك للرؤساء الذين يكفّون الأتباع. وقد كان يجوز تزويج المؤمنة من الكافر يومئذ. وقد كان ذلك جائزا في صدر شريعتنا ثمّ حرّم. وقيل : إنّهنّ كنّ بنات قومه ، عرضهنّ عليهم بالتزويج والاستغناء بهنّ عن الذكران. والأوّل أصحّ. (٤)

[٧٢] (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)

(لَعَمْرُكَ). أي قالت الملائكة للوط. وقيل : الخطاب لرسول الله. (٥)

(لَعَمْرُكَ) ؛ أي : وحياتك ـ يا محمّد ـ ومدّة بقائك حيّا. وقال المبرّد : هو دعاء. ومعناه : أسأل الله عمرك. قال ابن عبّاس : ما خلق الله نفسا أكرم عليه من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. وما سمعت الله أقسم بحياة أحد إلّا بحياته فقال : (لَعَمْرُكَ). (سَكْرَتِهِمْ) ؛ أي : غفلتهم. (يَعْمَهُونَ) ؛ أي : يتحيّرون. (٦)

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٢٦.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٢٦.

(٣) الكشّاف ٢ / ٥٨٥.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٢٦.

(٥) الكشّاف ٢ / ٥٨٥.

(٦) مجمع البيان ٦ / ٥٢٦.

٦٤٤

[٧٣] (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ)

(الصَّيْحَةُ) : صيحة جبرئيل. (١)

(مُشْرِقِينَ) ؛ أي : في حال شروق الشمس وبزوغها. (٢)

[٧٤] (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ)

(سِجِّيلٍ) : طين عليه كتاب. من السجل. كما قال : (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ)(٣) ؛ أي : معلمة [بكتاب]. (٤)

(سِجِّيلٍ) ؛ أي : طين متحجّر. (٥)

[٧٥] (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)

(فِي ذلِكَ) : في إهلاك قوم لوط. (لَآياتٍ) ؛ أي : دلالات. (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) ؛ أي : للمتفكّرين. وقيل : للمتفرّسين. وقد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اتّقوا فراسة المؤمن. فإنّه ينظر بنور الله. [و] قال : إنّ لله عبادا يعرفون الناس بالتوسّم. ثمّ قرأ هذه الآية. وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : نحن المتوسّمون. والسبيل فينا مقيم. والسبيل طريق الجنّة. (٦)

(لِلْمُتَوَسِّمِينَ) : الناظرين الذين يعرفون حقيقة سمة الشيء. (٧)

(لِلْمُتَوَسِّمِينَ). عن أبي جعفر عليه‌السلام : ليس مخلوق إلّا وبين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر. وذلك محجوب عنكم وليس محجوبا عن الأئمّة من آل محمّد عليهم‌السلام. ثمّ ليس يدخل عليهم أحد إلّا عرفوه مؤمن أو كافر. ثمّ تلا هذه الآية : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). (٨)

(لِلْمُتَوَسِّمِينَ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إذا قام قائم آل محمّد عليهم‌السلام حكم بين الناس بحكم

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٥٨٦.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٢٧.

(٣) هود (١١) / ٨٣

(٤) الكشّاف ٢ / ٥٨٦.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٤.

(٦) مجمع البيان ٦ / ٥٢٨.

(٧) الكشّاف ٢ / ٥٨٦.

(٨) بصائر الدرجات / ٣٥٤.

٦٤٥

داوود لا يحتاج إلى بيّنة ، يلهمه فيحكم بعلمه ، ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه ويعرف عدّوه من وليّه بالتوسّم. قال الله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). (١)

[٧٦] (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)

(وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ). معناه : انّ مدينة لوط له طريق مسلوك يسلكها الناس في حوائجهم فينظرون إلى آثارها ويعتبرون بها. لأنّ الآثار التي يستدلّ بها مقيمة ثابتة. وهي مدينة سدوم. وقيل : إنّ قرى قوم لوط بين المدينة والشام. (٢)

(لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ). تنبيه لقريش. كقوله : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ)(٣). (٤)

[٧٧] (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)

(لَآيَةً) ؛ أي : لعبرة ودلالة للمؤمنين. لأنّهم المنتفعون بها. (٥)

[٧٨] (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ)

الأيكة : الشجر الملتفّ. جمعه أيك. (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ). هم أهل الشجر الذين أرسل إليهم شعيب. وأرسل إلى [أهل] مدين فأهلكوا بالصيحة. وأمّا أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلّة التي احترقوا بنارها. ومعنى الآية أنّه كان أصحاب الأيكة ظالمين في تكذيب رسولهم وكانوا أصحاب [غياض] فعاقبهم الله بالحرّ سبعة أيّام ، ثمّ أنشأ سحابة فاستظلّوا بها يلتمسون الروح فيها. فلمّا اجتمعوا تحتها ، أرسل منها صاعقة فأحرقتهم جميعا. (الْأَيْكَةِ). ورش عن نافع : (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) بترك الهمزة وبرّد حركتها إلى اللّام. (٦)

[٧٩] (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ)

__________________

(١) روضة الواعظين. ٢ / ٢٦٦.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٢٨.

(٣) الصافّات (٣٧) / ١٣٧.

(٤) الكشّاف ٢ / ٥٨٦.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٢٨.

(٦) مجمع البيان ٦ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨.

٦٤٦

(وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ) ؛ أي : مدينتي قوم لوط وأصحاب الأيكة بطريق يؤمّ ويتّبع ويهتدى به. وسمّي الطريق إماما لأنّ الإنسان يؤمّه. وقيل : معناه : وإنّ حديث مدينتهما لمكتوب مذكور في اللّوح المحفوظ ، أو حديث لوط وحديث شعيب. فيكون نظير قوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(١). (٢)

[٨٠] (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠))

(أَصْحابُ الْحِجْرِ). وهم قوم صالح. والحجر اسم البلد الذي كان فيه ثمود. سمّوا أصحاب الحجر لأنّهم كانوا سكّانه. وإنّما قال : (الْمُرْسَلِينَ) لأنّ في تكذيب صالح تكذيب المرسلين. وقيل : بعث الله إليهم رسلا منهم صالح. (٣)

[٨١] (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ)

(وَآتَيْناهُمْ) ؛ أي : أصحاب الحجر المعجزات الدالّة على صدق الأنبياء. وقيل : آتينا الرسل ، فكانوا عن الدلالات ـ أي أصحاب الحجر ـ معرضين. (٤)

[٨٢] (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ)

(وَكانُوا) ـ أي قوم صالح ـ في القوّة بحيث ينحتون من الجبال بيوتا يسكنونها وكانوا آمنين من خرابها وسقوطها عليهم. وقيل : آمنين من عذاب الله. وقيل : آمنين من الموت لطول أعمارهم. (٥)

[٨٣] (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ)

(مُصْبِحِينَ) : أي في وقت الصباح. (٦)

__________________

(١) يس (٣٦) / ١٢.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٢٨.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٢٨.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٢٨.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٢٩.

(٦) مجمع البيان ٦ / ٥٢٩.

٦٤٧

[٨٤] (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)

(فَما أَغْنى) ؛ أي : فما دفع عنهم العذاب. (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) من المال والأولاد وأنواع الملاذّ. (١)

[٨٥] (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)

(بِالْحَقِّ) لا عبثا ، بل بما اقتضته الحكمة ؛ وهي أنّا قد تعبّدنا أهلها ثمّ نجازيهم بما عملوا. (السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) : يوم القيامة آتية بعذابهم. (فَاصْفَحِ) ؛ أي : أعرض ـ يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عن مجازاة المشركين واعف عنهم عفوا جميلا. قيل : إنّها منسوخة بآية القتال. وقيل : لا نسخ فيه ، بل هو هنا عبارة عن الحلم والتواضع ، وهو ممدوح في سائر الحالات ، وقد يلزمنا الصفح الجميل مع لزوم التشدّد في أمر الجهاد. وحكي عن عليّ عليه‌السلام : انّ الصفح الجميل هو العفو من غير عتاب. وقيل : هو العفو من غير تعنيف وتوبيخ. (٢)

[٨٦] (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ)

(الْعَلِيمُ) بتدبير خلقه ، فلا يخفى عليه ما يجري بينكم. ويجوز أن يريد أنّه علم ما هو الأصلح لكم وقد علم أنّ الصفح [أصلح] الآن إلى أن يؤمر بالسيف. (٣)

[٨٧] (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) : ظاهرها الحمد. وباطنها ولد الولد. والسابع منها القائم عليه‌السلام. (٤)

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : ليس هكذا تنزيلها. إنّما هي : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) [نحن

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٢٩.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٣٠.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٣٠.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٠ ، ح ٣٧.

٦٤٨

هم](وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) ولد الولد. (١)

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) قال : سبعة أئمّة والقائم. (٢)

وعن أبي الحسن عليه‌السلام : السبعة الأئمّة السبعة الذين يدور عليهم الفلك. والقرآن العظيم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٣)

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعطيت السور الطوال مكان التوراة. وأعطيت المئين مكان الإنجيل. وأعطيت المثاني مكان الزبور. (٤)

(سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي). هي فاتحة الكتاب. وهو قول عليّ والباقر والصادق عليهم‌السلام. وقيل : هي السبع الطوال. وهي السور السبع من أوّل القرآن. وإنّما سمّيت مثاني لأنّه يثنّى فيها الأخبار والقصص. وقيل : المثاني القرآن كلّه. ومن قال هي فاتحة الكتاب ، اختلفوا في سبب تسميتها مثاني. فقيل : لأنّها تثنّى قراءتها في الصلاة. وقيل : لأنّ فيها الثناء مرّتين وهو (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وقيل : لأنّها مقسومة بين الله وعبده على ما روي في الخبر. وقيل : لأنّها أنزلت مرّتين تعظيما وتشريفا لها. ومن قال : المراد من المثاني القرآن كلّه ، فمن في قوله (مِنَ الْمَثانِي) تكون للتبعيض. ومن قال إنّها الحمد ، تكون للتبيين (٥)

(سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) : سبع آيات. وهي الفاتحة. والمثاني من التثنية وهي التكرير. لأنّ الفاتحة ممّا تكرّر قراءتها في الصلاة وغيرها. أو من الثناء لاشتمالها على ما هو [ثناء] على الله بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى. (٦)

(سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : هي سورة الحمد. وهي سبع آيات منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وإنّما سمّيت المثاني لأنّها تثنّى في الركعتين. (٧)

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٠ ، ح ٣٨.

(٢) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٠ ، ح ٣٩.

(٣) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥١ ، ح ٤١.

(٤) الكافي ٢ / ٦٠١ ، ح ١٠.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٥٣٠.

(٦) الكشّاف ٢ / ٥٨٧.

(٧) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٩.

٦٤٩

[٨٨] (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)

(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ). يعني أنّ القرآن يغنيك. ومنه الحديث : ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن. يعني : قد أوتيت النعمة العظمى وهي القرآن العظيم. فعليك أن تستغني به ولا تمدّنّ عينيك إلى متاع الحياة الدنيا. (١)

(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) ؛ أي : لا تعظمنّ في عينيك ولا تمدّهما إلى ما متّعنا به أصنافا من المشركين. والأزواج : الأصناف. فيكون الأزواج مفعولا به. (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) ؛ أي : على كفّار قريش إن لم يؤمنوا ونزل بهم العذاب. وقيل : لا تحزن لما أنعمت عليهم دونك وألن جانبك للمؤمنين. (٢)

[٨٩ ـ ٩١] (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ * كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ)

(الْمُبِينُ) لكم ما تحتاجون إليه. (٣)

(كَما أَنْزَلْنا) ؛ أي : أنزلنا القرآن عليك كما أنزلنا (عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) وهم اليهود والنصارى. (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) ؛ أي : فرّقوه وجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه ؛ آمنوا بما وافق دينهم وكفروا بما خالف دينهم. وقيل : سمّاهم مقتسمين لأنّهم اقتسموا كتب الله فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها. وقيل : معناه : انّي أنذركم عذابا كما أنزلنا على المقتسمين الذين اقتسموا طريق مكّة يصدّون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والإيمان به. وكانوا ستّة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيّام الموسم يقولون لمن أتى مكّة : لا تغترّوا بالخارج منّا المدّعي النبوّة. فأنزل الله بهم عذابا فماتوا شرّ ميتة ثم وصفهم فقال : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) ؛ أي : جزءا جزءا فقالوا سحر وقالوا أساطير الأوّلين وقالوا

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٥٨٨.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٣١.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٣١.

٦٥٠

مفترى. عن ابن عبّاس. (١)

(جَعَلُوا الْقُرْآنَ) : قسّموا القرآن ولم يؤلّفوه على ما أنزله الله. (٢)

[٩٢ ـ ٩٣] (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)

(عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) ؛ أي : عمّا عملوا فيما عملوا. وقيل : عن (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) والإيمان برسله. وقيل : عمّا كانوا يعبدون وبماذا أجابوا المرسلين. (٣)

[٩٤] (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)

(بِما تُؤْمَرُ) ؛ أي : بالّذي تؤمر به. أو : بالأمر وحكى يونس النحويّ أنّ هذه اللّفظة أفصح ما في القرآن. (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ؛ أي : أظهر وأعلن وصرّح بما أمرت به غير خائف. وقيل : معناه : فافرق بين الحقّ والباطل بما أمرت به. وتأويل الصدع في الزجاج أو في الحائط أن تبين بعض الشيء من بعض. (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ؛ أي : لا تخاصم إلى أن تؤمر بقتالهم. وقيل : معناه : لا تلتفت إليهم ولا تخف عنهم. (٤)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اكتتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة مختفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر أمره وعليّ عليه‌السلام معه وخديجة. ثمّ أمره الله أن يصدع ما أمر فظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأظهر أمره. (٥)

وفي خبر آخر أنّه كان مختفيا بمكّة ثلاث سنين. (٦)

عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها). (٧) قال : نسختها (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ـ الآية. (٨)

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٣١.

(٢) تفسير القمّيّ ١ / ٣٧٧.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٣٣.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٥٣٣.

(٥) كمال الدين ٢ / ٣٤٤.

(٦) كمال الدين ٢ / ٣٤٤.

(٧) الإسراء (١٧) / ١١٠.

(٨) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٥٢ ، ح ٤٥.

٦٥١

[٩٥ ـ ٩٦] (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)

(الْمُسْتَهْزِئِينَ) ؛ أي : شرّ المستهزئين بأن أهلكناهم. وكانوا خمسة نفر من قريش رمى الله تعالى كلّ واحد منهم ببلاء فمات. ثمّ وصفهم الله سبحانه بالشرك فقال : (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ) ـ الآية. (١)

(الْمُسْتَهْزِئِينَ). عن الحسين عليه‌السلام : هم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطّلب والحارث بن الطلاطلة ؛ قتلهم الله في ساعة واحدة. وذلك أنّهم كانوا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا له : يا محمّد ، ننتظر بك إلى الظهر. فإن رجعت عن قولك وإلّا قتلناك. فدخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منزله فأغلق عليه بابه مغتمّا. فأتاه جبرئيل عليه‌السلام من ساعته فقال : يا محمّد ، السّلام يقرئك السّلام ويقول : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ؛ يعني : أظهر أمرك لأهل مكّة وادعهم إلى الإيمان. فقال : يا جبرئيل ، كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟ فقال : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ). يعني في هذه الساعة. (٢)

[٩٧] (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ)

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من فضل وصيّه ذكرا فوقع النفاق في قلوبهم فعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقال الله : يا محمّد (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ) ـ الآية. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتألّفهم ويستعين ببعضهم على بعض ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيّه حتّى نزلت هذه السورة فاحتجّ عليهم حين أعلم بموته. (٣)

(بِما يَقُولُونَ) من الشرك والطعن في القرآن والاستهزاء بك. (٤)

[٩٨] (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٥٣٣ ـ ٥٣٤.

(٢) الاحتجاج ١ / ٣٢١.

(٣) الكافي ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، ح ١٠.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٦.

٦٥٢

(فَسَبِّحْ) ؛ أي : فافزع إلى الله فيما نابك بالتسبيح والتحميد ، يكفك ويكشف الغمّ عنك. أو : فنزّهه عمّا يقولون حامدا على أن هداك للحقّ. (مِنَ السَّاجِدِينَ) ؛ أي : المصلّين. (١)

(فَسَبِّحْ) ؛ أي : قل سبحان الله وبحمده. (مِنَ السَّاجِدِينَ) ؛ أي : المصلّين. قال ابن عبّاس : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أحزنه أمر ، فزع إلى الصلاة. (٢)

[٩٩] (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)

(الْيَقِينُ) ؛ أي : الخبر اليقين. يعني الموت. أي : اعبد ربّك أبد الآبدين. (٣)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٣٦.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٥٣٤.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٥٣٤.

٦٥٣