عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ١

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-26-5
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٦٣

قطّ قبل داوود. (١)

(وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) ؛ أي : وأعطاه الملك بعد قتل جالوت بسبع سنين. (وَالْحِكْمَةَ). قيل : النبوّة. ولم يكن نبيّا قبل قتل جالوت. فجمع الله له الملك والنبوّة عند موت طالوت في حالة واحدة. (وَعَلَّمَهُ) أمور الدين وما شاء من أمور الدنيا منها صنعة الدروع. فإنّه كان يلين له الحديد كالشمع. وقيل : الزبور والحكم بين الناس وكلام النمل والطير. وقيل : الصوت الطيّب والألحان. (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ) بجنود المسلمين الكفّار ، لغلبوا وخرّبوا البلاد. أو انّ الله يدفع بالبرّ عن الفاجر الهلاك. (٢)

قرأ أبو جعفر ونافع : «دفاع» دفاع ـ كما في قراءة نافع ـ [إمّا أن يكون مصدرا لفعل ، و] إمّا مصدر لفاعل. وكان معنى دفع ودافع سواء. (٣)

(بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ). لأنّ بعضهم يدفع فساد البعض الآخر. وروي عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ الله يدفع بمن يصلّي عن شيعتنا عمّن لا يصلّي منهم. ولو اجتمعوا على ترك الصلاة ، لهلكوا. وكذلك في شأن الزكاة والحجّ. (٤)

[٢٥٢] (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).

(تِلْكَ) ؛ أي : ما تقدّم في الآيات من إماتة ألوف من الناس دفعة واحدة إلى هنا. (٥)

[٢٥٣] (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ).

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٢٩٦.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٦٢٠ ـ ٦٢١.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٦١٩.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٦٢١.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٦٢٢.

٢٤١

(تِلْكَ الرُّسُلُ) ؛ أي : أولئك الذين تقدّم ذكرهم من الأنبياء في الكتاب. (فَضَّلْنا). إنّما ذكره لئلّا يغلط غالط فيسوّي بينهم في الفضل كما استووا في الرسالة. وقيل : أراد التفضيل في الآخرة لتفاضلهم في الأعمال وتحمّل الأثقال. وقيل : بالشرائع ؛ فمنهم من شرع ومنهم من لم يشرع. (كَلَّمَ اللهُ) ؛ أي : كلّمه الله. وهو موسى عليه‌السلام. (بَعْضَهُمْ) ؛ أي : محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله. فضّله على جميع أنبيائه بأن بعثه إلى جميع المكلّفين وبأن أعطاه جميع ما أعطى من قبله. (الْبَيِّناتِ) : الدلالات ؛ كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ونحوه. (مِنْ بَعْدِهِمْ) ؛ أي : من بعد الرسل ومن بعد موسى وعيسى. ولو شاء الله لم يقتتل الذين من بعد الأنبياء بأن يلجئهم إلى الإيمان ويمنعهم عن الكفر ، إلّا أنّه مناف للتكليف. (مَنْ آمَنَ) بتوفيق الله وحسن اختياره. (مَنْ كَفَرَ) بسوء اختياره. (وَلَوْ شاءَ اللهُ). كرّر ذلك تأكيدا. وقيل : الأوّل مشيّة الإكراه. أي : ولو شاء الله اضطرّهم إلى حال يرتفع معها التكليف. والثاني الأمر للمؤمنين بالكفّ عن قتالهم. (يُرِيدُ) على ما يقتضيه الحكمة والمصلحة. (١)

[٢٥٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

(أَنْفِقُوا) شامل للإنفاق الواجب والمستحبّ. (يَوْمٌ) : يوم القيامة. (٢)

(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) لا تقدرون فيه على تدراك ما فاتكم من الإنفاق. لأنّه (لا بَيْعٌ فِيهِ) حتّى تبتاعوا ما تنفقونه (وَلا خُلَّةٌ) حتّى يسامحكم أخلّاؤكم به. وإن أردتم أن يحطّ عنكم ما في ذمّتكم من الواجب ، لم تجدوا شفيعا يشفع لكم في حطّ الواجبات. لأنّ الشفاعة في زيادة الفضل لا غير. (٣)

ابن كثير وأبو عمرو : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) بالفتح فيها أجمع. (٤)

(وَلا خُلَّةٌ) ؛ أي : لا صداقة غيره. وهذا كقوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٦٢٢ ـ ٦٢٣.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٦٢٤.

(٣) الكشّاف ١ / ٢٩٩.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٦٢٤.

٢٤٢

الْمُتَّقِينَ). (١) (وَلا شَفاعَةٌ) أي لغير المؤمنين مطلقا. فأمّا المؤمنون فقد يشفع بعضهم لبعض ، ويشفع لهم أنبياؤهم كما قال : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)(٢). (٣)

(وَالْكافِرُونَ) ؛ أي : التاركون للزكاة (هُمُ الظَّالِمُونَ). فقال : (وَالْكافِرُونَ) للتغليظ ؛ كما في آية الحجّ : (وَمَنْ كَفَرَ)(٤) مكان : ومن لم يحجّ. ولأنّه جعل ترك الزكاة من صفات الكفّار في قوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ)(٥). (٦)

[٢٥٥] (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)

(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ؛ أي : لا تحقّ العبادة لأحد إلّا هو. (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) : القائم بتدبير خلقه. (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) ؛ أي : نعاس (وَلا نَوْمٌ) ثقيل. أي لا يغفل عن الخلق ولا يسهو. (٧)

عن الصادق عليه‌السلام : إذا لقيت السبع ، فاقرأ في وجهه آية الكرسيّ وقل : عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة رسول الله وعزيمة سليمان بن داوود عليهم‌السلام وعزيمة أمير المؤمنين والأئمّة من بعده عليهم‌السلام أن تنحّيت عن طريقنا ولم تؤذنا ، فإنّا لا نؤذيك. (٨)

وعنه عليه‌السلام : إذا كان سمك البيت أكثر من ثمانية أذرع ، فهو محتضر تحضره [الجنّ] تكون فيه تسكنه. فإذا زاد على ثمان ، فليكتب على رأس الثمان آية الكرسيّ. (٩)

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا اشتكى أحدكم عينه ، فليقرأ آية الكرسيّ وليضمر في نفسه

__________________

(١) الزخرف (٤٣) / ٦٧.

(٢) الأنبياء (٢١) / ٢٨.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٦٢٤.

(٤) الحجّ (٢٢) / ٧٨.

(٥) فصّلت (٤١) / ٦.

(٦) الكشّاف ١ / ٢٩٩.

(٧) مجمع البيان ٢ / ٦٢٨.

(٨) بحار الأنوار ٤٧ / ٩٥ ، عن الخرائج والجرائح.

(٩) الكافي ٦ / ٥٢٩.

٢٤٣

أنّها تبرأ. فإنّه يعافى إن شاء الله. (١)

وقال رجل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ في بطني ماء أصفر. فهل من شفاء؟ فقال : اكتب على بطنك آية الكرسيّ وتغسلها وتشربها. ففعل ، فبرأ بإذن الله. (٢)

عن حمّاد بن عثمان قال : جلس أبو عبد الله عليه‌السلام متورّكا رجله اليمنى على فخذه اليسرى. فقال له رجل : جعلت فداك ، هذه جلسة مكروهة. فقال : لا ، إنّما هو شيء قالته اليهود : لمّا أن فرغ الله من خلق السموات والأرض استوى على العرش جلس هذه الجلسة ليستريح. فأنزل الله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا) ـ الآية. وبقي أبو عبد الله عليه‌السلام متورّكا. (٣)

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأها مائة مرّة ، كان كمن عبد الله طول حياته. (٤)

وعن الباقر عليه‌السلام : من قرأ آية الكرسيّ مرّة ، صرف الله عنه ألف مكروه من مكاره الدنيا وألف مكروه من مكاره الآخرة ، أيسر مكروه الدنيا الفقر وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر. (٥)

از حضرت امام محمّد باقر منقول است : هركه يك مرتبه آية الكرسى بخواند ، حق تعالى برگرداند از وى هزار بلا از بلاهاى دنيا كه سهلترين ايشان فقر است وهزار بلا از بلاهاى آخرت كه سهلترين آنها عذاب قبر است.

بسم الله. طريق ختم آية الكرسى جهت حصول مطالب ودفع اعادى : وضو ساخته ، به توجّه تمام بخواند وما بين هر دو ميم مطلب را وما بين هر دو عين عدو را به خاطر گذراند وبخواند : بسم الله الرحمن الرحيم. الم. (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحدا (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) إلى : (هُمْ فِيها خالِدُونَ).

(مَنْ ذَا الَّذِي). استفهام معناه الإنكار والنفي. أي : لا يشفع يوم القيامة أحد لأحد إلّا

__________________

(١) الخصال / ٦١٦.

(٢) الكافي ٢ / ٦٢٥.

(٣) الكافي ٢ / ٦٦١.

(٤) عيون الأخبار ٢ / ٦٥.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٦٢٦.

٢٤٤

[بإذنه وأمره]. (١) وذلك أنّ المشركين كانوا يزعمون أنّ الأصنام تشفع لهم فأخبر الله أنّ أحدا ممّن له شفاعة [لا يشفع] إلّا بعد أن يأذن الله في ذلك ويأمره. (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ؛ أي : يعلم ما مضى من الدنيا وما سيأتي من الآخرة. (٢)

عن الصادق عليه‌السلام قال : نحن أولئك الشافعون. (٣)

(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) : ما كان قبلهم وما كان بعدهم. والضمير لما في السموات وما في الأرض لأنّ فيهما العقلاء ، أو لما دلّ عليه (مَنْ ذَا الَّذِي) من الملائكة والأنبياء. (٤)

(وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ) ؛ أي : لا يعلمون شيئا من معلوماته إلّا الذي شاء إطلاعهم عليه وتعليمهم إيّاه. (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ). فيه أقوال. أحدها : وسع علمه السموات والأرض. وهو المرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام. ويقال للعلماء كراسيّ لأنّهم قوام الدين والدنيا. والثاني : انّه العرش. سمّي كرسيّا لتركيب بعضه على بعض. وثالثها : انّ المراد بالكرسيّ الملك والسلطان والقدرة. أي : أحاط قدرته بالسموات والأرض وما فيهما. ورابعها : انّه سرير دون العرش. وقد روي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام. (وَلا يَؤُدُهُ) ؛ أي : لا يشقّ عليه حفظ السموات والأرض. وقيل : الضمير في (يَؤُدُهُ) راجع إلى الكرسيّ. (٥)

[٢٥٦] (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ). فيه أقوال. أحدها : انّه في أهل الكتاب خاصّة الذين يؤخذ عنهم الجزية. وثانيها : انّه في جميع الكفّار ، ثمّ نسخ كما تقدّم ذكره. وثالثها : انّها نزلت في قوم خاصّ من الأنصار. (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ) ؛ أي : ظهر الإيمان من الكفر والحقّ من الباطل بكثرة الحجج

__________________

(١) في النسخة : (بعد أن يأمر ويأذن) بدل ما بين المعقوفتين.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٦٢٨.

(٣) المحاسن / ١٤٠.

(٤) الكشّاف ١ / ٣٠١.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٦٢٨.

٢٤٥

والآيات. (١)

(لا إِكْراهَ) أي : لا يجري الله أمر الإيمان على الإجبار والقهر ، ولكن على التمكين والاختيار. ونحوه قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(٢). (٣)

(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ). فيه أقوال. أحدها : انّه الشيطان. وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وثانيها : انّه الكاهن والساحر. وثالثها : انّه مردة الجنّ والإنس. ورابعها : انّه الأصنام وما عبد من دون الله. (اسْتَمْسَكَ) ؛ أي : اعتصم (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) : بالعصمة الوثيقة وعقد لنفسه من الدين عقدا وثيقا لا تحلّه شبهة وهو الإيمان بالله ورسوله. وجرى هذا مجرى المثل لحسن البيان بإخراج ما لا يقع به الإحساس إلى ما يقع. (سَمِيعٌ) لأقوالهم. (عَلِيمٌ) بضمائرهم. (٤)

(لا إِكْراهَ) ؛ أي : لا يكره أحد على دينه إلّا بعد أن يبيّن له. (بِالطَّاغُوتِ). هم الذين غصبوا آل محمّد صلوات الله عليهم حقّهم. (بِالْعُرْوَةِ). يعني الولاية. (لَا انْفِصامَ) ؛ أي : حبل لا انقطاع له. (٥)

(بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى). عن الصادق عليه‌السلام : الإيمان. (٦)

وعن الكاظم عليه‌السلام : ولايتنا أهل البيت. (٧)

عن الصادق عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من خطبة : أنا حبل الله المتين. وأنا عروة [الله] الوثقى. (٨)

[٢٥٧] (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٦٣١.

(٢) يونس (١٠) / ٩٩.

(٣) الكشّاف ١ / ٣٠٣.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٦٣١.

(٥) تفسير عليّ بن إبراهيم ١ / ٨٤ ـ ٨٥.

(٦) الكافي ٢ / ١٤.

(٧) نور الثقلين ١ / ٢٦٣ ، عن المناقب.

(٨) التوحيد / ١٦٥.

٢٤٦

أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)

(الَّذِينَ آمَنُوا). يعني أمير المؤمنين والأئمّة عليهم‌السلام. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا). هم الظالمون آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) [وهم الذين] تبعوا من غصبهم. (١)

عن الصادق عليه‌السلام : (النُّورِ) آل محمّد. و (الظُّلُماتِ) عدوّهم. (٢)

(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا). ناصرهم ومعينهم. (الظُّلُماتِ) : الضلالة ، بالألطاف وما يقوّي دواعيهم إلى فعله. (إِلَى النُّورِ) : نور الإيمان. (٣)

عن الصادق عليه‌السلام : يخرج المؤمنين من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم لكلّ إمام عادل من الله. (٤) ومن تولّى إماما جائرا ، يخرجه من نور الإسلام إلى ظلمة الكفر فأوجب له النار مع الكفّار. (٥)

(أَوْلِياؤُهُمُ) ؛ أي : متولّي أمورهم وأنصارهم الشياطين ورؤساء الضلالة ، يزيّنون لهم ظلمات الكفر والضلال. فإن قيل : كيف يخرجونهم من النور وهم لم يدخلوا فيه؟ قلنا : يجري ذلك مجرى القائل : أخرجني والدي من ميراثه. فمنعه من الدخول فيه إخراج. كقول يوسف عليه‌السلام : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ.)(٦) أو يكون المراد قوم ارتدّوا عن الإسلام. (٧)

[٢٥٨] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي) ـ الآية. وفيه دلالة على أنّ المعارف غير ضروريّة ، إذ لو كانت كذلك ،

__________________

(١) تفسير عليّ بن إبراهيم ١ / ٨٥.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٣٨.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٦٣٢.

(٤) الكافي ١ / ٣٧٥ ، ح ٣.

(٥) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٣٨ ، ح ٤٦٠.

(٦) يوسف (١٢) / ٣٧.

(٧) مجمع البيان ٢ / ٦٣٢ ـ ٦٣٣.

٢٤٧

لما صحّت المحاجّة في إثبات الصانع. (حَاجَّ). عن الصادق عليه‌السلام : كانت المحاجّة بعد إلقائه في النار. (فِي رَبِّهِ) ؛ أي : ربّ إبراهيم. (أُحْيِي). عن الصادق عليه‌السلام : قال له إبراهيم : أحي من قتلته إن كنت صادقا. (١)

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ). تعجيب من حال نمرود ومحاجّته في الله وكفره به. (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ). متعلّق بحاجّ على وجهين. أحدهما : حاجّ لأن آتاه الله الملك ، على معنى أنّ إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر والعتوّ فحاجّ لذلك. أو على أنّه وضع المحاجّة في ربّه موضع ما وجب عليه من الشكر على أن آتاه الله الملك ، فكأنّ المحاجّة كانت لذلك. كما تقول : عاداني فلان لأنّي أحسنت إليه ، تريد أنّه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان. فإن قلت : كيف جاز أن يؤتي الله الملك الكافر؟ قلت : فيه قولان : آتاه ما غلب به وتسلّط من المال والخدم والأتباع. وأمّا التغليب والتسليط فلا. وقيل : ملّكه امتحانا لعباده. و (إِذْ قالَ). نصب بحاجّ ، أو بدل من آتاه إذ جعل بمعنى الوقت. (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ). أريد : أعفو عن القتل وأقتل. وكان اعتراض إبراهيم عليه‌السلام على هذا القول حاضرا. لأنّ إبراهيم أراد من الإماتة [و] الإحياء غير هذا المعنى ، ولكنّه صلوات الله عليه لمّا سمع جوابه الأحمق ، لم يحاجّه فيه ، ولكن انتقل إلى ما لا يقدر فيه على نحو ذلك الجواب ليبهته أوّل شيء. وقيل : كانت هذه المحاجّة حين كسر الأصنام وحبسه نمرود ثمّ أخرجه من السجن ليحرقه فقال له : من ربّك الذي تدعو إليه؟ قال إبراهيم عليه‌السلام : (رَبِّيَ الَّذِي) الآية. (٢)

[٢٥٩] (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٦٣٥ ـ ٦٣٦.

(٢) الكشّاف ١ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

٢٤٨

وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

(أَوْ كَالَّذِي). معناه : أو رأيت مثل الذي مرّ؟ فحذف لدلالة (أَلَمْ تَرَ) عليه. لأنّ كلتيهما كلمة تعجيب. ويجوز أن يحمل على المعنى دون اللّفظ. كأنّه قيل : أرأيت كالّذي حاجّ إبراهيم أو كالّذي مرّ على قرية. قيل : هو عزير أو الخضر ، أراد أن يعاين إحياء الموتى ليزداد بصيرة كما طلبه إبراهيم عليه‌السلام. وقوله : (أَنَّى يُحْيِي) اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة الإحياء واستعظام لقدرة المحيي. والقرية بيت المقدس حين خرّ به بخت نصّر ، أو التي خرج منها الألوف وهي داوردان. (١)

عن الصادق عليه‌السلام في قوله : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ). قال : إنّ الله بعث إلى بني إسرائيل نبيّا يقال له إرميا. ثمّ قصّ عليه قصّة بخت النصر وتخريبه لبيت المقدس وقتله بني إسرائيل. ثمّ قال : فخرج إرميا بعد قتلهم وقد تزوّد عصيرا وتينا. فلمّا أن غاب مدّ البصر ، التفت إليها فقال : أنّى يحيي هذه الله بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام. أماته غدوة وبعثه عشيّة قبل أن تغيب الشمس. وكان أوّل شيء خلق منه عيناه. ثمّ قال له : كم لبثت؟ قال : لبثت يوما. فلمّا نظر إلى الشمس لم تغب ، قال : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). فجعل ينظر إلى عظامه كيف يصل بعضها إلى بعض ويرى العروق كيف تجري. (٢)

(فَأَماتَهُ اللهُ) ؛ أي : ألبثه الله ميتا مائة عام. (بَعَثَهُ) بالإحياء. (قالَ). القائل هو الله. وقيل : ملك أو نبيّ. (٣)

عن عليّ عليه‌السلام : إنّ عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل وله خمسون سنة. فأماته الله مائة عام ، ثمّ بعثه. فرجع إلى أهله ابن خمسين سنة وله ابن له مائة سنة فكان ابنه أكبر منه. فذلك من آيات [الله]. (٤)

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٤٠ ـ ١٤١.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ١٣٦.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٦٤١.

٢٤٩

(لَمْ يَتَسَنَّهْ) : لم يتغيّر بمرور السنين. وروي أنّ طعامه كان تينا وعنبا وشرابه عصيرا أو لبنا ، فوجد التين والعنب كما جنيا والشراب على حاله. (إِلى حِمارِكَ) تفرّقت عظامه ونخرت. وكان له حمار قد ربطه. فيجوز أن يراد : انظر إليه سالما في مكانه كما ربطته. وذلك من أعظم الآيات أن يعيش مائة عام من غير علف ولا ماء كما حفظ طعامه وشرابه. (١)

قرأ حمزة والكسائيّ : «لم يتسن» بحذف الهاء في الوصل خاصّة ، والباقون بإثباتها في الحالين. (٢)

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ). وهو عزير. وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وقيل : هو إرميا. وهو المرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام. (٣)

(وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً) فعلنا ذلك. يريد إحياءه بعد الموت وحفظ ما معه. وقيل : أتى قومه راكبا حماره وقال : أنا عزير. فكذّبوه. فقال : هاتوا التوراة. فأخذ مسرعا في قراءتها عن ظهر قلبه ، وهم ينظرون الكتاب ، فما خرم حرفا. فقالوا : هذا ابن الله. ولم يقرأ التوراة أحد عن ظهر قلبه قبل عزير. فذلك كونه آية. وقيل : رجع إلى منزله فرأى أولاده شيوخا وهو شابّ ، فإذا حدّثهم بحديث قالوا : حديث مائة سنة. (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ). هي عظام الحمار أو عظام الموتى الذين تعجّب من إحيائهم. (فَلَمَّا تَبَيَّنَ). فاعل تبيّن مضمر. أي : فلمّا تبيّن له أنّ الله على كلّ شيء قدير ، قال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). فحذف الأوّل لدلالة الثاني عليه. ويجوز أن يقال : فلمّا تبيّن له ما أشكل عليه ، يعني أمر إحياء الموتى. (٤)

(كَيْفَ نُنْشِزُها) : كيف نحييها ، أو نرفع بعضها على بعض ونركّبه عليه. (قالَ أَعْلَمُ). على قراءة الأمر ، خاطب نفسه على طريق التبكيت أو خاطب غيره. (٥)

(نُنْشِزُها). ابن عامر والكوفيّون : «ننشزها» بالزاء المعجمة ، والباقون بالراء. (قالَ أَعْلَمُ). حمزة والكسائيّ بوصل الألف وجزم الميم ويبتدئان بكسر الألف على الأمر. و

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٣٠٧.

(٢) التيسير / ٧٠.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٦٣٧ ـ ٦٣٩.

(٤) الكشّاف ١ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ١٣٧.

٢٥٠

الباقون بقطع الألف في الحالين ورفع الميم على الإخبار. (١)

(وَلِنَجْعَلَكَ) ؛ أي : فعلنا ذلك إجابة لك إلى ما أردت ولنجعلك (آيَةً) ؛ أي : حجّة (لِلنَّاسِ) في البعث. (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ). أي عظام نفسه. لأنّ أوّل ما أحيى الله منه عيناه وكان ينظر إلى عظامه كيف يحيى ويتركّب بعضها من بعض.

[٢٦٠] (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) ـ الآية. عن الرضا عليه‌السلام : لم يكن شاكّا في الإحياء ولكنّه كان على يقين فأراد الزيادة منه. (٢)

وعنه عليه‌السلام لمّا سأله المأمون عن السبب في سؤاله الإحياء أنّه قال : أوحى الله إلى إبراهيم عليه‌السلام أنّي متّخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته. فوقع في نفس إبراهيم أنّه ذلك الخليل فقال : ربّ أرني كيف تحيى الموتى. قال : أو لم تؤمن؟ قال : بلى ، ولكن ليطمئنّ قلبي على الخلّة. (٣)

وعن الصادق عليه‌السلام : لمّا رأى إبراهيم عليه‌السلام ملكوت السموات والأرض ، التفت فرأى جيفة على ساحل البحر نصفها في الماء ونصفها في البرّ تجيء سباع البحر فتأكل ما في الماء ثمّ يشدّ بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا. وكذلك سباع البرّ. فتعجّب إبراهيم عليه‌السلام وقال : ربّ أرني كيف تحيي الموتى؟ كيف تخرج ما تناسل التي أكل بعضها بعضا؟ قال : أو لم تؤمن؟ فقال : بلى ، ولكن حتّى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلّها. (٤)

(مِنَ الطَّيْرِ). عن الرضا عليه‌السلام : كان الطير الطاووس والحمامة والديك والهدهد. (٥) وفي

__________________

(١) التيسير / ٧٠.

(٢) المحاسن / ١٩٤.

(٣) عيون الأخبار ١ / ١٥٥.

(٤) الكافي ٨ / ٣٠٥ ، ح ٤٧٣.

(٥) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٤٤.

٢٥١

رواية أخرى بدل الهدهد الغراب. (١)

وكانت الجبال عشرة. ومن أجل هذا كان الرجل إذا أوصى بجزء من ماله يكون هو العشر. فدعا إبراهيم عليه‌السلام بمهراس فدقّ فيه الطير جميعا وجعل الرأس عنده. ثمّ إنّه دعا بالّذي أمر به ، فطار اللّحم والريش بعضه إلى بعض واتّصلت بالمناقير حتّى طارت فوقعت تلقط الحبّ عنده وتشرب الماء. (٢)

عن يونس بن ظبيان قال : كنّا عند الصادق عليه‌السلام فذكرنا ما صنع إبراهيم. فدعا بالطاووس فحضر. وكذلك الثلاثة فدقّ لحمها وصنع مثل ما صنع إبراهيم. (٣)

عن الصادق عليه‌السلام : تفسير الباطن : خذ أربعة ممّن يتحمّل الكلام فاستودعهم علمك. ثمّ ابعثهم في أطراف الأرضين حججا لك على الناس. وإذا أردت أن يأتوك ، دعوتهم بالاسم الأكبر ، يأتوك سعيا بإذن الله. (٤)

(فَصُرْهُنَّ). حمزة بكسر الصاد. (٥)

(فَصُرْهُنَّ) ؛ أي : فاضممهنّ إليك لتتأمّل حليّهنّ وأوصافهنّ حتّى تعرفهنّ بعد الإحياء. (٦)

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ). قيل : لمّا قال نمرود : أنا أحيي وأميت ، قال له : إنّ إحياء الله الموتى بردّ الروح إلى بدنها. فقال له نمرود : هل عاينته؟ فلم يقدر أن يقول نعم وانتقل إلى تقرير آخر. ثمّ سأل ربّه أن يريه ليطمئنّ قلبه على الجواب إن سئل عنه مرّة أخرى. (لِيَطْمَئِنَّ) بمضامّة العيان إلى الاستدلال. (٧)

(لِيَطْمَئِنَّ). متعلّق بمحذوف. أي : سألت. (٨)

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٦٤٤.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٤٤ و ١٤٦.

(٣) الخرائج والجرائح / ٢٦٤.

(٤) الخصال / ٢٦٤.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٦٤١.

(٦) الكشّاف ١ / ٣١٠ ، وتفسير البيضاويّ ١ / ١٣٧.

(٧) تفسير البيضاويّ ١ / ١٣٧.

(٨) الكشّاف ١ / ٣٠٩.

٢٥٢

[٢٦١] (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)

(مَثَلُ الَّذِينَ) ـ الآية. لا بدّ من حذف مضاف. أي : مثل نفقتهم كمثل حبّة. أو : مثلهم كمثل باذر حبّة. والمنبت هو الله ؛ ولكنّ الحبّة لمّا كانت سببا ، أسند إليها الإنبات ، كما يسند إلى الأرض. ومعنى إنباتها سبع سنابل أن تخرج ساقا يتشعّب منها سبع شعب لكلّ واحد سنبلة. وهذا التمثيل تصوير للإضعاف كأنّها قائمة بين عيني الناظر. وهذا التمثيل موجود في الدخن والذرّة وغيرهما. وربما فرّخت ساق [البرّة] في الأراضي القويّة المقلّة فيبلغ حبّها هذا المبلغ. ولو لم يوجد ، لكان صحيحا على سبيل الفرض والتقدير. (١)

عن المفضّل قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ). قال : الحبّة فاطمة عليها‌السلام. والسبعة السنابل من ولدها سابعهم قائمهم. قلت : الحسن عليه‌السلام إمام مفترض الطاعة؟ قال : نعم ، ولكن ليس من السنابل السبعة أوّلهم الحسين وآخرهم القائم. فقلت : قوله : (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ)؟ فقال : يولد للرجل منهم في الكوفة مائة عن صلبه وليس ذلك إلّا هؤلاء السبعة. (٢)

أقول : يمكن تأويل هذا الحديث وحمله على حذف المكرّر من أسمائهم. (٣)

أقول : الحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسى والحسن والقائم عليهم‌السلام. (حسن)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا أحسن العبد المؤمن ، ضاعف الله له عمله بكلّ حسنة سبعمائة ضعف. وذلك قوله : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ). (٤)

(يُضاعِفُ) ؛ أي : يزيد على سبعمائة وقيل : معناه : يضاعف هذه المضاعفة. (واسِعٌ) :

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٣١٠.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٤٧.

(٣) لا يخفى ما في تأويله رحمه‌الله. وتوضيح الكاتب رحمه‌الله أيضا غير صحيح ؛ حيث إنّ القائم عجّل الله فرجه اسمه اسم الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) ثواب الأعمال / ٢٠١ ، ح ١.

٢٥٣

واسع المقدرة لا يضيق عليه ما شاء من الزيادة. (عَلِيمٌ) بمن يستحقّ الزيادة. (١)

[٢٦٢] (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

(مَنًّا). المنّ هو أن يقول له : ألم أعطك كذا؟ ألم أحسن إليك؟ والأذى أن يقول : أراحني الله منك ومن ابتلائي بك.

(وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ). الخوف : توقّع الضرر. (يَحْزَنُونَ). الحزن : الغمّ يغلظ على النفس. (٢)

[٢٦٣] (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ؛ أي : كلام حسن جميل يردّ [به] السائل. وقيل معناه : دعاء صالح ، كأن يقول : أغناك [الله] عن المسألة. وقيل : معناه : عدة حسنة. (وَمَغْفِرَةٌ). فيه أقوال. أوّلها : ستر على السائل وسؤاله. وثانيها : عفو المسؤول عن ظلم السائل كأن يسأل في غير الوقت أو يفتح الباب ويدخل بغير إذن. فالعفو عن ذنبه ، خير من صدقة يتبعها أذى. وثالثها : سلامة من المعصية [خير] من صدقة يتبعها أذى. لأنّ [حالها كحال المغفرة في الأمان من العقوبة](٣).

(غَنِيٌّ) عن صدقاتكم (حَلِيمٌ) لا يعاجلكم بالعقوبة. (٤)

[٢٦٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٦٤٦.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٦٤٧.

(٣) في النسخة : «تلك الصدقة لا ثواب عليها والقول المعروف يثاب عليه.» بدل ما بين المعقوفتين.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٦٤٨.

٢٥٤

(لا تُبْطِلُوا) ـ الآية. عن الباقر عليه‌السلام : نزلت في عثمان وجرت في معاوية وأتباعهما. (١)

عن الباقر عليه‌السلام : (بِالْمَنِّ وَالْأَذى) لمحمّد وآل محمّد عليهم‌السلام هذا تأويل. (٢)

(كَالَّذِي يُنْفِقُ). قال : من كثر امتنانه وأذاه لمن يتصدّق عليه ، بطلت صدقته كما يبطل التراب الذي يكون على الصفوان. والصفوان : الصخرة الكبيرة التي تكون في مفازة فيجيء المطر فيغسل التراب عنها ويذهب به. فيضرب الله هذا المثل لمن اصطنع معروفا ثمّ أتبعه بالمنّ والأذى. (٣)

(كَالَّذِي) أي : كإبطال المنافق الذي ينفق ماله رئاء الناس. (٤)

(رِئاءَ النَّاسِ). عن الصادق عليه‌السلام : فلان وفلان ومعاوية وأشياعهم. (٥)

(كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) ـ الآية ضرب الله مثلا لعمل المنّان وعمل المنافق جميعا. فإنّهما إذا فعلا الفعل على غير الوجه المأمور به ، فإنّهما لا يستحقّان ثوابا عليه. وهذا هو معنى الإبطال. فقال : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ). هذا يدخل فيه المؤمن والكافر إذا أخرجا المال للرئاء. (وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). وهذا مثل للكافر خاصّة. (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ) ؛ أي : حجر أملس. (عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ) : مطر عظيم القطر. (فَتَرَكَهُ صَلْداً) : حجرا صلبا أملس. شبّه سبحانه فعل المنافق والمنّان بالصفا الذي أزال المطر ما عليه من التراب. فإنّه لا يقدر أحد على ردّ ذلك التراب عليه. كذلك إذا دفع المنّان صدقة ؛ لوقوعها على الوجه الذي لا يستحقّ عليه الثواب. (٦)

(فَمَثَلُهُ) ؛ أي : فمثل المرائي. (٧)

(صَلْداً) : نقيّا من التراب. (٨)

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٤٧ ، ح ٤٨٢.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٤٨ ، ح ٤٨٣.

(٣) تفسير عليّ بن إبراهيم ١ / ٩١.

(٤) الكشّاف ١ / ٣١٢.

(٥) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٤٨.

(٦) مجمع البيان ٢ / ٦٥٠.

(٧) تفسير البيضاويّ ١ / ١٣٨.

(٨) الكشّاف ١ / ٣١٢.

٢٥٥

(لا يَقْدِرُونَ) ؛ أي : لا يقدرون على نفقتهم ولا على ثوابها كما لا يقدر أحد على تحصيل ذلك التراب وجمعه. (١)

[٢٦٥] (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

(وَمَثَلُ الَّذِينَ). عن أبي جعفر عليه‌السلام : نزلت في عليّ عليه‌السلام. (٢)

ثمّ ضرب مثل المؤمنين الذين ينفقون أموالهم. (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) عن المنّ والأذى.

(جَنَّةٍ). الجنّة : البستان الكثير الشجر. لأنّ الشجر يجنّه ـ أي : يستره ـ لكثرته فيه. (٣)

(وَتَثْبِيتاً). أي بقوّة اليقين والبصيرة في الدين. وقيل : معناه : انّهم يثبّتون أين يضعون صدقاتهم. وقيل : معناه : توطينا لأنفسهم على الثبوت على طاعة الله. (كَمَثَلِ جَنَّةٍ) ؛ أي :

مثل بستان بمرتفع من الأرض. خصّ الربوة لأنّ نبتها يكون أحسن وريعها أكثر من المتسفّل الذي يسيل الماء إليه ويجتمع فيه فلا يطيب ريعه. (أَصابَها) ؛ أي : أصاب الجنّة مطر شديد فأعطت غلّتها ضعفي ما تعطي إذا كانت بأرض متسفّلة. ويحتمل أن يكون معناه : مرّتين في كلّ سنة. واحدة ـ أي : كلّ ستّة أشهر ـ فيما روي. وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : معناه : يتضاعف نموّها كما يتضاعف أجر من أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله. (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ) ؛ أي : مطر شديد (فَطَلٌّ) ؛ أي : أصابها مطر يسير. أراد به أنّ خيرها لا يخلف على كلّ حال ولا يرى الغبار عليها على [كلّ] حال. (٤)

(فَطَلٌّ) : فالّذي يصيبها طلّ. (٥)

(بِرَبْوَةٍ). عاصم وابن عامر بفتح الراء ، والباقون بضمّها. (أُكُلَها). الحرميّان مخفّفا. (٦)

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٦٥٠.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٤٨.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٦٥٣.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٦٥٢ ـ ٦٥٣.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٦٥٣.

(٦) التيسير / ٧٠.

٢٥٦

(ضِعْفَيْنِ). حال أي : مضاعفا. (١)

(ضِعْفَيْنِ). عن الصادق عليه‌السلام : أي : يتضاعف ثمرتها كما يتضاعف أجر من أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله. (٢)

(فَطَلٌّ) ؛ أي : مطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها وبرودة هوائها. أو مثّل حالهم عند الله بالجنّة على الربوة ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطلّ. وكما أنّ كلّ واحد من المطرين يضعف أكل الجنّة ـ أي يزيد فيه ـ فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة ، بعد أن يطلب بها وجه الله ويبذل فيها الوسع ، زاكية عند الله زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عنده. (٣)

[٢٦٦] (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)

عن الباقر عليه‌السلام : من أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله ، ثمّ امتنّ على من تصدّق عليه ، كان كما قال الله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ) ـ الآية. (٤)

(أَيَوَدُّ). الهمزة فيه للإنكار. والإعصار : الريح التي تستدير في الأرض ثمّ تسطع نحو السماء كالعمود. وهذا مثل لمن يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغي بها وجه الله فإذا كان يوم القيامة وجدها محبطة فيتحسّر عند ذلك [حسرة] من كانت له جنّة من أبهى الجنّات وأجمعها للثمار فبلغ الكبر وله أولاد ضعاف والجنّة معاشهم فهلكت بالصاعقة. وعن ابن عبّاس أنّه مثل لرجل اعتنى بعمل الحسنات (٥) ثمّ بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتّى أغرق أعماله كلّها. فإن قلت : كيف قال : (جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) ثمّ قال : (لَهُ فِيها مِنْ

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١٣٩١.

(٢) تفسير عليّ بن إبراهيم ١ / ٩٠.

(٣) الكشّاف ١ / ٣١٣.

(٤) نور الثقلين ١ / ٢٨٥.

(٥) المصدر : لرجل غنيّ يعمل الحسنات.

٢٥٧

كُلِّ الثَّمَراتِ؟) قلت : النخيل والأعناب أردفها ذكر كلّ الثمرات. ويجوز أن يريد بالثمرات المنافع التي كانت تحصل له فيها. (وَأَصابَهُ). الواو للحال. (١)

(إِعْصارٌ) : زوبعة. (كَذلِكَ) ؛ أي : مثل هذا البيان الذي يبيّن لكم في أمر الصدقة وقصّة إبراهيم وما بعدها إلى هذه الآية ، مثل للمرائي في النفقة ، لأنّه ينتفع بها عاجلا وتنقطع عنه آجلا أحوج ما يكون إليه. (٢)

[٢٦٧] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)

(مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) ؛ أي : من حلال كسبكم ، أو من خياره وجياده. كقوله : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ».)(٣) والإنفاق يشمل الفرائض والنوافل. وفيه دلالة على أنّ ثواب الصدقة من الحلال المكتسب أعظم من الحلال الغير المكتسب. وذلك أنّه أشقّ عليه. (وَمِمَّا) ؛ أي : وأنفقوا من الغلّات والثمار. (٤)

(أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ) ـ الآية. عن أبي عبد الله عليه‌السلام : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أمر بالنخل أن يزكّى ، يجيء قوم بألوان من أردى التمر يقال له الجعرور والمعافار (٥) عوض التمر الجيّد. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [للخارص] : لا تخرص هاتين التمرين ، لعلّهم يستحيون لا يأتون بهما. وفي ذلك نزل. والإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين. (٦)

وفي رواية أخرى عنه عليه‌السلام : كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهليّة. فلمّا أسلموا

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٦٥٤.

(٣) آل عمران (٣) / ٩٢.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٦٥٦.

(٥) المصدران : المعافارة.

(٦) انظر : الكافي ٤ / ٤٨ ، ح ٩ ، وتفسير العيّاشيّ ١ / ١٤٩ ـ ١٥٠.

٢٥٨

أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدّقوا بها. فأبى الله إلّا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا. (١)

أقول : روي أن تلك المكاسب الخبيثة كانت من الربا في الجاهليّة.

(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) ؛ أي : لا تقصدوا الرديء من المال ممّا كسبتموه أو أخرج من الأرض. وقيل : المراد به الحرام. وقرأ ابن كثير : «ولا تيمموا» بتشديد التاء ، والباقون بالتخفيف. كلاهما بمعنى واحد. كأنّ ابن كثير ردّ الحرف الساقط في القراءة الأخرى وأدغم لأنّه كان في الأصل تاءان. (٢)

(إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا) أي إلّا [بأن] تتسامحوا في أخذه وتترخّصوا فيه. من قولك : أغمض فلان عن بعض حقّه ، إذا غضّ بصره. وقيل : إلّا أن توجدوا مغمضين. وعن ابن عبّاس : كانوا يتصدّقون بحشف التمر وشراره ، فنهوا عنه. (٣)

[٢٦٨] (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)

(الشَّيْطانُ). عن عبد الرحمن قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي ربما حزنت فلا أعرف في مال ولا أهل وولد. فقال : إنّه ليس من أحد إلّا ومعه ملك وشيطان. فإذا كان فرحه ، كان دنوّ الملك منه. وإذا كان حزنه ، كان دنوّ الشيطان منه. وذلك قوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ) ـ الآية. (٤)

(يَعِدُكُمُ). يقول : لا تنفق مالك فإنّك تفتقر. (مَغْفِرَةً) ؛ أي : يغفر لكم إن أنفقتم لله. (وَفَضْلاً). قال : يخلف عليكم. (٥)

(بِالْفَحْشاءِ) ؛ أي بالإنفاق من الرديء. (٦)

(بِالْفَحْشاءِ) ؛ أي : يغريكم على البخل ومنع الصدقات إغراء الآمر للمأمور. والفاحش

__________________

(١) الكافي ٤ / ٤٨ ، ح ١٠.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٦٥٦ و ٦٥٤.

(٣) الكشّاف ١ / ٣١٥.

(٤) علل الشرائع / ٩٣.

(٥) تفسير عليّ بن إبراهيم ١ / ٩٢.

(٦) مجمع البيان ٢ / ٦٥٧.

٢٥٩

عند العرب البخيل. (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً) في الإنفاق لذنوبكم وكفّارة لها. (وَفَضْلاً) : وأن يخلف عليكم [أفضل] ممّا أنفقتم. أو : وثوابا عليه في الآخرة. (١)

[٢٦٩]

(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ)

(وَمَنْ يُؤْتَ). قرئ : «ومن يؤت الحكمة» بكسر التاء. أي : من يؤته الله الحكمة. (٢)

(الْحِكْمَةَ) : طاعة الله ومعرفة الإمام واجتناب الكبائر. (٣)

(الْحِكْمَةَ) ؛ أي : التفقّه في الدين. (٤)

(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ) ؛ أي : يوفّق للعلم والعمل به. والحكيم عند الله هو العالم العامل. (٥)

(خَيْراً كَثِيراً). الخير الكثير معرفة أمير المؤمنين والأئمّة عليهم‌السلام. (٦)

(أُولُوا الْأَلْبابِ). يريد الحكماء العلّام العمّال. والمراد به الحثّ على العمل بما تضمّنت الآي في معنى الإنفاق. (٧) وهذا إشارة إلى بيان التوفيق والنظم بين الآي ، وأنّ المنفق في سبيل الله هو العالم الربّانيّ والحكيم المحقّق. ومن فقد ذلك ، حرم أن يسمّى حكيما.

[٢٧٠] (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)

(مِنْ نَفَقَةٍ) في سبيل الله أو الشيطان. (نَذْرٍ) في طاعة الله أو معصيته. (يَعْلَمُهُ) فيجازي عليه. (مِنْ أَنْصارٍ). أي يمنعهم من عقاب الله. (٨)

[٢٧١] (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٣١٥.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٦٥٨.

(٣) الكافي ١ / ١٨٥ وج ٢ / ٢٨٤.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٦٥٩ ، والتبيان ٢ / ٣٤٩.

(٥) الكشّاف ١ / ٣١٦.

(٦) تفسير عليّ بن إبراهيم ١ / ٩٢.

(٧) الكشّاف ١ / ٣١٦.

(٨) الكشّاف ١ / ٣١٦.

٢٦٠