عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-27-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٣

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : انّ حزن يعقوب على يوسف حزن سبعين ثكلى. وقال : إنّ يعقوب لم يعرف الاسترجاع. (١)

[٨٧] (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ)

عن الصادق عليه‌السلام : انّ أعرابيّا اشترى من يوسف طعاما. فقال له : إذا مررت بوادي كذا فناد : يا يعقوب ، يخرج إليك شيخ وسيم. فقل له : إنّي رأيت بمصر رجلا يقرئك السّلام ويقول لك : إنّ وديعتك عند الله محفوظة. فبلّغه الأعرابيّ ، ودعا له. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : انّ يعقوب دعا في السحر أن ينزل عليه ملك الموت ، فنزل. فقال له : أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرّقة؟ قال : بل متفرّقة. قال : فهل قبضت روح يوسف في جملة ما قبضت من الأرواح؟ قال : لا. فعند ذلك قال : (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا) ـ الآية. (٣)

قال أبو هاشم : فكّرت في هذا الأمر وهو قرب بلاد يعقوب من يوسف وحزن يعقوب عليه حتّى ابيضّت عيناه من الحزن والمسافة قريبة. فأقبل إليّ أبو محمد عليه‌السلام فقال : يا أبا هاشم ، تعوّذ بالله ممّا جرى في نفسك من ذلك. فإنّ الله لو شاء يرفع الساتر من الأعلى ما بين يعقوب ويوسف حتّى كان يراه ، لفعل ، ولكن له أجل هو بالغه ومعلوم ينتهي [إليه] ما كان من ذلك. فالخيار من الله لأوليائه. (٤)

(إِلَّا الْكافِرُونَ) بالله وصفاته. (٥)

[٨٨] (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ / ٣٥٠.

(٢) نور الثقلين ٢ / ٤٥٦ ، عن الخرائج.

(٣) كمال الدين / ١٤٤ ، ح ١٠.

(٤) الخرائج ٢ / ٧٣٨ ، ح ٥٣.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٤.

٥٤١

(قالُوا) بعد ما رجعوا إلى مصر رجعة ثانية. (الضُّرُّ) : شدّة الجوع. (مُزْجاةٍ) : رديئة أو قليلة تردّ وتدفع رغبة عنها. من أزجيته ، إذا دفعته. قيل : كانت دراهم. [وقيل :] الأقط وسويق المقل. (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) ؛ أي : أتمّه. (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) بردّ أخينا أو بالمسامحة وقبول المزجاة. (إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) أحسن الجزاء. والتصدّق : التفضّل. (١)

[٨٩] (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ)

(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) ؛ [أي :] هل علمتم قبحه فتبتم عنه؟ وفعلهم بأخيه إفراده عن يوسف وإذلاله حتّى كان لا يستطيع أن يكلّمهم إلّا بعجز وذلّة. (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) قبحه ـ فلذلك أقدمتم عليه ـ أو عاقبته. وإنّما قال ذلك تنصّحا لهم وتحريضا على التوبة وشفقة عليهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاتبة وتثريبا. وقيل : أعطوه كتاب يعقوب في تخليص بنيامين وذكروا له ما فيه يعقوب من الحزن على فقد يوسف وأخيه ، فقال لهم ذلك. وإنّما جهّلهم لأنّ فعلهم كان فعل الجهّال ، أو لأنّهم كانوا حينئذ صبيانا طيّاشين. (٢)

(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ). في هذه الآية مصداق قوله : (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ) ـ الآية. (٣)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : لمّا قالوا : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) ـ الآية ـ قال يوسف : لا صبر على ضرّ آل يعقوب. فقال عند ذلك : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ)؟ (٤)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : انّ يعقوب كتب إلى عزيز مصر ـ وهو يوسف ـ يتعطّفه في خلاص ابنه بنيامين ، وشرح له ما جرى على ابنه يوسف وما مضى من بعد فراقه. فلمّا أخذ الكتاب ، قبّله ووضعه على عينيه وبكى. ثمّ أقبل عليهم فقال : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ) ـ الآية. (٥)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٤.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٤.

(٣) مجمع البيان ٥ / ٤٠٠.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ / ١٩٢ ، ح ٦٦.

(٥) نور الثقلين ٢ / ٤٥٧ ، وتفسير العيّاشيّ ٢ / ١٩٠ ـ ١٩٢ ، ح ٦٥.

٥٤٢

[٩٠] (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)

(أَإِنَّكَ). نافع : [(إِنَّكَ)] بفتح الهمزة غير ممدودة. وأبو عمرو : (أَإِنَّكَ) بالمدّ. والباقون بهمزتين. (١)

(أَإِنَّكَ). استفهام تقرير ولذلك حقّق بإنّ واللّام. وقراءة ابن كثير وقالون على الإيجاب. قيل : عرفوه بروائه وشمائله حين كلّمهم به. وقيل : تبسّم فعرفوه بثناياه. وقيل : رفع التاج عن رأسه فرأوا علامة بقرنه شبه الشامة البيضاء وكانت لسارة ويعقوب مثلها. (وَهذا أَخِي) من أمّي وأبي. ذكره تعريفا لنفسه وتفخيما لشأنه وإدخالا له في قوله : (مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالاجتماع أو بكلّ خير. (٢)

(مَنْ يَتَّقِ اللهَ) ؛ أي : يخف الله. (وَيَصْبِرْ) عن المعاصي وعلى الطاعات. (٣)

[٩١] (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١))

(آثَرَكَ). بمعنى اختار.

(وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) ؛ أي : ما كنّا إلّا مخطئين. (٤)

(لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ) ؛ أي : فضلّك (عَلَيْنا) بالتقوى والصبر وسيرة المحسنين. فأعزّك الله بالملك وأذلّنا بالتمسكن بين يديك. (٥)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ليس رجل من ولد فاطمة يموت ولا يخرج من الدنيا حتّى يقرّ للإمام بإمامته ، كما أقرّ ولد يعقوب ليوسف حين قالوا : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا). (٦)

[٩٢] (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٣٩٦.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٥.

(٣) الكشّاف ٢ / ٥٠٢.

(٤) مجمع البيان ٥ / ٤٠٠.

(٥) الكشّاف ٢ / ٥٠٢.

(٦) تفسير العيّاشيّ ٢ / ١٩٣ ، ح ٦٩.

٥٤٣

(لا تَثْرِيبَ) ؛ أي : لا عتب. واليوم إمّا متعلّق بتثريب أو بيغفر. والمعنى : لا أثرّبكم اليوم وهو اليوم الذي مظنّة التثريب. فما ظنّكم بغيره من الأيّام؟ ثمّ ابتدأ فقال : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ). ـ أو : (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) ـ بشارة بعاجل غفران الله لما تجدّد يومئذ من توبتهم. وروي أنّ إخوته لمّا عرفوه أرسلوا إليه أنّك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشيّا ونحن نستحيي منك لما فرط منّا. فقال يوسف : إنّ أهل مصر ، وإن ملكت فيهم ، فإنّهم ينظرون إليّ بالعين الأوّل ويقولون : سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ. ولقد شرّفت الآن بكم وعظّمت في العيون حيث علم الناس أنّكم إخوتي وأنّي من حفدة إبراهيم. (١)

(لا تَثْرِيبَ) : لا توبيخ ولا تقريع. (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) في عفوه عنكم ، أو في صنيعه بي. (٢)

[٩٣] (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ)

(اذْهَبُوا). قيل : يهوذا كان الحامل للقميص. قال : أنا أحزنته بحمل القميص ملطوخا بالدم. فأفرّحه كما أحزنته. وقيل : حمله وهو حاف حاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرة ثمانين فرسخا. (٣)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : إنّ إبراهيم عليه‌السلام لمّا أوقدت النار ، نزل إليه جبرئيل بالقميص وألبسه إيّاه ، فلم يضرّ معه حرّ ولا برد. فلمّا حضرته الوفاة ، جعله في تميمة وعلّقه على إسحاق. وعلّقه إسحاق على يعقوب. فلمّا ولد له يوسف ، علّقه عليه وكان في عضده حتّى كان من أمره ما كان. فلمّا أخرجه يوسف بمصر من التميمة ، وجد يعقوب ريحه. وهو قوله عزوجل : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ). فهو ذلك القميص الذي أنزل من الجنّة. قلت : جعلت فداك ؛ فإلى من صار هذا القميص؟ قال : إلى أهله. ثمّ يكون مع قائمنا إذا خرج. ثمّ قال : كلّ نبيّ

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٥٠٢ ـ ٥٠٣.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٤٠١.

(٣) الكشّاف ٢ / ٥٠٣.

٥٤٤

أورث علما أو غيره ، فقد انتهى إلى محمّد وآله صلوات الله عليهم. (١)

روي أنّ القائم إذا خرج يكون عليه قميص يوسف ومعه عصا موسى وخاتم سليمان. (٢)

(يَأْتِ بَصِيراً) ؛ أي : يصر بصيرا. كقولك : جاء البناء محكما ، بمعنى صار. أو : يأت إليّ وهو بصير.

[٩٤] (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ)

(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) ؛ أي : خرجت من عريش مصر. يقال : فصل من البلد فصولا ، إذا انفصل منه وجاوز حيطانه. ولمّا انفصل العير ، قال لولد ولده ومن حوله : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ). أوجده الله ريح القميص حين أقبل من مسيرة ثمانية أيّام. والتفنيد : النسبة إلى الفند ؛ وهو الخرف من الهرم. يقال شيخ مفنّد ولا يقال عجوز مفنّدة ، لأنّها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فتفند في كبرها. أي : لو لا تفنيدكم إيّاي ، لصدّقتموني. (٣)

(إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : وجد ريحه من مسيرة عشر ليال. (٤)

[٩٥] (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)

(قالُوا) إشفاقا عليه وترحّما. لأنّهم اعتقدوا موته. (٥)

(ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) ؛ أي : ذهابك عن الصواب قدما في إفراط محبّتك ليوسف. (٦)

[٩٦] (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)

(أَلْقاهُ) ؛ أي : القميص. (فَارْتَدَّ) ؛ أي : ارتجع. (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ). يعني قوله : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) أو قوله : (لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ). وقوله : (إِنِّي أَعْلَمُ) كلام مبتدأ لم يقع عليه

__________________

(١) كمال الدين ١ / ١٤٢ ، ح ١٠.

(٢) كمال الدين ١ / ١٤٣.

(٣) الكشّاف ٢ / ٥٠٤.

(٤) مجمع البيان ٥ / ٤٠٢.

(٥) مجمع البيان ٥ / ٤٠٣.

(٦) الكشّاف ٢ / ٥٠٤.

٥٤٥

القول. ولك أن توقعه عليه وتريد قوله : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي) ـ الآية. (١)

(أَعْلَمُ مِنَ اللهِ) ؛ أي : أعلم أنّ الله يصدّق رؤيا يوسف ويكشف الشدائد عن أنبيائه بالصبر. (٢)

[٩٧] (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ)

[٩٨] (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

(سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ). أخّرهم إلى وقت السحر. لأنّه أقرب للإجابة. (٣)

عن إسماعيل الهاشميّ قال : قلت للصادق عليه‌السلام : أخبرني عن يعقوب ، كيف أخّر الاستغفار لأولاده ويوسف لمّا قالوا له قال : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ). قال : لأنّ قلب الشابّ أرقّ من قلب الشائب. وكان جناية ولد يعقوب على يوسف وجنايتهم على يعقوب إنّما كانت بجنايتهم على يوسف. فبادر يوسف إلى العفو عن حقّه وأخّر يعقوب العفو لأنّ عفوه إنّما كان عن حقّ غيره. فأخّرهم إلى السحر ليلة الجمعة. (٤)

[٩٩] (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ)

(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ). استقبله يوسف والملك بأهل مصر. (آمِنِينَ) من القحط وأصناف المكاره. (٥)

(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ). لمّا خرج يعقوب وأهله من أرضهم وأتوا مصر في تسعة أيّام ، فلمّا دنوا من مصر تلقّاه يوسف في الجند وأهل مصر. فقال يعقوب : يا يهوذا ، هذا فرعون مصر؟ قال : لا ، هذا ابنك. فلمّا دنا ، بدأه يعقوب بالسلام. فقال : السّلام عليك يا

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٥٠٤.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٤٠٣.

(٣) مجمع البيان ٥ / ٤٠٣.

(٤) علل الشرائع ١ / ٥٤ ، ح ١.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٦.

٥٤٦

مذهب الأحزان. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لمّا أقبل يعقوب إلى مصر ، خرج يوسف يستقبله. فلمّا رآه يوسف ، همّ بأن يترجّل له ، ثمّ نظر إلى ما هو فيه من الملك فلم يفعل. فلمّا سلّم على يعقوب ، نزل عليه جبرئيل فقال له : يا يوسف ، إنّ الله يقول : ما منعك أن تنزل إلى عبدي الصالح إلّا ما أنت فيه. ابسط يدك. فبسطها ، فخرج من بين أصابعه نور. فقال : ما هذا يا جبرئيل؟ فقال : هذا أنّه لا يخرج من صلبك نبيّ أبدا ، عقوبة بما صنعت بيعقوب إذ لم تنزل إليه. وقوله : (آوى إِلَيْهِ) ؛ أي : ضمّهما إليه وأنزلهما عنده. يعني أباه وخالته. وذلك أنّ أمّه ماتت في نفاسها ببنيامين. وقيل : إنّ راحيل كانت نشرت من قبرها حتّى سجدت ، تحقيقا للرؤيا. (إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ). الاستثناء يعود إلى الأمن. لأنّهم كانوا يخافون ملوك مصر.

قيل : إنّهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وسبعون إنسانا ، وخرجوا مع موسى وهم ستّمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا. (١) قيل : إنّ يوسف قال لأبيه لمّا التقيا : بكيت عليّ حتّى ذهب بصرك! ألم تعلم أنّ القيامة تجمعنا؟ فقال : بلى ، ولكن خشيت أن تسلب دينك فيحال بيني وبينك. فإن قلت : ما معنى دخولهم عليه قبل دخولهم مصر؟ قلت : كأنّه حين استقبلهم ، نزل لهم في مضرب أو بيت ثمّ دخلوا مصر وضمّ إليه أبويه ثمّ قال لهم : (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ). (٢)

[١٠٠] (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)

(عَلَى الْعَرْشِ) ؛ أي : رفعهما على سرير ملكه إعظاما لهما. (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) ؛ أي : انحطّوا على وجوههم. وكانت تحيّة الناس يومئذ السجود والانحناء والتكفير ، ولم يكونوا

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٤٠٥.

(٢) الكشّاف ٢ / ٥٠٥.

٥٤٧

نهوا عن السجود لغير الله في شريعتهم. فأعطى الله هذه الأمّة السّلام وهي تحيّة أهل الجنّة عجّلها لهم. وقيل : إنّ السجود كان لله شكرا له ، كما يفعله الصالحون عند تجدّد النعم. والهاء في قوله (لَهُ) عائدة إلى الله. أي : سجدوا لله وتوجّهوا في السجود إليه. كما يقال : صلّى للقبلة ، ويراد به استقبالها. وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وعن أبي الحسن عليه‌السلام : كان سجودهم طاعة لله وتحيّة ليوسف. كما أنّ السجود من الملائكة لآدم كذلك. فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله لاجتماع شملهم. ألم تر أنّه يقول في شكره : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) ـ الآية. (١)

روي : انّ يوسف أخذ بيد يعقوب فطاف به في خزائنه. فلمّا أدخله بيت القراطيس قال : يا بنيّ ما أعقّك! عندك هذه القراطيس وما كتبت إليّ على ثمان مراحل؟ قال : أمرني جبرئيل. فسأله يعقوب ، فقال جبرئيل : [الله تعالى] أمرني بذلك لقولك : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ). (٢) فقال : هلّا خفتني؟ (٣)

(قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) ؛ أي : صدقا في اليقظة. وقيل : كان بين الرؤيا وتأويلها ثمانون سنة. وولد ليوسف من امرأة العزيز افرائيم وميشا ورحمة امرأة أيّوب. وبين يوسف وموسى أربعمائة سنة. (الْبَدْوِ) ؛ أي : البادية. فإنّهم كانوا يسكنون البادية. (نَزَغَ) ؛ أي : أفسد. (بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي). أي بالحسد. (لَطِيفٌ) في تدبير أمور عباده. (٤)

(وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ). لم يذكر الجبّ لئلّا يكون تثريبا عليهم. (٥)

[١٠١] (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)

(فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). فاطر منصوب إمّا على كونه صفة ربّ أو على النداء.

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦.

(٢) يوسف (١٢) / ١٣.

(٣) الكشّاف ٢ / ٥٠٦.

(٤) مجمع البيان ٥ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٦.

٥٤٨

(وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ؛ أي : ناصري وحافظي. (١)

(مِنَ الْمُلْكِ) : ملك النبوّة وملك مصر. (تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) ؛ أي : تعبير الرؤيا. (تَوَفَّنِي). قال ابن عبّاس : ما تمنّى نبيّ تعجيل الموت إلّا يوسف ؛ لمّا انتظمت أسباب مملكته ، اشتاق إلى ربّه. وقيل : معناه : ثبّتني على الإيمان إلى وقت الممات وأمتني مسلما وألحقني بأهل الجنّة من الأنبياء. فتوفّاه الله بمصر فدفن في النيل في صندوق رخام. وذلك أنّه لمّا مات تشاحّ الناس عليه كلّ يحبّ أن يدفن في محلّته لما كانوا يرجون من بركته ، فرأوا أن يدفنوه في النيل فيمرّ الماء عليه ثمّ يصل إلى جميع مصر فيكون كلّهم في بركته شركاء. وكان قبره في النيل إلى أن حمله موسى حين خرج من مصر. (٢)

روي : انّ يعقوب عليه‌السلام أقام معه أربعا وعشرين سنة ، ثمّ توفّي وأوصى أن يدفن بالشام إلى جنب أبيه. فذهب به ودفنه ثمّة. وعاد وعاش بعده ثلاثا وعشرين سنة. ثمّ تاقت نفسه إلى الملك المخلّد فتمنّى الموت. (٣)

[١٠٢] (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ)

(ذلِكَ). مبتدأ. (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ). خبر ذلك. (نُوحِيهِ إِلَيْكَ). خبر ثان. (٤)

(ذلِكَ) ؛ أي : قصّة يوسف. (أَنْباءِ) : أخبار. (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) دلالة على نبوّتك. ولا سمعته من أحد ، فيكون علامة لنبوّتك. (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) ؛ أي : مع أولاد يعقوب إذ عزموا على إلقائه في البئر. (٥)

[١٠٣] (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٥٠٧.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٤٠٨.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٧.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٧.

(٥) مجمع البيان ٥ / ٤٠٨.

٥٤٩

(بِمُؤْمِنِينَ). أي لعنادهم وتصميمهم على الكفر. (١)

[١٠٤] (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ)

(وَما تَسْئَلُهُمْ) أي : لا تسألهم على تبليغ الرسالة أجرا فيصدّهم ذلك عن القبول ويمنعهم من الإيمان. (٢)

(عَلَيْهِ) ؛ أي : على الأنباء أو القرآن. (مِنْ أَجْرٍ) ؛ أي : جعل ، كما يفعله حملة الأخبار. (ذِكْرٌ) ؛ أي : عظة من الله. (٣)

[١٠٥] (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ)

(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ) ؛ أي : وكم من آية. والمعنى : وكأيّ عدد شئت من الدلائل الدالّة على وجود الصانع وحكمته وكمال قدرته وتوحيده (يَمُرُّونَ عَلَيْها) : على الآيات ويشاهدونها وهم معرضون عنها لا يتفكّرون فيها ولا يعتبرون بها. (٤)

(فِي السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم. (يَمُرُّونَ عَلَيْها) [و] يشاهدونها. (٥)

(فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : الكسوف والزلزلة والصواعق. (٦)

[١٠٦] (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ)

(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ). نزلت في أهل الكتاب ؛ آمنوا بالله واليوم الآخر والتوراة والإنجيل ، ثمّ أشركوا بإنكار القرآن ونبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. وهو مرويّ عن الرضا عليه‌السلام. وقيل : المراد بالإشراك شرك الطاعة لا شرك العبادة. وأطاعوا الشيطان في المعاصي التي يرتكبونها ممّا أوجب عليها النار ، فأشركوا بالله في طاعته ولم يشركوا به في عبادة فيعبدون معه غيره. وهو مرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : قول الرجل : لو لا فلان لهلكت. و

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٧.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٤٠٩.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٧.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٧.

(٥) مجمع البيان ٥ / ٤٠٩.

(٦) تفسير القمّيّ ١ / ٣٥٨.

٥٥٠

لو لا فلان لضاع عيالي. جعل لله شريكا في ملكه يرزقه ويدفع عنه. فقيل له : لو قال : لو لا ما منّ الله عليّ بفلان لهلكت؟ قال : لا بأس بهذا. وفي رواية زرارة عنهما عليهما‌السلام أنّه شرك النعم. وعن الرضا عليه‌السلام أنّه شرك لا يبلغ به الكفر. (١)

(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ) في إقرارهم بوجوده وخالقيّته (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) بعبادة غيره ، أو باتّخاذ الأحبار أربابا ونسبة التبنّي إليه ، أو القول بالنور والظلمة ونحو ذلك. وقيل : الآية في مشركي مكّة. وقيل : في المنافقين. وقيل : في أهل الكتاب. (٢)

(مُشْرِكُونَ). المراد الشرك الخفيّ.

[١٠٧] (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧))

(غاشِيَةٌ) ؛ أي : عقوبة تغشاهم وتشملهم. (بَغْتَةً) ؛ أي : فجأة من غير سابقة علامة.

(لا يَشْعُرُونَ) بإتيانها غير مستعدّين لها. (٣)

[١٠٨] (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

(قُلْ هذِهِ). يعني الدعوة إلى التوحيد والاعتداد للمعاد. ولذلك فسّر السبيل بقوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ). وقيل : هو حال من الياء. (عَلى بَصِيرَةٍ) : بيان وحجّة واضحة غير عمياء. (أَنَا). تأكيد للمستتر في أدعو أو (عَلى بَصِيرَةٍ) لأنّه حال من أدعو. أو مبتدأ خبره (عَلى بَصِيرَةٍ). (وَمَنِ اتَّبَعَنِي). عطف عليه. (وَسُبْحانَ اللهِ) : أنزّهه تنزيها من الشركاء. (٤)

(عَلى بَصِيرَةٍ) ؛ أي : حجّة قاطعة لا على التقليد. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٤١٠.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٨.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٨.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٨.

(٥) مجمع البيان ٥ / ٤١١.

٥٥١

[١٠٩] (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ)

(نُوحِي). حفص عن عاصم بالنون. والباقون : «يوحى» بالياء. (وَلَدارُ الْآخِرَةِ). يقول : هذا صنيعنا بأهل الإيمان والطاعة في دار الدنيا إذ أهلكنا عدوّهم ونجّيناهم من شرّهم. ولدار الآخرة خير لهم من دار الدنيا ونعيمها. (١)

(أَفَلا تَعْقِلُونَ). نافع [وعاصم] وابن عامر بالتاء. والباقون بالياء. (٢)

(إِلَّا رِجالاً). ردّ لقولهم : (لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً). (٣) وقيل : معناه نفي استنباء النساء. يوحى إليهم كما أوحي إليك وتميّزوا بذلك عن غيرهم. (الْقُرى). لأنّ أهلها أعلم وأحكم من أهل البدو. (مِنْ قَبْلِهِمْ) من المكذّبين بالرسل والآيات فيحذروا تكذيبك. أو من المشعوفين بالدنيا المتهالكين عليها فينقلعوا عن حبّها. (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) : الحياة الآخرة. (خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك والمعاصي. (أَفَلا يَعْقِلُونَ) ؛ أي : يستعملون عقولهم. (٤)

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا). أي هؤلاء المشركون. (ع)

[١١٠] (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)

(حَتَّى). غاية محذوف دلّ عليه الكلام. أي : لا يغررهم تمادي أيّامهم. فإنّ من قبلهم أمهلوا حتّى أيس الرسل من النصر عليهم في الدنيا ، أو عن إيمانهم لانهماكهم في الكفر مترفّهين متمادين فيه. (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) ؛ أي : كذبتهم أنفسهم حين حدّثتهم بأنّهم لا ينصرون. أو : كذبهم القوم بوعد الإيمان. وقيل : الضمير للمرسل إليهم. أي : وظنّ المرسل

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٤١٢.

(٢) التيسير / ١٠٦.

(٣) فصّلت (٤١) / ١٤.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٨.

٥٥٢

إليهم أنّ الرسل قد كذبوهم بالدعوة والوعيد. وقيل : الأوّل للمرسل إليهم ، والثاني للرسل. أي : وظنّوا أنّ الرسل قد كذبوا وأخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم. (قَدْ كُذِبُوا). غير الكوفيّين بالتشديد. أي : وظنّ الرسل أنّ القوم قد كذّبوهم فيما أوعدوهم. (١)

عن الرضا عليه‌السلام حين قال له المأمون : تقول الأنبياء معصومون. فما تقول في قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ)؟ فقال عليه‌السلام : يقول الله : حتّى إذا استيأس الرسل من قومهم ، فظنّ قومهم أنّ الرسل قد كذبوا ، جاء الرسل نصرنا. فقال له المأمون : لله درّك يا أبا الحسن. (٢)

«فينجي» غير عاصم وابن عامر بنونين وتخفيف الجيم وسكون الياء. أي : نخلّص من العذاب من نشاء ـ وهم المؤمنون ـ ولا نردّ عذابنا عن المشركين. (٣)

[١١١] (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)

(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ) ؛ أي : في قصص يوسف وإخوته. (عِبْرَةٌ) ؛ أي : فكرة وبصيرة من الجهل وموعظة. وهو ما أصابه من ملك مصر والجمع بينه وبين إلقائه وبيعه وحبسه. وقيل : في قصصهم عبرة لأنّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقرأ كتابا ولا سمع حديثا ولا خالط أهله ثمّ حدّثهم في حسن معانيه وبراعة ألفاظه ومبانيه بحيث لم يردّ أحد من ذلك شيئا. فهذا من أدلّ الدلائل على صدقه لذوي العقول. (ما كانَ) ؛ أي : ما كان ما أدّاه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنزل عليه حديثا يختلق كذبا. (وَلكِنْ تَصْدِيقَ) الكتب (الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) ، لأنّه جاء به كما بشّر به في الكتب ، وتفصيل كلّ ما يحتاج إليه من الأحكام وشرائع الإسلام. (وَهُدىً) ؛ أي : دلالة (وَرَحْمَةً) ؛ أي : نعمة ينتفع بها المؤمنون. (٤)

(وَتَفْصِيلَ). عطف على تصديق.

(فِي قَصَصِهِمْ) ؛ أي : الرسل. (ما كانَ حَدِيثاً). أي القرآن. (٥)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩٨.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ / ٢٠٢.

(٣) مجمع البيان ٥ / ٤١٣ و ٤١٦.

(٤) مجمع البيان ٥ / ٤١٦.

(٥) الكشّاف ٢ / ٥١١.

٥٥٣
٥٥٤

١٣.

سورة الرعد

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من أكثر قراءة سورة الرعد ، لم يصبه الله بصاعقة أبدا ولو كان ناصبا. وإذا كان مؤمنا ، دخل الجنّة بغير حساب ويشفع في جميع من يعرفه من أهل بيته وإخوانه. (١)

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ سورة الرعد ، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ سحاب يكون إلى يوم القيامة ، وكان يوم القيامة من الموفين بعهد الله. (٢)

من كان به الثالول ، فليقرأ عليها هذه الآيات سبعا في نقصان الشهر : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) ـ الآية. (٣)(وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا)(٤). (٥)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)

(المر). عن الصادق عليه‌السلام : معناه : أنا الله المحيي المميت الرازق. (٦)

معناه : أنا الله أعلم وأرى. (٧)

(تِلْكَ) ؛ أي : هذه السورة آيات الكتاب التي تقدّم الوعد بها ليست بمفتريات ولا

__________________

(١) ثواب الأعمال ١ / ١٣٣ ، ح ١.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٤١٩.

(٣) إبراهيم (١٤) / ٢٦.

(٤) الواقعة (٥٦) / ٥ ـ ٦.

(٥) المصباح / ٦٠٦. هكذا في المصدر ، ولكن هذه لا علاقة لها بالسورة.

(٦) معاني الأخبار / ٢٢ ، ح ١.

(٧) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٠٠.

٥٥٥

سحر. والكتاب القرآن. وقيل : إنّ الكتاب عبارة عن التوراة والإنجيل والكتب المتقدّمة ، والآيات الدلالات المؤديّة إلى معرفة الله. (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ؛ يعني : وهذا القرآن [هو الحقّ] فاعتصم به واعمل بما فيه. [وعلى القول الأوّل ، فإنّه وصف القرآن بصفتين.](١)

(تِلْكَ). إشارة إلى آيات السورة. والمراد بالكتاب السورة. أي : تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة في بابها. ثمّ قال : والذي أنزل إليك من القرآن كلّه ، هو الحقّ الذي لا مزيد عليه لا هذه السورة وحدها. (٢)

(وَالَّذِي أُنْزِلَ). هو القرآن كلّه. ومحلّه الجرّ بالعطف على الكتاب عطف العامّ على الخاصّ أو إحدى الصفتين على الأخرى ، أو الرفع بالابتداء وخبره (الْحَقُّ). (لا يُؤْمِنُونَ). لإخلالهم بالنظر والتأمّل. (٣)

[٢] (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)

(اللهُ الَّذِي). لمّا ذكر سبحانه أنّهم لا يؤمنون ، عرّف الدليل الذي يوجب التصديق بالخالق. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ). إذا حملنا الاستواء على معنى الملك والاقتدار ، فالوجه في إدخال ثمّ فيه ـ ولم يزل تعالى كذلك ـ أنّ المراد اقتداره على تصريفه وتقليبه وهذا لا يكون إلّا إذا وجد نفس العرش. (يُفَصِّلُ الْآياتِ) ؛ أي : يأتي بآية في أثر آية فصلا فصلا مميّزا بعضها عن بعض ، ليكون أمكن للاعتبار والتفكّر. وقيل : معناه : يبيّن الدلائل بما يحدثه في السموات والأرض. (بِلِقاءِ رَبِّكُمْ) : المعاد. (٤)

(اللهُ) مبتدأ وخبره (الَّذِي). وقوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ) خبر بعد خبر. (تَرَوْنَها). كلام مستأنف ، استشهاد برؤيتهم لها كذلك. وقيل : هي صفة لعمد. (يُدَبِّرُ) أمر

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٤٢٠.

(٢) الكشّاف ٢ / ٥١١.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٠٠.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٤٢٠ ـ ٤٢١.

٥٥٦

ملكوته وربوبيّته. (يُفَصِّلُ) آياته في كتبه المنزلة ، لعلّكم توقنون بالجزاء وبأنّ هذا المدبّر والمفصّل لا بدّ لكم من الرجوع إليه. (١)

(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) : ذلّلهما لما أراد منهما كالحركة المستمرّة على حدّ من السرعة. (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) : لمدّة معيّنة يتمّ فيها أدواره. أو : لغاية مضروبة ينقطع دونها وهي إذا الشمس كوّرت. (٢)

[٣] (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

(مَدَّ الْأَرْضَ) ؛ أي : بسطها طولا وعرضا ليثبت عليها الأقدام ويتقلّب عليها الحيوان. (رَواسِيَ) : جبالا ثوابت. (زَوْجَيْنِ) ؛ أي : صنفين اثنين كالحلو والحامض والأسود والأبيض والكبير والصغير. (يُغْشِي). حمزة والكسائيّ وأبو بكر بالتشديد. (٣)

(جَعَلَ فِيها) ؛ أي : خلق فيها من جميع أنواع الثمرات زوجين حين مدّها ، ثمّ تكاثرت بعد ذلك وتنوّعت. وقيل : أراد بالزوجين الأسود والأبيض والحلو والحامض والصغير والكبير وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة. (٤)

(يُغْشِي اللَّيْلَ) ؛ أي : يلبس ظلمة اللّيل ضياء النهار. وقيل : يدخل اللّيل في النهار والنهار في اللّيل. (لَآياتٍ) ؛ أي : دلالات واضحة على وحدانيّة الله للمتفكّرين [فيها المستدلّين منها] على الصانع. (٥)

[٤] (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٥١٢.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٠٠.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٠٠ ـ ٥٠١.

(٤) الكشّاف ٢ / ٥١٢.

(٥) مجمع البيان ٦ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤.

٥٥٧

لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)

(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ) ؛ أي : أبعاض متقاربات مختلفات في التفاضل ، منها جبال صلب تنبت شيئا ومنها سهل حرّ ينبت ومنها سبخة لا تنبت. بيّن سبحانه باختلاف هذه الأرضين مع تقاربها أنّه قادر على كلّ شيء. (وَجَنَّاتٌ) ؛ أي : بساتين. (صِنْوانٌ) ؛ أي : نخلات من أصل واحد. (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) ؛ أي : من أصول شتّى. والصنو : الأصل. وقيل : الصنو : المثل. والصنوان : الأمثال. ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : [عمّ] الرجل صنو أبيه. (يُسْقى). أي كلّ ما ذكرنا. (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ). أي في الأكل واللّون والطعم. فلو كانت بالطبع ، لما اختلف ألوانها وطعومها. وفيه دلالة واضحة على أنّ لها صانعا. (إِنَّ فِي ذلِكَ) ؛ أي : في اختلافها لونا وطعما. (يَعْقِلُونَ). أي الدلائل. وعن جابر قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ عليه‌السلام : الناس من شجر شتّى. وأنا وأنت من شجرة واحدة. ثمّ قرأ : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ) ـ الآية. (وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ). ابن كثير وأبو عمرو وحفص جميعها بالرفع ، والباقون بالجرّ. (١)

(يُسْقى). عاصم وابن عامر بالياء. والباقون بالتاء. وحمزة والكسائي : «يفضل» بالياء ، ليطابق قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ). (٢)

[٥] (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)

(وَإِنْ تَعْجَبْ). لمّا قدّم أنّه قادر على الإنشاء والإعادة ، عقّبه بالتعجّب من تكذيبهم بالمعاد فقال : وإن تعجّبت ـ يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ من إنكار هؤلاء الكفّار البعث ، فقد وضعت التعجّب موضعه. (فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) ؛ أي : قولهم عجب. (خَلْقٍ جَدِيدٍ) ؛ أي : نبعث ونعاد بعد ما صرنا ترابا؟ هذا غير ممكن! لأنّ من قدر على الإنشاء ، كان أقدر على الإعادة. أبو جعفر :

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٤٢٤ و ٤٢٢.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٠١.

٥٥٨

(إِذا كُنَّا) بغير استفهام. (إِنَّا) بهمزة واحدة مطوّلة. فهو يستفهم في الثاني دون الأوّل. وأمّا نافع فإنّه يستفهم بالأوّل بهمزة واحدة غير مطوّلة ولا يستفهم بالثاني. وعاصم وحمزة يستفهمان فيهما بهمزتين. (أُولئِكَ) : المنكرون للبعث. (فِي أَعْناقِهِمْ) في الآخرة. وقيل : المراد أغلال الكفر. أي : كفرهم أغلال في أعناقهم. (١)

(أَإِذا). بدل من (قَوْلُهُمْ) أو مفعول له. والعامل في إذا محذوف دلّ عليه (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ). (كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ). لأنّهم كفروا بقدرته على البعث. (٢)

[٦] (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦))

(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) يا محمّد هؤلاء المشركون بالعذاب قبل الرحمة ، أو بالعقاب الذي توعّدوا به على التكذيب قبل الثواب الذي وعدوا به على الإيمان. وذلك حين قالوا : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ). (٣)(وَقَدْ خَلَتْ) ؛ أي : مضت (مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ). المثلات ، واحدتها مثلة بفتح الميم وضمّ الثاء. أي : العقوبات التي يقع بها الاعتبار. وهو ما حلّ بهم من المسخ والخسف. وقد سلك هؤلاء طريقتهم ، فكيف يتجاسرون على استعجالها؟ وقيل : هي العقوبة الفاضحة التي تسير بها الأمثال. وتقديره : وقد خلت المثلات بقومه. أو : خلا أصحاب المثلة ، فحذف المضاف. (٤)

سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بإنذاره. (بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) : بالنقمة قبل العافية. (عَلى ظُلْمِهِمْ) ؛ أي : في حال كونهم ظالمين لأنفسهم. (٥)

(الْمَثُلاتُ). المثلة بفتح الثاء وضمّها ـ كالصدقة والصدقة ـ : العقوبة ، لأنّها مثل المعاقب عليه. ومنه المثال للقصاص. (عَلى ظُلْمِهِمْ). التقييد به دليل جواز العفو قبل التوبة. فإنّ

__________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٠١.

(٣) الأنفال (٨) / ٣٢.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٤٢٦ ـ ٤٢٧.

(٥) الكشّاف ٢ / ٥١٣ ـ ٥١٤.

٥٥٩

التائب ليس على ظلمه. ومن منع ذلك ، خصّ الظلم بالصغائر المكفّرة لمجتنب الكبائر ، أو أوّل المغفرة بالستر والإمهال. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لا عفو الله وتجاوزه ، لما هنأ أحد العيش. ولو لا وعيده وعقابه ، لاتّكل كل أحد. (١)

(لَذُو مَغْفِرَةٍ). إبراهيم العيّاشيّ قال : كنّا في مجلس الرضا عليه‌السلام فتذاكروا الكبائر وقول المعتزلة فيها أنّها لا تغفر. فقال الرضا عليه‌السلام : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة. قال الله جلّ جلاله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) ـ الآية. (٢)

[٧] (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)

(لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) ـ الآية. طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى ، فبيّن سبحانه طريقتهم في اقتراح الآيات ، كما في قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ) إلى قوله : (قَبِيلاً). (٣) وكما قالوا : اجعل لنا الصفا ذهبا حتّى نأخذ منه ما نشاء. وإنّما يظهر الله تلك الآيات ، لأنّه لو أجاب أولئك ، لاقترح آخرون وكذلك كلّ كافر ، فكان يؤدّي إلى غير نهاية. (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ). فيه أقوال. أحدها : انّ معناه : أنت منذر مخوّف وهاد لكلّ قوم ، وليس عليك إنزال الآيات. فيكون [أنت مبتدأ ومنذر خبره و] هاد عطف على منذر. والثاني : انّ المنذر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والهادي هو الله تعالى. الثالث : ولكلّ قوم نبيّ يهديهم وداع يرشدهم. وعن ابن عبّاس : لمّا نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا المنذر. وعليّ عليه‌السلام الهادي من بعدي. يا عليّ ، بك يهتدي المهتدون. (٤)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر. وعليّ عليه‌السلام الهادي. وكلّ إمام هاد للقرن الذي هو فيه. (٥)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٥٠١ ـ ٥٠٢.

(٢) التوحيد / ٤٠٦ ، ح ٤.

(٣) الإسراء (١٧) / ٩٠ ـ ٩٢.

(٤) مجمع البيان ٦ / ٤٢٧.

(٥) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٠٤ ، ح ٧.

٥٦٠