عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-27-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٣

قرضا علينا حتّى نصيب شيئا فنعطيه مكانه. فقالوا : رضينا وسلّمنا. (١)

[٢٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

(نَجَسٌ). يقال : رجل نجس وقوم نجس ، لأنّه مصدر. يعني أنّ المشركين أنجاس فامنعوهم عن المسجد الحرام. والعام هو سنة تسع الذي نادى عليّ عليه‌السلام فيه بالبراءة وقال : لا يحجّن بعد هذا العام مشرك. واختلف في نجاسة الكافر. فقال قوم من الفقهاء : هو نجس العين. وظاهر الآية يدلّ عليه. وهو مذهب أصحابنا. وقال آخرون : إنّما سمّاهم الله نجسا لخبث اعتقادهم وأفعالهم وأقوالهم. وأجازوا للذمّيّ دخول المساجد. قالوا : وإنّما يمنعون من دخول مكّة للحجّ. وقال قتادة : سمّاهم نجسا لأنّهم يجنبون ولا يغتسلون. فمنعوا من دخول المسجد لأنّ الجنب لا يجوز له دخول المسجد. (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) ؛ أي : فقرا وحاجة وكانوا قد خافوا انقطاع المتاجر بمنع المشركين عن دخول الحرم. (يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ؛ أي : من جهة أخرى بأن يرغّب الناس من أهل الآفاق في حمل الميرة إليكم. فإنّه أسلم أهل نجد وصنعاء وحملوا الطعام إلى مكّة على ظهور الإبل وكفاهم الله ما كانوا يتخوّفون. وقيل : معناه : يغنيكم بالجزية المأخوذة من أهل الكتاب. وقيل : بالمطر والنبات. وقوله : (إِنْ شاءَ اللهُ) إشارة إلى أنّه سبحانه يعلم أنّ منهم من يبقى إلى وقت فتح البلدان واغتنام أموال الأكاسرة فيستغني منها ومنهم من لا يبقى. (٢)

(إِنْ شاءَ). إشارة [إلى] أنّ الغنى من الله لا من الاجتهاد في الطلب. (٣)

[٢٩] (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَ

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٠١.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٣٢ ـ ٣٣.

(٣) مجمع البيان ٥ / ٣٣.

٣٠١

رَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)

(لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ). ـ لأنّ اليهود مثنّية والنصارى مثلّثة ـ ولا بالقيامة لأنّهم فيه على خلاف ما يجب. (الْجِزْيَةَ). سمّيت جزية لأنّهم يجزون بها من منّ عليهم بالإعفاء عن القتل.

(عَنْ يَدٍ) ؛ أي : عن طاعة وانقياد منهم. كما يقال : أعطى بيده ، إذا انقاد. واختلف فيمن تضرب عليه الجزية. فعند أبي حنيفة أنّها تضرب على كلّ كافر حربيّ وذمّيّ إلّا على مشركي العرب وحدهم. وعند الشافعيّ لا تؤخذ من مشركي العجم. والمأخوذ عند أبي حنيفة في أوّل كلّ سنة من الفقير الذي له كسب اثنا عشر درهما ، ومن المتوسّط ضعفها ، ومن المكثر ثمانية وأربعون. ولا تؤخذ من فقير لا كسب له. وعند الشافعيّ تؤخذ في آخر السنة من كلّ واحد دينار فقيرا كان أو غنيّا كان له كسب أو لم يكن. (١)

[٣٠] (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)

(عُزَيْرٌ). نافع وابن كثير : (عُزَيْرٌ) بغير تنوين. (٢)

(يُضاهِؤُنَ). غير عاصم : (يُضاهِؤُنَ) بغير الهمزة. (٣)

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ). مبتدأ وخبر. وعزير اسم أعجميّ ، ولعجمته وتعريفه امتنع صرفه. ومن نوّن فقد جعله عربيّا. هو قول ناس منهم ممّن كان بالمدينة. وسبب هذا القول أنّ اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى عليه‌السلام فرفع الله عنهم التوراة ومحاها من قلوبهم ، فخرج عزير وهو غلام يسيح في الأرض لطلب العلم ، فعلّمه جبرئيل عليه‌السلام التوراة فأملاها عليهم عن ظهر لسانه ، فقالوا : ما جمع الله التوراة في صدره وهو غلام إلّا لأنّه ابنه. والدليل على أنّ هذا القول كان فيهم أنّ الآية تليت عليهم فما أنكروا ولا كذّبوا مع تهالكهم على

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

(٢) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٣) مجمع البيان ٥ / ٣٥.

٣٠٢

التكذيب. (قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) ؛ أي : قول لا يعضده برهان ، فما هو إلّا لفظ يفوهون به. (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) أي : قول اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يضاهي قول قدمائهم ـ يعني أنّه كفر قديم ـ [أو يضاهئ] قول المشركين : الملائكة بنات الله. (١)

(قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لن يغضب لله شيء كغضب الطلح والسدر. إنّ الطلح كان كالأترج والسدر كالبطّيح. فلمّا قالت اليهود : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) تقبّض حملها فصغر فصار له عجم واشتدّ العجم. فلمّا قالت النصارى : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) خرج لها هذا الشوك وتقبّض حملها وصار النبق إلى هذا الحمل. وذهب حمل الطلح إلى أن يقوم قائمنا. ثمّ قال : من سقى طلحة أو سدرة ، فكأنّما سقى مؤمنا من ظمأ. (٢)

(قاتَلَهُمُ اللهُ). عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (قاتَلَهُمُ اللهُ) ؛ أي : لعنهم الله. فسمّى اللّعنة قتالا. (٣)

(قاتَلَهُمُ اللهُ). أي هم أحقّاء بأن يقال لهم هذا تعجّبا من شناعة قولهم. (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) : كيف يصرفون عن الحقّ؟ (٤)

[٣١] (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)

(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ). لأنّهم أطاعوهم في الأمر بالمعاصي كما تطاع الأرباب. (وَالْمَسِيحَ). لأنّهم جعلوه ابنا له فأهّلوه للعبادة. (٥)

(وَما أُمِرُوا). أي المربوبين ، أو الأرباب. فكيف يجوز عبادتهم؟

[٣٢] (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

(٢) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٨٦.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٧٢.

(٤) الكشّاف ٢ / ٢٦٤.

(٥) الكشّاف ٢ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

٣٠٣

الْكافِرُونَ)

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا). عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : نزلت في المغيّرين لقوله. يعني أنّهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليقة ، فأعمى الله قلوبهم حتّى تركوا فيه ما دلّ على ما أحدثوه فيه وحرّفوه منه. (١)

وعن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل ذكر فيه شقّ فرعون بطون الحبالى في طلب موسى عليه‌السلام : كذلك بنو أميّة وبنو العبّاس لمّا وقفوا على أنّ زوال ملك الجبابرة على يدي القائم عليه‌السلام وضعوا سيوفهم في قتل أهل البيت ، طمعا في قتل القائم عليه‌السلام فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلّا أن يتمّ نوره. (٢)

(يُرِيدُونَ). أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفّار من اليهود والنصارى أنّهم يريدون أن يطفئوا نور الله وهو القرآن والإسلام. عن أكثر المفسّرين. وقيل : الدلالة والبرهان ، لأنّهما يهتدى بهما كالأنوار. (بِأَفْواهِهِمْ). يعنى به النفخ. وفيه تصغير شأنهم وتضعيف كيدهم. لأنّ الفم يؤثّر في الأنوار الضعيفة لا القويّة. (وَيَأْبَى اللهُ) ؛ أي : يمتنع. (٣)

(يُرِيدُونَ). مثّل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبثّ في الآفاق يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى من الإشراق والإضاءة ليطفئه بنفخه ويطمسه. (وَيَأْبَى اللهُ) ؛ أي : لم يرد الله إلّا أن يتمّ نوره. (٤)

[٣٣] (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)

(أَرْسَلَ). عن أبي الحسن عليه‌السلام : أرسله بولاية عليّ عليه‌السلام التي من الهدى ودين الحقّ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) عند قيام القائم عليه‌السلام. (وَاللهُ مُتِمُّ) ولاية القائم (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) بولاية عليّ عليه‌السلام. قال له محمّد بن الفضيل : هذا تنزيله؟ قال : نعم. أمّا هذا الحرف فتنزيل ، و

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٣٧١.

(٢) كتاب الغيبة للطوسيّ / ١٠٦.

(٣) مجمع البيان ٥ / ٣٨.

(٤) الكشّاف ٢ / ٢٦٥.

٣٠٤

أمّا غيره فتأويل. (١)

(بِالْهُدى) ؛ أي : الحجج والبيّنات. (وَدِينِ الْحَقِّ). هو الإسلام. (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ) : ليعلي دين الإسلام على جميع الأديان بالحجّة والغلبة والقهر لها حتّى لا يبقى على وجه الأرض دين إلّا مغلوبا ولا يغلب أحد أهل الإسلام بالحجّة. وأمّا الظهور بالغلبة ، فهو أنّ كلّ طائفة من المسلمين قد غلبوا على ناحية من نواحي أهل الشرك. وقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنّ ذلك يكون عند خروج القائم من آل محمّد عليهم‌السلام فلا يبقى أحد إلّا أقرّ بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. وهو قول السدّيّ. (٢)

[٣٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)

(لَيَأْكُلُونَ) ؛ أي : يأخذون الرشا على الحكم. (وَيَصُدُّونَ) ؛ أي : يمنعون غيرهم عن سلوك سبيل الله. (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) ؛ أي : يجمعون المال ولا يؤدّون زكاته. فقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : كلّ مال لم يؤدّ زكاته ، فهو كنز وإن كان ظاهرا. وكلّ ما أدّيت زكاته ، فليس بكنز وإن كان مدفونا في الأرض. وأكثر المفسّرين على أنّ قوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) على الاستئناف وأنّ المراد بذلك مانعو الزكاة من هذه الأمّة. (٣)

(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : موسّع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف. فإذا قام قائمنا ، حرّم على كلّ ذي كنز كنزه حتّى يأتيه [به] فيستعين به على عدوّه. وهو قول الله عزوجل في كتابه : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ) ـ الآية. (٤)

(الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ). خصّهما لأنّهما أصل الأموال وكنزهما مستلزم لكنز غيرهما من

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٣٢.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٣٨.

(٣) مجمع البيان ٥ / ٤٠.

(٤) الكافي ٤ / ٦١.

٣٠٥

الأموال غالبا. (١)

[٣٥] (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)

(يُحْمى عَلَيْها) ؛ أي : يوقد على الكنوز أو على الذهب والفضّة في نار جهنّم حتّى تصير نارا فتكوى بتلك الكنوز المحماة جنوبهم وجباههم وظهورهم. إنّما خصّ هذه الأعضاء لأنّها معظم البدن. وقيل : لأنّ صاحب المال إذا رأى فقيرا ، قبض جبهته وزوى ما بين عينيه وطوى عنه كشحه وولّاه ظهره. (هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ). يقال لهم في حال الكيّ أو بعده. (فَذُوقُوا) العذاب بسبب ما كنزتم ومنعتم حقّ الله منه. (٢)

(لِأَنْفُسِكُمْ) ؛ أي : لتنتفع به نفوسكم وتلتذّ وما علمتم الضرر. (٣)

[٣٦] (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ). عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) ـ الآية ـ فقال : أمّا السنة فهي جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشهورها اثنا عشر شهرا أمير المؤمنين إلى المهديّ عليهم‌السلام. والأربعة الحرم الذين هم الدين القيّم أربعة منهم باسم واحد : عليّ أمير المؤمنين ، وأبي عليّ بن الحسين ، وعليّ بن موسى ، وعليّ بن محمّد عليهم‌السلام. فالإقرار بهؤلاء هو الدين القيّم. فقولوا بهم جميعا. (٤)

(اثْنا عَشَرَ) قرأ أبو جعفر : (اثْنا عَشَرَ) بسكون العين. (عِدَّةَ) ؛ أي : عدد. (عِنْدَ اللهِ) ؛ أي : في حكم الله. (فِي كِتابِ اللهِ) ؛ أي : اللّوح المحفوظ. أو : الكتب المنزلة على الأنبياء. أو :

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٢٦٨.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٤٠ ـ ٤١.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢٦٩.

(٤) كتاب الغيبة للطوسيّ / ٩٦.

٣٠٦

القرآن. أو : الحكم والقضاء والقدر. (يَوْمَ خَلَقَ). متّصل بقوله : (عِنْدَ اللهِ). والعامل فيه الاستقرار. (أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) : رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم. ومعنى حرم أنّه يعظّم انتهاك المحارم فيها أكثر ممّا يعظّم في غيرها. وكانت العرب تعظّمها ، حتّى لو أنّ رجلا لقي قاتل أبيه فيها ، لم يهجه لحرمتها. (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) ؛ أي : ذلك الحساب المستقيم الصحيح لا ما كانت العرب تفعله من النسيء. وقيل : معناه : ذلك القضاء المستقيم الحقّ. (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ) ؛ أي : في هذه الأشهر كلّها أو في الحرم منها بترك الأوامر وارتكاب النواهي. (الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) ؛ أي : قاتلوهم جميعا مؤتلفين غير مختلفين ، كما يقاتلونكم كذلك. فيكون كافّة حالا من المسلمين. (مَعَ الْمُتَّقِينَ) بالنصرة والولاية. (١)

(ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) ؛ أي : تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم ، دين إبراهيم وإسماعيل ، أخذته العرب وراثة منهما. (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ) ؛ أي : في الحرم. (أَنْفُسَكُمْ) ؛ أي : لا تجعلوا حرامها حلالا. وعن عطاء : ما يحلّ للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلّا أن يقاتلوا ، وما نسخت. وعن عطاء [الخراسانيّ] : أحلّت القتال في الأشهر الحرم براءة من الله. (٢)

[٣٧] (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)

(النَّسِيءُ). أبو جعفر : «النسي» بالتشديد من غير همز. وقرأ جعفر بن محمّد عليهما‌السلام مخفّفا على وزن الهدي. (إِنَّمَا النَّسِيءُ). يعني تأخير الأشهر الحرم عمّا رتّبها الله عليه. وكانت العرب تحرّم الشهور الأربعة. وذلك ممّا تمسّكت به من ملّة إبراهيم وإسماعيل. وهم كانوا أصحاب غارات وحروب ، فربما كان يشقّ عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٤١ ـ ٤٤.

(٢) الكشّاف ٢ / ٢٦٩.

٣٠٧

فيها ، فكانوا يؤخّرون تحريم المحرّم إلى صفر فيحرّمونه ويستحلّون المحرّم فيمكثون بذلك زمانا ثمّ يزول التحريم إلى المحرّم. (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ). لأنّهم أحلّوا ما حرّم الله وبالعكس فأضافوه إلى كفرهم. (١) والذي كان يقوم [به] رجل من بني كنانة يقال له نعيم ، كان رئيس الموسم. كان يقول : أخّرنا حرمة المحرّم إلى صفر. وهكذا في بقيّة الشهور. وقال مجاهد : كان المشركون يحجّون في كلّ شهر. فحجّوا في ذي الحجّة عامين ، ثمّ حجّوا في المحرّم عامين ، وكذلك باقي الشهور حتّى وافقت حجّة الوداع في ذي الحجّة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض. (٢)

(لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) أي : ليوافقوا العدّة التي هي الأربعة وقد خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين. وربما زادوا في عدد الشهور فيجعلونها ثلاثة عشر أو أربعة عشر شهرا ليتّسع لهم الوقت. ولذلك قال الله : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) من غير زيادة زادوها.

(يُحِلُّونَهُ عاماً). أي النسيء. أي : إذا أحلّوا شهرا من الأشهر الحرم عاما ، رجعوا فحرّموه في العام القابل. (٣)

(يُضَلُّ). يعقوب بكسر الضاد على أنّ الفعل لله. (لِيُواطِؤُا) أي : ليوافقوا عدّة الأربعة المحرّمة. واللّام متعلّقة بيحرّمونه. (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ) لمواطاة العدّة وحدها من غير مراعاة الوقت. (زُيِّنَ لَهُمْ) ؛ أي : خذلهم حتّى حسبوا قبيح أفعالهم حسنا. (لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) هداية موصلة إلى الاهتداء. (٤)

[٣٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى

__________________

(١) ما يأتي بعد هذه العبارة قول الفرّاء وتلخيص المصنّف عنه لا يفيد المعنى. فراجع المصدر.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٤٤ ـ ٤٦.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢٧٠.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٠٤.

٣٠٨

الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ)

(اثَّاقَلْتُمْ). بعضهم لا كلّهم لمكان الحرّ وإدراك الثمار. (١)

(اثَّاقَلْتُمْ) ؛ أي : تباطأتم (إِلَى الْأَرْضِ). ضمن معنى الميل فعدّي بإلى. وكان ذلك في غزوة تبوك أمروا بها بعد رجوعهم من الطائف في وقت عسرة وقيظ مع بعد الشقّة وكثرة العدوّ فشقّ عليهم. (إِلَى الْأَرْضِ) ؛ أي : أرضكم ودياركم. (مِنَ الْآخِرَةِ) : بدل الآخرة ونعيمها. (مَتاعُ) ؛ أي التمتّع بها. (فِي الْآخِرَةِ) ؛ أي : في جنب الآخرة. (٢)

[٣٩] (إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

(إِلَّا تَنْفِرُوا) إلى ما استنفرتم إليه. (عَذاباً) بالإهلاك بسبب فظيع كقحط وظهور عدوّ. (غَيْرَكُمْ). أي مطيعين كأهل اليمن وأبناء فارس. (وَلا تَضُرُّوهُ) ؛ أي : لا يقدح تثاقلكم في نصرة دينه. فإنّه الغنيّ عن كلّ شيء. وقيل : الضمير للرسول. لأنّ الله وعده العصمة. (٣)

[٤٠] (إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

أعلمهم سبحانه أنّهم إن تركوا نصرة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يضرّه ذلك ، كما لم يضرّه قلّة ناصريه بمكّة وهمّ به الكفّار فتولّى الله نصرته. (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من مكّة [فخرج] يريد المدينة. (ثانِيَ اثْنَيْنِ) : هو وأبو بكر. ومعناه : نصره الله منفردا [من كلّ شيء] إلّا من أبي بكر. والغار غار ثور جبل بمكّة. (إِذْ يَقُولُ) لأبي بكر : لا تخف. إنّ الله مطّلع علينا يحفظنا وينصرنا. ولمّا دخل الغار ، أرسل الله زوج حمام حتّى باضا في أسفل الغار والعنكبوت نسج

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٤٧.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٠٤ ـ ٤٠٥.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٠٥.

٣٠٩

بيتا فأعمى الله أبصارهم عن دخول الغار. وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس فوقف على باب الغار وهو يقول : اطلبوه في هذه الشعاب ، فليس هاهنا. (سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) ؛ أي : ألقى في قلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ما سكن به وعلم أنّهم غير واصلين إليه. (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ) ؛ أي : بملائكة يصرفون وجوه الكفّار عن أن يروه. وقيل : المراد به يوم بدر. وقال بعضهم : يجوز أن يكون الضمير في عليه راجعة إلى أبي بكر. وهو بعيد. لأنّ الضمائر قبل هذا وبعده تعود إلى النبيّ بلا خلاف ، فكيف يتخلّلها ضمير يرجع إلى غيره؟ هذا ، وقد قال الله في هذه السورة : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ). (١) وكذلك في سورة الفتح. (كَفَرُوا). أي : جعل كلمتهم نازلة دنيّة أو أراد أنّه أسفل وعيدهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتخويفهم إيّاه وأبطله بأن نصره عليهم ، فعبّر عن ذلك بأنّه جعل كلمتهم السفلى. (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) ؛ أي : المرتفعة المنصورة. وقيل : إنّ كلمة الكفّار هي كلمة الشرك. وكلمة الله هي كلمة التوحيد. أي : جعل الله المشركين أذلّة أسفلين وأعزّ الإسلام والمسلمين. (٢)

(ثانِيَ). حال. و (إِذْ هُما) بدل. (٣)

(لِصاحِبِهِ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قد أخذته الرعدة. فلمّا رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاله قال له : تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدّثون وأريك جعفرا وأصحابه في البحر يغوصون؟ قال : نعم. فمسح بيده على وجهه ، فرآهم. فأضمر تلك الساعة أنّه ساحر. (٤)

(سَكِينَتَهُ). عن الرضا عليه‌السلام : (سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ) هكذا نزلت. (٥)

(كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا). عن أبي الحسن عليه‌السلام : هو الكلام الذي تكلّم به عتيق. (٦)

(وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا). أي بلا جعل جاعل. لأنّه لا يجوز أن يدعو إلى خلاف

__________________

(١) التوبة (٩) / ٢٦.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٤٨ ـ ٥٠.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢٧٢.

(٤) الكافي ٨ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، ح ٣٧٧.

(٥) الكافي ٨ / ٣٧٨.

(٦) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٨٩.

٣١٠

الحكمة. (١)

(ثانِيَ اثْنَيْنِ). ورد في الأخبار أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا خرج إلى الغار لقي أبا بكر في الطريق وأخذه معه خوفا من أن يدلّ الكفّار عليه. وأمّا إطلاق الصاحب عليه فقد أطلقه الله على الكافر في قوله : إذ يقول (لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ».)(٢) وعلى الحمار أطلق في فصيح الكلام : وإذا خلوت به فبش الصاحب! وأمّا حزنه ورعدته ، فقد قصد بها إسماع المشركين صوته ليستدلّوا به على وجود النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. والكلام هنا طويل جدّا. وقد فصّلنا في كتابنا الموسوم بالأنوار النعمانيّة.

[٤١] (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

(انْفِرُوا). أي غزو هرقل ملك الروم لمّا سمعوا أنّه يريد غزو الإسلام. (ع)

(انْفِرُوا) ؛ أي : اخرجوا إلى الغزو. (خِفافاً وَثِقالاً) ؛ أي : شيوخا وشبّانا. أو : أغنياء وفقراء. لأنّ الغنيّ مثقل. والأولى أن يكون معناه : خفّ عليكم أو ثقل. (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ). يدلّ على أنّ الجهاد بالنفس والمال واجب على من استطاع بهما. (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) ؛ أي : الخروج إلى الجهاد خير من ترك الجهاد إلى مباح. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنّ الله صادق في وعده ووعيده. قال السدّيّ : لمّا نزلت هذه الآية ، اشتدّ شأنها على الناس ، فنسخها الله بقوله : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) ـ الآية (٣). (٤)

[٤٢] (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٤٩.

(٢) في سورة الكهف (١٨) الآية ٣٤ : «فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً ...». وفي الآية ٣٧ : «قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ : أَكَفَرْتَ بِالَّذِي ...». وما أطلق فيهما ـ كما ترى ـ لفظ الصاحب للكافر بل أطلق لمن كان معه.

(٣) التوبة (٩) / ٩١.

(٤) مجمع البيان ٥ / ٥٠ ـ ٥١.

٣١١

(عَرَضاً). العرض : ما عرض لك من منافع الدنيا. (١)

(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) ؛ أي : غنيمة حاضرة. (قاصِداً) ؛ أي : قريبا هيّنا غير شاقّ. (لَاتَّبَعُوكَ) في طلب المال. (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) ؛ أي : المسافة. يعني غزوة تبوك أمروا فيها بالخروج إلى الشام. (وَسَيَحْلِفُونَ). معناه : انّ هؤلاء سيعتذرون إليك في قعودهم عن الجهاد ويحلفون لو تمكّنّا من الخروج ، لخرجنا معكم. ثمّ أخبر سبحانه أنّهم (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) بما أسرّوه من الشرك أو اليمين الكاذبة والعذر الباطل لما يستحقّون عليها من العذاب. (وَاللهُ يَعْلَمُ) كذبهم في هذا الاعتذار. فوقع ما أخبر به النبيّ من الحلف. وفيه دلالة على أنّ القدرة قبل الفعل. (٢)

(وَسَيَحْلِفُونَ) ـ يعني المتخلّفين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين يقولون : بالله (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) : لو استطعنا استطاعة العدّة أو الأبدان. كأنّهم تمارضوا. (يُهْلِكُونَ). إمّا أن يكون بدلا من سيحلفون ، أو حالا بمعنى مهلكين ، ومعناه أنّهم يوقعونها في الهلاك بالحلف الكاذب. (٣)

[٤٣] (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ)

(عَفَا اللهُ). عن الرضا عليه‌السلام لمّا سأله المأمون عن هذه الآية وأنّها منافية لعصمة الأنبياء فقال عليه‌السلام : هذا ممّا نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة. خاطب نبيّه بذلك والمراد منه أمّته. كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)(٤). (٥)

(عَفَا اللهُ عَنْكَ). ثمّ خاطب النبيّ بما فيه بعض العتاب في إذنه لمن استأذنه في التأخير عن الخروج معه إلى تبوك فقال : (عَفَا اللهُ عَنْكَ). لأنّه كان الأولى أن يلزمهم الخروج معه حتّى إذا لم يخرجوا معه ظهر نفاقهم. لأنّه متى أذن لهم ثمّ تأخّروا ، لم يعلم أنّ التأخّر كان لنفاقهم أو

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٢٧٣.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٥٠.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(٤) الزمر (٣٩) / ٦٥.

(٥) عيون الأخبار ١ / ٢٠٢.

٣١٢

لغيره. قال قتادة : اثنان فعلهما النبيّ لم يؤمر بهما : إذنه للمنافقين ؛ وأخذه الفداء من الأسارى. فعاتبه الله كما تسمعون. وهذا من لطيف المعاتبة ؛ بدأ بالعفو قبل العتاب. قال الجبّائيّ : قد كان هذا صغيرة. لأنّه لا يقال في المباح : لم فعلته؟ وهذا غير صحيح لأنّه يجوز أن يقال فيما غيره أفضل منه : لم فعلته؟ وكيف يكون إذنه لهم قبيحا وقد قال في موضع آخر : (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ)؟ (١) وقيل : معناه : أدام الله لك العفو ؛ لم أذنت لهؤلاء في الخروج؟ لأنّهم استأذنوا فيه تملّقا ولو خرجوا لازدادوا الفساد ولم يعلم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك من سريرتهم. (٢)

[٤٤] (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)

بيّن حال المؤمنين والمنافقين في الاستئذان. (لا يَسْتَأْذِنُكَ) ؛ أي : لا يطلب منك الإذن في القعود عن الجهاد معك بالمعاذير الفاسدة. وقيل : معناه : لا يستأذنك [في] الخروج ، لأنّه مستغن عنه بدعائك إلى ذلك ، بل يتأهّب له. (أَنْ يُجاهِدُوا) : في أن يجاهدوا. (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ) في التأخّر عن الجهاد. وقيل : في الخروج ، لأنّهم يستأذنون تملّقا. (٣)

[٤٥] (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)

(وَارْتابَتْ) : اضطربت وشكّت. (يَتَرَدَّدُونَ) ؛ أي : في شكّهم يذهبون ويرجعون. وأراد به المنافقين. أي : يتوقّعون الإذن لشكّهم في دين الله وفيما وعد المجاهدين. (٤)

(يَتَرَدَّدُونَ) ؛ أي : يتحيّرون. لأنّ التردّد ديدن المتحيّر. (٥)

__________________

(١) النور (٢٤) / ٦٢.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٥١ ـ ٥٢.

(٣) مجمع البيان ٥ / ٥٢ ـ ٥٣.

(٤) مجمع البيان ٥ / ٥٣.

(٥) الكشّاف ٢ / ٢٧٥.

٣١٣

[٤٦] (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ)

(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) ؛ أي : الخروج مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نصرة له ، كما أراد المؤمنون كذلك ، (لَأَعَدُّوا) للخروج عدّة كالسلاح. (انْبِعاثَهُمْ) ؛ أي : خروجهم إلى الغزو ، لعلمه أنّهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنميمة بين المسلمين وكانوا عيونا للمشركين. (فَثَبَّطَهُمْ) عن هذا الخروج لا الذي أمرهم به لأنّه طاعة. وبالجملة ، فالذي كرهه غير الذي أمر به. (مَعَ الْقاعِدِينَ) ؛ أي : النساء والصبيان. ويحتمل أن يكون القائلون لهم ذلك أصحابهم الذين نهوهم عن الخروج مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للجهاد. (١)

(وَلكِنْ). كأنّه قيل : ما خرجوا ولكن تثبّطوا عن الخروج. (٢)

(عُدَّةً). عنه عليه‌السلام : العدّة النيّة. (٣)

[٤٧] (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)

(لَوْ خَرَجُوا) ؛ أي : لو خرج هؤلاء المنافقون معكم إلى الجهاد ، ما زادوكم إلّا شرّا وفسادا وتجنّبا عن لقاء العدوّ. (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) ؛ أي : لأسرعوا في الدخول بينكم بالفساد والنميمة. والتقدير : ولأوضعوا إبلهم خلالكم يتخلّل الراكب الرجلين حتّى يدخل بينهما فيقول ما لا ينبغي. (يَبْغُونَكُمُ) ؛ أي : يبغون لكم المحنة باختلاف الكلمة والفرقة. أو : يبغون أن تكونوا مشركين. (سَمَّاعُونَ) ؛ أي : عيون للمنافقين ينقلون إليهم ما يسمعون منكم. (بِالظَّالِمِينَ) : المنافقين الذين ظلموا أنفسهم. (٤)

[٤٨] (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَ

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٥٤.

(٢) الكشّاف ٢ / ٢٧٥.

(٣) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٨٩ ، ح ٦٠.

(٤) مجمع البيان ٥ / ٥٥.

٣١٤

هُمْ كارِهُونَ)

(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ) ؛ أي : لقد طلب هؤلاء المنافقون اختلاف كلمتكم وتفرّق آرائكم (مِنْ قَبْلُ) غزوة تبوك ؛ أي : في يوم أحد حيث انصرف عبد الله بن أبيّ بأصحابه وخذل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فصرف الله عن المسلمين فتنتهم. وقيل : أراد بالفتنة صرف الناس عن الإيمان وإلقاء الشبهة إلى ضعفاء المسلمين. وقيل : أراد بالفتنة الفتك بالنبيّ في غزوة تبوك ليلة العقبة. وكانوا اثني عشر رجلا من المنافقين وقفوا على الثنيّة ليفتكوا بالنبيّ. (وَقَلَّبُوا لَكَ) ؛ أي : احتالوا في توهين أمرك وإيقاع الاختلاف بين المؤمنين وفي قتلك بكلّ ما أمكنهم فيه فلم يقدروا عليه. وقيل : إنّهم كانوا يريدون في كيده وجها من التدبير ، فإذا لم يتمّ ذلك ، تركوه وطلبوا غيره. فهذا تقليب الأمور. (جاءَ الْحَقُّ) ؛ أي النصر الذي وعده الله وظهر دين الإسلام. (١)

[٤٩] (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ)

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ). النزول : قيل : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا استنفر الناس إلى تبوك قال : انفروا لعلّكم تغنمون بنات الأصفر. فقال جدّ بن قيس من بني الخزرج : ائذن لي ولا تفتنّي ببنات الأصفر. فإنّي أخاف أن أفتتن بهنّ. فقال : إنّي أذنت لك. فنزلت. (وَمِنْهُمْ) ؛ أي : من المنافقين. (ائْذَنْ لِي) في القعود عن الجهاد. (وَلا تَفْتِنِّي) ببنات الأصفر. يعني بنات الروم. وقيل : معناه : لا توقعني في الإثم بالعصيان لمخالفة أمرك في الخروج إلى الجهاد وذلك غير متيسّر لي. (سَقَطُوا) ؛ أي : في العصيان والكفر وقعوا بمخالفتهم أمرك في الخروج إلى الجهاد. وقيل : معناه : لا تعذّبني بتكليف الخروج في شدّة الحرّ. ألا قد سقطوا في حرّ أعظم من ذلك وهو حرّ جهنّم. كما قال : (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) ـ الآية. (لَمُحِيطَةٌ) ؛ أي : ستحيط بهم. (٢)

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٥٦ ـ ٥٧.

٣١٥

(لَمُحِيطَةٌ) : محيطة بهم الآن. لأنّ أسباب الإحاطة معهم فكأنّهم في وسطها. (١)

[٥٠] (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ)

(إِنْ تُصِبْكَ). خطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. (حَسَنَةٌ) ؛ أي : فتح وغنيمة ، يحزن المنافقون. (مُصِيبَةٌ) ؛ أي : شدّة وآفة. (أَخَذْنا أَمْرَنا) : حذرنا واحترزنا بالقعود من قبل هذه المصيبة ؛ أي : سلمنا من مواقع الهلاك. (وَيَتَوَلَّوْا) ؛ أي : رجعوا إلى بيوتهم فرحين بما أصاب المؤمنين من الشدّة. (٢)

(مِنْ قَبْلُ) بالتخلّف عن المؤمنين.

(مُصِيبَةٌ) مثل ما جرى يوم أحد. (أَمْرَنا) : الحذر والتيقّظ. (مِنْ قَبْلُ) ما وقع. (٣)

[٥١] (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

(ما كَتَبَ اللهُ لَنا) ؛ [أي : كلّ ما يصيبنا] من خير أو شرّ ، فهو ممّا كتبه الله في اللّوح المحفوظ من أمرنا ، وليس على ما تظنّون من إهمالنا من غير أن يرجع أمرنا إلى تدبيره. (هُوَ مَوْلانا) يتولّى أمورنا ولا نتوكّل إلّا عليه. (٤)

(ما كَتَبَ اللهُ لَنا) لا يتغيّر بموافقتكم ولا مخالفتكم. (٥)

[٥٢] (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ)

(قُلْ) لهؤلاء المنافقين : هل تنتظرون بنا إلّا إحدى الخصلتين الحميدتين ؛ إمّا الغلبة والغنيمة في العاجل ، وإمّا الشهادة مع الثواب الدائم في الآجل؟ ونحن نتوقّع لكم أن يوقع الله

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٢٧٧.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٥٧.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢٧٨.

(٤) مجمع البيان ٥ / ٥٧ ـ ٥٨.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٠٨.

٣١٦

بكم عذابا من عنده يهلككم به أو بأن ينصرنا عليكم فيقتلكم بأيدينا. (فَتَرَبَّصُوا). أمر معناه التهديد. كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ). (١) وقيل : تربّصوا مواعيد الشيطان في إبطال دين الله. ونحن متربّصون مواعيد الله في إظهار دينه ونصرة نبيّه. (٢)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) إمّا موت في طاعة الله أو إدراك ظهور إمام. ونحن نتربّص بهم أن يصيبهم الله بعذاب من عنده. قال : هو المسخ (أَوْ بِأَيْدِينا). هو القتل. (٣)

(بِعَذابٍ). وهو قارعة من السماء كما نزلت على عاد وثمود. (٤)

[٥٣] (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ)

(قُلْ). أمر على صورة الخبر ؛ كقوله : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ). (٥)(طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) ؛ أي : طائعين من غير إلزام من الله ورسوله أو ملزمين. وسمّي الإلزام إكراها لأنّهم منافقون فكان إلزامهم الإنفاق شاقّا عليهم كالإكراه. أو : طائعين من غير إكراه من رؤسائكم ـ لأنّ رؤساء أهل النفاق كانوا يحملون على الإنفاق لما يرون من المصلحة فيه ـ أو مكرهين من جهتهم. وروي أنّ الآية نزلت في الجدّ بن قيس حين تخلّف عن غزوة تبوك وقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا مالي أعينك به واتركني. (٦)

(قُلْ أَنْفِقُوا). بيّن سبحانه أنّ هؤلاء المنافقين لا ينتفعون بما ينفقونه. (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) ؛ أي : طائعين أو مكرهين. لأنّهم فاسقون متمرّدون عن طاعة الله. (٧)

(إِنَّكُمْ كُنْتُمْ). تعليل له على سبيل الاستئناف وما بعده بيان له. (٨)

[٥٤] (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ)

__________________

(١) فصّلت (٤١) / ٤٠.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٥٨.

(٣) الكافي ٨ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.

(٤) الكشّاف ٢ / ٢٧٨.

(٥) مريم (١٩) / ٧٥.

(٦) الكشّاف ٢ / ٢٨٠.

(٧) مجمع البيان ٥ / ٥٩.

(٨) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٠٨.

٣١٧

(تُقْبَلَ). حمزة والكسائيّ : «يقبل» بالياء. لأنّ تأنيث النفقات غير حقيقيّ. (كُسالى) : متثاقلين. (وَلا يُنْفِقُونَ). لأنّهم لا يرجون بهما ثوابا ولا يخافون على تركهما عقابا. (١)

(كارِهُونَ). فإن قلت : الكراهية خلاف الطواعية. وقد جعلهم الله طائعين في قوله :

(طَوْعاً) ثمّ وصفهم بأنّهم لا ينفقون إلّا وهم كارهون. قلت : المراد بطوعهم أنّهم يبذلونه من غير إلزام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو من رؤسائهم وما طوعهم ذلك إلّا عن كراهة واضطرار. (٢)

(وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لا ينفع مع الكفر عمل. ثمّ قرأ : (وَما مَنَعَهُمْ) ـ الآية. (٣)

[٥٥] (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ)

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ). فإن قلت : إن صحّ تعليق التعذيب بإرادة الله ، فما بال زهوق أنفسهم وهم كافرون؟ قلت : المراد الاستدراج بالنعم. كقوله : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً). (٤) كأنّه قيل : ويريد أن يديم عليهم نعمته إلى أن يموتوا وهم كافرون ملتهون بالتمتّع عن النظر للعاقبة. (٥)

(لِيُعَذِّبَهُمْ) بسبب ما يكابدون لجمعها من المتاعب وما يرون فيها من الشدائد والمصائب. (وَهُمْ كافِرُونَ) : فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتّع عن النظر في العاقبة فيكون ذلك استدراجا لهم. وأصل الزهوق : الخروج بصعوبة. (٦)

[٥٦] (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ)

(لَمِنْكُمْ) : من جملة المسلمين. (وَما هُمْ مِنْكُمْ) لكفر قلوبهم. (يَفْرَقُونَ) : يخافون منكم أن تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين فيظهرون الإسلام تقيّة. (٧)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٠٨.

(٢) الكشّاف ٢ / ٢٨٠.

(٣) الكافي ٢ / ٤٦٤ ، ح ٣.

(٤) آل عمران (٣) / ١٧٨.

(٥) الكشّاف ٢ / ٢٨٠.

(٦) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٠٨.

(٧) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٠٨.

٣١٨

[٥٧] (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)

(مُدَّخَلاً). يعقوب : (مُدَّخَلاً) بفتح الميم. (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) ـ الآية ـ أي : لو يجدون هذه المذكورات لدخولها على خلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عدلوا إليها. وقيل : لأعرضوا عنكم [إليه]. ومعنى الآية : انّهم من حيث خبث سريرتهم وحرصهم على إظهار ما في نفوسهم من النفاق ، لو أصابوا شيئا من هذه الأشياء ، لولّوا إليه ليجاهروا بما يضمرونه وأعرضوا عنك. (١)

(مَلْجَأً) : مكانا يلجؤون إليه متحصّنين به من رأس جبل وقلعة أو جزيرة. (أَوْ مَغاراتٍ) ؛ أي : غيرانا. (أَوْ مُدَّخَلاً) ؛ أي : نفقا يندسّون فيه وينجحرون. (وَهُمْ يَجْمَحُونَ) ؛ أي : يسرعون إسراعا لا يردّهم شيء مثل الفرس الجموح ؛ وهو الذي إذا حمل لم يردّه اللّجام. (٢)

(مُدَّخَلاً). أصله : مدتخلا فقلب وأدغم. (ع)

[٥٨] (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ)

(مَنْ يَلْمِزُكَ). لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله استعطف قلوب أهل مكّة بتوفير الغنائم عليهم. أي : يعيبك في قسمة الصدقات ويطعن عليك. قيل : هم المؤلّفة قلوبهم. وقيل : هو ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج. كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقسم غنائم حنين ، فقال : اعدل يا رسول الله. فقال : ويلك! إن لم أعدل ، فمن يعدل؟ وقيل : هو أبو الجواظ من المنافقين. فقال : ألا ترون إلى صاحبكم إنّما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم وهو يزعم أنّه يعدل! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا أبا لك! أما كان موسى راعيا؟ أما كان داوود راعيا؟ فلمّا ذهب قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : احذروا هذا وأصحابه ؛ فإنّهم منافقون. (٣)

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٦٢.

(٢) الكشّاف ٢ / ٢٨١.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٢.

٣١٩

(يَلْمِزُكَ). يعقوب بضمّ الميم. (١)

(فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : هم أكثر من ثلثي الناس. (٢)

[٥٩] (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ)

(وَلَوْ أَنَّهُمْ). جواب لو محذوف. أي : لكان خيرا لهم [ما آتاهم الله] ورسوله من الغنيمة وإن قلّ. (حَسْبُنَا) ما قسم لنا ، سيرزقنا غنيمة فيؤتينا أكثر من هذا اليوم. (راغِبُونَ) في أن يغنمنا ويخوّلنا فضله. (٣)

[٦٠] (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) ؛ أي : زكاة الأموال. والفقراء والمساكين ، قيل : هما صنف واحد وذكر الثاني تأكيدا. والأكثرون على أنّهما صنفان. وفي الفرق أقوال. والمرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّ الفقير هو المتعفّف الذي لا يسأل ، والمسكين الذي يسأل. (٤)(وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) : سعاة الزكاة وجباتها. وأمّا المؤلّفة فكانوا قوما من الأشراف زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان يطيعهم سهما من الزكاة يتألّفهم به على الإسلام ويستعين بهم على قتال العدوّ. وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه ثابت بعد النبيّ بشرط الإمام العادل. (٥)

(وَفِي الرِّقابِ) ؛ أي : في فكّ الرقاب من العتق. وأراد به المكاتبين أو العبيد تحت الشدّة يشترون من الزكاة فيعتقون. (وَالْغارِمِينَ). وهم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٦٢.

(٢) الكافي ٢ / ٤١٢ ، ح ٤.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢٨٢.

(٤) ما ذكره المؤلّف قدس‌سره في شرح الآية مقتبس من مجمع البيان. وفيه بعد ذكر هذا القول : عن ابن عباس». ثمّ قال بعد نقل قول آخر : «وروي ذلك عن أبي جعفر عليه‌السلام». فالظاهر أنّه رحمه‌الله أخطأ في النسبة إلّا أن يحتمل سقط في النسخة الموجودة عنده من المجمع.

(٥) مجمع البيان ٥ / ٦٥.

٣٢٠