عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ٢

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


المحقق: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-27-2
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٥٣

بالأنثيين الأنثى من الضأن والأنثى من المعز على طريق الجنسيّة. والمعنى إنكار أن يحرّم الله من جنس الغنم ضأنها ومعزها شيئا من نوعي ذكورها وإناثها ولا ممّا تحمل إناث الجنسين وكذلك الذكران من جنسي الإبل والبقر والأنثيان منهما وما تحمل أنثاهما. وذلك أنّهم كانوا يحرّمون ذكورة الأنعام وإناثها تارة وأولادهما كيفما كانت ذكورا وأناثى أو مختلطة تارة وكانوا يقولون قد حرّمها الله ، فأنكر ذلك عليهم. (١)

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) : بل كنتم. ومعنى الهمزة الإنكار. يعني : أم شاهدتم ربّكم حين أمركم بهذا التحريم؟ لأنّهم كانوا لا يؤمنون برسول وهم يقولون إنّ الله حرّم الذي نحرّمه ، فتهكّم بهم في قوله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) على معنى : أعرفتم التوصية به شاهدين؟ لأنّكم لا تؤمنون بالرسل. (افْتَرى) فنسب إليه تحريم ما لم يحرّم. (لِيُضِلَّ). وهو عمرو بن لحيّ بن قمعة الذي كان بحّر البحائر وسيّب السوائب. (٢)

[١٤٥] (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

فإن قلت : كيف فصل بين المعدود وبعضه ولم يوال بينه؟ قلت : قد وقع الفاصل بينهما اعتراضا غير أجنبيّ من المعدود. وذلك أنّ الله عزوجل منّ على عباده بإنشاء الأنعام لمنافعهم وبإباحتها لهم ، فاعترض بالاحتجاج على من حرّمها ، والاحتجاج على من حرّمها تأكيد للتحليل. والاعتراضات في الكلام لا تساق إلّا للتوكيد. (فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ). تنبيه على أنّ التحريم إنّما يثبت بوحي الله وشرعه لا بهوى الأنفس. (مُحَرَّماً) : طعاما محرّما من المطاعم التي حرّمتموها. (٣)

(إِلَّا أَنْ يَكُونَ). ابن كثير وحمزة : «تكون» بالتاء ، لتأنيث الخبر. وابن عامر بالياء ورفع

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٧٣ ـ ٧٤.

(٢) الكشّاف ٢ / ٧٤.

(٣) الكشّاف ٢ / ٧٤.

١٠١

(مَيْتَةً) على أنّ كان هي التامّة. (١)

على قراءة ابن كثير وحمزة معناه : إلّا أن تكون العين أو النفس ميتة. ومن قرأ بالياء التحتانيّة يكون معناه : الموجود ميتة. (٢)

(يَطْعَمُهُ). الوصف للتأكيد. كما في قوله : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ). (٣)(إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً). وهي ما فارقته الروح بغير ذبح شرعىّ. (مَسْفُوحاً) : مصبوبا ؛ كالدم في العروق لا كالطحال وإن كان حراما. أمّا الدليل من خارج. وخصّ المصبوب بالذكر لأنّ ما يختلط باللّحم منه مباح. وهذا مقيّد لإطلاق قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ). وبذلك الإطلاق أخذ الشافعيّ. (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) ؛ أي : لحم الخنزير ، أو هو نفسه. أي : هو قذر وخبيث تنفر عنه الطبائع. (أَوْ فِسْقاً). عطف على لحم الخنزير. وما بينهما اعتراض للتعليل. وهذا مجمل توضيحه قوله : (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ). والإهلال رفع الصوت. والمراد ما ذبحوه وذكروا عند الذبح اسم الصنم أو نحوه. (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلى تناول شيء من المذكورات. (غَيْرَ باغٍ) ؛ أي قاصد أكل الميتة ، أو باغ على مضطرّ آخر مثله ، أو خارج على الإمام. (وَلا عادٍ) قدر الضرورة. عن الصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله : الباغي الذي يخرج على الإمام والعادي الذي يقطع الطريق ، لا تحلّ له الميتة. (غَفُورٌ رَحِيمٌ) لا يؤاخذه على ذلك. والآية محكمة دالّة على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يجد فيما أوحي إليه تلك الغاية محرّما غير المذكورات. فلا ينافيه ورود التحريم بعد ذلك بالنسبة إلى أشياء أخر. (٤)

(فَإِنَّهُ) ؛ أي : لحم الخنزير ؛ لتعوّده أكل النجاسة. (أَوْ فِسْقاً). إنّما سمّي ما ذبح على اسم الصنم فسقا لتوغّله في الفسق. ويجوز أن يكون مفعولا له من أهلّ. (٥)

[١٤٦] (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٥.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٥٨٣.

(٣) الأنعام (٦) / ٣٨.

(٤) مسالك الأفهام ٤ / ١٤٠ ـ ١٤٢.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٥.

١٠٢

وَإِنَّا لَصادِقُونَ)

(كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) : كلّ ما له إصبع كالإبل والسباع والطيور. وقيل : كلّ ذي مخلب وحافر. وسمّي الحافر ظفرا مجازا. ولعلّ المسبّب عن الظلم عموم التحريم. (شُحُومَهُما) : الثروب وشحوم الكلى. والإضافة لزيادة الربط. (ما حَمَلَتْ) ؛ أي : ما علقت ظهورهما. (أَوِ الْحَوايا) ؛ أي : ما اشتمل على الأمعاء. جمع حاوية. وقيل : هو عطف على شحومهما وأو بمعنى الواو. (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) : شحم الألية لاتّصالها بالعصعص. (ذلِكَ) ؛ أي : التحريم والجزاء (بِبَغْيِهِمْ) : بسبب ظلمهم. (١)

(ذِي ظُفُرٍ). قيل : المراد به ما ليس بمنفرج الأصابع كالإبل والإوزّ والبطّ. وقيل : هو الإبل فقط. وقيل : كلّ ذي مخلب من الطائر. وقيل : كلّ ذي حافر من الدوابّ. (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) من الشحم وهو اللّحم السمين. (أَوِ الْحَوايا) ؛ أي : ما حملته الحوايا من الشحم ، فإنّها غير محرّم. (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) ؛ أي : شحم الجنب أو الألية ، لأنّه على العصعص وهو [غير] حرام أيضا. وقيل : الألية لم تدخل في ذلك. لأنّه لم يستثن لعدم الاعتداد بعظم العصعص. (الْحَوايا) : ما يحوى في البطن فاجتمع واستدار. (جَزَيْناهُمْ) ؛ أي : حرّمنا ذلك عقوبة لهم بقتلهم الأنبياء وأخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل. وقيل : بغيهم ظلمهم أنفسهم بارتكاب المحظورات. وقيل : إنّ ملوك بني إسرائيل كانوا يمنعون فقراءهم من أكل لحوم الطير والشحوم ، فحرّم الله ذلك ببغيهم على فقرائهم. قاله عليّ بن إبراهيم في تفسيره. (٢)

(إِنَّا لَصادِقُونَ) في الإخبار والوعد والوعيد. (٣)

[١٤٧] (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٥.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٥٨٤ ـ ٥٨٥.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٥.

١٠٣

(ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) يمهلكم على التكذيب ، فلا تغترّوا بإمهاله ؛ فإنّه لا يهمل. (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) حين ينزل. أو : ذو رحمة واسعة للمطيعين وذو بأس للمجرمين. فأقام مقامه (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) لتضمّنه التنبيه على إنزال البأس عليهم مع الدلالة على أنّه لازب بهم لا يمكن ردّه عنهم. (١)

[١٤٨] (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ)

(سَيَقُولُ). إخبار بما سوف يقولونه وبما قالوه. قال : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ). (٢) يعنون بكفرهم وتمرّدهم أنّ شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحلّ الله ، بمشيّة الله وإرادته ، ولو لا مشيّته ، لم يكن شيء من ذلك ؛ كمذهب المجبّرة بعينه. (كَذلِكَ كَذَّبَ) ؛ أي : جاؤوا بالتكذيب المطلق. لأنّ الله ركّب في العقول وأنزل في الكتب ما دلّ على غناه وبراءته من مشيّة القبائح وإرادتها والرسل أخبروا بذلك ، فمن علّق وجود القبائح من الكفر والمعاصي بمشيّة الله وإرادته ، فقد كذّب التكذيب كلّه ؛ وهو تكذيب العقل والسمع. (ذاقُوا بَأْسَنا) : أنزلنا عليهم العذاب بتكذيبهم. (فَتُخْرِجُوهُ). هذا من التهكّم والشهادة بأنّ مثل قولهم محال أن تكون به حجّة. (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) في قولكم هذا. (إِلَّا تَخْرُصُونَ) : تقدّرون أنّ الأمر كما تزعمون ، أو تكذبون. (٣)

(كَذلِكَ كَذَّبَ) ؛ أي : مثل هذا التكذيب الذي كان من هؤلاء في أنّه منكر (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أنبياءهم فيما أتوا به من قبل الله. (حَتَّى ذاقُوا) العذاب المعجّل. ودلّ على أنّ لهم عذابا مدّخرا عند الله. لأنّ الذوق أوّل إدراك الشيء. (قُلْ) يا محمّد لهم جواب ما قالوه من أنّ الشرك بمشيّة الله. (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) ؛ أي : حجّة تؤدّي إلى علم. (٤)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٥.

(٢) النحل (١٦) / ٣٥.

(٣) الكشّاف ٢ / ٧٦ ـ ٧٧.

(٤) مجمع البيان ٤ / ٥٨٧.

١٠٤

[١٤٩] (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)

(فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ). يعني إن كان الأمر كما زعمتم أنّ ما أنتم عليه بمشيّة الله ، فلله الحجّة البالغة عليكم على قود مذهبكم. (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) منكم ومن مخالفيكم في الدين. فإنّ تعليقكم دينكم بمشيّة الله يقتضي أن تعلّقوا دين من يخالفكم أيضا بمشيّته فتوالوهم ولا تعادوهم وتوافقوهم ولا تخالفوهم. لأنّ المشيّة تجمع بين ما أنتم عليه وما هم عليه. (١)

(فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ). عن الباقر عليه‌السلام وقد سئل عن قول الله : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) فقال : إنّ الله يقول للعبد يوم القيامة : عبدي أكنت عالما؟ فإن قال : نعم ، قال : أفلا عملت ما علمت؟ وإن قال : كنت جاهلا ، قال له : أفلا تعلّمت حتّى تعمل؟ فيخصمه بتلك الحجّة البالغة. (٢)

وعن الكاظم عليه‌السلام : انّ لله على الناس حجّتين ؛ حجّة ظاهرة ، وحجّة باطنة. فأمّا الظاهرة ، فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام. وأمّا الباطنة ، فالعقول. (٣)

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض. (٤)

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) ؛ أي : إذا عجز هؤلاء عن إقامة حجّة على ما قالوه ، فلله الحجّة البالغة ؛ أي : التي تبلغ قطع عذر المحجوج بأن تزيل كلّ شبهة عمّن نظر فيها. (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ) : لألجأكم إلى الإيمان وهداكم جميعا إليه بفعل الإلجاء ؛ لكنّه لم يفعله لأنّه مناف للتكليف. (٥)

(فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ). ولو كان الأمر على ما قاله أهل الجبر من أنّ الله شاء منهم الكفر ، لكانت الحجّة للكفّار على الله من حيث فعلوا ما شاء الله تعالى ولكانوا بذلك مطيعين و

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٧٧.

(٢) أمالي الطوسيّ ١ / ٨ ـ ٩.

(٣) الكافي ١ / ١٦ ، ح ١٢.

(٤) الكافي ١ / ١٩٢ ، ح ٣.

(٥) مجمع البيان ٤ / ٥٨٧ ـ ٥٨٨.

١٠٥

لا تكون الحجّة لله عليهم على قولهم ، من حيث إنّه خلق فيهم الكفر وأراد منهم الكفر. فأيّ حجّة له عليهم مع ذلك؟ (١)

[١٥٠] (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)

(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) : أحضروهم. وهو اسم فعل لا يتصرّف عند أهل الحجاز ، وفعل يؤنّث ويجمع عند بني تميم. وأصله : هالمّ. من لمّ ، إذا قصد. حذفت الألف لتقدير السكون في اللّام فإنّه الأصل. يعني أنّ أصله المم. (الَّذِينَ يَشْهَدُونَ). يعني قدوتهم فيه. استحضرهم لتلزمهم الحجّة وتظهر بانقطاعهم ضلالتهم وأنّه لا متمسّك لهم كمن يقلّدهم. ولذلك قيّد الشهداء بالإضافة ووصفهم بما يقتضي العهد بهم. (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) : فلا تصدّقهم فيه وبيّن له فساده. فإنّ تسليمه موافقة لهم في الشهادة الباطلة. (أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا). من وضع المظهر مقام المضمر للدلالة على أنّ مكذّب الآيات متّبع الهوى لا غير. (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) كعبدة الأوثان. (يَعْدِلُونَ) : يجعلون له عديلا. (٢)

(يَشْهَدُونَ) ؛ أي : الذين علم أنّهم يشهدون لهم وينصرون قولهم وكان المشهود لهم يقلّدونهم ، ليهدم ما يقومون به فيحقّ الحقّ ويبطل الباطل. فأضيف الشهداء لذلك وجيء بالذين للدلالة على أنّهم معروفون موسومون بالشهادة لهم وبنصرة مذهبهم. والدليل عليه قوله : (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ). (٣)

(فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ). معناه : فإن لم يجدوا شاهدا يشهد لهم على تحريمها غيرهم فشهدوا به بأنفسهم ، فلا تشهد أنت معهم. لأنّ شهادهم تكون شهادة بالباطل. [فإن قيل : كيف دعاهم إلى الشهادة ثمّ قال : فلا تشهد معهم؟ فالجواب أنّه] قد أمرهم بأن يأتوا

__________________

(١) مجمع البيان ٤ / ٥٨٨.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٦.

(٣) الكشّاف ٢ / ٧٨.

١٠٦

بالعدول الذين يشهدون بالحقّ ، وإذا لم يجدوا ذلك وشهدوا لأنفسهم ، فلا ينبغي أن تقبل شهادتهم أو تشهد معهم لأنّها ترجع إلى دعوى مجرّدة. (١)

(وَلا تَتَّبِعْ) كأهل الكتاب (الَّذِينَ) كمن أخذوا دينهم من تقليد الآباء. (٢)

[١٥١] (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)

(قُلْ تَعالَوْا). أمر من التعالي. وأصله أن يقوله من كان في علوّ لمن كان في سفل ، فاتّسع فيه للتعميم. (أَتْلُ) : أقرأ. «ما حرم ربكم» منصوب بأتل. وما يحتمل الخبريّة والمصدريّة. ويجوز أن يكون استفهاميّة منصوبة بحرّم والجملة مفعول أتل. لأنّه بمعنى : أتل أيّ شيء حرّم ربّكم. (عَلَيْكُمْ). متعلّقة بحرّم أو أتل. (شَيْئاً). يحتمل المصدر والمفعول. (٣)

(أَتْلُ ما حَرَّمَ). عن أبي بصير قال : كنت جالسا عند أبي جعفر عليه‌السلام وهو متّك على فراشه ، إذ قرأ الآيات المحكمات التي لم ينسخهنّ شيء من الأنعام فقال : شيّعها سبعون ألف ملك. (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ) ـ الآية. (٤)

(وَبِالْوالِدَيْنِ). قال : الوالدين رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وعلى آلهما. (٥)

(الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) ؛ أي : المعاصي والقبائح كلّها ظاهرها وباطنها. وقيل : إنّ ما ظهر أفعال الجوارح وما بطن أفعال القلوب. (ذلِكُمْ). خطاب لكافّة الخلق. (٦)

(بِالْحَقِّ) كالقود وقتل المرتدّ ورجم المحصن. (الْفَواحِشَ) : كبائر الذنوب أو الزنى.

__________________

(١) مجمع البيان ٤ / ٥٨٨.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٥٨٨.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

(٤) تفسير العيّاشيّ ١ / ٣٨٣ ، ح ١٢٣.

(٥) تفسير القمّيّ ١ / ٢٢٠.

(٦) مجمع البيان ٤ / ٥٩٠ ـ ٥٩١.

١٠٧

(ما ظَهَرَ). بدل منه. (ذلِكُمْ). إشارة إلى ما تقدّم. (وَصَّاكُمْ) بحفظه. (تَعْقِلُونَ) : ترشدون. فإنّ كمال العقل هو الرشد. (١)

[١٥٢] (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

(إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ؛ أي : بالخصلة التي هي أحسن ما يفعل بمال اليتيم وهي حفظه وتثميره. والمعنى : احفظوه عليه. (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) ، فادفعوه إليه. (بِالْقِسْطِ) : بالسويّة والعدل. (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) : ما لا يعجز عنه. وإنّما أتبع الأمر بإيفاء الكيل والميزان ذلك ، لأنّ مراعاة الحدّ من القسط الذي لا زيادة فيه ولا نقصان بما يجري فيه الحرج ، فأمر ببلوغ الوسع وأنّ ما وراءه معفوّ عنه. (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ؛ أي : ولو كان المقول له أو عليه في شهادة أو غيرها من أهل قرابة القائل. (٢)

(أَشُدَّهُ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إذا بلغ الغلام أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة ، وجب عليه ما وجب على المحتلمين ، احتلم أو لم يحتلم ، وكتبت عليه السيّئات وكتبت له الحسنات. (٣)

(وَبِعَهْدِ اللهِ). يعني ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع. (تَذَكَّرُونَ). حمزة وحفص والكسائيّ بتخفيف الذال حيث وقع إذا كان بالتاء ، والباقون بتشديدها.

(تَذَكَّرُونَ) ؛ أي : تتّعظون به. (٤)

(أَشُدَّهُ) ؛ أي : البلوغ الشرعيّ بأحد الأمور.

[١٥٣] (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٧.

(٢) الكشّاف ٢ / ٧٩.

(٣) الكافي ٧ / ٦٩ ، ح ٧.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٧.

١٠٨

ذلِكُمْ وصّاكم به لعلّكم تَتَّقُونَ).

(وَأَنَّ هذا صِراطِي). الإشارة فيه إلى ما ذكر في السورة. فإنّها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوّة وبيان الشريعة. وقرأ حمزة والكسائيّ بكسر همزة إنّ على الاستئناف ، وابن عامر ويعقوب بالفتح والتخفيف ، والباقون مشدّدة بتقدير اللّام ، على أنّه علّة لقوله : (فَاتَّبِعُوهُ). وقرأ ابن عامر : «صراطي» بفتح الياء. (السُّبُلَ) : الأديان المختلفة والطرق التابعة للهوى. فإنّ مقتضى الحجّة واحد ومقتضى الهوى متعدّد لاختلاف الطبائع والعادات. (ذلِكُمْ) الاتّباع. (تَتَّقُونَ) الضلال والتفرّق عن الحقّ. (١)

عن بريد العجليّ عن أبي جعفر عليه‌السلام (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) قال : تدري ما يعني بصراطي مستقيما؟ قلت : لا. قال : ولاية عليّ والأوصياء عليهم‌السلام. قال : [وتدري] ما يعني (فَاتَّبِعُوهُ) قلت : لا. قال : يعني عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه. قال : وتدري ما يعني (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)؟ قلت : لا. قال : ولاية فلان [وفلان] والله. قال : وتدري ما يعني (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)؟ قلت : لا. قال : يعني سبيل عليّ عليه‌السلام. (٢)

(وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ) : الطرق المختلفة في الدين من اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة وسائر البدع والضلالات فتفرّقكم أيادي سبا عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه خطّ خطّا ثمّ قال : هذا طريق الرشاد. ثمّ خطّ عن يمينه وعن شماله خطوطا ثمّ قال : هذه سبل على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه. ثمّ تلا هذه الآية. (٣)

[١٥٤] (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)

(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى). عطف على وصّاكم. وثمّ للتراخي في الإخبار ، أو للتفاوت في الرتبة ، كأنّه قيل : ذلكم وصّاكم به قديما وحديثا. ثمّ أعظم من ذلك أنّا آتينا موسى الكتاب ،

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٧.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ، ح ١٢٥.

(٣) الكشّاف ٢ / ٨٠.

١٠٩

تماما للكرامة والنعمة. ([«عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ» :]) على من أحسن القيام به. أو : [تماما على] ما أحسنه موسى ؛ أي : أجاده من العلم والشرائع ؛ أي : زيادة على علمه إتماما [له]. (وَتَفْصِيلاً) : وبيانا مفصّلا لكلّ ما يحتاج إليه في الدين. وهو عطف على تماما. ونصبهما يحتمل العلّة والحال والمصدر. (لَعَلَّهُمْ) ؛ أي : لعلّ بني اسرائيل (يؤمنون بلقاء ربهم) للجزاء. (١)

[١٥٥] (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

(وَهذا كِتابٌ) ؛ أي : القرآن. (تُرْحَمُونَ) بواسطة اتّباعه. (٢)

[١٥٦] (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ)

(أَنْ تَقُولُوا) ؛ أي : كراهة أن تقولوا. علّة لأنزلناه. (إِنَّما). لعلّ الاختصاص في إنّما لأنّ الباقي المشهور حينئذ من الكتب السماويّة لم يكن غير كتبهم. (٣)

(أُنْزِلَ) ؛ أي : إنّما أنزل القرآن قطعا للمعذرة لئلّا تقولوا ـ يا أهل مكّة ـ : إنّما أنزل الكتاب على جماعتين اليهود والنصارى. فأنزلنا عليكم القرآن لنقطع حجّتكم. (لَغافِلِينَ) عن تلاوة كتبهم ولم ينزل علينا الكتاب كما أنزل عليهم. لأنّهم كانوا أهله. ولو أريد منّا ما أريد منهم ، لأنزل الكتاب علينا. (٤)

(وَإِنْ) هي مخفّفة من المثقّلة. والأصل : وإنّه كنّا ، على أنّ الهاء ضمير الشأن. (طائِفَتَيْنِ) : أهل التوراة وأهل الإنجيل. (عَنْ دِراسَتِهِمْ) : عن قراءتهم. أي : لم نعرف مثل دراستهم. (٥)

[١٥٧] (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٨.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٨.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٨.

(٤) مجمع البيان ٤ / ٥٩٧.

(٥) الكشّاف ٢ / ٨١.

١١٠

مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ)

(لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) لحدّة أذهاننا وغزارة حفظنا لأيّام العرب ووقائعها وخطبها وأشعارها وأسجاعها وأمثالها على أنّا أمّيّون. (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ). تبكيت لهم. والمعنى : إن صدّقتكم فيما كنتم تعدّون من أنفسكم ، فقد جاءكم بيّنة من ربّكم. فحذف الشرط. وهو من أحسن الحذوف. (مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) بعد ما عرف صحّتها وصدقها أو تمكّن من معرفة ذلك (وَصَدَفَ عَنْها) الناس فضلّ وأضلّ. (سُوءَ الْعَذابِ). كقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ)(١). (٢)

(بَيِّنَةٌ) ؛ أي : حجّة واضحة وهو القرآن. (صَدَفَ عَنْها) : أعرض. (بِما كانُوا) ؛ أي : جزاء بما كانوا. (٣)

[١٥٨] (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)

(هَلْ يَنْظُرُونَ). يعني أهل مكّة. وهم ما كانوا منتظرين لذلك ، لكن لمّا كان يلحقهم لحوق المنتظر ، شبّهوا بالمنتظرين. (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) كالمحتضر إذا صار الأمر عيانا والإيمان برهانا. (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً). دليل لمن لم يعتبر الإيمان المجرّد عن العمل. وللمعتبر تخصيص هذا الحكم بذاك اليوم وحمل الترديد على اشتراط النفع بأحد الأمرين على معنى لا ينفع نفسا خلت عنهما إيمانها. والعطف على لم يكن بمعنى : لا ينفع نفسا إيمانها الذي أحدثته حينئذ وإن كسبت فيه خيرا. (٤)

(تَأْتِيَهُمُ). عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : تأتيهم الملائكة. يعني بذلك العذاب في دار الدنيا كما

__________________

(١) النحل (١٦) / ٨٨.

(٢) الكشّاف ٢ / ٨١.

(٣) مجمع البيان ٤ / ٥٩٧.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٩.

١١١

عذّب القرون الأولى. (١)

(تَأْتِيَهُمُ). حمزة والكسائيّ : «يأتيهم» بالياء. (يَأْتِيَ رَبُّكَ) ؛ أي : أمر ربّك بالعذاب. وقال ابن عبّاس : يأتي أمر ربّك فيهم بالقتل. (٢)

(مِنْ قَبْلُ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : يعني في الميثاق. (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً). قال : الإقرار بالأنبياء والاوصياء وأمير المؤمنين عليه‌السلام. (٣)

(أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ). هم ملائكة الموت أو العذاب. (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) ؛ أي : كلّ آيات ربّك ؛ بدليل (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ). يريد آيات القيامة والهلاك الكلّيّ. وبعض الآيات أشراط الساعة كطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك. وعن البراء : كنّا نتداكر الساعة إذ أشرف علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ما تتذاكرون؟ قلنا : نتذاكر الساعة. قال : إنّها لا تقوم حتّى تروا قبلها عشر آيات : الدخان ، ودابّة الأرض ، وخسفا بالمشرق ، وخسفا بالمغرب ، وخسفا بجزيرة العرب ، والدجّال ، وطلوع الشمس من مغربها ، ويأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى ، ونارا تخرج من عدن. (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ). والمعنى أنّ أشراط الساعة إذا جاءت ـ وهي آية ملجئة مضطرّة ـ ذهب أوان التكليف عندها ، فلم ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدّمة إيمانها قبل ظهور الآيات أو مقدّمة إيمانها غير كاسبة خيرا في إيمانها. فلم يفرّق ـ كما ترى ـ بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان وبين النفس التي آمنت في وقته فلم تكسب خيرا ، ليعلم أنّ قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفكّ إحداهما عن الأخرى حتّى يفوز صاحبهما ويسعد وإلّا فالشقوة والهلاك. (انْتَظِرُوا). وعيد. (٤)

(يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) ـ الآية. فقال : الآيات هم الأئمّة عليهم‌السلام. والآية المنتظرة القائم عليه‌السلام. فيومئذ لا ينفع

__________________

(١) التوحيد / ٢٦٦.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٥٩٨.

(٣) الكافي ١ / ٤٢٨ ، ح ٨١.

(٤) الكشّاف ٢ / ٨٢.

١١٢

نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدّمه من آبائه عليهم‌السلام. (١)

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : تخرج دابّة الأرض من الصفا معها خاتم سليمان وعصا موسى ، تضع الخاتم على وجه كلّ مؤمن فينطبع فيه : هذا مؤمن حقّا. وتضعه على وجه كلّ كافر فيكتب فيه : هذا كافر حقّا. ثمّ ترفع الدابّة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جلّ جلاله. وذلك عند طلوع الشمس من مغربها. فعند ذلك ترفع التوبة. (٢) كذا رواه الصدوق في إكمال الدين وغيره.

فبالجملة فالأخبار الواردة بأنّ المراد من هذه الآية والآيات الواردة فيها هي القيامة الصغرى ـ أعني زمان صاحب الدار عليه‌السلام ـ مستفيضة بل متواترة. نعم ؛ يبقى الإشكال في عدم قبول التوبة في زمانه عليه‌السلام مع ما ورد من قوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(٣) وأنّ المراد منه دخول الخلق في دين الإسلام طوعا أو كرها. فإذا لم تقبل التوبة ، فما الفائدة في الدخول في دين الإسلام؟ والجواب عنه من وجوه : الأوّل ما ورد في بعض الأخبار من أنّ من لا تقبل منهم التوبة من أحياهم الله من قبورهم للعذاب على يديه ، فإيمانهم مضطرّون إليه لما شاهدوا من عذاب القبر. الثاني أنّه لا يقبل الإيمان الظاهر نفاق كما كان يقبله النبيّ عليه‌السلام وإيمان السيف في زمانه عليه‌السلام الغالب عليه النفاق بل كلّه منه. الثالث أنّ رفع التوبة بعد موته عليه‌السلام وظهور آيات القيامة.

(بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ). أطبق المفسّرون على أنّ المراد من هذه الآية القيامة الكبرى. وفي بعض الأخبار دلالة عليه. وهو لا ينافي ما حقّقناه في الحاشية من إرادة القيامة الصغرى. لأنّ للقرآن ظاهرا وباطنا.

[١٥٩] (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ)

__________________

(١) كمال الدين / ٣٣٦ ، ح ٨.

(٢) كمال الدين / ٥٢٧.

(٣) التوبة (٩) / ٣٣.

١١٣

(فَرَّقُوا دِينَهُمْ) : اختلفوا فيه كما اختلفت اليهود والنصارى. وفي الحديث : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلّها في الهاوية إلّا واحدة وهي الناجية. وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة كلّها في الهاوية إلّا واحدة. وقيل : فرّقوا دينهم فكفروا ببعض وآمنوا ببعض. (وَكانُوا شِيَعاً) : فرقا كلّ فرقة تشيّع إماما لها. (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) ؛ أي : من السؤال عنهم وعن تفرّقهم. وقيل : عن عقابهم. وقيل : هي منسوخة بآية السيف. (١)

أقول : قد طرح بعض الحديث وهو قوله : ستفترق أمّتي بعدي على ثلاثة وسبعين فرقة كلّها في الهاوية إلّا واحدة. (٢) ومن الاتّفاقات الحسنة أنّ (شيعة علي) موافقة على (فرقة ناجية) في العدد. فافهم. (حسن عفي عنه)

(فَرَّقُوا). حمزة والكسائيّ : «فارقوا» بالالف. (٣)

(يُنَبِّئُهُمْ) بالعقاب. (٤)

[١٦٠] (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ). عن أبي عبد الله عليه‌السلام : الحسنة الولاية. (٥) وعنه عليه‌السلام : انّ الله لمّا أعطى إبليس من القوّة ما أعطاه ، قال آدم : يا ربّ ، سلّطت إبليس على ولدي أجريته فيهم مجرى الدم بالعروق. فما لي ولولدي؟ قال : لك ولولدك السيّئة بواحدة والحسنة بعشر أمثالها. قال : ربّ زدني. قال : التوبة مبسوطة إلى أن تبلغ النفس الحلقوم. فقال : يا ربّ زدني. قال : أغفر ولا أبالي. (٦)

عن أبي جعفر عليه‌السلام : من نوى الصوم ثمّ دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده ، فليفطر

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ٨٢ ـ ٨٣.

(٢) بحار الأنوار ٣٠ / ٣٣٥.

(٣) مجمع البيان ٤ / ٦٠٠.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٩.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ١٣١.

(٦) تفسير القمّيّ ١ / ٤٢.

١١٤

وليدخل عليه السرور. فإنّه يحتسب له بذلك اليوم عشرة أيّام. وهو قول الله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها). (١)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : صوم ثلاثة أيّام في كلّ شهر يعدل صيام الدهر ؛ لقول الله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها). (٢)

(فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) على إقامة صفة الجنس المميّز مقام الموصوف. تقديره : عشر حسنات أمثالها. وهذا أقلّ ما وعد من الإضعاف. وقد وعد بالواحد سبعمائة ووعد ثوابا بغير حساب. ومضاعفة الحسنات فضل. ومكافأة السيّئة عدل. (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ؛ أي : لا ينقص من ثوابهم ولا يزاد على عقابهم. (٣)

[١٦١] (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

(رَبِّي) بالوحي والإرشاد إلى ما نصب من الحجج. (دِيناً قِيَماً). بدل من محلّ (إِلى صِراطٍ) إذ المعنى : وهداني صراطا. أو مفعول فعل مضمر دلّ عليه الملفوظ. (قِيَماً) فيعل من قام ؛ كسيّد من ساد. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة : «قيما» بكسر القاف والتخفيف ، على أنّه مصدر نعت به. وكان قياسه قوما ـ كعوض ـ فأعلّ لإعلال فعله ؛ كالقيام. (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ). عطف بيان لدينا. (حَنِيفاً). حال من إبراهيم. (٤)

(دِيناً قِيَماً) ؛ أي : مستقيما على نهاية الاستقامة. وقيل : ثابتا دائما لا ينسخ. (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ). إنّما وصف دين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه ملّة إبراهيم ، ترغيبا فيه للعرب ، لجلالة إبراهيم في نفوسها ونفوس كلّ الأديان ولانتساب العرب إليه واتّفاقهم على أنّه كان على الحقّ. (حَنِيفاً) : مخلصا في العبادة. أو : مائلا إلى الإسلام. (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ؛ أي : ما كان يدعو إلى

__________________

(١) الكافي ٤ / ١٥٠ ، ح ٢.

(٢) الكافي ٤ / ٩٢ ، ح ٦.

(٣) الكشّاف ٢ / ٨٣.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٩.

١١٥

عبادة الأصنام. (١)

[١٦٢ ـ ١٦٣] (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

(إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) : عبادتي كلّها ، أو قرباني ، أو حجّي. (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) : وما أنا عليه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والطاعة. أو : طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصيّة والتدبير. أو : الحياة والممات أنفسهما. (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) ؛ أي : بذلك القول والإخلاص. (وَمَحْيايَ). نافع : (مَحْيايَ) بإسكان الياء إجراء للوصل مجرى الوقف. (أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ). لأنّ إسلام كلّ نبيّ متقدّم على إسلام أمّته. (٢)

[١٦٤] (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)

(أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) فأشركه في عبادتي؟ وهو جواب عن دعائهم إلى عبادة آلهتهم. (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ). حال من موضع العلّة للإنكار والدليل له. أي : وكلّ ما سواه مربوب مثلي لا يصلح للربوبيّة. (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) فلا ينفعني في ابتغاء ربّ غيره ما أنتم عليه من ذلك. (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ). جواب عن قولهم : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ). (٣)(مَرْجِعُكُمْ) يوم القيامة. (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ) : يبيّن الرشد من الغيّ ويميّز المحقّ من المبطل. (٤)

(أَغَيْرَ اللهِ). الهمزة للإنكار. أي : منكر أن أبغي ربّا غيره. كما قال : (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ)(٥). (٦)

__________________

(١) مجمع البيان ٤ / ٦٠٤.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٩.

(٣) العنكبوت (٢٩) / ١٢.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٣٠.

(٥) الزمر (٣٩) / ٦٤.

(٦) الكشّاف ٢ / ٨٤.

١١٦

[١٦٥] (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)

(خَلائِفَ) : يخلف بعضكم بعضا. أو : خلفاء الله في أرضه تتصرّفون فيها ؛ على أنّ الخطاب عامّ. أو : خلفاء الأمم السابقة ؛ على أنّ الخطاب للمؤمنين. (دَرَجاتٍ). أي في الشرف والغنى. (فِي ما آتاكُمْ) من الجاه والمال. (١)

(دَرَجاتٍ). منصوب إمّا على أنّه واقع موقع المصدر ـ فكأنّه قال : رفعة بعد رفعة ـ أو بحذف إلى ، أي : إلى درجات ـ كقولك : دخلت البيت ـ أو على أنّه مفعول ، من قولك : رفعته درجة ، مثل كسوته ثوبا. وقوله : (لِيَبْلُوَكُمْ) ؛ أي : ليختبركم فيما أعطاكم. أي : يعاملكم معاملة المختبر لينظر الغنيّ إلى الفقير فيشكر وينظر الفقير إلى الغنيّ فيصبر ويتفكّر العاقل في الأدلّة فيعلم. (سَرِيعُ الْعِقابِ). لأنّه ، وإن كان في الآخرة ، إلّا أنّ كلّ ما هو آت سريع. أو : سريع العقاب لمن استحقّه في دار الدنيا. فيكون تحذيرا عن مواقعة الخطيئة. وقيل : معناه : أنّه قادر على تعجيل العقاب. فاحذروا معاجلته في الدنيا. (٢)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٣٠.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٦٠٦.

١١٧
١١٨

٧.

سورة الأعراف

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ سورة الأعراف في كلّ شهر ، كان يوم القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فإن قرأها في كلّ جمعة ، كان ممّن لا يحاسب يوم القيامة. وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أما إنّ فيها آيا محكمة. فلا تدعوا قراءتها وتلاوتها. فإنّ لها يوم القيامة بهاء وإنّها تشهد يوم القيامة لمن قرأها عند ربّه. (١)

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ الأعراف ، جعل الله بينه وبين إبليس سترا وكان آدم عليه‌السلام شفيعا له يوم القيامة. (٢)

الأعراف : من علّقها عليه ، لم يقف بين يدي حاكم إلّا قضى له على خصمه. (٣)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * المص)

عن ابن صدقة قال : أتى رجل من بني أميّة ـ وكان زنديقا ـ جعفر بن محمّد عليهما‌السلام فقال له : قول الله في كتابه : (المص) أيّ شيء أراد بهذا؟ وأيّ شيء فيه من الحلال والحرام؟ وأيّ شيء فيه ممّا ينتفع به الناس؟ قال : فاغتاظ من ذلك فقال : أمسك! ويحك! الألف واحد. واللّام ثلاثون. والميم أربعون. والصاد تسعون. فهذا مائة وإحدى وستّون. إذا انقضت سنة إحدى وستّين ومائة ، ينقضي ملك أصحابك. فلمّا انقضت وصار يوم عاشوراء ، دخل

__________________

(١) مجمع البيان ٤ / ٦٠٨.

(٢) مصباح الكفعميّ / ٤٣٩.

(٣) مصباح الكفعميّ / ٦٠٥. وقد ذكر هذا في المصدر لسورة الأنفال.

١١٩

المسوّدة الكوفة وذهب ملكهم. (١)

(المص). الذي اخترناه في تفسير المص : أنا الله أعلم وأفصل. (٢)

[٢] (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ)

(كِتابٌ). خبر مبتدأ محذوف. أي : هو كتاب. و (أَنْزَلَ عَلَيْكَ) صفة له. والمراد بالكتاب السورة. (حَرَجٌ مِنْهُ) ؛ أي : شكّ منه. سمّى الشكّ حرجا ، لأنّ الشاكّ ضيّق الصدر حرجه. أي : لا تشكّ في أنّه منزل من الله. أو : حرج من تبليغه. لأنّه كان يخاف قومه وتكذيبهم له وإعراضهم عنه وأذاهم له وكان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له. فآمنه الله ونهاه عن المبالاة بهم. (لِتُنْذِرَ). متعلّق بأنزل. أي : أنزل إليك لإنذارك به. أو بالنهي ، لأنّه إذا لم يخفهم أنذرهم ، وكذا إذا أيقن أنّه من عند الله ، شجّعه اليقين على الإنذار. لأنّ صاحب اليقين جسور متوكّل على عصمة ربّه. وقوله : (ذِكْرى) يحتمل الحركات الثلاث ؛ النصب بإضمار فعلها كأنّه قيل : لتنذر به وتذكّر تذكيرا. لأنّ الذكرى اسم بمعنى التذكير. والرفع ، عطفا على كتاب أو بأنّه خبر مبتدأ محذوف. والجرّ ، للعطف على محلّ أن تنذر. أي : للإنذار وللذكرى. (٣)

(كِتابٌ). خبر المص. والمراد به السورة أو القرآن. (فَلا يَكُنْ). الفاء في فلا يكن يحتمل العطف والجواب. كأنّه قيل : إذا أنزل إليك لتنذر ، فلا يحرج صدرك. (٤)

(وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ). أكثر العلماء على أنّه على التقديم والتأخير وتقديره : كتاب أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين ، فلا يكن في صدرك حرج. (٥)

[٣] (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)

__________________

(١) معاني الأخبار / ٢٨ ، ح ٥.

(٢) مجمع البيان ١ / ١١٢.

(٣) الكشّاف ٢ / ٨٥ ـ ٨٦.

(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٣٣١.

(٥) مجمع البيان ٤ / ٦١١.

١٢٠