عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-27-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٣

٨.

سورة الأنفال

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من قرأ سورة الأنفال والبراءة في كلّ شهر ، لم يدخله نفاق وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام حقّا ويأكل يوم القيامة من موائد الجنّة مع شيعته حتّى يفرغ الناس من الحساب. كذا في تفسير العيّاشيّ. (١)

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ سورة الأنفال وبراءة ، فأنا شفيع له وشاهد يوم القيامة أنّه بريء من النفاق ، وأعطي من الأجر عدد كلّ منافق ومنافقة ، وكان العرش وحملته يصلّون عليه. (٢)

وفي خواصّ المصباح : الأنفال : من كتبها بماء ورد وزعفران وعلّقها ، أمن من الحيّة والسبع والعدوّ والضلال في الطريق. (٣) (م ح)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

قرأ أهل البيت عليهم‌السلام وجماعة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ). يعني يطلبونها منك.

اختلف المفسّرون في الأنفال هنا. فقيل : هي الغنائم التي غنمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر ، سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف تقسم ولمن الحكم في قسمتها؟ أللمهاجرين أم للأنصار؟ أم لهم جميعا؟ فقيل لهم : هي لرسول الله وهو الحاكم فيها خاصّة يحكم فيها كيف يشاء ليس لأحد

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٤٦ ، ح ١.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٧٩٤.

(٣) المصباح / ٦٠٥. وقد ورد هذا في المصدر لسورة الأعراف.

٢٤١

غيره فيها حكم. وقيل : هي النفل الذي يعيّنه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن عمل عملا من الكفّار (١) زيادة على السهام فالحكم فيها إلى النبيّ. وقيل : هي الخمس الذي جعله الله لأهل الخمس. وصحّت الرواية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنّ الأنفال كلّ ما أخذ من دار الحرب بغير قتال ، وكلّ أرض انجلى عنها أهلها بغير قتال ، وميراث من لا وارث له ، وقطائع الملوك إذا كان في أيديهم من غير غصب ، والآجام وبطون الأودية والأرضون الموات ونحو ذلك. وهي مخصوصة بالنبيّ ومن بعده الإمام عليهما‌السلام. (٢)

(فَاتَّقُوا اللهَ) في الاختلاف والتخاصم. (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) : ما بينكم من الأحوال حتّى تكون أحوال محبّة وألفة. (مُؤْمِنِينَ) : كاملي الإيمان. (٣)

[٢ ـ ٣] (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) الكاملون. (وَجِلَتْ) ؛ يعني : فزعت استعظاما له وتهيّبا من جلاله وعزّة سلطانه وبطشه بالغواة والعصاة وعقابه. وقيل : هو الرجل يريد أن يهمّ بمعصية فيقال له : اتّق الله ، فينزع. (زادَتْهُمْ إِيماناً) : ازدادوا بها يقينا وطمأنينة نفس. لأنّ تظاهر الأدلّة أقوى للمدلول. (٤)

(وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) خوفا من عقوبته ووعيده وعدله على المعاصي بالعذاب. فأمّا إذا ذكر نعم الله على عباده وفضله وثوابه على الطاعات ، اطمأنّت قلوبهم وسكنت نفوسهم إلى عفو الله. [كما قال :](أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). (٥) فلا تنافي بين الآيتين. ووجه آخر وهو أن يكون وجله وخوفه إنّما هو من نفسه ومعاصيه فإذا ذكر الله وجل وخاف منها و

__________________

(١) يعني رحمه‌الله من قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تحريضا : من قتل قتيلا فله سلبه ، ومثل ذلك.

(٢) يعني رحمه‌الله من قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تحريضا : من قتل قتيلا فله سلبه ، ومثل ذلك.

(٣) الكشّاف ٢ / ١٩٥.

(٤) الكشّاف ٢ / ١٩٥ ـ ١٩٦.

(٥) الرعد (١٣) / ٢٨.

٢٤٢

إذا ذكر عفو الله ورحمته اطمأنّ. (١)

[٤] (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))

(الْمُؤْمِنُونَ) ؛ أي : الكالمون في الإيمان. (حَقًّا). صفة للمصدر المحذوف. أي : ايمانا حقّا. أو مصدر مؤكّد للجملة. أي : حقّ ذلك حقّا. (دَرَجاتٌ) : كرامة وعلوّ منزلة. (وَمَغْفِرَةٌ) : تجاوز عن سيّئاتهم. (رِزْقٌ كَرِيمٌ) ؛ أي : نعيم الجنّة.

[٥] (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥))

(كَما أَخْرَجَكَ). [الكاف] متعلّق بما دلّ عليه (قُلِ الْأَنْفالُ). أي : قل : إنّ الأنفال ينزعها عنكم مع كراهتكم لذلك ، لأنّه أصلح لكم ، كما أخرجك ربّك من المدينة مع كراهة فريق من المؤمنين ذلك ، لأنّ الخروج كان أصلح لكم من كونكم في بيتكم. ومعنى (أَخْرَجَكَ) أي : أمرك به. وقيل : يتعلّق بيجادلونك. أي : يجادلونك في الحقّ كارهين له كما يجادلونك حين أخرجك ربّك كارهين للخروج كراهية طباع لقلّتهم وكثرة العدوّ. فإنّهم جادلوه بعد خروجهم كما جادلوه عند الخروج فقالوا : هلّا أخبرتنا بالقتال حتّى نستعدّ لذلك؟ (٢)

(وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) ؛ أي : أخرجك في حال كراهتهم. (٣)

(لَكارِهُونَ) للخروج للجهاد. (٤)

[٦] (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)

(يُجادِلُونَكَ). في تلقّي النفير لإيثارهم عليه العير. (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) : بعد إعلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّهم منصورون. وجدالهم قولهم : ما كان خروجنا إلّا للعير. وهلّا قلت لنا لنستعدّ ونتأهّب؟ وذلك لكراهتهم القتال. ثمّ شبّه حالهم في فرط رعبهم ـ وهم يسار بهم

__________________

(١) مجمع البيان ٤ / ٧٩٨.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٨٠٠ ـ ٨٠١.

(٣) الكشّاف ٢ / ١٩٧.

(٤) مجمع البيان ٤ / ٨٠١.

٢٤٣

إلى الظفر والغنيمة ـ بحال من يساق إلى القتل والموت. وقيل : كان خوفهم لقلّة عددهم وأنّهم كانوا رجّالة ما كان فيهم إلّا فارسان وقريش الذين وافوا بدرا كانوا قريب الألف وأكثرهم فرسان والمسلمون كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. (١)

[٧] (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ)

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ). إذ منصوب باذكروا. (أَنَّها لَكُمْ). بدل من إحدى الطائفتين. والطائفتان العير والنفير. (غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ) ؛ أي : العير. لأنّه لم يكن فيها إلّا أربعون فارسا والشوكة كانت في النفير لعددهم وعدّتهم. والشوكة : الحدّة. مستعارة من واحدة الشوك. (أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ) ؛ أي : يثبته ويعليه. (بِكَلِماتِهِ) : بآياته المنزلة في محاربة ذات الشوكة وبما أمر الملائكة من نزولهم للنصرة وبما قضى من أسرهم وقتلهم وطرحهم في قليب بدر. (دابِرَ). والدابر : الآخر. وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال. يعني أنّكم تريدون الفائدة العاجلة والله يريد معالي الأمور وعمارة الدين. (٢)

(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ) ـ الآية. عن أبي جعفر عليه‌السلام : تفسيرها في الباطن أنّ هذا شيء يريد الله ولم يفعله بعد. أي : يحقّ حقّ آل محمّد عليهم‌السلام. وأمّا قوله : (بِكَلِماتِهِ) فهو عليّ عليه‌السلام. هو كلمة الله في الباطن. (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ). هم بنو أميّة يقطع دابرهم. (٣)

وحاصل القصّة : انّ عير قريش أقبلت من الشام فيها أموالهم وخزائنهم ومعها أربعون راكبا منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص. فأخبر جبرئيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبر به المسلمين فأعجبهم تلقّي العير لكثرة الخير وقلّة القوم. فلمّا خرجوا ، بلغ أهل مكّة خبر خروجهم فنادى أبو جهل فوق الكعبة : يا أهل مكّة ، النجاء النجاء على كلّ صعب وذلول [عيركم] أموالكم إن أصابها محمّد لن تفلحوا أبدا. وقد رأت عاتكة بنت عبد المطّلب رؤيا فقالت

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ١٩٩ ، وتفسير البيضاويّ ١ / ٣٧٦.

(٢) الكشّاف ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

(٣) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٥٠ ، ح ٢٤.

٢٤٤

لأخيها العبّاس : رأيت كأنّ ملكا نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثمّ حلق بها ، فلم يبق بيت من بيوت مكّة إلّا أصابه حجر من تلك الصخرة. فحدّث به العبّاس ، فقال أبو جهل : ما ترضى رجالهم أن يتنبّؤوا حتّى تتنبّأ نساؤهم! فخرج أبو جهل بجميع أهل مكّة ، وهم النفير. في المثل السائر : لا في العير ولا في النفير. فقيل له : إنّ العير أخذت طريق الساحل ونجت. فارجع بالناس إلى مكّة. فقال : لا والله لا يكون ذلك أبدا حتّى ننخر الجزور ونشرب الخمور ونقيم القينات ببدر فيتسامع جميع العرب بمخرجنا وأنّ محمّدا لم يصب العير. فمضى بهم إلى بدر. وبدر ماء كانت العرب [تجتمع] فيه لسوقهم يوما في السنة. فنزل جبرئيل وقال : يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ الله وعدكم إحدى الطائفتين ؛ إمّا العير وإمّا قريشا. فاستشار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه فقال : ما تقولون؟ إنّ القوم قد خرجوا من مكّة على كلّ صعب وذلول. فالعير أحبّ اليكم أم النفير؟ قالوا : بل العير أحبّ إلينا من لقاء العدوّ. فتغيّر وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [ثمّ ردّد عليهم] وقال : إنّ العير قد مضت على ساحل البحر. وهذا أبو جهل قد أقبل. فقالوا : عليك بالعير. فغضب رسول الله وقام إليه أبو بكر وعمر ونهياه عن لقاء العدوّ. ثمّ قام إليه وجوه المهاجرين والأنصار وأرجعوا إليه الرأي. وقال بعضهم : لو أمرتنا لخضنا هذا البحر. فجزاهم خيرا. ثمّ سار بهم إلى بدر ، كما سيأتي تمام القصّة مجّزأة على الآيات.

[٨] (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)

وأمّا قوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ) فإنّه يعني : ليحقّ حقّ آل محمّد عليهم‌السلام حين يقوم القائم عليه‌السلام. فإذا قام ، أبطل باطل بني أميّة. وذلك قوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ). (١)

(لِيُحِقَّ الْحَقَّ). متعلّق بمحذوف. أي : فعل ما فعل من إثبات الإسلام وإبطال الكفر ، ليحقّ الحقّ. فإن قلت : أليس هذا تكريرا؟ قلت : لا. لأنّ المعنيّين متباينان. وذلك أنّ الأوّل

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٥٠ ، ح ٢٤.

٢٤٥

تمييز بين الإرادتين وهذا بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم وما نصرهم ولا خذل أولئك إلّا لهذا الغرض الذي هو سيّد الأغراض. ويجب أن يقدّر المحذوف متأخّرا حتى يفيد معنى الاختصاص. وقيل : قد تعلّق بيقطع. (١)

[٩] (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ). بدل من (إِذْ يَعِدُكُمُ). وقيل : [يتعلّق] بقوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ). واستغاثتهم أنّهم لمّا علموا أنّه لا بدّ من القتال ، طفقوا يدعون الله ، فاستجاب دعوتهم وأمدّهم بالملائكة. (٢)

(أَنِّي مُمِدُّكُمْ) ؛ أي : بأنّي. و (مُرْدِفِينَ) بكسر الدال بمعنى متبعين بعضهم بعضا ، أو متبعين لغيرهم من الملائكة ؛ لقوله في سورة آل عمران : (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ). (٣) وبفتح الدال بمعنى متبعين بفتح الباء. (٤)

(مُرْدِفِينَ) ؛ أي : مردفين خلفهم ملائكة أخرى. كما قالوا : أردفت زيدا خلفي. (٥)

[١٠] (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

(وَما جَعَلَهُ اللهُ) ؛ أي : ما جعل الله. الإمداد إلّا بشارة لكم بالنصر كالسكينة لبني إسرائيل. يعني أنّكم استغثتم وتضرّعتم لقلّتكم وذلّتكم ، فكان الإمداد بالملائكة بشارة لكم بالنصر وربطا على قلوبكم. (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) ؛ أي : لا تحسبوا النصر من الملائكة. فإنّ الناصر لكم وللملائكة هو الله. [أو :] وما النصر بالملائكة وغيرهم من الأسباب إلّا من عند الله ، والمنصور من نصره الله. (٦)

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٢٠٠.

(٢) الكشّاف ٢ / ٢٠٠.

(٣) آل عمران (٣) / ١٢٤.

(٤) الكشّاف ٢ / ٢٠١ ، تفسير البيضاويّ ١ / ٣٦٦.

(٥) مجمع البيان ٤ / ٨٠٥.

(٦) الكشّاف ٢ / ٢٠٢.

٢٤٦

[١١] (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ)

(يُغَشِّيكُمُ). قرأ أهل الكوفة : «إذ يغشيكم» بضمّ الياء وسكون الغين (النُّعاسَ) بالنصب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : «يغشيكم» بالألف وفتح الياء ، و (النُّعاسَ) بالرفع. والباقون بضمّ الياء وفتح الغين والتشديد (النُّعاسَ) بالنصب. والنعاس : أوّل النوم. (أَمَنَةً) ؛ أي : أمانا. (مِنْهُ) ؛ أي : من العدوّ. وقيل : من الله. فإنّ الإنسان لا يأخذه النوم في حال الخوف ، فآمنهم الله بزوال الخوف عن قلوبهم [و] قوّاهم بالاستراحة على القتال من العدوّ. (ماءً) ؛ أي : مطرا. (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ). وذلك أنّ الكفّار سبقوا المسلمين إلى الماء ، فنزلوا على كثيب رمل وأصبحوا محدثين ومجنبين وأصابهم الظمأ ووسوس لهم الشيطان وقال : إنّ عدوّكم سبقكم إلى الماء وأنتم تصلّون مع الجنابة والحدث وتسوخ أقدامكم في الرمل. فمطرهم الله حتى اغتسلوا من الجنابة ولبدت به الأرض. (رِجْزَ الشَّيْطانِ) ؛ أي : الاحتلام. أو قوله : ليس لكم بهم طاقة. (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) ؛ أي : يشجّعكم. (وَيُثَبِّتَ بِهِ) ؛ أي : يثبّت أقدامكم في الحرب بتلبّد الرمل. وقيل : بالصبر وقوّة القلب. (١)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : اشربوا ماء السماء. فإنّه يطهّر البدن ويدفع الأسقام. قال تبارك وتعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ) ـ الآية. (٢)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ). السماء في الباطن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والماء عليّ عليه‌السلام. جعل الله عليّا من رسول الله عليهما‌السلام. (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) : ليطهّر قلب من والاه. (رِجْزَ الشَّيْطانِ). من والى عليّا عليه‌السلام يذهب الله [الرجز] عنه ويثبّته على ولايته. (٣)

(رِجْزَ الشَّيْطانِ). لأنّ الشيطان تمثّل لهم ووسوس إليهم بأنّكم كيف تكونون على الحقّ وأنتم تصلّون على الجنابة وقد عطشتم ، ولو كنتم على حقّ ما غلبكم هؤلاء على الماء ، و

__________________

(١) مجمع البيان ٤ / ٨٠٥ و ٨٠٨ ـ ٨٠٩.

(٢) الخصال / ٦٣٦ ـ ٦٣٧.

(٣) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٥٠٢ ، ح ٢٥.

٢٤٧

ما ينتظرون بكم إلّا أن يجهدكم العطش ، فإذا قطع العطش أعناقكم ، مشوا إليكم فقتلوا من أحبّوا او ساقوا بقيّتكم إلى مكّة. فحزنوا حزنا شديدا. فأنزل الله المطر حتّى جرى الوادي. (١)

[١٢] (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)

(إِذْ يُوحِي). يجوز أن يكون بدلا ثالثا من (إِذْ يَعِدُكُمُ) وأن ينتصب بيثبّت. (سَأُلْقِي). كأنّهم قالوا كيف نثبّتهم ، فقيل : قولوا لهم : (سَأُلْقِي). فالضاربون المؤمنون. (٢)

(أَنِّي مَعَكُمْ) ؛ أي : مع الملائكة بالمعونة والنصر. (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) ؛ أي : بشّروهم بالنصر. فكان الملك يسير أمام الصفّ في صورة الرجل ويقول : أبشروا. فإنّ الله ناصركم. وقيل : معناه : قاتلوا معهم المشركين. (الرُّعْبَ) ؛ أي : الخوف من أوليائي. (فَوْقَ الْأَعْناقِ). يعني الرؤوس. (بَنانٍ). يعني الأطراف من اليدين والرجلين. (٣)

وفي يوم بدر التقى أمير المؤمنين عليه‌السلام مع الوليد بن عتبة فضربه على حبل عاتقة فأخرج السيف من إبطه. فقال عليّ عليه‌السلام : فأخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي. فظننت أنّ السماء قد وقعت على الأرض. (٤)

[١٣] (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣))

(شَاقُّوا) ؛ أي : حاربوا الله ورسوله. (شَدِيدُ الْعِقابِ) في الدنيا بالإهلاك وفي الآخرة بالتخليد في النار. (٥)

[١٤] (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ)

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٢) الكشّاف ٢ / ٢٠٤.

(٣) مجمع البيان ٤ / ٨٠٩.

(٤) تفسير القمّيّ ١ / ٢٦٥.

(٥) مجمع البيان ٤ / ٨٠٩.

٢٤٨

(ذلِكُمْ) ؛ أي : العقاب من القتل والأسر. (فَذُوقُوهُ). لأنّ عذاب الدنيا بالنسبة إلى عذاب الآخرة كالذوق له. (١)

(ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ). كقولك : زيدا فاضربه. (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ). عطف على ذلك م. أو نصب على أنّ الواو بمعنى مع والمعنى : ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة. (٢)

[١٥] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ)

(زَحْفاً). حال من (الَّذِينَ كَفَرُوا). والزحف هو الجيش الدهم الذي يرى لكثرته كأنّه يزحف ؛ أي : يدبّ دبيبا. من زحف الصبيّ ، إذ ادبّ على استه قليلا قليلا. سمّي بالمصدر. والمعنى : إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جمّ وأنتم قليل فلا تفرّوا ، فضلا [عن] أن تدانوهم في العدد أو تساووهم. أو حال من الفريقين. أي : إذا لقيتموهم متزاحفين هم وأنتم. أو حال من المؤمنين ، كأنّهم أشعروا بما كان سيكون منهم يوم حنين حين تولّوا مدبرين وهم زحف من الزحوف اثنا عشر ألفا وتقدمة نهي عن الفرار يومئذ. (٣)

[١٦] (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

(إِلَّا مُتَحَرِّفاً). هو الكرّ بعد الفرّ يخيّل عدوّه أنّه منهزم ثمّ يعطف عليه. وهو من باب خدع الحرب ومكايدها. (أَوْ مُتَحَيِّزاً) ؛ أي : أو منحازا. (إِلى فِئَةٍ) ؛ أي : جماعة أخرى من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها. و (إِلَّا مُتَحَرِّفاً) نصب على الحال. وإلّا لغو ، أو على الاستثناء من المولّين. أي : ومن يولّهم إلّا رجلا منهم متحرفا أو متحيّزا. (٤)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من فرّ من رجلين في القتال ، فقد فرّ. ومن فرّ من ثلاثة في القتال ،

__________________

(١) مجمع البيان ٤ / ٨٠٩.

(٢) الكشّاف ٢ / ٢٠٥.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢٠٦.

(٤) الكشّاف ٢ / ٢٠٦.

٢٤٩

فلم يفرّ. (١)

(بِغَضَبٍ). هذا إذا لم يزد العدوّ عن الضعف ؛ لقوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ). (٢) وقيل : الآية مخصوصة بأهل بيته ومن حضر معه الحرب. (٣)

(بِغَضَبٍ) ؛ أي : احتمل غضب الله واستحقّه. (٤)

[١٧] (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ). لمّا كسروا أهل مكّة وقتلوا وأسروا ، أقبلوا على التفاخر. وكان القائل يقول : قتلت وأسرت. ولمّا جاءت قريش للقتال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها يكذّبون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. اللهمّ إنّي أسألك ما وعدتني. فقال له جبرئيل : خذ قبضة من تراب فارمهم بها. فقال لعليّ عليه‌السلام لمّا التقى الجمعان : أعطني قبضة من حصى الوادي. فرمى بها في وجوههم وقال : شاهت الوجوه. فلم يبق مشرك إلّا شغل بعينيه. فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. فقيل لهم : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ). والفاء جواب شرط محذوف. أي : إن افتخرتم بقتلهم ، فأنتم لم تقتلوهم ، (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) لأنّه الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب في قلوبهم وقوّى قلوبكم. (وَما رَمَيْتَ) أنت يا محمّد. يعني الرمية التي رميتها ، لم ترمها أنت على الحقيقة. لأنّك لو رميتها لما يبلغ أثرها إلّا ما يبلغه أثر رمي البشر. ولكنّها كانت رمية الله حيث أثّرت ذلك الأثر العظيم. (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ) : وليعطيهم (بَلاءً حَسَناً) ؛ أي : عطاء جميلا. أي للإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل. (٥)

(وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ). عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر : ايتني بكفّ حصيات مجموعة في مكان واحد. فأخذتها ثمّ شممتها ، فإذا رائحتها كالمسك. فأتيته

__________________

(١) الكافي ٥ / ٣٤ ، ح ١.

(٢) الأنفال (٨) / ٦٥.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٧٨.

(٤) مجمع البيان ٤ / ٨١٤.

(٥) الكشّاف ٢ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٢٥٠

بها. فرمى بها وجوه المشركين. وتلك الحصيات أربع منهنّ كنّ من الفردوس وحصاة من المشرق وحصاة من المغرب وحصاة من تحت العرش مع كلّ حصاة ألف مائة ملك مددا لنا. لم يكرم الله بهذه الفضيلة أحدا قبلنا ـ الحديث. (١)

(وَلكِنَّ اللهَ). ابن عامر وحمزة والكسائيّ : (لكِنَّ) بالتخفيف ورفع ما بعده في الموضعين. (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ) ؛ أي : ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ومشاهدة الآيات ، فعل ما فعل. (٢)

[١٨] (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ)

(ذلِكُمْ). إشارة إلى البلاء الحسن. ومحلّه الرفع. أي الغرض ذلكم. (وَأَنَّ اللهَ). عطف على ذلكم. يعني أنّ الغرض إبلاء المؤمنين وتوهين الكافرين. (٣)

(مُوهِنُ). أهل الحجاز وأبو عمرو : (مُوهِنُ) بالتشديد ونصب (كَيْدِ). وحفص عن عاصم : (مُوهِنُ) بالتخفيف (كَيْدِ) بالجرّ على الإضافة. والباقون بالتخفيف والتنوين (كَيْدِ) بالنصب. (٤)

[١٩] (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)

(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا). قيل : الآية خطاب للمؤمنين. أي : إن تستنصروا ، فقد جاءكم النصر. وإن تنتهوا عن التكاسل في القتال والرغبة عمّا يستأثره الرسول ، فهو خير لكم. وإن تعودوا إليه ، نعد عليكم بالإنكار أو تهييج العدوّ. ولن تغني حينئذ كثرتكم ، إذا لم يكن الله معكم بالنصر. فإنّه مع الكاملين في إيمانهم. ويؤيّد ذلك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). (فِئَتُكُمْ) ؛ أي :

__________________

(١) الخصال / ٥٧٦.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٧٩.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢٠٨.

(٤) مجمع البيان ٤ / ٨١٥.

٢٥١

جماعتكم. (١)

(وَأَنَّ اللهَ). أهل المدينة وابن عامر وحفص بفتح ألف (إِنْ) والباقون بكسرها. (٢)

[٢٠] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ)

(تَسْمَعُونَ) أوامره ونواهيه. (٣)

[٢١] (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)

(كَالَّذِينَ قالُوا). قيل : هم اليهود [و] قريظة والنضير. عن ابن عبّاس. وقيل : إنّهم مشركو العرب. لأنّهم قالوا : سمعنا. لو نشاء لقلنا مثل هذا. (٤)

(وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ؛ أي : لا يقبلون. من باب : سمع الله لمن حمده. أو سماعا ينتفعون به.

[٢٢] (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ) ؛ أي : من يدبّ على وجه الأرض. أو : إنّ شرّ البهائم الذين هم صمّ عن الحقّ لا يعقلونه. جعلهم من جنس البهائم وجعلهم شرّها. (٥)

[٢٣] (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)

(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ) في هذه الصمّ البكم. (خَيْراً) ؛ أي : انتفاعا باللّطف. (لَأَسْمَعَهُمْ) : للّطف بهم حتّى يسمعوا سماع المصدّقين. ولو أسمعهم ؛ أي : ولو لطف بهم ، لما نفع فيهم اللّطف. فلذلك منعهم ألطافه. أو : ولو لطف بهم فصدّقوا ، لارتدّوا بعد ذلك. وقيل : هم بنو عبد الدار بن قصيّ ، لم يسلم منهم إلّا رجلان. وكانوا يقولون : نحن صمّ بكم عمي عمّا جاء به محمّد. فقتلوا جميعا بأحد. وقيل : هم المنافقون أو أهل الكتاب. (٦)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٧٩.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٨١٥.

(٣) مجمع البيان ٤ / ٨١٧.

(٤) مجمع البيان ٤ / ٨١٧.

(٥) الكشّاف ٢ / ٢٠٩.

(٦) الكشّاف ٢ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.

٢٥٢

(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ). نزلت في بني عبد الدار بن قصيّ قالوا : أحي لنا قصيّ بن كلاب ليشهد بنبوّتك. (١)

[٢٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

(اسْتَجِيبُوا). الاستجابة الطاعة. روي : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ على باب أبيّ بن كعب فناداه وهو في الصلاة ، فعجل. ثمّ جاء فقال عليه‌السلام : ما منعك عن إجابتي؟ قال : كنت أصلّي. قال : ألم تخبر فيما أوحي إليّ : (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)؟ قال : لا جرم لا تدعوني إلّا أجبتك. وهذا ممّا اختصّ به رسول الله. يعني يجوز قطع الصلاة لندائه ، أو أنّ إجابته لا تقطع الصلاة ، أو أنّ دعاءه للرجل لأمر لا يحتمل التأخير فيجوز قطع الصلاة لمثله. (٢)

(لِما يُحْيِيكُمْ). الحياة الجنّة. (٣)

(لِما يُحْيِيكُمْ). عن أبي عبد الله : نزلت في ولاية عليّ عليه‌السلام. (٤)

(لِما يُحْيِيكُمْ) من علوم الديانات والشرائع. لأنّ العلم حياة كما أنّ الجهل موت. وقيل : لمجاهدة الكفّار ، لأنّ في تركها القتل. وقيل : للشهادة ، لأنّه حيّ في الدارين. (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ). يعني أنّه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها في الدنيا وهي التمكّن من إخلاص القلب وردّه سليما كما يريده الله. وقيل : معناه أنّ الله قد يملك على العبد قلبه فيفسخ عزائمه ويغيّر نيّاته ومقاصده ويبدله بالخوف أمنا وضدّه وما أشبه ذلك. فأمّا ما يثاب عليه العبد ويعاقب من أفعال القلوب ، فلا. والمجبّرة على أنّه يحول بين المرء والإيمان إذا كفر وبينه وبين الكفر إذا آمن. تعالى عمّا يقول الظالمون. وقيل : معناه أنّه يطّلع على كلّ ما يخطره العبد بباله لا يخفى عليه شيء من ضمائره فكأنّه بينه وبين قلبه. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان ٤ / ٨١٨.

(٢) الكشّاف ٢ / ٢١٠.

(٣) تفسير القمّيّ ١ / ٢٧١.

(٤) الكافي ٨ / ٢٤٨ ، ح ٣٤٩.

(٥) الكشّاف ٢ / ٢١٠ ـ ٢١١ ، تفسير البيضاويّ ١ / ٣٨٠ ، مجمع البيان ٤ / ٨٢٠.

٢٥٣

(أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ). عن أبي جعفر عليه‌السلام : يعني : يحول بين المؤمن ومعصيته تقوده إلى النار وبين الكافر وطاعته يستكمل بها الإيمان. واعلموا أنّ الأعمال بخواتيمها. كذا في تفسير عليّ بن إبراهيم. (١)

وروى الصدوق (ره) في كتاب التوحيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : يحول بين المرء وبين أن يعلم أنّ الباطل حقّ. (٢)

وفي تفسير العيّاشيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : هو أن يشتهي الشيء بسمعه وبصره ولسانه ويده ، فإذا غشي شيئا ممّا يشتهي ، فإنّه لا يأتيه إلّا وقلبه منكر لا يقبل الذي يأتي ، يعرف أنّ الحقّ ليس فيه. (٣)

[٢٥] (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : أصابت الناس فتنة بعد ما قبض رسول الله حتّى تركوا عليّا عليه‌السلام وبايعوا غيره. وهي الفتنة التي فتنوا فيها. (٤)

وعن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام أنّ هذه الفتنة في ليلة القدر. يقول : إنّ محمّدا حين يموت يقول أهل الخلاف لأمر الله : مضت ليلة القدر مع رسول الله. فهذه فتنة أصابتهم خاصّة. (٥)

قال الزبير يوم هزم أصحاب الجمل : لقد قرأت هذه الآية وما أحسب أنّي من أهلها حتّى كان اليوم أيقنت وأعلم أنّي من أهلها. (٦)

(لا تُصِيبَنَّ). قرأ أمير المؤمنين عليه‌السلام وزيد بن ثابت وجعفر بن محمّد عليهما‌السلام والربيع بن أنس وأبو العالية : «لتصيبن» ومعنى القراءتين ضدّان. ويمكن أن يكون حذفت الألف من

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ / ٢٧١.

(٢) التوحيد / ٣٨٥ ، ح ٦.

(٣) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٥٢ ، ح ٣٧.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٥٣ ، ح ٤.

(٥) الكافي ١ / ٢٤٨ و ٢٤٩.

(٦) تفسير القمّيّ ١ / ٢٧.

٢٥٤

لا تصيبنّ تخفيفا. أي : لا تقربوها فتصيبكم. كقوله : (لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). (١) وفي حديث أبي أيّوب الأنصاريّ أنّه قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمّار : سيكون بعدي هنات حتّى يختلف السيف بينهم. فإذا رأيت ذلك ، فعليك بهذا الأصلع. يعني عليّ بن أبي طالب. فإن سلك الناس كلّهم واديا وسلك عليّ عليه‌السلام واديا ، فاسلك وادي عليّ عليه‌السلام ـ الحديث. (٢)

[٢٦] (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

(وَاذْكُرُوا). خطاب للمهاجرين أو كفّار قريش معهم. (ع)

(إِذْ). مفعول اذكروا للظرف. (فِي الْأَرْضِ). يعني مكّة قبل الهجرة. (النَّاسُ). لأنّ الناس كانوا أعداءهم. (فَآواكُمْ) إلى المدينة (وَأَيَّدَكُمْ) بنصره بمظاهرة الأنصار والإمداد بالملائكة يوم بدر. (مِنَ الطَّيِّباتِ) : من الغنائم وغيرها. (٣)

(أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) : يستلبكم المشركون من العرب. (٤)

[٢٧] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

(لا تَخُونُوا). معنى الخون النقص. كما أنّ معنى الوفاء التمام. (٥)

(لا تَخُونُوا اللهَ). نزلت في أبي لبابة. وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاصر يهود بني قريظة فسألوه الصلح على أن يسيروا إلى أرض الشام مثل ما صالح بني النضير ، فأبى إلّا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ. فقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة. وكان مناصحا لهم ، لأنّ ماله كان عندهم. فأتاهم فقالوا : ما ترى يا أبا لبابة؟ أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار إلى حلقه

__________________

(١) آل عمران (٣) / ١٠٢.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٨١٨ و ٨٢١ ـ ٨٢٢.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢١٣.

(٤) مجمع البيان ٤ / ٨٢٢.

(٥) الكشّاف ٢ / ٣١٢.

٢٥٥

أنّه الذبح فلا تفعلوا. فأتاه جبرئيل وأخبره. قال أبو لبابة : فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتّى عرفت أنّي خنت الله ورسوله. فنزلت الآية فيه. فشدّ نفسه إلى سارية في المسجد وقال : لا أذوق طعاما ولا شرابا. حتّى خرّ مغشيّا. فتاب الله عليه وحلّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده ، ثمّ تصدّق بثلث ماله. (١)

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : خيانة الله ورسوله معصيتهما. وأمّا خيانة الأمانة ، فكلّ إنسان مأمون على ما افترض الله عزوجل عليه. (٢)

(لا تَخُونُوا اللهَ). قيل : كانوا يفشون ما يسمعون من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يبلغ المشركين ، فنزلت. (٣)

[٢٨] (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)

(أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ). لأنّهما سبب الوقوع في الفتنة وهي الإثم أو العذاب أو محنة من الله ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده. (أَجْرٌ عَظِيمٌ). فعليكم بطلبه ولا تحرصوا على جمع المال وحبّ الأولاد. وقيل : هي من جملة ما نزل في أبي لبابة وما فرط منه لأجل ماله وولده. (٤)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا يقولنّ أحدكم : اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة. لأنّه ليس أحد إلّا وهو مشتمل على فتنة. ولكن من استعاذ ، فليستعذ من مضلّات الفتن. فإنّ الله يقول : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ). كذا في مجمع البيان. (٥)

وروى ابن شهر آشوب في كتاب المناقب قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب على المنبر فجاء الحسن والحسين عليهما‌السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران. فنزل رسول الله من المنبر فحملهما ووضعهما على يديه. ثمّ قال : صدق الله حيث قال : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤.

(٢) تفسير القمّيّ ١ / ٢٧٢.

(٣) مجمع البيان ٤ / ٨٢٣.

(٤) الكشّاف ٢ / ٢١٤.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٨٢٤.

٢٥٦

فِتْنَةٌ). وفي خبر آخر : لقد قمت إليهما وما معي عقل. (١)

[٢٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

(فُرْقاناً) ؛ أي : نصرا. لأنّه يفرق بين الحقّ والباطل بالإذلال والإعزاز. ومنه قوله تعالى : (يَوْمَ الْفُرْقانِ). (٢) أو : مخرجا من الشبهات وتوفيقا وشرحا للصدور. (٣)

[٣٠] (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).

(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ) ـ الآية. ذكّره مكر قريش به إذ كان بمكّة ليذكر نعمة الله ويشكره عليها. أي : واذكر إذ يمكرون بك. وذلك أنّ قريشا لمّا أسلمت الأنصار وبايعوه خافوا أن يعظم أمره ، فاجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره. فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ نجديّ فقال : قد سمعت باجتماعكم فأردت [أن] أحضركم للرأي. فقال أبو البختريّ : أرى أن تحبسوه في بيت وتشدّوا وثاقه وتسدّوا بابه غير كوّة تلقون إليه الطعام والشراب حتّى يموت. فقال إبليس : بئس الرأي. يأتيكم من يخلّصه من أيديكم. فقال هشام بن عمرو : أرى أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم. فقال : بئس الرأي. يفسد قوما غيركم ويقاتلكم بهم. فقال أبو جهل : أرى أن تأخذوا من كلّ بطن غلاما وتعطوه سيفا صارما فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرّق دمه في القبائل فلا تقوى بنو هاشم على حرب قريش كلّهم. فإذا طلبوا العقل ، عقلناه. فقال الشيخ : صدق الفتى. هو أجودكم رأيا. فتفرّقوا على رأي أبي جهل. وفي رواية عليّ بن إبراهيم إنّ هذا الرأي للشيخ النجديّ وأنّه أمرهم بإدخال أبي لهب معهم فأخبر جبرئيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره أن لا يبيت في مضجعه وأذن له

__________________

(١) المناقب ٣ / ٣٨٥.

(٢) الأنفال (٨) / ٤١.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢١٤.

٢٥٧

في الهجرة. فأمر عليّا عليه‌السلام فنام في مضجعه وقال له : اتّشح ببردتي. وباتوا مترصّدين حول حجرته. فلمّا أصبحوا ثاروا إلى مضجعه فأبصروا عليّا عليه‌السلام فبهتوا. فخيّب الله سعيهم. واقتصّوا أثره فأبطل مكرهم. (١)

(لِيُثْبِتُوكَ) ؛ أي : ليسجنوك ، أو يوثقوك ، أو يثخنوك بالضرب والجرح. (وَيَمْكُرُونَ) : يخفون المكايد. (وَيَمْكُرُ اللهُ) : يخفي ما أعدّ لهم حتّى يأتيهم بغتة. ومكره أشدّ تأثيرا من مكر غيره. (٢)

(وَيَمْكُرُ اللهُ) بردّ مكرهم عليهم ؛ أو بمجازاتهم عليه ، أو بمعاملة الماكرين معهم بأن أخرجهم إلى البدر وقلّل المسلمين في أعينهم حتّى حملوا عليهم فقتلوا. (٣)

[٣١] (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)

(عَلَيْهِمْ) ؛ أي : على هؤلاء الكفّار. قالوا : قد أدركناه بآذاننا ولو أردنا لأتينا بمثل هذا القرآن. وإنّما قالوا ذلك مع ظهور عجزهم عنادا وعداوة. وقد يحمل الإنسان شدّة العداوة على أن يقول ما لا يعلم. (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ؛ أي : قصص الأوّلين وأخبارهم المسطورة. يعني أنّه مثلها لا أنّه وحي من الله. (قالُوا قَدْ سَمِعْنا). قائل هذا القول النضر بن الحارث الذي قتله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صبرا يوم بدر. وهو الذي جاء من بلاد فارس بنسخة حديث رستم واسفنديار فزعم أنّ القرآن مثل ذلك وأنّه من جملة تلك الأساطير. وهو القائل : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ) ـ الآية.

[٣٢] (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ)

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٢١٥ ، وتفسير القمّيّ ١ / ٢٧٢ ـ ٢٧٦.

(٢) الكشّاف ٢ / ٢١٥ ـ ٢١٦.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٨٢.

٢٥٨

(وَإِذْ قالُوا). قائله أبو جهل. (إِنْ كانَ هذا) ؛ يعني : إن كان القرآن هو الحقّ ، فعاقبنا على إنكاره بالسجّيل كما فعلت بأصحاب الفيل ، أو بعذاب آخر. ومراده نفي كونه حقّا. وإذا انتفى كونه حقّا ، لم يستوجب منكره عذابا. فكان تعليق العذاب بكونه حقّا مع اعتقاد أنّه ليس بحقّ ، كتعليقه بالمحال في قولك : إن كان الباطل حقّا ، فأمطر علينا حجارة. وقوله : (هُوَ الْحَقَّ) تهكّم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين : وهذا هو الحقّ. (١)

عن الصادق عليه‌السلام : لمّا نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام يوم غدير خمّ وقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، قال له النعمان بن الحارث : لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام! فولّى وهو يقول : (اللهُمَّ إِنْ كانَ) ـ الآية. فرماه الله بحجر على رأسه. (٢)

[٣٣] (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)

(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) ؛ أي : أهل مكّة بعذاب الاستئصال وأنت مقيم بين أظهرهم لفضلك يا محمّد. فإنّ الله بعثك رحمة للعالمين فلا يعذّبهم إلّا بعد إخراجك عنهم. عن ابن عبّاس : انّ الله سبحانه لم يعذّب قومه حتّى أخرجوه منها. (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ؛ أي : وفيهم بقيّة من المؤمنين لم يهاجروا لعذر وكانوا على عزم الهجرة. فلمّا خرجوا ، أذن الله في فتح مكّة. وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : لمّا قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لقريش : إنّي أقتل ملوك الدنيا وأجري الملك إليكم ، فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه ، تملكون بها العرب ويدين لكم العجم ، فقال أبو جهل : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) ـ الآية ـ حسدا لرسول الله. ثمّ قال : غفرانك اللهمّ ربّنا ، فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ) ـ الآية. (٣)

[٣٤] (وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٢١٦.

(٢) شواهد التنزيل ٢ / ٣٨١.

(٣) مجمع البيان ٤ / ٨٢٩.

٢٥٩

(وَما لَهُمْ) ؛ أي : وما كان الله معذّبهم وأنت فيهم وهو معذّبهم إذا فارقتهم. (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ؛ أي : كيف لا يعذّبون وحالهم أنّهم يصدّون عن المسجد الحرام كما صدّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عام الحديبيّة وإخراجهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين من الصدّ. وكانوا يقولون : نحن ولاة البيت الحرام فنصدّ من نشاء وندخل من نشاء. وما كانوا أولياء المسجد مع إشراكهم. ليس أولياؤه إلّا المتقّون من المسلمين لا كلّ مسلم فكيف بالكفرة عبدة الأصنام. (أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ). يعني أنّ بعضهم يعلم لكنّه يعاند. (١)

(وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ). إن قيل : كيف يجمع بين الآيتين وفي الأولى نفي تعذيبهم في الثانية إثبات ذلك؟ جوابه من وجوه ثلاثة. أحدها : انّ المراد بالأوّل عذاب الاستئصال كما فعل بالأمم الماضية ، وبالثانية عذاب القتل بالأسر والسيف وغير ذلك بعد خروج المؤمنين من بينهم. والآخر : انّه أراد : وما لهم ألّا يعذّبهم في الآخرة؟ ويريد بالأوّل عذاب الدنيا. والثالث : انّ الأوّل استدعاء للاستغفار. يريد أنّه لا يعذّبهم عذاب دنيا ولا آخرة إذا استغفروا وتابوا. فلمّا لم يفعلوا ، عذّبوا. ثمّ بيّن أنّ استحقاقهم للعذاب بصدّهم الناس عن المسجد الحرام. (٢)

[٣٥] (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)

(إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً). المكاء : الصفير. والتصدية : التصفيق. يعني أنّهم وضعوهما مكان الصلاة والذكر. وذلك أنّهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبّكون بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون. وكانوا يفعلون ذلك إذا قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاته يخلطون عليه. (فَذُوقُوا الْعَذابَ) ؛ أي : عذاب القتل والأسر يوم بدر بسبب كفركم. (٣)

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٢١٧.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٨٢٩ ـ ٨٣٠.

(٣) الكشّاف ٢ / ٢١٨.

٢٦٠