عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-27-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٣

[٦٩] (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)

(يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ) بإضافة الولد إليه. (١)

[٧٠] (مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ)

(مَتاعٌ فِي الدُّنْيا) ؛ أي : افتراؤهم هذا منفعة قليلة في الدنيا. وذلك حيث يقيمون رياستهم في الكفر ومناصبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتظاهر به ، ثمّ يلقون الشقاء المؤبّد عليه. (٢)

[٧١] (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ)

(كَبُرَ) ؛ أي : ثقل وشقّ. (مَقامِي) ؛ أي : مكاني. يعني نفسه. كما تقول : فعلت كذا لمكان فلان. أو : مقامي ومكثي بين أظهركم مددا طوالا ألف سنة إلّا خمسين عاما. أو : مقامي (٣) وتذكيري. لأنّهم كانوا إذا وعظوا الجماعة ، قاموا على أرجلهم يعظونهم ليكون مكانهم بيّنا وكلامهم مسموعا. (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ). من أجمع الأمر ، إذا نواه وعزم عليه. والواو بمعنى مع. أي : مع شركائكم. وإسناد الإجماع إلى الشركاء على وجه أنّه التهكّم. كقوله : (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ). (٤)

فإن قلت : فما معنى الأمرين ؛ [أمرهم الذي يجمعونه و] أمرهم الذي لا يكون عليهم غمّة؟ قلت : أمّا الأمر الأوّل ، فالقصد إلى اهلاكه. يعني : فاجمعوا ما تريدون من إهلاكي وابذلوا وسعكم في كيدي. وإنّما قال ذلك إظهارا لقلّة مبالاته وثقة بما وعده ربّه من عصمته.

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٣٥٨.

(٢) الكشّاف ٢ / ٣٥٨.

(٣) لعلّ الصحيح : «قيامي» كما ذكر في هامش المصدر.

(٤) الأعراف (٧) / ١٩٥.

٤٠١

وأمّا الثاني ، ففيه وجهان : أحدهما أن يراد مصاحبتهم له وما كانوا فيه معه من الحال الشديدة عليهم المكروه عندهم. يعني : أهلكوني لئلّا يكون عيشكم بسببي غصّة وحالكم عليكم غمّه ؛ أي : غمّا وهمّا. والثاني أن يراد به ما أريد بالأمر الأوّل. والغمّة : السترة. من غمّه ، إذا ستره. يعني : ولا يكن قصدكم إلى اهلاكي مستورا عليكم ولكن مشهورا مكشوفا تجاهرونني به. (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ) ذلك الأمر الذي تريدون بي. أي : أدّوا إليّ قطعه وتصحيحه. أو : أدّوا إليّ ما هو حقّ عليكم من هلاكي ، كما يقضي الرجل غريمه. [(وَلا تُنْظِرُونِ) :] ولا تمهلوني. (١)

(ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ). تهديد في صورة الأمر. قد كان هذا من معجزات نوح عليه‌السلام. لأنّه كان وحيدا مع نفر يسيرو قد أخبر بأنّهم لا يقدرون على قتله لأنّ الله ناصره وحافظه. (٢)

[٧٢] (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) ؛ أي : أعرضتم عن تذكيري ونصيحتي ، (فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) : فما كان عندي ما ينفركم عنّي وتتّهموني لأجله من طمع في أموالكم وطلب أجر على عظتكم. إنّ أجري وثوابي على الله في الآخرة. (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الذين لا يأخذون على تعليم الدين شيئا ولا يطلبون به الدنيا. يريد أنّ ذلك مقتضى الإسلام. وحاصله أنّ تولّيهم عنه إنّما كان عنادا منهم ولم يكن عن تفريط منه. (٣)

[٧٣] (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ)

(فَكَذَّبُوهُ) ؛ أي : تمّوا على تكذيبه وكان تكذيبهم له في آخر المدّة المتطاولة كتكذيبهم

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٣٥٩ ـ ٣٦٠.

(٢) مجمع البيان ٥ / ١٨٧.

(٣) الكشّاف ٢ / ٣٦٠.

٤٠٢

في أوّلها. وذلك عند مشارفة الهلاك بالطوفان. (خَلائِفَ) يخلفون الهالكين بالغرق. (١)

(وَمَنْ مَعَهُ). كانوا ثمانين نفسا. (وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ). قال البلخيّ : أي : جعلناهم رؤساء في الارض. (٢)

[٧٤] (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ)

(مِنْ بَعْدِهِ) ؛ أي : من بعد نوح. يعني هودا وصالحا وإبراهيم ولوطا وشعيبا عليهم‌السلام. (بِالْبَيِّناتِ) ؛ أي : الحجج الواضحة المثبتة لدعواهم. (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) ؛ أي : فما كان إيمانهم إلّا ممتنعا كالمحال ، لشدّة شكيمتهم في الكفر. (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ). يريد أنّهم كانوا قبل بعثة الرسل أهل جاهليّة مكذّبين بالحقّ ، فما وقع فصل بين حالتيهم بعد بعثة الرسل وقبلها كأن لم يبعث إليهم أحد. (كَذلِكَ نَطْبَعُ) : مثل ذلك الطبع المحكم نطبع (عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ). والطبع جار مجرى الكناية عن عنادهم ولجاجهم. لأنّ الخذلان يتبعه. ألا ترى كيف أسند إليهم الاعتداء ووصفهم به؟ (٣)

(إِلى قَوْمِهِمْ). وهم أولاد قوم نوح بعد ما تناسلوا. (ع)

(فَما كانُوا). أي : ما كان الأولاد ليؤمنوا بالرسل الذي كذّب بمثلهم آباؤهم. (٤)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : انّ الله خلق الخلق ؛ فخلق من أحبّ من طينة الجنّة ، وخلق من أبغض من طينة النار. ثمّ بعثهم في الظلال. فقال الراوي : وأيّ شيء الظلال؟ فقال عليه‌السلام : ألم تر إلى ظلّك في الشمس شيئا وليس بشيء؟ ثمّ بعث منهم الأنبياء فدعوهم إلى الإقرار بالله. وهو قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ). (٥) ثمّ دعوهم إلى الإقرار بالنبيّين فأقرّ بعضهم وأنكر بعض. ثمّ دعوهم إلى ولايتنا فأقرّ بها ـ والله ـ من أحبّ وأنكرها من أبغض.

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٣٦٠.

(٢) مجمع البيان ٥ / ١٨٩.

(٣) الكشّاف ٢ / ٣٦٠ ـ ٣٦١.

(٤) مجمع البيان ٥ / ١٨٨.

(٥) الزخرف (٤٣) / ٨٧.

٤٠٣

وهو قوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ). ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : كان التكذيب ثمّة. (١)

أقول : الأخبار الواردة بهذا المعنى مستفيضة. وحاصلها أنّ أهل الخلاف على الأئمّة عليهم‌السلام لم يؤمنوا بهم في هذا العالم لأنّهم كذّبوا بهم في عالم الذرّ والأرواح.

[٧٥] (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ)

(مِنْ بَعْدِهِمْ) : من بعد الرسل. (إِلى فِرْعَوْنَ) بالآيات التسع. (فَاسْتَكْبَرُوا) عن قبولها. (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) : كفّارا ذوي آثام عظام. (٢)

[٧٦ ـ ٧٧] (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ * قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ)

(فَلَمَّا جاءَهُمُ) ؛ أي : لمّا عرفوا أنّه الحقّ من عند الله لا من قبل موسى وهارون ، قالوا لحبّهم الشهوات : (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ). وهم يعلمون أنّه ليس بسحر. فإن قلت : هم قطعوا على أنّه سحر ، فكيف قيل لهم : (أَتَقُولُونَ) (أَسِحْرٌ هذا). قلت : فيه أوجه : أن يكون معنى قوله : (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ) : أتعيبونه وتطعنون فيه وكان عليكم أن تذعنوا له؟ من قولهم : بين الناس تقاول ، إذا قال بعضهم لبعض ما يسوؤه. يعني فلا يحتاج حينئذ إلى المقول. ثمّ قال : (أَسِحْرٌ هذا) فأنكر ما قالوه في عيبه والطعن عليه. وأن يحذف مفعول أتقولون وهو ما دلّ عليه قولهم : (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ). فكأنّه قيل : أتقولون ما تقولون ، ثمّ قيل : (أَسِحْرٌ هذا). وأن يكون جملة قوله : (أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) حكاية لكلامهم. كأنّهم قالوا : أجئتما بالسحر تطلبان به الفلاح؟ (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ). كما قال موسى للسحرة : (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ)(٣). (٤)

__________________

(١) الكافي ٢ / ١٠ ، ح ٣.

(٢) الكشّاف ٢ / ٣٦١.

(٣) يونس (١٠) / ٨١.

(٤) الكشّاف ٢ / ٣٦١ ـ ٣٦٢.

٤٠٤

(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) وعرفوه بتظاهر المعجزات. (١)

(أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ) ؛ أي : أتقولون للمعجزات سحر ، والسحر باطل والمعجز حقّ؟ (٢)

[٧٨] (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ)

(لِتَلْفِتَنا) ؛ أي : لتصرفنا. (عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) من عبادة الأصنام. (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ). لأنّ الملوك موصوفون بالكبر. ويجوز أن يقصدوا ذمّهما وأنّهما إن ملكا أرض مصر تجبّرا وتكبّرا. كما قال القبطيّ لموسى : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ). (٣)(بِمُؤْمِنِينَ) ؛ أي : مصدّقين لكما فيما جثتما به. (٤)

(وَتَكُونَ). عن أبي بكر : «ويكون» بالياء. (فِي الْأَرْضِ) ؛ أي : أرض مصر. وقيل : أراد اسم الجنس. (٥)

[٧٩] (وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ)

حمزة والكسائيّ : «سحار». (عَلِيمٍ) : حاذق. (٦)

(ساحِرٍ). أهل الكوفة غير عاصم : «سحار» بالتشديد. والباقون : (ساحِرٍ). (وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي). وإنّما فعل ذلك للجهل بأنّ ما أتى به موسى من عند الله وليس بسحر. وبعد ذلك علم أنّه ليس بسحر فعاند ؛ كما قال سبحانه : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ). (٧) وقيل : علم أنّه ليس بسحر ولكنّه ظنّ أنّ السحر يقاربه مقاربة تشبيه. (٨)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٣.

(٢) مجمع البيان ٥ / ١٨٩.

(٣) القصص (٢٨) / ١٩.

(٤) الكشّاف ٢ / ٣٦٢.

(٥) مجمع البيان ٥ / ١٨٨ ـ ١٨٩.

(٦) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٣.

(٧) الإسراء (١٧) / ١٠٢.

(٨) مجمع البيان ٥ / ١٨٩ ـ ١٩٠.

٤٠٥

[٨٠] (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ)

[٨١] (فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)

(ما جِئْتُمْ بِهِ). ما موصولة واقعة مبتدأ و (السِّحْرُ) خبره. أي : الذي جئتم به السحر لا الذي سمّاه فرعون وقومه سحرا من آيات الله. (سَيُبْطِلُهُ) : سيمحقه ، أو يظهر بطلانه بإظهار المعجزة على الشعوذة. (لا يُصْلِحُ) ؛ أي : لا يديمه ولكن يسلّط عليه الدمار. (١)

قرأ أبو عمرو : «آلسحر» على أنّ (ما) استفهاميّة مرفوعة بالابتداء و (جِئْتُمْ بِهِ) خبره و «آلسحر» بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : أهو السحر. (لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) ؛ أي : لا يثبته ولا يقوّيه. وفيه دليل على أنّ السحر فساد وتمويه لا حقيقة له. (٢)

[٨٢] (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)

(يُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ) أي : يثبته. (بِكَلِماتِهِ) ؛ أي : بأوامره وقضاياه. (٣)

[٨٣] (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)

(ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ). قيل : أراد مؤمني بني إسرائيل. وكانوا ستّمائة ألف. كان يعقوب دخل مصر منهم باثنين وسبعين إنسانا فتوالدوا حتّى بلغوا ستّمائة ألف. وإنّما سمّاهم ذرّيّة على وجه التصغير لضعفهم. عن ابن عبّاس. (٤)

أي : فما آمن لموسى في أوّل أمره إلّا طائفة من ذراري بني إسرائيل. كأنّه قيل : إلّا أولاد من أولاد قومه. وذلك أنّه دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون وأجابته طائفة من

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٣.

(٣) الكشّاف ٢ / ٣٦٣.

(٤) مجمع البيان ٥ / ١٩٢.

٤٠٦

أبنائهم مع الخوف. وقيل : الضمير في قومه لفرعون ، والذرّيّة مؤمن آل فرعون وآسية امرأته وخازنه وامرأة خازنه وماشطته. (وَمَلَائِهِمْ). الضمير في ملئهم لفرعون ، بمعنى آل فرعون ـ كما يقال ربيعة ومضر ـ أو لأنّه ذو أصحاب يأتمرون له. ويجوز أن يرجع إلى الذرّيّة. أي : خوف من فرعون وخوف من أشراف بني إسرائيل. لأنّهم كانوا يمنعون أعقابهم خوفا من فرعون عليهم وعلى أنفسهم. ويدلّ عليه (أَنْ يَفْتِنَهُمْ). يريد : أن يعذّبهم. (لَعالٍ فِي الْأَرْضِ) ؛ أي : قاهر فيها. (لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ). أي في الظلم والفساد بادّعاء الربوبيّة. (١)

(أَنْ يَفْتِنَهُمْ) ؛ أي : يعذّبهم فرعون. وهو بدل منه ، أو مفعول خوف ، وإفراده بالضمير للدلالة على أنّ الخوف من الملأ كان بسببه. (لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) في الكبر حتّى استرقّ أولاد الأنبياء. (٢)

[٨٤] (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)

(وَقالَ مُوسى) لمّا رأى تخوّف المؤمنين به : (فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا). (٣)

(فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) : أسندوا إليه أمركم في العصمة من فرعون. ثمّ شرط في التوكّل الإسلام ؛ وهو أن يسلموا نفوسهم لله ؛ أي : يجعلوها له سالمة خالصة لا حظّ للشيطان فيها. لأنّ التوكّل لا يكون مع التخليط. (٤)

[٨٥] (فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)

(عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا). في تقديم التوكّل على الدعاء تنبيه على أنّ الداعي ينبغي أن يتوكّل أوّلا لتجاب دعوته. (٥)

(عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا). إنّما قالوا ذلك لأنّ القوم كانوا مخلصين ، لا جرم أنّ الله قبل توكّلهم

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٣٦٣.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٤.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٤.

(٤) الكشّاف ٢ / ٣٦٤.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٤.

٤٠٧

أجاب دعاءهم وأهلك من كانوا يخافونه وجعلهم خلفاء في أرضه. (لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً) : موضع فتنة لهم ؛ أي : [عذاب] يعذّبوننا ويفتنوننا عن ديننا. أو : فتنة لهم يفتنون بنا. ويقولون : لو كان هؤلاء على الحقّ لما أصيبوا. (١)

[٨٦] (وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)

[٨٧] (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)

(أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً). [خوطب موسى وهارون بهذا ،] لأنّ هذا ممّا يفوّض إلى الأنبياء. (أَنْ تَبَوَّءا) : أي : اجعلا بمصر بيوتا مرجعا لقومكما يرجعون إليه للعبادة والصلاة فيه (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ) تلك (قِبْلَةً) : أي : مساجد متوجّهة نحو القبلة وهي الكعبة. وكان موسى ومن معه يصلّون إلى الكعبة. وكانوا في أوّل أمرهم مأمورين بأن يصلّوا في بيوتهم في خفية من الكفرة لئلّا يظهروا عليهم فيؤذوهم ويفتنونهم عن دينهم. كما كان المؤمنون على ذلك في أوّل الإسلام بمكّة. (وَاجْعَلُوا). يعني مع قومهما. لأنّ اتّخاذ المساجد والصلاة فيها واجب على الجمهور. (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ). وحّد الخطاب هنا لاختصاصها بموسى عليه‌السلام تعظيما للبشارة وللمبشّر بها. (٢)

(بِمِصْرَ بُيُوتاً) يسكنون فيها أو يرجعون إليها للعبادة. (قِبْلَةً) ؛ أي : مصلّى. وقيل :

مساجد متوجّهة نحو الكعبة. (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فيها ، لئلّا يظهر عليهم فرعون وقومه. (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصرة في الدنيا والجنّة في العقبى. (٣)

(وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ). قيل : لمّا دخل موسى بمصر بعد ما أهلك الله فرعون ، أمروا باتّخاذ مساجد للعبادة وأن يجعلوها نحو الكعبة. وقيل : إنّ فرعون أمر بتخريب مساجد

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٣٦٤.

(٢) الكشّاف ٢ / ٣٦٤.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٤.

٤٠٨

بني إسرائيل ومنعهم من الصلاة فأمروا أن يتّخذوا مساجد في بيوتهم يصلّون فيها خوفا من فرعون. وذلك قوله : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) : يقابل بعضها بعضا. (١)

[٨٨] (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨))

(زِينَةً وَأَمْوالاً). قيل : الزينة الجمال وصحّة البدن وطول القامة ، إنعاما عليهم. (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) ؛ أي : لأن لا يضلّوا. فحذف لا. كقوله : (شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٢) ؛ أي : لأن لا تقولوا. (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) ؛ أي : غيّرها إلى ما لا ينتفع به. قال عامّة أهل التفسير : صارت أموالهم حجارة حتّى السكّر. (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) : ثبّتهم على المقام ببلدهم بعد إهلاك أموالهم فيكون ذلك أشدّ عليهم. [وقيل :](وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) ؛ أي : أمتهم بعد سلب أموالهم وأهلكهم. (فَلا يُؤْمِنُوا) إيمان إلجاء (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ). (٣)

(رَبَّنا لِيُضِلُّوا). اللّام للعاقبة وهي متعلّقة بآتيت. ويحتمل أن يكون اللّام للعلّة. لأنّهم لمّا جعلوها سببا للضلال ، فكأنّهم أوتوها ليضلّوا. فيكون (رَبَّنا) تأكيدا للأمر وتكريرا وتنبيها على أنّ المقصود عرض ضلالهم وكفرانهم تقدمة لقوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ). (٤)

(زِينَةً) : ما يتزيّن بها من لباس وحلي وغير ذلك. عن ابن عبّاس : كانت لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها [معادن] من فضّة وذهب وزبرجد وياقوت. وقوله : (رَبَّنا لِيُضِلُّوا) دعاء بلفظ الأمر ؛ كقوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ) (وَاشْدُدْ). وذلك أنّه لمّا عرض عليهم الآيات وكرّر عليهم المواعظ والنصائح فلم ينفع بهم وصار إيمانهم كالمحال ، أو علم ذلك بوحي من الله ، اشتدّ غضبه عليهم فدعا عليهم بما علم أنّه لا يكون غيره. كما تقول : لعن الله إبليس. كأنّه قيل : ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال وليكونوا ضلّالا وليطبع الله على

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ١٩٥.

(٢) الأعراف (٧) / ١٧٢.

(٣) مجمع البيان ٥ / ١٩٥ ـ ١٩٦.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

٤٠٩

قلوبهم. (فَلا يُؤْمِنُوا). جواب للدعاء الذي هو : (اشْدُدْ) أو دعاء بلفظ النهي. وقد حملت اللّام في ليضلّوا على التعليل على أنّهم جعلوا نعمة الله سببا في الضلال ، فكأنّهم أوتوها ليضلّوا ، وقوله : (فَلا يُؤْمِنُوا) عطف على ليضلّوا. وقوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ) (وَاشْدُدْ) دعاء معترض بين المعطوف والمعطوف عليه. (١)

[٨٩] (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)

قيل : كان موسى يدعو وهارون يؤمّن. ويجوز أن يكونا يدعوان. والمعنى : انّ دعاءكما مستجاب وما طلبتما كائن ، ولكن في وقته. (فَاسْتَقِيما) : فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة والزيادة في الحجّة ، فقد لبث نوح عليه‌السلام في قومه ألف عام إلّا قليلا ، ولا تستعجلا. فمكث موسى بعد الدعاء أربعين سنة. (٢)

(تَتَّبِعانِّ). ابن عامر بتخفيف النون. (لا يَعْلَمُونَ) : لا يعرفون الله ولا أنبياءه. (٣)

[٩٠] (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

(قالَ آمَنْتُ). عن الرضا عليه‌السلام : أغرق الله فرعون لأنّه حين أدركه الغرق استغاث بموسى. قال الله لموسى : لو استغاث بي فرعون لأغثته. (٤)

(أَنَّهُ) أي : بأنّه. أهل الكوفة غير عاصم بكسر الألف ، على إضمار القول ؛ كأنّه قال : آمنت وقلت. (٥)

[٩١] (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦.

(٢) الكشّاف ٢ / ٣٦٦.

(٣) مجمع البيان ٥ / ١٩٣ و ١٩٦.

(٤) العيون ٢ / ٧٦ ، ح ٧.

(٥) مجمع البيان ٥ / ١٩٦ ـ ١٩٧.

٤١٠

عن أبي جعفر ونافع : (آلْآنَ) بإلقاء حركة الهمزة على اللّام وحذف الهمزة. (١)

[٩٢] (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢))

(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ). روي أنّ جبرئيل عليه‌السلام سأله : ما قول الأمير في عبد لرجل نشأ في ماله ونعمته فكفر نعمته وادّعى السيادة دونه؟ فكتب فرعون كتابا : يقوله أبو العبّاس الوليد بن مصعب : جزاء العبد الخارج على سيّده أن يغرق في البحر. فلمّا ألجمه الغرق ناوله جبرئيل خطّه فعرفه. (٢)

قال أكثر المفسّرين : لمّا أغرق الله فرعون وقومه ، أنكر بعض بني إسرائيل غرق فرعون وقال : هو أعظم شأنا من أن يغرق ، فأخرجه الله حتى رأوه. فذلك قوله : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ) ؛ أي : نلقيك على نجوة من الأرض ـ وهي المكان المرتفع ـ (بِبَدَنِكَ) ؛ أي بجسدك من غير روح. وذلك أنّه طفا عريانا. وقيل : معناه : نخلّصك من البحر وأنت ميّت. والبدن الدرع. قيل : كانت درعا من ذهب. فالمعنى : نرفعك فوق الماء بدرعك المشهورة ليعرفوك بها. (لِتَكُونَ آيَةً) ؛ أي نكالا لمن خلفك فلا يقولوا مثل مقالتك. (لَغافِلُونَ). أي عن التفكّر في الآيات. (٣)

[٩٣] (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)

(وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ). [المبوّأ] يجوز أن يكون مصدرا ، ويجوز أن يكون مكانا و [يكون] المفعول الثاني محذوفا. أخبر سبحانه عن نعمه عليهم بعد هلاك عدوّهم يقول : مكّنّاكم مكانا محمودا ؛ وهو بيت المقدس والشام. وإنّما قال : (صِدْقٍ) لأنّ فضل

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ١٩٦.

(٢) الكشّاف ٢ / ٣٦٨.

(٣) مجمع البيان ٥ / ١٩٩.

٤١١

ذلك المنزل على غيره من المنازل كفضل الصدق على الكذب. وقيل : معناه : أنزلناهم في موضع خصب يصدق فيما يدلّ عليه من جلالة النعمة. وقيل : يريد به مصر. وذلك أنّ موسى عبر ببني إسرائيل البحر ثانيا ورجع إلى مصر وتبوّأ مساكن آل فرعون. (مِنَ الطَّيِّباتِ) ؛ أي : الأشياء اللّذيذة. (فَمَا اخْتَلَفُوا) في تصديق محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانوا مقرّين به قبل مبعثه ـ (حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) وهو القرآن الذي جاء به محمّد. وقال الفرّاء : العلم محمّد ، لأنّه كان معلوما عندهم مبعثه ، فلمّا جاءهم اختلفوا في تصديقه فكفر به أكثرهم. وقيل : معناه : ما اختلف بنو إسرائيل إلّا من بعد ما جاءهم العلم بالحقّ على يد موسى وهارون. فإنّهم كانوا مطبقين على الكفر [قبل مجيء موسى ، فلمّا جاءهم آمن به بعضهم وثبت على الكفر] بعضهم فصاروا مختلفين. (١)

[٩٤] (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ)

اختلف المفسّرون فيه على أقوال. أوّلها : قال الزجّاج : إنّ هذه الآية قد كثر السؤال عنها. وفي هذه السورة ما يدلّ على بيانها وهذا الخطاب للخلق أي : (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي). (٢) وهذا هو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام. (٣) وثانيها : انّ الخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو غير شاكّ ولكن أخرج الكلام مخرج الإفهام. أي : لو كنت ممّن يشكّ فشككت فاسأل. وثالثها : الخطاب لغير النبيّ. أي : إن كنت أيّها السامع في شكّ ممّا أنزلنا إليك على لسان نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. والمراد بسؤال أهل الكتاب من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار. أو يكون المراد : اسألهم عن صفة النبيّ المبشّر به في كتبهم ثمّ انظر فيما وافق تلك الصفة. وهذا

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

(٢) لا تفيد العبارة الملخّصة في هذه الفقرة مراد القائل. فليراجع المصدر.

(٣) المصدر : «وروي عن الحسن و... أنّهم قالوا : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يشكّ ولم يسأل. وهو المرويّ أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام.» فالظاهر أنّ نسبة قول الزجّاج إليه عليه‌السلام خطأ.

٤١٢

القول أقوى. لأنّ هذه السورة مكّيّة وإسلام ابن سلام إنّما كان بالمدينة. وقيل : المراد بالشكّ الضيق والأذى من قومه. أي : اسأل أهل الكتاب كيف صبر الأنبياء على أذى قومهم ، فاصبر أنت [على] هذا كما صبروا. (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ؛ أي : القرآن والإسلام. (١)

(فِي شَكٍّ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لمّا أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء ، أوحى الله إليه في عليّ عليه‌السلام ما أوحى من شرفه ومن عظمته عند الله. فلمّا ورد إلى البيت المعمور وجميع النبيّين صلّوا خلفه ، عرض في نفس رسول الله من عظم ما أوحي إليه في عليّ عليهما‌السلام. فأنزل الله : (فَإِنْ كُنْتَ) ـ الآية. (مِنْ قَبْلِكَ). يعني الأنبياء. فقد أنزلنا إليهم في كتبهم من فضله ما أنزلنا إليك في كتابك. (لَقَدْ جاءَكَ) ـ الآية. فو الله ما شكّ وما سأل. (٢)

(مِنَ المُمْتَرِينَ) بالتزلزل عمّا أنت عليه من الجزم واليقين. (٣)

[٩٥] (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ)

(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ). هذا أيضا من باب التهييج والتثبيت وقطع الأطماع عنه ؛ كقوله : (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ)(٤). (٥)

[٩٦] (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ)

(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ) ؛ أي : ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللّوح وأخبر به الملائكة أنّهم يموتون كفّارا ، فلا يكون غيره. وتلك كتابة معلوم لا كتابة مقدّر ومراد. تعالى الله عن ذلك. (٦)

[٩٧] (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ)

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٢) تفسير القمّيّ ١ / ٣١٧.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٦.

(٤) القصص (٢٨) / ٨٦.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٦.

(٦) الكشّاف ٢ / ٣٧١.

٤١٣

(كُلُّ آيَةٍ) ؛ أي : كلّ معجزة ودلالة ممّا يقترحون. (١)

[٩٨] (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)

(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ) واحدة من القرى التي أهلكناها تابت عن الكفر إلى الإيمان قبل المعاينة ولم تؤخّر كما أخّر فرعون. (فَنَفَعَها إِيمانُها) لوقوعه في وقت الاختيار. (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ). استثناء منقطع بمعنى : ولكن قوم يونس لمّا آمنوا. ويجوز أن يكون متّصلا والجملة في معنى النفي ؛ كأنّه قيل : ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلّا قوم يونس. روي : انّ يونس بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذّبوه ، فذهب عنهم مغاضبا. فلمّا فقدوه ، خافوا نزول العذاب ، فلبسوا المسوح وعجّوا أربعين ليلة. وقيل : قال لهم يونس : إنّ أجلكم أربعون ليلة. فقالوا : إن رأينا أسباب الهلاك آمنّا بك. فلمّا مضت خمس وثلاثون ، أغامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا ثمّ يهبط حتّى يغشى مدينتهم ويسوّد سطوحهم. فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابّهم وفرّقوا بين النساء والصبيان وبين الدوابّ والأولاد فحنّ بعضها إلى بعض وعلت الأصوات والعجيج وأظهروا الإيمان والتوبة ، فرحمهم وكشف عنهم. وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة. (٢)

(فَلَوْ لا) بمعنى هلّا للتحضيض. (لَمَّا آمَنُوا). قال الزجّاج : قوم يونس لم يقع بهم العذاب ؛ إنّما رأوا الآية الدالّة على العذاب. فمثلهم مثل العليل الذي يتوب في مرضه وهو يرجو العافية ويخاف الموت. وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان في قوم يونس رجل عابد ورجل عالم. وكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم ، وكان العالم ينهاه ويقول : لا تدع عليهم. فإنّ الله يستجيب لك ولا يحبّ هلاك عباده. فقبل يونس قول العابد فدعا عليهم. فأوحى الله إليه أن يأتيهم العذاب في شهر كذا. فلمّا قرب الوقت ، خرج يونس من بينهم مع

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٢٠٢.

(٢) الكشّاف ٢ / ٣٧١ ـ ٣٧٢.

٤١٤

العابد وبقي العالم فيهم. فلمّا كان [اليوم] الذي نزل بهم العذاب ، قال لهم العالم : افزعوا إلى الله لعلّه يردّ العذاب عنكم. واخرجوا إلى المفازة وفرّقوا بين النساء والأولاد وبين سائر الحيوانات وأولادها. [ففعلوا] فصرف عنهم العذاب. (١)

(وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ). وقت الموت. (ع (ره)

[٩٩ ـ ١٠٠] (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)

سأل المأمون أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن قول الله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ* وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ). فقال عليه‌السلام : إنّ المسلمين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أكرهت ـ يا رسول الله ـ من قدرت عليه من الناس على الإسلام ، لكثر عددنا وقوّتنا على عدوّنا. فأنزل الله عليه : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمنوا عند المعاينة. ولو فعلت ذلك بهم ، لم يستحقّوا ثوابا. وقوله : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) يعني بأمره لها بالإيمان. (٢)

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) مشيّة القسر والإلجاء. (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ؛ أي : بتسهيله ؛ وهو منح الألطاف. (٣)

(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ) ؛ أي : لا تقدر أنت. (ع)

(إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ؛ أي : لا يمكن لأحد أن يؤمن إلّا بإطلاق الله له في الإيمان وتمكينه منه ودعائه إليه بما خلق فيه من العقل الموجب لذلك. وقيل : إنّ إذنه هنا أمره. وقيل : إنّ إذنه هاهنا علمه. (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ) ؛ أي : الكفر. أي : يحكم عليهم بالكفر ويذمّهم عليه. وقيل : الرجس السخط والغضب. (٤)

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٢٠٢ ـ ٢٠٤.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ / ١١٠ ، ح ٣٣.

(٣) الكشّاف ٢ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣.

(٤) مجمع البيان ٥ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

٤١٥

[١٠١] (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)

(وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ). ما نافية أو استفهاميّة. قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لمّا أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه جبرئيل بالبراق ، فركبها فأتى بيت المقدس ، فلقي من لقي من الأنبياء. ثمّ رجع فأصبح يحدّث أصحابه. فقالوا : يا رسول الله ، كيف أتيت بيت المقدس اللّيلة؟ فقال : جاءني جبرئيل بالبراق فركبتها. وآية ذلك أنّي مررت بعير أبي سفيان على ماء لبني فلان وقد أضلّوا جملا أحمر وهم في طلبه. فقال القوم بعضهم لبعض : إنّما جاءه راكب سريع. ولكنّكم قد أتيتم الشام وعرفتموها ، فاسألوه عن أسواقها وأبوابها وتجّارها. فسألوه عن ذلك. وكان إذا سئل عن شيء لا يعرفه ، شقّ ذلك عليه حتّى يرى ذلك في وجهه. قال : فبينا هو كذلك ، إذ أتاه جبرئيل فقال : يا رسول الله ، هذه الشام ؛ قد رفعت لك. فالتفت رسول الله ، فإذا هو بالشام. فقالوا : أين بيت فلان ومكان كذا؟ فأجابهم في كلّ ما سألوه عنه. فلم يؤمن منهم إلّا قليل. وهو قول الله : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ). (١)

(الْآياتُ وَالنُّذُرُ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : الآيات هم الأئمّة. والنذر هم الأنبياء عليهم‌السلام. (٢)

(ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الآيات والعبر. (وَالنُّذُرُ) ؛ أي : الرسل المنذرون. أو : الإنذارات. (٣)

[١٠٢] (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)

(أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) : وقائع الله فيهم. كما يقال أيّام العرب لوقائعها. (٤)

(فَانْتَظِرُوا) ما نزل بالأمم من العذاب. أو : فانتظروا هلاكي. (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٢٠٨.

(٢) تفسير القمّيّ ١ / ٣٢٠.

(٣) الكشّاف ٢ / ٣٧٣.

(٤) الكشّاف ٢ / ٣٧٣.

٤١٦

هلاككم. (١)

[١٠٣] (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣))

(ثُمَّ نُنَجِّي). معطوف على كلام محذوف يدلّ عليه (إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ). كأنّه قيل : نهلك الأمم ثمّ ننجّي رسلنا ، على حكاية الأحوال الماضية. (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ؛ أي : ومن آمن معهم. كذلك (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) : مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين منكم. و (حَقًّا عَلَيْنا) اعتراض. أي : حقّ ذلك علينا حقّا. (٢)

(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا) إذا نزل العذاب على الكافرين. (٣)

كذلك حقا علينا ننجي أي : كذلك ننجي محمّدا وصحبه حين نهلك المشركين. (٤)

[١٠٤] (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

(يا أَيُّهَا النَّاسُ). يعني أهل مكّة. (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) وصحّته ، فهذا ديني. فاسمعوه واعرضوه على عقولكم وانظروا فيه بعين الإنصاف لتعلموا أنّه دين لا مدخل فيه للشكّ. وهو أنّي لا أعبد الحجارة التي تعبدونها من دون الله ، ولكن أعبد الذي يتوفّاكم. وإنّما وصفه بالتوفّي ليريهم أنّه الحقيق بأن يخاف ويتّقى فيعبد دون ما لا يقدر على شيء. وقيل : معناه : إن كنتم في شكّ من ديني وأنّي هل أثبت عليه أم أوافقكم ، فلا تحدّثوا أنفسكم بالمحال واقطعوا عنّي أطماعكم. كقوله : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ* لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ). (٥)

(أَنْ أَكُونَ) ؛ أي : بأن أكون. (٦)

[١٠٥] (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٧.

(٢) الكشّاف ٢ / ٣٧٣.

(٣) مجمع البيان ٥ / ٢٠٩.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨.

(٥) الكشّاف ٢ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤.

(٦) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٨.

٤١٧

(أَقِمْ وَجْهَكَ) : استقم إليه ولا تلتفت يمينا وشمالا. و (حَنِيفاً) حال من الدين أو من الوجه. (١)

(وَأَنْ أَقِمْ) ؛ أي : أمرت بالاستقامة في الدين. (٢)

[١٠٦] (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ)

(فَإِنْ فَعَلْتَ) ؛ أي : دعوت من دون الله ما لا يضرّك ولا ينفعك. (٣)

(فَإِنَّكَ). جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدّر عن تبعة الدعاء. (٤)

[١٠٧] (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ). لعلّه ذكر الإرادة مع الخير والمسّ مع الضرّ ، مع تلازم الأمرين ، للتنبيه على أنّ الخير مراد بالذات والضرّ إنّما مسّهم [لا] بالقصد الأوّل. (يُصِيبُ بِهِ) ؛ أي : بالخير. (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). أي : فتعرّضوا الرحمة بالطاعة ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية. (٥)

(فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ). فهو الحقيق بأن توجّه إليه العبادة. (٦)

[١٠٨] (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)

(قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ). فلم يبق لكم عذر ولا على الله حجّة. (٧)

(قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ). وهو القرآن ودين الإسلام. وقيل : يريد بالحقّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله و

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٣٧٤.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٨.

(٣) الكشّاف ٢ / ٣٧٤.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٨.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٤٨.

(٦) الكشّاف ٢ / ٣٧٥.

(٧) الكشّاف ٢ / ٣٧٥.

٤١٨

معجزاته الظاهرة. (١)

(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) ؛ أي : حفيظ موكول إلّي أمركم وحملكم على ما أريد. إنّما أنا بشير ونذير. (٢)

[١٠٩] (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ)

(وَاصْبِرْ) على دعوتهم واحتمال أذاهم وإعراضهم (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) لك بالنصر عليهم. روي أنّها لمّا نزلت ، جمع رسول الله الأنصار وقال : إنّكم ستجدون بعدي أثرة. فاصبروا حتّى تلقوني. (٣)

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٢١١.

(٢) الكشّاف ٢ / ٣٧٥.

(٣) الكشّاف ٢ / ٣٧٥.

٤١٩
٤٢٠